رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

ومن الثانية المعتبرتان ، في إحداهما : « الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في البيع والشراء » إلى أن قال : « والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج عنه اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك » (١).

وفي الثانية : « الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وتزوّجت ودفع إليها مالها وأُقيمت الحدود التامة عليها ولها » فقلت : الغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال : « الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك » (٢) الحديث.

وفي ذيله المذكور في الاستبصار في كتاب النكاح في باب أولياء العقد كصدر الأوّل (٣) ، الغير المذكورين في هذا المحل دلالة أيضاً على المطلب.

وهما مع اعتبار سنديهما بالقرب من الصحة بتضمّنهما لابن محبوب الذي قد حكي على تصحيح رواياته إجماع العصابة (٤) منجبرتان كالنبويين ، بل معتضدتان بالشهرة العظيمة القديمة والمتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ؛ وبالإجماعات المحكية ، والأُصول القطعية ، والمخالفة للعامة ، كما يستفاد من عبائر نقله الإجماعات في‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٩٧ / ١ ، الوسائل ١٨ : ٤١٠ أبواب الحجر ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٨٣ / ١٥٤٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٨ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٦ ح ٩.

(٣) الاستبصار ٣ : ٢٣٧ / ٨٥٥.

(٤) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

٢٤١

المسألة ، ويؤيّد بمخالفة الإسكافي ، حيث حكم بالبلوغ بالأربع عشرة (١) ، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

ولم نقف للمخالف على حجة سوى ما يستدل له من الصحيح : في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة أو أربع عشرة سنة » (٢) الحديث.

والمناقشة فيه واضحة ، بل ربما يستدل به على قول الأكثر ؛ لظهوره في عدم إلزامه بالصوم قبل الخمس عشرة ، لمكان التخيير المنافي للوجوب العيني ، وحيث لا قول بالوجوب التخييري حتى من الإسكافي تعيّن حمل الأخذ فيه على الأخذ الاستحبابي.

مضافاً إلى شهادة صدره به حيث سئل فيه في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال : « فيما بين سبع وستّ سنين » فقال : في كم يؤخذ بالصيام (٣). إلى آخر ما مرّ.

والأخذ الأوّل للاستحباب بالإجماع ، فكذلك الثاني ، لظاهر السياق. وتحديده إلى الحدّ المذكور ظاهر بل لعلّه صريح في ارتفاعه بالبلوغ إليه ، وهو ملازم للوجوب بعده ، إذ لا قائل بالإباحة حينئذٍ ، مع منافاتها الاعتبار بالضرورة.

( وفي رواية ) أنه ( من ثلاث عشرة إلى أربع عشرة ) (٤) في سندها عبد الله بن جبلة وعدة من الجهلاء ، ومع ذلك هي شاذّة لم يوجد قائل بها ،

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٤٢٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٥ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٨١ / ١٥٩٠ ، الإستبصار ١ : ٤٠٩ / ١٥٦٣ ، الوسائل ٤ : ١٨ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ٣١٠ / ٨٥٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٥ ح ٣.

٢٤٢

وغير مكافئة لشي‌ء من الأدلّة المتقدمة.

وبهذين يجاب عن المعتبرة الأُخر الواردة في المسألة ، كالموثقين ، في أحدهما : « إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيّئات وجاز أمره إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً » فقال : وما السفيه؟ فقال : « الذي يشتري الدراهم بأضعافه » قال : وما الضعيف؟ قال : « الأبله » (١).

وفي الثاني : « إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيّئة وعوقب ، فإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك ، وذلك أنها تحيض لتسع سنين » (٢).

والحسن بالوشّاء : « إذا بلغ أشُدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم ، كتبت عليه السيئات ، وكتبت له الحسنات ، وجاز له كل شي‌ء إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً » (٣).

ومع ذلك يحتمل التقية ، فالعجب كل العجب من الكفاية ، حيث استوجه العمل بها مع عدم تصريح منه بقائل بها بالمرة (٤).

( و ) بنحو ذلك يجاب عما ( في رواية أُخرى ) من حصول الإدراك بـ ( بلوغ عشرة ) وهي كثيرة واردة في الطلاق والوصية (٥).

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣١ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٨.

(٢) الكافي ٧ : ٦٨ / ٦ ، التهذيب ٩ : ١٨٤ / ٧٤١ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ١٢.

(٣) الكافي ٧ : ٦٩ / ٧ ، الخصال : ٤٩٥ / ٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ١١.

(٤) الكفاية : ١١٢.

(٥) انظر الوسائل ١٩ : ٣٦٠ أبواب الوصايا ب ٤٤ ، وج ٢٢ : ٧٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٢.

٢٤٣

لكنها غير صريحة في تحقق البلوغ به ، بل ولا ظاهرة ؛ لاحتمال إرادة رفع الحجر عنه في الأُمور المذكورة كما ذهب إليه جماعة (١) وهو غير ملازم لحصول البلوغ به بالكلّية ، ومع ذلك قاصرة السند يأتي عليها ما مرّ إليه الإشارة ، ومع ذلك معارضة بأقوى منها في بحث الطلاق كما يأتي ثمة.

( و ) يستفاد من مجموع الروايات المتقدمة أن الإدراك ( في الأُنثى ) بـ ( بلوغ تسع سنين ) وعليه الإجماع في الغنية والسرائر والخلاف والتذكرة والروضة (٢) ؛ وهو حجّة أُخرى.

خلافاً للمحكي عن المبسوط وابن حمزة (٣) ، فنفيا البلوغ به ، وأثبتاه بالعشرة.

ولا حجة لهما واضحة من فتوى ولا رواية عدا ما في الكفاية وغيره (٤) ، فأسندا مذهبهما إلى رواية ، ولم أقف عليها ، فهي مرسلة ، مع ظهور عبارته في أنها بحسب السند قاصرة ، فمثلها غير صالحة للحجية ، مع عدم معارضتها للأدلّة المتقدمة فتوى ورواية ، والأُصول بما مرّ مخصَّصة.

وفي الموثق : عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : « إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك ، إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت‌

__________________

(١) منهم : ابن فهد في المهذب البارع ٢ : ٥١٤ والشهيد في المسالك ١ : ٢٤٧ ، وانظر التنقيح الرائع ٢ : ١٨٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤ ، السرائر ٢ : ١٩٩ ، الخلاف ٣ : ٢٨٢ ، التذكرة ٢ : ٧٥ ، الروضة ٢ : ١٤٤.

(٣) المبسوط ٢ : ٢٨٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٣٧.

(٤) الكفاية : ١١٢ ؛ المسالك ١ : ٢٤٧.

٢٤٤

قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم » (١).

وهو كما ترى شاذّ ؛ مضافاً إلى قصور السند ، وعدم المكافأة لشي‌ء مما مرّ.

ثم إن مقتضى الأُصول المتقدمة وظاهر النصوص والعبارات الحاكمة بالبلوغ بالتسع والخمس عشرة سنة بحكم التبادر والصدق عرفاً وعادة إنما هو السنتان كاملة ، فلا يكفي الطعن فيهما بالبديهة ، وبه صرّح جماعة كالمسالك وغيره (٢) ، وظاهره كغيره أن ذلك مذهب الأصحاب كافة ، وقد وقع التصريح باشتراطه في بعض النصوص المتقدمة ، كالنبوي في الذكر وأُولى المعتبرتين التاليتين له في الجارية (٣) ، فمناقشة بعض الأجلّة (٤) في ذلك واحتماله الاكتفاء بالطعن عن الكمال واهية.

وللإسكافي ، فصار إلى عدم ارتفاع الحجر عنها بالتسع إلاّ بالتزويج والحمل (٥).

وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح ، بل الدليل على خلافه لائح.

( الثاني : الرشد ، وهو ) كما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف ، وساعده العادة والعرف ( أن يكون مصلحاً لماله ) بحيث يكون له ملكة نفسانية تقتضي إصلاحه ، وتمنع إفساده وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء ، لا مطلق الإصلاح ، لاجتماعه مع السفه المقابل للرشد جدّاً ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٨٠ / ١٥٨٨ ، الإستبصار ١ : ٤٠٨ / ١٥٦٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١٢.

(٢) المسالك ١ : ٢٤٧ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ١٤ ، والحدائق ٢٠ : ٣٥٠.

(٣) راجع ص : ٢٤١.

(٤) المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٩٠.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٤٢٣.

٢٤٥

مع عدم صدق الرشد بمجرّده عرفاً وعادة.

( وفي اعتبار العدالة ) في الرشد ( تردّد ) ينشأ من عموم أدلّة ثبوت السلطنة لأرباب الأموال (١) ، وإطلاق الأدلّة كتاباً وسنة بدفع أموال اليتامى بإيناس الرشد (٢) من غير اعتبار أمر آخر ، والمفهوم من الرشد في العرف كما عرفت هو مجرّد إصلاح المال على الوجه المتقدم وإن كان فاسقاً ، وليس لعدمه مدخلية في مفهومه عرفاً ، كيف لا وهو أمر شرعي مغاير له من حيث هو هو قطعاً ، فكيف يعتبر ما لا مدخلية لهم في فهمه فيما هو متداول بينهم ومتعارف عندهم تعارفاً شائعاً.

ومن النهي عن إيتاء السفهاء المال (٣) ، مع ما روي أن شارب الخمر سفيه (٤) ، ولا قائل بالفرق.

وعن ابن عباس أن الرشد هو الوقار والحلم والعقل (٥).

والأوّل أظهر ، وفاقاً للأكثر ، بل عليه عامة من تأخّر ؛ لما مرّ ، وضعف الدليل الآخر ، فإن إطلاق السفيه على الشارب في الرواية بعد الإغماض عن سندها أعمّ من كونه على الحقيقة التي عليها المدار في جميع الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة ، والمحاورات اللغوية والعرفية ، فيحتمل المجاز ، بل ويتعين ، لعدم التبادر ، وصحة السلب عنه في العادة بعد استجماعه شرائط الرشد ما عدا العدالة.

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٢ / ٩٩ ، ٤٥٧ / ١٩٨ ، وج ٢ : ١٣٨ / ٣٨٣.

(٢) النساء : ٦ ؛ وانظر الوسائل ١٨ : ٤١٠ أبواب الحجر ب ٢ ، وج ١٩ : ٣٣٦ أبواب الوصايا ب ٤٥.

(٣) النساء : ٦.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٢٠ / ٢٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٨ أبواب الوصايا ب ٤٥ ح ٨.

(٥) الدر المنثور ٢ : ١٢١ ، المجموع ( للنووي ) ١٣ : ٣٦٨.

٢٤٦

والرواية عن ابن عباس غير ثابتة ، وعلى تقديرها فهي مقطوعة للحجيّة غير صالحه ، إلاّ أن يقال بكونه من أهل اللغة والخبرة فيعتبر كلامه من هذه الجهة.

ولكن المناقشة فيه بعد معلومية مخالفته للعرف واختيارنا لزوم تقديمه على اللغة عند المعارضة واضحة ، فالقول باعتبارها كما عن المبسوط والخلاف وفي الغنية (١) ضعيف غايته ، وإن ادّعى في الأخير عليه إجماع الإمامية ؛ لوهنه في المسألة بمصير الأكثر إلى خلافه ، مع عدم ظهور مخالف لهم سوى الطوسي في الكتابين خاصّة ، ومع ذلك فعبارته بالاعتبار المحكية غير صريحة فيه ، بل ولا ظاهرة ، من حيث التعبير عنه بالاحتياط الظاهر في الاستحباب ، فلم يبق قائل به صريحاً ، بل ولا ظاهراً إلاّ مدّعي الإجماع ، فكيف يصلح مثله دليلاً؟

والاستصحاب لو تمسّك به مندفع بالإطلاقات.

وربما أيّد المختار جماعة (٢) بأن مع اعتبار العدالة لم يقم للمسلمين سوق بالمرّة ولم ينتظم للعالم حالة ؛ لأن الناس إلاّ النادر منهم إما فاسق أو محتملة ، والجهل بالشرط يقتضي الجهل بالمشروط بالضرورة ، وأنه ما نقل في الروايات وأقوال العلماء المعاصرين للأئمّة عليهم‌السلام مع عموم البلوى بالأيتام وأموالهم المنع عن معاملتهم ومناكحتهم وغير ذلك بدون العدالة.

وقد ورد في النصوص الأمر بالمعاملة والمناكحة من غير تقييد بالعدالة ، وفي كثير من المعتبرة دلالة على جواز معاملة الفسّاق وأهل السرقة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨٤ ، الخلاف ٣ : ٢٨٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤.

(٢) منهم : الشهيد في المسالك ١ : ٢٤٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٩٤ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ٣٥٢.

٢٤٧

وأخذ جواز العمّال والظلمة ، وعلى جواز بيع الخشب لمن يعمل صنماً والعنب لمن يعمل خمراً.

وفيه مناقشة ؛ لعدم تماميّته إلاّ على تقدير اشتراطها على الإطلاق ، وليست كذلك بمشترطة ، فقد صرّح الأصحاب بأن اعتبارها على القول به إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة ، وعليه حكي الإجماع في التذكرة (١) ، وبذلك صرّح القائلان في الكتب المزبورة ، وإن احتاطوا باعتبارها أيضاً في الاستدامة.

فعلى هذا يمكن أن يمنع ما ذكر من المؤيّدات في المسألة ؛ لاحتمال ابتنائها على وجه الصحّة وهو حصول العدالة ابتداءً وإن طرأ بعدها وصف الضدّ ، ومرجعه إلى حمل أفعال المسلمين على الصحة ، وهو شي‌ء متّفق عليه بين العلماء كافّة ، مستفاد من النصوص المعتبرة ، وسيرة المسلمين في جميع الأمصار والأزمنة.

ولا يضرّ معه الجهل بالشرط في المسألة ، كما لا يضرّ معه الجهل بكثير من الشروط المعتبرة في الأموال المبتاعة في أسواق المسلمين ، كالجلود المشترطة فيها التذكية ومطلق الأموال المشترطة في المعاملة بها وابتياعها الملكيّة ، وعدم كونها سرقة ، وغير ذلك مما لا يعدّ كثرةً ، ومنه مفروض المسألة بالإضافة إلى شرط أصل الرشد الذي هو إصلاح المال.

فلو صحّ التمسك بالمؤيّدات المزبورة لنفي اعتبار العدالة لصحّ التمسك بها لنفي اعتبار أصل الرشد ؛ لتساوي نسبتها إليهما بالضرورة ، فكما لا يضرّ الجهل بالشروط فيما عدا المسألة بناءً على حمل أفعال‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٧٥.

٢٤٨

المسلمين على الصحة فكذلك فيها بالبديهة ، لتساوي النسبة.

( ومع عدم الوصفين ) البلوغ والرشد ( أو أحدهما استمرّ الحجر ) عليه ( ولو طعن في السنّ ) وبلغ خمساً وعشرين سنة ، اتفاقاً منّا ، كما في نهج الحق والمسالك وغيرهما (١).

خلافاً للحنفية ، فمنعوا عن حجره بعد بلوغه إلى المدة المذكورة (٢) ، وعموم الأدلّة عليه حجة.

ويعود الحجر بعد عود السبب إلاّ الفسق فلا يعود بعوده ، إجماعاً ، كما مرّ عن التذكرة (٣) ، وبه صرّح القائلان باشتراط العدالة كما تقدّم إليه الإشارة.

( ويعلم رشد الصبي باختباره بما يلائمه من التصرفات ) والأعمال ليظهر اتّصافه بالملكة وعدمه ، فمن كان من أولاد التجار فوّض إليه البيع والشراء بمعنى مماكسته فيهما على وجههما ويراعى إلى أن يتمّ مساومته ثم يتولاّه الولي إن شاء ، فإذا تكرّر ذلك منه وسلم من الغبن والتضييع في غير وجهه فهو رشيد.

وإن كان من أولاد من يصان عن ذلك اختبر بما يناسب حال أهله ، إمّا بأن يسلّم إليه نفقة مدّة لينفقها في مصالحه أو مواضعها التي عُيّنت له ، أو بأن يستوفي الحساب على معامليهم ، أو نحو ذلك ، فإن وفى بالأفعال الملائمة فهو رشيد.

__________________

(١) نهج الحق : ٤٩٢ ، المسالك ١ : ٢٤٨ ؛ وانظر الروضة ٤ : ١٠٩.

(٢) التفسير الكبير ٩ : ١٨٩ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ : ٤٨٩.

(٣) التذكرة ٢ : ٧٥.

٢٤٩

ومن تضييعه إنفاقه في المحرّمات ، إجماعاً ، كما في التذكرة (١) ، أو في الأطعمة التي لا تليق بحاله بحسب وقته وبلده وشرفه وصنعته ، والأمتعة واللباس كذلك.

وإن كان أنثى اختبرت بما يناسبها من الأعمال ، كالغزل والخياطة وشراء آلاتهما المعتادة لأمثالها بغير غبن ، وحفظ ما يحصل في يدها من ذلك ، والمحافظة على اجرة مثلها إن عملت للغير ، وحفظ ما تليه من أسباب البيت ووضعه على وجهه ، وصون الأطعمة التي تحت يدها عن مثل الهرة والفأرة ونحو ذلك ، فإذا تكرّر ذلك منها على وجه الملكة ثبت رشدها ، وإلاّ فلا.

ولا يقدح فيها وقوع ما ينافيها نادراً من الغلط والانخداع في بعض الأحيان ؛ لوقوعه من الكاملين كثيراً.

قيل : ووقت الاختبار قبل البلوغ (٢) ، عملاً بظاهر الآية (٣).

وهو كذلك إن أُريد به جوازه قبله ، لا انحصار وقته فيه. بل يمكن أن يراد وجوبه ؛ حذراً من منع ربّ المال من التصرف فيه بعد بلوغه.

( ويثبت ) الرشاد ( بشهادة رجلين ) به ( في الرجال ) بلا إشكال فيه وفي ثبوت غيره من أمارات البلوغ بهما أيضاً ، وإن كان الفرض مع عدالة الشهود نادراً ، إجماعاً ، وقد حكاه صريحاً بعض أصحابنا (٤) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى عموم الأدلّة بقبول شهادتهما ، والاستقراء.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٧٥.

(٢) المبسوط ٢ : ٢٨٤.

(٣) النساء : ٦.

(٤) المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢٠٠.

٢٥٠

( وبشهادة الرجال ) منفردين ( أو النساء ) كذلك ، أو ملفّقات منهنّ ومنهم كرجل وامرأتين ( في النساء ) بلا خلاف في الظاهر ، بل عليه الإجماع في كثير من العبارات (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى ما مرّ في الأوّل ، والنصوص المستفيضة الدالّة على الاكتفاء بشهادتين منفردات فيما لا يطّلع عليه الرجال غالباً (٢) في الثاني ، بناءً على كونه منه بلا إشكال ، وبفحواها يستدل على الثالث ؛ مضافاً إلى لزوم الحرج بالاقتصار على الأوّل.

ويعتبر في الثبوت بالشهادة ما يذكر من الشرائط في بحثها من العدالة وقيامها عند الحاكم وحكمه به.

خلافاً لبعض الأجلّة فاكتفى بالعدالة عن الأخيرين (٣) ؛ نظراً منه إلى الشك في اشتراطهما هنا ، بل ومطلق المواضع ، وسيأتي الكلام معه في بحثها بعون الله سبحانه.

( و ) اعلم أن بتعريف الرشد المتقدم يعرف ( السفيه ) المتّصف بضدّه و ( هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة ) ويفسدها ولا يصلحها.

ومما تقدّم من الإجماع وغيره يظهر وجه منعه عن التصرفات المالية وإن حدث سفهه بعد رشده.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، منها : « إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلّط واحداً منهم على ماله الذي‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢٠٠ ، لم نعثر على غيرها من عبارات الفقهاء ادّعي فيها الإجماع ، كما أشار إليه أيضاً في مفتاح الكرامة ٥ : ٢٥١.

(٢) انظر الوسائل ٢٧ : ٣٥٠ أبواب الشهادات ب ٢٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٩٩.

٢٥١

جعله الله تعالى قياماً » (١) الحديث.

ومقتضاه كالأصل ، وعموم آية المنع عن تمكين السفيه من المال (٢) ، ومفهوم( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) (٣) ومنطوق : « فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً » (٤) الدالّين على الحجر بمجرّد السفه عدم توقّفه على حكم الحاكم. وكذا زواله ؛ لظاهر الآية الأُولى ، وهو أحد القولين المشهورين في المسألة وأصحّهما ، وفاقاً لجماعة (٥).

خلافاً لآخرين (٦) ، فاعتبروا حكمه في ثبوته وزواله ؛ نظراً منهم إلى مخالفة كلّ منهما للأصل فيقتصر فيهما على المتيقن ، وهو ما كان بحكم الحاكم ، كالمفلّس.

ووجه النظر فيه ظاهر لكلّ متدبّر فيما مرّ وناظر.

وهنا قولان آخران مفصِّلان بين الثبوت فالأوّل ، والزوال فالثاني ، كما في أحدهما ؛ وبينهما بالعكس ، كما في الثاني ، والأوّل مختار اللمعة (٧) ، والثاني مجهول القائل ، كما صرّح به جماعة (٨).

وكيف كان ( فلو باع والحال هذه ) أي بعد ثبوت حجره بمجرّد‌

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ١٣١ ، المستدرك ١٣ : ٢٤١ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١١ ح ٥.

(٢) النساء : ٥.

(٣) النساء : ٦.

(٤) البقرة : ٢٨٢.

(٥) منهم : العلاّمة في التحرير ١ : ٢١٩ ، والشهيد في الروضة ٤ : ١٠٧ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ١٩٦ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ٣٦٠.

(٦) كالشيخ في المبسوط ٢ : ٢٨٦ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٠٣ ، والعلاّمة في التذكرة ٢ : ٧٧.

(٧) اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ١٠٧.

(٨) منهم : الشهيد في المسالك ١ : ٢٤٩ وصاحب الحدائق ٢٠ : ٣٦٣.

٢٥٢

ثبوت سفهه ، أو بشرط حكم الحاكم به على الاختلاف ( لم يمض بيعه ) وإن ناسب أفعال العقلاء إلاّ مع إجازة الولي ، فيمضي على القول بالفضولي وجواز بيع السفيه بإذن الولي ، كما هو مذهب الفاضل وغيره (١).

خلافاً للطوسي وابن حمزة (٢) ، فمنعا منه ؛ وحجتهما عليه غير واضحة ، مع اقتضاء الأصل والعمومات السليمة عن المعارض في المقام جوازه.

( وكذا لو وهب أو أقرّ بمال ) لم يمضيا مطلقاً ، كسائر تصرفاته المالية ؛ لمكان حجره عنها.

( و ) مقتضى الأصل ، وعمومات أدلّة جواز التصرفات ، مع اختصاص أدلّة حجر هذا الفرد كتاباً وسنة وإجماعاً بالمال : أنه ( يصحّ ) تصرفاته الغير المالية من نحو ( طلاقه وظهاره وإقراره بما لا يوجب مالاً ) كالإقرار بالجناية الموجبة للقصاص وإن كان نفساً ، وكالنسب وإن أوجب النفقة على الأصحّ ؛ لتضمّنه أمرين غير معلومي التلازم ، فيقبل في أحدهما دون الآخر ، كالإقرار بالسرقة على وجه يؤخذ بالمال دون القطع.

وعليه ففي الإنفاق على المقرّ له من مال المقرّ أو بيت المال قولان ، ولا خلاف في أصل الحكم على الظاهر ، مضافاً إلى الإجماع المحكي في بعض العبائر (٣).

( والمملوك ) المراد به ما يشمل المملوكة ، لعموم الأدلّة ( ممنوع

__________________

(١) العلاّمة في التذكرة ٢ : ٧٨ ؛ وانظر الشرائع ٢ : ١٠١ ، والمسالك ١ : ٢٤٩ ، وجامع المقاصد ٥ : ١٩٨.

(٢) الطوسي في المبسوط ٢ : ٢٨٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٥.

(٣) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢١٢.

٢٥٣

من ) جميع ( التصرفات ) الماليّة وغيرها ( إلاّ ) الطلاق ، أو إذا كانت ( بإذن المولى ) إجماعاً في أصل المنع ، كما قدّمناه في بحث عدم مالكيّته عن المختلف (١) ، وحكاه أيضاً غيره في غيره وفي الاستثناء الأخير أيضاً (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الآية الكريمة ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٣) في الأول ، والنصوص المستفيضة بل المتواترة في المقامين ، مضى بعضها في البحث المتقدم وغيره ، ويأتي بعض منها في النكاح وغيره.

وعلى الأشهر الأظهر في الاستثناء الأوّل إذا كانت الزوجة غير أمة المولى ، كما يأتي في بحثه.

خلافاً لآخرين ، فنفوا خياره فيه أيضاً ؛ التفاتاً إلى صحاح كثيرة يأتي الكلام عليها ثمة.

وعن التذكرة استثناء الضمان أيضاً ؛ لأنه تصرف في الذمة لا بالعين (٤).

ويردّه عموم الآية ، مع عدم وضوح شاهد على التخصيص بالبديهة.

( والمريض ممنوع من الوصية بما زاد عن الثلث ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تقدّم وتأخّر ، وادّعى في الغنية عدم الخلاف فيه (٥) ، بل في الشرائع وغيره (٦) الإجماع عليه ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى‌

__________________

(١) راجع ص : ٥٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢١٣.

(٣) النحل : ٧٥.

(٤) التذكرة ٢ : ٨٧.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٦٠ ؛ وانظر الحدائق ٢٠ : ٣٥٣.

٢٥٤

النصوص المستفيضة ، بل المتواترة (١).

قيل : خلافاً لوالد الصدوق (٢) وبعض النصوص القاصرة سنداً ودلالةً ومقاومة لما مرّ من وجوه عديدة جدّاً (٣). وسيأتي الكلام في المقام في بحث الوصية إن شاء الله تعالى مستقصًى.

( وكذا ) الكلام ( في ) منعه عن ( التبرعات المنجّزة ) الغير المعلّقة على الوفاة ، كالهبة والوقف والتصدق والمحاباة في البيع أو الإجارة أو نحو ذلك ، إذا كانت زيادة على الثلث ، فيمنع عنها كالوصية ( على الخلاف ) الآتي ذكره في بحثها إن شاء الله تعالى مستقصًى.

وحيث تصرّف في محل المنع توقّف على إجازة الورثة ولا تقع من أصلها فاسدة ، بلا خلاف ؛ للمعتبرة الآتية ثمة.

( والأب والجدّ للأب ) وإن علا ( يَليان على الصغير والمجنون ) بلا خلاف ، كما في المسالك (٤) ، بل إجماعاً ، كما عن التذكرة وفي غيرها (٥) ؛ وهو الحجة ، كالنصوص المستفيضة ، بل المتواترة الواردة في التزويج (٦) ، الصريحة في ثبوت ولايتهما عليهما فيه ، المستدل بها بالفحوى والأولوية في المسألة ؛ مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة الواردة في بحثي أموال الأيتام والوصية وغيرهما من المباحث الكثيرة.

فلا ريب ولا خلاف في المسألة ، ولا في نفوذ تصرّفات أحدهما مع‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٩ : ٢٧٥ أبواب الوصايا ب ١١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٥١٠.

(٣) انظر الوسائل ١٩ : ٢٨٠ أبواب الوصايا ب ١١ ح ١٦ ، ١٩.

(٤) المسالك ١ : ٢٥٠.

(٥) التذكرة ٢ : ٨٠ ، مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢٣١.

(٦) انظر الوسائل ٢٠ : ٢٧٥ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٦.

٢٥٥

فقد الآخر ، أو الموافقة وعدم المعارضة ، أو سبق تصرف المتصرف منهما.

وأما مع التقارن ففي تقديم الأب ، أو الجدّ ، أو البطلان ، احتمالات ، بل وأقوال ، أوسطها الوسط ، لفحوى ما دلّ على ثبوته في التزويج من الإجماعات المحكية والنصوص المستفيضة.

( فإن فُقِدا فالوصي ) لأحدهما ( فإن فُقِد الوصي فالحاكم ) بلا خلاف فيهما وفي الترتيب بين الأولياء ، وكون المراد بالحاكم حيث يطلق من يعمّ الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ، بل على الأخير الإجماع في المسالك (١) ؛ وهو الحجة فيه ، كالنصوص المستفيضة الواردة في الوصية في ثبوت ولاية الوصي ، ويستفاد من بعضها ثبوت الولاية للحاكم مع فقد الوصي وللمؤمنين مع فقده (٢) ، وهو كثير ، بل لعلّه مستفيض ذكر بعضها مع الخلاف في الأخير في كتاب التجارة (٣) ، وباقي الأخبار تعرف من كتاب الوصية.

ثم الولاية في مال السفيه الذي لم يسبق له رشد كذلك للأب والجدّ ، إلى آخر ما ذكر ، وفاقاً للشهيدين وغيرهما (٤) ؛ عملاً بالاستصحاب ، وفحوى ما دلّ على ثبوتها في النكاح من الإجماع المحكي في عبائر كثير من الأصحاب (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٥٠.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٦٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٦ ، وج ١٩ : ٤٢١ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٨.

(٣) راجع ج ٨ ص : ٢٢٠.

(٤) الروضة ٤ : ١٠٦ ، وانظر المفاتيح ٢ : ٢٦٥.

(٥) انظر المسالك ١ : ٤٤٨ ، والمفاتيح ٢ : ٢٦٥.

٢٥٦

خلافاً للأكثر ، كما في المسالك وغيره (١) ، فأثبتوها هنا للحاكم على الإطلاق.

ولا دليل عليه يعتدّ به إلاّ ما قيل من ظهور توقّف الحجر عليه ورفعه على حكمه في كون النظر إليه (٢).

وفيه نظر ؛ لمنع التوقف أوّلاً ، كما مضى (٣). ثم منع الظهور ثانياً ؛ لعدم التلازم جدّاً ، إذا لا منافاة بين توقّف الأمرين على حكمه وكون النظر والولاية إلى الأبوين بعده أصلاً.

وإن سبق رشده وارتفع عنه الحجر بالبلوغ معه ثم لحقه السفه فللحاكم الولاية دونهم.

قيل : لارتفاع الولاية عنه بالرشد فلا تعود إليهم إلاّ بدليل ، وهو منتف ، والحاكم وليّ عامّ لا تحتاج توليته إلى دليل وإن تخلّف في بعض الموارد (٤). وظاهر المسالك والروضة وغيرهما (٥) عدم الخلاف فيه.

فإن تمّ إجماعاً كان هو الحجة ، وإلاّ فالقول بالولاية للأبوين هنا أيضاً لا يخلو عن قوة ؛ التفاتاً إلى ثبوته في بحث التزويج على الأقوى بالأولوية.

مضافاً إلى ظهور الإجماع من التذكرة المشار إليها ثمة (٦) ، المستلزمة لثبوت الحكم هنا بأولوية أُخرى زيادة على الأولوية الأوّلة ، وسيأتي ثمّة بيان ضعف التعليل المتقدم لإثبات ولاية الحاكم في المسألة.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٥٠ ، قال : هو أشهر القولين.

(٢) المسالك ١ : ٢٥٠.

(٣) في ص ٢٥٣.

(٤) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ١٠٦.

(٥) المسالك ١ : ٢٥٠ ، الروضة ٤ : ١٠٦ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢٣٢.

(٦) التذكرة ٢ : ٥٨٦.

٢٥٧

وهذا القول هو الظاهر من العبارة وما ضاهاها ، حيث أُطلق فيها المجنون بحيث يشمل من اتّصل جنونه بصغره ومن تجدّد له ذلك بعد رشده ، والسفيه بالإضافة إلى المال بمعنى المجنون ، ولعلّه لذا لم يذكر وليّ السفيه اكتفاءً منه ببيان وليّ المجنون ، والله العالم.

٢٥٨

( كتاب الضمان )

( وهو ) يطلق على معنيين ، أحدهما أخصّ من الآخر ، والأعمّ عبارة عن ( عقد شرع للتعهّد بنفس أو مال ) والأوّل الكفالة ، والثاني الحوالة إن كان ممّن في ذمّته مال ، وإلاّ فالضمان بالمعنى الأخص ( و ) لذا صار ( أقسامه ثلاثة : ).

( الأوّل : ضمان المال ).

وهو المراد منه حيث يطلق بلا قيد ، بخلاف القسيمين فلا يطلق عليهما إلاّ بأحد القيدين.

وهو ثابت بالكتاب والسنّة والإجماع ، قال سبحانه ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقال عزّ شأنه ( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (٢).

وأمّا السنة فمن طريق الخاصّة والعامّة مستفيضة سيأتي إلى جملة من الأولى الإشارة.

ومن الثانية النبوية المشهورة في قضيّة ضمان علي عليه‌السلام عن الميت ، وكذا أبي قتادة (٣) ، وفيها : أقبل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على علي عليه‌السلام ، فقال : « جزاك الله‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) يوسف : ٧٢.

(٣) الخلاف ٣ : ٣١٤ ، ٣١٥ ، الوسائل ١٨ : ٤٢٤ أبواب الضمان ب ٣ ح ٢ ، ٣ ؛ وانظر سنن الدارقطني ٣ : ٧٨ ، ٧٩ / ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٣ ، ٧٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٤٧ / ٣٣٤٣.

٢٥٩

تعالى عن الإسلام خيراً وفكّ رهانك كما فككت رهان أخيك ». وفي اخرى نبوية : « العارية مؤدّاة ، والمِنْحَة مردودة (١) ، والدين مقضيّ ، والزعيم غارم » (٢).

وأمّا الإجماع فمن المسلمين كافّة ، كما في المهذب وغيره (٣).

( ويشترط في الضامن التكليف ) بالبلوغ والعقل ، فلا يصحّ من الصبي والمجنون ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في المسالك (٤) ؛ لأدلّة الحجر عليهما ، وحديث رفع القلم (٥). ويصحّ عنهما ، بلا خلاف أجده إلاّ من الطبرسي ، فلا يصحّ كالأوّل (٦).

ويدفعه الأصل ، والعمومات ، وفحوى ما دلّ على الصحة عن الميّت ، وبه صرّح الفاضل في المختلف (٧).

( و ) يشترط فيه أيضاً ( جواز التصرف ) برفع الحجر عنه ، ولقد كان فيه غنى عن ذكر الشرط السابق ؛ لاندراجه تحت هذا الشرط. وكيف كان فلا يصحّ من السفيه ولا المملوك بدون إذن السيد ، بلا خلاف أجده في الأوّل ، وبالمنع فيه صرّح في التذكرة (٨) ، ووفاقاً للأكثر في الثاني ؛ لعموم‌

__________________

(١) المِنْحَة بالكسر : في الأصل الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلاً يشرب لبنها ثمّ يردّها إذا انقطع اللبن ، ثمّ كثر استعماله حتى أُطلق على كلّ عطاء. المصباح المنير : ٥٨٠.

(٢) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٤١ / ١ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٣٩٣ أبواب الدين والقرض ب ٤ ح ٤ ؛ وانظر مسند أحمد ٥ : ٢٦٧.

(٣) المهذّب البارع ٢ : ٥٢٢ ؛ وانظر المبسوط ٢ : ٣٢٢ ، والتذكرة ٢ : ٨٥ ، والمفاتيح ٣ : ١٤٣.

(٤) المسالك ١ : ٢٥١.

(٥) الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٤٣١.

(٧) المختلف : ٤٣١.

(٨) التذكرة ٢ : ٧٨.

٢٦٠