رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

أن يقول المحال عليه للمحتال : أحلتك بالدين الذي لك على فلان على نفسي ، فيقبل ، فيقومان بركن العقد (١). انتهى.

ولعلّه ناظر إلى جواز الوفاء عنه بدون إذنه بالاتفاق ، كما قدّمناه. وهو حسن ، إلاّ أن في صلوحه لإدراج مثل هذا في الحوالة التي هي من العقود اللازمة مناقشة ؛ لاختصاص إطلاقات نصوصها بغيره ، وعدم عموم في العقود التي أُمِرنا بالوفاء بها إلاّ بالنظر إلى أنواع العقود المتعارفة زمان الصدور كما قدّمناه ، ومنها الحوالة ، ولا بد من الاقتصار فيها على ما يسمّى بها حقيقة لا مطلقاً ، وكون ما ذكر منها محلّ إشكال ، فللتوقف فيه مجال.

وعلى المشهور في الثالث ، بل عليه الإجماع عن الشيخ والتذكرة (٢) في مقامين منها ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى ما قيل من أنه أحد أركان الحوالة ، مع اختلاف الناس في الاقتضاء سهولةً وصعوبة (٣).

ويضعّف الأوّل : بأن الموجود في كلام الشيخ المحكي في المختلف (٤) ليس إلاّ دعوى الإجماع على صحة الحوالة مع رضاء الثلاثة وعدم دعواه مع عدمه.

وهو أعم من الإجماع المحكي هنا ، ولم يحكه عنه هو ولا غيره سوى المسالك (٥) ، ولعلّه اشتباه ، ويبعد غاية البعد وقوفه على كلام آخر له يدل عليه ، مع أن كتابه الخلاف مما ديدنه ذكر الإجماع فيه ولم يحكه فيه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٥٩.

(٢) الشيخ في المبسوط ٢ : ٣١٢ ، التذكرة ٢ : ١٠٦.

(٣) الروضة ٤ : ١٣٦.

(٤) المختلف : ٤٣٢.

(٥) المسالك ١ : ٢٥٨.

٢٨١

هنا ، ونحوه ابن زهرة في الغنية والحلّي في السرائر ، فمع أن ديدنهما نقل الإجماعات في المسائل لم ينقلاه هنا أصلاً ، بل اقتصرا على الموجود في المختلف من كلام الشيخ (١).

مع أن في الغنية حكى الإجماع على اشتراط رضاء الأوّلين ولم يحكه في الثالث (٢) ، ولو كان إجماعاً لنقله قطعاً ، كما لا يخفى على الممارس لكتابة هذا جدّاً.

وأمّا التذكرة فالمحكي فيها ليس صريحاً في الإجماع ؛ إذ غاية ما ذكر في عبارته في المقام الأوّل هو أنه قال أصحابنا ، إلى آخره ، وفي الثاني : يشترط رضاه عندنا (٣).

وهما ليس نصّاً في حكاية الإجماع ، بل ولا ظاهراً بعد ملاحظة ذكره نحو العبارتين في المختلف مما يتضمن نسبة الحكم إلى الأصحاب ، مع أنه في صدر المسألة ذكر أنه مشهور بين الأصحاب (٤). وهو ظاهر في وقوع الخلاف وعدم الإجماع ، مع أن ذكره أصل الحكم فيه يدلّ على عدم الإجماع عليه.

مضافاً إلى نقله الخلاف فيه عن ظاهر المفيد والنهاية ، وحكايته فيه عبارة ابن حمزة المشعرة بل الظاهرة في وقوع الخلاف بيننا في المسألة في زمانه ، ونحوها عبارة السرائر والغنية (٥) ، بل هما صريحان في عدم الإجماع ووقوع الخلاف ، هذا.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٥ ، السرائر ٢ : ٨٠.

(٢) راجع ص : ٢٨١.

(٣) التذكرة ٢ : ١٠٦.

(٤) المختلف : ٤٣٢.

(٥) المختلف : ٤٣٢.

٢٨٢

مضافاً إلى مصيره في المختلف إلى تقوية ما حكاه عن الشيخين ، وهو بعد معلوميّة تأخّر المختلف عن التذكرة نصّ في عدم الاعتداد بما قاله في التذكرة مما ظاهره حكاية الإجماع ، إما من حيث سلب ظهورها في دعوى الإجماع ، أو ظهور تبين خلافه ، وإلاّ لما صار إلى خلافه.

والثاني : بأن المحيل قد أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلا وجه للافتقار إلى رضاء من عليه الحق ، كما لو وكّله في القبض منه.

واختلاف الناس في الاقتضاء لا يمنع من مطالبة المستحق ومن نصبه ، خصوصاً مع اتفاق الحقين جنساً ووصفاً.

وما ربما يقال من أنه قياس للحوالة على الوكالة مع كونها من العقود الجائزة دون الأُولى ، فإنها من العقود اللازمة المترتب عليها كثير من الأحكام المخالفة للأُصول القطعية.

غير مفهوم ، فإن المراد من تشبيهها بالوكالة ليس إلاّ لأجل دفع دليل الاشتراط من اختلاف الناس في سهولة الاقتضاء وصعوبته ، بناءً على أنه لو صلح للاشتراط وإثبات المانعية عن الحوالة بدون رضاه لصلح لإثبات المانعية عن الوكالة مع عدم رضاه بالبديهة ؛ لجريان دليل المنع على الحوالة فيها حينئذ بالضرورة. ومثله لا يسمّى قياساً ، بل تنظيراً ، وهو جائز إجماعاً حيث يحصل دليل آخر للحكم في المقيس غير نفس القياس ، كما فيما نحن فيه ، لأن الدليل فيه هو عموم الأمر بالوفاء بالعقود ، وإطلاق كثير مما سيأتي من النصوص.

وأجود منه التنظير ببيع ما على المحال عليه من المحتال ؛ لجوازه وإن‌

٢٨٣

لم يرض به المحال عليه إجماعاً إلاّ من الحلّي (١) ، مع أن دليل المنع جارٍ فيه أيضاً.

( و ) لعلّه لذا ( ربما اقتصر بعض على رضاء المحيل والمحتال ) وأشار به في المهذب إلى الحلّي (٢) ، وليس كذلك ، فإنه ممن يشترط رضاء الثلاثة (٣) كما يستفاد من عبارته المحكية في شرح الشرائع للصيمري ، وفي التنقيح نسبه إلى التقي (٤) ، وقد مرّ عن المختلف حكايته عن الشيخين ، ومال إليه هو وشيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (٥) كالفاضل المقداد في التنقيح (٦).

ولا يخلو عن قوة ؛ لما مرّ إليه الإشارة من الأدلّة مع سلامتها عما يصلح للمعارضة.

نعم ، لو كان المالان مختلفين وكان الغرض استيفاء مثل حق المحتال توجّه اعتبار رضاء المحال عليه ؛ لأن ذلك بمنزلة المعاوضة الجديدة فلا بدّ من رضاء المتعاقدين.

ولو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور.

قيل : وعلى تقدير اعتبار رضاه ليس هو على حد رضاهما ؛ لأن الحوالة عقد لازم لا يتم إلاّ بالإيجاب والقبول ، فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال ، ويعتبر فيهما ما يعتبر في غيرهما من اللفظ العربي‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٥.

(٢) المهذب البارع ٢ : ٥٢٩.

(٣) انظر السرائر ٢ : ٧٩.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ١٩٢.

(٥) الروضة البهية ٤ : ١٣٦ ، والمسالك ١ : ٢٥٨.

(٦) التنقيح الرائع ٢ : ١٩٣.

٢٨٤

والمطابقة وغيرهما ، وأما رضاء المحال عليه فيكفي كيف اتّفق متقدّماً ومتأخراً ومقارناً. ولو جوّزنا الحوالة على البري اعتبر رضاه قطعاً (١).

( ولا يجب قبول الحوالة ولو كان على مليّ ) بلا خلاف بيننا ؛ للأصل ، وفقد المانع ، لأن الواجب قبوله أداء الدين ، وليست أداءً ، وإنما هي نقل الدين من ذمّة إلى أُخرى ، فلا يجب قبولها.

خلافاً لبعض العامة (٢) ، فأوجب القبول إذا كانت على مليّ ؛ للنبوي : « إذا أُحيل أحدكم بحقّ على مليّ فليحتل » (٣).

وقصور السند يمنع العمل به ، فليحمل على الاستحباب.

( نعم لو قبل ) الحوالة ( لزمت ، ولا يرجع ) حينئذ ( المحتال على المحيل ) بالمال المحال به مطلقاً ( ولو افتقر المحال عليه ) بعد يساره حين الحوالة ؛ لأنها توجب البراءة منه إجماعاً ، كما في الغنية وعن السرائر والتذكرة (٤) ، فلا يعود إلاّ بسبب.

وللخبر : عن الرجل يحيل الرجل بمال على الصيرفي ثم يتغيّر حال الصيرفي ، أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي؟ قال : « لا » (٥).

ولا فرق فيه عند الأكثر بين أخذ المحتال شيئاً من المال وعدمه ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى أصالتي لزوم العقد وعدم اشتراط الأخذ ، وإطلاق النصوص التي ستذكر.

خلافاً للمحكي عن الديلمي ، ففصّل بين الصورتين ، ووافق في‌

__________________

(١) الروضة البهيّة ٤ : ١٣٦.

(٢) كابن قدامة في المغني والشرح الكبير ٥ : ٦٠.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٤٦٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٥ ، السرائر ٢ : ٨٠ ، التذكرة ٢ : ١٠٥.

(٥) التهذيب ٦ : ٢١٢ / ٥٠١ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٤ أبواب أحكام الضمان ب ١١ ح ٤.

٢٨٥

الأُولى وخالف في الثانية (١). وهو شاذّ ، وحجته غير واضحة.

( ويشترط ملاءته وقت الحوالة أو علم المحتال بإعساره ) بلا خلاف بين أصحابنا ، كما في الغنية (٢) ، وعليه الإجماع صريحاً عن التذكرة (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين ، أحدهما الصحيح (٤) ، وثانيهما الموثق (٥) : عن الرجل يحيل على الرجل بدراهم ، أيرجع عليه؟ قال : « لا يرجع عليه أبداً إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك ». وهو وإن عمّ صورتي العلم بإفلاسه وعدمه ، إلاّ أنه محمول على الثانية ؛ لكون الحوالة في هذه الصورة من الفروض الغالبة دون الصورة الأُولى ، فإنها من الفروض النادرة ، فلا يحمل عليها إطلاق الرواية. ووجه الصحة فيها عموم الأدلّة ، وأن المحتال صاحب الحق فله إسقاطه جدّاً ، فلأن يرضى بانتقاله إلى ذمّة المعسر أولى.

( ولو ) أُحيل ورضي لظنّه ملاءته ثم ( بان فقرة ) عند الحوالة ( رجع ) إن شاء ؛ عملاً بالشرطية ، وبه صرّحت الرواية السابقة.

والعبرة بيساره وإعساره وقت الحوالة ، فلو كان مليّاً فيه ثم تجدّد الإعسار فلا رجوع.

__________________

(١) المراسم : ٢٠١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٥.

(٣) التذكرة ٢ : ١٠٥.

(٤) الفقيه ٣ : ٥٥ / ١٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٣٢ / ٥٦٩ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٣ أبواب أحكام الضمان ب ١١ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٢١٢ / ٤٩٨ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٤ أبواب أحكام الضمان ب ١١ ح ٣.

٢٨٦

ولو انعكس فتجدّد له اليسار بعد الإعسار قبل أن يرجع المحتال ففي جواز الرجوع حينئذ وجهان ، من زوال الضرر ، ومن ثبوت الرجوع قبله فيستصحب. وهذا أظهر ، وفاقاً لإطلاق العبارة وجماعة (١) ؛ لأن الموجب للرجوع ليس هو الإعسار على الإطلاق ليزول بزواله ، بل الإعسار وقت العقد ، وهو متحقق فيثبت حكمه.

( و ) لو استجمعت الحوالة شرائطها المتقدمة ( يبرأ المحيل ) من المال الذي أحال به مطلقاً ( وإن لم يبرئه المحتال ) على الأظهر الأشهر ، كما في المسالك وغيره (٢) ؛ للإجماعات المتقدمة المحكية على انتقال الحق بمجرّد الحوالة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المتقدمة ، وعموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود كتاباً وسنةً ، بناءً على أن معنى الحوالة الانتقال من حينها ، نظراً إلى مبدإ اشتقاقها الذي هو التحويل ، فإذا تحققت وجب تحقّق المبدأ.

مع أن الإبراء إما أن يكون قبل الانتقال من ذمّة المحيل أو بعده ، والأوّل يستلزم بطلان الحوالة ، إذ ليس له في ذمّة المحيل حينئذ شي‌ء يحيله به ، والثاني يستلزم تحصيل الحاصل ، لأن ذمّته برئت بالحوالة فلا حاجة إلى إبراء آخر.

__________________

(١) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ٣٦٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٤ : ١٣٧ ، والسبزواري في الكفاية : ١١٥.

(٢) المسالك ١ : ٢٥٩ ؛ وانظر جامع المقاصد ٥ : ٣٦٠.

٢٨٧

( وفي رواية ) بل روايتين ، إحداهما صحيحة (١) ، والثانية ضعيفة (٢) أنه ( إن لم يبرئه ) أي المحيلَ المحتالُ ( فله الرجوع ) عليه بالمال ، وقد عمل بها الشيخان وجماعة من القدماء الأعيان (٣).

وهما لقصورهما عن المقاومة لما قدّمناه من الأدلّة سنداً في بعض ودلالة في الجميع ينبغي طرحهما أو تأويلهما بما ذكره جماعة (٤) من حمل الإبراء فيهما على الرضاء بالحوالة ، وأنه أُريد بعدم الإبراء الكناية عن عدم الرضاء بالحوالة.

وربما يتوجه حملهما على التقية عن مذهب بعض العامة (٥) من عدم حصول البراءة بالحوالة وأن مقتضاها إنما هو ضمّ ذمة إلى أُخرى ، كما قالوه في الضمان (٦).

وبالجملة الإعراض عنهما أجدر ، والمصير إلى ما قابلهما بما قدّمناه من الأدلّة أليق.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١١ / ٤٩٦ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٣ أبواب أحكام الضمان ب ١١ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٠٤ / ذيل حديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٢١٢ / ٤٩٧ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٤ أبواب أحكام الضمان ب ١١ ذيل حديث ٢.

(٣) المفيد في المقنعة : ٨١٥ ، الطوسي في النهاية : ٣١٦ ؛ وانظر الوسيلة : ٢٨٢ ، والكافي في الفقه : ٣٤٠ ، وحكاه عن ابن الجنيد والقاضي في التنقيح ٢ : ١٩٤.

(٤) منهم : الشهيد في المسالك ١ : ٢٥٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٩ : ٣١٠ ، وصاحب الحدائق ٢١ : ٥١.

(٥) كابن قدامة في المغني والشرح الكبير ٥ : ٥٥.

(٦) راجع ص : ٢٦٩.

٢٨٨

( القسم الثالث : ) في ( الكفالة ).

( وهي التعهّد بالنفس ) أي التزام إحضار المكفول متى طلبه المكفول له.

وهي ثابتة بالسنّة والإجماع ، بل والكتاب ، قال سبحانه حكايةً عن إخوة يوسف( فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ ) (١) فتأمّل.

ولكنها مكروهة ، كما يستفاد من النصوص المستفيضة ، ففي عدّة منها : « الكفالة خسارة ، غرامة ، ندامة » (٢) وفي أُخر : « مالك والكفالات ، أما علمت أنها أهلكت القرون الأُولى » (٣).

( ويعتبر ) فيها ( رضاء الكافل ) وهو المعبّر عنه بالكفيل ( والمكفول له ) بلا خلاف ، بل عن التذكرة عليه الإجماع (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى أنّ الإنسان لا يصحّ أن يلزمه الحق إلاّ برضاه ، وكذا صاحب الحق لا يجوز إلزامه شيئاً بغير رضاه ، وبهما يتمّ العقد ( دون ) من عليه الحق وهو المعبّر عنه ب ( المكفول عنه ) فلا يعتبر رضاه على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ، وعليه الإجماع في التذكرة (٥) ؛ وهو‌

__________________

(١) يوسف : ٧٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٥ / ١٨٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٢ ، الوسائل ١٨ : ٤٢٨ ، ٤٢٩ أبواب أحكام الضمان ب ٧ ح ٢ ، ٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ٥٤ / ١٨٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٤ ، الوسائل ١٨ : ٤٢٨ أبواب أحكام الضمان ب ٧ ح ١ ، ٤.

(٤) التذكرة ٢ : ١٠٠.

(٥) التذكرة ٢ : ١٠٠.

٢٨٩

الحجة.

مضافاً إلى عموم الأمر بالوفاء بالعقود الشاملة لمفروض المسألة ؛ لكونها منها ، كما مرّت إليه الإشارة.

مضافاً إلى وجوب الحضور عليه متى طلبه صاحب الحق ولو بالدعوى بنفسه أو وكيله ، إجماعاً ، كما في المسالك وغيره (١) ، والكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره بإحضاره ، وغاية الكفالة هي حضور المكفول حيث يطلب.

خلافاً للمبسوط والقاضي وابن حمزة وقوّاه الفاضل في التحرير وحكي عن الحلّي (٢) ؛ التفاتاً إلى أنه إذا لم يأذن فيها أو لم يرض به لم يلزمه الحضور مع الكفيل ، فلم يتمكّن من إحضاره ، فلا يصحّ كفالته ، لأنها كفالة بغير المقدور عليه. وهذا بخلاف الضمان ؛ لإمكان وفاء دينه من مال غيره بغير إذنه ، ولا يمكن أن ينوب عنه في الحضور.

وردّ بالمنع من عدم لزوم الحضور معه.

قيل : وعلى تقدير اعتبار رضاه ليس على حدّ رضاء الآخرين من وجوب المقارنة ، بل يكفي كيف اتّفق (٣) ، كما مرّ نظيره في الضمان (٤).

( وفي اشتراط الأجل ) فيها ، فلا يصحّ حالاّ ، أم لا فيصحّ ( قولان ) الثاني أظهر ، وهو أشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ لأصالتي الجواز وعدم الاشتراط.

خلافاً للمحكي عن المفيد والنهاية وظاهر الديلمي والقاضي في أحد‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٦٣ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ١٥٠.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٣٧ ، القاضي حكاه عنه في المختلف : ٤٣٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨١ ، التحرير ١ : ٢٢٥ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٧٨.

(٣) المسالك ١ : ٢٦٣.

(٤) راجع ص : ٢٨٥.

٢٩٠

قوليه وابن حمزة (١) فالأوّل ؛ وحجّتهم عليه غير واضحة ولا مذكورة في كتب الجماعة عدا القياس بالضمان. وضعفه أوضح من أن يحتاج إلى بيان.

( فإن اشترط أجلاً فلا بدّ من كونه معلوماً ) بلا خلاف بيننا ، بل عليه الوفاق في المسالك وغيره (٢) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى استلزام الجهل به الغرر المنهي عنه في الشريعة ، إذ ليس له وقت يستحق فيه المطالبة كغيره من الآجال ، فتأمّل.

خلافاً لبعض العامة ، فاكتفى بالأجل المجهول ؛ لاشتمالها على التبرع فيتسامح فيها كالعارية (٣). وهو قياس مع الفارق.

( وإذا دفع الكافل الغريم ) وهو المكفول إلى المكفول له وسلّمه إليه تسليماً تامّاً بأن لا يكون هناك مانع من تسلّمه كتغلّب أو حبس ظالم ، وكونه في مكان لا يتمكّن من وضع يده عليه لقوّة المكفول وضعف المكفول له ، وفي المكان المعيّن إن بيّناه في العقد ، وفي بلد العقد إن أطلقاه ، وبعد الأجل إن كانت مؤجّلة ، أو في الحلول متى شاء إن كانت حالّة ، ونحو ذلك ( فقد برئ ) من عهدته اتّفاقاً ، ولو امتنع من تسلّمه ، على الأظهر.

وقيل : سلّمه حينئذ إلى الحاكم وبرئ أيضاً (٤).

وفيه نظر ، بل الظاهر حصول البراءة حينئذ من دون احتياج إلى‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٨٤٥ ، النهاية : ٣١٥ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٠ ، القاضي حكاه عنه في المختلف : ٤٣٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨١.

(٢) المسالك ١ : ٢٦٣ ؛ وانظر الحدائق ٢١ : ٦٤.

(٣) انظر المجموع ١٤ : ٤٨.

(٤) المسالك ١ : ٢٦٣.

٢٩١

التسليم إليه ، وفاقاً لبعض من تأخّر (١) ، وإن كان التسليم إليه أحوط.

وكذا الإشهاد عليه وعلى الامتناع من قبضه ، ولا دليل على وجوبه مطلقاً حتى في صورة عدم إمكان الحاكم ، ولعلّ اعتباره في كلام شيخنا الشهيد الثاني (٢) للإرشاد للإثبات ، لا لتوقف البراءة عليه.

( وإن امتنع الكفيل ) من تسليمه ألزمه الحاكم به ، فإن أبى ( كان للمكفول له ) طلب ( حبسه ) منه ( حتى يحضر الغريم أو ) يؤدّي ( ما عليه ) إن أمكن أداؤه عنه ، كالدين.

فلو لم يمكن ، كالقصاص والزوجيّة والدعوى لعقوبة توجب حدّا أو تعزيراً ألزم بإحضاره حتماً مع الإمكان ، وله عقوبته عليه ، كما في كلّ ممتنع من أداء الحق مع قدرته.

فإن لم يمكنه الإحضار وكان له بدل ، كالدية في القتل وإن كان عمداً أو مهر مثل الزوجة ، وجب عليه الإحضار.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك في الظاهر ، حتى في جواز الاكتفاء عن الإحضار بأداء ما عليه إذا رضي به المكفول له.

وأما مع عدم رضاه به ومطالبته الإحضار ففي الاكتفاء بذلك عنه هنا أيضاً ، أم لا ، فيجوز للمكفول له إلزامه بالإحضار مطلقاً قولان ؛ للأوّل كما هو ظاهر العبارة وجماعة (٣) تبعاً للطوسي (٤) ـ : حصول الغرض من الكفالة.

__________________

(١) كالعلامة في التذكرة ٢ : ١٠١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٦٣ ، وصاحب الحدائق ٢١ : ٦٥.

(٢) المسالك ١ : ٢٦٣.

(٣) منهم : ابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٨ ، والعلامة في الإرشاد ١ : ٤٠٣.

(٤) النهاية : ٣١٥.

٢٩٢

وللثاني كما عن التذكرة ، وبه صرّح في المسالك والروضة (١) ، واختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة (٢) ـ : عدم انحصار الأغراض في أداء الحق أو كيف اتّفق ، خصوصاً فيما له بدل اضطراري.

وهو الأقوى ؛ لذلك ، مضافاً إلى العمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقد ، وظواهر المعتبرة المستفيضة التي هي الأصل في المسألة.

منها الموثق : « اتي أمير المؤمنين برجل تكفّل بنفس رجل ، فحبسه وقال : اطلب صاحبك » (٣) ونحوه خبران آخران (٤).

والرضوي : « إذا كفل الرجل الرجل حبس إلى أن يأتي بصاحبه » (٥).

وليس فيها مع كثرتها ، واعتبار سند بعضها ، وانجبار ضعف باقيها كقصور الأوّل بعمل العلماء تخيير للكفيل بين الإحضار وأداء المال ، بل أُمر بالأوّل خاصة.

وربما يمكن أن يقال باحتمال ورود الأمر والإلزام بالإحضار مورد الغالب من عدم بذل الكفيل للمال ، فلا دلالة في هذه الأخبار على لزوم الإحضار على الإطلاق.

ثم على تقدير كون الحق مالاً وأدّاه الكفيل برضاء المكفول له أو مطلقاً ، فإن كان قد أدّى بإذن المكفول عنه رجع عليه كمن أدّى المال بإذن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٠٢ ، المسالك ١ : ٢٦٣ ، الروضة ٤ : ١٥٥.

(٢) منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ١٥٢ ، وصاحب الحدائق ٢١ : ٦٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٥ / ٦ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٠ أبواب أحكام الضمان ب ٩ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ٥٤ / ١٨٤ ، التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٧ ، الوسائل ١٨ : ٤٣١ أبواب أحكام الضمان ب ٩ ح ٢ ، ٤.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٦ ، المستدرك ١٣ : ٤٣٨ أبواب أحكام الضمان ب ٧ ح ١ ؛ بتفاوت.

٢٩٣

مَن عليه. وكذا إن أدّى بغير إذنه مع كفالته بإذنه وتعذّر إحضاره والمراجعة إليه ؛ لأن ذلك من لوازم الكفالة ، فالإذن فيها إذن في لوازمها ، ولا رجوع له في غير الصورتين.

والفرق بين الكفالة والضمان في رجوع من أدّى بالإذن هنا وإن كفل بغير الإذن بخلاف الضمان عدم تعلّق الكفالة بالمال بالذات ، وأن حكم الكفيل بالنسبة إليه حكم الأجنبي ، فإذا أدّاه بإذن المديون فله الرجوع ، بخلاف الضمان ، لانتقال المال به إلى ذمّته فلا ينفعه الإذن في الأداء بعده ، لأنّه كإذن البري‌ء للمديون في أداء دينه.

( ولو ) تكفّل رجل برجل و ( قال : إن لم أُحضره إلى كذا كان عليّ كذا ، كان كفيلاً أبداً ولم يلزمه المال ) عند الأجل ، بل لا بدّ من الإحضار.

( ولو قال : عليّ : كذا إلى كذا إن لم أُحضره ، كان ضامناً للمال إن لم يحضره في الأجل ) في المشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع في صريح المهذب البارع وشرح الشرائع للصيمري وعن المحقق الشيخ علي وهو ظاهر التنقيح (١) ، ولعلّه كذلك.

ولم يقدح فيه مخالفة الإسكافي (٢) ؛ لشذوذه ، ومعلومية نسبه ، مع موافقته لهم في الجملة.

ونحوه الجواب عن تنظّر الفاضل في المختلف (٣) ، وجعله رأيه أنسب.

__________________

(١) المهذب البارع ٢ : ٥٣٢ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ٣٩٣ ، التنقيح الرائع ٢ : ١٩٦.

(٢) كما حكاه عنه في المختلف : ٤٣٥.

(٣) المختلف : ٤٣٥.

٢٩٤

وأما الاختلاف في الشقّ الثاني من حيث تقييد الحكم فيه بضمان المال بشرط عدم الإحضار ، كما هنا وفي كلام الشيخ ومتابعيه والفاضل في التحرير والتذكرة (١) ، وعدمه ، كما في الشرائع والإرشاد والقواعد (٢) فغير قادح فيه على اليقين ؛ للموافقة في الحكم في كلتا الصورتين ، غاية الأمر الاختلاف في الإطلاق والتقييد ، وهو لا يوجب الخروج والمخالفة في أصل الحكم ، والإجماعات المحكية إنما هي على أصله في الجملة ، لا على وصفيته من أحد الأمرين.

مع احتمال عدم المخالفة في التقييد والاتفاق على اعتباره وإن سومح بذكره في تلك الكتب ، ولعلّه للاعتماد على الشرطية المذكورة فيها قبل الحكم كالعبارة.

ويعضده استنادهم إلى ما هو الأصل في هذا الحكم من الموثقين المذكور فيهما القيد كالعبارة ، في أحدهما : عن الرجل يكفل بنفس الرجل فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهماً ، قال : « إن جاء به إلى أجل فليس عليه مال وهو كفيل بنفسه أبداً إلاّ أن يبدأ بالدراهم ، فإن بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجّله » (٣).

وفي الثاني : رجل كفل لرجل بنفس رجل ، فقال : إن جئت به وإلاّ فعليّ خمسمائة درهم ، قال : « عليه نفسه ولا شي‌ء عليه من الدراهم » فإن قال : عليّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه ، فقال : « تلزمه الدراهم إن لم يدفعه‌

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٣١٥ ، وتبعه ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨١ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٥ ، التحرير ١ : ٢٢٥ ، التذكرة ٢ : ١٠٢.

(٢) الشرائع ٢ : ١١٥ ، الإرشاد ١ : ٤٠٣ ، القواعد ١ : ١٨٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٤ / ١٨٧ ، التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٨ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٢ أبواب أحكام الضمان ب ١٠ ح ٢.

٢٩٥

إليه » (١).

وليس في سندهما عدا داود بن الحصين في الأوّل ، وهو موثّق ، مع احتمال وثاقته ، لتوثيق النجاشي له على الإطلاق من دون إشارة إلى وقفه (٢) ، وهو ظاهر في حسن عقيدته ، وإن صرّح به الشيخ في رجال (٣) ، لتقديمه عليه عند التعارض.

وحسن بن محمّد بن سماعة وأبان بن عثمان في الثاني ، وكلاهما موثّقان ، مع أنّ الثاني منهما ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

فهما في غاية من الاعتبار ، ومع ذلك مشتهران بين الأصحاب غاية الاشتهار ، ولو كانا ضعيفين لحصل لهما به الانجبار. فلا يلتفت إلى ما يرد عليهما من المخالفة للقواعد الشرعية والعربية من حيث تضمّنهما الفرق بين المسألتين بمجرّد تقديم الجزاء على الشرط وتأخيره عنه ، مع أن ذلك لا مدخل له في اختلاف الحكم ، لأن الشرط وإن تأخّر فهو في حكم المتقدم ، فكم من نصوص مخالفة للقواعد يخرج بها عنها ، مع قصورها عن مرتبة الموثقين الواردين هنا ، فالخروج بهما عنها مع ما هما عليه من المرجّحات القوية التي عمدتها فتوى الطائفة والإجماعات المحكية بطريق أولى ، ولا احتياج إلى التكلّفات الصادرة عن جماعة في تطبيقهما مع القاعدة ، مع تضمّن بعضها اطراحهما والخروج عن ظاهرهما بالكلّية.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٣ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٢ أبواب أحكام الضمان ب ١٠ ح ١.

(٢) رجال النجاشي : ١٥٩ / ٤٢١.

(٣) رجال الشيخ : ٣٤٩.

٢٩٦

( ومن خلّى غريماً ) وأخلصه ( من يد غريمه قهراً لزمه إعادته أو أداء ما عليه ) إن أمكن ، كما في الدين ، دون القصاص ونحوه ، مطلقاً ، أو بعد تعذّر الإحضار على المختار في الكفيل ، والمخلِّص بحكمه.

لكن هنا حيث يؤخذ منه المال لا رجوع له على الغريم إذا لم يأمره بدفعه ، إذ لم يحصل من الإطلاق والتخليص ما يقتضي الرجوع.

( ولو كان ) الغريم ( قاتلاً ) عمداً كان أو شبهه ( أعاده أو دفع الدية ) ولا خلاف في المقامين على الظاهر ، بل عليهما الإجماع في شرح الشرائع للصيمري ؛ وعلّلوه بأنّه غصب لليد المستولية المستحقة من صاحبها ، فكان عليه إعادتها أو أداء الحق الذي بسببه تثبت اليد عليه.

ويعضده حديث نفي الضرر (١) ؛ مضافاً إلى الصحيح في الثاني : عن رجل قتل رجلاً عمداً ، فرفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه ، فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء ، قال : « أرى أن يحبس الذي خلّص القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل » [ قيل : فإن مات القاتل (٢) ] وهم في السجن ، قال : « فإن مات فعليهم الدية يؤدّونها جميعاً إلى أولياء المقتول » (٣).

قالوا : ولا يقتصّ منه في العمد ؛ لأنه لا يجب على غير المباشر.

ثم إن استمرّ القاتل هارباً ذهب المال على المخلّص.

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٠ / ٩٣ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢٢٧ / ٨٣ ، سنن ابن ماجه ٢ : ٧٨٤ / ٢٣٤٠ ، ٢٣٤١ ، مسند أحمد ٥ : ٣٢٧ ؛ وانظر الوسائل ٢٥ : ٤٢٧ أبواب إحياء الموات ب ١٢ الأحاديث ٣ ، ٤ ، ٥.

(٢) أضفناه من المصدر.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨٦ / ١ ، الوسائل ١٨ : ٤٣٧ أبواب أحكام الضمان ب ١٥ ح ١.

٢٩٧

وإن تمكّن وليّ المقتول منه في العمد وجب عليه ردّ الدية على الغارم وإن لم يقتصّ من القاتل ؛ لأن الدية وجبت لمكان الحيلولة وقد زالت ، وعدم القتل الآن مستند إلى اختيار المستحق لا إلى تقصير المخلّص.

ولو كان تخليص الغريم من يد كفيله وتعذّر استيفاء الحق من قصاص أو مال وأخذ الحق من الكفيل ، كان له الرجوع على الذي خلّصه كتخليصه من يد المستحق.

( وتبطل الكفالة بموت المكفول ) قبل إحضاره ، بلا خلاف ، بل في الغنية والتذكرة عليه الإجماع (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى فوات متعلّقها وهو النفس ، وفوات الغرض لو أُريد البدن.

قيل : إلاّ في الشهادة على عينه ليحكم عليه بإتلافه أو المعاملة له إذا كان قد شهد عليه من لا يُعرف نسبه ، بل شهد على صورته فيجب إحضاره ميتاً حيث يمكن الشهادة عليه بأن لا يكون قد تغيّر بحيث لا يُعرف ، ولا فرق حينئذ بين كونه قد دُفن وعدمه ، لأن ذلك مستثنى من تحريم نبشه (٢).

وهو حسن مع اشتراطه أو قيام القرينة على إرادته ، ومشكل مع عدمهما ؛ لعدم انصراف إطلاق الكفالة إلاّ إلى إحضار المكفول حال الحياة ، ولكن الأحوط ذلك.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٥ ، التذكرة ٢ : ١٠٢.

(٢) الروضة البهية ٤ : ١٦٩.

٢٩٨

( كتاب الصلح )

( وهو مشروع ) في الأصل ( لقطع المنازعة ) السابقة أو المتوقّعة. وهو في الجملة مجمع عليه بين الأُمّة ، كما عن السرائر والتذكرة (١) ، والآيات به كالسنة متظافرة ، قال سبحانه ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٢). وقال عزّ شأنه ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) (٣). وفي الصحيح : « الصلح جائز بين المسلمين » (٤).

ونحوه المرسل الخاصي المروي في الفقيه (٥) ، والعامي (٦) ، بزيادة فيهما من الاستثناء الآتي ، هذا.

والنصوص من الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة في موارد مخصوصة به مستفيضة ، سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

ومقتضاها كإطلاق السابقة ، مضافاً إلى إجماع الإمامية المحكي في‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٤ ، التذكرة ٢ : ١٧٧.

(٢) النساء : ١٢٨.

(٣) الحجرات : ٩.

(٤) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٧٩ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٣ أبواب أحكام الصلح ب ٣ ح ١ ، وفي الجميع : « بين الناس ».

(٥) الفقيه ٣ : ٢٠ / ٥٢ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٣ أبواب أحكام الصلح ب ٣ ح ٢.

(٦) سنن الدارقطني ٣ : ٢٧ / ٩٦ ، ٩٧ ، مسند أحمد ٢ : ٣٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ / ١٣٦٣.

٢٩٩

كلام جماعة بعنوان الاستفاضة (١) عدم اشتراطه بسبق خصومه ، كما عليه بعض العامة (٢).

نعم ، ربما يشعر لفظة الصلح بتحقق منازعة ، ولكن لا يتعيّن كونها سابقة ، بل يصحّ إطلاقه بالإضافة إلى رفع منازعة متوقّعة محتملة وإن لم تكن سابقة ، كما يفصح عنه الآية الأُولى ، فاشتراط السبق في مفهومه باعتبار اللفظة غفلة واضحة.

نعم ، لا تساعد الأخبار المتقدّمة على الدلالة على مشروعيّته حيث لا منازعة سابقة ولا متوقّعة.

ولكن يمكن الذبّ عنه بعدم القائل بالفرق بين الأُمّة ، فكلّ من قال بالمشروعية لدفع منازعة متوقّعة وإن لم تكن سابقة كما دلّ عليها إطلاق الأخبار المذكورة ، قال بها في الصورة المزبورة التي لم تكن المنازعة فيها بسابقة ولا متوقّعة ، هذا.

مضافاً إلى عموم أدلّة لزوم الوفاء بالعقود الشاملة لمفروض المسألة.

فلو وقع ابتداءً على عين بعوض معلوم صحّ وأفاد نقل كلّ من العوضين كما في البيع.

ولا يلزم من كون أصل المشروعيّة لقطعها ثبوتها في كلّ فرد فرد من أفراده خصوصاً مع وجود الأدلّة الشاملة بعمومها أو إطلاقها لما لا خصومة فيه ، كما في نظائره كالعدّة ، فقد شرّعت لاستبراء الرحم مع الاتفاق نصّاً وفتوى على وجوبها في مواضع يقطع ببراته فيها.

__________________

(١) منهم : العلاّمة في التذكرة ٢ : ١٧٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٦٧ ، الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ١٢٠.

(٢) كالخطيب في مغني المحتاج ٢ : ١٧٨.

٣٠٠