رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

المنقول.

ولو قبضه كذلك ضمنه بعد الأجل لا قبله ، بناءً على القاعدة المشهورة المبرهن عليها المنفي عنها الخلاف في المسالك (١) في خصوص المسألة : من أن كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، وحيث إن البيع يضمن بصحيحه حكم بالضمان بعد الأجل ، لفساده في المقام ، وإن الرهن لا يضمن بصحيحه حكم بعدمه قبله.

والسرّ فيهما أنهما تراضيا في لوازم العقد ، فحيث كان مضموناً فقد دخل القابض على الضمان ودفع المالك عليه ؛ مضافاً إلى عموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٢).

وحيث يكون غير مضمون يكون التسليم واقعاً على اعتقاد صحّة العقد ، فلم يقصد المسلّم ضماناً ، بل سلّم على قصد العدم ، ولم يلتزم للتسليم ضماناً أيضاً ، فينتفي المقتضي له.

ويعضده الأصل ، وانتفاء المخرج عنه من العموم المتقدّم ؛ لعدم انصرافه إلى نحو الفرض مما قصد فيه المسلّم نفي الضمان.

ولكن هذا إنما يتمّ لو كانا جاهلين بالفساد أو عالمين به ، فإن الدفع والقبض حينئذ يكون بمنزلة الأمانة ، وكذا لو كان الدافع عالماً دون الآخر ، ويشكل في العكس ، من حيث إن القابض لعلمه بالحال أخذ بغير حقّ والدافع توهّم الصحة ، وإلاّ لما رضي بدفع ماله ، فينبغي أن يكون مضموناً ؛

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٣٣.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ٣٤٥ / ١٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٠ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، مسند أحمد ٥ : ٨.

٢٠١

للعموم السابق. إلاّ أن يدفع بما مرّ من الأصل ، وعدم انصراف العموم إلى محل الفرض.

وهذا هو العمدة في توجيه الحكم في الصور السابقة ؛ إذ لولاه لأمكن انسحاب هذا الإشكال في الصورة الأُولى منها ، من حيث إنّ رضاء المسلّم بدفع العين فيها إنما هو لتوهّم صحّة العقد ، بحيث لولاه لما رضي بالدفع.

( ولا يدخل حمل الدابة ولا ثمرة النخل والشجر ) ونحوهما من النماء الموجود حال العقد ( في الرهن ) إلاّ بالاشتراط ، أو الاتصال الغير القابل للانفصال ، عند الأكثر ، بل في الانتصار الإجماع (١) ، لكن على الحمل خاصّة.

خلافاً للإسكافي ، حيث قال بالدخول على الإطلاق (٢) ؛ تبعاً للأصل.

ولا ريب في ضعفه ، وعدم إمكان المصير إليه ، لمخالفته الإجماع ، والأصل الدالّ على عدم الدخول ، مع عدم المخرج عنه بعد ظهور أنه لا يتناوله لفظ المرهون.

وقيل بدخول نحو الصوف والوبر مما هو بحكم الجزء (٣).

وهو حسن إن حكم العرف بالدخول ، وإلاّ فالأظهر ما هو المشهور ، ولعلّه المفروض.

( نعم لو تجدّد ) النماء ( بعد الارتهان دخل ) إن كان متّصلاً لا يقبل الانفصال ، كالسمن والطول ، بالإجماع المستفيض النقل في كلام غير واحد من الأصحاب (٤).

__________________

(١) الانتصار : ٢٣٠.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٤١٨.

(٣) الحدائق ٢٠ : ٢٤٠.

(٤) كالعلاّمة في المختلف : ٤١٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٨٩.

٢٠٢

وكذا إن كان منفصلاً كأمثلة العبارة ، أو ما يقبله كالشعر والصوف على المشهور ، كما عن الإسكافي وأحد قولي الطوسي ، والمفيد والقاضي والحلبي والحلّي والمرتضى وابني حمزة وزهرة (١) ، وتبعهم من المتأخرين جماعة ، كالماتن هنا وفي الشرائع والشهيد في كتبه الثلاثة (٢).

ولا يخلو عن قوة. لا لتبعيّة الأصل كما قيل (٣) ؛ لمنعها في مطلق الحكم ، بل إنما هي في الملك ولا كلام فيها. ولا لتبعيّة ولد المدبّرة لها في التدبير ؛ لخروجها بالدليل ، مع حرمة القياس ، ووجود الفارق وهو تغليب جانب العتق.

بل للإجماع المنقول في صريح الانتصار والسرائر وظاهر الغنية (٤) ؛ وهو حجّة ، سيّما مع اعتضاده بالتعدّد والشهرة.

ولولاه لكان المصير إلى القول بعدم الدخول كما عن الخلاف والمبسوط (٥) وتبعه من المتأخّرين جماعة (٦) لا يخلو عن قوّة. لا للمعتبرة الآتية القاضية بأن النماء المتجدّد للراهن ؛ لأن غايته الدلالة على التبعيّة في‌

__________________

(١) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٤١٨ ، الطوسي في النهاية : ٤٣٤ ، المفيد في المقنعة : ٦٢٣ ، القاضي في المهذب ٢ : ٦١ ، الحلبي في الكافي : ٣٣٤ ، الحلي في السرائر ٢ : ٤٢٤ ، المرتضى في الانتصار : ٢٣٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٦٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢.

(٢) الشرائع ٢ : ٨٣ ، الشهيد في الدروس ٣ : ٣٩٣ ، واللمعة ( الروضة ٤ ) : ٨٨ ، وغاية المراد ٢ : ١٩١.

(٣) الروضة ٤ : ٨٨.

(٤) الانتصار : ٢٣٠ ، السرائر ٢ : ٤٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢.

(٥) الخلاف ٣ : ٢٤١ ، المبسوط ٢ : ٢١٥.

(٦) منهم : العلاّمة في القواعد ١ : ١٦٤ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ١٣٢.

٢٠٣

الملك ، ولا ينافيها الدخول في المرهون كما هو فرض المسألة. بل لأصالتي عدم الدخول ، وجواز تصرّف المالك في ماله ونمائه كيف يشاء ، خرج منهما الأصل بوقوع الرهن عليه ، فبقي الباقي.

ولو اشترط المرتهن الدخول أو الراهن الخروج ارتفع الإشكال ، وحكي عليه الإجماع في الدروس (١) ، ويعضده عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط ؛ مضافاً إلى ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود.

ولا ينافي اشتراط الدخول عدم جواز رهن المعدوم ؛ لمنعه على العموم ، بل يخصّ بما ليس تابعاً لموجود ، وأما فيه فيجوز ، كما هو المفروض.

( وفائدة الرهن ) مطلقاً ( للراهن ) عندنا ، وعليه الإجماع في كشف الحق وغيره (٢) ، والإجماعات السابقة جارية هنا ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى كثير من المعتبرة التي هي مع تعدّدها موثقات كالصحيحة ، فإن في سندها جملة ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهم العصابة ، في اثنتين منها : أن غلّة الرهن تحتسب لصاحب الرهن مما عليه (٣).

وفي الثالث : إن رهن داراً لها غلّة لمن الغلّة؟ قال : « لصاحب الدار » (٤) هذا.

مضافاً إلى المعتبرة الآتية الدالّة على أن هلاك الرهن منه فكذا نماؤه‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٩٤.

(٢) كشف الحق : ٤٩٠ ؛ انظر كشف الرموز ١ : ٥٤٢ ، والمسالك ١ : ٢٣٣ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٧٠ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ١٤٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٥٠ و٧ : ١٧٥ / ٧٧٣ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٤ أبواب أحكام الرهن ب ١٠ ح ١ و٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١٢ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٥ أبواب أحكام الرهن ب ١٠ ح ٣.

٢٠٤

له ؛ للتلازم بينهما الثابت ببعضها وببعض المعتبرة الواردة في خيار الشرط ، وفيه بعد الحكم بأن النماء للمشتري : « أرأيت لو أن الدار احترقت مِن مال مَن كانت تكون الدار دار المشتري » (١).

ولم يخالف في المقام عدا العامة فيحتجّ عليهم بما رووه من النبوي : « لا يُغلق الرهن ، الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه » (٢).

ويستفاد منه التلازم المتقدم ، مضافاً إلى موافقته للحكمة الربّانية.

( ولو رهن رهنين بدينين ثم أدّى عن أحدهما ) وفكّ ما بإزائه من الرهن ( لم يجز إمساكه بـ ) الدين ( الآخر ) للأصل ، وعدم ارتباط أحد الدينين بالآخر ، فلا يجوز أخذ رهن أحدهما بالآخر.

( و ) منه يظهر الوجه في أنه ( لو كان ) له ( دينان و ) أخذ ( بأحدهما رهن ) دون الآخر ( لم يجز إمساكه بهما ) ولا بدين ثالث.

( ولا يدخل زرع الأرض ) المرهونة ( في الرهن ) مطلقاً ( سابقاً كان ) على الرهانة ( أو متجدّداً ) بعدها ، بلا خلاف أجده ؛ للأصل ، وعدم المخرج عنه في المقام.

( الثاني : في ) بيان ( الحق ) المرهون به.

( ويشترط ثبوته في الذمة ) بمعنى استحقاقه فيها مطلقاً ، وإن لم يكن مستقراً كالقرض وثمن المبيع ولو في زمن الخيار ( مالاً كان ) كالأمثلة ( أو منفعة ) كالعمل ونحوه من المنافع المستأجرة ، فلا يصحّ الرهن على ما لم يثبت كمالٍ يستدينه بعدُ ، أو يستأجره كذلك ، ولا على ما‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٨٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٠ أبواب الخيار ب ٨ ح ٣.

(٢) عوالي اللآلي ٣ : ٢٣٤ / ١ ، المستدرك ١٣ : ٤٢٢ أبواب كتاب الرهن ب ١٠ ح ٣ ، وانظر سنن الدارقطني ٣ : ٣٢ ٣٣ ، والجامع الصغير ٢ : ٧٥٧ / ٩٩٧٦.

٢٠٥

حصل سببه ولم يثبت ، كالدية قبل استقرار الجناية وإن حصل الجرح ، ولا على مال الجعالة قبل الردّ وإن ( شرع في العمل ) (١).

وأمّا العين فلا يصحّ الرهن عليها إن كانت أمانة ، بالاتفاق ، كما عن التذكرة وفي المسالك وغيره (٢) ؛ وهو الحجة مضافاً إلى الأدلّة الآتية في المنع عن الرهن على العين المضمونة.

لا ما قيل من امتناع استيفائها بعينها من شي‌ء آخر ، كما هو مقتضى الرهن (٣).

فإنه يردّ أوّلاً : بإمكان التوثيق بأخذ العوض عند التلف.

وثانياً : بعدم جريانه في الدين المجمع على جواز الرهن عليه ، فإنّ ما يستوفي من الرهن أو ثمنه ليس عين الدين الكلّي الذي اشتغل به الذمة ، ولا ريب في تغايره لجزئيّاته ولو في الجملة ، سيّما على القول بأن وجوده في الخارج في ضمن الفرد لا عينه.

وكذا إذا كانت مضمونة كالغصب ، عند الأكثر. وهو الأظهر ؛ للأصل ، وعدم دليل على الصحة ، لعدم الإجماع بعد استقرار فتوى الأكثر على الخلاف ، واختصاص الآية (٤) وجملة من النصوص بالدين ، وعدم انصراف إطلاق باقيها بحكم ما سبق غير مرّة إلى محل الفرض.

نعم ، بقي العمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقود ، إلاّ أنه يمكن الذبّ عنها باختصاصها بحكم الإجماع بالعقود المتداولة في زمان الشرع ،

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ت » ونسخة في « ق » و« ر » : حصل البذل.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٣ ، المسالك ١ : ٢٢٨ ، المفاتيح ٣ : ١٣٧.

(٣) المسالك ١ : ٢٢٨.

(٤) البقرة : ٢٨٣.

٢٠٦

وفي كون محل الفرض منها نوع شك وغُموض ينشأ من الشك في تداول مثله فيه ، وإن حصل القطع بتداول جنس الرهن فيه ، لكن كون المقام من أفراده محل غموض ، وتسميته رهناً حقيقة في اللغة والعرف غير معلوم ، فلا بُدّ حينئذ من الرجوع إلى حكم الأصل ، وهو فساد الرهن ، فتأمّل جدّاً.

وبما ذكر سقط حجج القول بالجواز ، كما اختاره الشهيدان وحكي عن التذكرة (١) ، مع ورود مثلها في الأمانة حيث يحتمل سبب الضمان.

وما يذبّ به عن الإيراد ، من كون العين في محل البحث مضمونة عند الرهن ولا كذلك الأمانة ، غير مفهوم ، فإنّ مضمونيّة محل البحث مشروط بالتلف وليس بالفعل على اليقين ، والضمان بالشرط جارٍ في نحو العارية ، فإنها وإن لم تكن مضمونة عند العقد بمجرّد التلف فيما بعد ، إلاّ أنها مضمونة به مع التفريط.

فكلّ من المقامين مضمون عند العقد في الجملة ، وإن كان الضمان في الأوّل بمجرّد التلف وفي الثاني به مع التفريط ، ومجرّد الافتراق بذلك غير مجدٍ للفرق بعد دعوى عموم دليل الجواز والاشتراك في الضمان في الجملة الذي هو المعيار في دعواهم صحّة الرهن به.

نعم يمكن الذبّ والتفريق بالإجماع.

وأمّا استدلال بعض متأخّري الأصحاب (٢) للجواز بالمعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز الرهانة على خصوص المضمون ، منها : عن السلم في الحيوان والطعام ويؤخذ الرهن؟ فقال : « نعم ، استوثق من مالك ما‌

__________________

(١) الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٤٠١ و٤٠٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٢٨ ، والروضة ٤ : ٥٣ ، التذكرة ٢ : ٢٣.

(٢) الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ١٣٨.

٢٠٧

استطعت » (١).

فإن كان من حيث دلالتها على الجواز في المضمون كما هو ظاهر العبارة فغريب ؛ إذ لم تدلّ إلاّ على الجواز في السلف والنسيئة ؛ وهما من أقسام الدين الجائز فيه أخذ الرهن بالإجماع ، ومجرّد تسميته مضموناً مع عدم كونه من محل البحث لعدم كونه عيناً غير مجدٍ في الاستدلال جدّاً.

وإن كان من حيث إشعار التعليل بالاستيثاق بالعموم ففيه أنه بعد عدم وروده إلاّ في بعضها ، فلا وجه للاستدلال بجميعها.

مضافاً إلى المنافاة لظاهر العبارة ، إذ حصول الاستيثاق بهذا الرهن أوّل الكلام ، فإنه لا استيثاق إلاّ بعد صحته وعدم جواز رجوع الراهن فيه ، وهي أوّل البحث.

مع أن عمومها يخرج منه كثير من الرهون الفاسدة التي الصحيحة منها بالإضافة إليها قليلة ، ومثل هذا العام خارج عن الحجية ، كما برهن عليه في المسائل الأُصولية.

ثم إن في اشتراط ثبوت الدين واستقراره في الذمة قبل الرهن ، أم الاكتفاء بالمقارنة ، كأن يقول : بعتك هذا العبد بألف وارتهنت هذا الثوب به ، فقال المشتري : اشتريت ورهنت ، قولان ، وحكي الأوّل عن الأكثر ، والثاني عن التذكرة (٢) ، واختيار الأوّل لا يخلو عن قوّة.

( ولو رهن ) رهناً ( على مال ثم استدان آخر فجعله عليهما صحّ ) لعدم المانع ، ووجود المقتضي من التوثيق والارتفاق ، سيّما مع زيادة قيمة على الأوّل.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢ / ١٧٨ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٠ أبواب أحكام الرهن ب ١ ح ٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٣.

٢٠٨

ولا يشترط الفسخ ثم التجديد ، بل يضمّ بعقد جديد.

وكذا لو رهن على المال الواحد رهناً آخر فصاعداً ، وإن كانت قيمة الأوّل تفي بالدين ؛ لجواز عروض ما يمنع من استيفائه منه ، ولزيادة الارتفاق والتوثيق.

( الثالث : في ) بيان ( الراهن ).

( ويشترط فيه كمال العقل ) بالبلوغ والرشد ( وجواز التصرف ) برفع الحجر عنه في التصرفات المالية كما في سائر العقود.

( وللولي أن يرهن لمصلحة المولّى عليه ) ماله ، كما إذا افتقر إلى الاستدانة لنفقته أو إصلاح ماله ولم يكن بيع شي‌ء من ماله أعود ، أو لم يمكن وتوقّفت على الرهن ، ويجب كونه على يد ثقة يجوز إيداعه منه.

ولا خلاف في أصل الحكم ، بل عليه الوفاق في المسالك (١) ، وإنما الخلاف لبعض الشافعية كما فيه.

وكذا يجوز بل ربما قيل يجب أخذ الرهن له ، كما إذا أسلف ماله مع ظهور الغبطة ، أو خيف على ماله من غرق أو حرق أو نهب.

ويعتبر كون الرهن مساوياً للحق أو أزيد ؛ ليمكن الاستيفاء منه ، وكونه بيد الولي أو يد عدل ، ليتمّ التوثّق ، والإشهاد على الحق لمن يثبت به عند الحاجة إليه عادةً ، فلو أخلّ ببعض هذه ضمن مع الإمكان ، كما قالوه ، ولا ريب أن فيه احتياطاً لمال اليتيم المبني جواز التصرف فيه عندهم على المصلحة والغبطة ، فضلاً عن عدم دخول نقص عليه.

( وليس للراهن التصرف في الرهن ) ببيع أو وقف أو نحوهما مما يوجب إزالة الملك ، ولا ( بإجارة ولا سكنى ) ولا غيرهما مما يوجب‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٢٩.

٢٠٩

نقصه ، بلا خلاف فيهما ؛ لما في الأوّل من فوات الرهن ، وفي الثاني من دخول الضرر على المرتهن.

وأما غيرهما مما لا يوجب الأمرين فكذلك على الأشهر الأقوى ؛ لإطلاق المروي في المختلف وغيره عنه عليه‌السلام : « الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن » (١).

وللإجماع المحكي عن الطوسي في استخدام العبد وركوب الدابة وزراعة الأرض وسكنى الدار (٢) ، وعن الحلّي مطلقاً (٣).

خلافاً للمحكي عن محتمل التذكرة (٤) ، وتبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة (٥) ، مستندين إلى الأصل ، وعموم الخبر بإثبات التسلط لأرباب الأموال عليها مطلقاً (٦).

وخصوص الصحيحين الواردين في تجويز وطء الأمة المرهونة ، في أحدهما : رجل رهن جارية عند قوم ، أيحلّ له أن يطأها؟ قال : « إن الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها » قلت : أرأيت إن قدر عليها خالياً؟ قال : « نعم ، لا أرى عليه هذا حراماً » (٧) ونحوه الثاني (٨).

__________________

(١) المختلف : ٤٢١.

(٢) كما في المبسوط ٢ : ٢٠٦ ، ٢٣٧ ، والخلاف ٣ : ٢٥٢.

(٣) السرائر ٢ : ٤١٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٩.

(٥) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٦٤ ، والسبزواري في كفاية الأحكام : ١٠٩ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ٢٦٦.

(٦) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٢ / ٩٩.

(٧) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٥٢ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٧ أبواب أحكام الرهن ب ١١ ح ٢.

(٨) الكافي ٥ : ٢٣٧ / ٢٠ ، الفقيه ٣ : ٢٠١ / ٩١٠ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٥٣ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٦ أبواب أحكام الرهن ب ١١ ح ١.

٢١٠

ولا يخلو عن قوة لولا الرواية المتقدمة ، والإجماعات المحكية المتقدمة بعضها والآتي باقيها ، المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، لعدم معلومية الخلاف حتى عن التذكرة ، كما اعترف به بعض هؤلاء الجماعة (١) ، بل ظاهر عبارته المحكية عدم الخلاف في المنع بين الإمامية ، حيث نسبه إلى الشافعية خاصة ، ولم ينسبه إلى أحد منّا ، نعم أيّد مذهبهم ، لكن بعبارات ليست في الفتوى بالجواز صريحة ، بل ولا ظاهرة.

وأمّا هؤلاء الجماعة فلا ينافي مخالفتهم الإجماع ، سيّما وإنّ دأبهم المناقشة في كثير من الموارد الإجماعية ، ولا يبالون بالإجماعات المحكية ، معتضدةً بالشهرة بل وعدم الخلاف كانت أم غير معتضدة ، فيخصّص بالإجماع الدليلان الأوّلان.

( و ) يذبّ عن الخبرين به وبالإجماع المحكي عن صريح المبسوط والخلاف (٢) على أنه ( لا ) يجوز ( وطء ) الأمة المرهونة ، المعتضدين ببعض الوجوه الاعتبارية ، المشار إليه بقوله : ( لأنه تعريض للإبطال ) في الرهن بالاستيلاد المانع عن البيع ، بل ربما حصل معه الموت بسبب الوضع في بعض الأحيان.

مضافاً إلى الإجماع الظاهر من قول الماتن : ( وفيه رواية بالجواز مهجورة ) ونحوه قول الشهيد في الدروس (٣) ، فاستفاض الإجماع على‌

__________________

(١) انظر الكفاية : ١٠٩.

(٢) المبسوط ٢ : ٢٠٦ ، الخلاف ٣ : ٢٣١.

(٣) الدروس ٣ : ٤٠٠.

٢١١

المنع عن وطئها عموماً في بعض وخصوصاً في آخر ، فلا يقاومه الخبران وإن صحّ سندهما ، بل وإن اعتضدا بأحاديث أُخر غيرهما ، فقد ورد عنهم عليهم‌السلام الأمر بطرح الخبر الشاذّ الذي لم يوجد له عامل ، والأمر بالأخذ بالمشتهر بين الأصحاب (١) ، معلّلاً بعلّة اعتبارية قاطعة عامة تجري في الفتوى والرواية. وبها يذبّ عن المناقشة فيه بالاختصاص بالأخيرة ؛ لكونها مورد ما دلّت عليه الرواية الآمرة ، هذا.

مع احتمالها الحمل على التقية ، كما يستشعر من التذكرة وعبارة الشيخ المحكية (٢) ، حيث عزيا القول بالجواز إلى الشافعية كما في الأُولى ، أو مطلقاً كما في الثانية.

ولعلّ وجه الحكمة في المنع عن التصرّفات بالكلّية وإن لم تكن ناقلة ولا منقصة ما ذكره بعض الأصحاب (٣) : من القصد إلى تحريك الراهن إلى الأداء ؛ إذ لو جاز له الانتفاع ولو في الجملة لانتفت الفائدة في الرهانة والوثيقة ، فقد يكتفي ببعض المنافع ويقتصر به عن الباقي.

ومثله وإن لم يصلح دليلاً ، إلاّ أنه قابل للتأييد القوي جدّاً.

وبما ذكر يظهر الجواب عن مختار المسالك والمهذّب (٤) والصيمري : من جواز التصرف بما يعود به النفع إلى المرتهن ، كمداواة المريض ، ورعي الحيوان ، وتأبير النخل ، وختن العبد ، وخفض الجارية ، إن لم يؤدّ إلى النقص ، إلاّ أن يقال بحصول الإذن بذلك بالفحوى ، ولكنه حينئذ خروج‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٨ ، الشيخ في الخلاف ٣ : ٢٣١.

(٣) الشهيد في المسالك ١ : ٢٣١.

(٤) المسالك ١ : ٢٣١ ، المهذب البارع ١ : ٤٩٦.

٢١٢

عن المفروض جدّاً ، لأنه التصرف الذي لم يتحقق فيه إذن أصلاً.

( و ) حيث ثبت المنع لو خالف وتصرّف بدون الإذن ، فإن كان بعقد كما ( لو باعه الراهن ) مثلاً بدونه صحّ وإن أثم ، ولكن ( وقف على إجازة المرتهن ) فإن حصلت ، وإلاّ بطل ؛ استناداً فيه إلى ما مرّ ، وفي الصحة إلى عموم أدلّة الفضولي ، أو فحواها إن اختصّت بإجازة المالك.

وإن كان بانتفاع منه أو ممن سلّطه عليه ولو بعقد لم يصحّ ، وفعل محرّماً ؛ لما مضى.

( وفي وقوف العتق على إجازة المرتهن ) أم بطلانه من رأس ( تردد ).

للمنع كما عن المبسوط (١) كون العتق إيقاعاً فلا يتوقف ؛ لاعتبار التنجيز فيه.

وللجواز عموم أدلّة العتق السليمة عن المعارض ، بناءً على أن المانع هنا حق المرتهن ، وقد زال بالإجازة بمقتضى الفرض.

( أشبهه الجواز ) والصحّة مع الإجازة ، وفاقاً للنهاية والتحرير (٢) ، وبه أفتى الماتن في الشرائع والصيمري في الشرح ، وتبعهم الشهيدان (٣) ؛ لمنع منافاة التوقف المذكور للتنجيز كغيره من العقود التي يشترط ذلك فيها أيضاً ، فإنّ التوقف الممنوع منه هو توقف المقتضي على شرط لا على زوال مانع ، وعلى هذا لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتكّ الرهن لزم.

وهو حسن مع حصول نية التقرب ، وهو مع النهي عنه واشتراطه‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٠٦.

(٢) النهاية : ٤٣٣ ، التحرير ١ : ٢٠٧.

(٣) الشرائع ٢ : ٨٢ ، الدروس ٣ : ٣٩٨ ، الروضة ٤ : ٨٣.

٢١٣

بالقربة لا يخلو عن التأمّل.

مضافاً إلى الأصل ، وعدم عموم في أدلّة لزوم العتق يشمل محل النزاع ، وإن كان الأحوط ذلك ، بمعنى عدم تملّكه مثل هذا العبد وعتقه في ثاني الحال.

إلاّ أنه يمكن الذبّ عن الأوّل بأن متعلّق النهي هو التصرف ، وليس بمعلوم عدّ مثل إجراء صيغة العتق بمجرّده منه ، ولعلّه لذا إن الشيخ مع دعواه الإجماع المتقدم (١) جوّز تزويج العبد المرهون في الخلاف والمبسوط (٢) ، مشترطاً فيه عدم التسليم إلاّ بعد الفكّ ، ومال إليه الفاضل في المختلف بعد أن ردّه (٣) ، وفاقاً لموضع آخر من المبسوط (٤) قد منع فيه عن التزويج على الإطلاق ، مستنداً إلى إطلاق ما مرّ من الخبر (٥).

فما ذكره الأكثر من الجواز ، هو الوجه مع تحقق العموم ، كما هو ظاهر الفريقين ، حيث لم يتعرّضوا لمنعه ، بل ظاهرهم الإطباق على وجوده ، وإنما علّل المانع المنع بما مرّ لا بمنعه ، وهو ظاهر في إجماعهم على وجوده.

( الرابع : في ) بيان ( المرتهن ).

( ويشترط فيه ) ما اشترط في الراهن والمتعاقدين في سائر العقود : من ( كمال العقل ) بما مرّ ( وجواز التصرف ) لاتّحاد الدليل.

واعلم أن إطلاق الرهن لا يقتضي كون المرتهن وكيلاً في البيع ( و )

__________________

(١) راجع ص : ٢١١.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٥٣ ، المبسوط ٢ : ٢٣٨.

(٣) المختلف : ٤٢١.

(٤) المبسوط ٢ : ٢٠٠.

(٥) في ص : ٢١٠.

٢١٤

لكن ( يجوز اشتراط الوكالة في ) بيع ( الرهن ) عند حلول أجل الدين ، له ولوارثه وغيره ، في عقد الرهن وغيره من العقود اللازمة ، بلا خلاف يعرف ، بل عليه الإجماع في الغنية (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل ، وعمومات الأدلة بلزوم الوفاء بالعقود والشروط السائغة الغير المخالفة للكتاب والسنة ، وما نحن فيه منها بالبديهة.

( ولو عزل ) الراهن المشروط ( له ) الوكالة ، مرتهناً كان أو غيره ( لم ينعزل ) عنها ، على الأظهر ، وفاقاً للفاضلين والشهيد الثاني والمفلح الصيمري وجماعة (٢) ؛ للزوم الرهن من جهته ، وهو الذي شرطها على نفسه ، فيلزم من جهته.

خلافاً لنادر (٣) ، فقال : ينعزل ؛ إما لأن الوكالة من العقود الجائزة التي من شأنها تسلّط كلّ منهما على الفسخ ؛ أو لعدم وجوب الوفاء بالشرط مطلقاً وإن كان في عقد لازم ، بل شأنه تسلّط المشروط له على فسخ العقد المشروط فيه ؛ أو لأن لزوم الشرط إنما يكون مع ذكره في عقد لازم كالبيع ، وليس كذلك الرهن ، فإن ترجيح أحد طرفيه على الآخر ترجيح من غير مرجّح.

ويضعّف الأوّل : بأن جواز الوكالة بحسب الأصل لا ينافي لزومها بسبب العارض ، كالاشتراط في العقد اللازم ، وهو هنا كذلك.

والثاني : بمنع عدم وجوب الوفاء بالشرط في العقد اللازم ، بل الظاهر‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢.

(٢) المحقق في الشرائع ٢ : ٧٩ ، العلاّمة في القواعد ١ : ١٦١ ، الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٧٨ ؛ وانظر الوسيلة : ٢٦٥ ، واللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٧٨ ، والحدائق ٢٠ : ٢٥٧.

(٣) الشهيد في اللمعة ( الروضة ٤ ) : ٧٨.

٢١٥

الوجوب ، وفاقاً للأكثر ، وقد تقدّم البحث في ذلك (١).

والثالث : بأن عقد الرهن لمّا كان لازماً من طرف الراهن كان ما يلزمه الراهن على نفسه بعقده لازماً من قبله ، عملاً بمقتضى اللزوم ، والشرط وقع من الراهن على نفسه فيلزم ، ولمّا كان جائزاً من طرف المرتهن كان ما يلزمه كذلك فيجوز له فسخ الوكالة ، وهو واضح ، لأنه حقّه فله تركه.

وأما فسخ العقد المشروط فيه فغير متوجّه في المقام ، بناءً على تعقّبه الضرر على المرتهن.

نعم ، لو كان مشروطاً في عقد لازم آخر توجّه الفسخ حينئذٍ ، إلاّ أن المقصود هنا شرطها في عقد الرهن خاصة.

( و ) أما ما ربما يستدل لهذا القول باتّفاق الأصحاب في الظاهر على أنه ( تبطل الوكالة ) المشروطة فيه أي في عقد الرهن ( بموت الموكّل دون الرهانة ) بناءً على أن لزومها يستدعي عدم بطلانها ، كما هو شأن العقود اللازمة ، فالبطلان به منافٍ للّزوم.

فمضعّف بأن تغيّر حكم الوكالة بالشرط لا يوجب تغيّر حقيقتها التي هي استنابة الوكيل بإيقاع الفعل عن الموكّل ، وهي بموت الموكل منتفية ، لعدم جواز إيقاع الفعل هنا عن الميّت ، لانتقال متعلّق الوكالة إلى الغير ، ومع انتفاء الحقيقة ينتفي الحكم ، لأن الجواز واللزوم من أحكام الوكالة ، ولا بقاء للحكم مع انتفاء الحقيقة.

وكما تبطل بموت الموكّل تبطل بموت الوكيل ، لا من حيث كون الوكالة من العقود الجائزة التي من شأنها البطلان بالموت ، بل من حيث إنّ‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٦٨ من ج ٨.

٢١٦

الغرض من الوكالة الإذن في التصرّف ، فيقتصر فيها على من اذن له خاصّة ، فإذا مات بطلت من هذه الجهة ، كالإجارة المشروط فيها العمل بنفسه ، فإنها تبطل بموته.

وأما الرهانة فلا تبطل بموت أحدهما ؛ للزومها من جهة الراهن وكونها حقّا للمرتهن. لكن إذا مات أحدهما كان للآخر الامتناع من تسليمه إلى وارثه ، وكذا للوارث الامتناع من تسليمه إليه ؛ لأن وضعه عند أحد مشروط باتّفاقهما عليه. وإن تشاحّا فللحاكم تسلّمه وتسليمه إلى عدل ليقبضه لهما ، كذا قالوه.

( ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن ) لنفسه برضاء المالك مطلقاً ، كان وكيلاً في بيعه أم لا ، إجماعاً على الظاهر ؛ للأصل ، والعمومات ، مع فقد المانع.

مضافاً إلى الصحيح : عن الرجل يكون له الدين على الرجل ومعه الرهن ، أيشتري الرهن منه؟ قال : « نعم » (١).

وفي جوازه بمجرّد وكالته في بيعه مع عدم معلومية رضاء المالك به وبعدمه قولان ، مبنيان على جواز بيع الوكيل من نفسه وعدمه ، وليس هنا محل ذكره. ولا ريب أن الترك أو الاستيذان أحوط.

والمشهور جواز ابتياعه لولده وشريكه ومن يجري مجراهما.

خلافاً للإسكافي (٢) ، فمنع عنه أيضاً. ولا شاهد له سوى القياس جدّاً ، فإنّ الأخبار المانعة عن بيع الوكيل من نفسه (٣) غير ظاهرة الشمول‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٧ / ٢٢ ، التهذيب ٧ : ١٧٠ / ٧٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٩ أبواب أحكام الرهن ب ١٣ ح ٢.

(٢) كما حكاه عنه في المختلف : ٤٢٢.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٨٤ أبواب أحكام الرهن ب ٤.

٢١٧

للمفروض أصلاً. وما ربما يتوهّم منه الشمول له من حيث التعليل للمنع فيه بالتهمة الجارية فيه ظاهر في كراهة المنع لا تحريمه ، فلا وجه للاستناد إليه لإثباته.

( والمرتهن أحقّ من غيره باستيفاء دينه من الرهن ) مطلقاً ( سواء كان الراهن حياً أو ميّتاً ) بلا خلاف في الأول فتوًى ورواية ، بل عليه الإجماع في ظاهر كلام المقدس الأردبيلي وغيره (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى أن فائدة الرهن شرعاً وعرفاً ولغةً اختصاص المرتهن بالاستيفاء ، ومقتضاها تقديمه على غيره من الغرماء.

ومنها يظهر الوجه في انسحاب الحكم في الثاني ، مع اشتهاره بين الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم في ذلك ، وإن أشعر كثير من العبارات بوقوعه ، ولكن لم يصرّح أحد منهم بقائله ، إلاّ أن بعض متأخّري المتأخّرين عزاه إلى الصدوق في الفقيه (٢) ، بناءً على ذكره فيه الرواية المخالفة المشار إليها في العبارة بقوله : ( وفي الميت رواية أُخرى ) مع ذكره في أوله ما يستدل به على فتواه بها. وفيه نظر.

والمراد بالرواية هنا الجنس ، لتعددها ، في بعضها : عن رجل أفلس وعليه دين لقوم وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ماله بما عليه من الدين ، قال : « يقسم جميع ما خلّف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص » (٣).

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٩ : ١٥٥ ؛ وانظر السرائر ٢ : ٤٢٤.

(٢) حكاه في الحدائق ٢٠ : ٢٦٠ ، عن السيد عبد الله بن المقدس السيد نور الدين بن العلاّمة السيد نعمة الله الجزائري ، وهو في الفقيه ٣ : ١٩٨ ح ٩٠١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٦ / ٨٩١ ، التهذيب ٧ : ١٧٧ / ٧٨٣ ، الوسائل ١٨ : ٤٠٥ أبواب أحكام الرهن ب ١٩ ح ١.

٢١٨

ونحوه آخر : « جميع الديّان في ذلك سواء ويوزّعونه بينهم بالحصص » (١) الخبر.

وهما قاصرا الأسانيد ، بل الأُولى ضعيفة ، والثانية مع الجهالة مكاتبة ، ومع ذلك شاذّتان مخالفتان لما مرّ من الفائدة المتفق عليها فتوًى ورواية.

مضافاً إلى سبق حق المرتهن بالرهانة ، وأصالة بقائه وثبوت سلطنته المتقدمة ، ولا يخرج عن هاتين القاعدتين المعتضدتين بعمل الأصحاب في البين بنحو هذين الخبرين اللذين أُمرنا بطرح أمثالهما من شواذّ الأخبار. وربما يؤوّلان بتأويلات بعيدة ، لكن لا بأس بها ، جمعاً بين الأدلّة ، هذا.

مع أن في الدروس الرواية مهجورة (٢) ، وهذه العبارة في دعوى الإجماع على خلافها ظاهرة ، بل عبارة السرائر (٣) في دعواه صريحة ، وفي المسالك أن تحقق التعارض في الحي إنما هو إذا كان مفلساً محجوراً عليه ؛ إذ بدونه يتخير في الوفاء (٤). وهو كذلك.

( ولو قصر الرهن عن الدين ) المرهون به ( ضرب ) المرتهن ( مع الغرماء في الفاضل ) من الدين ؛ لعدم انحصار الحق في الرهن بعقده ، فيتناوله عموم الأدلّة بضرب صاحب الدين مع الغرماء في مال المفلس والميت ، وكذلك لو زاد عنه صرفه إلى الغرماء أو الورثة.

( والرهن أمانة في يد المرتهن ، ولا يسقط بتلفه شي‌ء من ماله ما لم يتلف بتعدٍ أو تفريط ) بلا خلاف بين الأصحاب على الظاهر ، بل عليه‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٩٨ / ٩٠١ ، التهذيب ٧ : ١٧٨ / ٧٨٤ ، الوسائل ١٨ : ٤٠٥ أبواب أحكام الرهن ب ١٩ ح ٢.

(٢) الدروس ٣ : ٤٠٤.

(٣) السرائر ٢ : ٤٢٤.

(٤) المسالك ١ : ٢٣٠.

٢١٩

الإجماع عن الشيخ وفي التذكرة ونهج الحق للفاضل والسرائر والغنية (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح ، في أحدها : رجل رهن عند رجل رهناً فضاع الرهن ، قال : « هو من مال الراهن ، ويرتجع المرتهن عليه بماله » (٢).

وفي الثاني : الرجل يرهن عند الرجل رهناً فيصيبه شي‌ء أو يضيع ، قال : « يرجع عليه بماله » (٣).

وفي الثالث : الرجل يرهن الغلام أو الدار فتصيبه الآفة ، على من يكون؟ قال : « على مولاه » ثم قال لي : « أرأيت لو قتل قتيلاً على من يكون؟ » قلت : هو في عنق العبد ، قال : « ألا ترى لِمَ يذهب من مال هذا؟ » ثم قال : « أرأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد وبلغ مائتي دينار لمن كان يكون؟ » قلت : لمولاه ، قال : « وكذا يكون عليه ما يكون له » (٤).

ومنه ومما في معناه مما دلّ على التلازم بين النقصان والمنفعة يظهر وجه إمكان الاستناد في المقام إلى المعتبرة المتقدمة الدالّة على أن نماء الرهن للراهن (٥) ، ولكن بإزائها أخباراً ظاهرة المخالفة بحسب الإطلاق في‌

__________________

(١) الشيخ في الخلاف ٣ : ٢٥٦ ، التذكرة ٢ : ٣٢ ، نهج الحق : ٤٨٩ ، السرائر ٢ : ٤١٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٣.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٥ أبواب أحكام الرهن ب ٥ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١١ ، التهذيب ٧ : ١٧٠ / ٧٥٧ ، الإستبصار ٣ : ١١٨ / ٤٢١ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٧ أبواب أحكام الرهن ب ٥ ح ٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ١٧٢ / ٧٦٤ ، الإستبصار ٣ : ١٢١ / ٤٣٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٧ أبواب أحكام الرهن ب ٥ ح ٦.

(٥) راجع ص : ٢٠٤.

٢٢٠