رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

عليه ، ولا يتمّ إلاّ بذلك ، فيجب عليه.

والمعتبر فيه ما يعتاد لأمثالها ، فالنقصان عنه تفريط ، فيضمنها حينئذٍ وإن ماتت بغيره.

ولا يعود حكم الوديعة لو عاد إلى الإنفاق إلاّ مع حصول الإيداع بإذن جديد ، كما قالوه في كلّ تعدّ أو تفريط.

ولا فرق في ذلك بين أن يأمره المالك بالإنفاق ، أو يطلق ، أو ينهاه ؛ لوجوب حفظ المال عن التلف ، فيضمن في الصور على قول ، ولا في الأخيرة على آخر ، لأن حفظ المال بالذات إنما يجب على مالكه لا على غيره ، ووجوب حفظ الوديعة على المستودَع إنما هو بالعرض يثبت حيث لا ينهاه المالك ويرتفع مع نهيه.

نعم يجب في الحيوان مطلقاً اتفاقاً ؛ لأنه ذو روح. لكن لا يضمن بتركه كغيره من الشجر ونحوه ؛ لقدوم المالك بنهيه على سقوطه عنه ، كذا قيل (١).

وهو حسن حيث يثبت حكم الوديعة في هذه الصورة تضمّنها على المالك سفاهة ، وإلاّ فهو محل مناقشة ، فإن مقتضى القواعد كونها حينئذٍ أمانة شرعية يجب حفظها والمبادرة بردّها إلى متولّيها عن مالكها ، ويأتي وجه المناقشة فيما ذكروه من الحكم المزبور فيما يشابه مفروض المسألة ، وقد تقدّم إليه بعضه الإشارة (٢) ، إلاّ أن الظاهر إرادتهم ثبوت الحكم حيث لا يتضمن إيداع المالك سفاهة ، كما يستفاد من قواعدهم الكلية.

__________________

(١) انظر الروضة البهية ٤ : ٢٤٦.

(٢) راجع ص : ٤١٦.

٤٢١

واعلم أن كثيراً من الأصحاب (١) ذكروا أن مستودَع الحيوان إن أمره المالك بالإنفاق أنفق ورجع عليه بما غرم ، وإن أطلق توصّل إلى استيذانه ، فإن تعذّر رفع أمره إلى الحاكم ليأمره به ، أو يستدين عليه ، أو يبيع بعضه للنفقة ، أو ينصب أميناً ، فإن تعذّر أنفق هو وأشهد عليه ( ويرجع به على المالك ) ولو تعذّر الإشهاد اقتصر على نية الرجوع ، وكذا القول مع نهي المالك له عنه.

ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، حتى الرجوع بما أنفق على المالك حيث أثبتوه له ؛ لاستلزام عدمه الضرر المنفي ، مع أنه محسن وليس عليه سبيل. إلاّ أن في اشتراط الإشهاد نظراً ؛ لعدم الدليل عليه ، ويحتمل أن يكون ذكره إرشاداً لا اشتراطاً ، فتأمّل جدّاً.

( والوديعة أمانة لا يضمنها المستودَع إلاّ مع التفريط أو العدوان ) إجماعاً ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : « صاحب البضاعة والوديعة مؤتمنان » (٢).

وفي آخر : رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرق ، قال : « هو مؤتمن » (٣).

وفي ثالث : عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق ، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال : « ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً » (٤).

__________________

(١) كالعلاّمة في التحرير ١ : ٢٦٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٠٥ ، وصاحب الحدائق ٢١ : ٤١٥.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠ ، الوسائل ١٩ : ٧٩ أبواب أحكام الوديعة ب ٤ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، الوسائل ١٩ : ٧٩ أبواب أحكام الوديعة ب ٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٨٤ / ٨١٢ ، الوسائل ١٩ : ٨٠ أبواب أحكام الوديعة ب ٤ ح ٥.

٤٢٢

وفي رابع : عن وديعة الذهب والفضة؟ فقال : « كلّ ما كان من وديعة لم تكن مضمونة فلا يلزم » (١).

وفي الموثق : رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : إنها كانت قرضاً عليك ، فقال : « المال لازم له إلاّ أن يقيم البينة أنها كانت وديعة » (٢) إلى غير ذلك من النصوص.

وعمومها وإن اقتضى نفي الضمان عن المتعدّي والمفرط ، إلاّ أنه مع بُعد انصرافه إليهما مخصّص بالإجماع ، والصحيح : رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت ، هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه؟ فوقّع عليه‌السلام : « هو ضامن لها إن شاء الله » (٣).

ثم إن التفريط هو ترك ما يجب فعله ، كما إذا أخّر الإحراز زيادة على المعتاد ، أو طرحها فيما ليس بحرز وذهب عنها ، أو كان المحل غير صالح للحرز أصلاً ، أو ترك نشر الثوب المحتاج إليه ، أو لبسه حيث يحتاج إليه ، أو ترك سقي الدابة وعلفها ونحوهما مما تحتاج إليه بحسب المعتاد كما مضى ، أو يودعها من غير ضرورة ولا إذن ، أو يسافر بها كذلك مطلقاً ولو كان الطريق أمناً ، أو نحو ذلك ، وضابطه ما يعدّ تفريطاً في الحفظ.

والتعدّي عكسه ، مثل أن يلبس الثوب ، أو يركب الدابة ، أو يجحد مع مطالبة المالك أو مطلقاً على قول ، أو يخالطها بمال آخر مطلقاً ولو من‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٩ ، الوسائل ١٩ : ٧٩ أبواب أحكام الوديعة ب ٤ ح ٤.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٩٤ / ٨٨٣ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٨ ، الوسائل ١٩ : ٨٥ أبواب أحكام الوديعة ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٩٤ / ٨٨٠ ، التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩١ ، الوسائل ١٩ : ٨١ أبواب أحكام الوديعة ب ٥ ح ١.

٤٢٣

المالك بحيث لا يتميّز ، أو يفتح الختم الذي ختمه المالك أو هو بأمره لا مطلقاً ، أو ينسخ من الكتاب أو نحو ذلك بدون إذنه ، وضابطه ما يعدّ به خائناً.

ولا خلاف في الضمان بكلّ ما مرّ ، إلاّ أن يكون لشي‌ء منه مدخل في الحفظ ، فلا ضمان ، لوجوبه. وقد ادّعى الإجماع على الضمان بكثير من الأُمور المتقدمة الفاضل في التذكرة وغيره (١) ، إلاّ أن المحكي عن المقنع في الرهن الذي هو في حكم الوديعة من حيث الأمانة عدم الضمان بترك نشره ولو احتاج إليه (٢).

وعبارته المحكية عن إفادته قاصرة ، كالنصوص المستدل له بها على ذلك ، منها الصحيح : عن رجل رهن عنده ثياباً تركها مطويّة لم يتعهّدها ولم ينشرها حتى هلكت؟ قال : « هذا نحو واحد يكون حقه عليه » (٣).

ونحوه عبارة المقنع ، ولا دلالة فيهما على نفي الضمان ، بل غايتهما الدلالة على بقاء الدين ، وهو لا يستلزمه إلاّ على تقدير ثبوت التقاصّ قهراً ، وهو خلاف الأصل ، مع أنه لا دليل عليه.

( ولو تصرف ) المستودع ( فيها باكتساب ) بأن دفعها عن عين مبتاعة للاسترباح ( ضمن وكان الربح للمالك ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور بعض رواتها بوجود ابن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٩٧ ؛ وانظر مجمع الفائدة ١٠ : ٣٢٠.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٤١٩ ، وهو في المقنع : ١٢٨.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٩ / ٩٠٣ ، التهذيب ٧ : ١٧٥ / ٧٧٣ ، الإستبصار ٣ : ١١٩ / ٤٢٤ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٩ أبواب أحكام الرهن ب ٦ ح ١.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.

٤٢٤

محبوب في سنده ، وقد حكي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (١) ، وفيه : إني كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه ، ثم إنه جاءني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه ، قال : هذا مالك فخذه ، وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك ، واجعلني في حلّ ، فأخذت منه المال وأبيت أن آخذ الربح منه وأوقفته المال الذي كنت استودعه وأتيت حتى أستطلع رأيك فما ترى؟ قال : فقال : « خذ نصف الربح وأعطه النصف وحلّه ، إن هذا رجل تائب والله يحبّ التوّابين » (٢).

والأمر بإعطاء النصف للاستحباب ، كما ينادي به التعليل.

وإطلاقه كالعبارة يقتضي عدم الفرق في استحقاق المالك الربح بين أن يأذن للودعي في التجارة بشرط الضمان أم لا ، وهو ظاهر المحكي عن الشيخين والديلمي والقاضي والحلبي (٣).

خلافاً للإسكافي (٤) في الأول ، فجعله حينئذٍ للودعي ، ونفى عنه البأس في المختلف (٥) معلّلاً بأن التضمين يقتضي انقلاب الوديعة قرضاً ومداينة ، وله شواهد من المعتبرة المتقدمة في المضاربة ، ويمكن تنزيل الإطلاقات عليه.

__________________

(١) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٤ / ٨٨٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩٣ ، الوسائل ١٩ : ٨٩ أبواب أحكام الوديعة ب ١٠ ح ١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٢٦ ، الطوسي في النهاية : ٤٣٧ ، الديلمي في المراسم : ١٩٣ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٤٤٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٣٠.

(٤) كما نقله عنه في المختلف : ٤٤٥.

(٥) المختلف : ٤٤٥.

٤٢٥

إلاّ أنه لا يخلو عن شائبة ريبة ؛ لاختصاص المعتبرة بالمضاربة ، وعدم وجود شي‌ء فيها يوجب التعدية ، فلا يمكن الخروج عن مقتضى القواعد الدالّة على تبعية الربح للمال حيث يقع الاكتساب بعين الوديعة وتجعل بعينها أحد عوضي المعاملة. وليس في العبارة وما ضاهاها تقييد الحكم بهذا القيد ، إلاّ أن مقتضى قواعدهم التقييد به وبإجازة المالك أيضاً ، وإلاّ فالمعاملة باطلة ، وبه صرح في التنقيح (١).

ولكن الإطلاق محتمل ؛ لإطلاق النص المؤيّد بإطلاق النصوص الواردة في التجارة بمال اليتيم بغير وجه شرعي الحاكمة بأن الربح لليتيم والضمان على المتّجر كما في المسألة ، وتنزيلهما ككلمة الأصحاب في المقامين على القيدين سيّما الثاني في مال اليتيم بعيد في الغاية.

فالقول بالإطلاق لا يخلو عن قوّة. ولعلّ الوجه فيه كون الانتقال من باب التقاص القهري ؛ لأن البائع أخذ المال وتصرّف فيه وذهب ، ولا يكاد يتيسّر الاسترداد منه كما هو الغالب ، مع أن حبس المال عنه مدة ضرر عليه منفي ، ولكن اللازم على هذا التقدير تقييد الحكم بعدم إمكان استرداد العين كما هو الغالب ، ويمكن تنزيل الإطلاقات عليه ؛ لذلك.

ثم كلّ ذا إذا اشترى بالعين ، أو في ذمّة مالكها ، أو في الذمّة مطلقاً.

ولو اشترى في ذمّته وعوّضها عمّا تعلّق بها ففي صحة المعاملة إشكال ، ولكن مقتضى القواعد الصحّة ، سيّما وأن يكون البائع ممن لا يبالي بأخذ العوض كيف كان من حلال أو حرام.

وكيف كان ، فما ذكرناه من التوجيه من التقاص القهري والضرر‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٢٤١.

٤٢٦

المنفي يقتضي كون المبيع والربح كلّه للمالك حيث لا يمكن استرداد العين من البائع ، وما ذكرناه من التحقيق غير مختصّ بالمقام ، بل جارٍ حيثما العلّتان فيه تجريان.

( و ) حيث صارت الوديعة مضمونة على المستودع بأحد أسباب الضمان من إخراجها من الحرز أو غير ذلك مما مرّ ( لا يبرأ ) الودعي عن الضمان ( بردّها إلى الحرز ) حيث كان الإخراج منه سبباً ، وفي حكمه ترك الخيانة ، والسبب الموجب كائناً ما كان ، وإنما ذكر الردّ إلى الحرز مثلاً.

( وكذا لو تلف ) الوديعة ( في يده بتعدّ أو تفريط فردّ مثلها إلى الحرز ) لا يبرأ ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع عن التذكرة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى عموم على اليد ، وما قالوه من أنه صار بمنزلة الغاصب بتعدّيه فيستصحب الضمان إلى أن يحصل من المالك ما يقتضي زواله.

( بل لا يبرأ إلاّ بالتسليم إلى المالك أو من يقوم مقامه ) ممن تقدّم فيبرأ حينئذٍ ولو جدّد المالك له الاستيمان بعد الردّ إجماعاً كما في التذكرة وغيره (٢).

وفي الحصر إشعار بعدم زوال الضمان مع عدم الردّ مطلقاً ولو استأمنه المالك ثانياً ، أو أسقط عنه الضمان ، وهو أحد القولين في المسألة. والأشهر السقوط ، ولا يبعد.

( ولا يضمنها لو قهره عليها ظالم ) بلا خلاف ؛ لأمانته. وينبغي تقييده بما إذا لم يكن سبباً في الأخذ القهري ، بأن يسعى بها إليه ، أو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٩٨.

(٢) التذكرة ٢ : ١٩٨ ؛ قال في المسالك ١ : ٣١٠ : هذا لا شبهة فيه. وقال في الحدائق ٢١ : ٤٥٣ : لا خلاف ولا إشكال فيه عندهم.

٤٢٧

أظهرها فوصل إليه خبرها مع مظنّته ، ومثله ما لو أخبر بمكانها اللّص فسرقها.

ولا فرق بين أخذ القاهر لها بيده ولو من يده ، وأمره له بدفعها إليه كرهاً ، على الأشهر الأقوى ؛ لانتفاء التفريط فيهما ، فينحصر الرجوع بالغرامة على الظالم.

خلافاً للحلبي والتذكرة (١) في الثاني ، فجوّزا له الرجوع على المستودع وإن استقرّ الضمان على الظالم.

وهو شاذّ ، والأصل مع نفي السبيل عن المحسن يدفعه.

( لكن إن أمكنه الدفع ) عنها بما يوجب سلامتها ( وجب ) بلا خلاف ؛ لوجوب الحفظ عليه ، ولا يتم إلاّ به ، فيجب ولو مقدمة ما لم يؤدّ إلى تحمل الضرر الكثير ، كالجرح وأخذ المال ، فيجوز تسليمها حينئذٍ وإن قدر على تحمّله ، بلا خلاف ، لأنه ضرر منفي.

والمرجع في الكثرة والقلّة إلى حال الودعي ، فقد تعدّ الكلمة اليسيرة من الأذى كثيرة في حقّه لكونه جليلاً لا يليق نحو ذلك بحاله ، ومنهم من لا يعتدّ بمثله.

وأمّا أخذ المال فإن كان من مال المستودع ، قيل : لم يجب بذله مطلقاً ولو لم يستوعبها ؛ إذ لا ضرر ولا ضرار (٢).

وفيه نظر ؛ لوجوب الحفظ ، ولا يتم إلاّ به ، فيجب ، والضرر يندفع بالرجوع بعد نيّته.

وإن كان من الوديعة فإن لم يستوعبها وجب دفعه إليه من باب‌

__________________

(١) الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٣٠ ، التذكرة ٢ : ٢٠٥.

(٢) الروضة ٤ : ٢٣٤.

٤٢٨

المقدمة مع المكنة. فلو ترك مع القدرة فأخذ الجميع ضمن ما يمكن فيه السلامة لا الجميع ؛ لذهاب قدر المدفوع على التقديرين.

ويحتمله ؛ التفاتاً إلى التفريط الموجب له ، مع ظهور الفرق في الذهاب بين التقديرين بكونه بأمر الشارع على الأوّل ، وبدونه على الثاني ، وهو فرق واضح ، وإن هي حينئذٍ إلاّ كما لو فرّط فيها فتلف بغيره ، وقالوا فيها بضمانها مع أنها ذاهبة على التقديرين ، فتأمّل.

وإن لم يمكن الدفع عنها إلاّ بأخذها أجمع فلا تقصير.

( ولو أحلفه ) الظالم على ( أنها ليست عنده حلف مورّياً ) بما يخرجه عن الكذب ، بأن يحلف ما استودع من فلان ويخصّه بوقت أو جنس أو مكان أو نحوها مغايراً لما استودعه. وإنما يجب التورية عليه مع علمه بها وتمكنه منها ، وإلاّ سقطت ؛ لأنه كذب مستثنى للضرورة اتفاقاً فتوى ورواية (١) ، ترجيحاً لأخفّ القبيحين حيث تعارضا إن قلنا بقبحه في نحو المقام أيضاً ، وإلاّ ارتفع الإشكال من أصله ؛ لفقد التعارض.

( ويجب ) على المستودع ( إعادتها إلى المالك ) بمعنى رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها ( مع المطالبة ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الكتاب (٢) والسنة ، فمنها زيادة على ما مضى بعض المعتبرة : عن رجل استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة ، والرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر أن لا يعطيه شيئاً ، والمودِع رجل خارجي‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٣٥ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٨٣ / ١٠٣٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠١ أبواب الأيمان ب ٣ ح ١.

(٢) النساء : ٥٨.

٤٢٩

شيطان ، فلم أدع شيئاً؟ فقال : « قل له : يردّه عليه ، فإنه ائتمنه عليه بأمانة الله تعالى » (١).

ومقتضى صريحه كغيره وإطلاق العبارة كغيرها من النص والفتوى عدم الفرق في المودِع بين المسلم والكافر.

خلافاً للحلبي (٢) في الحربي ، حيث أوجب الردّ في وديعته إلى سلطان الإسلام.

وهو شاذّ ، وربما انعقد بعده على خلافه الإجماع.

قالوا (٣) : ويجب الردّ فوراً مع الإمكان ؛ ولعلّ الوجه فيه مع عدم اقتضاء الأمر الفورية هو وجوب الاقتصار في وضع اليد على مال الغير على القدر المتحقق معه إذنه ، ومطالبة الردّ تقتضي انقطاعه ، فلا يجوز له التصرف زيادة على ما يتحقق به الردّ ، فلا وجه لتأمّل بعض من عاصرناه في الفور (٤).

نعم ، له وجه حيث ينضمّ إلى المطالبة من عرف أو عادة ما يدلّ على التوسعة وبقاء الإذن إلى حين الردّ متى اتّفق ، ولكن الظاهر خروجه عن مفروض الجماعة.

وفي جواز التأخير للإشهاد مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو التفصيل بين الإيداع بالإشهاد فالأوّل وإلاّ فالثاني أقوال ثلاثة. أوّلها لا يخلو عن قوّة ؛

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٣ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٥١ / ٩٩٦ ، الوسائل ١٩ : ٧٤ أبواب أحكام الوديعة ب ٢ ح ٩.

(٢) انظر الكافي في الفقه : ٢٣١.

(٣) منهم : العلاّمة في التذكرة ٢ : ٢٠٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٠٧ والروضة ٤ : ٢٤١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٣٣.

(٤) الحدائق ٢١ : ٤٢٧.

٤٣٠

دفعاً للضرر والتهمة ، لكن يجب المبادرة إلى الإشهاد.

( ولو كانت ) الوديعة ( غصباً منعه ) أو وارثه من أخذها ( وتوصّل في وصولها إلى المستحق ) لها إن عرف.

( ولو جهله عرّفها كاللقطة حولاً ، فإن وجده ، وإلاّ تصدّق بها عن المالك إن شاء ، ويضمن إن لم يرض ) على المشهور ؛ للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر : عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص مالاً أو متاعاً واللصّ مسلم ، هل يردّ عليه؟ قال : « لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فعل ، وإلاّ كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه ، وإلاّ تصدّق بها ، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له » (١).

خلافاً للحلبي والحلّي (٢) ، فأوجبا ردّها إلى إمام المسلمين ، ومع التعذّر يبقى أمانة ثم يوصي بها إلى عدل إلى حين التمكن من المستحق ، قوّاه في المختلف (٣) ، معلّلاً بأنه أحوط ، والتفاتاً إلى ضعف الخبر. وفي الثاني ما مرّ ، وفي الأوّل نظر.

وللمفيد والديلمي (٤) ، فأوجبا إخراج الخمس قبل التصدّق ولم يذكرا التعريف.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٨ / ٢١ ، الفقيه ٣ : ١٩٠ / ٨٥٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩١ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٠ ، المقنع : ١٢٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٣ أبواب اللقطة ب ١٨ ح ١.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٣١ ، السرائر ٢ : ٤٣٦.

(٣) المختلف : ٤٤٤.

(٤) المفيد في المقنعة : ٦٢٧ ، الديلمي في المراسم : ١٩٤.

٤٣١

وللفاضل في الإرشاد وتبعه الشهيد الثاني (١) ، فخيّرا بين الصدقة بها بعد اليأس والتعريف مع الضمان ، وإبقائها أمانة.

وله لولا ما مرّ من الخبر المنجبر بعمل الأكثر وجه ، كما في كلّ مال مجهول المالك ، فقد دلّت الأخبار بأن حكمها ذلك ، لكنها خالية عن الضمان ، بل ظاهرها عدمه.

ثم الضمان على تقديره هل هو بمعنى أنه لو وجد صاحبه يجب ردّه عليه فقط ، أو لا ، بل ضمان مثل سائر الديون حتى يجب عليه الإيصاء ، ثم على الورثة كذلك؟ فيه وجهان ، والأوّل بالأصل أنسب.

ثم إن ظاهر التشبيه باللقطة في الرواية يقتضي جواز التملك بعد التعريف ، ولم يذكره أحد في المسألة.

وإنما يجب منع الغاصب مع إمكانه ، وإلاّ سلّمها إليه ، وفي الضمان إشكال ، والأقرب العدم.

( ولو كانت ) الوديعة المغصوبة ( مختلطة بمال المودع ردّها عليه إن لم يتميّز ) إجماعاً ، كما في الغنية وعن الحلّي (٢) ، ونسبه فخر الدين إلى الأصحاب كافّة (٣) ولولاه لكان الحكم على إطلاقه محل ريبة ؛ لاستلزام الردّ تسليط الغاصب على مال غيره بغير حق ، وهو غير جائز أيضاً.

والأوفق بالقواعد هو ما ذكره في المسالك (٤) من أن الأقوى ردّه على الحاكم مع إمكانه ليقسّمه ويردّ على الغاصب ماله. ومع تعذّره يحتمل قويا‌

__________________

(١) الإرشاد ١ : ٤٣٨ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٠٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠ ، الحلي في السرائر ٢ : ٤٣٦.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ١٢٢.

(٤) المسالك ١ : ٣٠٧.

٤٣٢

جواز تولّي الودعي القسمة ان كان مثليّا وقدر حق الغاصب معلوماً ؛ جمعاً بين الحقين. والقسمة هنا إجبارية ؛ للضرورة ، تنزيلاً للودعي منزلة المالك حيث قد تعلّق بضمانه ، وللحسبة.

ولو امتزج على وجه لا يعلم القدر أصلاً ففيه إشكال ، وحينئذٍ يتوجّه ما أطلقه الأصحاب إن لم يمكن مدافعة الغاصب على وجه يمكن معه الاطلاع على الحق.

ويحتمل عدم جواز الردّ مطلقاً مع إمكانه إلى أن يعترف الغاصب بقدر معيّن أو يقاسم ؛ لاستحالة ترجيح حقّه على حق المغصوب منه مع تعلّق الودعي بالحقين.

( وإذا ) اختلفا فادّعى الودعي التلف وأنكره المالك أو اتّفقا عليه ولكن ( ادّعى المالك التفريط فالقول قول المستودع مع يمينه ) بلا خلاف في الأخير إلاّ من حيث لزوم اليمين ، فيأتي فيه خلاف من أنكره في الأوّل ؛ لعموم دليله ، ولكن المشهور خلافه ، لعموم : « البيّنة على المدّعى ، واليمين على من أنكر » (١).

وعلى الأشهر الأظهر في الأوّل مطلقاً ، أطلق التلف أو ادّعاه بأمر خفيّ أو ظاهر ، بل عن التذكرة (٢) الإجماع عليه وعلى لزوم اليمين.

خلافاً للمبسوط (٣) في دعوى التلف بأمر ظاهر ، فلم يقبل قوله حينئذٍ إلاّ ببيّنة ؛ لإمكان إقامتها.

__________________

(١) علل الشرائع : ١٩٠ / ١ ، الاحتجاج : ٩٠ ، تفسير القمي ٢ : ١٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ أبواب كيفية الحكم ب ٢٥ ح ٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٠٦.

(٣) المبسوط ٤ : ١٤١.

٤٣٣

وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح ، وعموم البينة على المدّعى وإن ساعده إلاّ أنه لا اختصاص له بالفرد الذي ذكره ، بل يجري في الفردين اللذين تقدما ، والحال أنه لم يلتزمه.

وللمقنع ، فقدّم قوله مطلقاً من دون يمين كذلك ؛ لما رواه مرسلاً عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، أنه سئل عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال : « نعم ، ولا يمين عليه » (١) ونسبه في الفقيه إلى مشايخه (٢). وهو مشعر بشهرة ذلك في الزمن الأوّل ، وربما اعتضد بالنصوص الناهية عن اتّهام المستأمن ولا ينفك الإحلاف عنه ؛ مضافاً إلى الأصل النافي للزومه.

لكن الإجماع المتقدم الذي هو في حكم خبر صحيح معتضد بالشهرة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً أوهن المصير إليه ، مع عدم وضوح سند الأحاديث الدالّة عليه ، ومعارضتها بمفهوم المرسلة المروية في الغنية قال بعد الحكم بما في العبارة في الصورة الثانية ـ : وروى أنه لا يمين عليه إن كان ثقة غير مرتاب (٣). وبمضمونها في المسألة أفتى الإسكافي والحلبي كما حكي (٤).

لكنها في ضعف السند كما مرّ ، فليس عليهما المعتمد والمعوّل ، بل العمل على الأوّل ، فإنه أظهر وأحوط.

( ولو اختلفا في مال ) هو في يد المستودع ولو بإقراره أنه ( هل هو وديعة ) عنده ( أو دين ) عليه ( فالقول قول المالك بيمينه ) على ( أنه

__________________

(١) لم نعثر عليه في المقنع المطبوع ، ولكن أورده عنه في الوسائل ١٩ : ٨٠ أبواب الوديعة ب ٤ ح ٧.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.

(٤) حكاه عنهما في المختلف : ٤٤٤ ، وهو في الكافي في الفقه : ٢٣١.

٤٣٤

لم يودع ) بلا خلاف ؛ عملاً بعموم على اليد الموجب لضمان ما أخذته ، خرجت عنه الأمانة حيث تكون معلومة بالإجماع فتوى ورواية ، وبقي الباقي يشمله عموم الرواية.

والموثق كالصحيح : عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : إنما كانت عليك قرضاً؟ قال : « المال لازم إلاّ أن يقيم البينة أنها كانت وديعة » (١).

والرواية كما ترى صريحة ، إلاّ أنها كالعبارة مطلقاً غير مقيّدة بثبوت وقوع المال في يد المستودع ، إلاّ أن الإطلاق منصرف إليه بالتبادر والغلبة ، فإن الوديعة لا تكون إلاّ به غالباً في العادة ، وما عداه يرجع فيه إلى أصالة براءة الذمة.

وبما ذكرناه من التقييد صرّح الحلّي ، وقال بعده : والمسألة غامضة (٢).

وأمارة الغموض بعد التقييد بذلك غير واضحة ؛ لتظافر الأدلّة من الاعتبار والسنة بوضوح المسألة ، ولعلّه لهذا ردّه الفاضل في المختلف (٣) ، وتبعه المقداد في التنقيح (٤) ، أو لدعواه التقييد المتقدم. وبيانه الفرق بين دعوى الوديعة مع الإقرار بوقوعها في يده فما ذكره ، وبدونه كأن قال : ما عندي وديعة ، فالقول قوله ، للأصل ، وعدم المخرج عنه ، فإن الإقرار بالوديعة أعم من الإقرار بالأخذ باليد الموجب للضمان المسقط لدعواه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٩٤ / ٨٨٣ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٨ ، الوسائل ١٩ : ٨٥ أبواب أحكام الوديعة ب ٧ ح ١.

(٢) السرائر ٢ : ٤٣٧.

(٣) المختلف : ٤٤٤.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٢٤٦.

٤٣٥

ووجه الردّ حينئذٍ ما تقدّم من النص المطلق ؛ مضافاً إلى ظهور لفظة « عندي » في الإقرار بتسليط اليد ، بناءً على الغالب كما مرّ ، فيحكم به بالإقرار باليد على الظاهر. ولا بأس به ، وفاقاً لظاهر إطلاق الأكثر ، كالإسكافي والطوسي (١).

ويفهم من قوله : ( إذا تعذّر الردّ أو تلف العين ) أن مع عدم التعذّر القول قول الودعي. ولا ريب فيه ؛ لأصالة عدم القرض ، فله ردّ نفس العين ، والخبر المتقدم صريح في التلف ، فلا يعمّ غيره.

( ولو اختلفا في القيمة ) بعد الاتفاق على التلف بالتفريط ( فالقول قول المالك مع يمينه ) كما عن الشيخين وفي الغنية (٢) ؛ لخروجه بالتفريط عن الأمانة.

ويضعف بأنه ليس مأخذ القبول حتى يقال : إنه خرج عن الأمانة ، بل لأنه منكر للزيادة فيشمله عموم الرواية : « البينة على المدّعى واليمين على من أنكر » (٣).

( و ) لذا ( قيل : ) كما عن الحلبي والحلّي وابن حمزة (٤) إن ( القول قول المستودع وهو أشبه ) وأشهر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ، والرواية (٥) المدّعاة على الأوّل مرسلة خارجة بذلك ، مع عدم جابر لها‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٤٤ ، الطوسي في النهاية : ٤٣٦.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٢٦ ، الطوسي في النهاية : ٤٣٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.

(٣) المتقدمة في ص : ٤٣٤.

(٤) الحلبي في الكافي : ٢٣١ ، الحلي في السرائر ٢ : ٤٣٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٥.

(٥) المتقدمة في ص : ٤٣٥.

٤٣٦

بالمرّة عن الحجية.

( ولو اختلفا في الردّ ) فأنكره المالك ( فالقول قول المستودع ) وإن كان مدّعياً بكل وجه ، على المشهور ، بل في المختلف في كتاب الوكالة حكى عن الحلّي الإجماع عليه (١) ، ونسبه المفلح الصيمري إلى الجميع ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه وعلى اعتبار اليمين هنا ، قال بعد الحكم : وعليه فتوى الجميع وإن استشكله بعضهم بعد الفتوى لاحتمال أن يكون القول قول المالك ؛ لأنه منكر وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « البينة على المدّعى واليمين على من أنكر » ولم أجد قائلاً بهذا الاحتمال ، بل الفتاوى متطابقة على أن القول قول الودعي ؛ لأنه أمين قبض المال لمصلحة المالك ، فيكون قوله مقبولاً بالردّ ، وهو المعتمد. انتهى.

ويعضد الإجماع الذي ادّعاه ما مرّ في المضاربة من جواب المشهور عمن يدّعي قبول قول العامل بالردّ قياساً على المقام بأنه مع الفارق ، لكونه فيه قبض المال لنفع المالك والإحسان إليه فلا سبيل له عليه دون العامل ، لعدم قبضه إيّاه كذلك ، بل لنفع نفسه ، فلا إحسان بالإضافة إليه (٢). فلولا الإجماع لأُشير ولو في كلام بعضهم بمنع المقيس عليه ، ولم يُشَر إليه في كلامٍ أصلاً ، بل ظاهر الاستدلال يقتضي الوفاق على الحكم هنا ، مع أن بالإجماع على قبول دعوى الرد ممن قبل الأمانة لمجرد الإحسان بالمالك صرّح في المهذب في كتاب الوكالة ، وسننقل كلامه المصرّح به ثمّة (٣).

ومن بيان الفارق ثمّة يظهر حجة أُخرى في المسألة ؛ مضافاً إلى‌

__________________

(١) المختلف : ٤٣٨ ، وهو في السرائر ٢ : ٨٧.

(٢) راجع ص : ٣٥٥.

(٣) المهذب البارع ٣ : ٣٩.

٤٣٧

حكاية الإجماع المتقدمة ، مع أن ظاهرهم الاتفاق على تقديم قوله في التلف ولو في الجملة ، استناداً إلى مجرّد الأمانة ، وهي جارية في المقام بلا شبهة ، فكما يخصّص بها الأصل وعموم الرواية المتقدمة بالإضافة إلى تلك المسألة ، فليخصّصا بها هنا لا محالة ، هذا.

مضافاً إلى التأيّد بالنصوص المتقدم إليها الإشارة الناهية عن رمي الأمين بالتهمة ، وتكليفه بالبينة على الردّ يلزمه ، لكن فيه مناقشة.

وكيف كان فلا مذهب عن هذا القول ولا مندوحة.

هذا إذا ادّعى ردّها على من ائتمنه. أما لو ادّعاه على غيره كالوارث فكغيره من الامناء يكلّف بالبينة ؛ لأصالة عدمه وهو لم يأتمنه ، فلا يكلّف تصديقه ، بلا خلاف فيه ، وفي أن دعوى ردّها على الوكيل كدعوى ردّها على الموكّل ، لأن يده كيده.

( ولو مات المودع ) سلّمها المستودع إلى وارثه إن اتّحد ، أو إلى من يقوم مقامه من وكيل أو ولي.

( و ) إذا ( كان الوارث جماعة دفعها إليهم ) إن اتّفقوا في الأهلية ، وإلاّ فإلى الأهل وولي الناقص ( أو إلى من يرتضونه. ولو دفعها إلى البعض ) بغير إذن ( ضمن حصص الباقين ) لتعدّيه فيها بدفعها إلى غير المالك.

وتجب المبادرة إلى ردّها إليهم علم الوارث بها أم لا ، بلا خلاف بيننا إلاّ من التذكرة (١) ، ففرّق بين صورتي الجهل بها فكذلك ، والعلم فلا ، بل يجوز التأخير إلى المطالبة حينئذٍ.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٠٧.

٤٣٨

واستوجهه في المسالك (١) ، لكنه قال : إلاّ أنه لم يتحقق به قائل منّا. وهو ظاهر في الإجماع ، وأظهر منه قوله قبل ذلك : عندنا ، بعد الحكم بعدم الفرق ، إلاّ أنه قال بعدُ ما يعرب عن خلاف هذا الظاهر.

والأصل في وجوب المبادرة صيرورتها بالموت أمانة شرعية ؛ لاختصاص الإذن في التصرف بالمالك وقد انتقل المال منه إلى المالك الثاني وهو الوارث ، وهو غير آذن ، فالتصرف في ملكه بغير إذنه غير جائز تجب المبادرة إلى ردّه.

( وأمّا العاريّة ) بتشديد الياء ، كما عن الصحاح (٢) وغيره (٣) ، وقد تخفّف ، كما عن بعض أهل اللغة (٤) ، نسبة إلى العار ، لأن طلبها عار ، أو إلى العارة مصدر ثانٍ لأعرته إعارة كالجابة للإجابة ، أو من عار إذا جاء وذهب ، لتحوّلها من يدٍ إلى أُخرى ، أو من التعاور وهو التداول.

( فهي ) شرعاً ( الإذن في الانتفاع بالعين تبرّعاً )

والأصل فيها بعد الإجماع من الأُمة كما عن التذكرة وفي المهذب (٥) وغيرهما من كتب الجماعة (٦) الكتاب والسنة ، قال الله سبحانه ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (٧).

__________________

(١) المسالك ١ : ٣١٣.

(٢) الصحاح ٢ : ٧٦١.

(٣) النهاية ٣ : ٣٢٠.

(٤) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ٢ : ١٠١.

(٥) التذكرة ٢ : ٢٠٩ ، المهذب البارع ٣ : ١١.

(٦) كالمبسوط ٤ : ٤٩.

(٧) المائدة : ٢.

٤٣٩

وقال( وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) (١) وهو بكما عن مجمع البحرين اسم جامع لمنافع البيت ، كالقدر ، والدلو ، والملح ، والماء ، والسراج ، والخمرة ، ونحو ذلك مما جرت العادة بعاريته (٢).

وفي الخبرين : « هو القرض يقرضه ، والمعروف يصنعه ، ومتاع البيت يعيره » (٣).

وفي المرسل : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يمنع أحد الماعون جاره ، وقال : من منع الماعون جاره منعه الله سبحانه خيره يوم القيامة ووكّله إلى نفسه ، ومن وُكِّل إلى نفسه فما أسوأ حاله » (٤).

ويستفاد منه ومن الآيتين وجوبها ، لكن ضعفه سنداً وقصورهما عن إفادة الوجوب صريحاً ، مع الإجماع على عدمه ظاهراً ، واختصاص الجميع بالماعون المفسّر فيما مرّ بالأخص يوجب الحمل على تأكّد الاستحباب.

وأما السنة فزيادة على ما مرّ مستفيضة من طرق الخاصة والعامة كادت تكون متواترة ، بل متواترة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة (٥).

( وليست لازمة لأحد المتعاقدين ) فلكل منهما فسخها متى شاء ، إجماعاً كما في المسالك وغيره (٦) ، سواء أُطلق أو جعل لها مدة ، إلاّ إذا أعاره للرهن فرهن كما تقدّم ، أو لدفن المسلم ومن بحكمه فدفن فيه ،

__________________

(١) الماعون : ٧.

(٢) مجمع البحرين ٦ : ٣١٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٩٨ / ٨ ، الوسائل ٩ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٧ ح ٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٨ / ضمن ح ١ ، الوسائل ٩ : ٥١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٧ ح ١٢.

(٥) في ص : ٤٤٧.

(٦) المسالك ١ : ٣١٤ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٢١١ ، والتحرير ١ : ٢٧٠.

٤٤٠