رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٩

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-111-7
الصفحات: ٤٦٩

مستفيضة ، منها الصحيح : عن الرجل يشارك في السلعة؟ قال : « إن ربح فله ، وإن وضع فعليه » (١).

والموثق : عن الرجل يشتري الدابة وليس عنده نقدها ، فأتى رجلاً من أصحابه فقال : يا فلان انقد عنّي ثمن هذه الدابّة والربح بيني وبينك ، فنقد عنه فنفقت الدابة ، قال : « ثمنها عليهما لأنه لو كان ربحاً لكان بينهما » (٢) وبمعناه غيره (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.

( ولا ينعقد ) الشركة ( بالأبدان والأعمال ) بأن يتعاقدا على أن يعمل كلّ منهما بنفسه ويشتركا في الحاصل ، سواء اتّفق عملهما قدراً أو نوعاً ، أم اختلف فيهما أو في أحدهما ، وسواء عملاً في مال مملوك أم في تحصيل مباح ؛ لأن كلّ واحد متميّز ببدنه وعمله فيختص بفوائده ، كما لو اشتركا في مالين متمايزين.

( ولو اشتركا كذلك ) فحصلا ( كان لكل واحد ) ما حصل وهو ( اجرة عمله ) إن تميّز أحد المحصولين عن الآخر ، وإلاّ فالحاصل لهما ويصطلحان.

( و ) كذا ( لا أصل لشركة الوجوه ) وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمّة على أن ما يبتاعه كلّ منهما يكون بينهما ، فيبيعان ويؤدّيان الأثمان وما فضل فهو بينهما.

أو أن يبتاع وجيه في الذمّة ويفوّض بيعه إلى خامل على أن يكون‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٥ / ٨١٧ ، الوسائل ١٩ : ٥ أبواب أحكام الشركة ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٣ / ١٨٤ ، الوسائل ١٩ : ٥ أبواب أحكام الشركة ب ١ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٦ / ٨٢٢ ، الوسائل ١٩ : ٦ أبواب أحكام الشركة ب ١ ح ٣.

٣٢١

الربح بينهما.

أو أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما.

أو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعضه له.

( و ) لا ( المفاوضة ) وهي أن يشترك شخصان فصاعداً بعقد لفظي على أن يكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ، ويلتزمان من غُرم ويحصل لهما من غُنم ، فيلتزم كل منهما للآخر مثل ما يلتزمه من أرش جناية ، وضمان غصب ، وقيمة متلف ، وغرامة ضمان وكفالة ، ويقاسمه فيما يحصل له من ميراث ، أو يجده من لقطة وركاز ، ويكتسبه في تجارة ، ونحو ذلك ، ولا يستثنيان من ذلك إلاّ قوت يوم وثياب بدن وجارية يتسرّى بها.

وهذه الثلاثة بمعانيها باطلة بإجماعنا ، كما في الغنية والانتصار والمختلف والتذكرة والتنقيح والمهذب البارع والمسالك والروضة ، وغيرها من كتب الجماعة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، وحديث نفي الغرر والضرر (٢) ، مع عدم دليل على الصحة من كتاب أو سنة سوى الأمر بالوفاء بالعقود والشروط ، وهو ليس على ظاهره في الشركة ، لأنها من العقود الجائزة ، كما سيأتي إليه‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦ ، الانتصار : ٢٢٩ ، المختلف : ٤٧٩ ، التذكرة ٢ : ٢٢٠ ، التنقيح ٢ : ٢١٠ ، المهذب البارع ٢ : ٥٤٥ ، المسالك ١ : ٢٧٥ ، الروضة ٤ : ١٩٩ ؛ وانظر جامع المقاصد ٨ : ١٠ ، وإيضاح الفوائد ٢ : ٢٩٩.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٢٧ أبواب إحياء الموات ب ١٢ الأحاديث ٣ ، ٤ ، ٥ ؛ وانظر سنن الدارقطني ٤ : ٢٢٧ / ٨٣ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ / ٢٣٤٠ ، ٢٣٤١ ، ومسند أحمد ٥ : ٣٣٧.

٣٢٢

الإشارة (١).

ومجرد التراضي لا يوجب مخالفة الأصل ، ولزوم انتقال فائدة كلّ واحد استحقها بعمله أو ماله إلى الآخر ، سيّما مع تفاوت فائدتهما بالزيادة والنقيصة ؛ إذ لا دليل على اللزوم بمجرد التراضي ، بل غايته الإباحة ، وليست بثمرة الشركة.

مع أن حصولها بمجرده مع جهل المتعاقدين بالفساد محلّ مناقشة ، سيّما مع ندامتهما أو أحدهما عمّا فعله والتزمه ، فإن الإباحة حينئذ بمجرّد التراضي السابق غير معلومة ، لابتنائه على توهّمهما الصحة ، ولذا صرّح الأصحاب بعدم إفادة العقود الفاسدة الإباحة مع حصول رضا الطرفين بها ؛ نظراً منهم إلى ابتنائه على توهّم الصحة ، فلعلّهما لو علما بالبطلان لم يرضيا ، ومثل هذا الرضا ليس برضاً مبيح لأكل مال الغير بالبديهية.

فمناقشة بعض متأخّرين متأخّرينا في المسألة واحتماله الصحة (٢) تبعاً للعامة في الثلاثة ، والإسكافي (٣) في أُوليها خاصّة عجيبة.

نعم لو علما بالفساد وتشاركا جاز بلا إشكال ، إلاّ أنّ لهما الرجوع ما دامت العين باقية ، ومع ذلك خارج عن مفروض المسألة ، فإن ذلك استحلال بالإباحة دون عقد الشركة.

( وإذا ) تشاركا شركة العنان و ( تساوى المالان في القدر فالربح بينهما سواء ، ولو تفاوتا ) فيه ( فالربح كذلك ) أي متفاوت بحسب تفاوت المالين ، فالزائد منه لربّ الزائد منهما.

__________________

(١) في ص : ٣٢٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ١٩٣.

(٣) كما نقله عنه في المختلف : ٤٧٩.

٣٢٣

( وكذا الخسران ) يوزّع على المتشاركين ( بالنسبة ) إلى المالين فمتساوياً مع التساوي وبالنسبة مع التفاوت.

بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك فتوى ونصاً.

وإطلاق العبارة وغيرها في تفاوت المالين يشمل صورتي مساواتهما في العمل وعدمها ، وظاهر المسالك أن عليه اتّفاقنا (١) ، وحكى في الأُولى الخلاف عن بعض العامة ، حيث منع من الشركة مع عدم استواء المالين في القدر مع اتفاقهما في العمل ، وضعّفه بأن المعتبر في الربح المال والعمل تابع فلا يضرّ اختلافه ، كما يجوز مع تساويهما في المال عند الكلّ وإن عَمِل أحدهما أكثر.

( ولو شرط أحدهما في الربح زيادة ) عما يستحقه بنسبة ماله ( فالأشبه ) وفاقاً للمبسوط والخلاف والقاضي والحلّي وابن زهرة العلوي (٢) مدّعياً فيه الإجماع ، ونسبه سابقه إلى الأكثر ( أن الشرط لا يلزم ) لأنّ الزيادة الحاصلة في الربح لأحدهما ليس في مقابلها عوض ، ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة لتنضمّ إلى أحد العوضين ، ولا اقتضى تملّكها عقد هبة ، والأسباب المثمرة للملك معدودة ، وليس هذا أحدها ، فيبطل الشرط ، هذا.

مضافاً إلى الأصل ، والإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحكية في كلام الحلّي.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٧٦.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٤٩ ، الخلاف ٣ : ٣٣٢ ، القاضي في جواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) ٤٨٧ ، الحلي في السرائر ٢ : ٤٠٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦.

٣٢٤

خلافاً للفاضل ووالده وولده (١) ، فحكموا باللزوم تبعاً للمرتضى (٢) ، مدّعياً الإجماع عليه ؛ وهو الحجة عندهم ، مضافاً إلى عمومي الأمر بالوفاء بالعقود ، ولزوم الشروط ، وقوله سبحانه ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٣).

وفي الجميع نظر ؛ لاندفاع الإجماع بالإجماع المتقدم الذي هو أقوى منه ، لاعتضاده بفتوى الأكثر كما مر ؛ والعمومين بعدم بقائهما على ظاهرهما من الوجوب في الشركة لكونها كما مرّ وسيأتي من العقود الجائزة المستعقبة لجواز الفسخ والرجوع بلا ريبة ، وهما ينافيان اللزوم بلا شبهة ؛ والآية يمنع كون هذا الشرط تجارةً ، لعدم تضمّنه معاوضة ، كما مرّ.

ومجرّد التراضي غير كاف في اللزوم ، بل غايته الإباحة ، ولا كلام في الجواز بها ، ولكنه غير مفروض المسألة ؛ لعدم استناده إلى عقد الشركة ، ومع ذلك الإباحة في صورة جهلهما بفساد الشرط محل مناقشة تقدم إليها الإشارة (٤).

ثم ظاهر العبارة وغيرها وصريح المحكي عن القاضي (٥) بطلان الشرط خاصّة. والأجود وفاقاً لجماعة (٦) أنه يتبعه بطلان الشركة بمعنى الإذن في التصرف ؛ لابتنائه من كلّ منهما على صحّة الشرط ، فلا إذن حقيقةً‌

__________________

(١) الفاضل ووالده في المختلف : ٤٧٩ ، وولده في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠١.

(٢) الانتصار : ٢٢٨.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) راجع ص : ٣٢٤.

(٥) جواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) : ٤٨٧.

(٦) منهم : الشيخ في المبسوط ٢ : ٣٤٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٢٠١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٢٥.

٣٢٥

بدونها ، فإن عملا كذلك فالربح تابع للمال وإن خالف الشرط ، ويكون لكلّ منهما اجرة عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله.

هذا إذا اشتركا في العمل وتساويا فيه.

وأما لو كان العامل أحدهما وشرطا الزيادة له صحّ ، بلا خلاف فيه ، وفي الصحة أيضاً لو كان لصاحب الزيادة زيادة عمل ، كما حكاه جماعة (١) ، ولكن الأوّل بالقراض أشبه ، لاعتبار العمل من الجانبين في الشركة.

( ومع الامتزاج ليس لأحد الشركاء التصرف ) في المال المشترك ( إلاّ مع إذن الباقين ) لقبح التصرف في مال الغير بدون إذنه عقلاً وشرعاً ، وهذا الحكم جارٍ في مطلق الشركة حتى بالمعنى الأوّل ، وسواء كان سببها المزج أو غيره ، باختيارهما كانت أم بدونه ، فإن الإذن في التصرف أمر زائد على مفهوم الشركة بهذا المعنى.

ومن هنا يظهر ما في تخصيص العبارة الحكم بصورة الامتزاج خاصّة.

( و ) يجب أن ( يقتصر ) المأذون ( من التصرف على ما يتناوله الإذن ) عموماً أو خصوصاً ، فلا يجوز له التعدّي ، ويضمن معه إجماعاً.

( ولو كان الإذن ) له في التصرف في التجارة ( مطلقاً ) غير مقيّد بنوع خاص منه ( صحّ ) تصرفه كذلك بأيّ نوع شاء من أنواع التجارة ، وما فيه مصلحة الشركة من البيع والشراء مرابحةً ، ومساويةً ، وتوليةً ، ومواضعةً حيث تقتضيها المصلحة ، وقبض الثمن ، وإقباض المثمن ، والحوالة ،

__________________

(١) المحقق في الشرائع ٢ : ١٣٠ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٢١١ ، السبزواري في الكفاية : ١١٩.

٣٢٦

والاحتيال ، والردّ بالعيب ، ونحو ذلك ، كما في الوكيل المطلق.

ولا يجوز له إقراض شي‌ء من المال إلاّ مع المصلحة ، ولا المحاباة في البيع ، ولا المضاربة عليه ؛ لأن ذلك ليس من توابع التجارة ، ولا يتناوله الإطلاق.

( ولو شرط ) الآذن في التصرف ( الاجتماع ) فيه ، أي اجتماعه أو غيره أو هما معاً مع المأذون ( لزم ) اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الإذن.

( وهي ) أي الشركة بالمعنى الأوّل ( جائزة ) فلا يلزم ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية وعن التذكرة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، وعدم دليل على أنه يجب على الإنسان مخالطة غيره في ماله ، مع أن الناس مسلّطون على أموالهم ، ومن جملة أفراد التسلّط إفراده من غيره.

( وكذا ) الشركة بالمعنى الثاني الممتاز عن الأوّل مع اشتراكه له في الأصل بتضمّنه ( الإذن في التصرف ) للتجارة جائزة أيضاً ؛ للإجماع المتقدّم ، المعتضد بعدم الخلاف في أنها في معنى الوكالة ، وهي جائزة فتكون هي أيضاً جائزة.

وبهذه الأدلّة تخصّ أدلة الأمر بالوفاء بالعقود من الكتاب والسنة ، فلكلّ منهما فسخها بمعنييها ، ومطالبة القسمة ، والمنع عن التصرف الذي أذن به للآخر بالكلية أو في الجملة.

( وليس لأحد الشركاء الامتناع من القسمة عند المطالبة ) أي مطالبة‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦ ، التذكرة ٢ : ٢٢٤.

٣٢٧

الآخر إيّاها ، بل تجب عليه ، ومع امتناعه فللحاكم إجباره عليها ، بلا خلاف ، كما في المسالك (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الامتناع الضرر على الغير وأقلّه سلب تسلّطه على ماله الثابت له شرعاً ، مع استلزامه الضرر له بوجه آخر في بعض الصور وهو منفي عقلاً وشرعاً فيجب عليه الإقدام عليها.

( إلاّ أنّ يتضمّن ) القسمة ( ضرراً ) على الممتنع أو عليهما ، فلا يجبر في المقامين مطلقاً ، إلاّ إذا حصل للطالب ضرر من غير جهة القسمة ، فيجبر حينئذٍ إذا كان ضرره أقوى ، ويقرع مع التساوي.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك على الظاهر ، والأصل في المقام الأوّل حديث نفي الضرر ، وفي الثاني تضمّنه السفه أو الإسراف المنهي عنهما.

ويلحق بالضرر الدافع للجبر اشتمال القسمة على الردّ ؛ لأنّه معاوضة محضة تستدعي التراضي من الطرفين ، وتسمّى قسمة تراض ، وما فيه الجبر قسمة إجبار.

وهل يتحقّق الضرر الدافع له بنقصان القيمة مطلقاً ، أو مع التفاحش ، أو بعدم الانتفاع مطلقاً ، أو الذي كان مع الشركة؟ أقوال أربعة ، أقواها الأوّل وفاقاً لجماعة (٢).

( ولا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال ) وإنضاضه (٣) ، بل له المطالبة بالقسمة قبله مطلقاً ، طلبها الآخر منه أم لا ، بلا خلاف يظهر ؛

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٧٧.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٧٧ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٠ : ٢١١.

(٣) نَضَّ المال : إذا تحوّل عيناً بعد أن كان متاعاً ، لأنه يقال : ما نضَّ بيدي منه شي‌ء. القاموس ٢ : ٣٥٨ ، الصحاح ٣ : ١١٠٧.

٣٢٨

للأصل ، وفقد المانع.

( ولا ضمان على أحد الشركاء ما لم يكن ) التلف ( بتعدّ ) وهو فعل ما لا يجوز فعله في المال ( أو تفريط ) وهو التقصير في حفظه وما يتمّ به صلاحه ، لأنه أمين والقول في التلف قوله مع يمينه ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل عليه الإجماع في الغنية والروضة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الإجماع على أن الشركة في معنى الوكالة والحكم فيها ذلك بإجماع العلماء كافّة ، كما حكاه بعض الأجلّة (٢).

ولو ادّعى شراء شي‌ء لنفسه أو لهما حلف وقبل بيمينه ؛ لأن مرجع ذلك إلى قصده ، وهو أعلم به ، والاشتراك لا يعيّن التصرف بدون القصد ، وإنما لزم الحلف مع أن القصد من الأُمور الباطنة التي لا تُعلَم إلاّ من قبله لإمكان الاطّلاع عليه بإقراره.

( ولا تصحّ مؤجلة ) إجماعاً ، كما في الغنية (٣) ، إلاّ أنه قال بدل لا تصحّ : لا تلزم.

قيل : المراد بصحّة التأجيل المنفية ترتب أثرها بحيث تكون الشركة إلى الأجل لازمة ؛ وإنما لم تصحّ لأنها عقد جائز كما مرّ ، فلا يؤثّر التأجيل فيها ، بل لكلّ منهما فسخها قبل الأجل. نعم ، يترتّب على الشرط عدم جواز تصرّفهما بعده إلاّ بإذن مستأنف ؛ لعدم تناول الإذن له ، فلشرط الأجل أثر في الجملة (٤). انتهى.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦ ، الروضة ٤ : ٢٠٣.

(٢) الحدائق ٢١ : ١٦٦.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦.

(٤) المسالك ١ : ٢٧٦.

٣٢٩

وظاهره بقاء الشركة بمعنى جواز التصرف بالإذن إلى المدّة المضروبة ، لا أنها فاسدة بالكليّة. وهو حسن ، لكنه منافٍ لظاهر العبارة وما ضاهاها والمحكي عن الشيخين (١).

ويحتمل حملها على ما إذا اشترطا لزومها إلى المدّة ، فيتوجه عليه حينئذٍ فساد الشركة ؛ لفساد الشرط بمنافاته لمقتضاها فتفسد هي أيضاً ، لأن الإذن منهما في التصرف مبني على اشتراطهما اللزوم وتوهّمهما صحة الشرط ، وحيث فسد فسد المبنيّ عليه.

نعم ، لو ظهر أن مرادهما من الاشتراط تحديد الإذن إلى المدّة خاصّة كان ما ذكر موجّهاً ، ولعلّه مراده وإن كانت العبارة مطلقة.

( وتبطل ) الشركة بالمعنى الثاني ( بالموت ) إجماعاً ، كما في الغنية (٢) ؛ لأنها في معنى الوكالة ، وتبطل بذلك إجماعاً فتبطل هي أيضاً.

قالوا : وفي معناه الجنون ، والإغماء ، والحجر للسفه أو الفلس ؛ ولعلّ الوجه فيه انقطاع الإذن بالأُمور المذكورة ، فعوده بارتفاعها مخالف للأصل ، فيحتاج إلى دلالة ، وهي هنا وفي الوكالة مفقودة.

ومنه يظهر حجّة أُخرى لانفساخ الشركة بالأوّل ؛ لانحصار الإذن من الآذن للميت خاصّة حال الحياة ، وانتقاله إلى الوارث خلاف الأصل فيدفع به ، وليس التصرف بالإذن حقّا يورث.

نعم ، القسمة حق له إذا لم يكن هناك دين ولا وصية ، وإلاّ بنى على الانتقال إليه وعدمه.

( ويكره مشاركة الذمي ) بل مطلق الكافر ، كما قالوه ، ونفى عنه‌

__________________

(١) حكاه عنهما في المختلف : ٤٨٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦.

٣٣٠

الخلاف في الغنية (١) ( وإبضاعه ) وهو أن يدفع إليه مالاً يتّجر فيه لصاحب المال خاصّة ( وإيداعه ) للمعتبرين ، أحدهما الصحيح : « لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ، ولا يبضعه بضاعة ، ولا يودعه وديعة ، ولا يصافيه المودّة » (٢).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٦ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٤٥ / ٦٣٨ ، التهذيب ٧ : ١٨٥ / ٨١٥ ، قرب الإسناد : ١٦٧ / ٦١٢ ، الوسائل ١٩ : ٨ أبواب أحكام الشركة ب ٢ ح ١.

٣٣١

( كتاب المضاربة )

مأخوذة من الضرب في الأرض ؛ لأنّ العامل يضرب فيها للسعي على التجارة وابتغاء الربح بطلب صاحب المال ، فكان الضرب مسبّب عنهما ، فتحققت المفاعلة لذلك.

أو من ضرب كلّ منهما في الربح بسهم.

أو لما فيه من الضرب بالمال وتقليبه.

وهذه لغة أهل العراق ، وأهل الحجاز يعبّرون عنها بالقراض من القرض وهو القطع ، كأنّ صاحب المال اقتطع منه قطعة وسلّمها إلى العامل ، أو اقتطع له قطعة من الربح في مقابلة عمله ؛ أو من المقارضة ، وهي المساواة ، ومنه قول أبي الدرداء : قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك (١). ووجه التساوي هنا أن المال من جهةٍ والعمل من اخرى والربح في مقابلهما ، فقد تساويا في قوام العقد ، أو أصل استحقاق الربح وإن اختلفا في كمّيته.

( وهي ) على ما ظهر من وجه التسمية ( أن يدفع الإنسان إلى غيره مالاً ) مخصوصاً ( ليعمل فيه بحصّة ) معيّنة ( من ربحه ) من نصف أو ثلث أو نحو ذلك بحسب ما يشترطانه.

ولو اشترط جميعه للمالك فهو بضاعة ، ولو انعكس فاشترط جميعه للعامل فقرض ومداينة ، وإن لم يشترطا شيئاً أو فسد العقد بفساد بعض‌

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٤ : ٤١.

٣٣٢

شروطه فالربح كله للمالك وللعامل اجرة المثل ، كذا ذكره في المسالك تبعاً للتذكرة (١).

ولعل المراد أن اشتراط الربح لهما معاً إنما يكون في القراض ، واشتراطه للعامل خاصّة إنما يكون في القرض ، وللمالك خاصة إنما يكون في البضاعة ، وهذا لا يدل على حصول القراض بمجرد هذا الاشتراط كما يوهمه ظاهر كلامهما ، ولا على حصول القرض بذلك ، فاندفع ما يرد عليهما من عدم حصول كلّ من القرض والقراض بمجرّد الدفع واشتراط ما يناسبهما ، بل يشترط فيهما صيغ مخصوصة.

مع أنه يحتمل الاكتفاء به في الأوّل ؛ للمعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح والموثق وغيرهما : « من ضمن تاجراً فليس له إلاّ رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء » (٢).

لظهورها في أنّه بمجرّد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضاً ويخرج عن المضاربة ، وإن لم يتقدّم هناك عقد القرض ، وهو في معنى اشتراط الربح للعامل ، فإن الأمرين من لوازم القرض ، فتأمّل.

نعم ، يتوجّه عليهما في حكمهما بلزوم الأُجرة في الصورة الأخيرة أنّه لا دليل عليه ، مع كون الأصل عدمه ، ومرجعه إلى قيام احتمال التبرّع ، ولا اجرة معه.

ويمكن دفعه بتخصيص ما ذكراه بصورة جريان عقد القراض. ووجه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٨١ ، التذكرة ٢ : ٢٢٩.

(٢) الصحيح : الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٢ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٣٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٢ أبواب المضاربة ب ٤ ح ١.

الموثق : التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٣٠ ، الإستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٣ أبواب المضاربة ب ٤ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

٣٣٣

الدفع حينئذٍ أن صدور عقده منهما إقدام منهما على عدم خلوّ عمل العامل عن الأجر وسلب التبرّع عنه ، غاية الأمر أنهما لم يشترطا أو اشترطا شيئاً معيّناً ، وهو لا يوجب كون العمل تبرّعاً ، وحيث انتفى احتماله وجب أجرة المثل ، بلا خلاف في الظاهر.

ووجهه أن الحكم بعدم وجوبها يستلزم الضرر على العامل الناشئ عن إغراء المالك له بترغيبه إلى العمل تحصيلاً لما بإزائه من الأجر المطلق أو المعيّن ، وحيث بطل تعيّن المثل.

ولذا حكم الأصحاب بوجوب مثل ذلك لمن عمل لآخر عملاً يحكم العرف بعدم كونه متبرّعاً ، كأن يكون دلاّلاً أو سمساراً.

وظاهر عبارتهما كباقي الأصحاب عدم لزومه للعامل في البضاعة. وهو حسن إن لم يكن هناك قرينة من عرف أو عادة بلزومه ، وإلاّ فالمتّجه لزومه ؛ ولذا فصّل الفاضل المقداد في شرحه على الكتاب فقال فيها (١) : إن قال مع ذلك : ولا اجرة لك ، فهو توكيل في الاسترباح من غير رجوع عليه بأُجرة ، وإن قال : لك اجرة كذا ، فإن كان عيّن عملاً مضبوطاً بالمدة أو العمل فذاك إجارة ، وإن لم يعيّن فجعالة ، وإن سكت وكان ذلك الفعل له اجرة عرفاً فله اجرة مثله (٢).

ولنعم ما فصّل ، وينبغي تنزيل كلمة الأصحاب عليه.

( و ) يجوز ( لكلّ منهما الرجوع ) وفسخ العقد ( سواء كان المال ناضّاً ) منقوداً دراهم ودنانير ( أو مشتغلاً ) بالعروض غير منضوض ، بناءً على جوازها من الجانبين ، بلا خلاف يظهر ، وبه صرّح في المسالك‌

__________________

(١) أي : في البضاعة.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٢١٣ ، ٢١٤.

٣٣٤

وغيره (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى التأيّد بالأصل ، وأنها وكالة في الابتداء ثم قد تصير شركة ، وكلتاهما جائزتان ، فلتكن هي كذلك.

ثم إن كان الفاسخ العامل ولم يظهر ربح فلا شي‌ء له ، وإن كان المالك ضمن للعامل أُجرة المثل إلى ذلك الوقت ، صوناً للعمل المحترم عن الخلوّ من الأجر.

ويحتمل العدم ؛ للأصل ، وإقدام العامل عليه لمعرفته جواز العقد واحتمال الانفساخ قبل ظهور الربح. بل وبعده مع تحقّق الوضيعة المستغرقة له ، لكونه وقاية لرأس المال ، بلا خلاف يظهر.

ولو ظهر ربح في الصورتين فهو على الشرط لا غير.

قيل : ومن لوازم جوازها وقوع العقد بكلّ لفظ يدلّ عليه (٢).

وفي اشتراط وقوع قبوله لفظيّاً أو جوازه بالفعل أيضاً قولان ، قوّى ثانيهما في الروضة تبعاً للتذكرة (٣). ويظهر منها عدم الخلاف بيننا فيه وفي الاكتفاء في طرفي الإيجاب والقبول بكلّ لفظٍ. فإن تمّ ، وإلاّ فالأولى خلافهما ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على أن الربح تابع للمال وللعامل اجرة المثل ، المنطبق مع المضاربة تارةً والمتخلّف عنها اخرى على المتيقّن ؛ ولعلّه لهذا اعتبر فيها التواصل بين الإيجاب والقبول ، والتنجيز ، وعدم التعليق على شرط أو صفة.

وهو حسن على ما حقّقناه ، ولكن على ما ذكره من الاكتفاء بالفعل‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٨١ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٢٤٠ ، والكفاية : ١١٩.

(٢) الروضة ٤ : ٢١٢.

(٣) الروضة ٤ : ٢١٢ ، التذكرة ٢ : ٢٢٩.

٣٣٥

في طرف القبول وبكلّ لفظ في طرف الإيجاب بناءً على جواز العقد مشكل ، وسؤال الفرق بينه وبين اعتباره إيّاهما متّجه.

( ولا يلزم فيها اشتراط الأجل ) هذه العبارة تحتمل معنيين ، أحدهما : أنه لا يجب أن يشترط فيها الأجل ولا ضربها إليه ، بل يجوز مطلقاً ؛ للأصل ، والعمومات.

والثاني : أن الأجل المشترط فيها حيث كان غير لازم ، بل جائز يجوز لكلّ منهما الرجوع فيه ؛ لجواز أصله بلا خلاف ، كما مضى ، فلأن يكون الشرط المثبت فيه جائزاً بطريق أولى ، ولعلّ هذا هو المراد ، وإن صحّ إرادة الأوّل أيضاً.

وفي التعبير بعدم اللزوم حيث يراد من العبارة المعنى الثاني إشارة إلى ثبوت الصحة ؛ والوجه فيه أنه يثمر المنع من التصرّف بعد الأجل إلاّ بإذن جديد ، لأن التصرف تابع للإذن ، ولا إذن بعده.

وكذا لو أجّل بعض التصرفات كالبيع أو الشراء خاصّة ، أو نوعاً خاصاً من التجارة.

ولا كذلك اشتراط لزومها إلى أجل أو مطلقاً ، فإنه باطل ومبطل ، على الأشهر الأقوى ، أمّا لمنافاته لمقتضى العقد ، أو لعدم دليل على لزومه سوى الأمر بالوفاء بالعقود ولزوم الوفاء بالشروط ، وليس على ظاهره هنا من الوجوب بلا خلاف ، كما مضى ، فإذا فسد الشرط تبعه العقد في الفساد ، بخلاف شرط الأجل ، فإن مرجعه إلى تقييد التصرف بوقت خاصّ ، وهو غير منافٍ ، ولا موجب لفساد العقد ، لعدم توقّفه عليه كما في الأوّل.

( و ) يجب على العامل أن ( يقتصر ) في التجارة ( على ما يعيّن له ) المالك ( من التصرف ) بحسب نوعها ومكانها وزمانها ، ومن يشتري منه‌

٣٣٦

ويبيع عليه ، وغير ذلك ؛ لأن جواز التصرف تابع لإذن المالك ولا إذن مع المخالفة.

ولا خلاف فيه وفي صحة المضاربة المشتملة على التعيين بمثل ذلك ، وإن ضاقت بسببه التجارة ، بل صريح المسالك وظاهر الغنية (١) أن عليه إجماع الإمامية ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى ظواهر النصوص الآتية (٢).

( ولو أطلق ) له الإذن ( تصرّف في الاستنماء ) والاسترباح ( كيف شاء ) من وجوه التصرفات ، ولو بغير نقد البلد وثمن المثل بشرط المصلحة ، وفاقاً لجماعة (٣).

خلافاً للطوسي في المبسوط والخلاف (٤) ، فاشترطهما.

ولا وجه له إذا اقتضت المصلحة غيرهما ، وإن كان فرضها في الأخير نادراً.

ويمكن حمل كلامه على ما يلائم المختار بصرفه إلى الغالب ؛ نظراً إلى أنه الذي يتضمن المصلحة دون غيره.

والصرف إلى الغالب هو الأصل في حمل إطلاق الإذن على المصلحة ؛ لعدم انصرافه إلى غيرها إلاّ أن يصرّح بغيره ، فيجوز مطلقاً قولاً واحداً ، ولا إشكال فيه جدّاً لو لم يتضمّن الإذن بذلك سفاهة ، وإلاّ فيشكل أصل المضاربة من جهتها ، بل الظاهر حينئذٍ عدم صحّتها.

واعلم أنه لما كانت المضاربة معاملة على المال لتحصيل الربح كان‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٨١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٦.

(٢) في ص : ٣٤٦.

(٣) التنقيح ٢ : ٢١٦ ، الروضة ٤ : ٢١٤ ، مفاتيح الشرائع ٣ : ٩١.

(٤) المبسوط ٣ : ١٧٤ ، الخلاف ٣ : ٤٦٣.

٣٣٧

إطلاق العقد مقتضياً للترخيص فيما اعتيد تولّي المالك له بنفسه من عرض القماش على المشتري ، ونشره ، وطيّه ، وإحرازه ، وبيعه ، وشرائه ، وقبض ثمنه ، وإيداعه الصندوق ، ونحو ذلك.

وهذا النوع لو استأجر عليه فلا اجرة له ، عملاً بالمعتاد ، مضافاً إلى الأصل.

وما جرت العادة بالاستيجار عليه كالدلالة ، والحمل ، والكيل ، والوزن ، ونقل الأمتعة الثقلية التي لم تجر عادة التجار بمباشرتها بأنفسهم بحسب حال تلك التجارة من مثل ذلك التاجر جاز له الاستيجار عليه ، ولو عمل بنفسه لم يستحقّ اجرة بحسب ما يقتضيه إطلاق كلامهم. لكن لو قصد بالعمل الأُجرة كما يأخذ غيره أو أقلّ ، وقلنا بجواز أن يستأجر الوكيل في الاستيجار نفسه ، لم يبعد القول باستحقاقه الأُجرة ، سيّما في الأقل ؛ للأولوية.

( ويشترط ) في صحّة المضاربة ( كون الربح مشتركاً ) بينهما ، بلا خلاف فيه فتوًى ونصّاً مستفيضاً ، ففي الموثق : عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على المال » (١). ونحوه النصوص الآتية (٢).

مع أنه لو اختصّ الربح بأحدهما كان بضاعةً أو قرضاً ومداينة ، كما مضى إليه الإشارة (٣) ، لكن ذلك إذا لم يكن الدفع بصيغة المضاربة ، وإلاّ فيحتملهما وعدمهما ، وعليه يكون الربح كلّه للمالك وللعامل اجرة المثل ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الإستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢ ، الوسائل ١٩ : ٢١ أبواب أحكام المضاربة ب ٣ ح ٥.

(٢) في ص : ٣٤٥.

(٣) راجع ص : ٣٣٣.

٣٣٨

كما تقدّم ، وكذا على الأوّل في صورة البضاعة ، لكن لا اجرة للعامل إمّا مطلقاً ، كما يقتضيه إطلاق عبائر الجماعة ، أو على التفصيل الذي قدّمنا إليه الإشارة ، وعليه في الصورة الثانية يكون الربح كلّه للعامل وللمالك رأس المال بلا خلاف.

( ويثبت للعامل ما شرط له ) المالك ( من الربح ) من النصف أو الثلث أو نحوهما ( ما لم يستغرقه ) على الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي المسالك بل غيره (١) أيضاً إجماع المسلمين عليه ، إلاّ شواذّ منّا لا يقدح خروجهم في الإجماع جدّاً.

والأصل فيه المعتبرة المستفيضة الحاكمة في الربح بالشركة ، وقد تقدّم جملة منها ، وسيأتي إلى باقيها الإشارة.

وأمّا ما ربما يتخيّل في دلالتها بأن الشركة فيه أعمّ من الاستحقاق منه بحسب الشرط ، فلعلّها بحسب ما يستحقه من الأُجرة ، والإضافة يكفي فيها أدنى الملابسة.

فالمناقشة فيه واضحة ؛ لأن استحقاق الأُجرة إنما هو على المالك لا على الربح ، فإضافتها إليه لا وجه لها بالكلية ، هذا.

مع منافاة ذلك لسياقها وما هو المتبادر منها جملة ، مع وقوع التصريح في بعضها بأن الربح بينهما على حسب ما شرط ، وليس إلاّ ما يحصل من الربح بقدر نصيبه دون اجرة المثل فهو ضعيف جدّاً ، كالاستدلال للحكم بعمومي الأمر بالوفاء بالعقد والالتزام بالشرط ؛ لإفادتهما الوجوب من حينهما ، ولم يقل به أحد أصلاً.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٨٤ ؛ وانظر الروضة ٤ : ٢١٩ ، والكفاية : ١٢٠.

٣٣٩

( وقيل ) كما عن النهاية والمفيد والقاضي والتقي (١) ( للعامل اجرة المثل ) والربح كله للمالك ؛ لأن النماء تابع للمال. وفي إطلاقه منع.

ولجهالة العوض الموجبة لفساد المعاملة. وهو منتقض بكثير من العقود كالمزارعة ، ومرجعه إلى منع إفادة الجهالة فساد المعاملة على الإطلاق ، وسنده مع عموم دليل الإفادة ما قدّمناه من الأدلّة ، وما ذكروه اجتهادات في مقابلتها غير مسموعة.

مع أن مرجعها بل صريح بعضها إلى الحكم بفساد هذه المعاملة ، والنصوص بخلافه زيادةً على ما مرّ مستفيضة من طرق الخاصة (٢) والعامة ، وقد استعملها الصحابة ، فروي ذلك عن علي عليه‌السلام وابن مسعود وحكيم بن حزام وأبي موسى الأشعري (٣) ، ولا مخالف لهم فيه.

( و ) يجوز أن ( ينفق العامل في السفر ) الذي يعمل فيه للتجارة ( من الأصل كمال النفقة ) وجميع ما يحتاج إليه فيه من مأكول وملبوس ومشروب ومركوب ، وآلات ذلك كالقربة والجواليق ونحوها ، وأُجرة المسكن ونحو ذلك ، على الأشهر الأظهر ، وعليه عامة من تأخّر ، وعن الخلاف الإجماع عليه (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين ، أحدهما الصحيح : في المضارب : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فهو من نصيبه » (٥)

__________________

(١) النهاية : ٤٢٨ ، المفيد في المقنعة : ٦٣٣ ، القاضي في المهذب ١ : ٤٦٢ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٤٧.

(٢) الوسائل ١٩ : ٢٠ أبواب المضاربة ب ٣.

(٣) انظر نيل الأوطار ٥ : ٣٩٣ / ٦.

(٤) الخلاف ٣ : ٤٦١.

(٥) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٤ أبواب أحكام المضاربة ب ٦ ح ١.

٣٤٠