رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

الشهيد الثاني (١). وهو أقوى ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقَّن.

والمستند في الجواز حينئذٍ بعد الوفاق على الظاهر حديث نفي الضرر (٢) المتفق عليه فتوًى وروايةً.

ومنه بعد الوفاق على الظاهر ينقدح الوجه في أنّ له المطالبة بأُجرة أرضه عن المدّة التي بقي فيها بعد إمكان قصله مع الإطلاق ، وبعد المدّة التي شرطا قصله فيها مع التعيين.

ولو كان شراؤه قبل أوان قصله وجب على البائع الصبر إلى أوان بلوغه مع الإطلاق ، كما لو باع الثمرة والزرع للحصاد.

( ولو تركه ) أي البائع القصل ( كان له ) ذلك ، و ( أن يطالبه ) أي المشتري ( بأُجرة أرضه ) عن زمن العدوان وأرش النقص في الأرض إن حصل بسببه ، إذا كان التأخير بغير رضاه.

( ويجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة ) على أُصولها ( بزيادة عن الثمن ) أو نقص ( قبل قبضها ) بلا خلاف هنا ، وإن قيل بالمنع فيما عداه (٣) ، بل في المسالك الإجماع عليه (٤) ؛ وهو الحجة بعد الأصل ، والعمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، لاختصاص النصوص المانعة بالمكيل والموزون خاصّة ، وليس الثمرة على الشجرة مكيلة ولا موزونة بالضرورة.

مضافاً إلى صريح الصحيحين ، أحدهما : في رجل اشترى الثمرة ثم‌

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٢٠٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٢ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ / ٦٥١ ، الوسائل ١٨ : ٣٢ أبواب الخيار ب ١٧ ح ٣.

(٣) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : ٣٩٣ ، انظر المهذب ٢ : ٤٠٠.

(٤) المسالك ١ : ٢٠٦.

٤١

يبيعها قبل أن يقبضها ، قال : « لا بأس » (١) ونحوه الثاني بزيادة قوله : « إن وجد ربحاً فليبع » (٢) ونفي البأس فيهما يقتضي نفي الكراهة أيضاً.

فلا وجه لقوله ( على كراهية ) ولعلّها لإطلاق بعض الأخبار (٣) والفتاوي بالمنع ، لكنّه سابقاً لم يجعله سبباً للكراهة مطلقا ، بل خصّها بالمقدّر بأحد التقديرين خاصّة (٤) ، كما اشترطه أكثر النصوص وفتاوي الجماعة.

( ولو كان بين اثنين ) أو جماعة ( نخل ) أو زرع ، أو شجرة ( فتقبّل أحدهما بحصّة صاحبها ) أي الثمرة المدلول عليها بالنخلة ، مع أنّ في بعض النسخ صاحبه بتذكير الضمير ، وهو الأظهر بحسب السياق ( من ) نفس ( الثمرة ) خاصّة ، كما يستفاد من جماعة (٥) ، أو من ثمرة مطلقا ولو من غيرها ، كما يستفاد من آخرين (٦) ( بوزن معلوم صحّ ) للصحاح ، منها : عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه : اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلاً مسمّى وتُعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ، وإمّا أن آخذه بذلك ، قال : « لا بأس » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٩ / ٣٧٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٥ أبواب بيع الثمار ب ٧ ح ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٨ / ٣٧٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٥ أبواب بيع الثمار ب ٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٥٢ ، الوسائل ١٨ : ٦٨ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٥.

(٤) راجع ص : ٣٦١ ج ٨.

(٥) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٥١٠ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٣٦٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٧٥.

(٦) انظر الروضة البهية ٣ : ٣٧٠ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٢٢١.

(٧) الكافي ٥ : ١٩٣ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ / ٦٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٢٥ / ٥٤٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٣١ أبواب بيع الثمار ب ١٠ ح ١.

٤٢

ومنها : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. (١) بعث عبد الله بن رواحة فقوّم عليهم قيمة وقال : إمّا أن تأخذوه وتعطون نصف الثمر ، وإمّا أن أُعطيكم نصف الثمرة وآخذه ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض » (٢).

ونحوه الثالث (٣) بزيادة ظهور في كون الثمن من الثمر ؛ لعدم اختلاف نسخته بتبديل أحد اللفظين مكان الآخر ، كما في الثاني.

وبهذه النصوص يقيّد إطلاق المنع في النصوص الواردة في المزابنة والمحاقلة (٤) إن قلنا بكونه بيعاً ، ومع ذلك لا خلاف فيه بين الطائفة عدا الحلّي (٥) ، فنفاه رأساً ، نظراً منه إلى عدم كونه بيعاً وإلاّ لجاء فيه المزابنة ، ولا صلحاً وإلاّ لجاء فيه الغرر والجهالة إن كان العوض مشروطاً من نفس الثمرة ، وإن كان في الذمّة لزم ووجب أداء الثمن مطلقا ، كانت الثمرة باقية أو تالفة ، مع أنّ جماعة اشترطوا في الصحة السلامة من الآفة (٦).

وهو على أصله حسن ، غير مستحسن على غيره ؛ لاحتمال كونه معاملة أُخرى غير الأمرين ، أو هما وتكون من قاعدتهما مستثناة قد نهضت بإثباتها والاستثناء النصوص المزبورة المعتضدة بعد الصحة والكثرة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة.

__________________

(١) ورد الحديث هكذا : « عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن أباه حدَّثه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى خيبر بالنصف ، أرضها ، ونخلها ، فلما أدركت الثمرة بعث .. ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٢ أبواب بيع الثمار ب ١٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٧ / ٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٣ أبواب بيع الثمار ب ١٠ ح ٣.

(٤) انظر الوسائل ١٨ : ٢٣٩ أبواب بيع الثمار ب ١٣.

(٥) السرائر ٢ : ٣٧٢.

(٦) منهم : العلاّمة في الإرشاد ١ : ٣٦٤ ، والشهيد الأوّل في الدروس ٣ : ٢٣٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ١١٣.

٤٣

وظاهرها تأدّيه بما دلّ على ما اتّفقا عليه بأيّ عبارة.

خلافاً لظاهر الجماعة المحكي عنهم في الروضة (١) ، فاشترطوا في صيغتها الوقوع بلفظ القبالة. وحجّتهم غير واضحة.

وظاهر الصحيح الأوّل وغيره أنّ المتقبّل يملك الزائد وعليه الناقص.

وأمّا الحكم بأنّ قراره مشروط بسلامة الثمرة من الآفة الإلهية بحيث لو حصلت فسدت المعاملة رأساً أو في الجملة ورجع الأمر إلى ما كانا عليه من الشركة فوجهه غير واضح ، وإن ذكره جماعة ، والنصوص كما ترى عن بيانه خالية.

وتوجيهه بأنّ المتقبّل لما رضي بحصّة معيّنة في العين صار بمنزلة الشريك غير نافع ؛ لأنّ كون العوض منها غير لازم وإن جاز ، فالرضا إنّما وقع بالقدر لا به مشتركاً ، إلاّ أن ينزّل على الإشاعة.

فالمتّجه وفاقاً لظاهر الروضة وجماعة (٢) عدم اشتراطها في الصحة إن لم يشترط كون الثمن من نفس الثمرة ، أو اشترط ولم ينزّل على الإشاعة.

ولو كان النقص لا بآفة بل بخلل في الخرص لم ينقص شي‌ء ؛ للأصل ، وظاهر النص. وكذا لا ينقص لو كان بتفريط المتقبّل بلا إشكال.

ثم إنّ ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع (٣) عدم لزوم هذه المعاملة وأنّ غايتها الجواز والصحة ؛ ولعلّه نظر إلى قصور النصوص المزبورة عن إفادة‌

__________________

(١) الروضة ٥ : ٣٦٩.

(٢) الروضة ٣ : ٣٦٩ ٣٧٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٧٨ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٢٢١ ، صاحب الحدائق ١٩ : ٣٦٤.

(٣) الشرائع ٢ : ٥٥.

٤٤

اللزوم بالبديهة.

وفيه مناقشة ؛ لدلالتها في الظاهر على كونها عقداً ، مع الاتّفاق عليه ظاهراً ، والأصل فيه اللزوم ، نظراً إلى العمومات الآمرة بالوفاء به من الكتاب والسنة.

( وإذا مرّ الإنسان بثمرة النخل ) والفواكه ( جاز له أن يأكل ما لم يضرّ ) به ويفسده ، بأن يأكل منه كثيراً بحيث يؤثّر فيها أثراً بيّناً ويصدق معه مسمّاه عرفاً ، ويختلف ذلك بكثرة الثمرة والمارّة وقلّتهما جدّاً.

وليس من هذا الشرط الإفساد بكسر الغصن ونحوه وإن كان في حدّ ذاته حراماً.

( أو يقصد ) المرور إليه للأكل ، بل يكون المرور اتفاقيّاً ، بأن يكون الطريق قريبة منها بحيث يصدق عليه المرور عرفاً ، لا أن يكون طريقه على نفس الشجرة.

على الأشهر الأظهر بين الأصحاب ، بل لم نقف على مخالف فيه من قدمائهم إلاّ ما يحكى عن المرتضى رحمه‌الله في بعض كتبه (١) ، بل ادّعى عليه في الخلاف والسرائر الوفاق (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المعتضد بعضها ، والمنجبر قصور باقيها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون من القدماء إجماعاً ، وبعمل نحو الحلّي الذي لا يرى العمل بالأخبار إلاّ ما تواتر منها أو تعاضد بالإجماع جدّاً ، مع أنّه قد ادّعاهما صريحاً هنا (٣).

__________________

(١) حكاه عنه في المسالك ١ : ٢٠٧.

(٢) الخلاف ٢ : ٥٤٦ ، السرائر ٣ : ١٢٦.

(٣) السرائر ٣ : ١٢٦.

٤٥

منها المرسل كالصحيح على الأشهر الصحيح : عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمرة ، أفيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها في ضرورة أو من غير ضرورة؟ قال : « لا بأس » (١).

ومنها : عن الرجل يمرّ بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط ، هل يجوز له أن يأكل من ثمره وليس يحمله على الأكل من ثمره إلاّ الشهوة له ، وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره ، وهل له أن يأكل من جوع؟ قال : « لا بأس أن يأكل ولا يحمله ولا يفسده » (٢).

ومنها : أمرّ بالثمرة فآكل منها ، قال : « كل ولا تحمل » (٣).

ومنها : « لا بأس أن يمرّ على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد » (٤) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

( و ) من الأخبار الأخيرة منها يظهر أنّه ( لا يجوز أن ) يفسد و ( يأخذ معه شيئاً ) وهو إجماع كما يأتي ، بل ظاهر الأصحاب أنه شرط.

( وفي جواز ذلك ) أي الأكل مع الشروط ( في غير النخل من الزرع والخضر تردّد ) ينشأ من قبح التصرّف في مال الغير ، المعتضد بنصّ الكتاب الدالّ على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بغير تراضٍ (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٣ / ٣٩٣ ، الإستبصار ٣ : ٩٠ / ٣٠٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٦ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٨٣ / ١١٣٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٧ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٨٩ / ٣٨٠ ، الإستبصار ٣ : ٩٠ / ٣٠٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٧ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٦٩ / ١ ، المحاسن : ٥٢٨ / ٧٦٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٩ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ١٢.

(٥) النساء : ٢٩.

٤٦

والخبرين ، أحدهما الصحيح : عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر المباطيخ (١) وغير ذلك من الثمر ، أيحلّ له أن يتناول منه شيئاً ويأكل بغير إذن صاحبه ، وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم وليس له ، وكم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال : « لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً » (٢).

والثاني المرسل : قلت له : الرجل يمرّ على قراح (٣) الزرع ، يأخذ من السنبل؟ قال : « لا » قلت : أي شي‌ء السنبلة؟ قال : « لو كان كلّ من يمرّ أخذ سنبلة كان لا يبقى شي‌ء » (٤).

وسنده وإن قصر إلاّ أنّه بالتعليل فيه المؤيّد بالاعتبار منجبر.

ومن الخبر الذي مرّ ، المرجَّح على ما هنا بصراحة الدلالة وعمل الأكثر ، فليحمل الخبران هنا على الكراهة ، أو عدم الإذن ، كما ربما يستشعر من أوّلهما ، أو الحمل ، كما هو ظاهر الثاني ، بل الأوّل أيضاً.

ولا ريب أنّ الترك هنا بل وسابقا أيضاً أحوط وأولى ، بل ربما كان متعيّناً.

ولا وجه لتخصيص التردّد بالحكم هنا مع جريانه فيما سبق جدّاً إلاّ وجود القائل بالمنع هنا زائداً على المرتضى ، وعدم حكاية إجماع هنا ، مع اختصاص كثير من الفتاوي المجوّزة المحكيّة في المختلف (٥) بالحكم‌

__________________

(١) المبطخة : منبت البطيخ. لسان العرب ٣ : ٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٩٢ / ٣٩٢ ، الإستبصار ٣ : ٩٠ / ٣٠٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٨ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٧.

(٣) القَرَاحُ : المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر ، والجمع أَقرِحَةُ. الصحاح ١ : ٣٩٦.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٨٥ / ١١٤٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٧ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٦.

(٥) المختلف : ٦٨٧.

٤٧

سابقاً.

ثم إنّ اشتراط الشرطين في العبارة في الإباحة مقطوع به وبثالث هو ما حكم به فيها من عدم جواز الحمل بين الطائفة ، بل لعلّه إجماع ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، واختصاص النصوص المبيحة بصورة المرور خاصّة.

ونفي البأس عنه في الرواية الأخيرة (١) مع قصور السند ، وعدم الجابر فيه لعلّه مصروف إلى الأكل المعطوف عليه ، فكأنّه قال : لا بأس بالأكل بعد المرور اتفاقاً ، فثبت الشرط الثاني.

وإثبات الأخيرين من الأصل والنصوص مشكل ؛ لاندفاع الأوّل بإطلاق الرخصة ، وعدم نهوض الثاني إلاّ بالنهي عنهما ، وغايته الحرمة ، وهي أعمّ من الشرطية ، فإثباتها بذلك كما في كلام جماعة (٢) لا يخلو عن مناقشة.

نعم الظاهر التلازم بينهما في النهي عن الإفساد إذا فُسّر بما مرّ ، وهو عدم الأكل زائداً ، إلى آخر ما تقدّم (٣) ولا إن فُسّر بالمعنى الآخر.

وزيد على الثلاثة شروط أُخر ، هي عدم العلم بالكراهة وعدم ظنّها ، وكون الثمرة على الشجرة.

ولا بأس بها ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن المتبادر من أخبار الرخصة.

وما ربما يظهر منه المنافاة للشرط الأوّل قاصر السند ، غير معلوم الجابر في المحلّ.

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٤٦.

(٢) منهم العلامة في التذكرة ١ : ٥١٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠٧ ، السبزواري في الكفاية : ١٠١.

(٣) في ص : ٤٤.

٤٨

( الفصل السابع : )

( في بيع الحيوان )

( إذا تلف الحيوان ) المبيع ( في ) الثلاثة الأيّام التي هي ( مدّة الخيار ) فيه ( فهو من مال البائع ) مطلقا ( ولو كان بعد ) حصول ( القبض ) من المشتري ( إذا لم يكن ) التلف ( بسببه ، ولا عن تفريط منه ) لما مرّ مفصّلاً في المسألة الخامسة من أحكام الخيار ، من أنّ التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له ، فلا نعيده (١).

( ولا يمنع العيب الحادث ) في الحيوان من غير جهة المشتري في زمن الخيار ( من الردّ بـ ) أصل ( الخيار ) مطلقاً ، بلا خلاف في الظاهر ؛ لأنه مضمون على البائع بالوفاق على الظاهر ، والمعتبرة المتقدّمة في خيار الحيوان ، منها الصحيح : على مَن ضمان الحدث في الحيوان؟ قال : « على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام » (٢) وحينئذٍ لا يكون مؤثّراً في رفع الخيار.

وفي جواز الردّ بالعيب أيضاً وعدمه قولان ؛ للأوّل كما هو ظاهر الأكثر ، ولعلّه الأظهر أنّه مضمون على البائع.

وتظهر الثمرة فيما لو أسقط الخيار الأصلي والمشترط ، فله الردّ بالعيب على الأوّل ولا على الثاني. وفي ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٢٤ ج ٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٩ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٢٦ / ٥٥١ ، التهذيب ٧ : ٢٤ / ١٠٣ ، الوسائل ١٨ : ١٤ أبواب الخيار ب ٥ ح ٢.

٤٩

وعدمه ، فعلى الثاني يسقط الخيار ، ويبقى على الأوّل ؛ إذ لا يتقيّد خيار العيب بالثلاثة وإن اشترط حصوله فيها فما قبلها ، وغايته ثبوته فيها بسببين ، وهو غير قادح ، فإنّها معرّفات يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد ، كما في خيار المجلس والشرط والغبن إذا اجتمعت في بيع واحد قبل التفرق.

ولو كان حدوث العيب بعد الثلاثة منع الردّ بالعيب السابق ؛ لكونه غير مضمون على البائع مع تغيّر المبيع ، فإنّ ردّه مشروط ببقائه على ما كان ، فيثبت في السابق الأرش خاصّة.

( وإذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الأظهر ) الأشهر ( ما لم يشترطه المشتري ) وقد مرّ البحث فيه وفي أنّه للمشتري مع الشرط مفصّلاً في بحث ما يدخل في المبيع ، فلا نعيده ثانياً (١).

( ويجوز ابتياع بعض الحيوان مشاعاً ) مع التعيين ، كالنصف والربع ، إجماعاً في الظاهر ، والمحكي في شرح القواعد للشيخ علي رحمه‌الله وكلام غيره (٢) صريحاً ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، والعمومات السليمة عمّا يوجب فساد المعاملة من نحو الجهالة بالضرورة ، وفحوى النصوص الآتية إن قلنا بها.

ولا يجوز مفروضاً ولو كان رأساً أو جلداً ، ولا غير معيّن كشي‌ء أو جزء ، إجماعاً منهم في المقامين على الظاهر ، مضافاً إلى الإيماء إليه في بعض عبارات الجماعة (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأدلّة الآتية للمنع في‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٥٢ ج ٨.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ١٣٥ ؛ تذكرة الفقهاء ١ : ٤٩٧.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ٢٢٦.

٥٠

الأوّل ، والجهالة بلا شبهة في الثاني.

( و ) أمّا ( لو باع ) الشاة مثلاً ( واستثنى الرأس أو الجلد ) منها ( ففي رواية السكوني ) (١) ونحوها المروي عن العيون (٢) : أنّ البائع ( يكون شريكاً بنسبة قيمة ثُنياه ) ومستثناه ، فلو قُوِّم الشاة بجميعها بعشرة وبدون المستثنى تسعة كان البائع شريكاً بالعشر ، وبه أفتى في النهاية (٣) والخلاف والمبسوط ، وتبعه القاضي (٤).

ولا ريب في ضعفه ؛ لقصور سند الرواية أوّلاً ، وعدم مقاومتها للقواعد الآتية في كلام الجماعة ثانياً ، ومخالفتها للاعتبار ثالثاً ، فإنّ الشركة بالنسبة التزام بغير ما وقع عليه التراضي جدّاً.

ومتى حكمنا ببطلان الاستثناء لم يبق في اللفظ ما يدلّ على جزء مشاع أصلاً ، فكان طرحها متعيّناً ، فقد ورد عنهم عليهم‌السلام : خذوا ما شابه أحكامنا واتركوا ما خالفها (٥) ، ولعلّه لذا اختار الأكثر خلافها وإن اختلفوا في المسألة بعد ذلك على أقوال أربعة ، فبين مصحّحٍ للبيع والشرط مطلقاً ، فله عين المستثنى ، كما في الانتصار (٦) ، وعن المفيد والإسكافي والتقي والحلّي (٧) ، عملاً بمقتضى الأصل والعمومات بلزوم العقود والشروط مع‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٨١ / ٣٥٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٥ أبواب بيع الحيوان ب ٢٢ ح ٢.

(٢) عيون الأخبار ٢ : ٤٣ / ١٥٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٦ أبواب بيع الحيوان ب ٢٢ ح ٣.

(٣) مدّعياً عليه الإجماع ( منه رحمه‌الله ) وفي « ح » و« ر » جعلت متناً.

(٤) النهاية : ٤١٣ ، الخلاف ٣ : ٩٢ ، المبسوط ٢ : ١١٦ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٨٢.

(٥) انظر الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١ ، ٢١.

(٦) مدعياً عليه الإجماع ( منه رحمه‌الله ).

(٧) الانتصار : ٢١٢ ، المفيد في المقنعة : ٦٠٠ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٨٤ ، التقي في الكافي : ٣٥٤ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٥٥.

٥١

تعيّن المستثنى. وفيه منع على إطلاقه.

ومبطلٍ لهما كذلك ؛ استناداً إلى إفضائه إلى الضرر والتنازع ؛ لأنّ المشتري قد يختار تبقية هذا الحيوان ، وهو يؤدّي إلى عدم انتفاع البائع بحقّه ، وإن اختار البائع ذبحه ليتوصّل إلى حقّه كان فيه منع المشتري من التصرّف بماله بما يختار من التصرفات ، وربما كانت التبقية أنفع له من الذبح ، فيؤدّي إلى التنازع. وفيه ما في سابقه من المنع على إطلاقه.

ومفصِّلٍ تارة بين حيّ الحيوان فالثاني ، ومذبوحه فالأوّل ، كما في القواعد (١). وهو الأقوى ؛ جمعاً بين دليلي القولين ، مع سلامتهما عن الإيرادين المتقدّمين في البين.

وأُخرى كذلك ، لكن بزيادة إلحاق ما يراد ذبحه بالمذبوح ، كما في المختلف وكلام جماعة (٢) ؛ لعدم ورود دليل المنع المتقدّم فيه أيضاً.

وفيه نظر ؛ فإنّ إرادة الذبح قد لا تجامعه ، فقد يحصل البداء ، فيؤدّي إلى المحذور من الضرر والتنازع.

مضافاً إلى عدم انحصار دليل المنع في ذلك ، بل منه الجهالة ؛ لتفاوت لحم الرأس قلّةً وكثرةً بتفاوت المذبح ، والجلد دقّةً وضخامةً ، إلاّ أن يقال بعدم عدّ مثل ذلك في العرف جهالةً وشرائه سفاهةً. ولعلّه كذلك في الرأس ظاهراً ، إلاّ أن الدليل الأوّل قائم جدّاً.

( ولو اشترك جماعة في شراء الحيوان واشترط أحدهم الرأس والجلد بماله ) من الثمن ( كان له منه ) أي المبيع ( بنسبة ما نقد ، لا ما )

__________________

(١) القواعد ١ : ١٢٩.

(٢) المختلف : ٣٨٤ ؛ وانظر جامع المقاصد ٤ : ١٣٦ ، والمسالك ١ : ٢٠٨ ، والروضة ٣ : ٣١١.

٥٢

( شرط ) للحسن ، بل ربما عدّ من الصحيح : في رجل شهد بعيراً مريضاً وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم ، وأشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضى أنّ البعير برئ فبلغ ثمانية دنانير ، فقال : « لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ ، فإن قال : أُريد الرأس والجلد ليس له ذلك ، هذا الضرار ، وقد اعطي حقّه إذا اعطي الخمس » (١).

ويأتي ما مرّ فيه ، مع ظهوره كما سبق فيما يقصد ذبحه لا مطلقاً ، فلا وجه للتعميم على تقدير العمل بهما بعد وجود القول بالفصل بين مورده فالجواز ، وغيره فالمنع ، كما مضى.

إلاّ أنّي لم أقف على مخالف هنا عدا شيخنا الشهيد الثاني ومن تبعه من بعض أصحابنا (٢) ، حيث جعلوا الحكم فيه وفيما سبق واحداً. وهو كذلك إن لم يكن انعقد الإجماع على خلافه ، وربما احتمله في شرح القواعد المحقق الثاني (٣) ، ولعلّه وجه الفرق بينهما في العبارة وغيرها من التردّد في الأوّل والجزم بالحكم هنا.

وهو حسن إن تمّ ، وإلاّ فمجرّد صحة السند على تقديرها غير كافٍ في الخروج عن مقتضى القواعد المتقدّمة جدّاً مع إمكان تأويل الرواية إلى ما يلائمها.

( ولو قال : اشتر حيواناً بشركتي ) أو بيننا ( صحّ ) البيع لهما ، فإنّ الأمر بالشراء كذلك توكيل ، ولا خلاف فيه ( و ) لا في أنّ ( على كلّ

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٣ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٨٢ / ٣٥١ ، الوسائل : أبواب بيع الحيوان ب ٢٢ ح ١.

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠٨ ، المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٢٢٩.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ١٣٧.

٥٣

واحد ) منهما ( نصف الثمن ) لا غير ، فإن الظاهر من الشركة المطلقة هو التساوي في الحصّة ؛ مضافاً إلى عدم إمكان الترجيح إلاّ مع قيام قرينة عليه ، فتتبّع.

وإن أدّى أحدهما الجميع بإذن الآخر صريحاً أو فحوًى ولو بمقتضى العادة المعلومة لهما في الإنقاد عنه لزم الغرم له ، وإلاّ فلا.

ولو تلف المبيع بعد قبضه بإذن الآخر ولو فحوًى فهو منهما ، فإن ذلك مقتضى الشركة جدّاً ، ويرجع على الآخر بما نقد عنه إذا كان بإذنه لا مطلقاً.

( ولو ) زاد الأمر على ذلك و ( قال : ) اشتره على أن يكون ( الربح لنا ) أي بيننا ( ولا خسران عليك ) إن حصل ( لم يلزم الشرط ) وفاقاً للحلّي وجماعة من المتأخّرين (١) ، قال : لأنّه مخالف لأُصول المذهب ، لأنّ الخسران على رؤوس الأموال بغير خلاف ، فإذا شُرِط على واحد من الشريكين كان هذا الشرط مخالفاً للكتاب والسنّة ، لأن السنة جعلت الخسران على رؤوس الأموال (٢).

ويضعّف بإمكان التعويل في ذلك إلى الكتاب والسنة من حيث أمرهما بالوفاء بالعقود والشروط ، وتصريحهما بجواز أكل مال الغير مع التراضي ، وقد حصل هنا كما هو المفروض ، قال سبحانه ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٣).

__________________

(١) الحلي في السرائر ٢ : ٣٤٩ ؛ وانظر الشرائع ٢ : ٥٧ ، والتنقيح الرائع ٢ : ١٢٠ ، والمسالك ١ : ٢٠٨.

(٢) انظر الوسائل ١٩ : ٥ أبواب الشركة ب ١.

(٣) النساء : ٢٩.

٥٤

( وفي رواية ) صحيحة ( إذا شارك ) رجل ( في جارية ) له ( وشرط للشريك الربح دون الخسارة جاز ) إذا طابت نفس صاحب الجارية (١).

وقريب منه في أُخرى : في رجل شارك رجلاً في جارية ، فقال له : إن ربحت فلك ، وإن وضعت فليس عليك شي‌ء ، فقال : « لا بأس بذلك إذا كانت الجارية للقائل » (٢) فتأمّل.

فدعوى مخالفة الشرط لهما لا وجه لها ، واقتضاء الشركة عموم الخسارة على إطلاقه محلّ مناقشة ، فقد يخصّ ذلك بصورة عدم اشتراطها على أحدهما ، وأنّى له بدفعه ، فالمصير إلى الجواز لا يخلو عن قوّة ، وفاقاً للطوسي والقاضي والمختلف والدروس (٣) كما حكي.

وظاهر العبارة والقواعد فساد الشرط خاصّة. ووجهه ليس بواضح ، ومقتضى الشرطية فساد الشركة من أصلها بفساد شرطها ، فتأمّل جدّاً.

( ويجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراءها ) إجماعاً حكاه جماعة (٤) ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة (٥) ، منجبر قصور أسانيدها بالأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة إذا لم يكن بتلذّذ ولا ريبة ؛

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٢ / ١٦ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٥ أبواب بيع الحيوان ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٨١ / ٣٤٧ ، الإستبصار ٣ : ٨٣ / ٢٨٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٦ أبواب بيع الحيوان ب ١٤ ح ٢.

(٣) الطوسي في النهاية : ٤١١ ، القاضي حكاه عنه في المختلف : ٣٨٢ ، المختلف : ٣٨٢ ، الدروس ٣ : ٢٢٤.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٣٥ ، وانظر الحدائق ٢٣ : ٤٩.

(٥) انظر الوسائل ١٨ : ٢٧٣ أبواب بيع الحيوان ب ٢٠.

٥٥

مضافاً إلى الاعتضاد بعمل الطائفة.

وجوّز في التذكرة (١) النظر إلى ما عدا العورة مطلقاً. ولا يخلو عن قوّة ، وسيأتي التحقيق في المسألة في كتاب النكاح إن شاء الله سبحانه.

( ويستحب لمن اشترى رأساً ) أي رقيقاً مطلقاً ، ذكراً كان أو أُنثى ؛ تبعاً لإطلاق النص والفتوى ( أن يغيّر اسمه ) عند شرائه ، بل قيل مطلقاً (٢) ، ولو بالانتقال بنحو من الهبة والصلح ( و ) أن ( يطعمه شيئاً حلواً ، ويتصدّق عنه بأربعة دراهم ) شرعيّة.

( ويكره أن يريه ثمنه في الميزان ).

كل ذلك للروايات ، منها : « إذا اشتريت رأساً فلا ترينّ ثمنه في كفّة الميزان ، فما من رأس يرى ثمنه في كفّة الميزان فأفلح ، فإذا اشتريت رأساً فغيّر اسمه وأطعمه شيئاً حلواً إذا ملكته ، وتصدّق عنه بأربعة دراهم » (٣).

وظاهره كغيره ترتّب الكراهة على رؤية الثمن في الميزان ، ولذا عبّر به في العبارة وكلام جماعة (٤). وربما قيل بها مطلقاً ولو لم يكن في الميزان بل خارجاً ؛ حملاً للنصّ على المتعارف من وضع الثمن في كفّة الميزان عند الشراء (٥).

وهو حسن لو قام دليل على الكراهة مطلقاً ، وهو غير واضح جدّاً.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠١.

(٢) الدروس ٣ : ٢٢٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٢ / ١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٠ / ٣٠٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٥١ أبواب بيع الحيوان ب ٦ ح ١.

(٤) كالشهيد في الدروس ٣ : ٢٢٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ١٠١ ، والبحراني في الحدائق ١٩ : ٤١٧.

(٥) الحدائق ١٩ : ٤١٧.

٥٦

( ويلحق بهذا الباب مسائل ) :

( الاولى : المملوك يملك فاضل الضريبة ) فعيلة بمعنى المفعولة ، والمراد بها ما يؤدّي العبد إلى سيّده من الخراج المقدّر عليه.

والمستند في الحكم الصحيح : « إذا أدّى إلى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للملوك » إلى أن قال : قلت له : فللملوك أن يتصدّق ممّا اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤدّيها إلى سيّده؟ قال : « نعم وأجر ذلك له » قلت : فإن أعتق مملوكاً ممّا اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال : فقال : « يذهب فيتوالى إلى من أحبّ ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه ويرثه » (١) الحديث.

قيل : وأفتى به الشيخ في النهاية وتبعه القاضي (٢).

وفيه نظر ، فإنّ المحكي من عبارته في المختلف هو تملّك التصرّف خاصّة ، ولعلّه لذا نسبه دون التملك إليهما في المهذب (٣). نعم ، القول بذلك محكيّ فيه عن الصدوق والإسكافي (٤) ، حيث قالا : يملك العين لكن لا مستقرّاً.

( و ) كيف كان الأقوى : ما ( قيل ) من أنّه ( لا يملك شيئاً ) مطلقاً إلاّ أن يأذن له المولى في التصرّف فيحصل له إباحته خاصّة.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٧٤ / ٢٦١ ، التهذيب ٨ : ٢٢٤ / ٨٠٧ ، المقنع : ١٦١ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٥ أبواب بيع الحيوان ب ٩ ح ١.

(٢) قاله في المختلف : ٦٢٤ ، وهو في النهاية : ٥٤٣ ، والمهذّب ٢ : ٣٥٩.

(٣) المهذب البارع ٢ : ٤٥٠.

(٤) المختلف : ٦٢٤.

٥٧

وهذا القول هو الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منّا (١) ، وهو الظاهر من تتبّع كلماتهم جدّاً ، حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك إلاّ نادراً ، بل ادّعى الشيخ في الخلاف في كتاب الزكاة والفاضل في نهج الحق عليه إجماعنا صريحاً (٢) ، ودلّ عليه كلام الحلّي المحكي في المختلف (٣) في كتاب العتق ظاهراً (٤) ، حيث قال : إنّه لا يملك عندنا. ونحوه عبارة المبسوط المحكية عنه في كتاب الكفّارات (٥). وربما كان في عبارة الانتصار إشعار به ، بل ظهور جدّاً مع فتواه به فيه صريحاً (٦).

وهو الحجة المؤيّدة بأصالة عدم الملكيّة السالمة كالإجماعات المحكيّة عمّا يصلح للمعارضة سوى الرواية السابقة ، وهي مع اختصاصها بفاضل الضريبة ، بل ودلالتها على العدم فيما عداه بمفهوم الشرطية تأوّلها الأصحاب بإرادة جواز التصرّف والإباحة دون الملكيّة.

وهو وإن كان ينافيه ظاهر سياقها ، إلاّ أنّه لا بأس به ، جمعاً بين الأدلّة.

مع منافاة إطلاقها لما أجمع عليه الطائفة من ثبوت الحجر عليه في‌

__________________

(١) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، العلامة في التذكرة ١ : ٤٩٨ ، المحدث الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٤٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٤٢ ، نهج الحق : ٤٨٤.

(٣) المختلف : ٦٢٤.

(٤) ونحوه الفاضل في المنتهى في مسألة زكاة العبد لكن في ما عدا فاضل الضريبة وأرش الجناية ، قال : ولو ملّكه مولاه شيئاً لم يملكه ؛ لأنه مال فلا يملك التمليك كالبهيمة ، قاله أصحابنا ، فلا تجب الزكاة على العبد وتجب على السيّد ، وللشافعي قولان ( المنتهي ١ : ٤٧٢ ) ( منه رحمه‌الله ).

(٥) المختلف : ٦٧٠ ، المبسوط ٦ : ٢١٧.

(٦) الانتصار : ٢١٣.

٥٨

تصرّفاته بالكليّة ، حيث دلّت على جواز عتقه وشبهه ، وهو مضافاً إلى انعقاد الإجماع على خلافه قد منع عنه الكتاب والسنة عموماً في بعض وصريحاً في آخر ، قال الله سبحانه ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١) ولا ريب في شمول الشي‌ء المنفي قدرته عليه للتصرف لغةً وإجماعاً لو لم نقل بشموله لنحو التملّك أيضاً ، فإنّه شي‌ء جدّاً ، ومقتضى العموم الناشئ من وقوع الشي‌ء نكرةً في سياق النفي الشمول له قطعاً ، فهو حجّة أُخرى لنفي الملك مطلقاً ، ولعلّه لذا استدلّ به لذلك أصحابنا.

وقريب منه في ذلك الآية الأُخرى الآتية (٢).

وفي الصحيح : في المملوك ما دام عبداً : « فإنّه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصية إلاّ أن يشاء سيّده » (٣).

وهو كما ترى ظاهر بل لعلّه صريح في عدم جواز التصرّفات التي إباحتها الرواية الاولى مطلقاً وأنّه لا يملك أصلاً.

وما ربما يتوهّم فيه من المناقشة في الأوّل بتقييد إطلاقه بغير فاضل الضريبة فإنّ هذه الرواية مطلقة وتلك مقيّدة ، وفي الثاني بأنّ اللام في « لأهله » وإن كان ظاهراً في الملكيّة إلاّ أنّ إضافة المال إلى العبد ظاهرة في ثبوتها له أيضاً بالبديهة ، وحيث لم يجتمعا وجب المصير إلى التأويل في أحدهما بإرجاعه إلى الآخر بنحو من التوجيه ، وهو إرادة جواز التصرّف‌

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) في ص : ٦٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٢١٦ / ٨٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٣٥ / ٥٠٧ ، الوسائل ١٩ : ٤١٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٨ ح ١.

٥٩

خاصّة ، بناءً على كفاية أدنى ملابسة في صحة الإضافة جدّاً ، وحيث لا مرجّح وجب التوقّف ، وبه تخرج الرواية عن الحجية.

مدفوع ، فالأوّل : باشتراط التكافؤ في حمل المطلق على المقيّد المفقود في المقام ؛ لاعتضاد الأوّل بالأصل ، والإجماعات المحكية ، والشهرة العظيمة المتحقّقة ، فلا يمكن المصير إلى الخمل المزبور في المسألة ، كما لا يمكن الجمع بينهما بحمل التصرّف في الصحيحة على الواقع بإذن المالك ، جمعاً بينها وبين الثانية ونحوها من الأدلّة حمل المطلق على المقيّد ، فإنّه فرع العمل بها ، مع أنّك قد عرفت المنع عنه مطلقاً ، لعدم التكافؤ أصلاً.

والثاني : بمنع فقد المرجّح ، فإنّ القرينة على صرف التوجيه المتقدّم إلى إضافة المال إلى العبد قائمة ، فإنّ اللام في الرواية مفيدة للملكيّة بالبديهة ، نظراً إلى سياق الرواية حيث تضمّنت العبد وضمّته إلى ماله أوّلاً وصرفت الحكم المستفاد من اللام إليهما ، ولا ريب أنّه بالإضافة إلى العبد معناها الحقيقي ، وهو الملكيّة أو الاختصاص ، فلو حمل على المعنى المجازي أو حقيقي آخر غيرهما لو كان لزم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنييه الحقيقيين أو المتخالفين بالوصفين ، وهما مرغوب عنهما ، سيّما الثاني عند المحققين ، فتعيّن المصير إلى صرف التوجيه إلى الطرف المقابل حيث لا قرينة مثل ذلك وغيره فيه يوجب العكس بالبديهة ، فتأمّل.

ومن هنا انقدح الوجه في صحة ما أجاب به الجماعة عن النصوص‌

٦٠