رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

( ويجوز مع الإقرار ) من المدّعى عليه بالدين ( والإنكار ) له ، بلا خلاف بيننا ، كما في الروضة وغيرها (١) ، بل في المسالك والغنية وعن التذكرة (٢) عليه إجماع الإماميّة ؛ للعمومات.

ثم إن كان المدّعى محقّاً استباح ما دفع إليه المنكر صلحاً ، وإلاّ فهو حرام باطناً ، عيناً كان أم ديناً. حتى لو صالح عن العين بمال فهي بأجمعها حرام ، ولا يستثني له منها مقدار ما دفع إليه من العوض ؛ لفساد المعاوضة في نفس الأمر ، لأنه إنما صالح المحقّ المبطلَ دفعاً لدعواه الكاذبة ، وقد يكون استدفع بالصلح ضرراً عن نفسه أو ماله ، ومثل هذا لا يُعدّ تراضياً يبيح أكل مال الغير.

ويدلّ على الأوّل المعتبرة ، منها الصحيح : « إذا كان للرجل على رجل دين ، فمطله حتى مات ، ثم صالح ورثته على شي‌ء منه فالذي أخذته الورثة لهم ، وما بقي فهو للميت يستوفيه في الآخرة ، فإن هو لم يصالحهم على شي‌ء حتى مات ولم يقض عنه فهو كلّه للميت يأخذه به » (٣).

قيل : نعم لو استندت الدعوى إلى قرينة كما لو وجد بخط مورّثه أن له حقّا على أحد فأنكر ، وصالحه على إسقاطها بمال فالمتّجه صحة الصلح. ومثله ما لو توجّهت الدعوى بالتهمة ؛ لأن اليمين حق يصحّ الصلح على إسقاطه (٤).

( إلاّ ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً ) ولا خلاف في صورتي‌

__________________

(١) الروضة ٤ : ١٧٤ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٢٠١ ، والكفاية : ١١٦.

(٢) المسالك ١ : ٢٦٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤ ، التذكرة ٢ : ١٧٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٠ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٦ أبواب أحكام الصلح ب ٥ ح ٤.

(٤) الروضة ٤ : ١٧٣.

٣٠١

الاستثناء ؛ ويدلّ عليه بعده الخبران المتقدّمان وغيرهما.

وفسّر الأوّل : بالصلح على أن لا يطأ أحدهما حليلته ، أو لا ينتفع بماله ونحوه.

والثاني : بالصلح على استرقاق حرّ ، أو استباحة بضع لا سبب لإباحته غيره ، أو ليشرب الخمر ونحوه.

فالصلح على مثل هذه باطل باطناً وظاهراً ، وعليه يكون الاستثناء متصلاً.

وربما فسّر بصلح المنكر على بعض المدّعى أو منفعته أو بدله مع كون أحدهما عالماً بفساد الدعوى ، لكنه هنا صحيح ظاهراً وإن فسد باطناً ، كما مضى ، وعليه يكون الاستثناء منقطعاً.

وهو صالح للأمرين معاً ؛ لأنه محلّل للحرام بالنسبة إلى الكاذب ومحرّم للحلال بالنسبة إلى المحق.

( ويصحّ ) الصلح ( مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه ، ومع جهالتهما ) به مطلقاً ( ديناً ) كان ما ( تنازعا ) فيه ( أو عيناً ) إرثاً كان أو غيره ، بلا خلاف فيه في الجملة ، بل عليه في المسالك وعن التذكرة (١) إجماع الإمامية ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى العمومات ، وخصوص المعتبرة في الصورة الثانية ، منها الصحيحان : في رجلين كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه ، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ، ولي ما عندي ، فقال : « لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت به‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٦٧ ، التذكرة ٢ : ١٧٨.

٣٠٢

أنفسهما » (١) ونحوهما الموثق (٢).

وإطلاقهما كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة ومنها عبارة التذكرة المحكي فيها إجماع الإمامية يشمل صور كون المتنازع فيه مما يتعذّر معرفتهما له مطلقاً أو لا ، أمكن معرفته في الحال أم لا لعدم مكيال أو ميزان ونحوهما من أسباب المعرفة.

ولا خلاف في الأُولى ؛ لاتفاق الأدلّة عليها فتوًى ونصّاً ؛ مضافاً إلى أن إبراء الذمّة أمر مطلوب والحاجة إليه ماسّة ، ولا طريق إليه إلاّ الصلح ، فلا إشكال فيها.

وكذا في الثالثة عند جماعة ، كالشهيدين والفاضل المقداد (٣) ؛ لتعذّر العلم به في الحال مع اقتضاء الضرورة ومساس الحاجة لوقوعه والضرر بتأخيره وانحصار الطريق في نقله فيه ، مع تناول الأدلّة السابقة له.

ومن هذا القبيل أيضاً الصلح على نصيب من ميراث أو عين يتعذّر العلم بقدره في الحال مع إمكان الرجوع في وقت آخر إلى عالم به ، مع مسيس الحاجة إلى نقله في الحال.

ويشكل في الثانية ، من عموم الأدلّة بالجواز المعتضدة بإطلاقات عبائر كثير من الأصحاب ، ومن حصول الجهل والغرر فيها الموجبين للضرر بالزيادة والنقيصة مع إمكان التحرّز عنهما. ولذا قيّد في المسالك والفاضل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢١ / ٥٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٠ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٥ أبواب أحكام الصلح ب ٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٧ / ٨٢٦ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٥ أبواب أحكام الصلح ب ٥ ذيل حديث ١.

(٣) الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٣٣٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٦٧ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٢٠١.

٣٠٣

في التنقيح (١) إطلاق العبارة بصورة تعذّر تحصيل العلم بالحق والمعرفة بالكلية.

وهو حسن إما لترجيح عموم أدلّة النهي عن الغرر ، أو لتعارضها مع عموم أدلّة جواز الصلح مع عدم مرجّح للثانية ، فلا بدّ من المصير حينئذ إلى حكم الأصل ، وهو الفساد وعدم الصحة.

مضافاً إلى إمكان ترجيح أدلّة النهي عن الغرر باعتضادها بالاعتبار ورحجانها عند الأصحاب على أدلّة الصحة في كثير من المعاملات المختلفة كالبيع والإجارة ونحوهما من المعاملات المعروفة.

ولو اختصّ الجهل بأحدهما فإن كان المستحق لم يصحّ الصلح في نفس الأمر ، كما مرّ ، إلاّ أن يعلمه الآخر بالقدر ، أو كان المصطلح به بقدر الحق مع كونه غير متعين ؛ للخبر المعتبر المنجبر ضعف سنده بتضمّنه ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته ، مضافاً إلى مشاركة الراوي له في الإجماع على تصحيح رواياته ، كما حكي (٢) ، وفيه : رجل يهوديّ أو نصرانيّ كان له عندي أربعة آلاف درهم فمات ، أيجوز لي أن أُصالح ورثته ولا أعلمهم كم كان؟ قال : « لا يجوز حتى تخبرهم » (٣) وعليه يحمل إطلاق الأدلّة.

والصحيح : في الرجل يكون عليه الشي‌ء فيصالح عليه ، فقال : « إذا‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٦٧ ، التنقيح الرائع ٢ : ٢٠١.

(٢) الراوي هو علي بن أبي حمزة ، وقد قال الشيخ الطوسي : أنه عملت الطائفة برواياته. انظر عدة الأُصول ١ : ٣٨١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٢١ / ٥٤ ، التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٢ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٥ أبواب أحكام الصلح ب ٥ ح ٢.

٣٠٤

كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس » (١).

وإطلاق الخبر وإن شمل صورتي وقوع الصلح بمقدار الحق وعدمه ، إلاّ أنه مقيّد بالصورة الثانية وكون المصالح به أقل ؛ التفاتاً إلى أنه الغالب دون المساوي والزائد ، فيرجع فيهما إلى عموم أدلّة جواز الصلح ، ويقتصر في تخصيصها بالخبر على الغالب المتيقن منه دون النادر.

ويختصّ فساد الصلح فيه بالباطن دون الظاهر ؛ لصحّته ، كما مرّ ، لعدم العلم بكون من عليه الحق مبطلاً خادعاً في صلحه واحتمال كونه محقّاً ، فيكون حاله مشتبهاً ، فلا يكون صلحه باطلاً في الظاهر ، وإن كان على مجهول.

نعم ، لو انكشف أمره ظاهراً بعد الصلح بحيث علم مقدار الحق وزيادته على ما صالح عليه بالبينة أو اعترف من عليه الحق بذلك اتّجه بطلان الصلح ظاهراً وباطناً.

هذا إذا لم يكن من له الحق قد رضي باطناً بالصلح بالأقل.

أما لو رضي به باطناً كان الصلح صحيحاً في نفس الأمر أيضاً ، وفاقاً للتذكرة والمسالك وجماعة (٢) ، فلا يجوز للمستحق حينئذٍ أخذ ما زاد عن مال الصلح وإن علم الزيادة ؛ لحصول الرضاء منه بذلك الأقل عوضاً عن حقه وإن كثر ، فيكون العبرة في إباحة الباقي بالرضاء الباطني لا بالصلح ؛ ويمكن الاستدلال عليه بإطلاق الصحيحة المتقدمة.

ولو انعكس الفرض بأن كان المستحق عالماً بقدر الحق والغريم‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧١ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٦ أبواب أحكام الصلح ب ٥ ح ٣.

(٢) التذكرة ٢ : ١٧٩ ، المسالك ١ : ٢٦٧ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ١٢٢ ، والكفاية : ١١٧ ، والحدائق ٢١ : ٩١.

٣٠٥

جاهلاً ويريد التخلّص منه ، فإن كان بقدر الحق أو دونه جاز ، إجماعاً. وكذا إذا كان زائداً عليه مع رضا الغريم به باطناً ؛ لما مضى من أنّ العبرة حينئذ في إباحة ذلك الزائد بالرضا الباطني به لا بالصلح ، وأما مع عدمه فلا يصح في الباطن ، كما في المسالك وغيره (١).

( وهو ) عقد ( لازم من طرفيه ) مستقل بنفسه مطلقاً ، على الأقوى ، وفاقاً لأكثر أصحابنا ، بل عليه كافّة المتأخّرين منّا ، بل عن التذكرة والسرائر (٢) عليه إجماعنا ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى أدلّة لزوم الوفاء بالعقود كتاباً وسنةً.

خلافاً للطوسي ، فجعله تارة بيعاً مطلقاً (٣).

ويدفعه عدم اشتراطه بشرائطه التي منها معلومية المبيع ، وليست هنا بمشترطة اتفاقاً فتوًى وروايةً ، كما مضى.

وأُخرى فرعاً له إذا أفاد نقل العين بعوض معلوم ، وللإجارة إذا وقع على منفعة معلومة بعوض معلوم ، وللعارية إذا تضمّن منفعة بغير عوض ، وللهبة إذا تضمّن ملك العين بغير عوض ، وللإبراء إذا تضمّن إسقاط دين ؛ استناداً إلى إفادته فائدتها حيث يقع على ذلك الوجه ، وحينئذ فيلحقه حكم ما لحق به (٤).

وفيه : أن إفادة عقد فائدة آخر لا تقتضي الاتحاد ، كما لا تقتضي القسمة والهبة بعوض معيّن اتّحادهما مع البيع.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٦٧ ؛ وانظر المفاتيح ٣ : ١٢٢.

(٢) التذكرة ٢ : ١٧٧ ، السرائر ٢ : ٦٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٠٠.

(٤) كما في المبسوط ٢ : ٢٨٨.

٣٠٦

( و ) حيث صحّ لا ( يبطل ) إلاّ ( بـ ) الفسخ و ( التقايل ) فينفسخ به ، بلا خلاف ، بل عليه في شرح الإرشاد الإجماع (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى أدلّة استحباب الإقالة مع تضمنها أكل مال بطيبة نفس وتجارة عن تراض.

( ولو اصطلح الشريكان على أن ) يكون ( الخسران على أحدهما والربح له وللآخر رأس ماله ) خاصّة ( صحّ ) بلا خلاف إذا كان ذلك بعد انقضاء الشركة وإرادة فسخها ، ليكون الزيادة مع من هي معه بمنزلة الهبة والخسران على من هو عليه بمنزلة الإبراء ؛ لعموم الأدلّة.

وللمعتبرة ، وفيها الصحيح وغيره : في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ربحاً وكان من المال دين وعين ، فقال أحدهما لصاحبه : أعطني رأس مالي ولك الربح وعليك التوَى ، فقال : « لا بأس إذا اشترطا » (٢).

وليس فيها كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة عموم الحكم بالصحة لصورة اشتراط ذلك في عقد الشركة أو بعده وإن لم يرد القسمة ؛ لظهور سياق الرواية فيما قيّدنا به العبارة من تعقّب القول بأن الربح والخسران لأحدهما ورأس المال للآخر للشركة وحصوله بعدها وبعد إرادة القسمة ، لقوله فربحا ربحاً ، وأعطني رأس المال.

وليس في قوله : « إذا اشترطا » منافاة لذلك ؛ لاحتمال أن يكون المراد منه : إذا تراضيا رضا يتعقّب اللزوم بوقوعه في عقد لازم ، كعقد صلح ونحوه.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٣٤٠.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٧ ، التهذيب ٦ : ٢٠٧ / ٤٧٦ ، الوسائل ١٨ : ٤٤٤ أبواب أحكام الصلح ب ٤ ح ١ ؛ بتفاوت.

٣٠٧

وليس المراد إذا اشترطا في عقد الشركة كما توهّم ؛ لاختصاصه حينئذ بنفي البأس في صورة وقوع الشرط فيه ، بل ودلالته بمفهوم الشرط على ثبوته مع وقوعه في غيره ، ولا قائل بهما ، فتعيّن كون المراد ما ذكرنا.

ووجه اشتراطه عليه‌السلام ذلك خلوّ السؤال عن بيان رضاء الآخر ، وإنما غايته الدلالة على صدور القول من أحدهما.

ونحوها العبارة في عدم العموم للصورة المذكورة ؛ لأن اشتراط ذلك فيها لا يسمّى صلحاً ، بل اشتراطاً.

بقي الكلام في صحته حيث حصل.

قيل : نعم ، كما عن الشيخ وجماعة (١) ؛ زعماً منهم عموم الرواية لمثله ، مضافاً إلى عموم : « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

ويضعف الأوّل : بما مرّ. والثاني : بمخالفة مثل هذا الشرط لمقتضى الشركة من تبعية الربح لرأس المال كالخسارة ، فيكون مخالفاً للكتاب والسنة ، فيكون فاسداً بالإجماع والمعتبرة.

وليس مثل هذا الشرط كاشتراط الخيار في عقد البيع ونحوه في المنافاة لمقتضى العقد ، لأنه اللزوم ، واشتراطه يوجب التزلزل المنافي له فينتقض به ؛ لصحته إجماعاً ، وذلك لأن مقتضى عقد البيع إنما هو الانتقال خاصّة وإنما اللزوم من صفاته وكيفياته الخارجة ، فاشتراط الخيار ليس بمناف لمقتضاه البتة. ولا كذلك عقد الشركة ، فإنه ليس له مقتضى سوى ما مرّ ، وحيث اشترط خلافة لم يبق للشركة معنىً بالكلية ، ويكون بمنزلة‌

__________________

(١) نقله عنهم الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ١٧٧.

(٢) الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٥ وفيها : المسلمون ، وكذا في صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، وسنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ / ١٣٦٣.

٣٠٨

العقد للشي‌ء بشرط عدمه ، كما أن البيع المشترط فيه عدم الانتقال كذلك ، لمنافاة الشرط لمقتضاه البتة.

فإذاً القول بعدم الصحة في غاية القوّة وفاقاً للدروس والمحقق الثاني والروضة (١) ، وهو أيضاً مختار المصنف ، كما سيأتي إليه الإشارة ، وهو شاهد آخر على اختصاص العبارة بما قدّمناه من الصورة الخاصة دون الصورتين الأخيرتين المتّجه فيهما عدم الصحة.

وأما ما ربما يقال في توجيه الصحة من أن غاية منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد بطلان الشركة ، وهو غير ملازم لبطلان الشرط ، فقد يكون ذكره في عقدها كناية عن إرادة الإقراض دونها.

فالمناقشة فيه واضحة ، أمّا أوّلاً : فلعدم قصدهما إلى الإقراض بالبديهة.

وأمّا ثانياً : فلأن الإقراض يستعقب عدم جواز الرجوع إلى عين المال مطلقاً ولو قبل المزج اتفاقاً ، ومقتضى عقد الشركة جواز الرجوع ، حيث إنه من العقود الجائزة ، كما سيأتي إليه الإشارة (٢) ، وكلّ من قال بصحة هذا الشرط يلتزم بهذا المقتضى ، فصرف العقد عن هذا المقتضى إلى غيره مما لا يقتضيه ولم يقل به أحد ، ولم يقصده المتعاقدان بهذا الشرط لا وجه له بالمرة.

وحيث كان الصلح مشروعاً لقطع التنازع بين المتخاصمين بحسب أصله وإن صار بعد ذلك أصلاً مستقلا بنفسه لا يتوقف على سبق خصومة‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٣٣ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٥ : ٤١٣ ، الروضة ٤ : ١٧٧.

(٢) في ص : ٣٢٨.

٣٠٩

اعتاد المصنفون أن يذكروا أحكاماً من التنازع في الكتاب ، وأشار الماتن إلى بعضها بقوله :

( ولو كان بيد اثنين درهمان فقال أحدهما : هما لي ، وقال الآخر : هما بيني وبينك ) ولا بيّنة لأحدهما ( فلمدّعي الكل درهم ونصف ، وللآخر ما بقي ) للمعتبرين كالصحيحين ، بالشهرة وتضمّن سنديهما ابن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة المدّعى على تصحيح رواياتهما إجماع أصحابنا ، فلا يضرّ إرسالهما ، مع كونه في أحدهما عن غير واحد الملحق بالصحيح على الأقوى : في رجلين كان معهما درهمان ، فقال أحدهما : الدرهمان لي ، وقال الآخر : هما بيني وبينك ، فقال عليه‌السلام : « أما الذي قال : هما بيني وبينك ، فقد أقرّ بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شي‌ء وأنه لصاحبه ، ويقسّم الدرهم الثاني بينهما نصفين » (١). وقريب منه الثاني (٢).

وإطلاقهما كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة يشمل صورتي دعوى الثاني للدرهم معيّناً أو مشاعاً ، وكذا وقوع القسمة بعد حلف كلّ منهما على استحقاقه النصف الذي يأخذه أو قبله.

خلافاً للدروس والتنقيح في الأوّل (٣) ، فخصّا الحكم بتنصيف الدرهم الثاني خاصّة دون الأوّل بصورة دعوى الثاني له معيّناً ، واستقربا في صورة الدعوى له إشاعةً قسمة الدرهمين نصفين ، ويحلف الثاني للأوّل ؛ التفاتاً إلى القاعدة ، نظراً إلى أن النصف في الحقيقة بيد الأوّل والنصف بيد الثاني ، فمدّعي التمام خارج بالنسبة إلى الثاني ، فيكون اليمين عليه والبينة‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٢ / ٥٩ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨١ ، ٢٩٢ / ٨٠٩ ، الوسائل ١٨ : ٤٥٠ أبواب أحكام الصلح ب ٩ ح ١ وذيله.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٢ / ٥٩ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨١ ، ٢٩٢ / ٨٠٩ ، الوسائل ١٨ : ٤٥٠ أبواب أحكام الصلح ب ٩ ح ١ وذيله.

(٣) الدروس ٣ : ٣٣٣ ، التنقيح ٢ : ٢٠٣.

٣١٠

على الأوّل.

وللتذكرة وجماعة (١) في الثاني ، فذكروا أن القسمة بعد الحلف ، وأن من نكل منهما قضى به للآخر ، ولو نكلا معاً أو حلفا معاً قسّم الدرهم المتنازع فيه بينهما نصفين ؛ رجوعاً إلى قاعدة التنازع ، وجمعاً بينهما وبين الخبرين هنا.

ولعلّه كالأوّل غير بعيد ، وإن كان في تعيينهما نظر ، فالأوّل : بظهور الخبرين وكلمة الأصحاب في الدعوى مشاعاً لا معيّناً ، فيكون بالإضافة إلى القاعدة خاصّاً ، فليقدّم.

والثاني : بعدم تماميّة إحلاف كلّ منهما في صورة دعوى الثاني الدرهم مشاعاً ؛ لاختصاص الحلف حينئذ بالثاني وتوجه البينة إلى الأوّل ، ومع ذلك يستحق بعد الحلف تمام الدرهم لا النصف ، كما مرّ ، فتأمّل.

ثم إنّ كلّ ذا إذا كان الدرهمان بيدهما معاً دون ما إذا كانا بيد أحدهما أو ثالث لخروجهما عن الرواية وفتوى الجماعة ، فلا بدّ فيهما من الرجوع إلى القاعدة ويحكم فيهما لذي اليد مع حلفه على عدم استحقاق الآخر ، فإن كان مدّعي الدرهمين كانا له مع حلفه للآخر على عدم استحقاقه شيئاً.

وكذا إن كان مدّعي الدرهم لكن يردّ درهماً ويحلف على عدم استحقاق الآخر الدرهم الثاني ، وإن كان ثالثاً فكهما إن كذّبهما فيحلف لهما ويقرّ في يده الدرهمان ، وكأحدهما إن أقرّ له وصدّقه.

( وكذا لو أودعه إنسان درهمين و ) إنسان ( آخر درهماً فامتزجت لا عن تفريط ) من الودعي ( وتلف واحد ) من الدراهم ولم يعلم من أيّهما‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٩٥ ؛ وانظر جامع المقاصد ٥ : ٤٣٥ ، والمسالك ١ : ٢٦٨ ، والروضة البهية ٤ : ١٨٢.

٣١١

ببيّنة ولا إقرار ( فلصاحب الاثنين درهم ونصف ، وللآخر ما بقي ) على المشهور بين الأصحاب.

للخبر : في رجل استودع رجلاً دينارين واستودعه آخر ديناراً فضاع دينار منهما ، فقال : « يعطى صاحب الدينارين ديناراً ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين » (١).

ويشكل هنا مع ضعف السند بأن التالف غير محتمل كونه لهما ، بل من أحدهما خاصّة ؛ لامتناع الإشاعة هنا ، فكيف يقسّم الدرهم بينهما مع أنه مختصّ بأحدهما قطعاً؟.

والذي يقتضيه النظر ويشهد له الأُصول الشرعية القول بالقرعة في أحد الدرهمين ، ومال إليه الشهيدان (٢) ، ولكنهما لم يجسرا على مخالفة الأصحاب.

وهو في محله ؛ لجبر السند والمخالفة للقواعد بعملهم ، مع كون الراوي ممن حكى الطوسي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٣) ، وقال بثقته جماعة (٤).

والقول في اليمين كما مرّ من عدم تعرّض الأصحاب له ، فجاز أن يكون الصلح فيهما قهريّاً وجاز أن يكون اختياريّاً ، فإن امتنعا عنه فاليمين ، وربما امتنع هنا إذا لم يعلم الحالف عين حقّه.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٣ ، الوسائل ١٨ : ٤٥٢ أبواب أحكام الصلح ب ١٢ ح ١.

(٢) الدروس ٣ : ٣٣٤ ، الروضة ٤ : ١٨٤.

(٣) عدّة الأُصول ١ : ٣٨٠.

(٤) منهم : المحقق في المعتبر ١ : ٢٥٢ ، والمسائل الغريّة على ما نقله عنها في منتهى المقال ٢ : ٤٢.

٣١٢

واحترز بالمزج لا عن تفريط عما لو كان بتفريط ، فإنّ الودعي يضمن التالف فيضمّ إليهما ويقتسمانها من غير نقص ، وقد يقع مع ذلك التعاسر على العين فيتّجه القرعة.

ولو كان بدل الدرهم مالاً يمتزج أجزاؤه بحيث لا يتميّز وهما متساويان كالحنطة والشعير ، وكان لأحدهما قفيزان مثلاً وللآخر قفيز وتلف قفيز بعد امتزاجهما بغير تفريط فالتالف على نسبة المالين ، وكذا الباقي ، فيكون لصاحب القفيزين قفيز وثلث ، وللآخر ثلثا قفيز ، والفرق أن الذاهب هنا عليهما معاً ، بخلاف الدرهم ؛ لأنه مختص بأحدهما قطعاً.

( ولو كان لواحد ثوب ) اشتراه ( بعشرين درهماً وللآخر ثوب ) اشتراه ( بثلاثين ) درهماً ( فاشتبها ، فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصف ) كما في النص ( وإلاّ ) تخيّر بل تعاسرا ( بيعاً وقُسّم الثمن بينهما أخماساً ) ويعطى صاحب الثلاثين ثلاثة والآخر اثنين ، وفاقاً للمعظم ، كما في الدروس (١) ، ونسبه في المسالك وشرح الإرشاد للفاضل الأردبيلي (٢) إلى المشهور ؛ للخبر المروي في التهذيب والفقيه ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوب وآخر عشرين درهماً في ثوب ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ، قال : « يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخر خمسي الثمن » قال : قلت : فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين : اختر أيّهما شئت ، قال : « قد أنصفه » (٣).

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٣٢.

(٢) المسالك ١ : ٢٦٨ ، مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٣٤٥.

(٣) الكافي ٧ : ٤٢١ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٢ ، المقنع :

٣١٣

خلافاً للحلّي (١) ، فالقرعة ؛ فإنها لكل أمر مشكل.

واستحسنها في المسالك (٢) ، ولعلّه لعموم أدلّتها ، والتأمّل في سند الرواية بالقطع في التهذيب والضعف في الفقيه.

ويضعف بالانجبار بالشهرة المحكية في الدروس وغيره وكلامه.

مع احتمال صحة طريق الصدوق إلى الراوي كما يظهر من الفهرست (٣) ، وإن ضعف في الفقيه بسعدان بن مسلم وغيره كما في الروضة (٤) ، ويحتمل الصحة أيضاً في طريق الشيخ ، كما يظهر من كتابه المشار إليه ، بناءً على الاكتفاء فيها بالظنون الاجتهادية ، فتكون الرواية حسنة ، فلا شبهة معها توجب القرعة.

وللتذكرة ، ففصّل بين ما لو بيعا مجتمعين فالأول ، للشركة الإجبارية ، كما لو امتزج الطعامان ، وإن بيعا منفردين متساويين فلكل واحد منهما ثمن ثوب ، وإن تفاوتا فالأكثر لصاحبه بناءً على الغالب (٥).

وهو اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر ، مع تطرّق الإشكال إليه بعدم دليل على اعتبار الغلبة التي غايتها إيراث المظنة خاصّة في نحو المسألة التي هي من قبيل الموضوعات دون الأحكام الشرعية ، فلا يكتفى فيها بالمظنّة إلاّ إذا قامت عليه الأدلّة ، هذا.

__________________

١٢٣ ، الوسائل ١٨ : ٤٥١ أبواب أحكام الصلح ب ١١ ح ١.

(١) السرائر ٢ : ٦٩.

(٢) المسالك ١ : ٢٦٨.

(٣) الفهرست : ١٥.

(٤) الروضة ٤ : ١٨٣.

(٥) التذكرة ٢ : ١٩٥.

٣١٤

ولقد احتمل الفاضل المقداد في شرح الكتاب (١) حمل الخبر على امتزاج المالين قبل الشراء ووقوع الشراء للثوبين على سبيل الشركة وأنه اشتريا لهما بعنوان الإشاعة ؛ وعليه يكون القول بالقرعة في غاية القوة ؛ لخروج الرواية على هذا الحمل عن موضوع المسألة.

ولكن فيه بُعد عن سياق الرواية وما فهمه منها الجماعة ، فالمصير إليها أقوى ؛ لما مضى. وعليها يكون الصلح في المقام قهريّاً كسابقيه.

ولا يتعدّى إلى غير موردها من الثياب المتعدّدة والأثمان والأمتعة. ويحتمل التعدية ؛ لتساوي الطريق. والأوّل أجود ، وعليه يتعيّن القرعة ؛ لعموم الأدلّة فيها ، وسلامتها عما يصلح للمعارضة.

( وإذا ظهر استحقاق أحد العوضين ) للغير ، أو عدم صحّة تملّكه كالحرّ ونحوه ( بطل الصلح ) إذا كان معيّناً في العقد ، بلا خلاف ولا إشكال فيه ، وفي الصحة إذا كان مطلقاً ، فيرجع إلى بدله كالبيع.

ولو ظهر فيه عيب فله الفسخ ؛ دفعاً للضرر. وفي تخيّره بينه وبين الأرش إشكال ، والأصل يقتضي العدم.

ولو ظهر غبن لا يتسامح بمثله ففي ثبوت الخيار وجهان ، أجودهما ذلك ، وفاقاً للشهيدين (٢) ؛ دفعاً للضرر ، كما قلنا في البيع.

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٢٠٦.

(٢) الدروس ٣ : ٣٣١ ، الروضة ٤ : ١٨٠.

٣١٥

( كتاب الشركة )

بكسر الشين وإسكان الراء ، وفتحها فكسرها ( وهي ) تطلق على معنيين.

أحدهما : ( اجتماع حقّ مالكين فصاعداً في الشي‌ء ) الواحد ( على سبيل الشياع ) واجتماع الحقوق بمنزلة الجنس الشامل لاجتماعها على وجه التميّز وغيره.

والمراد بالوحدة الوحدة الشخصية ، لا الجنسية ولا النوعية ولا الصنفية ؛ لعدم تحقّق الشركة فيها مع تعدّد الشخص. وبالواحد الواحد فيما هو متعلّق للشركة ، فلا ينافيه التعدّد ؛ لصدق الاجتماع بالمعنى المذكور في كلّ فرد من أفراد المتعدّد.

وبقوله : على سبيل الشياع ، خرج اجتماع حقوقهم في الشي‌ء الواحد المركّب من أجزاء متعدّدة كلّ جزء يستحقّه واحد.

وثانيهما : عقدٌ ثمرته جواز تصرّف الملاّك للشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ، وهذا هو الذي به تندرج الشركة في جملة العقود ويلحقها الحكم بالصحة والبطلان دون الأوّل.

ولا خلاف في المعنيين ، وإنكار بعض المتأخّرين (١) للثاني بناءً على عدم الدليل على كونها عقداً مع مخالفته الإجماع في الظاهر مضعّف‌

__________________

(١) صاحب الحدائق ٢١ : ١٤٨.

٣١٦

بدلالة ثمرته من جواز التصرف المطلق أو المعيّن المشترط على ذلك ؛ بناءً على مخالفتها بقسميها سيّما الثاني الأصل ؛ لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه ، فيقتصر فيها على القدر المتيقن ، وهو ما دلّ عليها صريحاً من الجانبين ، كما نبّه عليه في التذكرة (١) ، وعليه يصحّ إطلاق العقد عليه.

وأما الاكتفاء فيها بمجرّد القرائن الدالّة عليها ، أو الألفاظ الغير الصريحة فيها فلا دليل عليه.

وعلى فرض وجوده كما يدّعى من ظاهر النصوص ، مع عدم دلالتها عليه أصلاً فلا ريب في مغايرة هذا المعنى للأوّل أيضاً ؛ لحصول الأوّل بامتزاج المالين قهراً من دون رضا المتشاركين ، وهو غير الامتزاج مع الرضا به وبالتصرف في المالين مطلقاً أو مقيّداً على حسب ما يشترطانه ، فإنكاره رأساً فاسد جدّاً.

ولا ينافي التغاير دخول الثاني في الأوّل دخول الخاص في العام وأنه من أفراده ؛ لمغايرتهما في الجملة قطعاً ، وهو كافٍ في إفراد الخاصّ عن العام في الإطلاق.

ثم إنها بالمعنى الأوّل قد تكون في عين ، وهو ظاهر ، ومنفعة كدار استأجراها أو عبدٍ اوصي بخدمته لهما ، وحقّ كشفعة وخيار ورهن.

وسببها قد يكون إرثاً وعقداً ، وهما يجريان في الثلاثة ، فتحصل بإرثهما مالاً أو منفعة دار مثلاً استأجرها مورّثهم أو حق شفعة أو خيار ، وبشرائهما داراً بعقد واحد ، وبشراء كلّ واحد منهما جزءاً مشاعاً منها ولو على التعاقب ، وباستيجارهما إياها ، وبشرائهما بخيار لهما ، وحيازةً لبعض‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢١٩ ، ٢٢٢.

٣١٧

المباحات دفعة بأن يشتركا في نصب حبالة ورمي سهم مثبت ، فيشتركان في ملك الصيد ، ومزجاً لأحد ماليهما بالآخر بحيث لا يتميّز ، ولا يجريان إلاّ في العين ، ويمكن الفرض الأخير في المنفعة بأن يستأجر كلّ منهما دراهم للتزيين بها حيث نجوّزه متميّزة ثم امتزجت بحيث لا يتميّز.

( و ) لا ( تصحّ ) الشركة في الأموال إلاّ ( مع امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر ) بأن يتّفقا في الوصف زيادةً على الاتفاق في الجنسيّة ، بلا خلاف فيه عندنا ، بل عليه في الغنية وعن الخلاف والسرائر والتذكرة (١) إجماعنا.

فلو لم يمتزجا ، أو امتزجا بحيث يمكن التمييز وإن عسر ، كالحنطة بالشعير ، أو الحمراء من الحنطة بغيرها ، أو الكبيرة الحبّ بالصغيرة ، ونحو ذلك فلا اشتراك.

ولا فرق في الامتزاج بين وقوعه اختياراً أو اتفاقاً ، وفي المالين بين كونهما من الأثمان أو العروض ، إجماعاً من الأُمّة في الأثمان ، ومن الأصحاب في العروض ، كما في التذكرة (٢).

وظاهره الإجماع على عدم الفرق في الأعراض بين ذوات القيم والأمثال ، وحصول الشركة فيهما بالمزج بالشرط المتقدّم ، مع أن الماتن في الشرائع صار إلى الفرق بينهما ، فمنع تحقق الشركة بالمزج في ذوات القيم (٣) ، وفاقاً للمبسوط والإسكافي إلاّ أنه أطلق (٤). ولكنه معلوم النسب‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٥ ، الخلاف ٣ : ٣٢٧ ، السرائر ٢ : ٣٩٨ ، التذكرة ٢ : ٢٢١.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٢٢.

(٣) الشرائع ٢ : ١٢٩.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٤٦ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٨٠.

٣١٨

فلا يقدح خروجه في الإجماع.

ومع ذلك يضعّف بتحقّق المزج على الوجه المتقدم في كثير منها ، كالثياب المتعدّدة المتقاربة الأوصاف ، والخشب كذلك ، ونحوهما ، فيستحق الشركة ؛ فإن ضابطها حصول المزج مع عدم الامتياز ، ولا خصوصية للقيمي والمثلي في ذلك ، وقد حصل.

ومتى تحقّقت الشركة فيها (١) فإن علم قيمة ما لكلّ واحد منهما كان الاشتراك على نسبة القيمة ، وإلاّ ففي الحكم بالتساوي ، كما في التذكرة (٢) ، اتّكالاً على الأصل ، أو الرجوع إلى الصلح ، كما في المسالك وغيره (٣) قولان ، أجودهما الثاني ، إلاّ مع التعاسر وعدم الرضا بالصلح ، فيمكن الأوّل.

ولو قلنا بمنع الشركة في القيمي بالمزج فطريق التخلّص من المنع والحيلة لتحصيل الشركة فيه أن يبيع كلّ منهما حصّته مما في يده بحصّته مما في يد الآخر ، أو يتواهبا الحصص ، أو يبيع حصّته بثمن معيّن من الآخر ويشتري حصّة الآخر بذلك الثمن ، وغير ذلك من الحيل.

وتجري في المثلي أيضاً حيث لا يقبل الشركة بالمزج بتغاير الجنس أو الوصف.

واعلم أن المستفاد من كلام الأصحاب في المقام سيّما كلام الفاضل في التذكرة (٤) في دعواه الإجماع على حصول الشركة بمزج العروض‌

__________________

(١) أي : في العروض القيميّة. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) التذكرة ٢ : ٢٢٢.

(٣) المسالك ١ : ٢٧٥ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١٩٨.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٢٢.

٣١٩

والأثمان مزجاً لا يتميّز معه المالان عدم اشتراط عدم التميّز في نفس الأمر ، بل يكتفى بعدمه في الظاهر وإن حصل في نفس الأمر.

وهو منافٍ لما ذكروه في التعريف من أنها اجتماع الحقوق على الإشاعة ، فإن الظاهر منها حيث تطلق أن لا يفرض جزء إلاّ وفيه حقّ لهما ، وبه صرّح الفاضل المقداد في شرح الكتاب (١) ، بل صرّح فيه بعدم حصول الشركة بمزج الحنطة والذرّة والدخن والسمسم ونحوها بمثلها ، بل حصرها في مزج مثل الأدِقّة والأدهان بمثلها.

ولكن الظاهر عدم استقامة ما ذكره على طريقة الأصحاب ؛ لاتّفاقهم في الظاهر وبه صرّح الفاضل كما مرّ على عدم اشتراط عدم تميّز النفس الأمري ، مع أن اشتراطه في نحو الأثمان مخالف لطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، لأنهم لا يزالون يتشاركون فيها من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زماننا هذا من غير نكير في صقع من الأصقاع أو عصر من الأعصار ، فكان إجماعاً ، وقد نبّه عليه في التذكرة.

بقي الكلام في التوفيق بين التعريف وما هنا ، والخطب سهل بعد الإجماع على ما هنا ؛ لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الإشاعة بالمعنى المتقدم ، مع احتمال إرادتهم منها هنا عدم التميّز المطلق.

وكيف كان ، فهذه الشركة حيث كانت على جهة الاختيار وقصد التجارة هي الشركة العِنانيّة ، وهي مجمع عليها بين المسلمين كافّة ، كما في الغنية وعن التذكرة (٢) ، وبه صرّح جماعة (٣) ، والنصوص بها مع ذلك‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٢٠٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦ ، التذكرة ٢ : ٢٢٠.

(٣) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ١٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٤ : ١٩٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٢٠٩.

٣٢٠