رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

فيه ولو بالقبض ، ومعه ومع العلم يكون مضموناً عليه كالبيع الفاسد ، للقاعدة المشهورة : كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده خلافاً لابن حمزة فجعله أمانة (١).

والأصل في حرمة التصرّف بعد الإجماع ظواهر النصوص المتقدّمة المصرّحة بفساد الزيادة مع اشتراطها ، المستلزم لفساد المشروط بها ؛ لابتناء العقد والمراضاة فيه عليها ، وانتفاؤها يستلزم انتفاء المشروط بها المتوقّف عليها قطعاً.

فمناقشة بعض الأصحاب في ذلك بعد تسليمه دلالة النصوص على فساد الشرط وحرمة الزيادة غفلة واضحة (٢).

وحيث حلّت الزيادة بالتبرّع بها فلا يخلو إمّا أن تكون حكميّة ، كما لو دفع الجيّد بدل الردي أو الكبير بدل الصغير ، فالظاهر أنّه يملكه المقرض ملكاً مستقرّاً بقبضه ، كما قيل (٣).

وإن كانت عينيّة ففي كون المجموع وفاءً أو يكون الزائد بمنزلة الهبة فيلزمه أحكامها نظر. ولعلّ الثاني أظهر ؛ لأصالة بقاء الملك على أصله ، مضافاً إلى إطلاق الهبة عليه في بعض الصحاح المتقدّمة ، لكنه في الزيادة الحكميّة.

( و ) اعلم أنّ ما يصحّ إقراضه هو كلّ ما صحّ إحصاء قدره ووصفه ، فيجوز أن ( يقترض الذهب والفضّة وزناً ، والحبوب كالحنطة والشعير ) والتمر والزبيب ( كيلاً ووزناً ، والخبز وزناً ) بلا خلاف ، كما في المسالك‌

__________________

(١) الوسيلة : ٢٧٣.

(٢) الحدائق ٢٠ : ١١٧.

(٣) الحدائق ٢٠ : ١١٨.

١٦١

وغيره (١) ( وعدداً ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في المختلف والتذكرة والمسالك وعن السرائر والمبسوط (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، والعمومات ، والنصوص المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة ، منها : « لا بأس باستقراض الخبز » (٣).

ومنها : إنّا نستقرض الخبز من الجيران ، فنردّ أصغر منه أو أكبر؟

فقال عليه‌السلام : « إنّا نستقرض الجوز الستّين والسبعين عدداً فيه الصغير والكبير ، فلا بأس » (٤) ونحوه غيره (٥).

وهما صريحان في جواز الاقتراض والردّ مع التفاوت. خلافاً للدروس ، فاشترط فيه عدم العلم به (٦) ، ولعلّ المراد التفاوت الذي لا يتسامح به عادةً.

وكلّ ما يتساوى أجزاؤه قيمة ومنفعة ويتقارب صفاته ويعبّر عنه بالمثلي يثبت في الذمّة مثله كالحبوب ، بلا خلاف ، كما في المسالك وغيره (٧) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٨) ، وشرح الشرائع للمفلح الصيمري.

وربما ألحق به العين المستقرضة جماعة (٩) ، فيجب قبولها ؛ للأولويّة.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢١٩ ؛ وانظر الدروس ٣ : ٣٢١.

(٢) المختلف : ٤١٥ ، التذكرة ٢ : ٥ ، المسالك ١ : ٢١٩ ، السرائر ٢ : ٦٠ ، المبسوط ٢ : ١٦١.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣٨ / ١٠٤١ ، الوسائل ١٨ : ٣٦١ أبواب الدين والقرض ب ٢١ ح ٣.

(٤) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٣ ، الوسائل ١٨ : ٣٦١ أبواب الدين والقرض ب ٢١ ح ١.

(٥) التهذيب ٧ : ١٦٢ / ٧١٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٦١ أبواب الدين والقرض ب ٢١ ح ٢.

(٦) الدروس ٣ : ٣٢١.

(٧) المسالك ١ : ٢٢٠ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٥.

(٨) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩١.

(٩) منهم : الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٣٢٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ١٥٦ ، والبحراني في الحدائق ٢٠ : ١٣٧.

١٦٢

وإذا تعذّر ينتقل إلى قيمته وقت المطالبة والتسليم ؛ لأنّ الثابت في الذمّة إنما هو المثل إلى أن يطالب به ، وبه أفتى شيخنا في المسالك وتبعه جماعة (١).

وقيل : وقت القرض ؛ لسبق علم الله تعالى بتعذّر المثل وقت الأداء (٢).

ويضعّف بأنّه لا منافاة بين وجوب المثل وقت القرض طرداً للقاعدة الإجماعية والانتقال إلى القيمة عند المطالبة لتعذّره.

وقيل : وقت التعذّر ؛ لأنّ وقت الانتقال إلى البدل الذي هو القيمة (٣).

ويضعّف بأن تعذّره بمجرّده لا يوجب الانتقال إلى القيمة ؛ لعدم وجوب الدفع حينئذٍ ، فيستصحب الواجب إلى أن يجب دفعه بالمطالبة ، فحيث لم يوجد الآن ينتقل إلى القيمة.

ولا ريب أنّ العمل بأعلى القيم أحوط.

وما ليس كذلك ويعبّر عنه بالقيمي يثبت في الذمّة قيمته ، وفاقاً للمشهور ، كما في المسالك وغيره (٤) ؛ لاختلاف الصفات ، فالقيمة أعدل.

وقيل : بل يثبت مثله أيضاً (٥) ؛ لأنّه أقرب إلى الحقيقة ، ولخبرين عاميين (٦) واردين في مطلق الضمان.

وعورضا بآخر (٧) ، مع أنّه لا قائل به عدا الماتن في الشرائع ، ونسب إلى ظاهر الاخلاف (٨).

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٢٠ ؛ وتبعه الشهيد في الدروس ٣ : ٣٢١ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٩ : ٦٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٠٣.

(٢) قال به العلاّمة في القواعد ١ : ١٥٧.

(٣) كما قال به في السرائر ٢ : ٦٠ ، راجع الحدائق ٢٠ : ١٣٦.

(٤) المسالك ١ : ٢٢٠ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ١٥٦ ، الكفاية : ١٠٣.

(٥) كما قال به المحقق في الشرائع ٢ : ٦٨.

(٦) سنن البيهقي ٦ : ٩٦.

(٧) سنن البيهقي ٦ : ٩٦.

(٨) الخلاف ٣ : ١٧٥.

١٦٣

وقيل بضمان المثل الصوري فيما يضبطه الوصف وهو ما يصحّ السلم فيه ، وضمان ما ليس كذلك بالقيمة كالجوهر ، وهو مختار التذكرة (١) ؛ لخبرين عاميين (٢) في الأوّل ، ظاهرهما الوقوع مع التراضي ، ولا شبهة في جواز دفع المثل معه مطلقا.

وعلى اعتبار القيمة مطلقاً أو على بعض الوجوه ، فهل المعتبر قيمة وقت التسليم ، أو وقت القرض ، أو وقت التصرف؟ فيه أقوال (٣).

قيل : ولا اعتبار لقيمة يوم المطالبة هنا قولاً واحداً ، إلاّ على القول بضمانه بالمثل ، فيتعذّر ، فيعتبر يوم المطالبة كالمثل ، على أصحّ الأقوال (٤).

( ويملك الشي‌ء ) المستقرض ( المقترض ) أي يملكه المقترض ( بالقبض ) لا بالتصرّف ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي ظاهر السرائر والتذكرة دعوى إجماعنا عليه (٥) ؛ لأنّ التصرّف فرع الملك فيمتنع كونه شرطاً فيه ، وإلاّ دار.

قيل : وفيه نظر ؛ لمنع تبعيّته للملك مطلقاً ، إذ يكفي فيه إذن المالك ، وهو هنا حاصل بالعقد ، بل بالإيجاب (٦).

ويضعّف أوّلاً : بأنّ الإذن إنّما حصل من المالك بأن يكون المقترض مالكاً ويكون عليه العوض ، لا مطلقاً ، كما في سائر المعاوضات ، فإنّها على‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٢١.

(٣) قال بالأول المحقق في الشرائع ٢ : ١٨ ، وبالثاني المحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ٢٤ ، وبالثالث الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٢٠.

(٤) المسالك ١ : ٢٢٠.

(٥) السرائر ٢ : ٦٠ ، التذكرة ٢ : ٦.

(٦) المسالك ١ : ٢٢٠.

١٦٤

تقدير بطلانها لا يجوز التصرف بالإذن الحاصل بتوهّم الصحة.

وثانياً : بعدم كفاية الإذن في كثير من التصرّفات المجمع عليها هنا المتوقّفة على الملك ، كالوطء المتوقف عليه ، أو على التحليل المتيقّن فقده في المقام ، فانحصر الوجه في إباحته في الأوّل ، وكالبيع ونحوه ، فإنّه لا يجوز لغير مالكه إلاّ بالوكالة أو فضولاً ، ومعلوم انتفاؤهما.

ومن هنا ظهر ضعف القول بعدم حصول الملك إلاّ بالتصرف ، كما عن ظاهر الخلاف (١) ، مع احتمال مخالفته الآن للإجماع ، كما يستفاد من بعض الأصحاب (٢) ، ومع ذلك المعتبرة بردّه صريحة ، منها الصحيح : رجل دفع إلى رجل مالاً قرضاً ، على من زكاته ، على المقرض أو المقترض؟ قال : « لا ، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولاً على المقترض » قال : قلت : فليس على المقرض زكاتها؟ قال : « لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد ، وليس على الدافع شي‌ء ، لأنّه ليس في يده شي‌ء إنّما المال في يد الآخذ ، فمن كان المال في يده زكّاه » قال : قلت : أفيزكّي مال غيره من ماله؟ قال : « إنّه ماله ما دام في يده ، وليس ذلك المال لأحدٍ غيره » ثم قال : « يا زرارة ، أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو؟ وعلى من هو؟ » قلت : للمقترض ، قال : « فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل » (٣) الحديث.

وقريب منه الموثق : عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ،

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٧٧.

(٢) المسالك ١ : ٢٢١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٧ ح ١.

١٦٥

فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : إنّما كانت عليك قرضاً ، قال : « المال لازم له إلاّ أن يقيم البينة أنّها كانت وديعة » (١) فتأمّل.

وقالوا : وتظهر ثمرة الخلاف في جواز رجوع المقرض في العين ما دامت باقية ، ووجوب قبولها لو دفعها المقترض ، وفي النماء قبل التصرّف ، إن قلنا بكون التصرّف ناقلاً للملك حقيقة أو ضمناً ، يعني : قبل التصرّف بلحظة يسيرة ، كما في العبد المأمور بعتقه عن الآمر غير المالك ، فإنّه للمقترض على المختار ، وللمقرض على القول الآخر ، ولو قيل فيه بالكشف ففيه احتمالان.

ثم ليس في كلامهم تصريح ببيان المراد بالتصرّف الموجب للملك ، على ما ذكر في المسالك (٢) ، ويشعر بعض العبارات (٣) بأنّ المراد التصرّف المتلف للعين أو الناقل ، وعن ظاهر الشهيد في بعض التحقيقات أنّ المراد مطلق التصرّف (٤) ، كما هو الظاهر ، وعليه فيعود الخلاف مع المشهور لفظياً ، فإنّ القبض نوع من التصرّف ، فتأمّل.

وعلى المختار ليس للمقرض الرجوع في العين ، وفاقاً للأكثر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، بل وربما يستشعر من كثير من العبارات الإجماع عليه (٥) ؛ لأنّ فائدة الملك أن لا يتسلّط عليه غيره إلاّ برضاه ، والثابت بالعقد والقبض للمقرض إنّما هو البدل فيستصحب الحكم إلى أن يثبت المزيل ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٩٤ / ٨٨٣ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٨ ، الوسائل ١٩ : ٨٥ أبواب أحكام الوديعة ب ٧ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ٢٢١.

(٣) المسالك ١ : ٢٢١.

(٤) حكاه عنه في المسالك ١ : ٢٢١.

(٥) كالسرائر ٢ : ٦٠ ، والتذكرة ٢ : ٦.

١٦٦

وليس بثابت سوى دعوى الإجماع على جواز العقد ، وهي مع فتوى الأكثر بما ينافيه من عدم جواز الرجوع في العين يتطرّق إليها الوهن.

وعلى تقدير صحتها يحتمل أن يكون المراد بالجواز عدم وجوب إمهال المقترض إلى قضاء الوطر من العين ، وإن كانت قضيّة العرف ذلك ، كما صرّح به في الدروس (١).

وهذا الجمع أجود ممّا ذكره في المسالك : من أنّ المراد بالجواز تسلّط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء ، وأنّه إذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحّة في الاصطلاح ، وإن كان مغايراً لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه (٢).

وذلك فإنّ مظهر الجواز واللزوم إنّما هو بالنسبة إلى مال القرض ، فإن قلنا بجواز العقد ترتّب عليه صحّة الرجوع في العين ، كما هو مقتضى العقود الجائزة. وإن قلنا بلزومه فليس له إلاّ العوض المستقرّ في الذمّة وإن كانت العين موجودة ، كما هو مقتضى العقود اللازمة.

ومجرّد تسميته جائزاً مع ترتّب ثمرة اللزوم عليه من عدم جواز الرجوع في العين غير مجدٍ ، فإنّ ثمرة الجواز بالمعنى الذي ذكره ثابت بأصل العقد ، سواء سمّي جائزاً أو لازماً ، وليس كذلك لو أُريد بالجواز ما ذكرناه ، فإنّه مخالف لمقتضى العقد بحسب العرف ، فإنّ مقتضاه بحسبه إنّما هو الرضاء بالإمهال إلى حين قضاء الوطر من العين.

وقريب منه في الضعف الوجه الذي ذكره بعض الأفاضل : من أنّه ليس ببعيد ان يكون النزاع فيما قبل الفسخ يعني إذا تحقق العقد مع الشرط‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٢٤.

(٢) المسالك ١ : ٢٢١.

١٦٧

وحصل المملّك الناقل ، فمع عدم طريان الفسخ عليه بالتقايل من الجانبين أو من جانب واحد هل يجوز الرجوع في العين مع كراهة المقترض أم لا؟ (١).

وذلك فإنّ النزاع حينئذٍ يصير قليل الفائدة ؛ إذ للمقرض أن يفسخه ويأخذ ماله ، وللمقترض أيضاً الفسخ وإعطاء العين ، فليس للمقرض عدم القبول ، هذا ، مع احتمال حصول الفسخ بمجرّد مطالبة العين أو ردّها من دون احتياج إلى عبارة أُخرى.

( ولا يلزم اشتراط الأجل فيه ) بلا خلاف يعرف إلاّ ممّن ندر من بعض من تأخّر (٢) ، وربما أشعر عبارة الماتن في الشرائع وكذا غيره بالإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة على جواز أصله (٤) ، المستلزم لجواز شرطه بالبديهة ، إلاّ أنّ في الاستناد إليه نوع خفاء ومناقشة بعد ما مرّ إليه الإشارة من وهنه بمصير أكثر الأصحاب إلى عدم جواز الرجوع في العين الذي ينافيه ، وأنّ المراد بالجواز في كلامهم غير المعنى المعروف بينهم ، وهو عدم لزوم الأجل الذي هو مقتضى العقد بحسب العرف.

والإجماع على عدم لزومه ثابت إلاّ أنّه لا يدلّ إلاّ على عدم لزومه بمجرّد العقد ، وهو لا ينافي لزومه مع الشرط إلاّ أن يجاب بما يأتي.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٧٨.

(٢) الحدائق ٢٠ : ١٣٢ ، وانظر مجمع الفائدة ٩ : ٨٠ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ١٢٦.

(٣) الشرائع ٢ : ٦٨ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ١٢٦ ، والحدائق ٢٠ : ١٣٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٧٥ ، الحدائق ٢٠ : ١٣٠.

١٦٨

وبالإجماعين يخصّص ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود والشروط كتاباً وسنّة (١).

وربما يزاد عليهما بدلالة الكتاب والسنة المتواترة على استحباب القرض والمداينة (٢) ولا يتعلّق بخصوص إجراء الصيغة ، بل بمدلولها وهو تأخير المطالبة للعين المستقرضة إلى مدّة قضاء الوطر منها ، كما مرّت إليه الإشارة ، واستحباب التأخير هو عين معنى الجواز.

وفيه نظر ، أوّلاً : بمنع تعلّق الاستحباب بخصوص المدلول ، بل بسببه الذي هو إجراء الصيغة وإن كان الوجه في تعلّقه به هو رجحان العمل بمسبّبه ، فيرجع حاصل الأدلّة إلى استحباب الإقدام إلى القرض وإيجاب سببه ، ولا ينافيه وجوب المسبّب بعده ، وإن هو إلاّ كالتجارة ، فقد تظافرت الأدلّة باستحبابها مع وجوب العمل بمقتضيات أسبابها ، كصيغ البيوع ونحوها ، وككثير من العبادات المستحبة الواجبة بالشروع فيها.

وبالجملة استحباب الشي‌ء ابتداءً غير وجوبه استدامةً ، فاستحباب الإقراض ابتداءً لا ينافي وجوب العمل بمقتضى عقده بعد إيجاده.

وثانياً : بأنّ ذلك بعد تسليمه إنّما يتوجّه بالنظر إلى نفس العقد ، وأنّه بمجرّده لا يقتضي وجوب التأخير ، بل غايته الاستحباب ، كما يستفاد من أدلّة استحبابه ، ولا كلام فيه ، لما مرّ من الإجماع على جواز العقد المستلزم لعدم وجوب التأخير ، ولكنّه لا ينافي لزومه بسبب آخر غير نفس العقد المجرّد ، وهو العقد المركّب من الشرط ، لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود ، مضافاً إلى ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط.

__________________

(١) المائدة : ١ ؛ وانظر الوسائل ٢٣ : ٣٢٦ أبواب النذر والعهد ب ٢٥.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٢٩ أبواب الدين والقرض ب ٦.

١٦٩

وذلك كما لو أوقع عقد البيع حالاّ ، فإنّه لا يقتضي وجوب التأخير في أحد العوضين إلى أجل ، ولا كذلك لو أوقع مؤجّلاً ، فقد يكون عقد القرض بنفسه لا يفيد لزوم أجل ، ومع شرطه يفيد لزومه.

وبالجملة لا منافاة بين جواز أجل القرض نظراً إلى نفس العقد ولزومه باشتراطه فيه ، لتغاير السببين ، كما لو اشترط أجله في عقد آخر لازم ، كما عليه الأكثر ، وإن خالف فيه بعض من شذّ وندر (١) ، فالاستدلال بذلك على المطلوب غير مفهوم.

إلاّ أن يقال بالفرق بين القرض والبيع بعدم دلالة عقده على أجل ، بخلاف القرض ؛ لدلالته عليه بحسب العرف كما مرّ ، فإذا لم يجب الوفاء به مع دلالة العقد الذي هو الأصل في لزوم الوفاء به وبالشرط المذكور في ضمنه عليه فعدم وجوب الوفاء به إذا دلّ عليه الشرط أولى ، فتأمّل.

وقريب منه استدلال بعض الأفاضل (٢) على ضدّه وهو لزوم الأجل بعد اشتراطه بما مرّ من العمومين ، وخصوص قوله سبحانه ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) (٣).

والخبرين المروي أحدهما عن ثواب الأعمال : « من أقرض قرضاً وضرب له أجلاً ولم يؤت به عند ذلك الأجل ، كان له من الثواب في كلّ يوم يتأخّر عن ذلك الأجل مثل صدقة دينار واحد كلّ يوم » (٤).

ونحوه الثاني المروي عن الفقه الرضوي (٥).

__________________

(١) انظر الدروس ٣ : ٣٢٤.

(٢) الحدائق ٢٠ : ١٣٠ ، مفاتيح الشرائع ٣ : ١٢٦.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) ثواب الأعمال : ١٣٨ ، الوسائل ١٨ : ٣٢٩ أبواب الدين والقرض ب ٦ ح ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٧ ، المستدرك ١٣ : ٣٩٦ أبواب الدين والقرض ب ٦ ح ٤.

١٧٠

وذلك فإنّ غاية الأدلّة صحّة التأجيل ، ولا كلام فيها ، وثمرتها إنّما هو جواز تأخير الدفع إلى الأجل ووجوبه بعده ، وهو غير لزومه الذي هو عبارة عن وجوب التأخير إليه ، وإنّما الكلام فيه.

هذا مضافاً إلى قصور سند الخبرين مع عدم معاضد لهما في البين ، وضعف دلالة الكتاب من وجه آخر ، وهو اختصاصه بالدين ، وهو غير القرض بنصّ أهل اللغة ، فقد صرّح في القاموس وغيره بأنّه لا أجل فيه ، بخلاف الدين ، فإنّه الذي فيه الأجل (١). فالاستدلال به على لزومه في القرض على تقدير تماميّته بفساد الوجه الأوّل غير تامّ من هذا الوجه.

نعم في المضمر : عن رجل أقرض رجلاً دراهم إلى أجل مسمّى ثم مات المستقرض ، أيحلّ مال القارض بعد موت المستقرض منه ، أم لورثته من الأجل ما للمستقرض في حياته؟ فقال : « إذا مات فقد حلّ مال القارض » (٢).

وهو مشعر بلزوم التأجيل في القرض كالدين ، من حيث التقرير والمفهوم ، إلاّ أنّ قصور السند بالإضمار والمتن للإجماع أوجب هجره في المضمار.

وأمّا القدح فيه بالدلالة بمنع الظهور بالكلّية ، بنحو ما أُجيب به عن الخبرين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة ، من أنّ غايته الدلالة على صحّة الأجل لا اللزوم الذي هو مفروض المسألة ، لعلّه محلّ مناقشة يستخرج وجهها من النظر إلى لفظة « حلّ » الظاهرة في عدم استحقاق المطالبة قبل انقضاء المدة المضروبة حال حياة المستقرض بالضرورة ، فتأمّل.

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٢٢٦ ؛ وانظر لسان العرب ١٣ : ١٦٧.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٠ / ٤٠٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٤٤ أبواب الدين والقرض ب ١٢ ح ٢.

١٧١

( و ) كذا ( لا يتأجّل الدين الحالّ ) بتأجيله ، بأن يعبّر عنه صاحب الدين بعبارة تدلّ عليه من غير ذكره في عقد ، بأن يقول : أجّلتك في هذا الدين مدّة كذا ؛ إذ ليس ذلك بعقد يجب الوفاء به ، بل هو وعد يستحبّ الوفاء به.

وأشار بقوله : ( مهراً كان ) الدين ، ( أو غيره ) إلى خلاف بعض العامّة ، حيث ذهب إلى ثبوت التأجيل في ثمن المبيع والأُجرة والصداق وعوض الخلع دون القرض وبدل السلف (١) ، وإلى خلاف آخرين منهم من ثبوته في الجميع (٢).

( ولو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاءه ) وجوباً إجماعاً كما قيل (٣) ، وكذا الحكْم في كلّ من عليه حق ، سواء كان ذو الحق غائباً أم حاضراً ، وإنما ذكر الوجوب مع الغيبة المنقطعة تأكيداً ، ووجّه الوجوب بأنه من أحكام الإيمان ، كما قالوا في العزم على الواجب الموسّع ، لا لكونه بدلاً عن التعجيل. وفيه نظر ، إلاّ أن يكون إجماعاً.

والأجود الاستدلال عليه في محلّ الفرض بالنصوص المروية في باب الدين في الكتب الثلاثة ، الدالة على أن من استدان ديناً فلم ينوِ قضاءه كان بمنزلة السارق (٤). وبه صرّح في الرضوي أيضاً (٥).

__________________

(١) حكاه عن أبي حنيفة في المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٤.

(٢) كما نقله عن مالك والليث في المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٤.

(٣) جامع المقاصد ٥ : ١٥ ، مجمع الفائدة ٩ : ٨٤.

(٤) الكافي ٥ : ٩٩ / ١ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ١١٢ / ٤٧٥ ، التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١١ ، الوسائل ١٨ : ٣٢٧ ٣٢٩ أبواب الدين والقرض ب ٥ ح ١ ، ٢ ، ٥.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٦٨ ، المستدرك ١٣ : ٣٩٤ أبواب الدين والقرض ب ٥ ذيل حديث ١.

١٧٢

وقصور الأسانيد منجبر بالاعتبار وفتوى الأصحاب ، ومؤيّد بالصحيح : عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه ولا على وليّ له ولا يدري بأيّ أرض هو؟ قال : « لا جناح بعد أن يعلم الله تعالى منه أنّ نيّته الأداء » (١).

وفي الخبر : « من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله عزّ وجلّ حافظان يعينانه على الأداء من أمانته ، فإن قصرت نيّته عن الأداء قصر عنه المعونة بقدر ما قصر من نيّته » (٢).

وفي آخر : « أُحبّ للرجل يكون عليه دين ينوي قضاءه » (٣).

( و ) يجب عليه ( عزله عند وفاته ) وفاقاً للنهاية (٤) ، بل ربما احتمل في المسالك عدم الخلاف فيه (٥) ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه ، كما في شرح القواعد للمحقق الثاني (٦).

ولا دليل عليه عدا ما قيل من أنّه مناسب لتميّز الحق وأبعد عن تصرّف الورثة فيه (٧). وهو كما ترى.

مع أنّ في السرائر ادّعى إجماع المسلمين على العدم (٨). وهو أقوى ؛ للأصل ، وإن كان الأوّل أحوط وأولى ، وأحوط منه العزل مطلقاً ، فقد حكي‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٢ أبواب الدين والقرض ب ٢٢ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٩٥ / ١ ، الفقيه ٣ : ١١٢ / ٤٧٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٥ / ٣٨٤ ، الوسائل ١٨ : ٣٢٨ أبواب الدين والقرض ب ٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٩٣ / ٤ ، الوسائل ١٨ : ٣٢١ أبواب الدين والقرض ب ٢ ح ٤.

(٤) النهاية : ٣٠٧.

(٥) المسالك ١ : ٢٢٢.

(٦) جامع المقاصد ٥ : ١٥.

(٧) كما في المسالك ١ : ٢٢٢.

(٨) السرائر ٢ : ٣٧.

١٧٣

في المسالك قولاً (١). ولكن لا يلزم منه انتقال الضمان بالعزل ، بل عليه الضمان مع التلف على الإطلاق ؛ لعدم الدليل على الانتقال.

وعلى كلّ حال يجب أن يكون ( موصياً به ) عند الوفاة ، بلا خلاف ، كما في شرح الشرائع للمفلح الصيمري ؛ لأنّه مع ترك الوصية ربما أدّى إلى فوات المال وبقاء اشتغال الذمّة به ، فتجب من باب المقدّمة.

ويدلّ عليه أيضاً بعض النصوص الآتية ، بل عن ظاهر جملة من الأصحاب وجوب التوصية بماله وعليه (٢) ، وعليه تدلّ جملة من الأخبار الآتية في كتاب الوصية إن شاء الله سبحانه.

( ولو لم يعرفه اجتهد في طلبه ) ببذل الوسع في السؤال عنه في الأمكنة التي يمكن كونه أو خبره بها ، ويستمر كذلك على وجه لو كان لظهر ، بلا خلاف أجده ، وبه يشعر الصحيح المتقدّم.

مضافاً إلى صريح الصحيح : في رجل كان له على رجل حق ففقده ولا يدري أين يطلبه ، ولا يدرى أحيّ هو أم ميت ، ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً ، قال : « اطلب » قال : إنّ ذلك قد طال فأتصدّق به؟ قال : « اطلب » (٣).

ونحوه خبران آخران (٤) مرويّان هما كالأوّل والأخبار الآتية في الكتب الثلاثة في باب ميراث مفقود الخبر ، في أحدهما : إنّه كان عند أبي أجير‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٢٢.

(٢) انظر الحدائق ٢٠ : ١٤٩.

(٣) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٢ أبواب الدين والقرض ب ٢٢ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٣ / ١ و٢ ، التهذيب ٩ : ٣٨٩ / ١٣٨٧ و١٣٨٨ ، الفقيه ٤ : ٢٤١ / ٧٦٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٦ أبواب ميراث الخنثى ب ٢٦ ح ١ و٢.

١٧٤

يعمل عنده بالأجر ففقدناه وبقي له من أجره شي‌ء ولا نعرف له وارثاً ، قال : « فاطلبه » قال : قد طلبناه ولم نجده ، فقال : « مساكين » وحرّك يديه ، قال : فأعاد عليه ، قال : « اطلب واجهد فإن قدرت عليه ، وإلاّ فكسبيل مالك حتى يجي‌ء له طالب ، فإن حدث بك حدث فأوصِ به إن جاء له طالب أن يدفع إليه ».

( ومع اليأس ) عنه بحيث لا يحتمل الوقوف عليه عادةً ( قيل : ) يجب أن ( يتصدق به عنه ) كما عن الطوسي والقاضي وجماعة (١) (٢) ؛ لئلاّ يتعطّل المال ويخرج عن الانتفاع ، ولاحتياج من هو عليه إلى تفريغ ذمّته ولا سبيل غير الصدقة. وهو كما ترى.

نعم في الفقيه بعد الصحيح المتقدّم ـ : وقد روي في هذا خبر آخر : « إن لم تجد وارثاً وعلم الله تعالى منك الجهد فتصدّق به » (٣).

قيل (٤) : ونحوه الخبران ، في أحدهما : قد وقعت عندي مأتا درهم وأربعة دراهم .. فمات صاحبها ولم أعرف له ورثة ، فرأيك في إعلامي حالها وما أصنع بها ، فقد ضقت بها ذرعاً؟ فكتب : « اعمل فيها وأخرجها صدقةً قليلاً قليلاً حتى تخرج » (٥).

__________________

(١) الطوسي في النهاية : ٣٠٧ ، نقله عن القاضي في المختلف : ٤١١ ؛ وانظر المختلف : ٤١٢ ، والدروس ٣ : ٣١٢.

(٢) بل أكثر الأصحاب ، كما عن المحقق الثاني في شرح القواعد ( جامع المقاصد ٥ : ١٦ ) بل المشهور ، كما في الروضة ( ٤ : ١٨ ). منه رحمه‌الله.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤١ / ٧٧٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٨ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ١١.

(٤) الحدائق ٢٠ : ١٥١ ، ١٥٣.

(٥) الكافي ٧ : ١٥٣ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٨٩ / ١٣٨٩ ، الإستبصار ٤ : ١٩٧ / ٧٤٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٧ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ٣.

١٧٥

وفي الثاني : كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه ، وله عندنا دراهم وليس له وارث ، فقال عليه‌السلام : « تدفع إلى المساكين » ثم قال : رأيك فيها ، ثم أعاد عليه المسألة ، فقال له مثل ذلك ، فأعاد عليه المسألة ثالثة ، فقال عليه‌السلام : « تطلب وارثاً فإن وجدت له وارثاً ، وإلاّ فهو كسبيل مالك » ثم قال : « ما عسى أن تصنع بها » ثم قال : « توصي بها فإن جاء طالبها وإلاّ فكسبيل مالك » (١).

وأسانيدها بالإرسال والجهالة قاصرة ، وعن المقاومة للصحيحين المتقدّمين سيّما الثانية وتاليها ضعيفة ، ولقاعدة أصالة بقاء شغل الذمّة معارضة ، ولذا أنكر الحلّي هذا القول وأوجب الدفع إلى الحاكم (٢).

وهو أجود ، وإن كان القول بجواز الصدقة عن المالك مع الضمان له إذا لم يرض بها لا يخلو عن قوّة ، وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني وجماعة (٣) ؛ لأنّه إحسان محض ، فإنّه إن ظهر المالك ضمن له العوض مع عدم الرضاء بها ، وإلاّ فالصدقة أنفع من بقائها المعرض لتلفها ، فتأمّل.

وأمّا الوجوب فقد عرفت ما فيه.

وما يستفاد من بعض الأخبار المتقدّمة من أنّه كسبيل ماله فشاذّ ، وسند الدالّ عليه ضعيف ، نعم ورد مثله في القريب من الصحيح في الفقيه (٤).

( ولا تصحّ المضاربة بالدين حتى يقبض ) مطلقاً ، ولو كان من هو عليه عاملاً ، إجماعاً ، كما عن التذكرة (٥) ؛ وهو الحجة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٧٧ / ٧٨١ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٢ أبواب الدين والقرض ب ٢٢ ح ٣.

(٢) السرائر ٢ : ٣٧.

(٣) المسالك ١ : ٢٢٢ ؛ وانظر جامع المقاصد : ١٦ ، ومجمع الفائدة ٩ : ٨٩ ، والحدائق ٢٠ : ١٥٤.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٤١ / ٧٦٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٨ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ١٠.

(٥) التذكرة ٢ : ٣.

١٧٦

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده بالشهرة : في رجل له على رجل مال فتقاضاه ولا يكون عنده ما يقضيه ، فيقول : هو عندك مضاربة ، قال : « لا يصحّ حتى يقبضه » (١).

( ولو باع الذمّي ما لا يملكه المسلم ) كالخمر والخنزير ( وقبض ثمنه جاز أن يقبضه المسلم عن حقّه ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في بعض العبارات (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى صريح الموثّقة : لي على رجل ذمّي دراهم فيبيع الخمر والخنازير وأنا حاضر ، فهل لي أن آخذها؟ فقال : « إنّما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك » (٣).

مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح ، في اثنين منها : في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمراً أو خنزيراً وهو ينظر إليه فقضاه ، فقال : « لا بأس ، أمّا للمقتضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام » (٤) ونحوهما الثالث (٥) والرابع (٦).

وإطلاقها وإن شمل البائع المسلم ، إلاّ أنّ الظاهر منه بحكم التبادر‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٤ ، التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٨ ، الوسائل ١٩ : ٢٣ أبواب أحكام المضاربة ب ٥ ح ١. وفيها : « لا يصلح » بدل « لا يصحّ ».

(٢) كما في السرائر ٢ : ٤٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٢ / ١٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٢ أبواب ما يكتسب به ب ٦٠ ح ١.

(٤) الأول : الكافي ٥ : ٢٣١ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٣٧ / ٦٠٦ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٢ أبواب ما يكتسب به ب ٦٠ ح ٢. الثاني : التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٠ أبواب الدين والقرض ب ٢٨ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٦٨ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٠ ، التهذيب ٤ : ١٣٥ / ٣٧٩ ، الوسائل ١٥ : ١٥٤ أبواب جهاد العدو ب ٧٠ ح ١.

(٦) المقنعة : ٢٧٩ ، الوسائل ١٥ : ١٥٥ أبواب جهاد العدو ب ٧٠ ح ٢.

١٧٧

والغالب هو الذمّي لا المسلم ؛ لعدم اعتياد بيعه لمثل الخمر والخنزير في بلاد الإسلام التي هي مورد الروايات.

ثم على تقدير عمومها له يجب التخصيص بغيره ؛ التفاتاً إلى عموم الأدلّة بعدم تملّكه ثمنها وفساد بيعه لهما ، فكيف يجور اقتضاء ما لا يملكه ويكون باقياً على ملك المشتري يجب ردّه عليه ، أو التصدّق به عنه مع الجهل ، كما في المعتبرين (١) بحملهما عليه ، أحدهما الصحيح : في رجل ترك غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً ، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثم باعه ، قال : « لا يصلح ثمنه » إلى أن قال : « إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها ». واستناداً إلى فحوى بعض المعتبرة ، كمرسلة ابن أبي نجران الصحيحة إليه ، عن مولانا الرضا عليه‌السلام : عن نصراني أسلم وعنده خمر وخنازير وعليه دين ، هل يبيع خمره وخنازيره ويقضي دينه؟ قال : « لا » (٢).

فإنّ تحريم قضاء الدين من أثمانها على الذمّي بعد إسلامه يستلزم تحريم الاقتضاء على المسلم من أصله بطريق أولى ، فتأمّل جدّاً.

وظاهر العبارة وصريح جماعة (٣) اختصاص الذمّي بالحكم دون الحربي.

وهو كذلك ؛ لما مرّ من وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٠ / ٢ و٧ ، التهذيب ٧ : ١٣٦ / ٦٠١ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٣ أبواب ما يكتسب به ب ٥٥ ح ١ و٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٢ / ١٤ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٦ أبواب ما يكتسب به ب ٥٧ ح ١.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٢٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٩ : ٩٢ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ١٦٧.

١٧٨

على تحريم ثمن الأُمور المزبورة على المسلم مطلقاً (١) على المتيقّن ، وليس إلاّ الذمّي ؛ لعدم إجماع على غيره لو لم نقل بالإجماع على عدمه ، واختصاص النصوص المتقدّمة به صريحاً في بعضٍ وظاهراً بحكم الغلبة والتبادر في الباقي ، لندرة وجود الحربي في بلاد الإسلام التي هي ظاهر مواردها.

ومنه يظهر الوجه فيما قيّد به الحكم في الذمّي بعض الأصحاب أيضاً : من اشتراط أن يكون في بيعه مستتراً (٢).

وذلك فإنّه مع عدم الاستتار يصير في حكم الحربي عند الأصحاب ، مضافاً إلى جريان الوجه المتقدّم في إخراجه عن الحكم في الذمّي المتجاهر بالفسق ، لعدم انصراف الإطلاق إليه بالضرورة ( ولو أسلم الذمّي قبل بيعه ) ما لا يملكه حال إسلامه ( قيل : ) كما عن النهاية (٣) ( يتولاّه غيره ) ممن يجوز له بيعه ؛ للخبر : إن أسلم رجل وله خمر وخنازير ثم مات وهي في ملكه وعليه دين قال : « يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خنازيره وخمره فتقضي دينه ، وليس له أن يبيعه وهو حيّ ولا يمسكه » (٤).

( وهو ضعيف ) وفاقاً للقاضي والحلّي والفاضلين (٥) ؛ لأنّ المسلم لا يملك ذلك ولا يجوز بيعه مباشرة فلا يجوز تسبيباً ، والرواية مقطوعة ،

__________________

(١) أي : ولو اقتضاءً. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الروضة ٤ : ٢٣.

(٣) النهاية : ٣٠٨.

(٤) الكافي ٥ : ٢٣٢ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ١٣٨ / ٦١٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٧ أبواب ما يكتسب به ب ٥٧ ح ٢.

(٥) القاضي نقله عنه ابن فهد في المهذب البارع ٢ : ٤٨٣ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٤٤ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٦٩ ، العلاّمة في التذكرة ٢ : ٧.

١٧٩

ومع ذلك في سندها جهالة ، ومن الجائز حملها على أن يكون له ورثة كفّار يبيعون الخمر ويقضون ديونه.

( ولو كان لاثنين ) فصاعداً ( ديون ) مشتركة بينهما في ذمّة ثالث فصاعداً ( فاقتسماها فما حصل ) كان ( لهما ، وما تَوى ) بالمثناة من فوق بمعنى : هلك ، كان ( منهما ) على الأشهر الأقوى ، وفاقاً للإسكافي والطوسي والقاضي والحلبي وابن حمزة وابن زهرة (١) مدّعياً الإجماع عليه كالثاني ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المروية في التهذيب في بابي الدين والشركة ، منها الموثق : عن رجلين بينهما مال منه دين ومنه عين ، فاقتسما العين والدين ، فَتَوي الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه ، وخرج الذي للآخر ، أيردّ على صاحبه؟ قال : « نعم ما يذهب بماله » (٢).

ونحوه الباقي (٣) ، والصحيح المروي في التهذيب والفقيه في كتاب الصلح (٤).

وقصور الأسانيد فيما عداه منجبر بالشهرة العظيمة ، والإجماعات المحكيّة ، وبعض الوجوه الاعتبارية المذكورة في المختلف (٥) من أنّ المال‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٨٠ ، الطوسي في النهاية : ٣٠٨ ، القاضي في جواهر الفقه : ٤٨٦ ، الحلبي في الكافي : ٣٤٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٦٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٦ / ٨٢١ ، الوسائل ١٩ : ١٢ أبواب أحكام الشركة ب ٦ ح ٢.

(٣) انظر الوسائل ١٩ : ١٢ أبواب الشركة ب ٦.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٠ ، التهذيب ٦ : ٢٠٧ / ٤٧٧ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٠ أبواب الدين والقرض ب ٢٩ ح ١.

(٥) المختلف : ٤٧٩.

١٨٠