رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

شرائها وكونها معه ، وهو أعم من تحليله الوطء ، ولا دلالة للعام على الخاص بالبديهة ، مع عدم فتوى أحد بها سوى الشيخ في النهاية (١) ، ولم يوافقه من بعده بل ولا قبله أحد من الطائفة ، فلا يُخصّص بها ما قدّمناه من الأدلّة على الحرمة ، وإن كانت بحسب السند معتبرة في الجملة ، لعدم الضعف بالحسن ومن قبله ، لكونهما موثقين والموثق حجّة ، ولا بالكاهلي ، لحسنه ، وهو كالسابقين حجّة ، واشتراك ابن زياد غير مضرّ ، لظهوره في ابن أبي عمير ، لغلبة التعبير به عنه.

وذهب جماعة (٢) إلى الجواز في الصورة الثانية ؛ قدحاً منهم في تلك الأدلّة المانعة.

ولا يخلو عن قوّة ، كما سيأتي في بحث النكاح إليه الإشارة.

وهنا صورة أُخرى ثالثة هي الإذن في الوطء بعد الشراء مع عدم ظهور ربح أصلاً.

وحكمها الجواز عند جماعة (٣) مطلقاً ، وينبغي القطع به مع القطع بعدم ظهور ربح.

ويشكل مع عدم القطع به واحتمال ظهوره إن قلنا بالمنع في صورته ؛ لاحتمال حصول الشركة الموجبة للمنع في نفس الأمر ، فيجب الترك من باب المقدمة.

ويحتمل الجواز مطلقاً ، كما قالوه ؛ لأصالة عدم الظهور. ولا ريب أن الأحوط تركه.

__________________

(١) النهاية : ٤٣٠.

(٢) منهم : العلاّمة في الإرشاد ١ : ٤٣٦ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٢ : ٣٢٠.

(٣) التنقيح ٢ : ٢٢٥ ، المسالك ١ : ٢٩١.

٣٦١

( ولا تصحّ المضاربة بالدين حتى يقبض ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع عن التذكرة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة ، كالقوي المرتضوي : « في رجل له على رجل مال فتقاضاه ولا يكون عنده ما يقضيه ، فيقول : هو عندك مضاربة ، قال : لا يصحّ حتى يقبضه » (٢).

ومثله ما لو أذن للعامل في قبضه من الغريم ، فإنه لا يخرج بذلك عن وقوع المضاربة بالدين ، إلاّ أن يجدّد عقدها بعد القبض.

( ولو كان في يده ) أموال ( مضاربة ) لمتعدّدين ( فمات ) وعُلم بقاؤها في تركته ( فإن ) كان ( عيّنها لواحد ) منهم ( أو علمت منفردة ) بالقرائن المفيدة للعلم فلا بحث ( وإلاّ تحاصّ فيه ) أي في المجتمع من أموال المضاربة ( الغرماء ) وأرباب الأموال على نسبة أموالهم ؛ للخبر : « من يموت وعنده مال مضاربة فإن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان ، فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو أُسوة الغرماء » (٣).

هذا إذا كانت أموالهم مجتمعة في يده على حدة ، وأمّا إذا كانت ممتزجة مع جملة ماله مع العلم بكونه موجوداً فالغرماء بالنسبة إلى جميع التركة كالشريك ، إن وسعت التركة أموالهم أخذوها ، وإن قصرت تحاصّوا ، كذا قيل (٤).

والوجه في حرمان الورثة مع قصور التركة عن مالهم أو مساواتها له مع فرض وجود مال للمورث غير واضح ، إلاّ مع ثبوت موجب ضمان‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٤ ، التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٨ ، الوسائل ١٩ : ٢٣ أبواب أحكام المضاربة ب ٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٥١ ، الوسائل ١٩ : ٢٩ أبواب أحكام المضاربة ب ١٣ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ٢٩١.

٣٦٢

التالف من أموالهم من تعدّ أو تفريط ؛ لثبوت أمانته وعدم ضمانه للتالف إلاّ مع أحد الأمرين ، كما مرّ (١).

والاكتفاء في الضمان باحتمال أحدهما مدفوع بالأصل. وعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٢) مخصَّص بما دلّ على أمانته.

فالوجه ضرب الورثة مع الغرماء في التحاصّ ، وأخذهم جميع ما لمورّثهم مع العلم بعدم تلف شي‌ء منه ، ومع احتماله يتحاصّون معهم بنسبة مالهم.

ويمكن حمل كلام القائل عليه بتعميم الغرماء في كلامه للورثة بضرب من التغليب.

ولكن يشكل بتوقّف ذلك على معرفة مقدار مال الميت ومعلوميّة نسبته بالإضافة إلى أموالهم ، ولو جهل أشكل الحكم في ضربهم معهم في التحاصّ.

ثم كلّ ذا مع العلم ببقاء أموال المضاربة.

وأمّا مع الجهل به واحتمال تلفها يحكم بكون التركة ميراثاً ؛ عملاً بظاهر اليد.

ولكن مع ذلك هل يحكم بضمانه للمضاربة من حيث أصالة بقائه إلى أن يعلم تلفه بغير تفريط ، ولعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » أم لا ؛ لأصالة براءة الذمة وكونه أمانة غير مضمونة. وأصالة بقائه لا تقتضي ثبوته في ذمّته مع كونه أمانة؟ وجهان ، أجودهما الأخير ، يظهر وجهه مما مرّ عن قريب.

__________________

(١) في ص : ٣٥٥.

(٢) عوالي اللئلئ ٢ : ٣٤٥ / ١٠ ، وفي سنن البيهقي ٦ : ٩٠ ، ومستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، ومسند أحمد ٥ : ٨ ، ١٣ ( حتى تؤديه ).

٣٦٣

( كتاب المزارعة والمساقاة ) ‌

( أما المزارعة فهي ) لغةً مفاعلة من الزرع ، وهي تقتضي وقوعه منهما ، لكنها في الشرع صارت ( معاملة على الأرض بحصّة ) معيّنة ( من حاصلها ) سواء كان كلّ من البذر والعوامل للمالك أو العامل أو مشتركاً ، وسواء كان كلّ من الأرض والعمل مختصّاً بأحدهما أو مشتركاً بينهما ، ونسب الفعل إليهما بفعل أحدهما مع طلب الآخر ، فكأنه لذلك فاعل ، كالمضاربة.

وخرج بالمعاملة على الأرض المساقاة ، فإنها بالذات على الأُصول ، وبالحصّة إجارة الأرض للزراعة أو الأعم ؛ إذ لا تصح إلاّ بأُجرة معلومة لا بحصّة من الحاصل.

هذا بحسب الاصطلاح ، وإلاّ ففي الأخبار ربما تطلق المزارعة على ما يشمل المساقاة ، وربما تطلق على ما يشملهما وإجارة الأرض أيضاً كالقبالة.

والثلاثة ثابتة بإجماعنا المستفيض النقل في عبائر جماعة من أصحابنا ، كالغنية والتذكرة والمهذب البارع والمسالك (١) ، وغيرها من كتب الجماعة (٢).

ونصوصنا به مع ذلك مستفيضة معتضدة ببعض الأخبار العاميّة (٣) ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١ ، التذكرة ٢ : ٣٣٦ ، المهذب البارع ٢ : ٥٦٦ ، المسالك ١ : ٢٩١.

(٢) كالمبسوط ٣ : ٢٥٤ ، والسرائر ٢ : ٤٤١ ، والحدائق ٢١ : ٢٧٨.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٢٦٢ ، ٢٦٣ / ٣٤٠٨ ٣٤١٠ ، الموطأ ٢ : ٧٠٣ / ١ ، ٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٧٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٧ / ١٤٩ ١٥١.

٣٦٤

ففي الصحيح : عن المزارعة ، قال : « النفقة منك ، والأرض لصاحبها ، فما أخرج الله عزّ وجلّ منها من شي‌ء قسّم على الشرط ، وكذلك أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر حين أتوه فأعطاهم إيّاها أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت » (١) ونحوه غيره (٢) ، وهما مما يشمل المساقاة.

و: عن الرجل يعطي الرجل أرضه وفيها الرمان والنخل والفاكهة ، ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك النصف مما خرج ، قال : « لا بأس » (٣) وهو المساقاة.

وفي الصحيح : عن الرجل يتقبّل الأرض بالدنانير أو بالدراهم؟ قال : « لا بأس » (٤) وهو إجارة الأرض.

واستدل الأكثر بالصحيح السابق ونحوه على جواز المزارعة والمساقاة بصيغة الأمر.

وفيه نظر ؛ لقصور الدلالة أوّلاً : بأن غايته نفي البأس ، وهو لا يدلّ على اللزوم المطلوب إثباته بالصيغة.

وثانياً : بعدم تضمّنه القبول ولو فعلاً ، وهو كاشف عن أن المراد من ذكر ذلك بيان ما يصحّ مساقاته ، لا صيغتها حتى يستدل به على ذلك.

فإذاً الأحوط بل الأجود وفاقاً للشهيد الثاني (٥) اعتبار الماضويّة ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٩٨ / ٨٧٦ ، الوسائل ١٩ : ٤٥ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٧ / ٨٧٤ ، الوسائل ١٩ : ٤٦ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١١ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٥٤ / ٦٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٩٨ / ٨٧٦ بتفاوت ، الوسائل ١٩ : ٤٤ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ٩ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ٢٦٥ / ٤ ، الوسائل ١٩ : ٥٤ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٦ ح ٤.

(٥) الروضة ٤ : ٢٧٦.

٣٦٥

والقبول اللفظي ، وسائر ما يعتبر في العقود اللازمة هنا أيضاً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم اللزوم على القدر المجمع عليه والمتيقّن كونه عقداً ، وليس ما يتضمّن الإيجاب بنحو من الأمر والقبول فعلاً بمتيقّن كونه عقداً عرفاً حتى يدخل في حيّز ما دلّ على لزومه ، فافهم.

( وتلزم المتعاقدين ) إجماعاً ، كما في المسالك وغيره (١) ؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود إلاّ ما أخرجه الدليل ، وليس هذا منه إجماعاً ، كما في الروضة (٢).

و ( لكن لو تقايلا ) وتفاسخا العقد ( صحّ ) الفسخ ، بلا خلاف يعرف ، بل قيل : كأنه إجماع (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى عموم أدلّة استحباب الإقالة (٤).

( ولا تبطل بالموت ) ولا البيع ، بلا خلاف ؛ للأصل ، وأن ذلك مقتضى اللزوم ، فإن مات المالك أتمّ العامل العمل ، وإن مات العامل قام وارثه مقامه ، وإلاّ استأجر الحاكم من ماله أو مما يخرج من حصّته من يقوم به ، إلاّ إذا شرط على العامل أن يعمل بنفسه ومات قبل ظهور الثمرة ، فتبطل بموته ، دون ما إذا مات بعده ؛ لسبق ملكه.

وربما قيل بالبطلان بموته في هذه الصورة مطلقاً ، ولو بعد ظهور الثمرة (٥).

ويستشكل بأنه قد ملك بظهورها الحصّة.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٩٢ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ٩٥.

(٢) الروضة ٤ : ٢٧٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٩٩.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٨٥ أبواب آداب التجارة ب ٣.

(٥) الروضة ٤ : ٢٧٧.

٣٦٦

ويمكن الجواب بنحو ما مرّ في المضاربة : من تزلزل الملكيّة وعدم استقرارها إلاّ بتمام العمل هنا ، فلو مات قبله انتفى ملكه لها ، فتأمّل.

( وشروطها ثلاثة ) أحدها : ( أن يكون النماء مشاعاً ) بينهما ( تساوياً فيه أو تفاضلا ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية وغيرها (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى كون عقد المزارعة والمساقاة على خلاف الأصل ؛ لتضمنه جهالة العوض ، فيقتصر فيه على موضع الإجماع والنقل ، وليس إلاّ مع إشاعة النماء ، ففي المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره : « لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس » (٢).

وخصوص الصحيح : « لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة ، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به » (٣).

وعليه فلو شرط لأحدهما شي‌ء معيّن وإن كان البذر ، وللآخر الباقي أو لهما بطل ، سواء كان الغالب أن يخرج منها ما يزيد على المشروط وعدمه.

خلافاً للمحكي عن الشيخ وجماعة (٤) ، فجوزوا استثناء البذر من جملة الحاصل. وفي المختلف جواز استثناء شي‌ء مطلقاً (٥) ، ورجّحه في الكفاية (٦) ؛ استناداً إلى قوله سبحانه ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) (٧) الآية.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١ ؛ وانظر الحدائق ٢١ : ٢٨٤.

(٢) انظر الوسائل ١٩ : ٤١ ، ٤٢ أبواب المزارعة والمساقاة ب ٨ ح ٣ ، ٧.

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٧ / ٨٧١ ، الإستبصار ٣ : ١٢٨ / ٤٥٩ ، الوسائل ١٩ : ٤١ أبواب المزارعة والمساقاة ب ٨ ح ٣.

(٤) الشيخ في النهاية : ٤٤٠ ؛ المهذب ٢ : ١٢ ، السرائر ٢ : ٤٤٤ ، التحرير ١ : ٢٥٦.

(٥) المختلف : ٤٧١.

(٦) الكفاية : ١٢١.

(٧) النساء : ٢٩.

٣٦٧

وهو كما ترى ؛ إذ ليس المستفاد منه إلاّ الجواز مع المراضاة ، وهو لا يستلزم اللزوم مع فقدها ولو بعدها كما هو المدّعى ، مع أنه مخصّص بما مضى.

مضافاً إلى ما دلّ على النهي عن التجارة المتضمنة للغرر والجهالة ، ومنها مفروض المسألة ، كما مرّ إليه الإشارة ، وبه صرّح في الغنية ، فقال بعد الاستناد إلى الإجماع ـ : ولأنه قد لا يسلم إلاّ ما عيّنه ، فيبقى ربّ الأرض والنخل بلا شي‌ء ، وقد لا يعطب إلاّ غلّة ما عيّنه ، فيبقى العامل بغير شي‌ء (١).

ولو شرط أحدهما على الآخر شيئاً يضمنه مضافاً إلى الحصّة من ذهب أو فضّة صحّ على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وظاهر المسالك والمفلح الصيمري (٢) عدم الخلاف فيه ، حيث ذكرا جهالة القائل بالبطلان ، وأنه إنما حكاه الماتن والعلاّمة (٣) ؛ وهو مع التمامية يصلح للحجية.

مضافاً إلى عموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود والشروط ، السليمة عن المعارض من نحو ما قدّمناه من الغرر والجهالة ، ولزوم كون النماء على الإشاعة ، لخروجه عنه بالبديهة.

وفي المفاتيح : وفي بعض الأخبار عليه دلالة (٤).

ولعلّه ما أشار إليه في الكفاية (٥) من بعض المعتبرة : عن الرجل يزرع‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.

(٢) المسالك ١ : ٢٩٢.

(٣) الماتن في الشرائع ٢ : ١٥٠ ، العلاّمة في المختلف : ٤٧١.

(٤) المفاتيح ٣ : ٩٦.

(٥) الكفاية : ١٢١.

٣٦٨

له الحرّاث الزعفران ويضمن له أن يعطيه في كلّ جريب أرض يمسح عليه وزن كذا وكذا درهماً ، فربما نقص وغرم ، وربما استفضل وزاد ، قال : « لا بأس به إذا تراضيا » (١).

وحيث صحّ يكون قراره مشروطاً بالسلامة ، كاستثناء أرطال معلومة من الثمرة في المبايعة ، ولو تلف البعض سقط من الشرط بحسابه ؛ لأنه كالشريك وإن كانت حصّته معيّنة.

ويحتمل قويّاً أن لا يسقط شي‌ء بذلك ؛ عملاً بإطلاق الشرط ، إلاّ أن يكون هناك عرف يوجب الصرف إلى الأوّل ، فيتبع.

( و ) ثانيها : ( أن يقدّر لها مدة معلومة ) يدرك فيها الزرع علماً أو ظنّاً ، وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني وجماعة (٢). فلو لم يعيّن مدّة أو عيّن أقل من ذلك بطل ؛ لأن مقتضى العقد اللازم ضبط أجله ، والأجل الناقص خلاف وضع القبالة وتفويت للغرض منها.

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع والإرشاد (٣) في الثاني ، فجوّزوا الاقتصار على المدّة الناقصة.

قيل : لجواز التراضي بعدها (٤).

ويضعف بعدم لزومه ، فلا يعلّق عليه شرط اللازم.

ولبعض متأخّري الأصحاب (٥) في الأوّل إذا عيّن المزروع ، مدّعياً‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٦ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٥٩ / ٦٩٦ ، التهذيب ٧ : ١٩٦ / ٨٦٩ ، الوسائل ١٩ : ٤٩ أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب ١٤ ح ١.

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٩٢ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٢ : ٢٨٥ ، والكفاية : ١٢١ ، المفاتيح ٣ : ٩٦.

(٣) الشرائع ٢ : ١٥٠ ، الإرشاد ١ : ٤٢٧.

(٤) مفاتيح الشرائع ٣ : ٩٧.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٩٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١٢٨.

٣٦٩

على خلافه الوفاق ، وجعله في الشرائع وغيره (١) وجهاً ، ولم يذكروه قولاً ، وفيه نوع إشعار بالوفاق كما ادّعاه ؛ فإن تمّ كان هو الحجة ، وإلاّ فما اختاره من عدم اعتبار ذكر المدّة في تلك الصورة لا يخلو عن قوة ؛ إقامةً للعادة مقام ذكر المدّة ، وإن كان ما ذكره الأصحاب أحوط البتة ، سيّما مع عدم الخلاف ، وقوة احتمال انعقاد الإجماع.

وحيث عيّنت ومضت والزرع باقٍ لم يدرك لفساد الظن كان للمالك إزالته ، على الأشهر الأظهر ؛ لانقضاء المدّة التي يستحق فيها التبقية ، والأصل تسلّط المالك على ملكه كيف شاء.

وفيه قول بالعدم مطلقاً (٢) ، وآخر به مع عدم الأرش ، وأمّا معه فالأوّل (٣).

وهو أحوط ، وأحوط منه العدم المطلق.

وعليه ففي استحقاق المالك الأُجرة ، كما عن التذكرة (٤) ، أو لا ، كما عن القواعد (٥) وليس كذلك لاختياره الأوّل قولان ، أجودهما الأوّل.

أمّا لو اتفقا على التبقية جاز بعوض وغيره ، إلاّ أنها مع العوض يفتقر في لزومها إلى تعيين مدّة زائدة كالإجارة.

ولو ترك المزارعة حتى انقضت المدة لزمته اجرة المثل مع تمكين المالك له منها ، كالإجارة ؛ لتفويت منفعتها عليه. ولا فرق في ذلك عند‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ١٥٠ ؛ وانظر المسالك ١ : ٢٩٢.

(٢) انظر التذكرة ٢ : ٣٣٩.

(٣) المسالك ١ : ٢٩٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٣٩.

(٥) القواعد ١ : ٢٣٧.

٣٧٠

الأكثر بين الترك اختياراً أو غيره ، وقيل بالاختصاص بالأوّل (١). ولا يبعد.

( و ) ثالثها : ( أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها ) في الزراعة المقصودة منها أو في نوع منها مع الإطلاق ، بأن يكون لها ماء من نهر ، أو بئر ، أو مصنع ، أو تسقيها الغيوث غالباً ، أو الزيادة كالنيل.

والضابط إمكان الانتفاع بزرعها المقصود عادة ، فإن لم يمكن بطلت المزارعة وإن رضي العامل.

والوجه في اشتراطه ظاهر ؛ لمنافاة عدم الإمكان بها للعقد ؛ لانصرافه إلى ما يمكن حصول المقصود من المزارعة منه ؛ إذ مع غيره تكون لغواً ، هذا.

مضافاً إلى مخالفة أصل العقد من حيث تضمّنه جهالة العوض للأصل ، فيقتصر فيه على المتيقن من النص والإجماع ، وليس إلاّ مع إمكان الانتفاع.

مع أنه لا خلاف في اشتراطه في الجملة ، وإن اختلفوا في متعلّقه هل هو الصحة مطلقاً ، كما هو ظاهر العبارة ، فيبطل العقد مع عدمه مطلقاً ولو مع العلم بفقده ابتداءً وعدمه بعد وجوده؟

أو في صورة الجهل بعدمه حين العقد خاصّة ، كما هو ظاهر الفاضل في الإرشاد (٢) ، حيث حكم بالبطلان بعدمه إلاّ مع العلم به؟

أو اللزوم في صورة الجهل خاصّة ، فللعامل الخيار فيها بعد العلم؟

وأمّا صورة العلم ابتداءً بعدمه حين العقد فليس بشرطٍ أصلاً ، بل‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١٠٥.

(٢) الإرشاد ١ : ٤٢٧.

٣٧١

يلزم فيها ، كما هو صريح القواعد (١) ، ووجهه كالسابق غير واضح بعد ما قرّرناه ، سيّما هذا.

وحمل على محامل مع بُعدها لا ينطبق شي‌ء منها مع ما قدّمناه من الأدلّة.

وقريب منهما في الضعف ما ذكره الفاضلان (٢) وتبعهما الشهيدان في الروضتين (٣) : من أن مع انقطاع الماء في الأثناء يتخيّر العامل بين الفسخ والإمضاء.

قيل : لطروّ العيب ، ولا يبطل العقد ، لسبق الحكم بصحته فيستصحب ، والضرر يندفع بالخيار (٤). وفيه نظر.

قالوا : فإن فسخ فعليه من الأُجرة بنسبة ما سلف من المدّة ؛ لانتفاعه بأرض الغير بعوض لم يسلم له وزواله باختياره الفسخ.

ويشكل بأن فسخه لعدم إمكان الإكمال ، وعمله الماضي مشروط بالحصّة لا بالأُجرة ، فإذا فاتت بالانقطاع ينبغي أن لا يلزمه شي‌ء آخر.

نعم ، لو كان قد استأجرها للزراعة توجه.

وبالجملة لزوم الأُجرة عليه لما سلف من أحكام الإجارة دون المزارعة ؛ إذ لا شي‌ء عليه فيها سوى الحصة ، وقد فاتت.

وحيث استفيد من حقيقة المزارعة أن المعقود عليه هو الأرض ينبغي أن تكون مملوكة ولو منفعة ، وصرّح جماعة من المحققين (٥) بكفاية‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٣٨.

(٢) المحقق في الشرائع ٢ : ١٥١ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٢٣٨.

(٣) اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٢٧٩.

(٤) الروضة ٤ : ٢٧٩.

(٥) كالمحقق في الشرائع ٣ : ٢٧٦ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٢٣١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١٩.

٣٧٢

الأولوية الحاصلة في الأرض الخراجية ، وبالإحياء إن لم نقل بكونه مفيداً للملك.

وفي النصوص ما يدلّ على جواز تقبيل الأرض الخراجية للزراعة ، ففي الصحيح : عن مزارعة أهل الخراج بالربع والثلث والنصف ، فقال : « لا بأس » (١).

وفي آخر : عن الرجل يكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل أن يعمرها ويصلحها ويؤدّي خراجها ، وما كان من فضل فهو بينهما ، قال : « لا بأس » (٢). إلى غير ذلك من النصوص (٣).

خلافاً للمسالك (٤) ، فمنع عن مزارعتها إلاّ مع الحيل التي فيه ذكرها.

والمعتبرة حجة عليه كما ترى ، وحملها على صورة الحيل بعيد جدّاً.

( وله ) أي للعامل ( أن يزرع الأرض بنفسه وبغيره ومع غيره ) وإن لم يأذن المالك ، سواء كان ذلك بعنوان التوكيل والاستنابة ، أو نقل بعض الحصة بعنوان الشركة والمزارعة الثانية ، قالوا : لنقل منفعة الأرض إليه بالعقد اللازم ، والناس مسلّطون على أموالهم.

وقيل : لا يجوز له تسليم الأرض إلاّ بإذن المالك ، كما في الإجارة (٥).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٥٨ / ٦٩٣ ، التهذيب ٧ : ٢٠١ / ٨٨٨ ، الوسائل ١٩ : ٤٢ أبواب المزارعة والمساقاة ب ٨ ح ٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٩٨ / ٨٧٦ ، الوسائل ١٩ : ٤٥ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٠ ح ٢.

(٣) انظر الوسائل ١٩ : ١٢٦ أبواب الإجارة ب ٢١.

(٤) المسالك ١ : ٢٩١.

(٥) المسالك ١ : ٢٩٦.

٣٧٣

وقيل : إنما يجوز مزارعته غيره أو مشاركته له إذا كان البذر منه ؛ ليكون تمليك الحصة منوطاً به ؛ ولأن الأصل أن لا يتسلّط على البذر إلاّ المالك أو من أذن له.

وأمّا المساقاة فليس للعامل فيها أن يساقيه ؛ لأنه لا يملك منها سوى الحصّة من الثمرة بعد ظهورها ، والأصل فيها للمالك ، وهو فيها كالبذر في المزارعة ، فيعامل عليه من يملكه ، وهو للعامل مقصود بالعرض كالأرض للمزارع (١).

وهو أحوط في الجملة ، وإن كان القول بعدم اشتراط كون البذر منه في الجواز لا يخلو عن قوة ، مع كونه الأشهر بين الطائفة ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (٢). ( إلاّ أن يشترط عليه زرعها بنفسه ) فلا يجوز التعدّي إجماعاً ؛ لأنّ المؤمنين عند شروطهم.

( و ) كذا له مع إطلاق المزارعة ( أن يزرع ما شاء ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي ظاهر الغنية (٣) الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى ما قيل من دلالة المطلق على الماهية من حيث هي ، وكلّ فرد من أفراد الزرع يصلح المطلق أن يوجد في ضمنه (٤).

وهو حسن إن تساوت أفراد الماهية في التبادر والغلبة ، وإلاّ فما ذكر محلّ مناقشة ، بل الظاهر تعيّن الراجح بأحد الأمرين ، كما قالوا بمثله في‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٩٦.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.

(٤) الروضة ٤ : ٢٨٠.

٣٧٤

مواضع عديدة ، فلولا إجماع الغنية المعتضد بالشهرة لكان المصير إلى ما ذكرنا في غاية القوّة.

وبه صرّح بعض الأفاضل ، فقال : والحق أن الإطلاق إن اقتضى بالنظر إلى ذلك الأرض وذلك الوقت تعيين نوع من الزرع تعيّن ، وإلاّ فالأولى مراعاة مصلحة المتعاملين أو المالك ، كما في إطلاق الوكالة وغيرها من العقود. انتهى.

نعم ، لو عمّم الإذن اتّجه ما ذكروه ؛ لدلالته على كلّ فرد فرد.

وكيف كان ، فتعيين نوع الزرع بالخصوص غير لازم ؛ لكون كلّ من العموم والإطلاق المتساوي الأفراد في حكم التعيين ، من حيث دخول جميع الأفراد فيهما عموماً في الأوّل ، وإطلاقاً في الثاني ، فيكون المالك بهما قادماً على أضرّ الأنواع.

وكذا المطلق الغير المتساوي الأفراد إذا كان الأضرّ من الأفراد الراجحة ويكون غير الأضرّ داخلاً بالأولوية.

ولو انعكس فكان الأضرّ من الأفراد المرجوحة فإن قلنا بتعيّن الراجح كان عن الإطلاق خارجاً ويكون صرفه إلى الراجح من قبيل تعيينه.

وإن قلنا بعدم تعيّنه ولزوم الصرف إلى جميع أفراده نظراً إلى ما قدّمناه من الدليل كان كذلك ؛ لكون الدليل كالرجحان الموجب للتعيين.

فعلى أيّ تقدير تعيين النوع بالخصوص غير محتاج إليه.

فما عن التذكرة (١) من لزومه لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات فيلزم بتركه الغرر غير ملتفت إليه ، فإنّ ما ذكرناه بجميع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٠.

٣٧٥

تقاديره في حكم التعيين ، فلا غرر يلزم بتركه ، فلا ريب في صحّة العقد وتخيّر العامل في زرع ما شاء مع العموم أو الإطلاق مطلقاً أو في الجملة.

( إلاّ أن يعيّن له ) المالك شيئاً من الزرع ، فلا يجوز التعدّي عما عيّن له ، سواء كان المعيّن شخصيّاً كهذا الحبّ ، أو صنفيّاً كالحنطة الفلانية ، أم نوعيّاً أم غيره ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع ظاهراً ، وصرّح به في الغنية (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى عموم أدلّة لزوم الوفاء بالعقود والشروط.

فلو خالف وزرع الأضرّ ففي بطلان المزارعة مع انقضاء المدّة ولزوم اجرة المثل عما زرعه ، أو تخيّر المالك بين الفسخ فله الأُجرة ، والإبقاء فله المسمّى والأرش قولان :

من أن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفى بزيادة في ضمن زرع الأضرّ ، فيتخير بين الفسخ لذلك فيأخذ الأُجرة لما زرع ، لوقوعه أجمع بغير إذنه ، لأنه غير المعقود عليه ، وبين أخذ المسمّى في مقابلة مقدار المنفعة المعيّنة مع أخذ الأرش في مقابلة الزائد الموجب للضرر.

ومن أن الحصّة المسمّاة إنما وقعت في مقابلة الزرع المعيّن ولم يحصل ، والمزروع لم يتناوله العقد ولا الإذن ، فلا وجه لاستحقاق المالك فيه الحصة.

ولعل هذا هو الأجود ، وفاقاً للشهيد الثاني وغيره (٢) ، خلافاً للماتن في الشرائع وغيره (٣) ، فالأوّل.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.

(٢) الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٢٨٢ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١٠٩.

(٣) الشرائع ٢ : ١٥١ ؛ وانظر القواعد ١ : ٢٣٨.

٣٧٦

ومن وجه المختار يظهر وجه الإشكال فيما ذكره جماعة من الأصحاب (١) : من أن للعامل زرع ما هو أقلّ ضرراً فيستحق ما سمّاه من الحصّة ، ولا أرش ولا خيار ؛ لعدم الضرر.

وذلك لأنه غير معقود عليه أيضاً ، فكيف يستحق فيه شيئاً مع أنه نماء بذر العامل الذي لا دليل على انتقاله عن ملكه؟

والاعتذار بأن الرضاء بزرع الأضرّ بالنسبة إلى الأرض يقتضي الرضاء بالأقلّ ضرراً.

مضعّف بأن غرض المالك ليس منحصراً فيما يتعلّق بمصلحة الأرض ، بل القصد الذاتي إنما هو الانتفاع بالزرع ، ومصلحة الأرض تابعة وليست بالذات مقصودة ، ولا شك أن الأغراض تختلف في أنواع المزروع ، فربما كان غرضه في الأشدّ ضرراً من حيث نفعه أو الحاجة إليه وإن حصل للأرض ضرر ، ولا يتعلق غرضه بالأخفّ وإن انتفعت الأرض به.

نعم ، مثل هذا يجري في إجارة الأرض لزرع نوع معيّن ، فإنّ عدول المستأجر إلى زرع الأخفّ متّجه ؛ لأن الغرض في الإجارة لمالك تحصيل الأُجرة خاصة ، وهي على التقديرين حاصلة ، ويبقى معه زيادة تخفيف الضرر عن أرضه.

( وخراج الأرض ) وأُجرتها ( على صاحبها ) بلا خلاف ، كما يستفاد من النصوص (٢) ؛ لأنّه موضوع عليها ( إلاّ أن يشترطه على الزارع )

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٩٤ ، والسبزواري في الكفاية : ١٢٢ ، وصاحب الحدائق ٢١ : ٣١٥.

(٢) انظر الوسائل ١٩ : ٤٤ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٠.

٣٧٧

كلا أو بعضاً ، فيجب عليه مع تعيينه ؛ عملاً بمقتضى الشرط.

( وكذا لو زاد السلطان ) فيه ( زيادة ) وطلبها من الزرع وجب على صاحب الأرض دفعها إليهم ، كما في الخبر (١) ، وفيه قصور من حيث السند ، ومخالفة المتن للقاعدة ؛ فإن المظلوم مَن ظُلم والغرامة على الظالم ، ولذا أن الراوي قال بعد الحكم : أنا لم أظلمهم ولم أزد عليهم ، قال : « إنهم إنما زادوا على أرضك ».

ويستفاد من التعليل انسحاب الحكم في كل موضع يشابه مورده ، كما يتفق كثيراً في أمثال بلادنا من الظلم على سكنة الدور بمال يكتب عليها لا عليهم ، فمقتضى الأصل والقاعدة براءة ذمة أربابها وصرف الغرامة إلى السكنة ، فإن المظلوم من ظُلم ، إلاّ أن التعليل في الخبر كما ترى يقتضي خلافه وصرف الغرامة إلى أرباب الدور ؛ لوضع الغرامة عليها دون ساكنيها ، ولكن الحال في السند كما ترى ، ولا أجد له جابراً ، فيشكل الحكم به هنا أيضاً.

ولو شرط عليه الخراج كملاً فزاد السلطان فيه زيادة فهي على صاحب الأرض ، كما في المسالك (٢) ؛ لأن الشرط لم يتناولها ولم تكن معلومة ، فلا يمكن اشتراطها.

واستشكله من متأخّري المتأخّرين جماعة (٣) ؛ نظراً إلى كثير من المعتبرة الدالّة على اغتفار مثل هذه الجهالة ، فيجوز اشتراط تلك الزيادة وإن لم تكن معلومة ، ففي الصحيح : الرجل تكون له الأرض ، عليها خراج‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٠٨ / ٩١٥ ، الوسائل ١٩ : ٥٦ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٦ ح ١٠.

(٢) المسالك ١ : ٢٩٦.

(٣) كالسبزواري في الكفاية : ١٢٢ ، وصاحب الحدائق ٢١ : ٣٣٧.

٣٧٨

معلوم ربما زاد وربما نقص ، فيدفعها إلى الرجل على أن يكفيه خراجها ويعطيه مائتي درهم في السنة ، قال : « لا بأس » (١) ونحوه غيره (٢).

وفي الدلالة ضعف ، فإن غايته نفي البأس الغير الملازم للّزوم الذي هو المطلوب ؛ لأعمّيته منه ، فقد يجامع جواز الرجوع ، ويكون المطلوب من نفي البأس حينئذٍ بيان الجواز مع حصول التراضي ، ألا ترى إلى الصحيح : عن القوم يدفعون أرضهم إلى رجل فيقولون : كلها وأدّ خراجها ، قال : « لا بأس به إذا شاؤوا أن يأخذوها أخذوها » (٣) قد حكم فيه بنفي البأس عن نحو ذلك مع تصريحه بجواز الرجوع ، فظهر أن المراد من نفي البأس حيث يطلق إنما هو بيان الجواز المطلق لا اللّزوم.

إلاّ أن يقال بأن المقصود من التمسك بنفي البأس إنما هو إثبات الجواز دفعاً لما يتوهم من النهي عنه الناشئ من الجهالة ، وحيث ثبت الجواز ثبت اللزوم حيث يذكر في العقد اللازم ، عملاً بما دلّ على لزومه ، وهذا هو السرّ في تمسّك الأصحاب في القول بلزوم كثير من الشروط في العقود اللازمة بالنصوص التي غايتها نفي البأس عنها لا الحكم بلزومها.

ولكن هذا إنما يتم لو دلّت النصوص على نفي البأس عنها وإن ذكرت في العقد اللازم ، وإلاّ فالتمسك بها لذلك محل إشكال ؛ لأن المناط في نفي البأس حيث يذكر في غير العقود اللازمة هو حصول المراضاة ، والغرر والجهالة لعلهما مغتفران معها فيما عداها ؛ لجواز الرجوع بعد ظهور‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٥ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩٦ / ٨٦٨ ، الوسائل ١٩ : ٥٧ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٧ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٤ / ٦٧٨ ، الوسائل ١٩ : ٥٧ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٠٩ / ٩١٨ ، الوسائل ١٩ : ٥٨ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٧ ح ٣.

٣٧٩

الغرر دونها ؛ لعدم جوازه فيها للزومها ، ولعله لهذا نهي عنها ، ونصوص المسألة لعلها من هذا القبيل ؛ إذ لم يذكر فيها وقوع اشتراط ذلك في ضمن عقد لازم ، فكيف يستدلّ بها على الجواز ولو ذكر فيه؟

إلاّ أن يتمسك بإطلاق نفي البأس الشامل لصورتي وقوع الشرط في ضمن العقد اللازم وغيره ، إلاّ أن في الخروج بمثله عن عموم ما دلَّ على النهي عن الغرر والجهالة إشكالاً.

ونحو الخراج المئونة التي يتوقف عليها العمل ولا يتعلق بنفس العمل والتنمية ، كإصلاح النهر والحائط ، وإقامة الدولاب ، وبالجملة ما لا يتكرّر كل سنة ؛ لأنها من متمّمات الأرض ، دون ما فيه صلاح الزرع وبقاؤه مما يتكرر كلّ سنة ، كالحرث والسقي وآلاتهما ، وتنقية النهر ، وحفظ الزرع وحصاده ، فإن ذلك كله على العامل ؛ لأنه من جملة العمل.

ولو شرط من عليه المئونة إيّاها على الآخر كلا أو بعضاً لزم ، عملاً بمقتضى الشرط.

( و ) يجوز ( لصاحب الأرض ) وكذا الأُصول ( أن يخرص على الزارع ) بعد انعقاد الحبّ وظهور الثمرة ، بأن يقدّر ما يخصّه من الحصّة تخميناً ويقبّله به بحبّ ولو منه بما خرصه به.

( والزارع بالخيار في القبول ) ولا يلزمه ، بلا خلاف ؛ للأصل ( فإن قبل ) لزم. ولكن ( كان ) في المشهور ، بل قيل : لا يكاد يتحقق فيه خلاف (١) ( استقراره مشروطاً بسلامة الزرع ) والثمرة من الآفة الإلهية.

فلو تلف أجمع فلا شي‌ء على الزارع ، ولو تلف البعض سقط منه‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١١٦.

٣٨٠