رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

المستفيضة الآتية في المسألة الآتية (١) وفي بحث العتق إن شاء الله سبحانه ، المضيفة للمال إلى العبد ، الظاهرة لذلك في الملكيّة ، من صحة الإضافة بأدنى ملابسة ، وهو وإن كان في حدّ ذاته بعيداً إلاّ أنّ المصير إليه بملاحظة ما سلف كان متعيّناً جدّاً.

مضافاً إلى الصوارف الأُخر التي تقدّمت من الأدلّة على عدم الملكيّة.

وقريب من الصحيحة المزبورة ما في صحيحة أُخرى طويلة متضمّنة للقضيّة المشهورة بين ابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وفيها من كلام مولانا الصادق عليه‌السلام بعد قول الراوي له : قلت : أليس قد أوصى للعبد بثلث ماله : « إنّ العبد لا وصية له ، إنّ ماله لمواليه » (٢).

ونحو هذه الأدلّة في عدم الملكيّة نصوص أُخر واردة في مباحث الوصية وإن اختلفت في الدلالة ، فبين ظاهرةٍ في ذلك ولو بالمعونة ، كالصحيح : في مكاتب كانت تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة ، فقال أهل الميراث : لا نجيز وصيّتها ، إنّه مكاتب لم يعتق ولا يرث ، فقضى أنّه يرث بحساب ما أُعتق منه ، ويجوز له الوصية بحساب ما أُعتق منه. وقضى في مكاتب اوصي له بوصية وقد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصيّة (٣). الحديث.

ووجوه الدلالة فيه واضحة أقواها تعليل الورثة عدم الإجازة بأنّه بعدُ مملوك لم يعتق ، وهو ظاهر في اشتهار عدم تملّكه للوصيّة بالعبودية في‌

__________________

(١) في ص : ٦٥.

(٢) الكافي ٧ : ٢٦ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢١٧ / ٨٥٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٥٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٩ ح ٥.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٦٠ / ٥٥٨ ، التهذيب ٩ : ٢٢٣ / ٨٧٤ ، الوسائل ١٩ : ٤١٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٠ ح ١.

٦١

تلك الأزمنة ، ويومئ إليه ما ذكره الأصحاب في المنع عن الوصيّة لمملوك الغير من التعليل بعدم المالكية.

ومشعرةٍ به ، وهي كثيرة ، وإن اختلفت في الإشعار ضعفاً وقوّةً ، فمنها النصوص المتواترة المجمع عليها الدالّة على نفي الموارثة بالرقّية (١).

وقد جعله الفاضل في المختلف حجة مستقلّة ، فقال : ولأنّه لو ملك لدخل المال في ملكه بالأسباب الموجبة للدخول من غير اختيار كالميراث وشبهه ، والتالي باطل إجماعاً ، فكذا المقدّم (٢).

ولا يخلو عن مناقشة ؛ لإمكان دفع الملازمة حيث لم يقم عليها حجة ظاهرة ، فيحتمل كون نفي التوارث تعبّداً ، كما اتّفق مثله في منع الوارث عن الميراث إذا كان قاتلاً مع كونه يملك للمال إجماعاً وإن كان وجه الحكمة فيه ظاهراً.

ونحوه في الضعف استدلاله الآخر بقوله : ولأنّه لو ملك لما جاز له أخذه منه قهراً ، والتالي باطل إجماعاً ، ولما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح عن مولانا الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن رجل يأخذ من أُمّ ولده شيئاً وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم أو متاع ، أيجوز ذلك؟ قال : « نعم إذا كانت أُمّ ولده » (٣).

لمنع الملازمة ، لعدم الدليل عليها من كتاب أو سنّة أو إجماع حتى في المسألة ، إلاّ أن يدّعي الاستقراء ، وهو حسن ، مع أنّ في الاستناد لإبطال التالي بالصحيح ما ترى ، فلعلّ تجويز الاسترداد منها بناءً على كون‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٦ : ٤٣ أبواب موانع الإرث ب ١٦.

(٢) المختلف : ٦٢٤.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٠٦ / ٧٢٩ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٩ أبواب الاستيلاد ب ١ ح ٢.

٦٢

الموهوب لها هبة لغير ذي رحم ويجوز ذلك فيها إجماعاً ، فتوًى ونصّاً ، وربما كان في الشرطيّة في ذيله إشعار بذلك أيضاً ، فتأمّل جدّاً.

ومنها النصوص الواردة في وصيّة المولى لمملوكه بثلث ماله وأنّه يعتق بحسابه (١) ، وهو ظاهر في عدم إعطائه ثلثه ، ولا وجه له في الظاهر إلاّ عدم تملّكه ، فتأمّل.

وبالجملة تتبّع النصوص الواردة في العتق والوصية للملوك يكشف عن عدم الملكيّة له من دون ريبة ، فلا يقاومها سيّما بعد اعتضادها بما قدّمناه من الأدلّة شي‌ء من الرواية السابقة وغيرها ، كالمستدَلّ به للقول باستثناء أرش الجناية خاصّة ، كما حكي قولاً في الروضة (٢) ، وقال به القاضي والنهاية (٣) لكن مع إلحاق ما يُملِّكه مولاه وفاضل الضريبة ، وهو الموثّق : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر ، فيقول : حلّلني من ضربي إيّاك ، ومن كلّ ما كان منّي إليك ممّا أخفتك وأرهبتك ، فيحلّله ويجعله في حلّ رغبة فيما أعطاه ، ثم إنّ المولى بعدُ أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد وأخذها المولى ، إحلال له هي؟ فقال : « .. لا يحلّ له ؛ لأنّه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة » قال : فقلت : فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال عليه الحول؟ قال : « لا إلاّ أن يعمل له بها » (٤) الحديث.

وفيه مضافاً إلى ما مرّ قصور السند ، وتضمّنه عدم جواز أخذ‌

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٤١٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٢.

(٢) الروضة البهية ٣ : ٣١٢.

(٣) القاضي في المهذب ٢ : ٣٥٩ ، النهاية : ٥٤٣.

(٤) الفقيه ٣ : ١٤٦ / ٦٤٤ ، التهذيب ٨ : ٢٢٥ / ٨٠٨ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٦ أبواب بيع الحيوان ب ٩ ح ٣.

٦٣

المولى ذلك منه وهو مخالف للإجماع كما في عبارة المختلف المتقدّمة (١) ، ونحوها ما صرّح به أيضاً بعدها بأدنى فاصلة ، فقال : لو فرضنا أنّ العبد يملك فإنّه لا يملك ملكاً تامّاً ؛ إذ لمولاه انتزاعه منه إجماعاً (٢).

مضافاً إلى احتمال حمله على التقيّة ؛ لأنّ الملكية مذهب جماعة من العامّة (٣) ، كما يستفاد من عبارات هؤلاء النقلة للإجماعات المتقدّمة (٤) ، مع ظهور ذيله في ذلك من حيث تضمّنه استحباب الزكاة في مال التجارة ، وهو مذهب العامّة ، وإن اشتهر أيضاً بين الطائفة.

وبه يمكن الجواب عن الأخبار المتوهّم منها الدلالة على الملكية مطلقاً ، أظهرها دلالةً الخبر : عن رجل قال لمملوكه : أنت حرّ ، ولي مالُك ، قال : « لا يبدأ بالحريّة قبل المال ، يقول : لي مالك ، وأنت حرّ ، برضا المملوك » (٥).

وفيه مع ذلك قصور السند ، للجهالة ، وإن عدّه من الحسن بل الصحيح جماعة (٦) ، وأنّه معارض بكثير من المعتبرة الدالّة على كون مال المعتَق للمالك إذا كان جاهلاً بماله مطلقاً ولو لم يستثن (٧).

وأمّا الخبر : « أنّ علياً عليه‌السلام أعتق عبداً فقال له : إنّ ملكك لي ولك ،

__________________

(١) في ص : ٦٢.

(٢) المختلف : ٦٢٤.

(٣) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٢١ ، وابن حزم في المحلى ٨ : ٣٢٠.

(٤) في ص : ٥٨.

(٥) الكافي ٦ : ١٩١ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٩٢ / ٣٤٤ ، التهذيب ٨ : ٢٢٤ / ٨٠٦ ، الإستبصار ٤ : ١١ / ٣٣ ، الوسائل ٢٣ : ٤٨ أبواب العتق ب ٢٤ ح ٥.

(٦) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٢٥١ ، والمجلسي في روضة المتقين ٦ : ٣٩٤.

(٧) انظر الوسائل ٢٣ : ٤٧ أبواب العتق ب ٢٤.

٦٤

وقد تركته لك » (١) فمع قصور السند غير واضح الظهور في المنافاة لمذهب المشهور وغيره ؛ لإجماله إن ارتكب المجاز في إحدى اللامين ، ومخالفته الإجماع إن حملناه على الحقيقة ، لإفادتهما التشريك بالبديهة ، ولا قائل به من الطائفة.

مع منافاته صريح الآية ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (٢) الآية لتصريحها بأن ليس للعبيد في أموال الموالي شركة.

فاستدلال بعض الأجلّة (٣) بهذه الرواية لقوله بإطلاق ثبوت الملكيّة له تبعاً للماتن في الشرائع (٤) ضعيف غايته ، كضعف استدلاله بما أشرنا إليه من الأخبار المتقدّمة.

ويتحصّل ممّا طوّلنا به الكلام في المسألة القطع بعدم الملكيّة فيما عدا فاضل الضريبة وأرش الجناية ، وكذلك فيهما على الظاهر المشهور بين الطائفة.

( الثانية : من اشترى عبداً ) مثلاً وكان ( له مال كان ماله للبائع إلاّ مع الشرط ) فيكون للمشتري ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، كما حكاه جماعة (٥) ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح : عن رجل باع مملوكاً فوجد له مالاً ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٣٧ / ٨٥٥ ، الوسائل ٢٣ : ٤٩ أبواب العتق ب ٢٤ ح ٧. وفيهما : « إنّ ملكك لي ، ولكن قد تركته لك ».

(٢) الروم : ٢٨.

(٣) الحدائق ١٩ : ٣٩٦.

(٤) الشرائع ٢ : ٥٨.

(٥) منهم : السبزواري في الكفاية : ١٠١ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٥٨ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٤٠٠.

٦٥

فقال : « المال للبائع ، إنّما باع نفسه ، إلاّ أن يكون شرط عليه أنّ ما كان له من مال أو متاع فهو له » (١).

ونحوه خبران آخران ، مروي أحدهما في الفقيه (٢) ، وثانيهما عن أمالي ولد الشيخ (٣).

وهذان الحكمان على المختار واضحان ؛ لعدم دخول المال في لفظ المبيع لغةً وعرفاً ، فيكون للبائع جدّاً ، إلاّ مع الشرط أو ما في حكمه من جريان العادة بدخوله كثياب البدن ونحوها إن حصلت فيدخل.

ويشكل الحكمان على غيره ؛ إذ لا وجه لهما حينئذٍ ، إذ لا موجب لكونه للبائع في الأوّل وللمشتري في الثاني ، بل يتبع المال مالكه ، فهما أقوى دليل على المختار وأولى بالدلالة عليه من دلالة إضافة المال إلى العبد في النصوص على خلافه ، لكفاية أدنى ملابسة في الإضافة ، كما مضت إليه وإلى ما يدلّ على تعيّن إرادته الإشارة (٤).

وقيل (٥) بأنّه للبائع مع جهله به وللمشتري مع علمه ؛ للصحيح : الرجل يشتري المملوك وله مال ، لمَن ماله؟ فقال : « إن كان علم البائع أنّ له مالاً فهو للمشتري ، وإن لم يكن له علم فهو للبائع » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٢ أبواب بيع الحيوان ب ٧ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٣٨ / ٦٠٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٣ أبواب بيع الحيوان ب ٧ ح ٤.

(٣) أمالي الطوسي : ٣٩٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٤ أبواب بيع الحيوان ب ٧ ح ٥.

(٤) راجع ص : ٦١.

(٥) نقل القول عن الإسكافي في المختلف : ٣٨٠.

(٦) الكافي ٥ : ٢١٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٨ / ٦٠٥ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٣ أبواب بيع الحيوان ب ٧ ح ٢.

٦٦

وهو ضعيف ؛ لقصور الخبر عن المقاومة لما مرّ وإن صحّ السند ؛ لكثرة العدد ، والاعتضاد بالأصل وبعمل الأكثر ، فليطرح ، أو يؤوّل إلى الأوّل بالحمل على صورة الشرط ، كما في المختلف (١) ، أو ما في معناه من قضاء العادة بدخوله كما مرّ ، ولعلّه أظهر.

وبه يظهر اتّحاده مع المعتبرة في الدلالة على عدم الملكيّة ، وعدم انطباقها على القول بها ؛ إذ لا وجه لتأثير العلم وعدمه في دخول ملك العبد من دون عقد في ملك البائع والمشتري. وانطباقها على الأوّل واضح ؛ لأنّ كون المال للبائع على تقدير الجهل مقتضى الأصل ، فإنّه ملكه فيتبعه ، وللمشتري على تقدير العلم مقتضى العادة الجارية مجرى الشرط فيتبع ، كما حملنا عليه الرواية.

ثم مع الدخول بأحد الأمرين ينبغي أن يراعى فيه شروط البيع من كونه معلوماً لهما أو ما في حكمه ، وسلامته من الربا بأن يكون الثمن مخالفاً لجنسه الربوي أو زائداً عليه ، وقبض مقابل الربوي في المجلس إن كان صرفاً ، وغيرها.

وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق الصحيح : قلت له : الرجل يشتري المملوك وماله ، قال : « لا بأس به » قلت : فيكون مال المملوك أكثر ممّا اشتراه ، قال : « لا بأس به » (٢).

وهو كالنصوص السابقة ظاهر الانطباق على المختار دون غيره ، فالعجب من نحو الماتن كيف حكم بهذا الحكم هنا على الإطلاق مع‌

__________________

(١) المختلف : ٣٨٠.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٣٩ / ٦٠٦ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٤ أبواب بيع الحيوان ب ٨ ح ١.

٦٧

حكمه بالملك الغير المجامع له سابقاً؟!

اللهم إلاّ أن يريد بمال العبد هنا مال مولاه ، وإنّما أُضيف إليه لتسليطه المولى وإباحته له فيحصل أدنى الملابسة الكافي في صدق الإضافة ، وبهذا الوجه تخرج النصوص عن مورد المسألة السابقة من ثبوت الملكيّة أو عدمها بالبديهة.

( الثالثة : يجب على البائع ) ومن في حكمه إن قلنا بإلحاقه به ( استبراء الأمة ) الموطوءة له حال بلوغها في قبل أو دبر ، عزل أم لا ، في ظاهر إطلاق النصوص والفتاوي ( قبل بيعها ) بل مطلق الانتقال على الأشهر الأقوى ، بل ربما يستفاد من الخلاف والغنية الإجماع عليه (١).

بترك وطئها مطلقاً ولو دبراً ، دون سائر الاستمتاعات ، في زمان يأتي عليها ( بحيضة ) واحدة إن لم تُبَع في أثنائها ، وإلاّ فيكفي تمامها على الأشهر الأقوى ( إن كانت ممّن تحيض ) وحدّها البالغة تسع سنين ، بلا خلاف يوجد إلاّ نادراً.

( وبخمسة وأربعين يوماً ) من حين الوطء ( إن لم تحض ) بعدُ ، أو انقطع عنها حيضها ( وكانت في سنّ من تحيض ).

( وكذا يجب الاستبراء ) بما ذكر كيفيّةً وقدراً ( على المشتري إذا لم يستبرئها البائع ) مطلقا ، علم بوطئه لها أو جهل ، ولا يجب إذا علم العدم اتّفاقاً ، نصّاً وفتوى.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك إلاّ من الحلّي (٢) في إلحاق مُطلق الانتقال بالبيع ، التفاتاً إلى الأصل ، واختصاص الموجب به خاصّة ، فالإلحاق‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٣١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٢.

(٢) السرائر ٢ : ٣٤٦.

٦٨

لا بدّ له من حجّة ، وليست سوى دعوى الاشتراك في الحكمة الموجبة في الملحق به ، وليست بمنصوصة.

والمناقشة فيه واضحة بعد ملاحظة خصوص الرواية الآتية في المسبيّة (١) المندفع أخصّيتها من المدّعى بعدم القول بالفرق بين الطائفة.

مضافاً إلى ظواهر كثير من المعتبرة الظاهرة في الحكمة ، كالصحيح : في رجل ابتاع جارية لم تطمث ، قال : « إن كانت صغيرة لا يتخوّف عليها الحمل فليس عليها عدّة فليطأها إن شاء ، وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فإنّ عليها العدّة » (٢).

وقريب منه الخبر الذي ضعف سنده بالشهرة العظيمة منجبر : عن الجارية التي لا يخاف عليها الحبل ، قال : « ليس عليها عدّة » (٣).

لظهوره في فهم الراوي دوران وجوب العدّة مدار خوف الحبل وأنّ إشكاله في الحكم مع عدم الخوف ، وقد قرّره عليه‌السلام على ذلك ، فتدبّر.

ويشهد له سقوط الاستبراء فيمن لا يخاف عليها الحبل أصلاً ، كالصغيرة ونحوها ، وفي المشتراة من المرأة ، فتأمّل جدّاً ، ولعلّه لذا رجع عنه في باب السراري وملك الأيمان (٤).

ومنه أيضاً في الاكتفاء بتمام الحيضة إن بيعت في الأثناء ، فلم يكتف‌

__________________

(١) انظر ص : ٧٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٧١ / ٥٩٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٧ / ١٢٧٨ ، الوسائل ٢١ : ٨٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧١ / ٥٩٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٧ / ١٢٧٩ ، الوسائل ٢١ : ٨٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣ ح ٢.

(٤) السرائر ٢ : ٦٣٤.

٦٩

به (١).

ويردّه الإجماع المحكي في الخلاف (٢) ، والمعتبرة ، كالصحيحين ، في أحدهما : عن رجل اشترى جارية وهي حائض ، قال : « إذا طهرت فليمسّها إن شاء » (٣).

والموثق : عن رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أُخرى أم تكفيه هذه الحيضة؟ قال : « لا ، بل تكفيه هذه الحيضة ، فإن استبرأها بأُخرى فلا بأس ، هي بمنزلة فضل » (٤).

ومن المبسوط (٥) ، فألحق بالوطء سائر وجوه الاستمتاعات ؛ للموثق : عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى ، أيطؤها؟ قال : « لا » قلت : فدون الفرج؟ قال : « لا يقربها » (٦).

ويردّه مضافاً إلى الأصل ، وانتفاء وجه الحكمة الإجماع الذي حكاه في الخلاف (٧) ، وخصوص المعتبرة ، كالصحيح : قلت : يحلّ‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٣٥.

(٢) الخلاف ٣ : ١٣١.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧١ / ٥٩٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٧ / ١٢٧٨ ، الوسائل ٢١ : ٨٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣ ح ١.

والثاني : الكافي ٥ : ٤٧٣ / ٦ ، الوسائل ٢١ : ٨٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣ ذيل الحديث ١.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٤ / ٦٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٩ / ١٢٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٩٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١٠ ح ٢.

(٥) المبسوط ٢ : ١٤٠.

(٦) التهذيب ٨ : ١٧٧ / ٦٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٢ / ١٣٠٢ ، الوسائل ٢١ : ٨٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥ ح ٥.

(٧) الخلاف ٣ : ١٣٢.

٧٠

للمشتري ملامستها؟ قال : « نعم ، ولا يقرب فرجها » (١).

والموثق : أيحلّ له أن يأتيها فيما دون فرجها؟ قال : « نعم » (٢).

ونحوه خبران آخران ، في أحدهما : « ولكن يجوز ذلك فيما دون الفرج » (٣). وفي الثاني : « لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها ، وإن صبرت فهو خير لك » (٤).

فلتحمل الموثّقة على الاستحباب ، كما يستفاد من هذه الرواية.

ومن المفيد في مبلغ العدّة الثانية ، فجعله أشهراً ثلاثة (٥).

ولا مستند له سوى القياس على الحرّة المطلّقة.

والمناقشة فيه واضحة ، سيّما بعد اتّحاد عدّة الأمة المطلّقة لمقدار عدّتها في المسألة بالإجماع وأكثر النصوص المعتبرة.

ومع ذلك النصوص بردّه هنا مستفيضة زيادة على الإجماع في الخلاف (٦) ، منها : عن الجارية التي لم تبلغ المحيض ويخاف عليها الحبل ، قال : « يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمس وأربعين ليلة والذي يشتريها بخمس وأربعين ليلة » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٣ / ٦٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٠ / ١٢٩١ ، الوسائل ٢١ : ٩٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦ ح ٥.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧٧ / ٦٢١ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٣ / ١٣٠٣ ، الوسائل ٢١ : ١٠٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١٨ ح ٥.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٨٢ / ١٣٤٦ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ / ٧٥٩ ، علل الشرائع : ٥٠٣ / ١ ، الوسائل ١٨ : ٢٦١ أبواب بيع الحيوان ب ١١ ح ٥.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٨ / ٦٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٣ / ١٣٠٤ ، الوسائل ٢١ : ٨٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥ ح ١.

(٥) المقنعة : ٦٠٠.

(٦) الخلاف ٥ : ٨٠.

(٧) الكافي ٥ : ٤٧٣ / ٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٨ أبواب بيع الحيوان ب ١٠ ح ٣.

٧١

ومنها : في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت عن المحيض ، كم عدّتها؟ قال : « خمسة وأربعون يوماً » (١) ونحوه آخر (٢).

وفي الصحيح والموثق : في كم يستبين له حبل؟ قال : « في خمس وأربعين ليلة » (٣).

هذا ، وكلامه في المقنعة في باب لحوق الأولاد (٤) يوافق ما في العبارة.

ومن الصحيحين (٥) في مقدار العدّة الأُولى ، فجعلاه حيضتين ، مؤذنين بكون الواحدة مذهب العامّة.

وهما شاذّان مردودان بفحوى المعتبرة المتقدّمة المكتفية بتمام الحيضة ، وصريح أخبار معتبرة أُخر ، منها : « استبرئوا سباياكم بحيضة » (٦).

وقصور السند بالفتاوي منجبر ، وحملهما على الاستحباب كما فعله الشيخ (٧) غير بعيد ، كما دلّ عليه صريح الموثّق المتقدّم ، ولعلّ العامّة في‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٢ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٨ / ١٢٨٣ ، الوسائل ٢١ : ٨٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧٢ / ٥٩٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٨ / ١٢٨٢ ، الوسائل ٢١ : ٨٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣ ح ٥.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٢ / ١ ، ٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٧ أبواب بيع الحيوان ب ١٠ ح ١.

(٤) المقنعة : ٥٣٨.

(٥) الأول التهذيب ٨ : ١٧٣ / ٦٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٠ / ١٢٩١ ، الوسائل ٢١ : ٩٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦ ح ٥.

الثاني : التهذيب ٨ : ١٧١ / ٥٩٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٩ / ١٢٨٧ ، الوسائل ٢١ : ٩٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٨ : ١٧٦ / ٦١٥ ، الوسائل ٢١ : ١٠٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١٧ ح ١.

(٧) التهذيب ٨ : ١٧٥.

٧٢

المدينة أنكرت استحباب الحيضتين.

ومن بعض المحققين في تعميم الوطء للدبر ، فخصّه بالقبل (١) ، وهو الظاهر من الحلّي (٢) حيث أوجب الاستبراء بتركة خاصّة للمشتري ؛ ولعلّه للأصل ، واختصاص الموجب من النص بحكم التبادر بمحلّ الفرض ، فلا يجوز التعدّي إلى الغير.

ولا يخلو عن قرب إن لم يحصل بوطء الدبر خوف سبق الماء في القبل الموجب لخشية الحبل ، بل حصل القطع بعدمه بالعزل ونحوه.

ومنه يظهر الوجه في الإشكال في تعميم الوطء له مع العزل الموجب للقطع بعدم الحبل من هذا الوطء ، ولا فرق فيه بين القبل والدبر إلاّ أنّ التعميم مطلقا كما ذكرنا وفاقاً لظاهر أكثر الأصحاب هنا طريق الاحتياط.

( ويسقط الاستبراء عن الصغيرة ) الغير البالغة ( واليائسة ) عن الحيض ، بالبلوغ إلى سنّ اليأس ( والمستبرأة ) بلا خلاف في الثلاثة ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، واختصاص النصوص بحكم التبادر في بعض ، وبه وبوجه الحكمة في الباقي بغير الثلاثة ، فالتعدية لمخالفتها الأصل لا بدّ لها من حجّة ودلالة هي في المقام مفقودة.

مع تظافر المعتبرة بعدمها بالضرورة ، منها مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة الموثّق كالصحيح ، بل ربما عدّ من الصحيح : عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض وإذا قعدت عن المحيض ، ما عدّتها؟ وما يحلّ للرجل من الأمة قبل أن تحيض؟ قال : « إذا قعدت عن المحيض أو‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٢٩ ، مجمع الفائدة ٨ : ٢٦٧.

(٢) السرائر ٢ : ٣٤٦.

٧٣

لم تحض فلا عدّة لها » (١) الحديث.

( و ) من النصوص الثالثة الأخبار الدالّة على السقوط عن ( أمة المرأة و ) أنّه ( يقبل قول ) البائع ( العدل إذا أخبر بالاستبراء ) أو عدم الوطء أصلاً ، وهي مستفيضة.

فممّا يتعلّق بالأوّل المعتبرة ، منها الصحيح : « عن الأمة تكون لامرأةٍ فتبيعها ، قال : « لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها » (٢) ونحوه الموثق كالصحيح (٣) ، بل قيل : صحيح (٤).

وفي مضاهيه في الوصفين على القولين : اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبّرتني أنّه لم يطأها أحد ، فوقعت عليها ولم أستبرئها ، فسألت ذلك أبا جعفر عليه‌السلام ، فقال : « هو ذا أنا قد فعلت ذلك وما أُريد أن أعود » (٥).

وربما يستشعر منه اشتراط الحكم هنا بعدم معلوميّة وطء في ملك المرأة بتحليل ونحوه ، بل مطلقاً ، ومقتضاه وجوب الاستبراء عند عدم الشرط ، ولعلّه كذلك ، ويعضده انسحاب وجه الحكمة هنا أيضاً ، إلاّ أنّ مقتضاه الاكتفاء باحتمال الوطء لا اشتراط العلم به.

ولا ريب أنّه أحوط إذا لم تخبر بعدم الوطء ، بل مطلقاً ، كما عن‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٢ / ٥٩٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٧ / ١٢٨١ ، الوسائل ٢١ : ٨٤ أبواب نكاح العيد والإماء ب ٣ ح ٤ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧٤ / ٦٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٠ / ١٢٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٩١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٤ / ٦٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٠ / ١٢٩٣ ، الوسائل ٢١ : ٩١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧ ذيل حديث ١.

(٤) مجمع الفائدة ٨ : ٢٧٠.

(٥) التهذيب ٨ : ١٧٤ / ٦٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٦١ / ١٢٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٩١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧ ح ٢.

٧٤

الحلّي وفخر المحققين (١) ، وإن كان في تعيّنه نظر ، لإطلاق الصحيحين الأوّلين المعتضدين بالأصلين (٢) ، وبإطلاق الفتاوي في البين ، فيقيّد بهما الحكمة إن عمّت ، مع أنّ عمومها محلّ نظر ، لاحتمال الخوف الذي هو الأصل فيها الغالب كما في الشراء من الرجل لا مطلقه.

وينبغي القطع باشتراط عدم المعلوميّة ؛ التفاتاً إلى الحكمة وعليه ينزّل الإطلاقات. ويفرق حينئذٍ بين الشراء منها ومن الرجل بوجوب الاستبراء في الثاني مطلقاً إلاّ مع العلم أو ما في حكمه بعدم الوطء أصلاً ، وعدمه في الأوّل كذلك إلاّ مع العلم بالدخول المحترم أو المطلق على الأقوى.

وممّا يتعلق بالثاني المستفيضة ، وهي ما بين مطلقة في المخبِر ، كالخبر : « إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها أنها على طهر فلا بأس أن تقع عليها » (٣).

ومقيّدةٍ له بالوثاقة والأمانة ، منها : في رجل يشتري الأمة من رجل فيقول : إنّي لم أطأها ، فقال : « إن وثق به فلا بأس بأن يأتيها » (٤).

ومنها : الرجل يشتري الجارية وهي طاهر ويزعم صاحبها أنّه لم يمسّها منذ حاضت ، فقال : « إن ائتمنته فمسّها » (٥).

__________________

(١) الحلّي في السرائر ٢ : ٣٤٦ ، فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٣٦٠.

(٢) أي : أصالة عدم الدخول وأصالة عدم وجوب الاستبراء. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٣ / ٦٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٩ / ١٢٨٨ ، الوسائل ٢١ : ٩٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٧٣ / ٦٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٨٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٨ : ١٧٣ / ٦٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٠ / ١٢٩٠ ، الوسائل ٢١ : ٩٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦ ح ٤.

٧٥

وقصور الأولى بالجهالة والثانية بالاشتراك بل احتمال الضعيف بالقرينة (١) منجبر بالشهرة ، مع أنّهما معدودان في الحسن والصحيح في كلام جماعة (٢).

مضافاً إلى كون الأولى في الكافي صحيحة ، أو حسنة كالصحيحة ، ووجود من أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة في سند الثانية ، مع اعتضادهما بالأصل ، واختصاص النصوص المثبتة للحكم بحكم التبادر بغير مفروض المسألة.

ودعوى عموم الحكمة لنحوها غير ظاهرة يظهر وجهه ممّا تقدّم إليه الإشارة.

فإذاً الأظهر ما عليه الأكثر ، بل ربما يظهر من الغنية الإجماع عليه (٣).

خلافاً للفاضلين المتقدّم ذكرهما (٤) ، فأوجب الاستبراء هنا أيضاً ؛ لروايات هي ما بين قاصرة السند ، أو ضعيفة الدلالة ، أو مخالفة في الظاهر للمجمع عليه بين الطائفة ، فأولاها : أشتري الجارية من الرجل المأمون ، فيخبرني أنّه لم يمسّها منذ طمثت عنده وطهرت ، قال : « ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة » (٥) الحديث.

__________________

(١) يعني احتمال أن يكون المراد بأبي بصير هو يحيى بن القاسم الضعيف بقرينة رواية شعيب العقرقوفي عنه.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠٩ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٢٦٢ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٣٢٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٢.

(٤) راجع ص : ٧٥.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٨٢ / ١٣٤٦ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ / ٧٥٩ ، علل الشرائع : ٥٠٣ / ١ ، الوسائل ١٨ : ٢٦١ أبواب بيع الحيوان ب ١١ ح ٥.

٧٦

وثانيتها الصحيح : عن جارية تشترى من رجل مسلم يزعم أنّه قد استبرأها ، أيجزئ ذلك أم لا بد من استبرائها؟ قال : « أستبرئها بحيضتين » (١).

وثالثتها الصحيح : في رجل اشترى جارية ولم يكن صاحبها يطؤها ، أيستبرئ رحمها؟ قال : « نعم » (٢).

فلتطرح ، أو تؤوّل بما يؤول إلى الأوّل بالحمل على عدم أمانة المخبر ، والأوّل الظاهر فيها بحسب السند قاصر ، أو على الاستحباب ، كما يشعر به الصحيح الأوّل ، من حيث تضمّنه الأمر بالاستبراء حيضتين الذي هو للاستحباب بلا خلاف في الظاهر.

ويفصح عنه الخبر بل الحسن كما قيل ـ (٣) : أفرأيت إن ابتاعها وهي طاهرة وزعم صاحبها أنّه لم يطأها منذ طهرت ، فقال عليه‌السلام : « إن كان عندك أميناً فمسّها » وقال عليه‌السلام : « إنّ ذا الأمر شديد ، فإن كنت لا بدّ فاعلاً فتحفظ لا تنزل عليها » (٤).

فما عليه الأكثر أقوى ، وإن كان الاحتياط الأكيد فيما ذكراه جدّاً ، كاعتبار العدالة بعده ، وفاقاً لظاهر العبارة وجماعة (٥) ، وإن كان الاكتفاء بمن تسكن النفس إليه لا يخلو عن قوّة ؛ لظاهر المعتبرة المتقدمة ، لخلوّها عن اعتبارها بالمعنى المصطلح بين المتشرّعة ، وإنّما غايتها اشتراط الأمانة‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٣ / ٦٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٠ / ١٢٩١ ، الوسائل ٢١ : ٩٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٢ / ٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٧ أبواب بيع الحيوان ب ١٠ ح ١.

(٣) قال به المحدث المجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٣٣٤.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٧٢ / ٦٠١ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٨ / ١٢٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٨٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦ ح ٢.

(٥) منهم الشيخ في النهاية : ٤١٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠٩ ، والروضة ٣ : ٣١٥.

٧٧

والوثاقة ، وهما أعم منها لغةً وعادةً.

( ولا ) يجوز أن ( توطأ ) الأمة ( الحامل قُبُلاً حتى يمضي لحملها أربعة أشهر ) كما عن المفيد والحلبي (١) ، وفي الغنية مدّعياً في الظاهر عليه إجماع الطائفة (٢) ؛ وهو الحجة لا الرواية الآتية ، لزيادة فيها ليست في كلام هؤلاء الجماعة ، بل حكيت عن النهاية (٣) خاصّة ، وتبعه من المتأخّرين جماعة ، كالماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد وشيخنا في الروضة والمسالك (٤).

ولا ريب في الحرمة قبل انقضاء هذه المدّة ؛ للمعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة (٥) ، وهي مع ذلك معتضدة بالشهرة العظيمة ، كما في الدروس (٦) ، وإجماع الغنية ، وأصالة بقاء الحرمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا قوله سبحانه ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٧).

وهو معارض بالآية الأُخرى ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٨) وبعد التساقط بموجب التعارض تبقى الأصالة المزبورة عن معارضة الآية الأُولى سليمة.

وإلى التعارض مع ترجيح الثانية على ما ذكره بعض الأجلة (٩) يشير‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٤٤ ، الحلبي في الكافي : ٣٠٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٢.

(٣) النهاية : ٤٩٦.

(٤) الشرائع ٢ : ٥٩ ، الإرشاد ١ : ٣٦٦ ، القواعد ١ : ١٣٠ ، الروضة ٣ : ٣١٦ ، المسالك ١ : ٢٠٩.

(٥) انظر الوسائل ٢١ : ٩١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨.

(٦) الدروس ٣ : ٢٢٨.

(٧) النساء : ٣.

(٨) الطلاق : ٤.

(٩) الحدائق ١٩ : ٤٤٨.

٧٨

بعض المعتبرة ، كالصحيح : في الأمة الحبلى يشتريها الرجل ، قال : « سئل أبي عن ذلك فقال : أحلّتها آية وحرّمتها آية فأنا ناهٍ عنها نفسي وولدي » (١) والنهي حقيقة في الحرمة.

وتخصيصه إيّاه بنفسه وولده غير مشعر بالكراهة ، فلعلّه للتقية (٢) ، كما صرّح به جماعة (٣).

فإذاً الرواية من أدلّة الحرمة كالمستفيضة ، منها الصحيح : الرجل يشتري الجارية وهي حامل ، ما يحلّ منها؟ قال : « ما دون الفرج » (٤).

والموثقات الثلاث ، فيما عدا الثالث منها : عن الجارية يشتريها الرجل وهي حبلى ، أيطؤها؟ قال : « لا » (٥). ونحوهما المرويان عن قرب الإسناد (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٧٦ / ٦١٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٢ / ١٢٩٨ ، الوسائل ٢١ : ٩٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨ ح ٢.

(٢) سيّما بعد ملاحظة الصحيح : قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عمّا يروي الناس عن علي عليه‌السلام في أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلاّ أنه ينهى عنها نفسه وولده ، فقلت : وكيف يكون ذلك؟ قال : « قد أحلّتها آية وحرّمتها آية أُخرى » قلت : فهل يصير إلاّ أن تكون إحداهما قد نسخت الأُخرى ، أو هما محكمتان جميعاً ، أو ينبغي أن يعمل بهما؟ فقال : « قد بيّن لكم إذ نهى نفسه وولده » قلت : ما منعه أن يبيّن ذلك للناس؟ فقال : « خشي أن لا يطاع ، ولو أنّ علياً عليه‌السلام ثبتت له قدماه أقام كتاب الله والحق كلّه ». الكافي ٥ : ٥٥٦ / ٨. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٢٧٦ ، والبحراني في الحدائق ١٩ : ٤٤٧.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٧٦ / ٦١٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٢ / ١٣٠٠ ، الوسائل ٢١ : ٨٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥ ح ٣.

(٥) الأُولى : التهذيب ٨ : ١٧٧ / ٦٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٢ / ١٣٠٢ ، الوسائل ٢١ : ٨٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥ ح ٥.

الثانية : التهذيب ٨ : ١٧٦ / ٦١٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٢ / ١٣٠١ ، الوسائل ٢١ : ٩٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨ ح ٦.

(٦) قرب الإسناد : ٣١٠ / ١٢٠٩ ، الوسائل ٢١ : ٩٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨ ح ٨.

٧٩

وفيه : عن الجارية الحبلى يشتريها الرجل فيصيب منها دون الفرج؟ فقال : « لا بأس » قلت : فيصيب منها في ذلك؟ قال : « تريد تغرّة » (١).

والخبران (٢) ، في أحدهما : « عشر لا يحلّ نكاحهنّ ولا غشيانهنّ » وعدّ منها « أمتك وهي حبلى من غيرك ». وفي الموثق : عن رجل اشترى جارية حاملاً وقد استبان حملها فوطئها ، قال : « بئس ما صنع » (٣).

إلى غير ذلك من النصوص الآتية التي بملاحظتها وسابقتها ربما يحصل القطع بأنّها متواترة ، وهي ما بين ظاهرة وصريحة في الحرمة.

فالقول بالكراهة كما عن الخلاف والحلّي (٤) ضعيف ، وإن ادّعى الأوّل عليه الإجماع ؛ لوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه ، مع معارضته بالإجماع المتقدم ، فلا يقاوم ما مرّ من الأدلّة.

ونحوه باقي أدلّة الجواز ؛ لضعف الآية المتقدّمة بما مرّ إليه الإشارة ، والرواية : « ما أُحبّ للرجل المسلم أن يأتي الجارية حبلى قد حبلت من غيره حتى يأتيه فيخبره » (٥) بقصور السند بالجهالة ، والمتن عن وضوح الدلالة ؛ لأعميّة : « ما أُحبّ » من الكراهة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٥ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٨٨ أبواب نكاح العبيد والإماء وبدلها في « ح » و« ت » و« ر » : يزيد نفرة.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٨٦ / ١٣٦٠ ، التهذيب ٨ : ١٩٨ / ٦٩٥ ، ٦٩٦ ، الوسائل ٢١ : ١٠٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١٩ ح ١ ، ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٥ : ٤٨٧ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٨٤ / ١٣٥١ ، التهذيب ٨ : ١٧٨ / ٦٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٩٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٩ ح ١.

(٤) الخلاف ٥ : ٨٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٦٣٥.

(٥) التهذيب ٨ : ١٧٨ / ٦٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٣ / ١٣٠٤ ، الوسائل ٢١ : ٨٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥ ح ١.

٨٠