رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

منحصر فيهما ، فالحكم بالضمان ها هنا أولى منه (١). انتهى.

ومبناه على أنّ لخصوصيّة القبض بالسوم بالمعنى المعروف مدخلاً في الضمان ، وقد عرفت فساده ، مع اعتراف القائل به قبل الكلام.

وكيف كان ، فالأجود وفاقاً لأكثر من تأخّر الضمان مع تاليه من المطالبة بما ابتاعه ، وهو خيرة الفاضلين والشهيدين وثاني المحققين والمفلح الصيمري وغيرهم (٢) تبعاً للحلي (٣) ؛ التفاتاً إلى الأُصول ، وتضعيفاً للرواية بما مر.

ولما قيل في تنزيلها من البناء على أنّ العبدين متساويان في القيمة ومطابقان في الوصف ، وأنّ حق المشتري منحصر فيهما كما في الدروس (٤).

أو البناء على تساوي العبدين من كلّ وجه ، ليلحق بمتساوي الأجزاء ، فيجوز بيع عبد منهما كما يجوز بيع قفيز من صبرة ، وينزّل على الإشاعة ، فيكون التالف منهما والباقي لهما ، كما في المختلف (٥) :

بأنّ (٦) انحصار الحق فيهما إنّما يكون لو ورد البيع على عينهما ، وهو خلاف المفروض ، ومجرّد دفعه الاثنين ليس تشخيصاً وإن حصر الأمر‌

__________________

(١) الروضة ٣ : ٣٤٨.

(٢) المحقق في الشرائع ٢ : ٦٠ ، العلامة في القواعد ١ : ١٣٠ ، والتحرير ١ : ١٩٢ ، والتذكرة ١ : ٥٠٠ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٣ : ٣٤٧ ، والمسالك ١ : ٢١١ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٤٩.

(٣) انظر السرائر ٢ : ٣٥٠.

(٤) الدروس ٣ : ٢٣٠.

(٥) المختلف : ٣٨٢.

(٦) أي : تضعيفاً لما قيل .. بأنّ.

١٠١

فيهما ، لأصالة بقاء الحق في الذمّة إلى أن يثبت المزيل شرعاً ، وعدم تضمين التالف مخالف لما عليه الأكثر ، كما مرّ ، وتوجيهه بما تقدّم ضعفه قد ظهر ، فاندفع التنزيل الأوّل.

ويندفع الثاني بأنّه لو صحّ لنا في ارتجاع نصف الثمن كما صرّحت به الرواية ، هذا ، مع أنّ في عدّ العبدين من متساوي الأجزاء وتنزيل بيع أحدهما منزلة بيع قفيز من الصبرة وتنزيله على الإشاعة مناقشة واضحة.

( ولو ابتاع عبداً من عبدين ) أي أحدهما كلّيّاً ( لم يصحّ ) على الأصحّ الأشهر كما في المهذّب وغيره (١) ، ولعلّه عليه عامّة من تأخّر ، وفاقاً للحلّي (٢) مدّعياً الإجماع عليه من حيث الاتفاق على أنّ المبيع إذا كان مجهولاً كان البيع باطلاً. وعليه لا فرق بين أن يكونا متساويين في القيمة والصفات أم مختلفين فيهما ؛ للاشتراك في العلّة المقتضية للبطلان.

( وحكى الشيخ في الخلاف ) في باب البيوع عن رواية الأصحاب ( الجواز ) على الإطلاق ، مدّعياً الإجماع عليه (٣) ، وظاهره الميل إليه ، إلاّ أنّه رجع عنه في باب السلم (٤) ، فلا عبرة بقوله الأوّل كدعواه الإجماع عليه ، واستناده به وبالرواية ، وبعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٥) لضعف الأوّل بمخالفته نفسه ، مع شهرة خلافه الظاهرة في وهنه.

__________________

(١) المهذب البارع ٢ : ٤٦٦ ؛ وانظر الشرائع ٢ : ٦٠ ، والقواعد ١ : ١٣٠ ، وجامع المقاصد ٤ : ١٥٠ ، والمسالك ١ : ٢١١.

(٢) السرائر ٢ : ٣٥٠.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٨.

(٤) الخلاف ٣ : ٢١٧.

(٥) عوالي اللئلئ ١ : ٢٩٣ / ١٧٣ ، المستدرك ١٣ : ٣٠١ أبواب الخيار ب ٥ ح ٧.

١٠٢

والثاني : بعدم الدلالة على وقوع البيع كذلك ، بل الظاهر وقوعه في الذمّة ، مع ما يظهر من كلامه أنّ هذه الرواية هي الرواية السابقة (١) ، وقد عرفت ما فيها من قصور السند ، والمخالفة لأُصول المذهب.

والثالث : بالمعارضة بما دلّ على المنع عن بيع الغرر ، ومنه محلّ الفرض.

ويأتي على التنزيل الثاني للمختلف (٢) القول بالصحة مع تساويهما من كلّ وجه ، كما يصحّ بيع قفيز من صبرة متساوية الأجزاء. ويضعّف بمنع تساوي العبدين على وجه يلحق المثلي ، مضافاً إلى ما مرّ.

( التاسعة : إذا وطئ أحد الشريكين ) أو الشركاء في ( الأمة ) إيّاها فعل حراماً و ( سقط عنه من الحدّ ما قابل نصيبه ) ونصيب شريكه إذا كان بحكمه ، كولده ، فإنّه لأحدّ على الأب في نصيب ابنه ، كما لا حدّ عليه لو كانت بأجمعها له ( وحُدّ للباقي مع انتفاء الشبهة ) بما قابلة ، وهو النصف في المثال ، وقس عليه الغير.

وطريقه مع عدم الاحتياج إلى تبعيض الجلدة الواحدة واضح ، وأمّا معه فقيل (٣) : يحتمل اعتبار مقدار السوط وكيفيّة الضرب. والأظهر الأخذ بنصف السوط أو ربعه وهكذا ؛ للصحيح : قال في نصف الجلدة وثلثها : « يؤخذ بنصف السوط وثلثي السوط » (٤).

ومع الشبهة بنحو من توهّم حلّ الوطء من حيث الشركة يدرأ الحدّ‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ١٠٠.

(٢) راجع ص : ١٠٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٢٩٣.

(٤) الكافي ٧ : ١٧٥ / ٥ ، المحاسن : ٢٧٣ / ٣٧٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٦ أبواب مقدمات الحدود ب ٣ ح ١.

١٠٣

عنه بالكلية اتفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، فقال عليه‌السلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات » (١).

وبهما يقيّد إطلاق المستفيضة الواردة في المسألة ، كالصحيح : سمعت عبّاد البصري يقول : كان جعفر عليه‌السلام يقول : « يدرأ عنه من الحدّ بقدر حصّته منها ، ويضرب ما سوى ذلك » يعني : في الرجل إذا وقع على جارية له فيها حصّة (٢).

والخبرين ، أحدهما الحسن : في رجلين اشتريا جاريةً فنكحها أحدهما دون صاحبه ، قال : « يضرب نصف الحدّ ، ويغرم نصف القيمة إذا أحبَلَ » (٣).

وفي الثاني : في جارية بين رجلين وطئها أحدهما دون الآخر فأحبلها ، قال : « يضرب نصف الحدّ ، ويغرم نصف القيمة » (٤).

إلى غير ذلك من النصوص الآتية المروية هي كالمتقدّمة في الكافي في كتاب الحدود في باب الرجل يأتي الجارية ولغيره فيها شركة.

( ثم إن حملت ) منه ( قوّمت عليه حصص الشركاء ) وأُخذت خاصّة دون ما قابل نصيبه ؛ للخبرين المتقدّمين.

وآخرين ، في أحدهما : قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا بعضهم وجعلوا الجارية عنده فوطئها ، قال : « يجلد الحدّ ويدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها ، وتُقومَ الجارية ويغرم ثمنها للشركاء ، فإن كانت القيمة في اليوم‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٥٣ / ٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدمات الحدود ب ٢٤ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ١٩٥ / ٨ ، الوسائل ٢٨ : ١١٩ أبواب حدّ الزنا ب ٢٢ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ١٩٥ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٣٠ / ٩٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٢١ أبواب حد الزنا ب ٢٢ ح ٨.

(٤) الكافي ٧ : ١٩٥ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٣٠ / ٩٧ ، الوسائل ٢٨ : ١٢١ أبواب حد الزنا ب ٢٢ ح ٧.

١٠٤

الذي وطئ أقلّ ممّا اشتريت به فإنّه يلزم أكثر الثمن ، لأنّه قد أفسد على شركائه ، وإن كان القيمة في اليوم الذي وطئ أكثر ممّا اشتريت به يلزم الأكثر » (١).

ومقتضاه الأخذ مع اختلاف القيم بأعلاها من قيمة الشراء وقيمتها يوم الوطء ، وهو المحكي عن القائل الآتي.

وفيه أقوال أُخر ، مختلفة بين مُثبِتٍ لقيمة يوم الإحبال ، ومبدّلٍ لها بقيمة يوم التقويم ، ومُلزمٍ لأعلاهما.

ودوران الإلزام بالقيمة مدار إفساد الأمة ، وليس إلاّ الإحبال ، فإنّه الذي يتحقق به الإفساد الموجب لعدم إمكان التصرّف فيها وخروجها عن الملكيّة في الجملة.

وأظهر منه في الدلالة عليه بعد الأصل مفهوم قوله عليه‌السلام فيما مرّ من الخبر : « ويغرم نصف القيمة إذا أحبل ». وبه أفتى الحلّي (٢) وتبعه الأكثر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

وقصور السند بفتاويهم منجبر ، مضافاً إلى الأصل ، وقصور الأخبار الآتية عن المقاومة له من حيث السند والعمل ، واعتضاده بالخبرين المتقدّمين.

( وقيل ) كما عن النهاية (٣) أنّها ( تقوّم بمجرّد الوطء ) للخبر : عن رجال اشتركوا في أمة فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده فوطئها ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٩٤ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٢٩ / ٩٦ ، الوسائل ٢٨ : ١١٩ أبواب حد الزنا ب ٢٢ ح ٤.

(٢) السرائر ٢ : ٣٥٢.

(٣) النهاية : ٤١١.

١٠٥

قال : « يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما له فيها من النقد ، ويضرب بقدر ما ليس له فيها ، وتقوّم الأمة عليه بقيمة ويلزمها ، فإن كانت القيمة أقلّ من الثمن الذي اشتريت به الجارية الْزِم ثمنها الأوّل ، وإن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قوّمت فيه أكثر من ثمنها الزِم ذلك الثمن وهو صاغر ، لأنّه استفرشها » (١).

ورُدّ بقصور السند بالجهالة ، والمتن بالدلالة ، لاحتماله ككلام القائل الحمل على صورة الحمل خاصّة.

وهو حسن لولا ما في ذيله من قوله : قلت : فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون الرجل؟ قال : « ذلك له ، وليس له أن يشتريها حتى يستبرئها ، وليس على غيره أن يشتريها إلاّ بالقيمة ».

وهو كما ترى كالنص في جواز شراء بعض الشركاء لها ، المنافي للحمل المزبور جدّاً ، فإنّه لا تباع المستولدة قطعاً ، مضافاً إلى قوله : « حتى يستبرئها » الصريح في عدم حبلها.

وتقييد الذيل بصورة عدم الحبل ملازم للتفكيك بينه وبين الصدر ، ولا يرتفع إلاّ بتكلّف جدّاً.

وهو وإن كان في مقام الجمع حسناً ، إلاّ أنّه ليس بأولى من حمل الإحبال في الخبر المتقدّم على الوطء مجازاً ، تسميةً للسبب باسم المسبّب ويكون تأكيداً لمفروض الصدر جدّاً.

ويحتمله التعليل بالإفساد في الخبر الآخر بإرادة الاستفراش المصرّح به في هذا الخبر. وحاصله حينئذٍ لزوم القيمة عليه ، لمكان الإفساد باحتمال الحبل لا نفسه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٧٢ / ٣٠٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٩ أبواب بيع الحيوان ب ١٧ ح ١.

١٠٦

وهو كالأوّل وإن بَعُدَ ، إلاّ أنّه ليس بأبعد من الحمل الأوّل في هذا الخبر.

مع تأيّد هذا الحمل بصريح الخبر : عن رجل أصاب جارية من الفي‌ء فوطئها قبل ان يقسّم ، قال : « تقوّم الجارية ، وتدفع إليه بالقيمة ويحطّ منها ما يصيبه منها من الفي‌ء ، ويجلد الحدّ ويدرأ عنه من الحدّ بقدر ما كان له فيها » فقلت : وكيف صارت الجارية تدفع إليه هو بالقيمة دون غيره؟ قال : « لأنّه وطئها ولا يؤمن أن يكون ثَمَّ حبل » (١).

إلاّ أنّ المستفاد منه كون الحبل سبباً للتقويم عليه ، وهو غير صالح لوجوبه باحتماله ، بل مقتضاه الصبر إلى تحقق الحبل فإن تحقق وجب ، وإلاّ بقيت الشركة بحالها ، وليس التقويم فوراً بواجب قطعاً.

فإذاً المصير إلى ما عليه الأكثر أظهر ، سيّما مع قصور الخبرين الأخيرين ، وعدم جابر لهما في البين ، مع منافاتهما الأُصول المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة ، والمؤيدة بظاهر الخبرين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة. وصرفهما عن ظاهرهما بالنصوص المقابلة فرع المكافأة ، وهي لما عرفت في المقام مفقودة. ولكن الاحتياط بالتقويم عليه بالوطء مع استرضاء الطرفين لا يترك في المسألة.

( و ) على التقديرين ( ينعقد الولد حرّا ) مطلقاً ، ولو كان الوطء عن زنا ، في ظاهر إطلاق العبارة وصريح جماعة (٢) ، وهو ظاهر النصوص‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٩٤ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٣٣ / ٩٦ ، التهذيب ١٠ : ٣٠ / ١٠٠ ، الوسائل ٢٨ : ١٢٠ أبواب حد الزنا ب ٢٢ ح ٦.

(٢) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٦٠ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ١٢٩ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٤٧٨.

١٠٧

المتقدّمة الآمرة بالتقويم لمكان الحمل ، الصريحة في كونه عن زنا ، لمكان الحكم بالحدّ المنحصر في صورته بالنص والإجماع ، ولو لا أنّه حرّ لما حصل بحمله استيلاد وإفساد موجب للتقويم.

ولعلّ الحكمة أنه ليس زنا محضاً بسبب ملكه لبعضها الموجب لحصول الفراش ، كما صرّح به بعض النصوص المتقدّمة ، ومن هنا حكم جماعة (١) بأنّ الواجب هنا من الحدّ الجلد خاصّة وإن كان محصناً ، لأنّه الذي يقبل التبعيض.

وهو حسن ؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة ، إلاّ أنّه ربما ينافيه بعض المعتبرة : عن رجل وقع على مكاتبته ، قال : « إن كانت أدّت الربع جلد وإن كان محصناً رجم ، وإن لم يكن أدّت شيئاً فليس عليه شي‌ء » (٢).

لكن ربما يعارضه إطلاق الخبرين ، أحدهما الصحيح : عن جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه منها ، فلمّا رأى ذلك شريكه وثب على الجارية فوقع عليها ، قال : فقال : « يجلد الذي وقع عليها خمسين جلدة ، ويطرح عنه خمسون جلدة ، ويكون نصفها حرّا ، ويطرح عنها من النصف الباقي الذي لم يعتق إن كانت بكراً عشر قيمتها ، وإن كانت غير بكر نصف عشر قيمتها ، وتستسعي هي في الباقي » (٣) ونحوه الثاني (٤) ، فتأمّل.

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١١ والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٣٩٣ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٤٧٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٩٤ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٩ / ٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٢١٠ / ٧٨٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٢٠ أبواب حد الزنا ب ٢٢ ح ٥.

(٣) الكافي ٧ : ١٩٥ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٣٠ / ٩٩ ، الوسائل ٢٨ : ١١٨ أبواب حد الزنا ب ٢٢ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ١٩٥ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٣١ / ١٠١ ، الوسائل ٢٨ : ١١٩ أبواب حد الزنا ب ٢٢ ح ٢.

١٠٨

( و ) كيف كان يجب ( على الواطئ قيمة حصص الشركاء منه ) أي من الولد ( عند الولادة ) والسقوط حيّاً إن قوّمت حائلاً ، وإلاّ دخلت قيمة الولد معها ، كما ذكره جماعة من أصحابنا (١). والظرف متعلّق بالقيمة ، أي القيمة عند الولادة.

بلا خلاف ؛ توفيةً لحق الشركاء من النماء ، والتفاتاً إلى فحوى المعتبرة الواردة في وطء الشركاء الأمة المشتركة مع تداعيهم الولد ، منها الصحيح : « إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت وادّعوه جميعاً أقرع الوالي بينهم ، فمن خرج كان الولد ولده ويردّ قيمة الولد على صاحب الجارية » (٢) ونحوه صحيحان آخران (٣).

وذكر جماعة (٤) أنّه يجب على الأب مضافاً إلى ذلك أرش العقر بسبب الوطء ، سواء كانت بكراً أم ثيّباً ، وهو العشر أو نصفه مستثنى منهما قدر نصيبه ، ولعلّه يومئ إليه الخبران المتقدّمان الملزمان لهما على أحد الشريكين لها.

مضافاً إلى النصوص المتقدّمة ، الملزمة لهما على الواطئ للأمة المحلّل له منها ما دون المواقعة ، وللأمة المدلّسة نفسها بالحرّة (٥).

__________________

(١) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٦٠ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ١٢٩ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٤٧٨.

(٢) التهذيب ٨ : ١٦٩ / ٥٩٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٨ / ١٣١٨ ، الوسائل ٢١ : ١٧١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٧ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٥٩١ ، الإستبصار ٣ : ٣٦٨ / ١٣١٩ ، الوسائل ٢١ : ١٧١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٧ ح ٢ ، ٣.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١١ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٢٩٤ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٤٨٠.

(٥) راجع ص ٨٩.

١٠٩

ويحصل بملاحظتها وإن غايرت مورد المسألة المظنّة القوية بلزوم أحد الأمرين في وطء كلّ مملوكة ، منفردةً كانت لأحد بالملكيّة أو مشتركةً مطلقاً ، حتى لو كانت هي الشريكة.

وليس فيها كغيرها إضافة أرش البكارة ، بل ظاهرها التداخل وأنّه هو الزائد على عقر الثيّبة ، ففتوى المسالك (١) بلزومه أيضاً ضعيفة ، كفتوى الحلّي (٢) بعدم لزوم عقر الشيبة ، وإن انتصر له بعض (٣) ؛ لخلوّ النصوص المتقدّمة الواردة بتقويم الأمة في المسألة عنه ، مع ورودها في مقام بيان الحاجة ؛ للزوم تقييدها بما قدّمناه من الحجّة ، كتقييدها بما دلّ على لزوم قيمة الولد مع خلوّها عنها أيضاً بالضرورة.

ثم إنّه ذكر جماعة من غير خلاف يعرف أنّها لا تدخل في ملك الواطئ بمجرّد الحمل ، بل بالتقويم ودفع القيمة أو الضمان مع رضا الشريك ، فكسبها قبل ذلك للجميع ، وكذا حق الاستخدام ، ولو سقط الولد قبل التقويم استقرّ ملك الشركاء.

وهو كذلك ؛ للأصل ، واستصحاب بقاء الملك ، وهو لا ينافي قهرية التقويم المستفادة من النصوص المتقدّمة. واعتبار الرضا في عبائر الجماعة ليس لصحّة التقويم كما توهّم ، بل لضمان القيمة الثابتة بعده.

( العاشرة : المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كلّ منهما ) لمولاه ( صاحبه ) من مولاه ( حكم للسابق ) عقداً ولو بتقدّم قبوله على قبول الآخر ، من غير توقّف على إجازة ، وللآخر أيضاً إذا كان معها ، وإلاّ‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢١١.

(٢) السرائر ٢ : ٣٥٢.

(٣) كالبحراني في الحدائق ١٩ : ٤٨٠.

١١٠

بطل ، لبطلان الإذن بزوال الملك ، إلاّ أن يكون بطريق الوكالة فيصحّ مطلقاً.

والفرق بين الإذن والوكالة أنّ الإذن ما جعلت الاستنابة فيه تابعة للملك تزول عرفاً بزواله بالبيع ونحوه ، والوكالة ما أباحت التصرّف المأذون فيه مطلقاً.

والفارق بينهما مع اشتراكهما في الإذن المطلق إمّا تصريح المولى بالخصوصيتين ، أو دلالة القرائن عليه ، ومع عدمهما فالظاهر حمله على الإذن ، لدلالة العرف عليه.

وعلى ما ذكرنا يحمل إطلاق العبارات ببطلان اللاحق ، بحمله على عدم اللزوم المطلق المتردّد بين البطلان بالمعنى الأخصّ والأعمّ.

( ولو اشتبه ) السابق أو السبق ( مُسِحت الطريق ) التي سلكها كل واحد منهما إلى مولى الآخر ( وحكم ) بالسبق ( للأقرب ) منهما طريقاً مع تساويهما في المشي قوّة وضعفاً ، وفاقاً للطوسي (١) ؛ للخبر : في رجلين مملوكين مفوّض إليهما يشتريان ويبيعان بأموالهما ، فكان بينهما كلام ، فخرج هذا يعدو إلى مولى هذا ، وهذا إلى مولى هذا ، وهما في القوّة سواء ، فاشترى هذا من مولى هذا العبد ، وذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد الآخر وانصرفا إلى مكانهما ، فتشبّث كلّ واحد منهما بصاحبه وقال : أنت عبدي قد اشتريتك من سيّدك ، قال : « يحكم بينهما من حيث افترقا بذرع الطريق ، فأيّهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد ، وإن كانا سواء فهما رُدّا على مواليهما ، جاءا سواء وافترقا سواء ، إلاّ أن يكون أحدهما سبق صاحبه ، فالسابق هو له إن شاء باع وإن شاء أمسك ، وليس له أن‌

__________________

(١) انظر النهاية : ٤١٢ ، والاستبصار ٣ : ٨٣.

١١١

يضربه » (١).

وضعف سنده يمنع من العمل به ، ولذا أعرض عنه الحلّي (٢) وأكثر المتأخّرين وأوجبوا الرجوع إلى الأصل ، وإن اختلفوا في مقتضاه ، فبين من حكم بالقرعة مطلقاً ، كالفاضل وشيخنا في الروضة وغيرهما (٣) ، فإنها لكلّ أمر مشكل.

ومن فرّق بين صورتي الاشتباه في السابق فكذلك ، والاشتباه في السبق فالبطلان كصورة الاقتران ، وهو خيرة المهذب (٤) ؛ استناداً في الأول إلى ما مرّ ، وفي الثاني إلى جواز الاقتران مع عدم معلوميّة السبق المصحّح للبيع فلا يجوز الحكم بالمسبّب مع الجهل بالسبب. وفيه نظر.

والأوّل أظهر ، وعليه يستخرج في الصورة الأُولى برقعتين مكتوب في إحداهما السابق وفي الأُخرى المسبوق ، وفي الثانية بثلاث رقع يكتب في الثالثة الاقتران ، ليحكم بالوقوف معه أو البطلان ، على اختلاف القولين إن كان.

( فإن اتفقا ) طريقاً ( بطل العقدان ) معاً ، كصورة الاقتران ؛ لتدافعهما ، وفاقاً للحلّي والفاضل وكثير من المتأخّرين (٥) ، وإن اختلفوا في‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٨ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٠ / ٣٢ ، التهذيب ٧ : ٧٢ / ٣١٠ ، الإستبصار ٣ : ٨٢ / ٢٧٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٧١ أبواب بيع الحيوان ب ١٨ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) السرائر ٢ : ٣٥٢.

(٣) الفاضل في المختلف : ٣٨٣ ، والتذكرة ١ : ٥٠٠ ، الروضة ٣ : ٣٣٨ ؛ وانظر جامع المقاصد ٤ : ١٤٧ ، والجامع للشرائع : ٢٦٢.

(٤) المهذب البارع ٢ : ٤٧١.

(٥) الحلي في السرائر ٢ : ٣٥٢ ، الفاضل في القواعد ١ : ١٢٩ ، والتذكرة ١ : ٤٩٩ ؛ وانظر الجامع للشرائع : ٢٦٢ ، والمسالك ١ : ٢١١ ، والحدائق ١٩ : ٤٨٢.

١١٢

إطلاق البطلان ، كما عن الأوّل ، أو تقييده بصورة عدم الإجازة أو الوكالة ، كما عليه الباقون ، ويمكن تنزيل الأوّل عليه ، كما مرّت الإشارة إليه.

( وفي رواية ) مرسلة (١) عمل بها النهاية وبعض من تبعه (٢) أنّه ( يقرع بينهما ) وفيها ما في الرواية السابقة ، مضافاً إلى عدم وجه للقرعة في صورة الاقتران ، لأنّها لإظهار المشتبه ، ولا اشتباه هنا.

وما أجاب به الماتن عن الأخير من جواز ترجيح أحدهما في نظر الشرع فيقرع (٣) مضعّف بأنّ التكليف منوط بأسبابه الظاهرة ، وإلاّ لزم التكليف بالمحال.

والأجود أن يضعّف بعدم كفاية الجواز في القرعة ؛ لمعارضته بجواز عدم الترجيح في نظر الشرع الموجب للفساد ، فالرجوع إلى القرعة موجب لخروج الفاسد لا محالة ، فتأمّل.

نعم يصحّ فيما لو ثبت صحة أحدهما في الجملة في الشريعة ، وليس بثابت بالضرورة ، هذا.

ويظهر من المحقّق الثاني في شرح القواعد الميل إلى الحكم بصحة العقدين معاً (٤) ؛ التفاتاً إلى أصالة بقاء الإذن ، وعدم وضوح بطلانه بمجرّد الشروع في البيع ؛ إذ المبطل إن كان الخروج عن الملك فإنما يتحقّق بتمام‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٧٣ / ٣١١ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٢ أبواب بيع الحيوان ب ١٨ ح ٢.

(٢) النهاية : ٤١٢ ، وتبعه ابن البراج في الكامل على ما نقله عنه في المختلف : ٣٨٣.

(٣) انظر نكت النهاية : ٣٩٦.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ١٤٦.

١١٣

العقد ؛ وإن كان الشروع فيه بناءً على تضمّنه القصد إلى إخراجه عن ملكه الملازم للقصد إلى منعه عن التصرف ففيه منع ؛ لعدم التلازم بين القصدين ، لفقد ما يدلّ عليه بشي‌ء من الدلالات في البين.

ثم إنّ هذا كلّه إذا كان شراؤهما لمولاهما كما قلناه ، أمّا لو كان لأنفسهما كما يظهر من الرواية السابقة (١) فإن أحلنا ملك العبد بطلا ، وإن أجزناه صحّ السابق وبطل المقارن واللاحق حتماً ؛ إذ لا يتصوّر ملك العبد لسيّده جدّاً.

__________________

(١) في ص : ١١٢.

١١٤

( الفصل الثامن )

( في السلف )

هو والسلم عبارتان عن معنى واحد ( وهو ابتياع ) مال موصوف ( مضمون ) في الذمّة ( إلى أجل ) معلوم ( بمال ) كذلك ( حاضر ) مقبوض في المجلس ( أو في حكمه ) ممّا لم يكن حاضراً في المجلس ثم أُحضر وقبض فيه قبل التفرق.

وكذا ما كان حاضراً فيه موصوفاً غير معيّن إذا عُيّن فيه ؛ لأنّه بالتعيين فيه مع القبض يصير في حكم الحاضر.

وما كان ديناً على البائع على قولٍ ، فإنّه في حكم الحاضر ، بل المقبوض.

والابتياع جنس ، ومضمون فصل يخرج به ابتياع الأعيان الحاضرة ، وإلى أجل فصل يخرج به البيع بالوصف حالاّ ، وقوله : معلوم ، إشارة إلى شرط من شرائط السلف.

والأصل فيه بعد الإجماع في الغنية والمختلف وعن التذكرة (١) عمومات الكتاب والسنّة ، وخصوص الصحيح وغيره من المعتبرة : عن رجل باع بيعاً ليس عنده إلى أجل وضمن البيع ، قال : « لا بأس به » (٢) مضافاً إلى ما يأتي في المباحث الآتية.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، المختلف : ٣٦٤ ، التذكرة ١ : ٥٤٧.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٧ / ١١٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٢ أبواب السلف ب ٥ ح ١ ، وانظر الحديثين ٢ ، ٧ من الباب نفسه.

١١٥

وينعقد بقول المسلّم وهو المشتري ـ : أسلمت إليك ، أو : أسلفتك ، أو : سلّفتك ، بالتضعيف ، وفي : سلّمتك ، وجه متروك بين الفقهاء ، كذا في كذا ، ويقبل المسلّم إليه وهو البائع بقوله : قبلت ، وشبهه ، ولو جعل الإيجاب منه جاز بلفظ البيع ، والتمليك على قول ، وأسلمت منك ، وأستلفت ، وتسلّفت ونحوه ، والقبول من المسلم هنا : قبلت ، وشبهه ، كذا قالوه.

( والنظر ) فيه ( في ) أُمور ثلاثة ( شروطه وأحكامه ولواحقه )

( الأوّل : ) في ( الشروط ) المصحّحة ( وهي خمسة )

( الأوّل : ذكر الجنس ) والمراد به هنا الحقيقة النوعية ، كالشعير والحنطة ، ( والوصف ) الرافع للجهالة ، الفارق بين أصناف ذلك النوع ، بعبارات معلومة عند المتعاقدين ، ظاهرة الدلالة في العرف واللغة.

وليس المراد مطلق الوصف ، بل الذي يختلف لأجله الثمن اختلافاً ظاهراً لا يتسامح بمثله في السلم عادة ، فلا يقدح الاختلاف اليسير المتسامح به فيه غير المؤدّي إليه.

والمرجع في الأوصاف إلى العرف ، وربما كان العامي أعرف بها من الفقيه وحظّه منها الإجمال.

والمعتبر من الوصف ما يتناوله الاسم المزيل لاختلاف أثمان الأفراد الداخلة في المعيّن ولا يبلغ فيه الغاية ، فإن بلغها وأفضى إلى عزّة الوجود بطل ، بلا خلاف يظهر.

قيل : لأنّ عقد السلف مبني على الغرر ؛ لأنّه بيع ما ليس بمرئي ، فإذا كان عزيز الوجود كان مع الغرر مؤدّياً إلى التنازع والفسخ ، فكان منافياً‌

١١٦

للمطلوب من السلف (١).

والأصل في هذا الشرط بعد الإجماع أدلّة نفي الغرر ، والنصوص الآتية في تضاعيف الفصل.

( فلا يصحّ ) السلم ( فيما لا يضبطه الوصف كاللحم ) نيّه ومشويّه ( والخبز ) بأنواعه ( والجلود ) بلا خلاف في الأوّلين ، بل عليه الإجماع في الغنية (٢) (٣) ؛ لما مرّ.

مع التصريح بالمنع عن الأوّل في الخبر : عن السلف في اللحم ، قال : « لا تقربنّه ، فإنّه يعطيك مرّة السمين ، ومرّة التاوي (٤) ، ومرّة المهزول ، واشتر معاينةً يداً بيد » وعن السلف في روايا الماء ، فقال : « لا تقربها ، فإنّه يعطيك مرّة ناقصة ، ومرّة كاملة ، ولكن اشتره معاينةً وهو أسلم لك وله » (٥).

وقصور السند منجبر بالعمل ، إلاّ أنّ ظاهره التعليل بغير ما في العبارة وفتوى الجماعة.

ولكن يدفعه عدم الدلالة على حصر العلّة المجامع للتعليل أيضاً بما في العبارة.

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٢١٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

(٣) وكذا في السرائر ( ٢ : ٣٠٨ ) والتذكرة ( ١ : ٥٤٩ ) وفي الخلاف ( ٣ : ٢٠٤ ) الإجماع في اللحم خاصة ( منه رحمه‌الله ).

(٤) التاوي : الهالك. القاموس المحيط ٤ : ٣٠٩.

(٥) الكافي ٥ : ٢٢٢ / ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٦٧ / ٧٣٨ ، التهذيب ٧ : ٤٥ / ١٩٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٧ أبواب السلف ب ٢ ح ١.

١١٧

وعلى المشهور في الأخير ، وفاقاً للحلّي (١) ؛ لتعذّر الضبط بالوصف ، وعدم إفادة الوزن الوصف المعتبر ، لأنّ أهمّ أوصافها المختلف باختلافه أثمانها السمك والغلظ ، ولا يحصل به.

خلافاً للطوسي والقاضي (٢) ، فيصح ؛ لإمكان الضبط بالمشاهدة ، وللخبرين ، في أحدهما : قلت : إنّي رجل قصّاب ، أبيع المسوك قبل أن أذبح الغنم؟ فقال : « ليس به بأس ، ولكن انسبها غنم أرض كذا وكذا » (٣).

وفي الثاني : رجل اشترى الجلود من القصّاب فيعطيه كل يوم شيئاً معلوماً ، فقال : لا بأس » (٤).

وفيهما ضعف سنداً ، وفي الأخير دلالةً أيضاً ؛ لعدم الإشعار فيه ببيع السلف ، ولا بالبيع قبل الذبح ، فيحتمل أن يبيعها مشاهدةً ويدفع إليه كلّ يوم قدراً معلوماً ، فالاستناد إليهما سيّما الثاني ضعيف جدّاً ، كالاستناد إلى الأوّل ، للخروج عن السلم بناءً على أنّ المبيع فيه أمر في الذمّة مؤجّل إلى مدّة ، وهو معيّن بالمشاهدة على ما ذكره.

قيل : ويمكن الجمع بمشاهدة جملة يدخل المُسلَم فيه في ضمنها من غير تعيين ، وهو غير مخرج عن وضعه ، كاشتراطه من غلّة قرية معيّنة لا تخيس (٥) عادةً ، وحينئذٍ فتكفي مشاهدة الحيوان عن الإمعان في‌

__________________

(١) انظر السرائر ٢ : ٣٠٧.

(٢) الطوسي في الخلاف ٣ : ١٩٨ ، حكاه في المختلف عن القاضي في الكامل : ٣٦٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠١ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٨ / ١١٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٣ أبواب السلف ب ٥ ح ٤. المَسْك : الجلد. القاموس المحيط ٣ : ٣٢٩.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢١ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٦٥ / ٧٣٠ ، التهذيب ٧ : ٢٨ / ١٢٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٠ أبواب السلف ب ٣ ح ٧.

(٥) خاسَ البيعُ والطعام ، كأنَّه كسَدَ حتى فَسَد. الصحاح ٣ : ٩٢٦.

١١٨

الوصف (١).

وهو حسن ، ولكن المشهور المنع مطلقاً.

ونحو المذكورات الجواهر مطلقاً ، واللآلي الكبار ؛ لتعذّر ضبطها على وجه يرفع بسببه اختلاف الثمن ، وتفاوت (٢) الثمن فيها تفاوتاً باعتبارات لو ذكرت لأدّت إلى عسر وجودها الموجب للبطلان كما مضى ، وبدونها لا يحصل العلم بوصفها.

أمّا اللآلي الصغار التي لا تشتمل على أوصاف كثيرة تختلف باختلافها القيمة فيجوز مع ضبط ما يعتبر فيها من الوزن والعدد مع بعض الصفات. وضابطها كلّ ما يباع بالوزن ولا يلاحظ فيه الأوصاف الكثيرة عرفاً.

وتحديد بعض إيّاه بما يطلب للتداوي دون التزيّن ، أو ما يكون وزنه سدس دينار (٣) ، رجوع إلى ما لا دليل عليه.

وكذا القول في بعض الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتاً بيّناً كبعض العقيق ، على ما في الدروس وغيره (٤).

( ويجوز في الأمتعة والحيوان ) كلّه ، صامتاً كان أم ناطقاً ( والحبوب ) والفواكه والطيب ونحو ذلك ( و ) بالجملة ( كلّ ما يمكن ضبطه ) بالوصف الموصف (٥) ، بلا خلاف يعرف ، بل على الثاني الإجماع في الغنية (٦) ؛ للأصل ، والعمومات ، والصحاح المستفيضة وغيرها من‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٠٦.

(٢) عطف على التعذّر. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٢١٢.

(٤) الدروس ٣ : ٢٤٨ ؛ وانظر الروضة ٣ : ٤٠٦ ، والحدائق ٢٠ : ١٤.

(٥) أي : سابقاً.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

١١٩

المعتبرة ، ففي الصحيح وغيره : « لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض » (١).

ونحوهما الموثق كالصحيح : عن السلم وهو السلف في الحرير والمتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت به؟ قال : « نعم إذا كان إلى أجل معلوم » (٢).

وفي الصحيح والموثق كالصحيح : « لا بأس بالسلم في الحيوان إذا وصفت أسنانها » (٣).

وفي الصحيح : « إنّ أبا جعفر عليه‌السلام لم يكن يرى بأساً بالسلم في الحيوان بشي‌ء معلوم إلى أجل معلوم » (٤).

وفيه : عن السلف في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم ، قال : « لا بأس به » (٥).

والنصوص بذلك كثيرة تمرّ بك في المباحث الآتية.

( الثاني : قبض رأس المال ) أي الثمن ( قبل التفرق ) بالبدن.

والأصل في شرطيته في صحة السلم الإجماع في الظاهر ، المحكي في الغنية وعن التذكرة (٦) صريحاً.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٧ / ١١٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٣ أبواب السلف ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٧ / ١١٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٩ أبواب السلف ب ٣ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٠ / ٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٤ أبواب السلف ب ١ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٠ / ٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٨ أبواب السلف ب ٣ ح ٢.

(٥) الكافي ٥ : ١٨٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨ / ١٢١ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٥ أبواب السلف ب ٦ ح ١.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، التذكرة ١ : ٥٥٦.

١٢٠