رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

ما عبّر فيه بالانعقاد والصيرورة حصرماً ، كما مرّ في الموثّق ، وبه استدل للأوّل. وفيه نظر.

وما عبّر به بزيادة سقوط الورد ، كما في القول الثاني ، وفيه : « ثمرة الشجرة لا بأس بشرائها إذا صلحت ثمرته » فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : « إذا عقد بعد سقوط ورده » (١).

وما عبّر بالطعم أو البلوغ أو الإدراك الراجع بحكم التبادر إلى القول الثالث ، وهو المعتبرة المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة.

وخيرها أوسطها ؛ لانجبار ضعف ما دلّ عليه سنداً بالشهرة المحكيّة جدّاً ، وقصور الأخبار الأخيرة عن المقاومة له دلالةً ، لاحتمال إرجاع ما فيها من الألفاظ الثلاثة إليه جدّاً ، كما فعل فيما تقدّم.

ولا ريب أنّ الأخير أحوط ، فلا يترك مهما أمكن.

( وإذا أدرك بعض ثمرة البُستان جاز بيع ثمرته أجمع ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة ، كالمختلف والمسالك وشرح الشرائع للصيمري وغيرهم (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة المتقدم إليها الإشارة ، وفيها الصحيح والمرسل كالموثق : « إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعاً » (٣) كما في الأوّل.

وفي الثاني : عن بيع الثمرة قبل أن تدرك ، فقال : « إذا كان في ملك‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٨٩ / ٢٠٣ ، الوسائل ١٨ : ٢١٤ أبواب بيع الثمار ب ١ ح ١٣.

(٢) المختلف : ٣٧٦ ، المسالك ١ : ٢٠٥ ، وانظر الحدائق ١٩ : ٣٣٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٧ ، الوسائل ١٨ : ٢١٧ أبواب بيع الثمار ب ٢ ح ١.

٢١

بيع له غلّة قد أدرك فبيع كلّه حلال » (١).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الضميمة بين أن تكون متبوعة أو تابعة.

ولا ريب في الأولى ؛ للقاعدة المطّردة من صحة المعاملة مع الضميمة التي تكون بالذات مقصودة مخرجة لها عن الغرر والمجازفة ، وقد تقدّم إلى ذكرها مراراً الإشارة.

وكذا في الثانية بعد ما عرفت من إطلاق النص والفتوى المخرجين لها عمّا دلّ على فساد المعاملة ولو بضمّ ضميمة ليست بالذات مقصودة إذا اشتملت على الغرر والجهالة.

ومن هنا انقدح وجه القدح في استدلال جماعة (٢) بقاعدة الضميمة المزبورة لصحة هذه المعاملة مطلقا ولو في الصورة الثانية ، فإنّها لم تنهض بإثباتها إلاّ في الصورة الأُولى خاصّة.

ولعلّ الوجه فيه أنّ الضميمة هنا ليست لدفع الغرر والجهالة حتى يأتي فيها التفصيل المتقدم إليه الإشارة ، لاختصاص مثله بما يتصوّر فيه الأمران لو خلا عنها ، وليس منه مفروض المسألة ، بناءً على أنّ المنع عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها إنّما هو تعبّد محض نهض بإثباته الأخبار المانعة ، لولاها لتعيّن المصير إلى الجواز ، نظراً إلى الأصل ، والعمومات السليمة عن معارضة الغرر والمجازفة ، لاندفاعهما بالمشاهدة ، ولذا صار‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٦١ ، الإستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٦ ، الوسائل ١٨ : ٢١٧ أبواب بيع الثمار ب ٢ ح ٢.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠٥ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٢٠٧ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٣٣٧.

٢٢

إليه جماعة (١) بعد حملهم تلك الأخبار على الكراهة بشهادة بعضها كما زعموه ، بل ضمّها هنا ليس إلا للذبّ والفرار عن الدخول تحت إطلاق تلك الأخبار بناءً على اختصاصها بحكم التبادر بغير المضمار.

( ولو أدرك ثمرة بستان ففي جواز بيع بستان آخر لم يدرك منضمّاً إليه تردّد ) ينشأ من إطلاق تلك الأخبار المانعة عن بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح ، واختصاص ما تقدّم من الإجماع والمعتبرة بالمسألة الأُولى خاصّة ، وليس مثلها المسألة ، فإنّ لكلّ بستان حكمه.

مضافاً إلى ظاهر بعض المعتبرة ، كالموثق : عن الفاكهة متى يحلّ بيعها؟ قال : « إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حلّ بيع الفاكهة كلّها ، فإذا كان نوعاً واحداً فلا يحلّ بيعه حتى يطعم ، فإن كان أنواعاً متفرّقة فلا يباع منها شي‌ء حتى يطعم كلّ نوع منها وحده ثم تباع تلك الأنواع » (٢).

وممّا عرفت من انصراف إطلاق تلك الأخبار بحكم التبادر إلى غير صورة الضميمة ، فيتّجه الحكم بالصحة معها ، بناءً على ما عرفت من عموم أدلّتها السليمة مع الضميمة عن معارضة الأخبار المانعة ، وأنّه لا غرر هنا ، وكون المنع على تقديره إنّما هو تعبّد محض لا للمجازفة.

ومعارضةِ الموثّقة بأقوى منها من المعتبرة سنداً ودلالةً ، وهو الرواية الثانية المتقدّمة في المسألة السابقة (٣) ، لشمولها للمسألة ؛ مضافاً إلى ضعف‌

__________________

(١) منهم : الشيخ في التهذيب ٧ : ٨٨ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٥٠٢ ، والمحقق الثاني غ في جامع المقاصد ٤ : ١٦٢ ، والشهيد في المسالك ١ : ٢٠٥ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٣٣٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٩٢ / ٣٩١ ، الإستبصار ٣ : ٨٩ / ٣٠٤ ، الوسائل ١٨ : ٢١٨ أبواب بيع الثمار ب ٢ ح ٥.

(٣) راجع ص : ٢١.

٢٣

دلالة الموثّقة بقرب احتمال خروجها عن مفروض المسألة باشتراطها في صحة بيع الثمرة مع الضميمة اتّحاد النوع ، ولم يقل به أحد من الطائفة ، فيكون حينئذٍ شاذّة ، وصرّح بذلك بعض الأجلّة (١).

( و ) منه يظهر أنّ ( الجواز أشبه ) ومع ذلك هو بين المتأخّرين أشهر. خلافاً للمبسوط والخلاف (٢). وهو ضعيف.

( ويصحّ بيع ثمر الشجرة ) بعد انعقاد الحبّ مطلقا ( ولو كان في الأكمام منضمّاً إلى أُصوله ) كان أ ( ومنفرداً ) بلا خلاف أجده ؛ للأصل ، والعمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، عدا توهّم لزوم الغرر والجهالة باستتار الثمرة. ويندفع بجواز البيع بناءً على أصالة الصحة ، كما مرّ في بحث بيع المسك في فأره ونحوه إلى ذكره الإشارة (٣).

( وكذا يجوز بيع الزرع قائماً ) على أُصوله مطلقا ، قصد قصله أم لا ( وحصيداً ) أي محصوداً وإن لم يعلم ما فيه ؛ استناداً في الأوّل إلى أنّه قابل للعلم مملوك فتتناوله الأدلّة من عمومات الكتاب والسنة.

وفي الثاني إلى أنّه حينئذٍ غير مكيل ولا موزون ، بل يكفي في معرفته المشاهدة ، فتتناوله تلك الأدلّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة فيهما ، منها الصحاح ، في أحدها : أيحلّ شراء الزرع الأخضر؟ قال : « نعم لا بأس به » (٤).

وفي الثاني : « لا بأس بأن تشتري زرعاً أخضر ثم تتركه حتى تحصده‌

__________________

(١) الحدائق ١٩ : ٣٣٨.

(٢) المبسوط ٢ : ١١٤ ، الخلاف ٣ : ٨٨.

(٣) راجع ص : ٢٤٦ ج ٨.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٤ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤٢ / ٦٣٠ ، الإستبصار ٣ : ١١٣ / ٣٩٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٤ أبواب بيع الثمار ب ١١ ح ٢.

٢٤

إن شئت أو تعلفه قبل أن يسنبل وهو حشيش » (١).

وقريب منه الثالث وغيره : « لا بأس أن تشتري زرعاً أخضر ، فإن شئت تركته حتى تحصده ، وإن شئت بعته حشيشاً » (٢).

ومنها الموثّق : عن شراء القصيل يشتريه الرجل ، فلا يقصله ويبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيراً أو حنطة وقد اشتراه من أصله على أنّ ما يلقاه من خراج فهو على العِلْج (٣) ، فقال : « إن كان اشترط عليه الإبقاء حين اشتراه إن شاء قطعه قصيلاً وإن شاء تركه كما هو حتى يكون سنبلاً ، وإلاّ فلا ينبغي له أن يتركه حتى يسنبل » (٤).

ومنها الخبر : عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد ، قال : « حلال بيعه فليبعه بما شاء » (٥).

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك إلاّ ما يحكى عن المقنع في الأوّل ، حيث شرط كونه سنبلاً أو القصيل (٦).

وله الخبر : عن الحنطة والشعير أشتري زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش؟ قال : « لا إلاّ أن يشتريه لقصيل يعلفه الدوابّ ثم يتركه إن شاء‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٤٢ / ٦٢٩ ، الإستبصار ٣ : ١١٢ / ٣٩٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٤ أبواب بيع الثمار ب ١١ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ١٤٤ / ٦٣٩ ، الإستبصار ٣ : ١١٢ / ٣٩٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٥ أبواب بيع الثمار ب ١١ ح ٦.

(٣) العِلْج : الكافر ، قال في الوافي ١٨ : ٥٤٩ : يعني على أن يكون الخراج على البائع دون المشتري ، فإنّ الزرّاع والأكرة كانوا يومئذٍ من كفّار العجم.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٥ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٤٨ / ٦٥١ ، التهذيب ٧ : ١٤٢ / ٦٢٦ ، الإستبصار ٣ : ١١٢ / ٣٩٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٦ أبواب بيع الثمار ب ١١ ح ٧.

(٥) الكافي ٥ : ٢٧٦ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٤١ / ٦٢٢.

(٦) المقنع : ١٣١.

٢٥

حتى يسنبل » (١).

وفيه مضافاً إلى الضعف سنداً بالبطائني قصور عن المقاومة لما مرّ جدّاً من وجوه شتّى.

وأمّا الموثّق : « لا تشتر الزرع ما لم يسنبل ، فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك .. » (٢) فليس له فيه حجّة ؛ لظهور السياق في أنّ المراد بالزرع هو الحاصل ، وقد مرّ أنّه لا يجوز بيعه قبل بدوّ صلاحه الذي هو انعقاد حبّه ، والشاهد عليه قوله عليه‌السلام : « فإذا كنت تشتري أصله » إلى آخره ، فتأمّل.

ثم إنّ ظاهر النصوص والفتاوى استحقاق المشتري الصبر إلى أوان البلوغ ، فيجب على البائع الصبر إليه جدّاً ، إلاّ أنّ الموثّقة الأُولى ظاهرة في خلافها حيث دلّت على أنّه لا ينبغي الترك حتى يسنبل مع عدم شرط الإبقاء ، ولكن ليس نصّاً في التحريم ، بل ولا ظاهراً ، بل ربما أشعرت اللفظة بالكراهة جدّاً ، فلا بأس بحملها عليها ؛ لذلك ، أو جمعاً.

وأمّا حملها على صورة البيع قصيلاً كما يشعر به صدراً فلا وجه له أصلاً ، أوّلاً : بضعف إشعار الصدر ، فإنّ شراء القصيل أعمّ من شرائه قصيلاً.

وثانياً : بأنّ شراءه كذلك ينافي التفصيل في الجواب بقوله : « إن كان اشترط عليه الإبقاء » الى آخره ، ظاهراً ؛ لمنافاة اشتراط الإبقاء الشراء قصيلاً ، إذ معناه الشراء بشرط القطع جدّاً ، وصرّح به الحامل ايضاً (٣).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٩ / ٦٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٧ أبواب بيع الثمار ب ١١ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٧ : ١٤٤ / ٦٣٧ ، الإستبصار ٣ : ١١٣ / ٤٠٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٠ أبواب بيع الثمار ب ٣ ح ٣.

(٣) الحدائق ١٩ : ٣٦٥.

٢٦

( ويجوز بيع الخُضر ) كالقثّاء والباذنجان والبطيخ والخيار ( بعد انعقادها ) وظهورها ، وإن لم يتناه عظمها على المشهور. خلافاً للمبسوط ، اشترطه ، كما مرّ (١).

( لقطة ولقطات ) معيّنة معلومة العدد.

كما يجوز شراء الثمرة الظاهرة وما يتجدّد في تلك السنة وفي غيرها مع ضبط السنين ؛ لأنّ الظاهرة منها بمنزلة الضميمة إلى المعدوم سواء كانت المتجدّدة من جنس الخارجة أم غيره.

والمرجع في اللقطة العرف ، فما دلّ على صلاحيته للقطع يُقطع ، وما دلّ على عدمه لصغره أو شكّ فيه لا يدخل. أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا المشكوك فيه فلأصالة بقائه على ملك مالكه ، وعدم دخوله فيما أُخرج باللقط.

( وكذا يجوز ) بيع ( ما يجزّ كالرطْبة ) بفتح الراء وسكون الطاء ، نبت خاصّ ، قيل (٢) : له أوراق صغار ذو بسط في الجملة ، يقال له بالفارسية : اسبست ، كما عن الصحاح والمغرب (٣) ( جزّة وجزّات ).

( وكذا ما يخرط ) أصل الخرط أن يقبض باليد على أعلى القضيب ثم يمرّها عليه إلى أسفله ليأخذ منه الورق ، ومنه المثل السائر دونه خرط القتاد ، والمراد هنا ما يقصد من ثمرته ورقه ( كالحِنّاء والتوت ) بالتاءين من فوق ( خرطة وخرطات ).

ودليل الجواز في الكلّ بعد الوفاق في الظاهر الأصل ، والعمومات السليمة عن المعارض ، مضافاً إلى المعتبرين في الأخيرين أحدهما الموثق‌

__________________

(١) في ص : ٢٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٢١٠.

(٣) الصحاح ١ : ٢٠٣ ، المغرب ١ : ٢١٠.

٢٧

عن ورق الشجر ، هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : « إذا رأيت الورق في شجره فاشتر منه ما شئت من خرطة » (١).

وهو في غاية الظهور فيما عليه المشهور من اشتراط الصحة بالظهور.

خلافاً للمحكي عن ظاهر ابن حمزة في نحو الجزّة الثانية والثالثة ، فجوّز بيعها منفردة قبل الظهور (٢). وهو بأدلّة الغرر والجهالة محجوج.

وبها وبالموثّقة يقيّد إطلاق الرواية الثانية : عن الرطبة يبيعها هذه الجزّة وكذا وكذا جزّة بعدها؟ قال : « لا بأس به » وقال : « كان أبي عليه‌السلام يبيع الحِنّاء كذا وكذا خرطة » (٣). مع ظهور صدرها فيما دلّت عليه الموثّقة.

( ولو باع الأُصول من النخل بعد التأبير فالثمرة للبائع ) بلا خلاف إلاّ من ابن حمزة ، فحكم بأنّها قبل البدوّ للمبتاع مطلقا (٤). والمعتبرة وغيرها من الأدلّة عليه حجّة.

( وكذا ) لو باع ( الشجرة بعد انعقاد الثمرة ) كانت للبائع مطلقا ، مستورة كانت أو بارزة ( ما لم يشترطها المشتري ) فيدخل هنا وسابقاً ، على الأشهر الأقوى.

خلافاً للمبسوط والقاضي في المستورة ، كالورد الذي لم ينفتح ، فحكما بالدخول مطلقا ، اشترط أم لا (٥). والكلام في المقامين وما يتعلّق‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ / ٥٧٨ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٢١ أبواب بيع الثمار ب ٤ ح ٢.

(٢) انظر الوسيلة : ٢٥٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٧ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٨ ، الوسائل ١٨ : ٢٢١ أبواب بيع الثمار ب ٤ ح ٣.

(٤) الوسيلة : ٢٥٠.

(٥) المبسوط ٢ : ١٠٢ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٧٥.

٢٨

بهما قد مضى في بحث ما يدخل في المبيع مفصّلاً (١).

( و ) حيث ما كانت الثمرة للبائع وجب ( عليه ) أي المشتري ( تبقيتها إلى أوان بلوغها ) وأخذها عرفاً بحسب تلك الشجرة ، من بسر أو رطب أو تمر أو عنب أو زبيب.

وإن اضطرب العرف فالأغلب.

ومع التساوي ففي الحمل على الأقلّ ، اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على حُرمة التصرف في مال المشتري على المتيقّن ، أو الأكثر ، بناءً على ثبوت أصل الحقّ فيستصحب إلى أن يثبت المزيل ، أو اعتبار التعيين وبدونه يبطل ، للاختلاف المؤدّي إلى الجهالة ، أوجه.

ولا خلاف في أصل الحكم. ومستندهم فيه مع مخالفته الأصل المتقدّم للعبد غير واضح ، واستناد البعض (٢) إلى استلزام كون الثمرة للبائع ذلك غير بيّن.

وحديث نفي الضرر بالمثل معارض ، فإن كان إجماع أو قضاء عادة بذلك ، وإلاّ فالأمر على الفقير ملتبس.

نعم ، ربما يستأنس له بنصوص الزرع المتقدّمة الدالة عليه فيه بأوضح دلالة ، ولعلّه مع عدم الخلاف كافٍ للحجة في المسألة.

( ويجوز أن يستثني البائع ثمرة ) شجرة معيّنة ( أو شجرات بعينها ، أو حصّة مشاعة ) كالنصف والثلث ( أو أرطالاً معلومة ) بحيث يزيد عنها بقدر ما يقابل الثمن ، بلا خلاف إلاّ من الحلبي (٣) في الأخير ، فمنعه للجهالة.

__________________

(١) راجع ص : ٣٥٢ ج ٨.

(٢) المسالك ١ : ٢٠٥.

(٣) انظر الكافي في الفقه : ٣٥٦.

٢٩

وفي المسالك : الأصحاب على خلافه (١) ؛ لمنع الجهالة بعد تعيّن مقدار الثمرة المبيعة بالمشاهدة ، وبه مع ذلك رواية صريحة ، صحيحة عند جماعة (٢) ، وفيها : إنّ لي نخلاً بالبصرة ، فأبيعه وأُسمّي الثمن ، وأستثني الكرّ من التمر أو أكثر أو؟ العدد من النخل ، قال : « لا بأس » (٣).

ونحوها اخرى لراويها عن الكافي مرويّة : في الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا وتمراً ، قال : « لا بأس به » قال : وكان مولى له عنده جالساً فقال المولى : إنّه ليبيع ويستثني [ أوساقاً ] يعني أبا عبد الله عليه‌السلام قال : فنظر إليه ولم ينكر ذلك من قوله (٤).

( ولو خاست الثمرة ) بأمر منه سبحانه ( سقط من الثُّنيا ) وهو المستثنى ( بحسابه ) ونسبتِه إلى الأصل في الصورتين الأخيرتين خاصّة ، بخلاف الأُولى ، فإنّ استثناءها كبيع الباقي منفرداً ، فلا يسقط منها بتلف شي‌ء من المبيع ، لامتياز حقّ كلّ واحد عن صاحبه ، بخلاف الأخيرتين ، لأنّه فيهما شائع في الجميع ، فيوزّع الناقص عليهما إذا كان التلف بغير تفريط.

وطريق توزيع النقص على الحصّة المشاعة جعل الذاهب عليهما والباقي لهما.

وأمّا في الأرطال المعلومة فيعتبر الجملة بالتخمين وينسب إليها‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٠٥.

(٢) روضة المتقين ٧ : ٧٧ ، كفاية الأحكام : ١٠٠ ؛ وانظر مجمع الفائدة ١١ : ٥٤٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٨٧ / ٣٠٠ ، الوسائل ١٨ : ٢١١ أبواب بيع الثمار ب ١ ح ٤.

(٤) الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٤٢ أبواب بيع الثمار ب ١٥ ح ١. ما بين المعقوفين من المصدر.

٣٠

المستثنى ، ثم ينظر الذاهب فيسقط منه بتلك النسبة.

( ولا يجوز بيع ثمرة النخل بتمر منها ) إجماعاً ، كما في المبسوط والمختلف والمسالك والروضة وشرح الشرائع للمفلح الصيمري والمهذب (١) ، وغيرها من كتب الجماعة (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المحاقلة والمزابنة » (٣). ونحوه الموثق (٤).

والنبوي : أنّه نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة. والمحاقلة : بيع الزرع وهو في سنبله بالبرّ ، والمزابنة : بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر (٥).

( و ) يستفاد منه ما في العبارة وكلام الجماعة كافّة من أنّ هذه المعاملة ( هي المزابنة ) وأنّ المعاملة الآتية هي المحاقلة ، مع أنّ ذلك محكي عن جملة من أهل اللغة (٦).

إلاّ أنّ المستفاد من ذيل الخبرين الأوّلين سيّما الثاني عكس التفسيرين ؛ إذ فيه : المحاقلة بيع النخل بالتمر ، والمزابنة بيع السنبل بالحنطة ، وحُمِل على وهم الراوي (٧). ولا بأس به ؛ جمعاً ، فإنّ ما عليه‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١١٧ ، المختلف : ٣٧٧ ، المسالك ١ : ٢٠٥ ، الروضة ٣ : ٣٦١ ، المهذب البارع ٢ : ٤٣٩.

(٢) انظر الخلاف ٣ : ٩٤ ، ومرآة العقول ١٩ : ٣٦١ ، والحدائق ١٩ : ٣٥٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٥ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤٣ / ٦٣٣ ، الإستبصار ٣ : ٩١ / ٣٠٨ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٩ أبواب بيع الثمار ب ١٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ١٤٣ / ٦٣٥ ، الإستبصار ٣ : ٩١ / ٣٠٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٩ أبواب بيع الثمار ب ١٣ ح ٢.

(٥) معاني الأخبار : ٢٧٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٤٠ أبواب بيع الثمار ب ١٣ ح ٥.

(٦) الفائق ١ : ٢٩٨ ، تهذيب اللغة ١٣ : ٢٢٧ ، المصباح المنير : ٢٥١.

(٧) التذكرة ١ : ٥٠٨.

٣١

الأصحاب أقوى ، لإجماعهم عليه ظاهراً ، مع اعتضاده بالنبوي المتقدّم ، المنجبر ضعفه بعملهم جدّاً.

مع أنّه لا ثمرة للاختلاف يتعلّق بالباب ؛ للإجماع على تحريمهما مطلقا ، سمّيت إحداهما باسم الأُخرى أم لا. نعم ، ربما تظهر في الكفّارة بالحنث في نحو ما لو نذر ترك المزابنة مثلاً وقلنا بصحته ، فباع ثمرة النخل بتمرها لزمت على الأوّل دون الثاني.

( وهل يجوز ) بيعها ( بتمر من غيرها؟ فيه قولان ، أظهرهما ) وأشهرهما سيّما بين المتأخّرين ( المنع ) وفاقاً لأحد قولي الطوسي والقاضي ، وللمفيد وابن زهرة وابن حمزة والتقي والديلمي والحلّي (١) ، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المتقدمة ، ونصوص أُخر ، كالوارد في العَرِيّة وفيه : « هي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر ، فيجوز أن يبيعها بخرصها تمراً ، ولا يجوز ذلك في غيره » (٢).

ودلالته كما ترى ظاهرة إن جوّزنا بيع ثمرة العَرِيّة بتمر من نفسها ، وإلاّ فهي صريحة ، لاختصاص الرخصة حينئذٍ ببيعها بتمر من غيرها ، ومقتضاه رجوع الإشارة في لفظة « ذلك » إليه ، وهو صريح في المنع هنا ، كما لا يخفى.

__________________

(١) الطوسي في المبسوط ٢ : ١١٨ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٨٣ ، المفيد في المقنعة : ٦٠٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٠ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٥٦ ، الديلمي في المراسم : ١٧٨ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٦٧.

(٢) الكافي ٥ : ٢٧٥ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٤٣ / ٦٣٤ ، الإستبصار ٣ : ٩١ / ٣١١ ، الوسائل ١٨ : ٢٤١ أبواب بيع الثمار ب ١٤ ح ١.

٣٢

وبه يضعّف احتمال العهديّة في اللام في النصوص ورجوعها إلى تمر نفس النخلة المذكور سابقاً ؛ فإنّ أخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض ، مع بُعده في الخبرين الأوّلين منها جدّاً ، إذ لم يتقدّم لتمرها ذكر فيهما سابقاً ، والحمل كما في أحدهما والنخل كما في ثانيهما أعمّ من التمر جدّاً ، فكيف يمكن جعل اللام للعهد والإشارة إليهما ، فتأمّل جدّاً.

والقول الثاني وهو الجواز للنهاية وجماعة (١) ؛ للأصل ، والعمومات المخصّصين بما مرّ من الأدلة ، والمعتبرين ، أحدهما الصحيح : في رجل قال لآخر : بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقلّ أو أكثر يسمّي ما شاء فباعه ، فقال : « لا بأس به » وقال : « التمر والبسر من نخلة واحدة لا بأس به » (٢) الحديث.

وثانيهما الموثق : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّ رجلاً كان له على رجل خمسة عشر وسقاً من تمر وكان له نخل ، فقال له : خذ ما في نخلي بتمرك ، فأبى أن يقبل ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إنّ لفلان عليّ خمسة عشر وسقاً من تمر فكلّمه يأخذ ما في نخلي بتمره ، فبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا فلان خذ ما في نخله بتمرك ، فقال : يا رسول الله لا يفي ، وأبى أنّ يفعل » الحديث ، وفي آخره : « إنّ ربيعة الرأي لمّا بلغه هذا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : هذا ربا » قلت : أشهد بالله إنّه لمن الكاذبين ، قال : « صدقت » (٣).

__________________

(١) النهاية : ٤١٦ ، حكاه في المختلف : ٣٧٨ عن القاضي في الكامل واختاره هو أيضاً ، الكفاية : ١٠٠.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٦ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٨٩ / ٣٧٩ ، الإستبصار ٣ : ٩١ / ٣١٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٣ أبواب بيع الثمار ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٩٠ ، الإستبصار ٣ : ٩٢ / ٣١٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٢٤ أبواب بيع الثمار ب ٦ ح ٣.

٣٣

وفيهما مضافاً إلى قصور الثاني سنداً لمقاومة ما مرّ جدّاً مخالفة الأوّل منهما وإن صحّ سنده للمجمع عليه ، أوّلاً : بإطلاق جواز البيع بالتمر في صدره بل عمومه الشامل لما إذا كان من النخلة جدّاً.

وثانياً : بوقوع التصريح به في قوله : « التمر والبسر من نخلة واحدة لا بأس به ». ولذا حمله الشيخ على العرّية.

والذبّ عن ذلك بتقييد الإطلاق في الأوّل ، ودعوى عدم القدح في الحجّية بخروج البعض للندرة في الثاني لا يفيد ؛ فإنّ أمثال ذلك وإن لم يقدح فيها ابتداءً إلاّ أنّه قادح في مقام التعارض جدّاً.

وعدم ظهور الثاني في البيع الذي هو خاصّةً بمقتضى النصوص والفتاوي محلّ المنع ، فيحتمل الصلح ، وقد حمله الشيخ والمختلف عليه (١) ، وهو متعيّن ، جمعاً.

( وكذا لا يجوز بيع السنبل ) كما في أكثر النصوص والفتاوي ، بل في المبسوط والمسالك الاتّفاق عليه (٢) ، فيرجع إليه التعبير في بعضها ببيع الزرع ( بحبّ منه ) إجماعاً ، نصّاً وفتوى.

( و ) الجميع مع الإشارة إلى المستند في أنّ هذه المعاملة ( هي المحاقلة ) قد تقدم (٣).

( وفي ) جواز ( بيعه بحبّ من غيره قولان ، أظهرهما ) وفاقاً لمن مضى ( التحريم ) لعين ما مضى (٤) ؛ مضافاً إلى خصوص الموثّق (٥) هنا ،

__________________

(١) الشيخ في الخلاف ٣ : ٩٤ ، المختلف : ٣٧٨.

(٢) المبسوط ٢ : ١١٧ ، المسالك ١ : ٢٠٦.

(٣) راجع ص : ٣٠.

(٤) راجع ص : ٣٢.

(٥) الكافي ٥ : ٢٧٥ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٥٢ / ٦٦٩ ، التهذيب ٧ : ١٤٣ / ٦٣٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٨ أبواب بيع الثمار ب ١٢ ح ٣ ، ٤.

٣٤

الآمر بشراء الزرع بالورق ، المعلّل بأنّ أصله طعام ، المشعر بل الظاهر في المنع عن بيعه بالطعام مطلقا.

والقول الثاني لمن تقدّم (١) ؛ استناداً منهم إلى العمومين المخصّصين بما مرّ ، والصحيح : « لا بأس بأن يشتري زرعاً قد سنبل وبلغ بحنطة » (٢).

وفيه : أنّه مع مخالفة إطلاقه الشامل لما إذا بيع بحنطة منه الإجماع ، واحتمال اختصاصه بصورة عدم التجانس بينها وبين السنبل ، كأن كان أرزاً بيع بها ، ولا كلام في الجواز حينئذ في ظاهر الأصحاب قاصر عن المقاومة لما مرّ جدّاً ، فالاستدلال به ضعيف.

وأضعف منه الاستدلال بالمعتبرين ، أحدهما الموثق : عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد ، قال : « حلال فليبعه بما شاء » (٣).

وثانيهما الحسن : عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض ، قال : « حرام » فقلت : جعلت فداك فإنّي أشتري منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال : « لا بأس بذلك » (٤).

لقصور سندها عن المقاومة لما مرّ أوّلاً ، وخروجهما عن محلّ البحث ثانياً ؛ لظهور الأوّل في الحصائد ، وليس الكلام فيها ، بل فيما لم يحصد ويكون على أصله قائماً ، وأحدهما غير الآخر ، كما ترى ، وعلى‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٢.

(٢) التهذيب ٧ : ١٤٢ / ٦٢٩ ، الإستبصار ٣ : ١١٢ / ٣٩٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٧ أبواب بيع الثمار ب ١٢ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٦ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٤١ / ٦٢٢.

(٤) الكافي ٥ : ٢٦٥ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٥١ / ٦٦٦ ، التهذيب ٧ : ١٤٩ / ٦٦١ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٧ أبواب بيع الثمار ب ١٢ ح ٢.

٣٥

تقدير التجوّز في الحصائد بأن يراد منها الزروع الآئلة إليها يأتي في عمومه ما مضى في إطلاق الصحيح المتقدّم جدّاً ، مع أنّ الموجود في التهذيب المروي فيه بدل « بما شاء » « إن شاء » فلا دلالة فيه أصلاً.

والثاني في بيع الأرض بحاصلها وغيره لا بيع الزرع بهما ، وتأويله إليه بإضمارٍ أو تجوّزٍ مع عدم إمكان الاستدلال به حينئذٍ لا داعي يلجئ إليه أصلاً.

واعلم أنّ مقتضى الأصل واختصاص النصوص وكثير من الفتاوي بالمنع عن بيع ثمرة النخل بالتمر والسنبل المتبادر منه نحو الحنطة به ، حلّ بيع باقي الثمار على أُصولها ولو بمجانسها مطلقا ، منها أو من غيرها ، وبه صرّح جماعة من أصحابنا (١).

خلافاً لآخرين (٢) ، فعدّوا المنع إليها ، وألحقوها بالمزابنة إذا كانت في الأشجار ، وبالمحاقلة إذا كانت في الزروع ؛ نظراً منهم إلى أنّ أحد أدلّة المنع فيهما احتمال تحقق الربا ، بناءً على أنّهما بيع ثمرتين ربويتين مكيلتين أو موزونتين ، والغالب التفاوت ، فحصل شرط الربا ؛ ولأنّ بيع أحد الربويين بالآخر مشروط بالعلم بمساواتهما قدراً ، كما مضى ، ومعلوم أنّها غير ظاهرة هنا.

وهو كما ترى ؛ فإنّ الأثمار على الأُصول والأشجار ليست مقدّرة بأحد التقديرين جدّاً ، بل يباع مشاهدة عرفاً وعادةً وشرعاً ، والمعتبر من المكيل‌

__________________

(١) منهم : ابن زهرة في الغنية : ٥٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٠٠ ، والبحراني في الحدائق ١٩ : ٣٥٧.

(٢) كالشهيد الأول في الدروس ٣ : ٢٣٧ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٧٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٣٦١.

٣٦

والموزون في الربا ما قدّر بهما فعلاً لا تقديراً ، كما تقدّم نصّاً وفتوى.

مضافاً إلى وقوع التصريح بنفي الربا في بعض ما مضى من النص (١) ، فلا وجه للاستناد إليه أصلاً.

وأمّا الاستناد في الثمار إلى العلّة المنصوصة في المنع عن بيع الرطب بالتمر من النقصان عند الجفاف (٢) على تقدير القول بالتعدية بالعلّة المنصوصة فغير مُجدٍ ، أوّلاً : بأخصّيتها من المدّعى ، لعدم شمولها ما لو بيع أثمار الأشجار بمجانسها مع التوافق في الرطوبة واليبوسة.

وثانياً : باختصاصها بالمعوضين المقدّرين أحد التقديرين فعلاً وليس المقام منه قطعاً ، واحتمال التعدية إليه بعيد جدّاً ، بناءً على قوة احتمال مدخليّة للخصوصية في العلّة هنا ، فتأمّل جدّاً.

نعم ، ربما يستأنس لهم في الجملة بالموثّق المتقدّم ، الآمر بشراء الزرع بالورق. ولا ريب أنّ ما ذكروه أحوط ، سيّما في بيع الرطب باليابس.

( ويجوز بيع العَرِيّة بخَرْصِها ) إجماعاً ، كما في الغنية والخلاف والمسالك والمهذب (٣) وشرح الشرائع للصيمري ، وغيرها من كتب الجماعة (٤) ؛ وهو الحجة المقيّدة لإطلاق النصوص المتقدّمة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة : « رخّص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرايا أن تشتريها بخرصها تمراً » ثم قال : « والعرايا جمع عَرِيّة ( وهي النخلة تكون ) للرجل ( في دار ) رجل ( آخر ) فيجوز له أن يبيعها‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٣.

(٢) انظر الوسائل ١٨ : ١٤٨ أبواب الربا ب ١٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، الخلاف ٣ : ٩٥ ، المسالك ١ : ٢٠٦ ، المهذب البارع ٢ : ٤٤٠.

(٤) كشف الرموز ١ : ٥٠٧ ، ملاذ الأخيار ١١ : ٢٢٤ ، الحدائق ١٩ : ٣٥٧.

٣٧

بخَرْصِها » (١).

واكتفى عنه الماتن بقوله : ( فيشتريها صاحب المنزل بخرصها تمراً ).

وظاهر النص والعبارة كما ترى أنّ العريّة ما تكون في الدار خاصّة ، وحكي عن القاضي في الكامل (٢).

خلافاً للأكثر ، فألحقوا البستان بالدار ، وفي الغنية والمسالك الإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى التصريح به عن أهل اللغة (٤) ، وإطلاق المروي عن معاني الأخبار عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه رخّص إلى أن قال ـ : واحدتها عريّة ، وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلاً محتاجاً ، والإعراء : أن يبتاع تلك النخلة من المعرى بتمر لموضع حاجته (٥).

وظاهر الإطلاق مضافاً إلى التعليل كما ترى ينادي بالعموم للبستان ، بل وغيره أيضاً كالخان ونحوه ، والسند وإن قصر إلاّ أنّه بالشهرة منجبر.

ومنه يظهر وجه التعدية إلى مستعير الدار ومستأجرها ، كما في كلام جماعة (٦). وليس في الرواية الأُولى كالعبارة من حيث التقييد فيهما بصاحب الدار منافاة لذلك ؛ لصدق الإضافة بأدنى ملابسة.

نعم ، يستفاد منه الاختصاص بالبيع عن صاحب الدار دون غيره ،

__________________

(١) تقدّم مصدره في ص : ٣٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٣٧٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، المسالك ١ : ٢٠٦.

(٤) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة ، ونُسب إلى أهل اللغة في الدروس ٣ : ٢٣٨ ، والمهذّب البارع ٢ : ٤٤١ ، وجامع المقاصد ٤ : ١٧١ ، والمسالك ١ : ٢٠٦.

(٥) معاني الأخبار : ٢٧٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٤١ أبواب بيع الثمار ب ١٤ ح ٢.

(٦) منهم : الشهيدان في الدروس ٣ : ٢٣٨ والمسالك ١ : ٢٠٦.

٣٨

ولا كلام فيه ، وفاقاً لظاهر الأصحاب.

ومقتضى الأصل واختصاص النصوص بحكم التبادر والصراحة في الجملة بالنخلة الواحدة بتمر من غيرها ، عدم التعدية إلى ما لم تتكمّل فيه القيود الثلاثة.

فلا عريّة فيما عدا النخل مطلقا ، قلنا بالمزابنة فيه أم لا ، وفائدة انتفائها على الأوّل حرمتها ، وعلى الثاني جوازها من دون قيودها ، وفي المسالك ادّعى الوفاق على أصل الانتفاء هنا (١).

ولا في المتعدّد منها إلاّ مع تعدّد الموضع أو المالك ، لا العقد.

ولا بتمرٍ منها مطلقا ، وفاقاً لأكثر أصحابنا ، مؤيّداً باستلزام جوازه اتّحاد الثمن والمثمن الممنوع منه اتفاقاً.

وقيل بالجواز فيه ؛ لإطلاق النص (٢). وفيه ما مرّ.

وفصّل بعض (٣) بين صورتي اشتراط كون التمر منها فالأوّل ، وإلاّ فالثاني إن صبر عليه حتى يصير تمراً ، وإلاّ فالعقد يجب كونه حالاّ ؛ للزوم بيع الكالي بالكالي بدونه جدّاً.

والمراد بخَرْصِها البيع بمقدارها ، فلو اشتراها بزائد أو ناقص لم يجز اتفاقاً ، نصّاً وفتوى.

وهل المعتبر فيه المماثلة بين ثمرة النخل عند صيرورتها تمراً وبين التمر الذي هو الثمن ، أو المماثلة بين ما عليها رطباً وبين التمر؟ قولان.

للأوّل المحكي عن الأكثر (٤) ، بل ظاهر الكلّ استلزام الثاني بيع‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٠٦.

(٢) قال به العلاّمة في المختلف : ٣٧٨.

(٣) كالعلاّمة في التذكرة ١ : ٥٠٩.

(٤) حكاه الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠٦.

٣٩

الرطب بالتمر متساوياً ، الممنوع منه ، كما مضى (١).

الثاني كما عن التذكرة (٢) أنّه مستثنى.

وظاهر إطلاق النص والفتاوي وصريح جملة منها أنّه لا يعتبر مطابقة ثمرتها جافّة لثمنها في الواقع ، بل يكفي المطابقة في ظنّ الخارص عند العقد ، فلو زادت عند الجفاف عنه أو نقصت لم يقدح في الصحة.

خلافاً لمن شذّ ، فاعتبر فيها المطابقة (٣). ويأتي عليه المنع عن التصرّف في ثمرة النخلة بالأكل ونحوه إلى استعلام المطابقة وعدمها بالجفاف.

وفي اشتراط التقابض في المجلس قولان ، أظهرهما وعليه الأكثر لا ؛ لإطلاق النصّ والفتوى. وعن المبسوط نعم (٤). وهو ضعيف جدّاً ، بل في بعض العبائر الإجماع على خلافه (٥).

( ويجوز بيع الزرع قصيلاً ) أي مقطوعاً بالقوّة ، بأن شرط قطعه قبل حصاده ( وعلى المشتري قطعه ) عملاً بمقتضى الشرط.

( ولو امتنع ) عنه ( فللبائع إزالته ) وتفريغ أرضه منه ، إمّا مطلقا ، كما عليه جماعة (٦) ، أو بشرط الإذن من الحاكم أو تعذّره ، كما عليه شيخنا‌

__________________

(١) ولكن قد عرفت ما فيه ( منه رحمه‌الله ). راجع ص ٣٦.

(٢) التذكرة ١ : ٥٠٩.

(٣) نسبه في المسالك ١ : ٢٠٦ إلى « قيل » ، وذكر في الجواهر ٢٤ : ١١٢ أنه لم يتحقق القائل بذلك ، وربما يوهم من عبارة المبسوط ٢ : ١١٩ والوسيلة : ٢٥٠ ، ولكن المراد منها المطابقة بين الثمن المبذول والثمرة المخروصة.

(٤) المبسوط ٢ : ١١٩.

(٥) كما في التذكرة ١ : ٥٠٩.

(٦) التذكرة ١ : ٥٠٤ ، جامع المقاصد ٤ : ١٦٤ ، الكفاية : ١٠٠ ، الحدائق ١٩ : ٣٦٥.

٤٠