رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

الحكم ، منها الصحيح : عن قول علي عليه‌السلام في الرهن : « يترادّان الفضل » قال : « كان عليه‌السلام يقول ذلك » قلت : كيف يترادّان الفضل؟ فقال : « إن كان الرهن أفضل مما رهن به ثم عطب ردّ المرتهن الفضل على صاحبه ، وإن كان لا يسوى ردّ الراهن ما ينقص من حقّ المرتهن » قال : « وكان ذلك قول علي عليه‌السلام في الحيوان وغير ذلك » (١). ونحوه الموثق كالصحيح (٢).

وحملا على تفريط المرتهن ؛ للمرسل في الرهن : « إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع في حقه على الراهن فأخذه ، فإن استهلكه ترادّا الفضل بينهما » (٣).

وبه أيضاً يشعر ظاهر الصحيح : عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم وهو يسوي ثلاثمائة درهم فهلك ، أعلى الرجل أن يردّ على صاحبه مأتي درهم؟ قال : « نعم ، لأنه أخذ رهناً فيه فضل فضيّعه » قلت : فهلك نصف الرهن ، قال : « على حساب ذلك » (٤).

ونحوه الخبر : « إذا رهنت عبداً أو دابةً فماتا فلا شي‌ء عليك ، وإن هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن » (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٤ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٧١ / ٧٦١ ، الإستبصار ٣ : ١١٩ / ٤٢٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٠ أبواب أحكام الرهن ب ٧ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٤ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٧١ / ٧٦٠ ، الإستبصار ٣ : ١١٩ / ٤٢٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٩١ أبواب أحكام الرهن ب ٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٤ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٢ / ٧٦٢ ، الإستبصار ٣ : ١٢٠ / ٤٢٧ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٧ أبواب أحكام الرهن ب ٥ ح ٧.

(٤) الكافي ٥ : ٢٣٤ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٩٩ / ٩٠٤ ، التهذيب ٧ : ١٧٢ / ٧٦٣ ، الإستبصار ٣ : ١٢٠ / ٤٢٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٩١ أبواب أحكام الرهن ب ٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٥ : ٢٣٦ / ١٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٣ / ٧٦٦ ، الإستبصار ٣ : ١٢١ / ٤٣١ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٨ أبواب أحكام الرهن ب ٥ ح ٨.

٢٢١

لحمل الهلاكة فيه على الإهلاك ليرتفع المنافاة بين حكمية بالنفي والإثبات ، وهو وجه الإشعار فيه ، كالتعليل بالتضييع في الأوّل.

ويمكن أيضاً حملهما على التقيّة ؛ لكون الضمان مذهب العامة ، كما يظهر من عبائر نقله الإجماع في المسألة ، وحكاه الفاضل صريحاً عن أبي حنيفة (١) ، واحتجّ عليه كابن زهرة في الغنية (٢) بالنبويين المشهورين بين الخاصّة والعامّة ، في أحدهما : « لا يغلق الرهن ، الرهن من صاحبه ، له غنمه وعليه غرمه » (٣). وفي الثاني : « الخراج بالضمان » (٤) وخراجه للراهن إجماعاً.

وربما يشعر بالورود عليها نسبة الحكم في الأوّل إلى علي عليه‌السلام خاصة ، من دون أن ينسبه إلى نفسه بالمرّة ، وهو ظاهر في الورود تقيّة ، سيّما مع تكرار ذكر النسبة.

مضافاً إلى صريح بعض المعتبرة ، كالموثق : قلت له : الرجل يرتهن العبد فيصيبه عوراً وينقص من جسده شي‌ء ، على مَن يكون نقصان ذلك؟ قال : « على مولاه » قلت : إنّ الناس يقولون : إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه نقصان في جسده ، ينقص من مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد ، قال : « أرأيت لو أنّ العبد قتل قتيلاً على من يكون جنايته؟ » قال : « جنايته في عنقه » (٥).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٢.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٣.

(٣) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٣٤ / ١ ، المستدرك ١٣ : ٤٢٢ أبواب كتاب الرهن ب ١٠ ح ٣ ، وانظر سنن الدارقطني ٣ : ٣٢ / ١٢٥ ١٣٣ ( وفيه بتفاوت يسير ).

(٤) عوالي اللئلئ ١ : ٢١٩ / ٨٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٤ / ٢٢٤٣.

(٥) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٦ أبواب أحكام الرهن ب ٥ ح ٤.

٢٢٢

ثم إن مفهوم العبارة هنا وفي الشرائع (١) سقوط الحق بتلف الرهن مع الضمان ، وهو صريح المعتبرة المتقدمة.

ويشكل الاستناد إلى إطلاقها مع مخالفة ظاهر أكثرها المجمع عليه بين الطائفة ، واحتمالها الحمل على التقية ، كما مرّت إليه الإشارة ، وضعف الرواية السليمة عن القدحين وعدم جابر لها في البين.

مضافاً إلى مخالفتها القاعدة فيما إذا لم يكن الدين من جنس ما يضمن به التالف ، فلا يسقط من الحق شي‌ء وإن كان التالف مضموناً ، لاختلاف الحقين.

ويمكن حملها على التراضي أو التقاصّ ، وإلاّ فيشكل الاستناد إليها ؛ لما مضى.

( وليس له ) أي المرتهن ( التصرف فيه ) أي الرهن ؛ لما مضى في منع الراهن عنه الجاري هنا عموماً وفحوى.

مضافاً إلى المعتبرة ، منها الموثق كالصحيح : عن رجل رهن رهناً ثم انطلق فلا يقدر عليه ، أيباع الرهن؟ قال : « لا ، حتى يجي‌ء » (٢).

ونحوه في آخر (٣) ، مثله في القرب من الصحة ، يتضمن سنده كالأوّل من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

( ولو تصرف فيه من غير إذن ) مطلقاً خرج عن الأمانة و ( ضمن العين ) مع التلف بالمثل إن كان مثلياً ، وبالقيمة يوم التلف إن كان قيميّاً.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٨٠.

(٢) التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٤٨ ، قرب الاسناد : ٨٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٥ أبواب أحكام الرهن ب ٤ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٤ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٩٧ / ٨٩٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٤٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٤ أبواب أحكام الرهن ب ٤ ح ١.

٢٢٣

( و ) ضمن ( الأُجرة ) أيضاً إن تصرف في المنفعة بدون الإذن ، أو معه على وجه العوض.

وفي الصحيح : « في الأرض البور يرتهنها الرجل ليس فيها ثمرة ، فيزرعها وينفق عليها من ماله ، أنه يحسب له نفقته وعمله خالصاً ، ثم ينظر نصيب الأرض فيحسبه من ماله الذي ارتهن به الأرض حتى يستوفي ماله ، فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها » (١).

( ولو كان الرهن دابة قام ) المرتهن ( بمئونتها ) حيث لم يقم الراهن بها وجوباً ؛ لوجوب الحفظ عليه ، ولا يتم إلاّ بالإنفاق عليه فيكون واجباً.

( و ) إذا أنفق ( تقاصّا ) ورجع كلّ ذي فضل بفضله مع الإنفاق بنية الرجوع لا مطلقاً ، إجماعاً ، بل يرجع معها خاصّة إمّا مطلقاً ، كما هنا وفي الشرائع وعن الحلّي والفاضل (٢) ، أو بشرط إذن المالك أو الحاكم ، أو الإشهاد بعد تعذّرهما ، كما قيّده الشهيدان وغيرهما (٣).

ويأتي في التقاصّ على إطلاقه ما مضى ، ولذا إن الحلّي ذكر الرجوع إلى ما أنفق من دون ذكره. وهو الأوفق بالأصل حيث يمكن الرجوع إليه ، إلاّ أنه ربما يستفاد من النصوص الآتية بعد الحمل على ما يأتي إليه الإشارة جوازه كذلك ، وربما أيّدته الروايات السابقة ، ولا ريب فيه مع المراضاة ، وأما مع عدمها فالمصير إلى الأوّل أحوط وأولى.

وكيف كان ، هذه الأقوال متّفقة على عدم جواز تصرف المرتهن في‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٥١ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٥ أبواب أحكام الرهن ب ١٠ ح ٢.

(٢) الشرائع ٢ : ٨٠ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٤٢٥ ، العلاّمة في المختلف : ٤١٨.

(٣) الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٣٩٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٨١ ؛ مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٦٠.

٢٢٤

الرهن بدون إذن الراهن ، ورجوع كل منهما معه إلى الآخر فيما يستحقه بعد إنفاق المرتهن ، فهو إلى نفقته ، والراهن إلى منفعة ماله على الإطلاق.

خلافاً للطوسي والحلّي في الدابة (١) ، فجوّزا الركوب والحلب بعد الإنفاق ، وحكما بأن المنفعة بإزاء النفقة على الإطلاق ، ولو مع عدم المراضاة وتفاوت الحقين بالزيادة والنقصان.

( و ) استندا في ذلك إلى ما ( في رواية ) من أن ( الظهر يُركب والدرّ يُشرب ، وعلى الذي يَركب ويَشرب النفقة ) (٢) رواها السكوني.

وقريب منها الصحيح : عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير ، إله أن يركبه؟ قال : فقال : « إن كان يعلفه فله أن يركبه ، وإن كان الذي رهنه عنده يعلفه فليس له أن يركبه » (٣).

والأوّل قاصر السند ، وإن روى إلى الراوي في الموثق ، إلاّ أنه كالثاني مخالف للأدلّة المتقدمة القاطعة على عدم جواز تصرف كلّ من الراهن والمرتهن في الرهن بدون إذن الآخر.

مع مخالفتهما القاعدة المقرّرة في الضمان ، فإنّ مقتضاها ما تقدّم إليه الإشارة : من رجوع الراهن بحق المنفعة والمرتهن بحق النفقة ، وتخصيص كلّ من هاتين القاعدتين المعتضدتين بالإجماع في الأصل ، والشهرة العظيمة في خصوص المسألة جرأة عظيمة ، فإنه لا يقاوم شيئاً منهما الروايتان بالضرورة.

__________________

(١) الطوسي في النهاية : ٤٣٥ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٤٢٥.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧٥ / ٧٧٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٨ أبواب أحكام الرهن ب ١٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٦ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ١٩٦ / ٨٨٩ ، التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٨ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٧ أبواب أحكام الرهن ب ١٢ ح ١.

٢٢٥

مع احتمالهما الحمل على ما حملهما عليه الأصحاب : من حصول الإذن ومساواة الحقّين ، وهو وإن كان بعيداً غايته ، إلاّ أنه لا بأس به ، جمعاً بين الأدلّة.

( و ) قد صرّح الأصحاب من غير خلاف يعرف ، بل في شرح الإرشاد الإجماع عليه (١) بأن ( للمرتهن استيفاء دينه من الرهن ) وإن لم يكن وكيلاً في البيع ، أو انفسخت الوكالة بموت الراهن ( إن خاف جحود ) الراهن أو ( الوارث ) للحق ولم يتمكّن من إثباته عند الحاكم لعدم البينة أو غيره من العوارض ؛ لعدم الحرج والضرر في الشرع.

وللخبر ، وربما عدّ من الحسن ، بل الصحيح : رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل فادّعى عليه مالاً وأن عنده رهناً ، فكتب عليه‌السلام : « إن كان له على الميت مال ولا بيّنة له عليه فليأخذ ماله مما في يده ، وليردّ الباقي على ورثته ، ومتى أقرّ بما عنده أُخذ به وطولب بالبينة على دعواه ، وأوفى حقه بعد اليمين ، ومتى لم تقم البينة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم ، يحلفون بالله تعالى ما يعلمون على ميّتهم حقّا » (٢).

والمرجع في الخوف إلى القرائن الموجبة للظن الغالب لجحوده ، وربما احتمل كفاية مطلق الاحتمال.

( و ) يستفاد من الخبر المستند في الحكم أنه ( لو اعترف ) المرتهن ( بالرهن وادّعى الدين ) على الراهن ( ولا بيّنة له فالقول قول الوارث ، وله إحلافه إن ادّعى عليه العلم ) بثبوت الحق ؛ مضافاً إلى موافقته الأصل العام ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٦١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٨ / ٩٠١ ، التهذيب ٧ : ١٧٨ / ٧٨٤ ، الوسائل ١٨ : ٤٠٦ أبواب أحكام الرهن ب ٢٠ ح ١.

٢٢٦

مع عدم خلاف فيه في المقام.

( ولو باع ) المرتهن ( الرهن ) بدون إذن الراهن ( وقف على الإجازة ) وصحّ بعدها ، على الأشهر الأقوى من جواز الفضولي ، وبطل الرهن ، كما لو أذن ابتداءً أو باع هو بإذن المرتهن مطلقاً ، لزوال متعلّقه. ولا يجب جعل الثمن رهناً إلاّ مع اشتراطه.

قيل : أما إذا أتلفه متلف إتلافاً يقتضي العوض كان العوض رهناً ؛ لإمكان الاستيثاق به وعدم خروجه عن الفرض ، لكنه يبطل وكالة المرتهن في الحفظ والبيع إن كانت لاختلاف الأغراض في ذلك باختلاف الأموال. انتهى (١).

وفي الفرق وتعليل قيام العوض مقام المتلف رهناً نظر يظهر وجهه لمن تدبّر.

( ولو كان ) المرتهن ( وكيلاً ) في بيع الرهن ( فباع بعد الحلول صحّ ) البيع بلا ريب ، وجاز له استيفاء دينه من الثمن إما مطلقاً ، كما ربما يظهر من إطلاق مفهوم سياق العبارة ، وبه صرّح في الشرائع وعن جماعة (٢) ، أو بشرط توافق الدين مع الثمن في الجنس والوصف ، كما عن آخرين (٣).

والوجه إن لم يكن إجماع على خلافه عدم الجواز مطلقاً ؛ للأصل ، وعدم دليل على الجواز سوى الإذن في البيع ، وهو لا يستلزم الإذن في‌

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ٣ : ١٣٩.

(٢) الشرائع ٢ : ٨٢ ؛ وانظر التحرير ١ : ٢٠٦ ، والدروس ٣ : ٣٨٩ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ١٤٠.

(٣) نقله عنهم في الحدائق ٢٠ : ٢٧٥.

٢٢٧

الاستيفاء.

والشرط في القول الثاني غير مخصّص له ؛ لعدم قيام دليل صالح عليه ، وإن قيل مثله فيما إذا كان ما في ذمّة المديون مثل الدين في الوصفين ، فإنّه يجوز له الأخذ مقاصّةً حينئذ من دون توقّف على المراضاة.

ويمكن الاستناد للأوّل أوّلاً : بظواهر النصوص المتقدمة بجواز المقاصّة الجارية في المسألة بحكم المظنّة الحاصلة من التتبع لها والاستقراء.

وثانياً : بقيام القرينة الحالية في الإذن بالبيع بعد الحلول على الرخصة في الاستيفاء في الأغلب ، وينزل عليه إطلاقات الجواز في نحو عبارة الشرائع.

( ولو أذن الراهن في البيع قبل الحلول ) جاز البيع ، ولكن ( لم يستوف دينه ) من الثمن ( حتى يحلّ ) الأجل ؛ لعدم الاستحقاق قبله ، والإذن في البيع لا يقتضي تعجيل الاستيفاء ، بل ولا مطلقة إلاّ مع قيام القرينة ، كما مضى.

واعلم أنه إذا حلّ الدين فإن كان المرتهن وكيلاً في البيع والاستيفاء جازا له ، وعليه يحمل إطلاق الموثق ، بل ربما عُدّ من الصحيح : عن الرجل يكون عنده الرهن ، فلا يدري لمن هو من الناس ، فقال عليه‌السلام : « لا أُحبّ أن يبيعه حتى يجي‌ء صاحبه » ثم قال : « إن كان فيه نقصان فهو أهون لبيعه فيؤجر فيما نقص من ماله ، وإن كان فيه فضل فهو أشدّهما عليه ، يبيعه ويمسك فضله حتى يجي‌ء صاحبه » (١).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٣ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٩٧ / ٨٩٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٨ / ٧٤٧ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٤ أبواب أحكام الرهن ب ٤ ح ٢.

٢٢٨

وإلاّ لم يجز له تولّيهما ، وعليه يحمل إطلاق الموثقين اللذين في بحث حجر المرتهن عن التصرف قد مضيا (١) ، بل طلبهما منه ، أو الإذن فيهما ، فإن فعل ، وإلاّ رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بهما ، فإن أبى كان له حبسه ، لأنه ولي الممتنع.

وللخبر : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثم يأمر فيقسم ماله بالحصص ، فإن أبى باعه فقسّمه فيهم » يعني ماله (٢).

ولو لم يمكن الوصول إلى الحاكم لعدمه أو بُعده قيل : احتمل جواز استقلاله بالبيع بنفسه واستيفاء حقّه ، كما لو ظفر بغير جنس حقّه من مال المديون الجاحد مع عدم البيّنة ، وفاقاً لجماعة (٣).

ولا بأس به ؛ دفعاً للضرر والحرج المنفيين آية ورواية ؛ مضافاً إلى إطلاق الموثّق المتقدم. ولا يعارضه في المقام الموثقان ؛ لعدم انصرافهما إليه.

( ويلحق به مسائل النزاع ، وهي أربع : ).

( الاولى : يضمن المرتهن قيمة الرهن ) إذا أتلفه بتعدٍّ أو تفريط وثبت بإقراره أو البينة ( يوم تلفه ) وفاقاً للأكثر ، كما في الدروس والمسالك ، وبه أفتيا فيهما وفي الروضتين ، وفاقاً للشيخين والفاضلين (٤) ،

__________________

(١) راجع ص : ٢٢٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٠٢ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١٢ ، الإستبصار ٣ : ٧ / ١٥ ، الوسائل ١٨ : ٤١٦ أبواب أحكام الحجر ب ٦ ح ١.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٢ ، المسالك ١ : ٢٣٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٦١.

(٤) الدروس ٣ : ٤٠٥ ، المسالك ١ : ٢٣٥ ، اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٩٠ ، المفيد في المقنعة : ٦٢٣ ، الطوسي في النهاية : ٤٣١ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٨٥ ، العلاّمة في القواعد ١ : ١٦٤.

٢٢٩

واختاره كثير من المتأخّرين (١) ؛ لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ، والحق قبله كان منحصراً في العين وإن كانت مضمونة.

ولقائل أن يقول : لا منافاة بين انحصار الحق في العين قبل التلف وانتقال قيمتها قبله إلى الذمة بعده ، ولا بدّ من التأمّل.

وقيل : يوم قبضه ، وبه أفتى في الشرائع (٢) ، وحكاه كالفاضل في القواعد (٣) قولاً في المسألة ، واعترف جماعة بأنه مجهول القائل ، وربما أشعر بجهالته أيضاً العبارة ، حيث لم ينظمه في سلك الأقوال المنقولة ، ومع ذلك لا دليل عليه يعتدّ به.

ويضعّف أيضاً بأنه قبل التفريط غير مضمون فكيف يعتبر قيمته فيه. وهو كما ترى ؛ لما مضى.

( وقيل : أعلى القِيَم من حين القبض إلى حين التلف ) ويظهر من المهذب أنه كالثاني في جهالة القائل (٤) ، وليس كذلك ، فقد حكي عن المبسوط في كثير من العبارات كشرح الشرائع للصيمري والمسالك وغيرهما (٥) ، بل ذكر الأول أنه قول مشهور نقله فخر الدين واختاره ونقله المقداد أيضاً (٦) ، وهو مشهور في المصنفات.

__________________

(١) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ١٣١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٠٨ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ٢٣٤.

(٢) الشرائع ٢ : ٨٥.

(٣) القواعد ١ : ١٦٤.

(٤) المهذب البارع ٢ : ٥٠٢.

(٥) المسالك ١ : ٢٣٦ ، وانظر التنقيح الرائع ٢ : ١٧٤ ، والحدائق ٢٠ : ٢٨٢.

(٦) فخر الدين في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٥ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ١٧٤.

٢٣٠

ولعلّه أحوط ، بل وأجود ، إما لكونه كالغاصب فيؤخذ بأشقّ الأحوال ، أو لاقتضاء شغل الذمّة اليقيني البراءة كذلك ولا تحصل إلاّ بذلك.

وقيل بالأعلى من يوم التلف إلى يوم حكم الحاكم عليه بالقيمة ، كما عن الإسكافي (١).

ويضعف بأن المطالبة لا دخل لها في ضمان القيمي.

وقيل بالأعلى من يوم التفريط إلى يوم التلف ، اختاره الفاضل في المختلف والصيمري في شرح الشرائع وابن فهد في المهذب (٢) ؛ لأنّه من حين التفريط كالغاصب.

ويتوقف على الثبوت.

ولا ريب أن ما قدّمناه أحوط ، وإن كان الأوّل لا يخلو عن قرب.

ثم إن هذا كله إذا كان قيميّاً. ولو كان مثليّا ضمنه بمثله إن وجد ، وإلاّ فقيمة المثل عند الأداء ، وفاقاً لجماعة كالمختلف والمسالك والروضة (٣) ؛ لأن الواجب عنده إنما كان المثل وإن كان متعذّراً ، وانتقاله إلى القيمة بالمطالبة ، بخلاف القيمي ؛ لاستقرارها في الذمّة من حين التلف على الإطلاق.

( ولو اختلفا ) في القيمة ( فالقول قول الراهن ) وفاقاً للشيخين والقاضي والديلمي والتقي وابني حمزة وزهرة (٤) في الغنية مدّعياً فيها‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٤١٧.

(٢) المختلف : ٤١٧ ، المهذب البارع ٢ : ٥٠٢.

(٣) المختلف : ٤١٧ ، المسالك ١ : ٢٣٦ ، الروضة ٤ : ٩١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٦٢٣ ، الطوسي في النهاية : ٤٣١ ، القاضي في المهذب ٢ : ٦٩ ، الديلمي في المراسم : ١٩٣ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٣٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٦٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٣.

٢٣١

الإجماع عليه ، وفي الدروس والمسالك (١) عزياه إلى الأكثر ؛ نظراً إلى كون المرتهن خائناً بتفريطه فلا يقبل قوله.

ويضعّف بأن قبول قوله من جهة إنكاره لا من حيث كونه أميناً أو خائناً.

( وقيل : القول قول المرتهن ) مع يمينه ، كما عن الحلّي وتبعه الشهيدان وكثير من المتأخرين (٢) ( وهو أشبه ) لأنه منكر ، والأصل براءة الذمة من الزائد ؛ وللنبوي العام : « البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر » (٣).

ولكنه يشكل بحكاية الإجماع المتقدّمة المعتضدة بالشهرة القديمة ، فالمسألة محلّ إشكال وريبة ، وإن كان مختار المتأخّرين لا يخلو عن قوّة.

( الثانية : لو اختلفا فيما عليه الرهن ) من الدين ، فادّعى المرتهن زيادته والراهن نقصه ( فالقول قول الراهن ) وفاقاً للأكثر ، كالصدوق والطوسي والقاضي والتقي وابن حمزة والحلّي وابن زهرة (٤) مدّعيين عليه الإجماع ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل والنبوي المتقدمين ، والمعتبرة المستفيضة ، منها‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٤٠٦ ، المسالك ١ : ٢٣٦.

(٢) الحلّي في السرائر ٢ : ٤٢١ ، الشهيد الأول في اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٩٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣٦ ؛ وانظر الشرائع ٢ : ٨٥ ، والمختلف : ٤١٧ ، والحدائق ٢٠ : ٢٨٢.

(٣) سنن الدارقطني ٤ : ٢١٨ / ٥٢ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢.

(٤) الصدوق في المقنع : ١٢٩ ، الطوسي في النهاية : ٤٣١ ، القاضي في المهذب ٢ : ٧٣ ، التقي في الكافي : ٣٣٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٦٦ ، الحلي في السرائر ٢ : ٤٢١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٣.

٢٣٢

الصحيح : في رجل يرهن عند صاحبه رهناً ولا بيّنة بينهما فيه ، ادّعى الذي عنده الرهن أنه بألف درهم ، وقال صاحب الرهن : إنه بمائة ، قال : « البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف درهم ، فإن لم يكن له بينة فعلى الراهن اليمين » (١) ونحوه الباقي (٢) الموثقة جميعها ، بل ربما قيل بصحة بعضها (٣).

( وفي رواية ) قاصرة السند (٤) ، ضعيفة التكافؤ عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة من وجوه عديدة ( أن القول قول المرتهن ما لم يَدَّعِ زيادةً عن قيمة الرهن ).

وهو في غاية الضعف وإن حكي عن الإسكافي (٥). وربما يحتمل الحمل على التقية ؛ لفتواه بها ، مع الاعتضاد بكون الرواية عن السكوني الذي هو من قضاة العامة.

( الثالثة : لو ) اختلفا في الرهانة فـ ( قال القابض : ) المرتهن ( هو رهن ، وقال المالك : ) الراهن ( هو وديعة ، فالقول قول المالك مع يمينه ) مطلقاً ، وفاقاً للأكثر ، كما في المسالك (٦) ، بل المشهور ، كما في الدروس (٧) ، وربما أشعر عبارة الماتن هنا بالإجماع عليه ؛ لأصالة عدم الرهن الذي يترتب عليه عدم جواز التصرف المخالف لها بالضرورة ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٧٤ / ٧٦٩ ، الإستبصار ٣ : ١٢١ / ٤٣٢ ، الوسائل ١٨ : ٤٠٢ أبواب أحكام الرهن ب ١٧ ح ١.

(٢) انظر الوسائل ١٨ : ٤٠٣ أبواب أحكام الرهن ب ١٧ الأحاديث ٢ ، ٣ ، ٤.

(٣) انظر روضة المتقين ٧ : ٣٧٣.

(٤) الفقيه ٣ : ١٩٧ / ٨٩٥ ، التهذيب ٧ : ١٧٥ / ٧٧٤ ، الإستبصار ٣ : ١٢٢ / ٤٣٥ ، الوسائل ١٨ : ٤٠٣ أبواب أحكام الرهن ب ١٧ ح ٤.

(٥) كما حكاه عنه في المختلف : ٤١٧.

(٦) المسالك ١ : ٢٣٦.

(٧) الدروس ٣ : ٤٠٦.

٢٣٣

ولكونه منكراً فيشمله النبوي المتقدم.

وللصحيحين ، في أحدهما المروي في التهذيب : في رجل رهن عند صاحبه رهناً ، فقال الذي عنده الرهن : أرهنته عندي بكذا وكذا ، وقال الآخر : إنما هو عندك وديعة ، فقال : « البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا وكذا ، فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين » (١).

وفي الثاني المروي في الكافي في رجل قال لرجل : لي عليك ألف درهم ، فقال الرجل : لا ، ولكنها وديعة ، فقال عليه‌السلام : « القول قول صاحب المال مع يمينه » (٢).

( وفيه رواية أُخرى ) بل روايات بالعكس ، منها : عن متاع في يد رجلين أحدهما يقول : استودعتكه ، والآخر يقول : هو رهن ، قال : فقال : « القول قول الذي يقول : إنه رهن عندي ، إلاّ أن يأتي الذي ادّعى أنه أودعه بشهود » (٣).

ومنها : « يسأل صاحب الوديعة البينة ، فإن لم يكن له بينة حلف صاحب الرهن » (٤).

ونحوها رواية أُخرى (٥) هي كسابقتيها معتبرة الأسانيد بالموثقية في بعض ، والقرب منها في آخر ، ومن الصحة في ثالث.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٧٤ / ٧٦٩ ، الوسائل ١٨ : ٤٠٠ أبواب أحكام الرهن ب ١٦ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٧ ، الوسائل ١٨ : ٤٠٤ أبواب أحكام الرهن ب ١٨ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٦ ، الوسائل ١٨ : ٤٠١ أبواب أحكام الرهن ب ١٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٢٣٧ / ١ ، الوسائل ١٨ : ٤٠٣ أبواب أحكام الرهن ب ١٧ ح ٢.

(٥) الفقيه ٣ : ١٩٩ / ٩٠٦ ، الوسائل ١٨ : ٤٠١ أبواب أحكام الرهن ب ١٦ ح ٢.

٢٣٤

إلاّ أنها ( متروكة ) وإن عمل بها جماعة ، كالصدوق في المقنع والطوسي في الاستبصار (١) ؛ لضعفها عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، سيّما بين متأخّري الطائفة.

وهنا قولان آخران مفصِّلان بين صورتي اعتراف المالك بالدين فالثاني ، وإنكاره له فالأول ، كما في أحدهما ، ونسب إلى ابن حمزة (٢).

وفي الثاني المحكي عن الإسكافي (٣) التفصيل بين صورتي اعتراف القابض للمالك بكونه في يده على سبيل الأمانة ثم صار رهناً فالأوّل ، وادعاؤه إيّاه ابتداءً فالثاني.

ولا حجة عليهما واضحة سوى ما يذكر لهما من الجمع بين الأخبار والأدلّة ، وهو فرع المقاومة التي هي في المقام مفقودة ، مع عدم وضوح شاهد عليهما ، وتعارض أحدهما بالآخر بالضرورة. نعم للأوّل في الصورة الأُولى ظاهر الحال ، ولكنه غير صالح لمعارضة الأصل وما مرّ من النصوص في هذا المجال.

( الرابعة : إن اختلفا في التفريط فالقول قول المرتهن مع يمينه ) بلا خلاف يظهر ، بل عليه الإجماع في الغنية (٤) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأُصول المتقدمة السليمة هنا عن المعارض.

__________________

(١) المقنع : ١٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٢.

(٢) الوسيلة : ٢٦٦.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٤١٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٣.

٢٣٥

( كتاب الحَجر )

هو : لغة المنع والحظر والتضييق ، وشرعاً : ما أشار إليه الماتن في تعريف ( المحجور ) من أنه ( هو الممنوع من التصرف في ماله ) شرعاً.

وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، قال سبحانه ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) (١) وقال جلّ شأنه ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) (٢).

وهو قسمان : حجر على الإنسان لحقّ غيره ، كالمفلّس لحقّ الغرماء ، والمريض لحقّ الورثة ، والمكاتب لحقّ السيد ، والراهن لدين المرتهن ؛ وحجر عليه لحقّ نفسه ، وهو ثلاثة : الصبي والمجنون والسفيه.

وقد يورد على التعريف مناقشات سهلة ليس للتعرض لذكرها والجواب عنها مزيد فائدة.

( وأسباب الحَجر ) بحسب ما جرت عادة الأصحاب بذكره في الباب ( ستة ) وإلاّ فهي أزيد ، وهي : ( الصغر ، والجنون ، والرقّ ، والمرض ، والفلس ، والسفه ).

قيل (٣) : وجه الحصر أن الحجر إمّا عام للأموال والذِّمَم أو خاصّ‌

__________________

(١) النساء : ٥.

(٢) النساء : ٦.

(٣) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٤٦.

٢٣٦

بالأوّل ، والأوّل : إما أن يكون ذا غاية يعلم زوال سببها أم لا ، والأوّل ذو السبب الأوّل ، والثاني ذو الثاني ، والثاني : إما أن يكون الحجر فيه مقصوراً على مصلحة المحجور عليه أو لغيره ، والأول ذو السادس ، والثاني : إما أن يكون مالكاً للمحجور عليه أو لا ، والأول ذو الثالث ، والثاني : إما أن يكون موقوفاً على حكم الحاكم أو لا ، والأوّل ذو الخامس ، والثاني ذو الرابع.

وثبوت الحجر بالستة مجمع عليه ، كما عن التذكرة (١) ، وبه صرّح جماعة ؛ وهو الحجة المخصّصة للأصل وعموم الأدلّة بإثبات السلطنة ؛ مضافاً إلى الأدلّة الآتية فيما عدا الأوّلين ، والآية الثانية ، والسنة المستفيضة الآتي إلى ذكر بعضها الإشارة في الأوّل ، وفحواهما في الثاني ، مع تأيّد الحكم فيه مطلقاً وفي غير المميّز من الأوّل بالاعتبار جدّاً.

( ولا يزول حجر الصغير إلاّ بوصفين ، الأوّل : البلوغ ، وهو يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية ونهج الحق والتذكرة وغيرها من كتب الجماعة (٢) ؛ وهو الحجة المخصّصة.

مضافاً إلى النصوص العاميّة والخاصيّة المعتبرة بالشهرة ، وتضمّن سندها مَن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة ، وسيأتي إلى ذكرها الإشارة.

وظاهرهما بحكم التبادر وصريح العبارة وجماعة (٣) اعتبار الخشونة وعدم الاكتفاء بمطلق الشعر. ولا ريب فيه ؛ لعدم خلوّ المولود عنه في‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٧٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤ ، نهج الحق ، ٤٩١ ، التذكرة ٢ : ٧٣ ؛ وانظر الخلاف ٣ : ٢٨١.

(٣) منهم : الطوسي في المبسوط ٢ : ٢٨٣ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ١٦٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٤٦.

٢٣٧

جميع الأحيان حتى حين الولادة ، مضافاً إلى الأصل.

وفي التقييد بالعانة إخراج لغيره من الشعور النابتة في نحو الوجه من المواضع المعهودة. وهو أحد القولين في المسألة ، بل ظاهر المسالك أن عليه إجماع الإمامية (١) مع أنه في الروضة حكم بأن القول الآخر لا يخلو عن قوة (٢). وهو كذلك ، وفاقاً للتحرير وجماعة (٣) ؛ لإطلاق بعض المعتبرة كعبارة الغنية في حكايته الإجماع المتقدمة.

مضافاً إلى وقوع التصريح بإلحاق شعر الوجه بالعانة في بعض تلك المعتبرة (٤).

وفي كونه أمارة البلوغ أو سبقه قولان ، ظاهر الأُصول وأكثر أدلّة اعتباره الأوّل ، وإن حكي الثاني في المسالك عن الأكثر (٥).

( أو خروج المني ) وهو الماء ( الذي ) يتكوّن ( منه الولد من الموضع المعتاد ) بالإجماع المستفيض النقل في كتب جملة من الأصحاب ، كالغنية والتذكرة وغيرهما من كتب الجماعة (٦) ؛ ومع ذلك تظافرت به الآيات الشريفة ( إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ) (٧) ( وَالَّذِينَ

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٤٦.

(٢) الروضة ٢ : ١٤٥.

(٣) التحرير ١ : ٢١٨ ؛ وانظر المبسوط ١ : ٢٦٦ ، الحدائق ٢٠ : ٣٤٦ ، ملاذ الأخيار ١٢ : ٢٨٧.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٨٢ / ١٥٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٧ / ٨٥٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٨ أبواب عقد النكاح ب ٦ ح ٩.

(٥) المسالك ١ : ٢٤٦. نُسب فيه إلى المشهور.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤ ، التذكرة ٢ : ٧٤ ؛ وانظر المسالك ١ : ٢٤٧.

(٧) النور : ٥٩.

٢٣٨

لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ) (١) ( حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ) (٢).

والاحتلام هو خروج المني ، كما عن التذكرة (٣). وظاهره عدم الفرق بين أن يكون الخروج في نوم أو يقظة ، خلافاً للمحكي عن بعض أهل اللغة ، فجعله الأوّل خاصّة (٤).

لكن الظاهر أن النوم غير معتبر في البلوغ اتفاقاً ، كما في الكفاية (٥).

ونحو الآيات المعتبرة المستفيضة التي علّق فيها التكاليف اللازمة على الحلم ، وسيأتي إلى بعض منها الإشارة.

مضافاً إلى الصحيحين ، في أحدهما : « لا تغطّي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم » (٦).

وفي الثاني : « انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشُدّه ، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليّه ماله » (٧).

ونحوه المروي عن الخصال : متى يجوز أمر اليتيم؟ قال : « حتى يبلغ أشدّه » قال : وما أشدّه؟ قال : « احتلامه » (٨).

والخبر : عن الغلام متى يجب عليه الصوم والصلاة؟ قال : « إذا راهق‌

__________________

(١) النور : ٥٨.

(٢) النساء : ٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٧٤.

(٤) كالقاموس المحيط ٤ : ١٠٠ ، ومجمع البحرين ٦ : ٥٠.

(٥) الكفاية : ١١٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٧٦ / ١٣٠٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٠ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٤ ح ١.

(٧) الكافي ٧ : ٦٨ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٦٣ / ٥٦٩ ، التهذيب ٩ : ١٨٣ / ٧٣٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٩.

(٨) الخصال : ٤٩٥ / ٣ ، الوسائل ١٨ : ٤١٢ أبواب الحجر ب ٢ ح ٥.

٢٣٩

الحلم وعرف الصلاة والصوم » (١).

( ويشترك في هذين ) الدليلين ( الذكور والإناث ) لإطلاق أدلّتهما ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه قطعاً.

( أو السنّ وهو ) في الذكر ( بلوغ خمس عشرة سنة ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، كما حكاه جماعة ، كالمهذب والمسالك وشرح الشرائع للصيمري والمفاتيح والكفاية (٢) ، بل في الثاني كاد أن يكون إجماعاً ، وبه يشعر ظاهر الشرائع واللمعة (٣) ، حيث لم ينقل الخلاف فيه مع نقله له في الأُنثى خاصة ؛ مضافاً إلى وقوع التصريح به في الخلاف والغنية (٤) ، وعن ظاهر الطبرسي وغيره (٥) ، حيث نسباه إلى أصحابنا بصيغة الجمع المضاف المفيدة للعموم لغة ، وعن كنز العرفان أيضاً ، وذكر فيه أنه من شعار الشيعة والشافعية (٦).

وهو الحجة ، مضافاً إلى الأُصول الكثيرة القطعية ، والمعتبرة المستفيضة العاميّة والخاصيّة ، فمن الأولة النبويان المرويان في الغنية (٧) في أحدهما : « إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأُخذت منه الحدود ».

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٨٠ / ١٥٨٧ ، الإستبصار ١ : ٤٠٨ / ١٥٥٩ ، الوسائل ٤ : ١٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٣ ح ٣.

(٢) المهذب ١ : ٢٩٤ ، المسالك ١ : ٢٤٧ ، المفاتيح ١ : ١٤ ، الكفاية : ١١٢.

(٣) الشرائع ٢ : ١٠٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ١٤٤.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٨٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤.

(٥) الطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٩ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٧٥.

(٦) كنز العرفان ٢ : ١٠٢.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤.

٢٤٠