رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

ويسقط معه ، كما في الدروس والروضة (١).

ولو كان أحد موجبي الخيار من التعذّر والانقطاع بعد بذله له ورضاه بالتأخير سقط خياره ؛ لمجي‌ء التقصير من قبله. ولا ينافيه إطلاق النص المتقدّم ؛ لعدم شموله في الظاهر لمحلّ الفرض ، ولا كذلك لو كان بعدم المطالبة أو بمنع البائع مع إمكانه.

وفي حكم انقطاعه عند الحلول موت المسلم إليه قبل الأجل وقبل وجوده ؛ نظراً إلى أنّه دين فيشمله عموم ما دلّ على حلول ما على الميت من الدين بالموت. ولا كذلك العلم قبل الأجل بعدم المسلم فيه بعده ، بل يتوقّف الخيار على الحلول ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على مورد النص والإجماع ، والتفاتاً إلى عدم وجود المقتضي له الآن ؛ إذ لم يستحق حينئذٍ شيئاً.

ولو قبض البعض وتأخّر الباقي تخيّر أيضاً بين الصبر والفسخ في الجميع ، والفسخ في الباقي ؛ التفاتاً في الأوّل : إلى ضرر تبعّض الصفقة.

وفي الثاني : إلى المعتبرة ، منها الصحيحان ، في أحدهما : أرأيت إن أوفاني بعضاً وعجز عن بعض ، أيجوز أن آخذ بالباقي رأس مالي؟ قال : « نعم ، ما أحسن ذلك » (٢).

وفي الثاني : « لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم » (٣).

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٥٧ ، الروضة ٣ : ٤٢٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨ / ١٢٢ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٤ أبواب السلف ب ١١ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢١ / ٨ ، ٩ ، الفقيه ٣ : ١٦٧ / ٢٣٦ ، التهذيب ٧ : ٣٢ / ١٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٧٤ / ٢٤٨ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٣ أبواب السلف ب ١١ ح ١.

١٤١

وفي تخيّر المسلم إليه مع الفسخ في البعض وجه قوي ؛ لتبعّض الصفقة عليه ، إلاّ أن يكون التأخير من تقصيرة فلا خيار له.

( الرابعة : إذا دفع ) المديون إلى المدين ( من غير الجنس ) الذي استدانه على أنّه قضاء منه ( ورضي الغريم ) به ( ولم يساعره ) وقت الدفع ( احتسب بقيمته يوم الإقباض ) مطلقاً ، سلفاً كان الدين أم لا ، كان المدفوع عروضاً أم غيرها ، بلا خلاف ، بل عليه الوفاق في المسالك والكفاية وغيرهما (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيحتان المكاتبتان المروية إحداهما في التهذيب : في رجل كان له على رجل مال ، فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاماً أو قطناً أو زعفراناً ، ولم يقاطعه على السعر ، فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص ، بأي السعرين يحسبه؟ هل لصاحب الدين سعر يومه الذي أعطاه وحلّ ماله عليه ، أو السعر الثاني بعد شهرين أو ثلاثة يوم حاسبه؟ فوقّع عليه‌السلام : « ليس له إلاّ على حسب سعر وقت ما دفع الطعام إن شاء الله تعالى » (٢) الخبر.

ونحوها الثانية المروية عن الكافي (٣).

ومنها الموثقات ، في أحدها : عن الرجل يكون لي عليه المال فيعطيني بعضاً دنانير وبعضاً دراهم ، فإذا جاء يحاسبني ليوفيني يكون قد تغيّر سعر الدنانير ، أيّ السعرين أحسب له ، الذي يوم أعطاني الدنانير ، أو سعر يومي الذي أُحاسبه؟ فقال : « سعر يوم أعطاك الدنانير ، لأنّك حبست‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢١٧ ، الكفاية : ٩٦ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ١٤٩.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٦ / ٤٣٢ ، الوسائل ١٨ : ٨٥ أبواب أحكام العقود ب ٢٦ ح ٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٨١ / ٣ ، الوسائل ١٨ : ٨٤ أبواب أحكام العقود ب ٢٦ ح ٤.

١٤٢

عنه منفعتها » (١). ونحوه الآخران (٢).

والخبران ، في أحدهما : في الرجل يكون له على الرجل دراهم فيعطيه دنانير ولا يصارفه ، فتغيّر الدنانير بزيادة أو نقصان ، قال : « له سعر يوم أعطاه » (٣).

وعلل مع ذلك بأنّ جعل المدفوع قضاءً يقتضي كونه من جنس الدين ، فلمّا لم يكن عند الدفع الذي هو وقت القضاء من جنسه فلا بدّ من احتسابه على وجه يصير من الجنس ، وذلك باعتبار قيمته يومئذ ، سواءً كان مثليّا أو قيمياً.

( الخامسة : عقد السلف قابل لاشتراط ما هو معلوم ) غير موجب للجهالة ( فلا يبطل باشتراط بيع ) فيه ( أو هبة ) شي‌ء ( أو عمل محلّل ، أو صنعة ) كأن يقول : أسلمت إليك هذه العشرة الدراهم في خمسين منّاً من تمر إلى مدّة كذا بشرط أن تبيع منّي أو توهب لي هذا الكتاب مثلاً ، أو تعلّمني الصنعة الفلانية ، ونحو ذلك ممّا يصحّ اشتراطه.

للأصل ، والعمومات السليمة عن المعارض عدا رواية (٤) قاصرة السند ، مجملة الدلالة ، من حيث تضمّنها النهي عن سلف وبيع وعن بيعين‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٨ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ١٨٥ / ٨٣٥ ، التهذيب ٧ : ١٠٧ / ٤٥٨ ، الوسائل ١٨ : ١٨٣ أبواب الصرف ب ٩ ح ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ١٨٤ / ٨٢٩ ، التهذيب ٧ : ١٠٧ / ٤٥٩ ، ٤٦٠ ، الوسائل ١٨ : ١٨٤ أبواب الصرف ب ٩ ح ٣ ، ٤.

(٣) الأول : التهذيب ٧ : ١٠٨ / ٤٦١ ، الوسائل ١٨ : ١٨٥ أبواب الصرف ب ٩ ح ٥. الثاني : الكافي ٥ : ٢٤٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٠٦ / ٤٥٧ ، الوسائل ١٨ : ١٨٣ أبواب الصرف ب ٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٧ أبواب أحكام العقود ب ٢ ح ٤.

١٤٣

في بيع واحد ، فلعلّ المراد به ما قيل في تفسيره : من أنّ المراد أن يقول : بعتك منّاً من طعام حالاّ بعشرة وسلفاً بخمسة ، ووجه المنع عنه حينئذٍ ظاهر على الأصح الأشهر.

وقد مرّ الكلام فيه في بيع شيئين بثمنين مختلفين إلى أجلين (١) ، وقد مرّ الكلام في نظير المسألة في بحث جواز الجمع بين أُمور مختلفة في صيغة واحدة (٢).

( و ) هنا مسألتان :

الاولى : ( لو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات بعينها ) كأن يقول : أسلمت إليك هذه المائة في عشرين شاة مؤجّلاً إلى كذا بشرط أن تعطيني أصواف هذه النعجات بعينها ( قيل : ) كما عن الشيخ والفاضل (٣) ( يصحّ ) للأصل ، وما سيأتي من ضعف دليل المانع.

( والأشبه ) عند الماتن وفاقاً للحلّي (٤) ( المنع ) عن الصحة ؛ لأنّ السلم في المشاهد لا يجوز ، لأنّه بيع مضمون ومن شرط صحته الأجل ، وأن بيع الصوف على ظهر الغنم لا يجوز ( للجهالة ).

ويضعّف الأوّل : بأنّه يجوز السلم حالاّ إذا كان من قصدهما الحلول بقول : أسلمت إليك مثلاً ، فيكون قد تجوّز باستعمال لفظ « أسلمت » مكان « بعت » ولأنّ السلم قسم من أقسام البيع ، وكما يجوز استعمال « بعت » في السلم فليجز استعمال « أسلمت » في البيع ، لعدم الفارق.

__________________

(١) راجع ج ٨ ص ٣٣٠.

(٢) راجع ج ٨ ص ٣٧٨.

(٣) الشيخ في النهاية : ٣٩٩ ، العلاّمة في المختلف : ٣٦٦ ، والتحرير ١ : ١٩٧ ، والقواعد ١ : ١٣٧.

(٤) انظر السرائر ٢ : ٣١٦.

١٤٤

وفيه نظر. والأولى الجواب عنه بأن اشتراطها ليس سلماً فيها ، بل شرط فيه خارج عنه ، وهو جائز كباقي الشروط الجائزة بحكم ما تقدّم في صدر المسألة ، ولعلّه لذا اقتصر الماتن في التعليل على الثاني خاصّة.

والثاني : بمنع المنع عن بيع الصوف على الظهر ، بل هو جائز.

وفي المهذب : أنّ موضوع المسألة أن يكون شرط الأصواف أن يجزّ حالاّ ، فلو عيّنها وشرط تأجيل الجزّ إلى أمد السلف أو شرط أصواف نعجات في الذمة غير مشاهدة لم يصحّ قولاً واحداً (١).

والثانية : لا يجوز استناد السلف إلى معيّن ؛ لأنّه ابتياع مضمون كلّي في الذمة غير مشخص إلاّ بقبض المشتري.

( و ) يتفرّع عليه أنّه ( لو شرط ثوباً من غزل امرأة معيّنة أو غلّة من قراح ) أي مزرعة ( بعينه لم يضمن ) ولا يصحّ ؛ لأنّ تشخيص المسلم فيه بأحد الأُمور المزبورة خروج عن حقيقة السلف ، كما مرّت إليه الإشارة.

نعم ، لو استند إلى معيّن قابل للإشاعة ولا يفضي التعسّر فيه إلى عسر التسليم عادةً جاز ، كما لو أسلف على مائة رطل من تمر البصرة ، فإن ذلك يجري مجرى الصفات المشترطة في السلف في الحدارة والصراية ، وعليه يحمل الخبران ، أحدهما الصحيح : عن رجل اشترى طعام قرية بعينها ، فقال : « لا بأس ، إن خرج فهو له ، وإن لم يخرج كان ديناً عليه » (٢).

وثانيهما : في الرجل يشترى طعام قرية بعينها : « وإن لم يسمّ له قرية بعينها أعطاه من حيث شاء » (٣).

__________________

(١) المهذب البارع ٢ : ٤٧٨.

(٢) الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٤ ، التهذيب ٧ : ٣٩ / ١٦٢ ، الوسائل ١٨ : ٣١٣ أبواب السلف ب ١٣ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٦ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٣٩ / ١٦٣ ، الوسائل ١٨ : ٣١٤ أبواب السلف ب ١٣ ح ٣.

١٤٥

( النظر الثالث : في لواحقه ، وهي قسمان : )

( الأوّل : في دين المملوك ، و ) اعلم أنّه لا خلاف حتى ممن قال بمالكيّته أنّه ( ليس له ذلك ) أي أخذ الدين مطلقاً ، ولو لمولاه ؛ لمحجوريّته بالنصّ والإجماع المانعين عن مطلق تصرّفاته.

( إلاّ مع الإذن ، فلو بادر ) إلى الاستدانة من دون إذن من المولى بالمرّة ( لزم ) في ( ذمّته ، ويتبع به إذا أُعتق ، ولا يلزم المولى ) شي‌ء ، بلا خلاف فيه ؛ للأصل ، والصحيح : « إن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي‌ء على المولى ، ويستسعي العبد في الدين » (١).

وقريب منه ظاهر الموثق : عن مملوك يشتري ويبيع قد علم بذلك مولاه حتى صار عليه مثل ثمنه ، قال : « يستسعى فيما عليه » (٢).

وظاهرهما أنّه يتبع به في حال الرقّ بالاستسعاء ، وبه أفتى ظاهراً بعض الأصحاب (٣) تبعاً للفاضل في المختلف (٤).

ويشكل برجوعه إلى ضمان المولى في الجملة ، فإنّ كسبه له بالضرورة.

ويمكن دفعه بجواز التزامه في صورة علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنها الراجع إلى الإذن بالفحوى ، كما هو ظاهر الموثّقة والصحيحة ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ / ٤٤٥ ، الإستبصار ٣ : ١١ / ٣١ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٣ أبواب الدين والقرض ب ٣١ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٠٠ / ٤٤٦ ، الإستبصار ٣ : ١٢ / ٣٢ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٦ أبواب الدين والقرض ب ٣١ ح ٦.

(٣) كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ١٣٥.

(٤) المختلف : ٤١٤.

١٤٦

وإن كانت بالإضافة إلى إذن الفحوى مطلقة أو عامّة ، إلاّ أنّها محتملة للتقييد بالصورة المزبورة ، جمعاً بين الأدلّة.

ويفرق حينئذٍ بين الإذن الصريح والفحوى ، باستلزام الأوّل الضمان على السيد مطلقاً ، حتى مع عجز المملوك عن السعي أصلاً ، واختصاص الضمان عليه بصورة قدرة العبد على السعي ، وعدمه مطلقاً مع العجز على الثاني.

وفي الصحيح : في الرجل يستأجر مملوكاً فيستهلك مالاً كثيراً ، فقال : « ليس على مولاه شي‌ء وليس لهم ان يبيعوه ، ولكن يستسعي ، وإن عجز عنه فليس على مولاه شي‌ء ولا على العبد شي‌ء » (١).

ونحوه الخبر (٢) ، لكن بتبديل « عجز عنه » بـ « حجر عليه مولاه ». وعليه يمكن حمل الخبرين الآمرين بالسعي على صورة رضاء السيد وإلاّ فيتبع به بعد العتق. وهو غير بعيد لو لم يكن في السند قصور وفي المتن تصحيف ، هذا.

وربما يحمل الاستسعاء على ما بعد العتق ، فيندفع الإشكال ، ولكن يلزم آخر وهو عدم استسعاء الحرّ فيما عليه ، إلاّ أن يكون هذا مستثنى ، لكنّه فرع ظهور الخبرين في الحمل ، وهو محلّ نظر ، بل لعلّهما في الاحتمال الأوّل ظاهران ، كما لا يخفى.

( ولو أذن له المولى ) في الاستدانة ( لزمه ) الدين ( دون المملوك ) بلا خلاف فيما لو كانت للمولى مطلقاً ، أو للعبد وكانت لما يتعلّق بنفقته اللازمة على مولاه ، وقد حكي في المختلف والمهذب والروضة وغيرها (٣).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٥ / ١١٤٤ ، الوسائل ١٩ : ١١٤ أبواب أحكام الإجارة ب ١١ ح ٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٢٩ / ١٠٠٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٤ أبواب الدين والقرض ب ٣١ ح ٤.

(٣) المختلف : ٤١٤ ، المهذب البارع ٢ : ٤٧٩ ، الروضة ٤ : ٤٥ ؛ وانظر الحدائق ٢٠ : ٢١٧.

١٤٧

وكذا ( إن استبقاه أو باعه ) يلزم المولى مطلقاً ، ولو كانت للعبد في غير ما يتعلق بنفقته ، بلا خلاف ، كما قيل (١) ، بل عليه الإجماع في المهذب (٢) ؛ للخبرين ، في أحدهما : عن غلام كنت أذنت له في الشراء والبيع ، فوقع عليه مال للناس وقد أعطيت به مالاً كثيراً ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن بعته لزمك ما عليه ، وإن أعتقته فالمال على الغلام وهو مولاك » (٣) ونحوه الثاني (٤).

وقصور السند فيهما بالجهالة منجبر في المسألة بعدم الخلاف فيها بين الطائفة ، ووجود عثمان بن عيسى الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

وهما وإن اختصّا بصورة البيع خاصّة إلاّ أن ثبوت الحكم فيها يستلزم الثبوت في الأُولى بطريق أولى ، لكن يرد عليهما ما سيأتي الإشارة إليه قريباً إن شاء الله تعالى.

فإذاً العمدة في الحجّة هو عدم الخلاف والإجماع المدّعى.

( و ) أمّا ( لو أعتقه ) وكانت الاستدانة للعبد فيما لا يتعلّق بنفقته ، بل كانت لغيرها من مصالحة ( فروايتان )

( إحداهما ) أنه ( يسعى في الدين ) ويؤخذ به ، رواها عجلان عن مولانا الصادق عليه‌السلام : في رجل أعتق عبداً له وعليه دين ، قال : « دينه عليه‌

__________________

(١) قال به البحراني في الحدائق ٢٠ : ٢١٧.

(٢) المهذب البارع ٢ : ٤٧٩.

(٣) التهذيب ٦ : ١٩٦ / ٤٣١ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٣ أبواب الدين والقرض ب ٣١ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٩٩ / ٤٤٣ ، الإستبصار ٣ : ١١ / ٢٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٤ أبواب الدين والقرض ب ٣١ ح ٣.

١٤٨

لم يزده العتق إلاّ خيراً » (١) وقد عمل بها النهاية وتبعه القاضي وجماعة (٢).

وفيها قصور سنداً بالضعف والجهالة.

مضافاً إلى القصور في الدلالة ، لاحتمالها أوّلاً : الحمل على إرادة المولى من الضمير المجرور بعلى الثانية ، وليست نصّاً في دفعه الذيل والتتمّة.

وثانياً : الحمل على ما إذا لم يقع بإذن المولى الاستدانة.

وبه يجاب عن المعتبرين السابقين لو تمسّك بهما في البين ، فإنّ الإذن في التجارة فيهما غير ملازم للإذن في الاستدانة جدّاً.

ولعلّ الوجه في تضمين المولى للدين في صورة البيع فيهما هو حيلولته بين أصحاب الدين وبين العبد بالبيع ، لا من حيث إنّ المال لازم بأصل الإذن في التجارة والحال أنّ الإذن لم يحصل في الاستدانة.

وعلى الوجه يحمل إطلاق النص : في عبدٍ بيع وعليه دين ، قال : « دينه على من أذن له في التجارة وأكل ثمنه » (٣) مع احتماله الحمل على صورة الإذن في الاستدانة ، وليس فيه ما ينافيه بالمرّة.

( و ) في ( الأُخرى : ) أنّه ( لا يسقط عن ذمّة المولى ، وهي ) مع كونها ( أشهر ) كما هنا وفي الشرائع وغيرهما (٤) ، أصحّ سنداً ظاهراً وفيها : قلت له : رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين ، قال : « إن كان أذن‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٠ / ٦٤ ، الوسائل ٢٣ : ٩٠ أبواب العتق ب ٥٤ ح ١.

(٢) النهاية : ٣١١ ، نقله عن القاضي في المختلف : ٤١٤ ؛ وانظر الكافي في الفقه : ٣٣١ ، والمختلف : ٤١٤.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٠ / ٦٣ ، الوسائل ٢٣ : ٩٠ أبواب العتق ب ٥٥ ح ٢.

(٤) الشرائع ٢ : ٧٠ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ١٣٥.

١٤٩

له أن يستدين فالدين على مولاه ، وإن لم يكن أذن له » إلى آخره ، وقد مضى (١).

وعمومه الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل صور العتق والبيع والاستبقاء.

وهو وإن احتمل التخصيص بالأخيرتين جمعاً بينه وبين المعتبرين المتقدمين وغيرهما بحمله عليهما ، لوقوع تقييد الحكم بهما بالبيع فيهما مع التصريح فيهما بلزوم الدين على العبد في صورة العتق دون المولى. إلاّ أنّه ليس بأولى من الجمع بينهما بحمل الخبرين على صورة عدم الإذن في الاستدانة جدّاً. بل هذا من حيث الاعتضاد بالشهرة المحكية في كلام جماعة ، بل ربما كانت متحقّقة ، مضافاً إلى مخالفة الأوّل للقاعدة الشرعية ، فإنّ العبد بمنزلة الوكيل وإنفاقه على نفسه وتجارته بإذن المولى إنفاق لمال المولى كما لو لم يعتق أولى ثم أولى.

فالعمل بهذه الرواية أقوى ، وفاقاً للإستبصار والحلّي وجماعة من المتأخّرين (٢) ، سيما مع اعتضاده باستصحاب الحكم بالضمان على المولى الثابت في حال عدم العتق للاستبقاء وجريانه إلى صورته جدّاً.

( ولو مات المولى كان الدين ) أي دين العبد الذي لزم ذمّته ( في تركته ، ولو كان له غرماء كان غريم المملوك كأحدهم ) لا يقدّم أحدهم على الآخر ، بلا خلاف يظهر.

للموثق : عن رجل مات وترك عليه ديناً وترك عبداً له مال في التجارة وولداً ، وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دين استدانه العبد في حياة سيّده في‌

__________________

(١) في ص ١٤٦ الرقم (١).

(٢) الاستبصار ٣ : ١١ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٨ ؛ وانظر جامع المقاصد ٥ : ٢٠٤ ، والروضة ٤ : ٤٥ ، والكفاية : ١٠٤.

١٥٠

تجارة ، وإنّ الورثة وغرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد ، فقال : « أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ، ولا على ما في يده من المتاع والمال إلاّ أن يضمنوا دين الغرماء جميعاً فيكون العبد وما في يده للورثة ، فإن أبوا كان العبد وما في يده للغرماء ، يقوّم العبد وما في يده من المال ، ثم يقسّم ذلك بينهم بالحصص ، فإن عجز قيمة العبد وما في يده عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئاً » (١) الحديث.

وفي القاصر سنداً بالضعيف وعدّة من المجاهيل جدّاً : الرجل يموت وعليه دين ، وقد أذن لعبده في التجارة ، وعلى العبد دين ، فقال : « يبدأ بدين السيد » (٢).

وهو كما ترى منافٍ لما مضى ، فليطرح أو يؤوّل بما يؤول إلى الأوّل بتعميم دين السيّد لدين عبده ، ويجعل صدق الابتداء بالإضافة إلى الإرث والوصايا.

ويحتمل الحمل على صورة الإذن في التجارة دون الاستدانة ، ويخصّ حينئذٍ دين السيد بدين نفسه دون عبده ، ويجعل الأمر بأداء دين العبد المفهوم من الأمر بالابتداء بدين السيّد للاستحباب ، فلا منافاة.

( ولو كان مأذوناً في التجارة ) خاصّة دون الاستدانة ( فاستدان لم يلزم المولى ) دينه مطلقاً ، إجماعاً في الظاهر ؛ للأصل.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٩٩ / ٤٤٤ ، الإستبصار ٣ : ١١ / ٣٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٧٥ أبواب الدين والقرض ب ٣١ ح ٥.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٠ / ٦٥ ، الوسائل ٢٣ : ٩٠ أبواب العتق ب ٥٥ ح ١.

١٥١

( وهل يسعى العبد فيه؟ ) أي في الدين ( قيل : نعم ) مطلقاً ، كما عن النهاية (١) ؛ للصحيحة المتقدّمة (٢).

( وقيل : ) كما عن الحلّي وجماعة (٣) ( يتبع به إذا أُعتق ) كذلك ( وهو أشبه ) وأشهر ، وفي الخلاف الإجماع (٤) ، وهو مع ذلك أوفق بالأصل.

ويجاب عن الصحيحة بما مرّ من الحمل على علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنها ، الظاهر في حصول الإذن منه له بالفحوى ، ولا كلام فيه جدّاً ؛ أو على الاستسعاء برضاء المولى ، كما أفصح عنه الخبر الذي مضى ؛ أو على تقييد الاستسعاء بما بعد العتق.

واختار جماعة التفصيل وإن اختلفوا فيه ، فبين من أورده على صورتي علم المدين بعدم الإذن في الاستدانة فالثاني ، وإلاّ فالأوّل ، كما عن ابن حمزة (٥).

وبين من أورده على صورتي الدين لمتعلّق التجارة فالأول ، ولغيره فالثاني ، كما عليه الفاضل والمحقق الثاني وجماعة (٦).

ولا يخلو عن قوّة إن حصل الإذن بالفحوى في الاستدانة في الصورة الأُولى بمجرّد التعلّق بالتجارة ، وإلاّ فما في المتن أقوى.

__________________

(١) النهاية : ٣١١.

(٢) في ص : ١٤٦.

(٣) الحلي في السرائر ٢ : ٥٨ ؛ وانظر الشرائع ٢ : ٧٠ ، والكفاية : ١٠٤.

(٤) الخلاف ٣ : ١٧٩.

(٥) الوسيلة : ٢٧٤.

(٦) العلاّمة في المختلف : ٤١٤ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ٢٠٥ ؛ وانظر الروضة ٤ : ٤٧ ، والمسالك ١ : ٢٢٤.

١٥٢

( القسم الثاني : في القرض ).

( وفيه أجر ) عظيم وثواب جسيم ( ينشأ من معونة المحتاج تطوّعاً ) وتقرّباً إليه سبحانه.

ففي النبوي : « من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة » (١).

والنصوص بفضله وذمّ منعه من المحتاج إليه مستفيضة (٢).

وهو أفضل من الصدقة ، كما رواه الشيخ وجملة ممن تأخّر عنه في الكتب الفقهية من أن القرض أفضل من الصدقة بمثله من الثواب (٣) ، ومعناه كما فهمه جماعة (٤) أنّ ثواب القرض ضعف ثواب الصدقة.

وربما أشكل الجمع بينه وبين غيره من المعتبرة المروية في الكافي وعن هداية الصدوق ونوادر الراوندي (٥) : من أنّ الصدقة الواحدة بعشرة والقرض بثمانية عشر ، حيث إنّ ظاهر الخبر أنّ درهم الصدقة بعشرة ، ودرهم القرض بعشرين.

وربما يدفع بأنّ المفاضلة والمضاعفة إنما هي في الثواب ، ولا ريب أنّه إذا تصدّق بدرهم فإنّه إنما يصير عشرة باعتبار ضمّ الدرهم المتصدّق به‌

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٢٥٢ ، صحيح مسلم ٤ : ٢٠٧٤ / ٣٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٨٢ / ٢٢٥ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) انظر الوسائل ١٨ : ٣٢٩ أبواب الدين والقرض ب ٦.

(٣) النهاية : ٣١١ ، السرائر ٢ : ٥٩ ، التحرير ١ : ١٩٩ ، التذكرة ٢ : ٤.

(٤) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ٢٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١٩ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ١٠٧.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣ / ١ ، الهداية : ٤٤ ، نوادر الراوندي : ٦.

١٥٣

حيث إنه لا يرجع ، والحاصل من الثواب الذي اكتسبه بالصدقة في الحقيقة مع قطع النظر عن ذلك الدرهم إنما هو تسعة ، وعلى هذا فثواب القرض وهو ثمانية عشر ضعف التسعة ، لأن المفاضلة إنما هي في الثواب المكتسب خاصّة.

قيل : والسرّ في المضاعفة أنّ الصدقة تقع في يد المحتاج وغيره والقرض لا يقع إلاّ في يد المحتاج غالباً ، وأنّ درهم القرض يعود فيقرض ودرهم الصدقة لا يعود (١). وإلى الأوّل أُشير في الخبر المروي عن الهداية : « وإنّما صار القرض أفضل من الصدقة لأنّ المستقرض لا يستقرض إلاّ من حاجة » (٢).

ثم إنّ ترتّب الثواب عليه فضلاً عن زيادته على ثواب الصدقة فرع التقرّب به إلى الله تعالى ، فلو خلا عنه لم يترتّب عليه الثواب فضلاً عن فرعه وهو الزيادة ووجهه واضح.

مضافاً إلى الخبرين المروي أحدهما في الكافي والثاني عن تفسير علي بن إبراهيم ، ففيهما : « الرباء رباءان ، أحدهما حلال والآخر حرام ، فأمّا الحلال فهو أن يقرض الرجل أخاه قرضاً طمعاً أن يزيده ويعوّضه أكثر مما يأخذه من غير شرط بينهما .. فهو مباح له ، وليس له عند الله تعالى ثواب فيما أقرضه ، وهو قوله تعالى ( فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ) (٣) وأمّا الحرام فالرجل يقرض قرضاً بشرط أن يردّ أكثر ممّا أخذه ، فهذا هو الحرام » (٤).

__________________

(١) كما قال به الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ١١.

(٢) الهداية : ٤٤.

(٣) الروم : ٣٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٤٥ / ٦ ، تفسير القمي ٢ : ١٥٩ ، الوسائل ١٨ : ١٦٠ أبواب الربا ب ١٨ ح ١.

١٥٤

وحيث إنّه لا خلاف نصّاً وفتوى في إفادته انتقال الملك بمجرّد الدالّ عليه أو مع ضميمة التصرّف ، على الخلاف الآتي ، لا جرم وجب الاقتصار فيه لمخالفته الأصل على ما يتحقّق به الانتقال بالإجماع والضرورة ، وهو ما إذا كان بعقد يتضمّن الإيجاب والقبول ، فلا يكفي المعاطاة فيه وإن اكتفى بها في حصول إباحة التصرّف ، مع أنّه لا خلاف في الأمرين ، بل ظاهرهم الإجماع عليه وعلى كونه من العقود الجائزة.

والصيغة : أقرضتك ، أو انتفع به ، أو تصرف فيه ، أو ملّكتك ، أو خذ هذا ، أو اصرفه وعليك عوضه ، وما أدّى هذا المعنى ؛ لأنّه كما عرفت من العقود الجائزة ، وهي لا تنحصر في لفظ بل تتأدّى بما أفاد معناها.

وإنّما يحتاج إلى ضميمة « وعليك عوضه » ما عدا الصيغة الأُولى ، فإنّها صريحة في معناه لا يفتقر إلى ضميمة ، فيقول المقترض : قبلت ، وشبهه ممّا دلّ على الرضا بالإيجاب.

واستقرب في الدروس الاكتفاء بالقبض ؛ لأنّ مرجعه إلى الإذن في التصرّف (١).

وهو حسن إن أُريد إفادته إباحة التصرّف ، وفيه نظر إن أُريد إفادته الملك المترتّب على صحة القرض ، إذ لا دليل عليه ، وما استدلّ به لا يؤدّي إليه ؛ فإن الإذن في التصرّف لا يؤدّي إلاّ إباحته.

( ويجب الاقتصار على ) أخذ ( العوض ) مثلاً أو قيمة ، من دون زيادة ، عيناً كانت أو صفة ، ربوية كانت العين المستقرضة أم غيرها ، إجماعاً ، كما في المختلف والمسالك وغيرهما (٢) ، بل حكى في العينيّة‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣١٨.

(٢) المختلف : ٤١٥ ، المسالك ١ : ٢١٩ ، مجمع الفائدة ٩ : ٦١.

١٥٥

بعض الأجلّة إجماع المسلمين كافّة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة عموم تحريم الربا والزيادة من الكتاب (٢) والسنّة (٣) ، وهي كإطلاق العبارة وإن عمّت صورتي اشتراطها وعدمها إلاّ أنّها مخصّصة بالصورة الأُولى خاصّة ، بلا خلاف ، كما في المسالك وغيره (٤) ؛ وهو الحجة المخصّصة ؛ مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الآتية.

( و ) حينئذٍ ( لو شرط النفع ولو بزيادة الوصف ) كالصحاح عوض المكسّرة ( حرم ) بلا خلاف فيما عدا المثال إلاّ نادراً ؛ لعموم ما مرّ ، مضافاً إلى عموم النهي عن قرض يجرّ نفعاً في النبوي العامي (٥) ، وخصوص المعتبرة ، منها الصحيح : « من أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلاّ مثلها ، فإن جوزي بأفضل منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقة » (٦).

والصحيح : عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً فقضاها مائة وزناً ، قال : « لا بأس ما لم يشترط » قال : وقال : « جاء الربا من قبل الشروط ، إنّما تفسده الشروط » (٧).

وأصرح منهما الخبر المروي عن قرب الإسناد : عن رجل أعطى‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ٩ : ٦٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٨ ، آل عمران : ١٣٠.

(٣) انظر الوسائل ١٨ : ١١٧ أبواب الربا ب ١.

(٤) المسالك ١ : ٢١٩ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ١٢٥ ، والحدائق ٢٠ : ١١٦.

(٥) الجامع الصغير ٢ : ٢٨٤ / ٦٣٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٩ ، دعائم الإسلام ٢ : ٦١ / ١٦٧ ، المستدرك ١٣ : ٤٠٩ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ٢.

(٦) التهذيب ٦ : ٢٠٣ / ٤٥٧ ، الوسائل ١٨ : ٣٥٧ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ١١.

(٧) الكافي ٥ : ٢٤٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ١١٢ / ٤٨٣ ، الوسائل ١٨ : ١٩٠ أبواب الصرف ب ١٢ ح ١.

١٥٦

رجلاً مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقلّ أو أكثر ، قال : « هذا الربا المحض » (١).

وعلى التحريم المستفاد من هذه الأدلّة يحمل عموم البأس في الزيادة مطلقاً ، أو مع الشرط خاصّة ، المستفاد من مفاهيم الأخبار الآتية ، فإنّ أخبارهم عليهم‌السلام بعضها يكشف عن بعض.

وكذا في المثال ، على الأظهر الأشهر ، سيّما بين من تأخّر ؛ لعموم النبوي المتقدّم ، المنجبر بفتاويهم. ولا ينافيه التخصيص بصورة الاشتراط ؛ فإنّ العام المخصّص حجة في الباقي ؛ مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المتقدّمة ، بل عمومها الشامل لمفروض المسألة.

مضافاً إلى خصوص الصحيح : « إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط » (٢).

والبأس وإن كان أعمّ من الحرمة إلاّ أنه محمول عليها بما تقدّم إليه الإشارة من الضميمة.

خلافاً للحلبي والنهاية وجماعة (٣) ، فجوّزوا الزيادة فيه مطلقاً ولو مع الشرط ، وزاد الأوّل ما شابه المثال ، فجوّز زيادة مطلق الأوصاف مطلقاً ؛ استناداً إلى الصحيح : عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة ويأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة بها نفسه ، قال : « لا بأس » (٤).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٦٥ / ١٠٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٥٩ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ١٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٤٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٠ أبواب الدين والقرض ب ٢٠ ح ١.

(٣) الحلبي في الكافي : ٣٣١ ؛ النهاية : ٣١٢ ؛ وانظر الوسيلة : ٢٧٢ ، ومجمع الفائدة ٩ : ٦٢ ، وحكاه في المختلف عن ابن البراج : ٤١٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٨١ / ٨٢١ ، التهذيب ٧ : ١١٥ / ٤٩٩ ، الوسائل

١٥٧

وليس فيه دلالة ؛ فإنّ ظاهره إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط ، ولا خلاف فيه ، كما في الروضة (١) ، بل عليه الإجماع في المختلف والغنية (٢) ، وبه أفتى الأصحاب كافّة ، وتبعهم الماتن فقال : ( نعم لو تبرّع المقترض بزيادة في العين أو الصفة لم يحرم ) إجماعاً ، كما في الكتب الثلاثة ، والصحاح وغيرها بذلك مستفيضة ، منها زيادة على الصحيحين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة الصحيح : عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثم يعطي سوداً وزناً وقد عرف أنها أثقل مما أخذ ، وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها ، فقال : « لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها له كلاًّ كان أصلح » (٣).

والصحيح : عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً ويعطيه الرهن إمّا خادماً وإمّا آنية وإمّا ثياباً ، فيحتاج إلى شي‌ء من منفعته ، فيستأذنه فيه فيأذن له ، قال : « إذا طابت نفسه فلا بأس » فقلت : إنّ مَن عندنا يرون (٤) أنّ كل قرض يجرّ منفعة فهو فاسد ، قال : « أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة » (٥).

ونحوه في الحكم بأنّ خير القرض ما جرّ منفعة خبران (٦) معتبرا‌

__________________

١٨ : ١٩٢ أبواب الصرف ب ١٢ ح ٥ ، الدرهم الغلّة : المغشوش. ( مجمع البحرين ٥ : ٤٣٦ ). الطازجية : البيض الجيّدة. مجمع البحرين ٢ : ٣١٥.

(١) الروضة ٤ : ١٤.

(٢) المختلف : ٤١٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٨٠ / ٨١٥ ، التهذيب ٧ : ١٠٩ / ٤٧٠ ، الوسائل ١٨ : ١٩١ أبواب الصرف ب ١٢ ح ٢.

(٤) في المصادر : يروون.

(٥) الكافي ٥ : ٢٥٥ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٨١ / ٨١٩ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٥٢ ، الوسائل ١٨ : ٣٥٤ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ٤.

(٦) الأول : الكافي ٥ : ٢٥٥ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٢ / ٤٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٩ / ٢٢

١٥٨

السند ، في أحدهما صفوان وابن بكير ، وفي الثاني ابن أبي عمير ، وهؤلاء حكي على تصحيح ما يصحّ عنهم إجماع العصابة (١).

ويستفاد منها كنفي البأس فيها وفي غيرها ممّا مضى وغيره أنّه لا يكره أيضاً.

مضافاً إلى ما روي في العامي من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقترض بكراً فردّ بازلاً رباعيا وقال : « إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً » (٢).

ونحوه في الخاصي أيضاً ، وهو الموثّق كالصحيح : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكون عليه الثنيّ فيعطي الرباع » (٣).

وفي الصحيح : عن الرجل يستقرض من الرجل الدرهم فيرد عليه المثقال ، أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدرهم ، فقال : « إذا لم يكن شرط فلا بأس ، وذلك هو الفضل ، إنّ أبي رحمه‌الله كان يستقرض الدراهم الفُسولة (٤) فيدخل عليه الدراهم الجلال (٥) فيقول : يا بنيّ ، ردّها على الذي استقرضتها منه ، فأقول : يا أبه ، إنّ دراهمه كانت فُسولة ، وهذه خير منها ، فيقول : يا بنيّ ، إنّ هذا هو الفضل ، فأعطه إيّاها » (٦).

نعم ، ربما تنافيها الأخبار المانعة عن الزيادة مطلقاً ، كالصحيح : عن‌

__________________

، الوسائل ١٨ : ٣٥٥ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ٥. الثاني : الكافي ٥ : ٢٥٥ / ٣ ، الوسائل ١٨ : ٣٥٥ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ٦.

(١) انظر رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ ، ٨٣٠.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣٥٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ / ١١٨ ؛ بتفاوت.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٥ ، الوسائل ١٨ : ١٩٢ أبواب الصرف ب ١٢ ح ٦.

(٤) الدراهم الفُسُولة : أي الرذلة. مجمع البحرين ٥ : ٤٣٩.

(٥) في التهذيب والفقيه : الجياد.

(٦) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٨٠ / ٨١٦ ، التهذيب ٧ : ١١٥ / ٥٠٠ ، الوسائل ١٨ : ١٩٣ أبواب الصرف ب ١٢ ح ٧.

١٥٩

الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً ، قال : « لا يصلح إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً » (١) الخبر.

وطريق الجمع بينه وبين ما مرّ حمل هذا وما ضاهاه على صورة الشرط أو التقيّة ، كما يستفاد من بعض ما مرّ ، أو كراهة الأخذ خاصّة ، وهذا أجود ، وليس عليه منافاة ، فإنّ موارد ما دلّ على الفضل في الزيادة هو صورة الإعطاء خاصّة ، ولا كذلك ما دلّ على المنع ؛ فإنّ مواردها صورة الأخذ خاصّة.

ولا فرق في الجواز مع عدم الشرط بين أن يكون من نيّتهما ذلك أم لا ؛ لإطلاق النصوص الماضية.

مضافاً إلى خصوص بعض المعتبرة : عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه ، وقد علم المستقرض والقارض أنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها ، قال : « لا بأس إذا طابت نفس المستقرض » (٢).

وقصور السند بالجهالة منجبر بوجود الحسن بن محبوب فيه ، وقد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

نعم يكره ، وفاقاً للدروس (٣) ؛ مسامحةً في أدلّتها ، كما مرّ غير مرّة.

ثم إنّ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف ، بل في المسالك وعن السرائر (٤) الإجماع عليه : فساد القرض مع شرط النفع ، فلا يجوز التصرف‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٤ / ٤٦٢ ، الإستبصار ٣ : ١٠ / ٢٧ ، الوسائل ١٨ : ٣٥٦ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ / ٤٤٧ ، الوسائل ١٨ : ١٩٢ أبواب الصرف ب ١٢ ح ٤.

(٣) الدروس ٣ : ٣١٩.

(٤) المسالك ١ : ٢١٩ ، السرائر ٢ : ٦٠.

١٦٠