رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

بالنسبة. ولا نصّ فيه ولا قاعدة تقتضيه ، فإن كان إجماع ، وإلاّ ففيه كلام مضى كسائر ما يتعلّق بالمقام من النصوص وخلاف الحلّي (١) في أصل الحكم في باب بيع الثمار.

وأمّا لو أتلفه متلف ضامن لم يتغيّر المعاملة قولاً واحداً ، وطالب المتقبّل المتلف بالعوض ، ولو زاد فالزائد للمتقبّل ، ولو نقص بسبب الخرص لم يسقط بسببه شي‌ء ، بلا خلاف ، للأصل في المقامين.

مضافاً إلى الخبرين ، أحدهما الموثق : عن الرجل يمضي ما خرص عليه من النخل؟ قال : « نعم » قلت : أرأيت إن كان أفضل مما خرص عليه الخارص ، أيجزيه ذلك؟ قال : « نعم » (٢).

وثانيهما المرسل : إنّ لنا أكرة ، فنزارعهم فيقولون لنا : قد حزرنا (٣) هذا الزرع بكذا وكذا ، فأعطوناه ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصّتكم على هذا الحزر ، قال : « وقد بلغ؟ » قلت : نعم ، قال : « لا بأس بهذا » قلت : فإنه يجي‌ء بعد ذلك فيقول لنا : إن الحزر لم يجي‌ء كما حزرت قد نقص ، قال : « فإذا زاد يردّ عليكم؟ » قلت : لا ، قال : « فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر ، كما أنه إذا زاد كان له كذلك إذا نقص » (٤).

ويستفاد منه مضافاً إلى الاتفاق كما حكي (٥) اشتراط الخرص ببلوغ الزرع ، وهو مقتضى الأصل الدال على فساد هذه المعاملة ، كما تقدم‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٣٦٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٠٥ / ٩٠٥ ، الوسائل ١٩ : ٥٠ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٤ ح ٣.

(٣) الحَزْرُ : التقدير والخرص. الصحاح ٢ : ٦٢٩.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٠٨ / ٩١٦ ، الوسائل ١٩ : ٥٠ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٤ ح ٤.

(٥) انظر الحدائق ٢١ : ٣٤.

٣٨١

في كلام الحلي ، فيقتصر فيها على مورد الإجماع والنص ، وليس إلاّ الخرص بعد البلوغ ، ففي الصحيح الوارد في تقبيل الخيبر : « فلمّا بلغت الثمرة أمر عبد الله بن رواحة فخرص عليهم » (١) الحديث.

( وتثبت اجرة المثل في كل موضع تبطل فيه المزارعة ) لصاحب الأرض إن كان البذر من الزارع ، والحاصل له إن كان البذر منه وعليه اجرة مثل العامل والعوامل والآلات.

ولو كان البذر منهما فالحاصل بينهما على نسبته ولكل منهما على الآخر اجرة مثل ما يخصّه على نسبة ما للآخر من الحصّة ، فلو كان البذر بينهما بالنصف مثلاً رجع المالك بنصف أُجرة أرضه والعامل بنصف اجرة عمله وعوامله وآلاته ، وعلى هذا القياس باقي الأقسام.

ولو كان البذر من ثالث فالحاصل له وعليه اجرة مثل الأرض وباقي الأعمال وآلاتها لصاحبها.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ؛ ويظهر وجهه مما ذكرناه في المضاربة الفاسدة (٢).

وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في ثبوت الأُجرة لمن ليس له البذر على الآخر في مقابلة أرضه أو عمله بين أن يكون هناك حاصل أم لا.

( وتكره إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير ) مطلقاً ، منها كانا أو من غيرها ، زرعت بجنسهما أم بغيرهما ؛ استناداً في الجواز إلى الأصل والعمومات ، وفي الكراهة إلى شبهة الخلاف ، واحتمال التحريم فتوى ورواية.

خلافاً للأشهر فيما إذا كانا منها ، فقالوا فيه بالحرمة إذا اشترط ، بل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٧ / ٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٢ أبواب بيع الثمار ب ١٠ ح ٣.

(٢) راجع ص : ٣٤٩.

٣٨٢

نفى عنه الخلاف بعض الأجلّة (١) ، قالوا : لأن خروج ذلك القدر منها غير معلوم ، فربما لا يخرج منه شي‌ء ، أو يخرج بغير ذلك الوصف ، ومن ثمّ لم يجز السلف في حنطة من قراح معيّن لذلك ، وللخبرين : عن إجارة الأرض بالطعام ، فقال : « إن كان من طعامها فلا خير فيه » (٢).

ويضعّف الأوّل : بمنعه على إطلاقه ؛ إذ ربما كانت الأرض واسعة لا تخيس بذلك القدر عادة ، فلا يتمّ إطلاق المنع.

والخبران : بقصور السند والدلالة ؛ فإن نفي الخير أعمّ من الحرمة ، بل ربما أشعر بالكراهة.

ويمكن الذبّ عن الأوّل : بتتميم الإطلاق بعدم القائل بالفرق.

وعن الثاني : بانجبار قصور السند بالشهرة المحكية في كلام جماعة (٣) ، مع أن سند أحدهما صحيح إلى صفوان ، وجهالة من بعده مجبورة بكونه ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

والدلالة بورود النهي الظاهر في الحرمة عن إجارة الأرض بالطعام في كثير من المعتبرة ، وفيها الموثق كالصحيح وغيره : « لا تؤاجر الأرض بالحنطة والشعير ولا بالتمر ، ولا بالأربعاء ، ولا بالنطاف (٤) ، ولكن بالذهب‌

__________________

(١) كصاحب الحدائق ٢١ : ٢٩١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٥ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٩٥ / ٨٦٤ ، الإستبصار ٣ : ١٢٨ / ٤٦٠ ، الوسائل ١٩ : ٥٥ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٦ ح ٥. والخبر الآخر : التهذيب ٧ : ٢٠٩ / ٩١٧ ، الإستبصار ٣ : ١٢٨ / ٤٦١ ، الوسائل ١٩ : ٥٦ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٦ ح ٩.

(٣) منهم الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ١١٠ ، السبزواري في الكفاية : ١٢٦ ، البحراني في الحدائق ٢١ : ٢٨٧.

(٤) الارْبِعاء جمع الربيع وهو : جدول أو ساقية تجري إلى النخل أو الزرع. النِّطاف

٣٨٣

والفضة ، لأن الذهب والفضة مضمون وهذا ليس بمضمون » (١).

وأظهر منها الصحيح : كان لي أخ فهلك وترك في حجري بنتاً ولي أخ يلي ضيعة لنا وهو يبيع العصير ممن يصنعه خمراً ويؤاجر الأرض بالطعام ، فأمّا ما يصيبني فقد تنزّهت ، فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟ فقال : « أمّا إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ منه نصيب اليتيم » (٢) الحديث.

فإن حمله على الكراهة مضافاً إلى مخالفته لظاهر النهي في غاية البعد.

وهو كالمعتبرة السابقة وإن اقتضت إطلاق المنع ولو كانت الحنطة أو الشعير اللذين استؤجرت الأرض بهما من غيرها ، إلاّ أن اللازم تقييدها بما إذا كانا منها ؛ لعدم القائل بالحرمة كذلك ، فإن القائل بحرمة إجارتها بهما ولو من غيرها وهو القاضي (٣) يشترط اتّحاد الجنس بينهما وبين ما تزرع الأرض به ، فلو آجرها بحنطة مثلاً وزرع فيها شعيراً لم يحرم عنده.

والنصوص المذكورة خالية عن هذا الشرط ، وإن احتملت التقييد به ، كالخبرين الأوّلين بأن يراد من قوله : « إن كان من طعامها » أي من جنسه ولو كان من غيرها.

وربما أيّده المروي في العلل عن الصادقين عليهما‌السلام أنهما سئلا : ما العلّة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام وتؤاجر بالذهب والفضة؟

__________________

جمع نطفة : الماء الصافي قلّ أو كثر. وقيل : ما يبقى في الدلو. مجمع البحرين ٤ : ٣٣٢ وج ٥ : ١٢٥.

(١) الكافي ٥ : ٢٦٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٤٤ / ٦٣٨ وص ١٩٥ / ٨٦١ ، الإستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٧ ، الوسائل ١٩ : ٥٤ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٦ ح ٢ ، ٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٩٦ / ٧٦٦ ، الوسائل ١٩ : ٥٥ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٦ ح ٧.

(٣) المهذّب ٢ : ١٠.

٣٨٤

قال : « العلّة في ذلك أن الذي يخرج حنطة وشعير ، ولا يجوز إجارة حنطة بحنطة ولا شعير بشعير » (١).

إلاّ أن تقييدها بما ذكره الأكثر من الشرط دون هذا وحمل الخبرين على ظاهرهما أولى ؛ لاعتضاد هذا الجمع بالشهرة ، وما تقدّم من تعليل المنع في تلك المعتبرة من أنهما ليسا بمضمونين دون النقدين ، فإن ذلك إنما يتّجه فيما إذا كان مال الإجارة من حاصل تلك الأرض ، فإنه يجوز أن لا يخرج منها شي‌ء بخلاف النقدين الثابتين في الذمّة بمجرّد العقد ، والحنطة والشعير الخارجان عن الحاصل في حكمهما في صحة المضمونية.

وبالحسن : عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض ، قال : « حرام » فقلت له : فما تقول جعلني الله فداك أن أشتري منه الأرض بكيل معلوم من حنطة من غيرها؟ قال : « لا بأس » (٢).

بناءً على ظهور اتّحاد البيع والإجارة فيما الظاهر أنه هو وجه المنع عن الأوّل فيه من عدم معلوميّة حصول العوض وكميّته كيلاً أو وزناً ، وقد عرفت أن ما كان من الأرض غير مضمون ولا ثابت في الذمّة ولا هو معلوم الحصول فلا يجوز البيع به ولا الإجارة.

وفيه زيادة على الشهادة على الجمع تقوية لدلالة الأخبار المتقدمة المتضمنة للنهي ونفي الخير على الحرمة ؛ لتصريحه بها كما ترى.

__________________

(١) علل الشرائع : ٥١٨ / ١ ، الوسائل ١٩ : ٥٦ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٦ ح ١١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٥ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٥١ / ٦٦٦ ، التهذيب ٧ : ١٤٩ / ٦٦١ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٧ أبواب بيع الثمار ب ١٢ ح ٢.

٣٨٥

ورواية العلل وإن شهدت بالجمع الآخر إلاّ أن فيها قصوراً من حيث السند ، والمقاومة لما مرّ من الوجوه لصحة الجمع الأوّل ، وإن اعتضدت بالصحيح : « لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة » (١) لاحتماله التقييد بكون الحنطة المستأجرة بها الأرض منها لا مطلقاً ، ويؤيّده ملاحظة المعتبرة المتقدمة الناهية عن إجارة الأرض بالطعام على الإطلاق معلّلة بما يقتضي تقييده بهذا القيد ، كما مرّ إليه الإشارة.

ومما حرّرنا ظهر عدم الخلاف في جواز إجارة الأرض بالطعام من غيرها مع تغايره لجنس ما تزرع به على كراهة ؛ ولعلّ وجهها إطلاق المعتبرة بالنهي عن مؤاجرتها به مطلقاً المحتمل شموله للصورة وإن تضمّنت ما يقتضي التقييد بغيرها ، كما مضى ؛ للمسامحة في الكراهة والاكتفاء في إثباتها بالاحتمال مطلقاً وإن ضعف ، على الأشهر الأقوى.

وعدم الخلاف في حرمتها به منها إلاّ من ظاهر العبارة ، حيث أطلقت الحكم بالكراهة بحيث شملت الصورة ؛ ووجهه غير ظاهر بعد ما عرفت من الأدلّة على الحرمة فيها.

مضافاً إلى عدم القائل بذلك من الطائفة ، كما يظهر من تتبّع كتب الجماعة ، وأن الأشهر الأقوى الحرمة في هذه الصورة والكراهة في الصورة الأُولى ولو مع اتّحاد الجنس.

خلافاً للقاضي في الصورتين ، فظاهره الجواز مع التغاير جنساً مطلقاً والحرمة مع الاتحاد كذلك (٢).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٥٩ / ٦٩٥ ، التهذيب ٧ : ١٩٥ / ٨٦٣ ، الوسائل ١٩ : ٥٤ أبواب المزارعة والمساقاة ب ١٦ ح ٣.

(٢) المهذب ٢ : ١٠.

٣٨٦

ولا ريب أن الحرمة فيما عدا محل الاتفاق على الجواز أحوط وأولى.

( و ) يكره أيضاً ( أن يوجرها بأكثر مما استأجرها به ، إلاّ أن يحدث فيها حدثاً ) ولو لم يقابل الزيادة ، كما يدلّ عليه إطلاق المعتبرة الآتية ( أو يؤجرها بغير الجنس الذي استأجرها به ) بلا خلاف في الجواز مع الاستثناءين فتوًى فيهما ، ونصّاً في الأوّل خاصّة دون الثاني ؛ لظهوره في المنع فيه بحسب الإطلاق أيضاً ، حيث حصر المجوّز في الاستثناء الأوّل ، فإن كان إجماع على الجواز بالثاني ، كما هو الظاهر وبه صرّح في الانتصار (١) ، وإلاّ فهو محل مناقشة.

وأمّا الحكم بالكراهة بدونهما دون الحرمة فهو الأشهر بين متأخّري الطائفة ، بل عن التذكرة أن عليه أكثر علمائنا الإمامية (٢). وهو كما ترى ظاهر في الشهرة المطلقة.

وفاقاً للحلّي وأحد قولي الديلمي والقاضي (٣) ، ولعلّه عليه عامّتهم ؛ استناداً في الكراهة إلى شبهة الخلاف الآتي فتوًى وروايةً ، وفي الجواز إلى الأصل ، والعمومات كتاباً وسنة ، وصريح كثير من المعتبرة المستفيضة ، في ثلاث منها وأحدها الصحيح ، وباقيها قريب منه ؛ لاشتمال السند على الحسن بن محبوب وابن فضال المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما ، ووجود سهل في بعضه قبل الأخير بناءً على سهولة ضعفه أو وثاقته سهل ـ : في الرجل يستأجر الأرض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها ، قال : « لا بأس ،

__________________

(١) الانتصار : ٢٣١.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٩١.

(٣) الحلي في السرائر ٢ : ٤٤٦ ، الديلمي في المراسم : ١٩٥ ، القاضي في المهذب ٢ : ١١.

٣٨٧

إنّ هذا ليس كالحانوت ولا كالأجير ، فإنّ فضل الحانوت والأجير حرام » كذا في الأوّل (١) ، وبدّل « الحانوت » بـ « البيت » في الباقي (٢).

وفي موثقين منها (٣) : « إذا تقبّلت أرضاً بذهب أو فضّة لا تقبّلها بأكثر مما تقبّلتها ، وإن تقبّلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبّلها بأكثر مما تقبّلتها به ، لأن الذهب والفضة مضمونان » كذا في أحدهما (٤) ، وقريب منه في‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٢ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٠٣ / ٨٩٥ ، الإستبصار ٣ : ١٢٩ / ٤٦٤ ، الوسائل ١٩ : ١٢٥ أبواب الإجارة ب ٢٠ ح ٤.

(٢) انظر الوسائل ١٩ : ١٢٥ ، ١٢٦ أبواب الإجارة ب ٢٠ الأحاديث ٢ ، ٣ ، ٥.

(٣) الاستدلال بهما مبني على فرض عموم عنوان المسألة لكل من الإجارة والمزارعة ، كما يفصح عنه عموم أدلة المجوّزين من الأصل والعمومات ، وكذا بعض أدلة المانعين من استلزام الزيادة الربا لهما ، ووجه الاستدلال بهما على هذا تجويزه عليه‌السلام فيهما المزارعة الثانية بأكثر مما زورع به في المزارعة الاولى ، ويكون الجواب عن صدرها المانع عن الزيادة في الإجارة ما في المتن من الشذوذ لو حمل على ظاهره ؛ لعدم قول أحد من المانعين بذلك ؛ إذ كلّ من منع منع منه مطلقاً ، كان ما استوجر به ثانياً النقدين أم غيرها ، وكل من جوّز جوّز كذلك.

نعم ظاهر الشيخ في الاستبصار القول بالفرق فيهما ، لكن ذكره احتمالاً لا فتوى ؛ جمعاً بين النصوص ، كما ذكر غيره من الاحتمالات ، وسياق كلامه ظاهر فيما قلناه من فرض عموم المسألة لكلّ من الإجارة والمزارعة ، فإنه قال بعد ذكر الأخبار الثلاثة المتقدمة : وينبغي بأن نقيّدها بأحد أشياء إمّا أن نقول : له إجارتها إذا كان استأجرها بدراهم أو دنانير معلومة أن يوجرها بالنصف أو الثلث أو الربع وإن علم أن ذلك أكثر. ثم ذكر الرواية الثانية سنداً للقول بالحرمة ، ثم قال : والثاني أنه يجوز مثلاً إذا استأجرها بالثلث أو الربع أن يوجرها بالنصف ؛ لأن الفضل إنما يحرم إذا كان استأجرها بدراهم فآجرها بأكثر منها ، وأمّا على هذا الوجه فلا بأس. ثم ذكر هذين الموثّقين ، ووجه دلالته على ما قلنا إطلاقه لفظ الإجارة على الإجارة بالثلث والنصف ، وذلك لا يكون إلاّ بزراعة ، وربما يقربه ذكر الماتن هذه المسألة هنا وفي الشرائع في هذا الكتاب وفي كتاب الإجارة. ( الشرائع ٢ : ١٥٠ ، ١٨١ ). منه رحمه‌الله.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٣ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٠ / ٨٩٨ ، الإستبصار ٣ : ١٣٠ / ٤٦٧ ، الوسائل ١٩ : ١٢٧ أبواب الإجارة ب ٢١ ح ٢.

٣٨٨

الثاني (١).

ولا يقدح في الاستدلال بهما تضمّنهما للنهي عن التقبيل بزيادة في النقدين ؛ لاحتمال أن يكون المراد منه المزارعة ، أي : لا تستأجرها بهما فتزارع بأكثر منهما ، ويكون الوجه حينئذٍ في النهي ما مرّ من اشتراط كون المزارعة بحصّة مشاعة من الحاصل ، فلا يجوز بالنقدين وما في معناهما.

وليس الوجه فيه المنع عن خصوص الزيادة ، وإنما ذكرت تبعاً للعادة من عدم وقوع المزارعة مرّة ثانية إلاّ معها.

ولو لم تحمل الروايتان على ذلك للحقتا بالشواذّ ؛ لعدم قائل بهما كذلك ، وهو الفرق بين النقدين وغيرهما بجواز الزيادة في الثاني دون الأوّل ، فتأمّل.

خلافاً للمقنع والإسكافي والشيخين والمرتضى والحلبي ، والقول الآخر للديلمي والقاضي (٢) ، فاختاروا الحرمة ، وهو خيرة الغنية (٣) مدّعياً عليها إجماع الإمامية ؛ فإن تمّ كان هو الحجّة ، دون الرواية : عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى ، ثم آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصلح له ذلك؟ قال : « نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٩ / ٦٥٤ ، الوسائل ١٩ : ١٢٨ أبواب الإجارة ب ٢١ ح ٦.

(٢) المقنع : ١٣١ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٦١ ، المفيد في المقنعة : ٦٤٠ ، الطوسي في المبسوط ٣ : ٢٢٦ ، المرتضى في الانتصار : ٢٣١ ، الحلبي في الكافي : ٣٤٦ ، الديلمي في المراسم : ١٩٥ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٥٧ / ٦٨٩ ، التهذيب ٧ : ٢٠٣ / ٨٩٦ ، الإستبصار ٣ : ١٣٠ / ٤٦٨ ، الوسائل ١٩ : ١٢٧ أبواب الإجارة ب ٢١ ح ٣ ، ٤.

٣٨٩

لقصور السند بجهالة الراوي ، والشهرة القديمة تصلح جابرة حيث لا تعارضها الشهرة المتأخّرة ، وقد عارضتها في المسألة ، فالترجيح فيها للثانية ؛ لكثرة أدلّتها من الأُصول والنصوص المستفيضة ، هذا.

مع احتمالها لقصور في الدلالة ، فإنّ غايتها أنه لا يصلح ، وهو أعمّ من الحرمة ، بل مشعر بالكراهة عند جماعة ، ومنهم شيخ الطائفة القائل هنا بالحرمة ، بل جعله دليلاً للكراهة وصريحاً فيها في مواضع عديدة (١).

وإجماع الغنية مع وهنه بمخالفة معظم الطائفة وإن كانوا بعده موهون ، فلا يصلح للحجيّة ، سيّما إذا عارضته الشهرة المحكية على الجواز في التذكرة (٢) ، كما عرفته.

وأما ما في رواية أُخرى : « لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح شيئاً » (٣).

فيجاب عنه مضافاً إلى قصور سندها كالسابقة بقصور الدلالة ، فإن غايتها ثبوت البأس في محلّ المنع ، وهو أعم من الحرمة.

وحمله عليها لإضافته إلى الدار وهو للحرمة ، كما دلّت عليه بعض الأخبار السابقة (٤) إنما يتمّ لو لم يكن استعماله في الأعم منها ومن الكراهة.

والسياق إنما يدلّ على التعيين لو لم يدلّ دليل على الكراهة في الأرض ، وقد مرّ ما يدلّ عليها من المعتبرة ، فمقتضى الجمع رفع اليد عن‌

__________________

(١) الإستبصار ٣ : ١٣٠ ، النهاية : ٤٣٩.

(٢) راجع ص : ٣٨٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٢٣ / ٩٧٩ ، الوسائل ١٩ : ١٢٩ أبواب الإجارة ب ٢٢ ح ٢.

(٤) راجع ص : ٣٨٩.

٣٩٠

السياق وإبقاء البأس على عمومه ، وإرادة الحرمة منه بالإضافة إلى الدار ، والكراهة بالإضافة إلى الأرض.

هذا على تقدير تسليم ثبوت الحرمة بالإضافة إلى الدار ، كما دلّت عليه تلك المعتبرة ، وقال بما فيها الماتن في الشرائع (١) ، وحكاه عن الشيخ في التذكرة (٢) ، وإلاّ كما هو ظاهر المتأخّرين فلا سياق يشهد بذلك بالبديهة.

وأما الاحتجاج للمنع بقضيّة لزوم الربا فأوضح حالاً في الفساد من الحجة السابقة ؛ فإنه إنما يتحقّق في معاوضة أحد المثلين بالآخر مع الزيادة والكيل أو الوزن.

مضافاً إلى الصحيح الدالّ على عدمه هنا ، وفيه : « لو أن رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم وسكن بيتاً منها وآجر بيتاً منها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها إلاّ أن يحدث فيها شيئاً » (٣) ولو ثبت في الثاني لثبت الربا في الأوّل.

ثم إن ظاهر الفريقين حتى الشيخ كما في المختلف وغيره (٤) عدم الفرق في الحكم كراهة أو تحريماً بين الأرض وغيرها من الأعيان المستأجرة.

فإن كان إجماع كان القول بالكراهة مطلقاً متعيّناً.

وعليها تحمل النصوص الدالّة على الحرمة في الثلاثة المتقدمة في‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ١٨١.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٩١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٢ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٠٩ / ٩١٩ ، الوسائل ١٩ : ١٢٩ أبواب الإجارة ب ٢٢ ح ٣.

(٤) المختلف : ٤٦١ ؛ وانظر الروضة ٤ : ٣٥٦.

٣٩١

تلك المعتبرة (١) ؛ لصراحتها في الجواز في غيرها ، دون لفظ الحرمة فيها ، لظهوره فيها ، والظاهر يُدفع بالنص حيث لا يمكن الجمع بينهما كما هو الفرض ، للإجماع على عدم الفرق ، والاختلاف في شدّة الكراهة وضعفها كافٍ لوجه الفرق بين الأرض وغيرها والثلاثة في المعتبرة كما لا يخفى.

وإن لم يكن إجماع كما هو الظاهر كان الفرق في الحكم بينهما كراهةً في الأوّل وحرمةً في الثاني متّجهاً ، كما في الشرائع (٢) ؛ عملاً بظاهر المعتبرة ، مع عدم داعٍ فيها إلى الجمع الذي قدّمناه.

مضافاً إلى تأيّدها بمعتبرة أُخر ، منها الصحيح المتقدم في الدار ، وقريب منه الآخر : في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها ، قال : « لا يصلح ذلك إلاّ أن يحدث فيها شيئاً » (٣).

ونفي الصلاحية وإن كان أعمّ من الحرمة إلاّ أن التصريح بها في تلك المعتبرة نفى عنه احتمال الكراهة.

ومنها في الأجير الصحيحان : عن الرجل يتقبّل العمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه؟ قال : « لا ، إلاّ أن يكون قد عمل فيه شيئاً » (٤).

والخبر : « لا يصلح ذلك إلاّ أن تعالج معهم فيه » قلت : فإني أُذيبه لهم ، قال ، فقال : « ذلك عمل فلا بأس » (٥).

__________________

(١) راجع ص : ٣٨٩.

(٢) الشرائع ٢ : ١٥٠ ، ١٨١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٣ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٠٤ / ٨٩٩ ، الوسائل ١٩ : ١٣٠ أبواب الاجارة ب ٢٢ ح ٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٣ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢١٠ / ٩٢٣ ، الوسائل ١٩ : ١٣٢ ، ١٣٣ أبواب الإجارة ب ٢٣ ح ١ ، ح ٤.

(٥) الفقيه ٣ : ١٥٩ / ٦٩٨ ، التهذيب ٧ : ٢١١ / ٩٢٧ ، الوسائل ١٩ : ١٣٤ أبواب الإجارة ب ٢٣ ح ٧.

٣٩٢

وفي آخر : عن الرجل الخيّاط يتقبّل العمل فيقطعه ويعطيه من يخيطه ويستفضل؟ قال : « لا بأس ، قد عمل فيه » (١) ونحوه غيره (٢).

والمستفاد منها ما قدّمناه من الاكتفاء في مقابل الزيادة بعمل ما ولو لم يواز الزيادة ، وهو خلاف ما ذكره الماتن في الشرائع (٣) وحكاه عن الشيخ في التذكرة (٤) مما ظاهره اشتراط كون العمل مقابلاً للزيادة.

وربما الحق بالثلاثة الرحى ؛ للخبر : « إني لأكره أن أستأجر رحى ثم أُؤاجرها بأكثر مما استأجرتها به ، إلاّ أن يُحدَث فيها حدث أو يغرم فيها غرامة » (٥).

والسفينة : للرواية المتقدمة (٦).

وقصور سندهما كالدلالة يمنع من أخذهما دليلاً للحرمة ، سيّما في مقابلة أدلّة الإباحة ، مع إشعار الاولى بالكراهة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢١٠ / ٩٢٤ ، الوسائل ١٩ : ١٣٣ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٣ ح ٥.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٩ / ٦٩٩ ، التهذيب ٧ : ٢١١ / ٩٢٦ ، الوسائل ١٩ : ١٣٣ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٣ ح ٦.

(٣) الشرائع ٢ : ١٨١.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٩١.

(٥) الكافي ٥ : ٢٧٣ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٠٤ / ٩٠٠ ، الوسائل ١٩ : ١٣٠ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٢ ح ٥.

(٦) في ص : ٣٩١.

٣٩٣

( وأمّا المساقاة )

( فهي ) لغة : مفاعلة من السقي ، واشتقّ منه دون باقي أعمالها ، لأنه أنفعها وأظهرها في أصل الشرعية وهو نخل الحجاز الذي يسقى من الآبار مع كثرة مئونته.

وشرعاً : ( معاملة على الأُصول ) الثابتة ، كالنخل والرمان ( بحصّة من ثمرها ).

والمراد بالثمرة معناها المتعارف ؛ للتردّد في صحة هذه المعاملة على ما يقصد ورقه وورده ، كالحنّاء ، لمخالفتها كالمزارعة ، لما مرّ فيها من الاشتمال على الغرر والجهالة للأُصول القطعية ، فيقتصر فيها على مورد الإجماع والمعتبرة ، وليس منه مفروض المسألة. ولو لوحظ إدخاله أُريد بالثمرة نماء الشجرة ، ليدخل فيه الورق المقصود والورد.

والأصل في مشروعيّتها عندنا هو الإجماع عليه في الظاهر ، وصرّح به في الغنية والتذكرة (١) ، والنصوص المعتبرة به مستفيضة ، منها الصحيحة المتقدمة في صدر المزارعة (٢).

( وتلزم المتعاقدين كالإجارة ) بلا خلاف بيننا ، كما في المسالك وغيره (٣) ؛ لعين ما مرّ في المزارعة فلا تنفسخ إلاّ بالتقايل.

( وتصحّ ) المساقاة ( قبل ظهور الثمرة إجماعاً ) (٤) كما هنا وعن‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١ ، التذكرة ٢ : ٣٤١.

(٢) راجع ص : ٣٦٦.

(٣) المسالك ١ : ٢٩٧ ؛ وانظر الكفاية : ١٢٢.

(٤) كلمة إجماعاً ليست في المختصر المطبوع.

٣٩٤

التذكرة وفي المسالك وشرح الشرائع للمفلح الصيمري وغيرها من كتب الجماعة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة مشروعية هذه المعاملة ؛ إذ لا فرد لها أظهر من مفروض المسألة.

( و ) كذا ( بعدها إذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد ) في الثمرة ، على الأشهر الأظهر بين الطائفة ، بل لعلّه عليه عامّتهم ، لجهالة القائل بعدم الصحة وإن اشتهر حكايته في كتب الجماعة (٢) ، فغير بعيد كونه إجماعاً كالأوّل ، فيمكن أخذه حجّة.

مضافاً إلى الأصل ، وعموم النصوص الدالّة على المشروعيّة ، وفحوى ما دلّ على الصحّة في الصورة السابقة ، فإن المعاملة حينئذٍ أبعد عن الغرر ؛ للوثوق بالثمرة ، فتكون أولى مما لو كانت معدومة.

ووجه عدم الصحة أن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود ، فصار بمنزلة المضاربة بعد ظهور الربح ، وأن المقصود من المساقاة ظهور الثمرة بعمله. وفيهما منع ظاهر.

ولو كان العمل بحيث لولاه لاختلّ حال الثمرة لكن لا يحصل به زيادة ، كحفظها من فساد الوحش والآفة ، فمقتضى القاعدة المتقدم إليها الإشارة غير مرة هنا وفي المزارعة فساد المعاملة.

والمراد بما فيه مستزاد الثمرة نحو الحرث والسقي ورفع أغصان الكرم على الخشب وتأبير ثمرة النخل ، دون نحو الجدار والحفظ والنقل وقطع الحطب الذي يعمل به الدبس من الأعمال التي لا يستزاد بها الثمرة ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٣ ، المسالك ١ : ٢٩٧ ؛ وانظر التحرير ١ : ٢٥٩ ، والكفاية : ١٢٢.

(٢) كالمهذب البارع ٢ : ٥٧٢ ، والحدائق ٢١ : ٣٤٥.

٣٩٥

فإن المساقاة لا تصحّ بها إجماعاً ، كما عن التذكرة وفي المسالك والروضة وغيرها من كتب الجماعة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى ما مرّ من القاعدة.

وحيث لا تصحّ صحّت الإجارة على بقية الأعمال بجزء من الثمرة والصلح والجعالة بلا إشكال ؛ لعموم أدلّتها السليمة عما تصلح للمعارضة.

( ولا تبطل بموتهما ) ولا بموت أحدهما ( على الأشبه ) الأشهر ، بل لعلَّه عليه عامّة من تأخّر ؛ لما مر في المزارعة (٢).

خلافاً للمبسوط ، فقال : يبطل عندنا (٣).

وهو شاذّ ، والإجماع المستفاد من ظاهر كلامه بمصير كافّة المتأخّرين إلى خلافه مع عدم عثور على موافق له موهون ، فالمصير إليه ضعيف.

( إلاّ أن يشترط ) المالك ( تعيين العامل ) فتنفسخ بموته ، بلا خلاف ولا إشكال.

وأمّا الأحكام المترتّبة على موت كلّ منهما فبيانها في المزارعة قد مضى.

( و ) إنما ( تصحّ ) المساقاة ( على كلّ أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ) فتصحّ على النخل والكرم وشجر الفواكه ، بلا خلاف فيها وفي عدم الصحة في الشجر الغير الثابت ، ونحو الوديّ بالدال المهملة بعد الواو المفتوحة والياء المشدّدة أخيراً وهو صغار النخل ، كما في المسالك (٤) ، بل عليه الإجماع في التذكرة في نحو البطّيخ والباذنجان وقصب السكّر‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٣ ، المسالك ١ : ٢٩٧ ، الروضة ٤ : ٣١١ ؛ وانظر الكفاية : ١٢٢.

(٢) راجع ص : ٣٦٧.

(٣) المبسوط ٣ : ٢١٦.

(٤) المسالك ١ : ٢٩٧.

٣٩٦

والبقول (١) ؛ وهما الحجة فيهما بعد القاعدة المقتضية لفساد هذه المعاملة في الثاني ، وفيما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به ، كالتوت الذكر الذي يقصد منه الورق دون الثمر ، والحنّاء.

وفيه وجه للصحة عند جماعة (٢) ؛ بناءً على أن الورق المقصود منه كالثمرة في المعنى ، فيكون مقصود المساقاة حاصلاً به ، وفي المسالك : وفي بعض الأخبار ما يقتضي دخوله (٣).

فإن كان وصحّ الاعتماد عليه باعتبار السند ، وإلاّ فالأجود المنع ، وفاقاً لظاهر العبارة وغيرها (٤) ، من حيث ظهور الثمرة فيهما في المعنى الخاص وقوفاً على ظاهر القاعدة المتّفق عليها بين الجماعة.

اللهم إلاّ أن يكون هنا تنقيح مناط وعلّة ، وليس ؛ إذ ليس المنقّح إلاّ الإجماع ، وهو مفقود لقضيّة الخلاف ، والعقل وغايته المظنّة ، وليست بمنقّحة حتى تبلغ درجة القطع ، وليست هنا ببالغة إليها بالضرورة.

قالوا : لو ساقاه على وديّ مغروس إلى مدّة يحمل مثله فيها غالباً صحّ ولو لم يحمل فيها ، وإن قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالباً أو كان الاحتمال على السواء لم يصحّ.

وعلّل الصحة في الصورة الأُولى بأن مرجع المساقاة إلى تجويز ظهور الثمرة وظنّه بحسب العادة ، فإذا حصل المقتضي صحّ مطلقا وإن تخلّف ، كما لو ساقاه على شجرة كبيرة واتّفق عدم الثمرة في المدّة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٢.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٣١٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٠ : ١٢٥ ، والسبزواري في الكفاية : ١٢٣.

(٣) المسالك ١ : ٢٩٧.

(٤) كالحدائق ٢١ : ٣٥٦.

٣٩٧

ومنه يظهر وجه عدمها في الثانية.

وفي الاولى لا اجرة له على جميع العمل ؛ لقدومه على ذلك ، والمعتبر في صحة المساقاة ظنّ ثمرة ولو في آخر المدة ، كما لو ساقاه عشر سنين وكانت الثمرة لا تتوقع إلاّ في العاشرة ، وحينئذٍ فتكون الثمرة في مقابلة جميع العمل ، ولا يقدح خلوّ باقي السنين ، فإنّ المعتبر حصول الثمرة ظنّاً في مجموع المدة لا في جميع أجزائها.

وفي الثانية له اجرة المثل مع جهله بالفساد ، كما قالوه في هذه المعاملة حيثما خرجت فاسدة.

( ويشترط فيها ) ذكر ( المدة المعلومة التي يمكن حصول الثمرة فيها غالباً ) ولو بالمظنة ، كما مرّ إليه الإشارة ، وعليه في الجملة الإجماع في المسالك (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى لزوم هذه المعاملة ، ولا معنى لوجوب الوفاء بها دائماً ولا إلى مدة غير معلومة ، ولا سنة واحدة ؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.

وفي اشتراط تعيينها بما لا يحتمل الزيادة والنقيصة دون غيره كقدوم الحاج وإدراك الغلّة وإن كانت هي الغلّة المعامل عليها ، أم الاكتفاء بتقديرها بثمرة المساقي عليها قولان. والأوّل أشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر إلاّ من ندر ممن تأخّر (٢) ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل واحتمل الجهالة والغرر على موضع اليقين من الإجماع والنص.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٩٨.

(٢) انظر مجمع الفائدة ١٠ : ١٢٨.

٣٩٨

وعلى الثاني الإسكافي (١) ؛ نظراً إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة كالمعلوم ، وأن المقصود منها هو العمل إلى إكمالها ، وأن العقد مبني على الغرر والجهالة ، فلا يقدحان فيه.

وللصحيح : عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان والنخل والفاكهة فيقول : اسق هذا واعمره ولك نصف ما خرج ، قال : « لا بأس » (٢).

وله وجه ؛ للدليل الأوّل دون الباقي ، لضعفها ، سيّما الأخير ، لما مرّ في المزارعة (٣) ، ولكنه شاذّ فالمصير إليه ضعيف.

( ويلزم العامل من العمل ) مع إطلاق العقد ( ما ) دلّ عليه العرف والعادة مما ( فيه مستزاد الثمرة ) خاصّة ، كما عن الإسكافي (٤) ، وتشعر به ظاهر العبارة ، أو إصلاحها أيضاً ، كما عليه أكثر متأخّري الطائفة (٥).

وضابطه كما ذكره الأصحاب ما يتكرّر كلّ سنة ، كإصلاح الأجاجين (٦) ، وإزالة الحشيش المضرّ بالأُصول ، وقطع ما يحتاج إلى القطع من أغصان الشجر والنخل ، وإصلاح الأرض بالحرث والحفر حسب ما يحتاج إليه ، والسقي ، والتلقيح ، والعمل بالناضح ، وتعديل الثمرة بإزالة ما يضرّ بها من الأغصان والأوراق لإيصال الهواء إليها وما تحتاج إليه من الشمس ، ولقاط الثمرة بمجرى العادة ، وحفظها ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) كما حكاه عنه في المسالك ١ : ٢٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٥٤ / ٦٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٩٨ / ٨٧٦ ، الوسائل ١٩ : ٤٤ أبواب المزارعة والمساقاة ب ٩ ح ٢.

(٣) راجع ص : ٣٦٦.

(٤) على ما نقله عنه في المختلف : ٤٧٢.

(٥) كالمحقق في الشرائع ٢ : ١٥٦ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٢٤٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٣١٣.

(٦) الأجاجين جمع الإجّانة وهي موقع الماء تحت الشجرة. مجمع البحرين ٦ : ١٩٧.

٣٩٩

( و ) على المالك القيام بما يقتضي العرف والعادة قيامه به.

وضابطه كما ذكروه ما لا يتكرّر كلّ سنة ، وإن عرض له في بعض الأحوال التكرّر ، ممّا يتعلّق نفعه بالأُصول بالذات وإن حصل منه النفع للثمرة بالعرض ، فإنه ( على المالك ) دون العامل ، ك ( بناء الجدران وعمل النواضح ) وحفر الأنهار والآبار ، وما يسقى بها من دالية أو دولاب أو نحو ذلك.

والأكثر كما في المسالك وغيره (١) على أن الكُشّ (٢) للتلقيح على المالك. خلافاً للحلّي ، فعلى العامل (٣).

وفي التذكرة أنّ شراء الزبل وأُجرة نقله على ربّ المال (٤).

والأقوى في ذلك كلّه الرجوع إلى المتعارف في كلّ بلد أو قرية فإنه الأصل في أمثال هذه المسائل.

( و ) كذا ( خراج الأرض ) على المالك ؛ لعين ما مرّ في المزارعة (٥).

( إلاّ أن يشترط ) شي‌ء من ذلك ( على العامل ) فيلزمه بعد أن يكون معلوماً. ولا فرق بين أن يكون المشترط عليه جميعه أو بعضه ، بلا خلاف إلاّ من الإسكافي (٦) في اشتراط المالك على العامل إحداث أصل جديد من حفر بئر أو غرس يأتي به لا يكون للمساقي في ثمرته حقّ.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٩٨ ؛ وانظر القواعد ١ : ٢٤٠.

(٢) الكُشّ : ما يُلْقح به النخل. لسان العرب ٦ : ٣٤٢.

(٣) السرائر ٢ : ٤٥١.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٤٦.

(٥) راجع ص : ٣٧٨.

(٦) كما حكاه عنه في المختلف : ٤٧٢.

٤٠٠