رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

مشترك ، فإنّ التقدير ذلك ، فإذا دفع إلى أحدهما فإنّما دفع عمّا في ذمّته ، والدفع إنّما هو للمال المشترك ، فلا يختصّ به القابض.

ولا دليل على لزوم القسمة في نحو المسألة ، مع أنّ الأصل عدمه بالضرورة.

خلافاً للحلّي (١) ، فحكم به ؛ قياساً على ثبوته فيما لو أوهبه أحدهما أو أبرأ ذمّة من عليه الحق الذي صار من نصيبه ، بلا خلاف كما حكاه ، فكذا فيما نحن فيه.

وهو كما ترى ، وإن مال إليه في المختلف أخيراً (٢) ، وتبعه بعض المتأخّرين (٣) ؛ لضعف القياس أوّلاً ، وعدم معارضته على تقدير حجّيته لما قدّمناه من الإجماعات المحكية والمعتبرة المستفيضة ثانياً ، فالقول بمقالته ضعيف جدّاً.

قيل (٤) : وقد يحتال للقسمة بأن يحيل كلّ منهما صاحبه بحصّته التي يريد إعطاءها صاحبه ويقبل الآخر ، بناءً على صحة الحوالة من البري‌ء ، أو فرض سبق دين عليه.

ولو اصطلحا على ما في الذمم بعضاً ببعض جاز ، وفاقاً للشهيدين (٥).

وعلى أحد الأُمور المذكورة يحمل إطلاق الصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر وقرب الإسناد : عن رجلين اشتركا في السلم ، أيصلح لهما‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٤٠٢.

(٢) المختلف : ٤٨٠.

(٣) مجمع الفائدة ٩ : ٩٣.

(٤) الروضة ٤ : ١٩.

(٥) الدروس ٣ : ٣١٤ ، الروضة ٤ : ١٩.

١٨١

أن يقتسما قبل أن يقبضا؟ قال : « لا بأس » (١).

أو على الصحة دون اللزوم ، وعلى عدمه خاصّة تحمل الأخبار السابقة.

ولا بأس به ؛ جمعاً بين الأدلّة ، وإن كان اعتبار المراضاة مرّة ثانية بعد الأخذ أحوط البتّة.

( ولو باع الدين بأقلّ منه ) عيناً أو قيمة على وجه لا يحصل فيه الربا ، ولا الإخلال بشروط الصرف لو كان العوضان من الأثمان ( لم يلزم الغريم أن يدفع إليه ) أي إلى المشتري ( أكثر ممّا دفع ) إلى البائع ، وفاقاً للطوسي والقاضي (٢) ( على تردّد ) فيه ينشأ من الخبرين ، في أحدهما : رجل اشترى ديناً على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له : ادفع إليّ ما لفلان عليك فقد اشتريته منه ، قال : « يدفع إليه ما دفع إلى صاحب الدين ، وبرئ الذي عليه المال عن جميع ما بقي عليه » (٣) وقريب منه الثاني (٤).

ومن قصور سندهما بالجهالة ، وعدم جابر لهما في المسألة ، مع مخالفتهما للقواعد الثابتة من الكتاب والسنّة ، فإنّ ما وقع عليه العقد الذي يجب الوفاء به ليس إلاّ جميع الدين دون بعضه ، فلا وجه في الاقتصار‌

__________________

(١) مسائل علي بن جعفر : ١٢٢ / ٧٧ ، قرب الاسناد : ٢٦٣ / ١٠٤٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٧١ أبواب الدين والقرض ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الطوسي في النهاية : ٣١١ ، نقله عن القاضي في المختلف : ٤١١.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٤٨ أبواب الدين والقرض ب ١٥ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٠٠ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٤٠١ ، الوسائل ١٨ : ٣٤٧ أبواب الدين والقرض ب ١٥ ح ٢.

١٨٢

عليه ، ومع ذلك فلا وجه لبراءة ذمّة المديون كما صرّحت به الرواية الأُولى.

ومع ذلك فالثانية غير صريحة في المطلوب ، بل ولا ظاهرة ، ولذا لم يذكرها حجة في المسألة جماعة ، وهذا هو الأظهر الأشهر بين الطائفة.

وبما ذكرناه لا يبقى وجه للتردّد في المسألة ، كما في صريح العبارة وظاهر اللمعة (١) ، فلتطرح الروايتان ، للجهالة ، والمخالفة للقواعد المقرّرة ، المعتضدة بالإجماع من أصلها ، وبالشهرة في خصوص المسألة ، أو تحملا على ما تلتئمان معها من إرادة الضمان من البيع مجازاً ، لشبهه به في المعاوضة ، أو فساد البيع للربا وغيره ، فيكون الدفع مأذوناً فيه من البائع في مقابلة ما دفع ، ويبقى الباقي لمالكه ، ويكون المراد ببراءة المديون في الرواية الأُولى البراءة من حق المشترى لا مطلقاً.

( خاتمة )

قد صرّح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنّ ( أُجرة الكيّال ووزّان المتاع على البائع ) الآمر له بهما ؛ لأنهما من مصلحته فتتعلّق الأُجرة به.

( وكذا أُجرة بائع الأمتعة ) تتعلّق به إذا كان بائعها دلاّلاً ناصباً نفسه لذلك ، فإنّه يستحقّها وإن لم يتشارطا عليه ؛ لأن هذا العمل مما يستحقّ عليه اجرة في العادة ، ونصب الدلاّل نفسه لذلك قرينة على عدم التبرع بالضرورة ، كما حقّق في بحث الإجارة.

( و ) مما ذكرنا يظهر الوجه فبما ذكروه من أن ( اجرة الناقد ووزّان الثمن على المشتري ) الآمر له لذلك ( وكذا اجرة مشتري الأمتعة ) عليه إذا‌

__________________

(١) اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٢٠.

١٨٣

كان دلاّلاً ناصباً نفسه لذلك مأموراً به من جهته.

( ولو تبرّع الواسطة ) بكل من الأُمور المزبورة من دون أمر من البائع أو المشتري له بذلك ، ولا ما يقوم مقامه من الدلالة ( لم يستحقّ اجرة ) على من تلزمه الأُجرة مع أمره أو ما في حكمه ولو أجاز البيع والشراء وغيرهما ؛ لأنّه بالفعل لم يستحقّ لمكان التبرع ، وبعد الإجازة لم يعمل عملاً ، والأصل براءة الذمة من استحقاق شي‌ء.

( وإذا جمع ) الواسطة ( بين الابتياع والبيع ) ونصب نفسه لذلك ويعبّر عنه بالسمسار فباع أمتعة لشخص واشترى غيرها لآخر ( فاجرة كلّ عمل على الآمر به ) لعدم المنافاة.

( ولا يجمع بينهما ) أي بين العملين ( لواحد ) أي لشي‌ء واحد ، بأن يبيعه لأحد ويشتريه لآخر ، قيل : لأنّ البيع مبني على المكايسة والمغالبة ولا يكون الشخص الواحد غالباً ومغلوباً والعمل بالحالة الوسطى خارج عن مطلوبهما غالباً فيتوقف على رضاهما بذلك ، وحينئذ فمن كايس له استحقّ عليه الأُجرة خاصة (١).

وهو حسن ، لكن يشكل إطلاقه بما لو كان السعر مضبوطاً عادة بحيث لا يحتاج إلى المماكسة ، أو كانا قد اتّفقا على قدر معلوم وأراد تولية طرفي العقد ، وحينئذ يكون عليهما أُجرة واحدة بالسوية سواء اقترنا في الأمر أم تلاحقا ، مع احتمال كون الأُجرة على السابق.

ولا يجب أُجرتان ، وفاقاً للحلّي والمسالك والروضة (٢) ؛ للأصل مع عدم المخرج عنه سوى العمل ، وهو لوحدته لا يوجب إلاّ اجرة واحدة‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٢٤.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ٣٣٨ ، المسالك ١ : ٢٢٤ ، الروضة ٣ : ٥٤٤.

١٨٤

عادةً ، وتعدّد الطرفين غير موجب لتعددها ، إن لا دليل عليه شرعاً ولا عرفاً.

وهي مع الاقتران في الأمر عليهما موزّعة ؛ لعدم المرجّح جدّاً. وكذا مع التلاحق ؛ لاستواء الموجب وهو العمل بالإضافة إليهما.

ووجه احتمال تقديم السابق أصالة براءة ذمّة المسبوق ، ووجود المرجّح من سبق الأمر الذي له مدخل في الإيجاب قطعاً ، ولكن الأوّل أولى.

وظاهر النهاية وصريح الفاضل في المختلف والمحقق الثاني على ما حكي تعدّد الأُجرة (١).

ولعلّهما نظرا إلى أن أمر الآمر بالعمل إقدام منه على التزام تمام الأجر بحصول المأمور به ورضاء منه بذلك ، ولا مدخل لاتّحاد العمل. ولعلّه غير بعيد ، سيّما مع كون متعلّق الأمرين طرفي الإيجاب والقبول وجهل أحدهما بأمر الآخر ، فتأمّل.

هذا إذا جوّزنا للواحد تولّي طرفي العقد ، وإلاّ فعدم استحقاق الواحد لهما واضح.

ويحتمل على بُعد أن يكون الضمير المجرور عائداً إلى الإيجاب والقبول المدلول عليهما بالمقام تضمّناً ، أو بالبيع والابتياع ، فيكون ذهاباً إلى المنع ، أو يعود الضمير إلى الأُجرتين بناءً على المنع من تولّي طرفي العقد ، أو غيره.

( ولا يضمن الدلاّل ) وكذا السمسار ( ما يتلف في يده ما لم يفرّط ) أو يتعدّ ؛ لأنه أمين ، بلا خلاف أجده.

__________________

(١) النهاية : ٤٠٦ ، المختلف : ٣٩٩ ، جامع المقاصد ٤ : ٣٩٦.

١٨٥

( ولو اختلفا في التفريط ) أو التعدّي ( ولا بيّنة فالقول قول الدلاّل مع يمينه ) لأنه منكر وليس عليه إلاّ اليمين ، بلا خلاف ؛ للنبوي (١).

( وكذا لو اختلفا في القيمة ) أي قيمة التالف ؛ لأنّ الأصل براءة الذمة من الزيادة. والله العالم بحقائق أحكامه سبحانه.

__________________

(١) علل الشرائع : ١٩٠ ، الاحتجاج : ٩٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٥ ح ٣.

١٨٦

( كتاب الرهن )

( وأركانه أربعة : )

( الأوّل : في ) بيان ( الرهن ) وشرائطه.

( وهو ) لغة : الثبات والدوام ، ومنه النعمة الراهنة ، أي الثابتة والدائمة. ويطلق على الحبس بأيّ سبب كان ، ومنه قوله سبحانه ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (١) أي : بما كسبته من خير أو شرّ محبوسة.

وشرعاً : ( وثيقة لدين المرتهن ) إذا تعذّر استيفاؤه ممّن هو عليه استوفى منه أو من ثمنه.

والوثيقة : فعيلة بمعنى المفعول ، أي : موثوق به لأجل الدين ، والتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية كتاء الحقيقة ، لا للتأنيث ، فلا يرد عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث. مع أن الضمير الواقع مبتدأ لخبرٍ مؤنث إذا كان مرجعه مذكراً يجوز فيه الأمران ، نظراً إلى الاعتبارين.

وليس في إضافة الدين إلى المرتهن دور من حيث أخذ الرهن في تعريف المرتهن ، إن عرّفناه في التعريف بصاحب الدين أو مَن له الوثيقة من غير أن يؤخذ الرهن في تعريفه.

والتخصيص بالدين مبنيّ إما على عدم جواز الرهن على غيره وإن‌

__________________

(١) المدَّثر : ٣٨.

١٨٧

كان مضموناً كالغصب ، أو على أن الرهن عليه إنّما هو لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق أو تعذّر العين ، وفيه تكلّف ، مع أنه قد يبقى بحاله فلا يكون ديناً.

وكيف كان ، هو ثابت بإجماع المسلمين كافّة ، كما في المهذب وظاهر الغنية (١) ، وبه نصّت الآية الشريفة ( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٢) والسنة الخاصيّة والعاميّة به مستفيضة ، بل متواترة يأتي إلى ذكرها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

وشرط السفر في الآية مبني على الأغلب ، وليس شرطاً في الصحة بإجماعنا المحكي في كلام جماعة (٣) ، والنصوص المعتبرة التي منها رواية الدرع المشهورة (٤).

( و ) ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه عقد ( لا بدّ فيه من الإيجاب والقبول ) الدالّين عليه ، وذكر جماعة (٥) منهم أن الإيجاب : رهنتك ، أو : وثّقتك بالتضعيف أو : أرهنتك بالهمزة أو : هذا رهن عندك أو على مالك ، أو : وثيقة عندك ، أو : خذه على مالك أو بمالك ، أو : أمسكه حتى أُعطيك مالك بقصد الرهن وشبهه مما أدّى المعنى.

قيل : وإنما لم ينحصر هذا العقد في لفظٍ كالعقود اللازمة ولا في الماضي لأنه جائز من طرف المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه ، فغلب‌

__________________

(١) المهذب البارع ٢ : ٤٩٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢.

(٢) البقرة : ٢٨٣.

(٣) منهم : الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٢١ ، والفاضل المقداد في كنز العرفان ٢ : ٥٩.

(٤) درر اللئلئ ١ : ٣٢٥ ، المستدرك ١٣ : ٤١٨ أبواب أحكام الرهن ب ١ ح ٥.

(٥) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٧٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٢٥ ، والروضة ٤ : ٥٤.

١٨٨

فيه جانب الجائز مطلقاً (١).

وفيه نظر ، فإن اعتبار ما لم يعتبر هنا في العقود اللازمة إنما هو للاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على عدم اللزوم على المتيقّن ، وهو جارٍ في المقام ، لتضمّنه اللزوم ولو من طرف الراهن ، وعدم اللزوم من جانب المرتهن غير قادح بعد كون المنشأ للاعتبار هو نفس اللزوم المخالف للأصل من حيث هو من دون اعتباره من الطرفين ، فتدبّر.

والأجود الاستدلال عليه بعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد ، وهو صادق بإحدى العبارات المزبورة ، فاشتراط زائد عليها يحتاج إلى دلالة ، وهي في المقام مفقودة.

وهذا وإن جرى في العقود اللازمة إلاّ أنّ الدلالة على اشتراطه فيها في الجملة حاصلة لولاها لكان حملها حكم المسألة فتكون متّبعة ، وقياس المقام عليها فاسد بالضرورة.

وتكفي الإشارة في الأخرس وإن كان عارضاً ، أو الكتابة معها بما يدلّ على قصد الرهن لا بمجرّد الكتابة ؛ لإمكان العبث ، أو إرادة أمر آخر.

والقبول : قبلت ، وشبهه من الألفاظ الدالّة على الرضاء بالإيجاب.

( وهل يشترط الإقباض ) فيه؟ ( الأظهر ) الأشهر ( نعم ) وفاقاً للإسكافي والمفيد والنهاية والقاضي والحلبي والديلمي وابن زهرة العلوي والطبرسي (٢) ، مدعياً هو كسابقه الإجماع عليه ، وهو خيرة الماتن هنا وفي‌

__________________

(١) الروضة ٤ : ٥٤.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤١٦ ، المفيد في المقنعة : ٦٢٢ ، النهاية : ٤٣١ ، القاضي في المهذب ٢ : ٤٦ ، الحلبي في الكافي : ٣٣٤ ، الديلمي في المراسم : ١٩٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢ ، الطبرسي في مجمع البيان ١ : ٤٠٠.

١٨٩

الشرائع والشهيد في كتبه الثلاثة (١).

والأصل فيه بعد الإجماعات المحكية التي كلّ واحد منها حجّة مستقلة الآية الشريفة المتقدمة المقيّدة للرهان بالمقبوضة ، ومفهوم مثله حجّة عرفاً وعادةً ، كاشتراط التراضي في التجارة ، والعدالة في الشهادة.

والموثقة : « لا رهان إلاّ مقبوضة » (٢) ونحوه المروي عن تفسير العياشي (٣).

ونفي الصحة أقرب من نفي الكمال إلى نفي الحقيقة المتعذّرة ، مع احتمال أن يكون إرادة نفي الحقيقة ممكنة ، بناءً على كون القبض جزءاً من مفهوم الرهانة ، كما سيأتي إليه الإشارة من دلالة الأخبار عليه وكلام بعض أهل اللغة ، وعلى هذا فتكون : ( مَقْبُوضَةٌ ) في الآية صفة موضِحة لا مخصِّصة.

وبهذه الأدلّة تخصّص عمومات الكتاب والسنة بلزوم الوفاء بالعقود بالضرورة.

وبنحوه يجاب عن إطلاقات الأخبار الواردة في الرهن المعلّقة لأحكامه على مطلقه ، مضافاً إلى عدم انصرافها بحكم عدم التبادر وندرة الرهان الغير المقبوضة إليها بالبديهة ، مع أن انصراف الإطلاقات إلى العموم مشروط بعدم ورودها لبيان حكم آخر غير ما يتعلّق بنفسها ، وليست الإطلاقات هنا كذلك جدّاً ، فلا عموم فيها أصلاً.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٧٥ ، الشهيد في الدروس ٣ : ٣٨٣ ، واللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٥٦ ، غاية المراد ٢ : ١٨٣.

(٢) التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٣ أبواب أحكام الرهن ب ٣ ح ١.

(٣) تفسير العياشي ١ : ١٥٦ / ٥٢٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٨٣ أبواب أحكام الرهن ب ٣ ح ٢.

١٩٠

مضافاً إلى أنه بعد ملاحظة الأخبار المتضمّنة لها يحصل الظن القوي المتاخم بالعلم بتلازم الرهن والقبض ، بحيث كادت تدلّ على أنه جزء من مفهومه ، كما حكي أيضاً عن بعض أهل اللغة (١) ، وبذلك ينادي سياقها ، وإن اختلفت في الدلالة عليه ظهوراً وخفاءً.

وبما ذكر سقط حجج القول بالعدم كما عن الخلاف (٢) ، وهو خيرة الفاضل وولده والمسالك والروضة (٣) ، وتبعهم على ذلك جماعة (٤).

ثم ظاهر الآية والرواية بناءً على أن المتبادر منهما نفي الصحة أو الماهية مع عدم المقبوضية اشتراط القبض في الصحة ، وبه نصّ الطبرسي في حكايته الإجماع (٥) ، وبه صرّح جماعة (٦). وهو ظاهر العبارة وغيرها مما أُطلق فيه اشتراطه ؛ لانصرافه إلى الاشتراط في الصحة.

خلافاً لآخرين (٧) ، فجعلوه شرطاً في اللزوم ، منزّلين الخلاف عليه ، وهو الظاهر من عبارة الغنية في دعواه الإجماع عليه (٨).

__________________

(١) انظر : الفائق في غريب الحديث ٢ : ٩٤ ، والقاموس المحيط ٤ : ٢٣١ ، والنهاية ٢ : ٢٨٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٢٣.

(٣) العلاّمة في القواعد ١ : ١٦١ ، وولده في إيضاح الفوائد ٢ : ٢٥ ، المسالك ١ : ٢٢٥ ، الروضة ٤ : ٥٧.

(٤) منهم : ابن إدريس في السرائر ٢ : ٤١٧ ، وابن فهد في المقتصر : ١٩٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ٩٤ ، وصاحب الحدائق ٢٠ : ٢٢٦.

(٥) مجمع البيان ١ : ٤٠٠.

(٦) منهم : المفيد في المقنعة : ٦٢٢ ، والديلمي في المراسم : ١٩٢ ، والحلبي في الكافي : ٣٣٤.

(٧) منهم : الشيخ في النهاية : ٤٣١ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢ ، وابن فهد في المهذب البارع ٢ : ٤٦ ، والشهيد في الروضة ٤ : ٥٦ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٢ : ٢٦.

(٨) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢.

١٩١

ويضعّفه ما مرّ ؛ مضافاً إلى الأصل ، وعدم دليل على الصحة ؛ لانحصار الأدلّة عليها في نحو المسألة في الإجماع ، وليس بمتحقق بالضرورة ، وأدلّة لزوم الوفاء بالعقود ، وهي بعد الإجماع على عدم اللزوم الذي هو مفادها غير تامّة ، وليس عليها دلالة أُخرى غير ما تقدّم إليه الإشارة بالضرورة.

ويتفرع على القولين فروع كثيرة تعرّض لذكرها الجماعة في كتبهم الاستدلالية.

ثم إن محلّ الخلاف في اشتراط القبض إنما هو أوّل مرّة لا استدامةً ، فلو أقبضها الراهن وارتجعها صحّ الرهن ولزم ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة ، كالغنية وكشف الحق والتذكرة وغيرها من كتب الجماعة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى عموم الأدلّة ، واستصحاب الحالة السابقة من اللزوم والصحة.

( ومن شرطه ) أيضاً ( أن يكون عيناً ).

فلا يصحّ رهن المنافع ، اتفاقاً ، كما في المسالك وغيره (٢) ، لكن صريح المختلف وقوع الخلاف فيه (٣).

وهو على المختار واضح ؛ لعدم صحة إقباضها إلاّ بإتلافها. وكذا على غيره ؛ لأنها تستوفى شيئاً فشيئاً وكلّ ما حصل منها شي‌ء عدم ما قبله ، والمطلوب من الرهن أنه متى تعذّر استيفاء الدين استوفى من الرهن.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢ ، كشف الحق : ٤٨٩ ، التذكرة ٢ : ٢٦ ؛ المسالك ١ : ٢٢٥.

(٢) المسالك ١ : ٢٢٧ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢ ، والسرائر ٢ : ٤١٦ ، ٤١٧.

(٣) المختلف : ٤٢٣.

١٩٢

قيل : وفيه نظر (١) ؛ فإن استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرط ، بل منه أو من بدله ، ولو ببيعه قبل الاستيفاء ، كما لو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبله ، والمنفعة يمكن فيها جواز ذلك بأن يوجر العين ويجعل الأُجرة رهناً.

وقريب منه القول في القبض ؛ لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة ويكون عوضها رهناً.

وفيه : أنه خروج عن المتنازع ؛ إذ لا كلام في جواز رهن الأُجرة ، إنما الكلام في المنفعة نفسها.

ولا الدين (٢) بناءً على المختار من اشتراط القبض ؛ لأنه أمر كلّي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه ، وما يقبض بتعيين المديون ليس نفسه وإن وجد في ضمنه.

واحتمال جوازه على هذا القول والاكتفاء في القبض بما يعيّنه المديون بناءً على صدق قبض الدين عليه عرفاً كهبة ما في الذمّة فرع عموم في الأدلّة يشمل مفروض المسألة ، وليس ؛ فإن المتبادر منها قبض المرهون نفسه لا ما هو فرد من أفراده ، وصدق القبض عرفاً لا يستلزم تحقق القبض المتبادر من الأدلّة جدّاً.

وربما يضعّف الاحتمال أيضاً بأن أخذ الرهن ليس إلاّ من حيث عدم الوثوق باستيفاء ما في الذمة ، فكيف يستوثق في استيفائه بمثله؟!.

وفيه نظر ؛ لاختلاف الديون ومَن عليه الحق في سهولة القضاء وعسره ، فكم من ديون متيقّنة الأداء يصلح الاستيثاق بها على غيرها مما‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في حاشية الروضة ٤ : ٦٥.

(٢) أي : لا يصحّ رهن الدين.

١٩٣

ربما يئس منه أربابها.

مضافاً إلى عدم جريانه فيما لو كان الدين المرهون على المرتهن نفسه ، فيحصل منه الاستيثاق وأيّ استيثاق ، والقول بالجواز في مثله غير بعيد بناءً على مقبوضية ما في الذمة ، إلاّ أن في الاكتفاء بمثل هذا القبض سيّما مع الشك في صحة البناء مع عدم انصراف الأدلة الدالّة على اشتراطه إليه نوع نظر مع عدم القول بالفرق.

ومن الوجه الأوّل ينقدح الوجه في ضعف التمسّك للجواز على الإطلاق ولو كان الدين المرهون على غير المرتهن واشترط القبض بالإطلاقات.

وعلى القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحّة رهنه.

وقد صرّح في التذكرة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه ، فقال : لا يصحّ رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض ؛ لأنه لا يمكن قبضه (١). لكنه في القواعد (٢) جمع بين الحكم بعدم اشتراط القبض وعدم جواز رهن الدين ، فتعجّب عنه الشهيدان (٣) ، وهو في محله.

والاعتذار له عن ذلك : بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه واعتبار كونه مما يقبض مثله مع تصريحه بالبناء المذكور ، غير مسموع إلاّ أن يقال باختلاف نظره في البناء في الكتابين ، فكم مثل ذلك قد صدر عن مثله وغيره.

والتحقيق : صحّة ما في الثاني من عدم صحّة البناء ، وإمكان الجمع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٦.

(٢) القواعد ١ : ١٥٨.

(٣) الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٣٨٧ ، الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٦٦.

١٩٤

بين القولين ؛ لعدم المنافاة ، مضافاً إلى عدم البُعد في المصير إليه بناءً على الوقوف على ظاهر الأُصول ، وعدم الاكتفاء في الخروج عنها بمجرّد الإطلاقات الغير المنصرفة إلى المفروض لعدم تبادره منها.

ويذبّ عن عمومات لزوم الوفاء بالعقود بصرفها إلى ما يتبادر من إطلاقات النصوص في الرهون ، فإنه بملاحظتها والنظر فيما ورد في بعضها مما هو كالتعليل لشرعيّة الرهن بأنه للوثوق الغير الحاصل في أغلب أفراد المفروض يحصل الظن القوي بل المتاخم للعلم بأن عقد الرهن لا يصحّ إلاّ فيما يمكن قبضه وإن لم يشترط إقباضه ، فمضمون العقد الذي يجب الوفاء به هو الصحيح الشرعي الذي يكون المرهون فيه بنفسه مما يمكن قبضه لا غيره ، كما سيأتي في نظائره من عدم لزوم الوفاء فيما لا يمكن قبضه وبيعه ، كالحرّ وشبهه ، المشار إلى حكمه بقوله : ( مملوكاً ) فلا يصحّ رهن الحرّ ، إجماعاً مطلقاً ، من مسلم أو كافر ، عند مسلم أو كافر ؛ إذ لا شبهة في عدم ملكه.

ولا الخمر والخنزير ، بلا خلاف إذا كان الراهن مسلماً ، وكذا إذا كان المرتهن كذلك ولم يضعهما عند ذمّي ، ومع الوضع عنده فكذلك عند الأكثر.

خلافاً للشيخ (١) ، فأجازه حينئذ إذا كان الراهن ذمّيا ؛ محتجاً بأنّ حق الوفاء إلى الذمي ، فيصحّ كما لو باعهما وأوفاه ثمنهما.

ويضعّف بوضوح الفرق ؛ فإن فائدة الرهن تسليط المرتهن على المرهون بالبيع ونحوه مما يتضمّن الاستيفاء ، وهو هنا ممتنع ، والوضع عند‌

__________________

(١) كما في المبسوط ٢ : ٢٢٣.

١٩٥

الذمّي غير مُجدٍ بعد ظهور أن يد الودعي يد المستودع ، ولا يأتي هذا المحذور فيما فرضه ، لعدم تسليط له عليهما بما يوجب الاستيفاء ، بل هو المتسلّط عليه والمتكفّل للإيفاء بنحو من البيع جدّاً.

ومن هنا ينقدح الوجه في المنع عن رهن العبد المسلم والمصحف عند كافر ولو وضع عند مسلم ؛ فإنّ رهنهما عنده نوع تسليط له عليهما منفي آيةً (١) واتفاقاً.

وقيل : بالجواز فيهما بعد الوضع في يد المسلم (٢) ؛ لانتفاء السبيل بذلك ، وإن لم يشترط بيعه للمسلم ، لأنه حينئذ لا يستحق الاستيفاء من قيمته إلاّ ببيع المالك أو من يأمره أو الحاكم مع تعذّره ، ومثله لا يعدّ سبيلاً ؛ لتحققه وإن لم يكن هناك رهن.

وفيه نظر ، مع غموض الفرق بينه وبين الخمر التي قد منع عن رهنها القائل المزبور ، فتدبّر.

وأن يكون مما ( يمكن قبضه ويصحّ بيعه ).

فلا يصحّ رهن الطير في الهواء ؛ لعدم إمكان قبضه.

قيل : ولو لم نشترطه أمكن الجواز ؛ لإمكان الاستيفاء منه ولو بالصلح عليه (٣).

وفيه نظر ؛ فإن مجرّد الإمكان مع الندرة غايتها غير محصِّل للمقصود الذاتي بالرهن وهو الاستيثاق ، ومعه لا يحصل عموم يدلّ على لزوم الوفاء بمثله ؛ لما مرّ ، ولعلّه لذا اشترط الشرطين من لم يشترط القبض أيضاً.

__________________

(١) النساء : ١٤١.

(٢) المسالك ١ : ٢٢٧.

(٣) الروضة ٤ : ٧٠.

١٩٦

وبما هنا وما يأتي وما مضى يتأيّد ما أيّدنا به الفاضل في القواعد فيما تقدّم.

ولا السمك في الماء ، إلاّ إذا اعتيد عود الأوّل ، وشوهد الثاني وانحصر في محلّ ، بحيث لا يتعذّر قبضهما عادةً ، فيصحّ رهنهما حينئذ مع الإقباض على القول باشتراطه ، ومطلقاً على غيره.

وحيث اجتمع الشرائط المزبورة جاز الرهن مطلقاً ( منفرداً كان ) المرهون بملك الراهن ( أو مشاعاً ) بينه وبين غيره ، إجماعاً ، كما في الخلاف والغنية والتذكرة (١). ويتوقّف الإقباض في الثاني على إذن الشريك إما مطلقاً كما قيل (٢) ، أو إذا كان مما لا يكتفى في قبضه بتخليته ، على الأصح ؛ لحرمة التصرف في ملك الغير فيما يستلزمه وهو المشروط خاصة ، دون ما يكتفى في قبضه بالتخلية ، فإنها لا تستدعي تصرّفاً ، بل رفع يد الراهن عنه خاصّة وتمكينه منه.

وعلى تقدير اعتباره فلو قبضه بدون إذن الشريك وفعل المحرّم تمّ القبض على الأصح ، فإن النهي الذي توهّم منه القول بعدم التمامية إنما هو لحقّ الشريك خاصة ؛ للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعاً.

( ولو رهن ما لا يملكه ) فإن كان بإذن المالك صحّ ، إجماعاً ، كما حكاه بعض الأصحاب (٣) ، وإلاّ ( وقف على إجازة المالك ) في المشهور بين الأصحاب ، وهو ظاهر على القول بالفضولي ، كما هو أصحّ القولين.

( ولو كان يملك بعضه مضى ) الرهن وصحّ ( في ملكه ) خاصة ،

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢ ، التذكرة ٢ : ١٧.

(٢) الروضة ٤ : ٦٤.

(٣) المسالك ١ : ٢٣٤.

١٩٧

وتوقّف الباقي على الإجازة.

ويشكل الصحة فيما يملك مع جهل المرتهن بالحال وعدم إجازة المالك ، أمّا على القول باشتراط تعيّن المرهون وعدم صحة ما فيه جهالة كما هو ظاهر الدروس حاكياً له عن صريح الشيخ مع دعواه الإجماع (١) فظاهر.

وأمّا على القول بعدم الاشتراط والاكتفاء بالتميّز في الجملة كما عن الفاضل (٢) فكذلك ؛ لعدم التميّز في مفروض المسألة ويمكن أن يقيّد ما في العبارة بصورة علم المرتهن بالحال.

وفي هذا الإشكال نظر واضح ، بل لعلّه فاسد.

وحيث جاز قيل : يضمن الراهن ، وإن تلف بغير تفريط (٣) ؛ لأنه عرضه للإتلاف بالرهن.

وفيه نظر ، إلاّ أن يكون إجماعاً ، كما هو ظاهر المسالك (٤).

وللمالك إجباره على افتكاكه مع قدرته منه والحلول ؛ لأنه عارية والعارية غير لازمة ، أما قبل الحلول فليس له ذلك إذا أذن فيه ، كما قالوه.

وللمرتهن مع الحلول وإعسار الراهن أن يبيعه ويستوفي دينه منه إن كان وكيلاً في البيع ، وإلاّ باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن ، سواء رضي المالك بذلك أو لا ؛ لأن الإذن في الرهن إذن في توابعه التي من جملتها بيعه عند الإعسار.

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٨٨ ، وهو في الخلاف ٣ : ٢٥٥.

(٢) قال به في التذكرة ٢ : ١٤ ، والمختلف : ٤٢٣.

(٣) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٦٩.

(٤) المسالك ١ : ٢٣٤.

١٩٨

( وهو لازم من جهة الراهن ) وإلاّ لانتفت فائدته ؛ مضافاً إلى عموم لزوم الوفاء بالعقود. وجائز من طرف المرتهن ، بلا خلاف ، بل عليه وعلى الأول الإجماع في ظاهر الغنية ، وعن صريح التذكرة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى أنه لمصلحة فله إسقاطه.

والفرق بينهما أن الأوّل يسقط حق غيره والثاني يسقط حق نفسه.

ولا يشبهه شي‌ء من العقود إلاّ عقد الكتابة على قول ، ويمكن تمشيته في سائرها على القول بالفضولي مع كونه في أحد جانبيها خاصة.

ويستعقب اللزوم عدم جواز الانتزاع إلاّ بإسقاط المرتهن الحقّ من الارتهان بفسخ عقد الرهانة ، أو حصول براءة ذمّة الراهن من جميع ما عليه من حق المرتهن بأحد موجباتها.

وفي إلحاق حصول البراءة من بعض الحق بها من الجميع في جواز انتزاع مجموع الرهن قولان :

للأوّل كما عن القواعد (٢) وقوع الرهن في مقابلة مجموع الدين من حيث هو مجموع ، وقد ارتفع بعضه فيرتفع المجموع ، ضرورة ارتفاعه بارتفاع بعض أجزائه.

وللثاني كما عن الدروس والمبسوط مدّعياً الإجماع عليه (٣) النظر إلى الغالب من تعلّق الأغراض باستيفاء الدين عن آخره من الرهن ، ويعضده الأصل والاستصحاب.

ولا ريب فيه لو شرط كونه رهناً على كلّ جزء ، كما لا ريب في الأوّل‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢ ، حكاه عن التذكرة في مجمع الفائدة ٩ : ١٤٢.

(٢) القواعد ١ : ١٦٥.

(٣) الدروس ٣ : ٤٠٣ ، المبسوط ٢ : ٢٠١.

١٩٩

لو شرط كونه رهناً على المجموع ، لا على كلّ جزء منه.

وهنا مع عدم الشرطين احتمال ثالث قوّاه في المسالك (١) ، وهو مقابلة أجزاء الرهن بأجزاء الدين وتقسيطه عليها ، كما هو مقتضى كلّ معاوضة ، فإذا بري‌ء من بعض الدين ينفكّ من الرهن بحسابه ، فمن النصف النصف ومن الثلث الثلث ، وهكذا.

ويستشكل فيه بما لو تلف جزء من المرهون فإنه يقتضي أن لا يبقى الباقي رهناً على مجموع الدين ، بل على جزء يقتضيه الحساب.

ودفعه بما ذكر في توجيه الاحتمال الثاني من تعلّق الغرض باستيفاء الدين كلّه من الرهن ، حسن لو لم يأب هذا الاحتمال العرف الذي هو الأصل في التوجيه المزبور ، ولا بُدّ من التأمّل.

( ولو ) رهنه الراهن على الدين المؤجّل و ( شرطه ) أن يكون ( مبيعاً ) للمرتهن بذلك الدين ، أو بقدر مخصوص إن لم يؤدّه ( عند ) حلول ( الأجل لم يصحّ ) كلّ من البيع والرهن ، بلا خلاف ، كما يظهر من المسالك (٢) ، وفي السرائر الإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى انتفاء موجب الصحة من الصيغة ، وعدم جواز التعليق في الأوّل ويستعقبه فساد الثاني ؛ لفساد المشروط بفساد الشرط ، مضافاً إلى أنّه لا يوقّت إلاّ بالوفاء.

وفي تعليل فساد المشروط بفساد شرطه نظر ، يظهر وجهه مما في بحث الشروط من كتاب البيع قد مر (٤). فالعمدة في فساده هو الإجماع‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٣٢.

(٢) المسالك ١ : ٢٣٢.

(٣) السرائر ٢ : ٤٢٧.

(٤) راجع ج ٨ ص ٣٧٦.

٢٠٠