رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

خلافاً للإسكافي (١) ، فجوّز التأخير إلى ثلاثة أيّام. وهو شاذّ ، وفي المهذّب والدروس والمسالك (٢) أنّه متروك.

فلو باع سلماً ولم يقبض من الثمن قبل التفرّق شيئاً بطل رأساً.

( ولو قبض بعض الثمن ثم افترقا ) بطل فيما لم يقبض و ( صحّ في المقبوض ) ولكن يتخيّر البائع في الفسخ ؛ لتبعّض الصفقة ، إلاّ إذا كان عدم الإقباض بتفريطه فلا خيار له.

( ولو كان الثمن ديناً على البائع ) فبيع المسلم فيه به ( صحّ على الأشبه ) وفاقاً للنهاية (٣) ، وعليه الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في التحرير (٤) ، إمّا لأنّ ما في الذمّة بمنزلة المقبوض ، أو للأصل ، والعمومات ، وانحصار دليل هذا الشرط في الإجماع ، وليس بمتيقّن بل ولا ظاهر في محل النزاع ؛ لمكان الاختلاف.

مضافاً إلى التأيد بالخبر : في رجل كان له على رجل دراهم ، فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاماً إلى أجل مسمّى ، فقال : « لا بأس بذلك » (٥) الخبر.

ولا ينافيه النهي عنه في الذيل ؛ لإشعار السياق بورود ذلك للتقيّة.

وأولى بالجواز ما حوسب به عن الثمن الكلّي دون أن يقع البيع به ، وعليه الأكثر لما يأتي.

خلافاً للأشهر في الأوّل دون الثاني ، فيبطل ؛ لأنّه بيع دين بدين منهي‌

__________________

(١) كما حكاه عنه في المختلف : ٣٦٤.

(٢) المهذب البارع ٢ : ٤٧٣ ، الدروس ٣ : ٢٥٦ ، المسالك ١ : ٢١٣.

(٣) النهاية : ٣٩٧.

(٤) الشرائع ٢ : ٣٢ ، التحرير ١ : ١٩٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٣ / ١٨٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٨ أبواب السلف ب ٨ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

١٢١

عنه ، أمّا كون المسلم فيه ديناً فواضح ، وأمّا الثمن الذي في الذمّة فلأنّه دين في ذمّة المسلم إليه ، فإذا جعل عوضاً للمسلم فيه صدق بيع الدين بالدين ، لأنّ نفس الدين قد قرب بالباء فصار ثمناً. ولا كذلك المحاسبة عليه قبل التفرق إذا لم يشترطه ثمناً ؛ لأنّه استيفاء دين قبل التفرّق مع عدم ورود العقد عليه ، فلا يقصر عمّا لو أطلقا الثمن ثم أحضره قبل التفرّق.

وإنّما يفتقر إلى المحاسبة مع تخالفهما جنساً أو وصفاً ، أمّا لو اتّفق ما في الذمّة فيهما وقع التهاتر والتساقط قهريّاً ولزم العقد.

وللدروس في الثاني (١) ، فاستشكل فيه ؛ استناداً إلى أنّه يلزم منه كون مورد العقد ديناً بدين.

ومبنى القولين على أحد تفسيري بيع الدين بالدين ، وهو شموله لما صار ديناً بالعقد وإن لم يكن ديناً قبله ، وعليه الأكثر.

وفيه نظر يتّضح وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في الروضة في كتاب الدين : من أنّ الدين الممنوع منه ما كان عوضاً حال كونه ديناً بمقتضى تعلّق الباء به ، والمضمون عند العقد ليس بدين ، وإنّما يصير ديناً بعده فلم يتحقّق بيع الدين بالدين (٢).

وهو في غاية الجودة ، وإن ناقض نفسه في المسألة في الكتاب المتقدّم إلى ذكره الإشارة. فضَعُفَ القولان بالضرورة.

وتزيد على الثاني الحجة بما أورده عليه شيخنا في المسالك والروضة (٣) في المسألة : من أنّ بيع الدين بالدين لا يتحقّق إلاّ إذا جعلا في‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٥٦.

(٢) الروضة البهية ٤ : ٢٠.

(٣) المسالك ١ : ٢١٣ ، الروضة ٣ : ٤١٠.

١٢٢

نفس العقد متقابلين في المعاوضة ، قضيّةً للباء. وهي هنا منفية ؛ لأنّ الثمن فيه أمر كلّي وتعيينه بعد العقد في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن الذي جرى عليه العقد ، ومثل هذا التقاصّ والتحاسب استيفاء لا معاوضة ، ولو أثّر مثل ذلك لأثّر مع إطلاقه ثم دفعه في المجلس ، لصدق بيع الدين بالدين عليه ابتداءً.

فإذاً القول بما في المتن أظهر ( لكنّه يكره ) لشبهة الخلاف. فالاحتياط عنه أجود ، بل لعلّه المتعيّن ؛ للصحيح : عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك ، فأتى المطلوب الطالب ليبتاع منه شيئاً؟ قال : « لا يبيعه نسيئاً ، فأمّا نقداً فليبعه بما شاء » (١) فتأمّل.

( الثالث : تقدير المبيع ) المسلم فيه ( بالكيل أو الوزن ) المعلومين فيما يكال أو يوزن ، وفيما لا يضبط بيعه سلفاً إلاّ به ، وإن جاز بيعه جزافاً كالحطب والحجارة ، بلا خلاف.

استناداً في الأوّل إلى ما دلّ عليه في مطلق البيع من حديث النهي عن بيع الغرر والمجازفة ، مع التأيّد بخصوص المعتبرة ، كالصحيح : عن السلم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم ، قال : « لا بأس به » (٢).

والموثق : « لا بأس بالسلم كيلاً معلوماً إلى أجلٍ معلوم ، لا يسلم إلى دياس ولا إلى حصاد » (٣).

مضافاً إلى صريح النبوي العامي : « من أسلف فليسلف في كيل معلوم‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٨ / ٢٠٧ ، الوسائل ١٨ : ٤٥ أبواب أحكام العقود ب ٦ ح ٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨ / ١٢١ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٥ أبواب السلف ب ٦ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٧ / ٧٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٧ / ١١٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٩ أبواب السلف ب ٣ ح ٥.

١٢٣

إلى أجلٍ معلوم » (١) وقصور السند بالعمل مجبور.

وفي الثاني : إلى الدليل الأوّل من لزوم الغرر ، مع عدم اندفاعه هنا إلاّ بأحد الأمرين ، وإن اندفع بالمشاهدة في غير السلف ؛ لعدم إمكانه فيه بالضرورة إلاّ على احتمالٍ تقدّم إلى ذكره الإشارة من الاكتفاء بمشاهدة جملة يدخل المسلم فيه في ضمنها من غير تعيين (٢) ، إلاّ أنّه لم يعتبره هنا أحد من الطائفة ، حتى من احتمل اعتباره في المسألة السابقة.

( ولا يكفي ) التقدير بـ ( العدد ) إجماعاً في المعتبر بأحد التقديرين.

( و ) كذا ( لو كان ممّا يعدّ ) ويباع به في مطلق البيع مطلقاً ، وفاقاً للطوسي والتذكرة (٣) ؛ للتفاوت المفضي إلى الغرر والجهالة.

خلافاً للإسكافي (٤) ، فيجوز كذلك ؛ للأصل. ويندفع بما مرّ.

ولجماعة من المتأخّرين كالشهيدين وغيرهما (٥) ، فالتفصيل بين ما يكثر فيه التفاوت كالرّمان والبطّيخ والباذنجان فالأوّل ، وما يقلّ فيه كالصنف الخاص من الجوز واللوز فالثاني ؛ للتسامح عادةً في مثله فيندفع معه الغرر.

وهو حسن إن كان التفاوت اليسير كذلك ، وإلاّ فالأوّل أظهر ، ولعلّ هذا مراد المفصِّل.

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٢١٧ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٦ / ١٢٧ ، ١٢٨ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٧٥ / ٣٤٦٣ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٠ ، الجامع الصغير ٢ : ٥٦٩ / ٨٤٣٣.

(٢) راجع ص : ١١٨.

(٣) الطوسي في المبسوط ٢ : ١٨٨ ، التذكرة ١ : ٥٥٦.

(٤) على ما نقله عنه في المختلف : ٣٦٧.

(٥) الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٢٥٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤١١ ؛ وانظر قواعد الأحكام ١ : ١٣٦ ، والتحرير ١ : ١٩٥.

١٢٤

وبالجملة : الضابط للصحة الانضباط الدافع لاختلاف الثمن ، فحيث حصل بالعدد جاز السلم ، وإلاّ فالأقرب المنع.

وعليه يتعيّن الضبط بالوزن أو الكيل في المقدّر بهما ، وبالأوّل في غيره مطلقاً ، وبالثاني فيما لا يتجافى في المكيال كالجوز واللوز ، دون ما يتجافى كالبطيخ والباذنجان والرمان فيتعيّن فيه الأوّل.

ويعتبر في مثل الثوب ضبطه بالذرع ، وإن جاز بيعه بدونه مع المشاهدة ، كما مرّ إليه الإشارة. وكان عليه أن يذكره أيضاً ؛ لخروجه عن الاعتبارات المذكورة.

( و ) حيث قد عرفت اعتبار الضبط بالوزن أو الكيل فيما لا يضبط إلاّ به وإن جاز بيعه بالجزاف ظهر لك الوجه في أنّه ( لا يصحّ ) السلم ( في ) نحو ( القصب أطناناً ، ولا في الحطب حُزَماً ، ولا في الماء قِرباً ) مع ورود النهي عن الأخير في بعض النصوص وقد تقدّم (١).

( و ) كما يشترط تقدير المسلم فيه بأحد ما تقدّم ( كذا يشترط التقدير في الثمن ) لكن بما تقدّر في مطلق البيع ، فيعتبر المقدّر بأحد الاعتبارات الثلاثة به ، وما عداه بما يعتبر به من الذرع ونحوه ، فلو كان ممّا يباع جزافاً جاز الاقتصار على مشاهدته كما لو بيع.

( وقيل : يكفي ) هنا التقدير بـ ( المشاهدة ) مطلقاً ، كما عن المرتضى (٢) ، وقد تقدّم الكلام فيه فيما مضى (٣) وأنّ العمل على الأوّل أشهر وأقوى.

__________________

(١) في ص : ١١٧ الرقم (٤).

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٧.

(٣) راجع ص : ٢٥١ من ج ٨.

١٢٥

( الرابع : تعيين الأجل ) المشترط ( بما يرفع احتمال الزيادة ) فيه ( والنقصان ) عند المتعاقدين ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في نهج الحق والغنية (١) (٢) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى النبوي العام (٣) ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٤) المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة.

وأخصّية موارد الأخيرة بعدم القائل بالفرق مدفوعة.

( الخامس : أن يكون وجوده ) أي المسلم فيه ( غالباً حين حلوله ) بحلول أجله المشترط فيه في البلد الذي شرط تسليمه فيه أو بلد العقد حيث يطلق ، على أحد الأقوال الظاهر من الماتن هنا ، حيث لم يذكر اشتراط ذكر محلّ التسليم ، وهو ظاهر في الصحة بدونه ، وإلاّ لاشترطه ، أو فيما قارب البلدين بحيث ينقل إليه عادةً ، ولا يكفي وجوده فيما لا يعتاد نقله منه إليه إلاّ نادراً ، كما لا يشترط وجوده حال العقد حيث يكون مؤجّلاً ، ولا فيما بينهما.

واعتبار غلبة الوجود فيه عند الحلول هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا يكاد يعرف لهم مخالف في ذلك ، إلاّ ما ربما يتوهّم من عبارتي القواعد والدروس ، حيث بدّل الغلبة بالإمكان في الأوّل ، وبالقدرة على التسليم في الثاني (٥).

وهما وإن أورثا التوهّم في بادئ النظر ، إلاّ أنّ التدبّر في كلامهما‌

__________________

(١) نهج الحق : ٤٨٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

(٢) وعن الخلاف ( ٣ : ١٩٧ ) والتذكرة ( ١ : ٥٤٨ ). ( منه رحمه‌الله ).

(٣) المتقدم في ص : ١٢٣.

(٤) انظر الوسائل ١٨ : ٢٨٨ أبواب السلف ب ٣.

(٥) القواعد ١ : ١٣٧ ، الدروس ٣ : ٢٥٦.

١٢٦

يقتضي المصير إلى التأويل فيهما ، بحملهما على ما ذكره بعض الأصحاب (١) : من أنّ المراد بإمكان وجوده والقدرة على تسليمه كونه بحيث يوجد كثيراً عادةً بحيث لا يندر تحصيله ، فالمراد إمكان وجوده عادةً ، فإنّ الممكن عادةً هو الذي لا يعزّ وجوده.

فقد صرّحا أوّلاً باشتراط عدم الاستقصاء في الأوصاف الموجب لعزّة الوجود والبطلان معه. وثانياً بما يفصح عن إرادتهما الحمل من الإمكان وما في معناه صريحاً :

فقال الأوّل : ولو طرأ الانقطاع بعد انعقاد السلم كما لو أسلم فيما يعمّ وجُوده وانقطع لحاجة ، أو وجد وقت الحُلول عامّاً ثم أخّر التسليم لعارض ثم طالب بعد انقطاعه تخيّر المشتري. إلى آخر كلامه.

وهو كما ترى كالصريح ، بل صريح في جعل المعيار في انعقاد السلم هو عموم الوجود ، ونحوه كلام آخر له يقرب من هذا في الدلالة عليه.

وقال الثاني : ولو أسلم فيما يعسر وجوده عند الأجل مع إمكانه كالكثير من الفواكه في البواكير فإن كان وجوده نادراً بطل ، وإن أمكن تحصيله لكن بعد مشقّة فالوجه الجواز ؛ لإلزامه به مع إمكانه ، ويحتمل المنع : لأنّه غرر.

فهو كالصريح في عدم جعل المعيار مجرّد الإمكان بالمعنى المتوهّم ، بل جعله إيّاه بالمعنى المتقدّم ، فنسبة الخلاف إليهما في المسألة ليست بجيّدة.

ومن عبارة الدروس يظهر نوع إيماء إلى وجه اشتراط هذا الشرط ،

__________________

(١) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٢٣٦.

١٢٧

ويفصح عنه صريحاً ما مرّ في توجيه البطلان مع الاستقصاء في الأوصاف المنجرّ إلى عزّة الوجود. وهو وإن احتاج الاستناد إليه لذلك إلى نوع تأمل إلاّ أنّه صالح لاعتضاد عدم الخلاف الذي هو الحجة في المقام ، وليس في شي‌ء من النصوص ما يخالف ذلك ، كما يظهر بالتأمّل فيها والتدبّر.

ثم إنّ الوجود عند الأجل بأي معنى اعتبر أعمّ من التجدّد فيه بعد عدمه في زمن العقد ، وإليه أشار بقوله : ( ولو كان معدوماً وقت العقد ) وما بينهما ، أو وجوده فيه إلى الأجل.

( الثاني : في أحكامه ، وهي مسائل : )

( الاولى : لا يجوز بيع السلم قبل حلوله ) بحلول الأجل مطلقاً ، على من هو عليه كان أو غيره ، حالاّ أو مؤجّلاً ، بلا خلاف يظهر ، إلاّ من بعض من ندر ممّن تأخّر (١) ، فجوّزه مطلقاً ؛ التفاتاً إلى أنّه حق مالي فيجوز بيعه. ولا ينافيه عدم استحقاق المشتري الأوّل له ؛ لتعلّق عدم الاستحقاق بالمطالبة دون الملكيّة ، فإنّها حاصلة وإن لم يجز له قبل الأجل المطالبة. والقدرة على التسليم المشترطة في صحة المعاملة إنّما هي في الجملة لا حين إجراء عقد المعاملة ، وإلاّ لما صحّ ابتياع الأعيان الغائبة إلاّ بعد حضورها وإمكان القدرة على تسليمها حين المعاملة ، وهو فاسد بالإجماع والضرورة.

وربما يضعّف بابتنائه على حصول الملكيّة.

والمناقشة فيه واضحة ؛ إذ هي فرع الانتقال ، وهو مشروط بانقضاء المدّة ، وليس ، كما هو مفروض المسألة.

__________________

(١) الحدائق ٢٠ : ٤٥.

١٢٨

ومنه يظهر أنّ صرف الاستحقاق المنفي إلى المطالبة خاصّة دون الملكيّة فاسد بالبديهة بعد ما ظهر من اشتراطها بانقضاء المدّة المشترطة في الانتقال حين المعاملة ، فما لم يتحقّق كما هو المفروض لم تحصل الملكيّة. وفيه نظر.

إلاّ أنّ ظاهر الغنية والتنقيح والمحقق الثاني في شرح الإرشاد كالفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد (١) انعقاد الإجماع على الحكم على الإطلاق المستفاد من العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ، فلا ريب في المسألة بحمد الله سبحانه.

( ويجوز ) بيعه ( بعده ) وبعد القبض بالضرورة ( و ) كذا ( إن لم يقبضه ) مطلقاً ، ولو بمجانس الثمن ، ربويين كانا أو غيره ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة إذا لم يكن بين الثمنين الربويين مع التجانس تفاوت بزيادة ولا نقيصة ؛ للأصل ، والعمومات ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة. ومواردها وإن اختصّت بالبيع على من هو عليه ، إلاّ أنّه لا قائل بالفرق بين الطائفة.

خلافاً للتهذيب (٢) ، فمنع من البيع بالدراهم إذا كان الثمن الأوّل كذلك ؛ للخبر : عن الرجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال : « إذا قوّمه دراهم فسد ، لأنّ الأصل الذي اشترى به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم » (٣).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، التنقيح الرائع ٢ : ١٤٥ ، مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٣٦٠.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٠ / ١٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٧٤ / ٢٤٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٨ أبواب السلف ب ١١ ح ١٢.

١٢٩

وضعف سنده يمنع من العمل به ، مع احتماله ككلام التهذيب الحمل على صورة التفاوت بالزيادة والنقيصة ، كما فهمه منه الجماعة ، ولذا لم ينسبوا إليه القول الأوّل بالمرّة ، بل نسبوه إلى هذا القول ، وله فيه موافق كثير من الطائفة كالإسكافي والعماني والقاضي وابن زهرة والحلبي وابن حمزة (١) ، وادّعى في الدروس أنّه مذهب الأكثر (٢) ، وعن الحلبي دعوى الإجماع عليه ، وهي ظاهر الغنية ، واختاره جمع ممّن تأخر (٣) ؛ لكثير من تلك الصحاح ، وهي مستفيضة ، منها فيمن أعطى رجلاً ورقاً بوصيف إلى أجل مسمى ، فقال له صاحبه : بعد لا أجد وصيفاً ، خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقاً ، قال : « لا يأخذ إلاّ وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أوّل مرّة لا يزداد عليه شيئاً (٤).

ومنها : « من اشترى طعاماً أو علفاً .. فإن لم يجد شرطه وأخذ ورقاً لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلاّ رأس ماله ( لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) » (٥).

ومنها : عن الرجل يسلف في الحنطة والتمر بمائة درهم ، فيأتي‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي والعماني والقاضي في المختلف : ٣٦٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، الحلبي في الكافي : ٣٥٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥١.

(٢) الدروس ٣ : ٢٥٨.

(٣) منهم : العلاّمة في التحرير ١ : ١٩٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٢١ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ٣٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٢ / ١٣٣ ، الإستبصار ٣ : ٧٥ / ٢٤٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٧ أبواب السلف ب ١١ ح ٩ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٢ / ١٣٤ ، الإستبصار ٣ : ٧٥ / ٢٥٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٩ أبواب السلف ب ١١ ح ١٥.

١٣٠

صاحبه حين يحلّ الذي له ، فيقول : والله ما عندي إلاّ نصف الذي لك ، فخذ منّي إن شئت بنصف الذي لك حنطة وبنصفه ورقاً ، فقال : « لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه » (١).

ومنها : عن الرجل يسلف في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك إلى أجل مسمّى ، قال : « لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم ، ويأخذون دون شروطهم ، ولا يأخذون فوق شروطهم » قال : « والأكسية أيضاً مثل الحنطة والشعير والزعفران والغنم » (٢).

خلافاً للمفيد والحلّيين وكثير من المتأخّرين (٣) ، حتى ادّعى جماعة (٤) منهم عليه الشهرة ؛ للأصل ، والعمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة سوى الصحاح المتقدّمة ، وهي غير صريحة الدلالة على وقوع المعاملة الثانية ، فيحتمل ورودها في الفسخ خاصّة. ولا ريب في المنع عن الزيادة حينئذٍ مع التجانس والكيل والوزن كما هو مفروض المسألة ؛ لأنّها ربا محض ، منعت عنه الشريعة ، وذلك فإن بالفسخ يستحق المسلم ثمنه خاصّة فلا يجوز له حينئذٍ أخذ الزيادة ، ولا كذلك مع عدم الفسخ وإبقاء المعاملة ، فإنّ ما يستحقه في هذه الصورة هو المسلم فيه دون الثمن الأوّل ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٢ / ١٣٥ ، الإستبصار ٣ : ٧٥ / ٢٥١ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٩ أبواب السلف ب ١١ ح ١٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢١ / ٨ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٣ أبواب السلف ب ١١ ح ١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٩٦ ، ابن إدريس في السرائر ٢ : ٣١١ ، العلاّمة في المختلف : ٣٦٤ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٦٥ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٣٦١ ، صاحب الحدائق ٢٠ : ٤٣.

(٤) منهم : السبزواري في الكفاية : ١٠٢ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ٤٠.

١٣١

فله أن يبيعه بأضعاف الثمن الذي دفعه ، ولا موجب للربا فيها بالمرّة. هذا.

مضافاً إلى إطلاق كثير من المعتبرة ، منها المرسل كالموثق : في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول : ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه ، قال : « لا بأس بذلك » (١).

والخبر : الرجل يسلفني في الطعام فيجي‌ء الوقت وليس عندي طعام ، أُعطيه بقيمته دراهم؟ قال : « نعم » (٢).

والمسألة محلّ تردّد ، وإن كان الأوّل لا يخلو عن قوّة ؛ للإجماعات المحكية وظهور الصحاح سيّما الأوّل منها في المعاملة الثانية ، ولو سلّم عدمه فإطلاقها بل عمومها يشملها أيضاً بالضرورة ، سيّما مع التعليل في بعضها بقوله (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) الذي هو كالنص في العموم ، وهي بالنظر إلى الأصل والعمومات خاصّة ، فلتقدّم.

والنصوص المعارضة قاصرة السند ، ضعيفة الدلالة ؛ لاحتمالها الحمل على صورة عدم الزيادة أو عدم المجانسة ، ولا ريب في الجواز فيهما فتوًى وروايةً ، ففي الصحيح عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ووجد عنده دوابّ ورقيقاً ومتاعاً ، يحل له أن يأخذ من عروضه ذلك بطعامه؟ قال : « نعم ، يسمّي كذا وكذا بكذا وكذا صاعاً » (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٥ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠ / ١٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٧٥ / ٢٥٢ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٥ أبواب السلف ب ١١ ح ٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٧ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٣٠ / ١٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٧٥ / ٢٥٣ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٦ أبواب السلف ب ١١ ح ٨.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣١ / ١٣٠ ، الإستبصار ٣ : ٧٦ / ٢٥٤ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٥ أبواب السلف ب ١١ ح ٦.

١٣٢

وصريحة كالصحاح المتقدّمة وغيرها جواز بيع الطعام على من هو عليه قبل القبض من دون كراهة.

خلافاً لظاهر الماتن ، فخصّ الحكم بالجواز من دونها بما عداه لقوله : ( على كراهية في الطعام على من هو عليه ) وهو المسلم إليه ( وعلى غيره ) وهو ظاهر الغنية مدّعياً عليه إجماع الطائفة ، إلاّ أنّه أبدل الكراهة بالحرمة (١) ، ولعلّهما نظرا إلى ما تقدّم في بيعه قبل قبضه من إطلاق النصوص المانعة.

ويدفعه أنّ هذه النصوص خاصّة مقدّمة على تلك ، لكن في مواردها وهو البيع ممّن هو عليه خاصّة.

ولكن الكراهة على الإطلاق غير بعيدة بناءً على المسامحة في أدلّتها فتكفي فيها بشبهة الخلاف ، والإجماع المدّعى ، والإطلاق الذي مضى.

( و ) كما يجوز بيعه مطلقاً ولو مرابحة وكان كلّ من الثمنين ربويا ( كذا يجوز بيع بعضه ) كذلك ، وصرّح بجوازه في الجملة بعض الصحاح المتقدّمة ، وهي متّفقة الدلالة على جواز توليته ( وتولية بعضه ) بمعنى بيعهما برأس المال ، ولا فائدة لذكرهما إلاّ التنبيه على عموم الجواز في بيع الجميع والبعض المذكور سابقاً لصورتي المرابحة والمواضعة مطلقاً ؛ دفعاً للقولين المتقدّمين من المنع عن البيع بمجانس الثمن الأوّل مع ربويّتهما إمّا مطلقاً ، كما في أحدهما ، أو في صورة تفاوتهما بالزيادة والنقيصة كما في الثاني.

( وكذا ) حكم ( بيع الدين ) فلا يجوز قبل الأجل مطلقاً ، ويجوز بعده كذلك ، بلا خلاف في الأخير إلاّ في البيع على غير من هو عليه ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

١٣٣

فمنعه الحلّي مدّعياً الإجماع عليه (١). والأظهر الأشهر خلافه ؛ للأصل ، والعمومات السليمة عن المعارض سوى الإجماع المحكي ، وهو بعد اشتهار خلافه عن التخصيص قاصر.

وأمّا الأوّل ففيه خلاف ، فبين مصرّح بالمنع ، كالشهيد في الدروس (٢) ، وهو ظاهر الإرشاد (٣) والمتن ، لظاهر التشبيه.

ومصرّح بالجواز ، كما في الروضة وعن التذكرة (٤) ، وهو ظاهر المختلف واللمعة وجماعة (٥).

ومستند القولين قد مرّ ، وضعف الثاني منهما قد ظهر ، لكن في جريان وجه الضعف هنا مطلقا نظر ينشأ من ابتنائه ثمّة إمّا على الإجماع الظاهر المحكي ، وهو مفقود هنا ، أو على عدم انتقال السلم حين العقد المستلزم لعدم الملكيّة للبائع.

ومنه ينقدح فساد المعاملة قبل حلول الأجل ، ولا كذلك مطلق الدين ؛ لحصول الملكيّة بمجرّد السبب في بعض أفراده ، وغاية الأمر توقّف المطالبة على انقضاء الأجل ، كما في مهر الزوجة والقرض المشترط فيهما الأجل اللازم.

ولعلّه لذا أفتى الأصحاب من غير خلاف يعرف بالمنع في السلف ، واختلفوا في المسألة ، وصار إلى الجواز فيها الجماعة المزبورة التي يمكن‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٥.

(٢) الدروس ٣ : ٣١٣.

(٣) الإرشاد ١ : ٣٩١.

(٤) الروضة ٤ : ١٩ ، التذكرة ٢ : ٣.

(٥) المختلف : ٤١١ ، اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ١٩ ؛ وانظر المسالك ١ : ٢١٧ ، والكفاية : ١٠٤.

١٣٤

أن يطلق عليهم بالإضافة إلى المخالف الشهرة.

ويحتمل إرجاع التشبيه في العبارة إلى ما يوافق هؤلاء الجماعة ، بأن يراد منه التشبيه للسلف في أصل جواز البيع لا مطلقا.

وحيث جاز ( فإن باعه بما هو حاضر ) مشخّص بنحو الإشارة ( صحّ ) بلا خلاف ولا ريبة ؛ للأصل ، والعمومات التي هي عن المعارض سليمة.

( وكذا ) صحّ ( إن باعه بمضمون حالّ ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق فيه بين ما لو كان مؤجّلاً ثم حلّ الأجل ، أو كان غير مؤجّل في الأصل ، كما إذا بيع بدينار كلّي غير مستقرّ في ذمّة قبل البيع. ولا إشكال فيه ؛ لما مرّ ، مع عدم صدق الدين عليه حقيقة كما يأتي.

ويشكل في الأوّل إن لم يكن إجماع ، كما هو ظاهر الروضة (١) ، حيث جعل الجواز أقوى. وهو مشعر بل ظاهر في وقوع الخلاف ، ووجهه قوّة احتمال صدق الدين عليه ، بناءً على تضمّنه الأجل ولو في الزمان السابق على العقد ، فيلزم حينئذٍ بيع الدين بالدين.

ووجه الجواز إمّا الشك في الصدق ، أو لزوم الاقتصار في المنع عن بيع الدين بالدين المخالف للأصل على محلّ الوفاق ، وليس منه محلّ الفرض ، لوقوع الخلاف. والخبر المانع عنه وإن كان عامّاً إلاّ أنّه قاصر سنداً يشكل الاعتماد عليه فيما عدا الإجماع.

وربما يوجّه باختصاص الدين بالمؤجّل ، كما في كلام الأصحاب‌

__________________

(١) الروضة ٤ : ٢٠.

١٣٥

وجماعة من أهل اللغة (١) ، ومحلّ الفرض بعد انقضاء أجله ليس كذلك.

وفيه نظر ؛ إذ لا يبعد أن يكون المراد من اعتبار الأجل فيه اعتباره حين ثبوته ، بمعنى أنّ الدين ما يضرب فيه الأجل أوّل مرّة ، ولا ينافيه خلوّه عنه في ثاني الحال ، ولذا أنّ الأصحاب يطلقون على الدين بعد حلول أجله لفظه إطلاقاً حقيقيّا ، وهو المتداول عرفاً ، ولا يصلح السلب عنه فيه حينئذٍ جدّاً.

وكيف كان فالمنع أقوى.

ويحتمل أن يراد بالمضمون الحالّ في العبارة وغيرها هو المعنى الثاني ، ولعلّه الظاهر ، فلا خلاف فيه.

( ولو شرط تأجيل الثمن قيل : يحرم ) كما عن الحلّي (٢) وتبعه كثير (٣) ( لأنّه بيع دين بدين ) منهيّ عنه بالنص والإجماع.

وفيه نظر ؛ لأنّ الدين الممنوع عن بيعه بمثله ما كان عوضاً حال كونه ديناً بمقتضى تعلّق الباء به ، والمضمون عند العقد ليس بدين وإنّما يصير ديناً بعده ، فلم يتحقق بيع الدين به ، ولأنه يلزم مثله في بيعه بحالّ ، ولم يلتزموه ، والفرق غير واضح.

ودعوى إطلاق اسم الدين عليه إن أرادوا به قبل العقد فممنوع ، أو بعده فمشترك بين الحالّ المؤجّل ، فيلزم أن لا يصحّ بحال كما مر.

وإطلاقهم له عليه عرفاً إذا بيع به فيقولون : باع فلان ماله بالدين ، مجاز‌

__________________

(١) القاموس ٤ : ٢٢٦ ، الصحاح ٥ : ٢١١٧.

(٢) السرائر ٢ : ٥٦.

(٣) كالعلاّمة في المختلف : ٤١٠ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٣٦٠ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ٤٧.

١٣٦

يقصد به أنّ الثمن بقي في ذمّته ديناً بعد البيع ، ولو اعتبر مثل هذا الإطلاق جاء مثله في الحالّ إذا لم يقبضه ، خصوصاً إذا أمهله به من غير تأجيل ، فتأمّل.

( و ) لذا ( قيل : يكره ) كما عن النهاية (١) ( وهو الأشبه ) بالأصل السليم عن المعارض كما ظهر ، وهو خيرة الشهيد الثاني (٢).

هذا إذا كان الثمن ديناً بالعقد ، كما هو فرض المتن والأصحاب.

و ( أمّا لو باع ديناً ) في ذمّة زيد بدين آخر له في ذمّته ، أو في ذمة ثالث ، أو ديناً ( في ذمّة زيد بدين للمشتري في ذمّة عمرو لم يجز ) قولاً واحداً ، كما في المهذّب وغيره (٣) ( لأنّه بيع دين بدين ) بلا إشكال.

والأصل فيه بعد الإجماع النبوي العامي المانع عن بيع الكالي بالكالي (٤) ، والخاصّي : « لا يباع الدين بالدين » (٥).

قال في القاموس : الدين ماله أجل ، وما لا أجل له فقرض (٦) ، والكالي والكُلْأة بالضم النسيئة (٧). ونحوه في الأوّل المحكي عن النهاية الأثيرية والغريبين (٨) ، وهو ظاهر الأصحاب أيضاً ، وربما يحكى عن بعض‌

__________________

(١) النهاية : ٣١٠.

(٢) المسالك ١ : ٢١٧.

(٣) المهذب البارع ٢ : ٤٧٦ ، انظر المسالك ١ : ٢١٧ ، والحدائق ٢٠ : ٤٨.

(٤) مستدرك الحاكم ٢ : ٥٧ ، الجامع الصغير ( للسيوطي ) ٢ : ٦٩٨ / ٩٤٧٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٠٠ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٤٠٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٨ أبواب السلف ب ٨ ح ٢.

(٦) القاموس المحيط ٤ : ٢٢٦.

(٧) القاموس المحيط ١ : ٢٧.

(٨) حكاه عنهم صاحب الحدائق ٢٠ : ٤٨.

١٣٧

أهل اللغة أنّه القرض (١). وهو ضعيف.

( الثانية : إذا دفع ) المسلم إليه المسلم فيه ( دون الصفة ) أو المقدار المشترطين فيه لا يجب على المسلم قبوله ، وإن كان أجود من وجه آخر ؛ لأنّه ليس نفس حقّه ، مع تضرّره به.

( و ) لو ( رضي المسلم ) بذلك ( صحّ ) ولو كان ذلك لأجل التعجيل ، بلا خلاف ، بل في الغنية الإجماع عليه (٢) ؛ لأنّه أسقط حقّه من الزائد برضاه ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحاح ، في أحدها : عن الرجل يسلم في وُصَفاء بأسنان معلومة ولون معلوم ، ثم يعطى دون شرطه أو فوقه ، فقال : « إذا كان من طيبة نفس منك ومنه فلا بأس » (٣).

وفي الثاني والثالث : « ويأخذون دون شرطهم ولا يأخذون فوق شروطهم » (٤).

ومنها : أرأيت إن أسلم في أسنان معلومة أو شي‌ء معلوم من الرقيق ، فأعطاه دون شرطه أو فوقه بطيبة النفس منهم ، قال : « لا بأس » (٥).

ونحوه ما لو رضي بغير الجنس.

( ولو دفع ) المسلم فيه ( بالصفة وجب القبول ) أو إبراء المسلم إليه‌

__________________

(١) المصباح المنير : ٢٠٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٦ / ٢٠٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٩ أبواب السلف ب ٩ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢١ / ٨ ، ٩ ، الفقيه ٣ : ١٦٧ / ٢٣٦ ، التهذيب ٧ : ٣٢ / ١٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٧٤ / ٢٤٨ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٣ أبواب السلف ب ١١ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٢٢٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٦ / ٧٣٣ ، التهذيب ٧ : ٤٢ / ١٧٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٩ أبواب السلف ب ٩ ح ٢.

١٣٨

بعد حلول الأجل ، ولو امتنع قَبَضَه الحاكم مع الإمكان ، وإلاّ فيخلّي بينه وبينه ويبرأ بمجرّده على الظاهر.

( وكذا ) يجب القبول أو الإبراء بعد الحلول ( لو دفع ) إليه ( فوق الصفة ) في المشهور بين الأصحاب ؛ قيل : لأنّه خير وإحسان ، فالامتناع منه عناد ، ولأنّ الجودة صفة لا يمكن فصلها ، فهي تابعة (١) ( ولا كذلك لو دفع أكثر ) قدراً يمكن فصله ولو في ثوب.

وفيهما نظر ، فالأوّل : بعدم دليل على وجوب قبول الإحسان ، ولا يلزم أن يكون الامتناع منه عناداً ، بل هو مطالبة لحقّه المشترط ، والمؤمنون عند شروطهم ؛ مضافاً إلى اختلاف الأغراض ، فقد يتعلّق بخصوص المشترط دون الزائد ، كما يتّفق في كثير من الأحيان. هذا مضافاً إلى التأيّد بمفهوم الصحيح المتقدّم.

والثاني : بأن عدم إمكان الفصل وتابعيّة الوصف لا يوجب على المسلم قبول ذلك المدفوع مع إمكان العدول عنه إلى الغير ، ولعلّه لذا حكي عن الإسكافي (٢) القول بعدم وجوب القبول كما قالوا به بلا خلاف في دفع الأكثر بحسب المقدار. وهو كما ترى في غاية القوّة وإن كان الأحوط للمسلم القبول.

( الثالثة : إذا تعذّر ) المسلم فيه ( عند الحلول ، أو انقطع ) حيث يكون مؤجّلاً ممكن الحصول بعد الأجل عادةً فاتّفق عدمه ابتداءً أو بعد وجوده ( فطالب ) المسلم البائع إيّاه ( كان مخيّراً بين الفسخ ) واسترداد الثمن أو مثله ( و ) بين ( الصبر ) إلى وجوده ولم ينفسخ العقد. بلا خلاف‌

__________________

(١) الروضة ٣ : ٤٢٢.

(٢) كما في المختلف : ٣٦٧.

١٣٩

في الأخير ؛ لأنّ تناول الدفع لهذه السنة لقضيّة الأجل ، ومورد العقد إنّما هو الذمّة.

وعلى الأظهر الأشهر في الأول ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وربما أشعر عبارة المختلف والدروس (١) بالإجماع عليه ، بل ربما كانت الاولى ظاهرة في انعقاده ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة التي هي بين صريحة في ذلك ، كالموثّق : عن رجل أسلف في شي‌ء يسلف الناس فيه من الثمار ، فذهب زمانها ولم يستوف سلفه ، قال : « فليأخذ رأس ماله أو لينظره » (٢).

وظاهرة فيه ، كالصحاح المتقدّمة في بيع السلف بعد حلول الأجل (٣) ، كذا قيل (٤).

وفيه نظر يظهر وجهه ممّا ثَمَّ قد مرّ ، ولعلّها صالحة للتأييد وإن كان بعضها ظاهراً في البيع.

ومنه زيادة على ما مرّ يظهر أنّ له أن لا يفسخ ولا يصبر بل يأخذ قيمته حينئذٍ.

وخلاف الحلّي بعدم الخيار (٥) شاذّ لا يلتفت إليه في المضمار.

وليس هذا الخيار فورياً ؛ للأصل السالم عن المعارض ، فله الرجوع بعد الصبر إلى أحد الأمرين المخيّر بينهما ما لم يصرّح بإسقاط الخيار ،

__________________

(١) المختلف : ٣٦٦ ، الدروس ٣ : ٢٥٧.

(٢) الفقيه ٣ : ١٦٥ / ٧٢٨ ، التهذيب ٧ : ٣١ / ١٣١ ، الإستبصار ٣ : ٧٤ / ٢٤٧ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٩ أبواب السلف ب ١١ ح ١٤.

(٣) في ص : ١٣١.

(٤) الروضة البهية ٣ : ٤٢١.

(٥) السرائر ٢ : ٣١٧.

١٤٠