مورد مسّت الحاجة إلى تنزيل الواجد منزلة الفاقد يتمسك لذلك بحديث الرفع (١) ومن هنا يمكن أن يفرق بين الأجزاء والشرائط وبين الموانع وأنه في صورة ايجاد المانع نسيانا يصح التمسك بحديث الرفع إذا كان النسيان مستوعبا لتمام الوقت ، فتأمل جيدا.
هذا كله في الأحكام التكليفية. وأما الأحكام الوضعية ـ كالعقود والايقاعات والطهارة والنجاسة ـ فالكلام فيها تارة : يقع في الأسباب : الايجاب والقبول مثلا ، وأخرى : في المسببات ، وثالثة : في الآثار والأحكام المترتبة على المسببات.
أما الأسباب : فمجمل الكلام فيها ، هو أن وقوع النسيان والإكراه أو الاضطرار في ناحية الأسباب لا تقتضي تأثيرها في المسبب ولا تندرج في « حديث الرفع » لما تقدم في باب الأجزاء والشرائط : من أن « حديث الرفع » لا يتكفل تنزيل الفاقد منزلة الواجد ولا يثبت أمرا لم يكن ، فلو اضطر إلى ايقاع
________________________
١ ـ أقول : المستفاد من الرفع ما اضطروا إليه إذا كان بقوله رفعه تشريعيا ـ ومعنى رفعه التشريعي خلو صفحة التشريع عنه ـ مرجعه إلى عدم تشريع الحكم له أو عدم أخذه موضوعا لحكمه ، لا أن مرجعه إلى قلب الوجود بعدم ذاته ، أو قلب العدم بوجود ذاته ، بل غاية اقتضائه قلب أخذ في طي التشريع بعدم أخذه ، وفي هذا المعنى لا فرق بين كون الموضوع فعلا أو تركا وأن المضطر إليه فعل أو ترك ، إذ كما أن رفع الوجود تشريعا يرجع إلى خلو صفحة التشريع عن هذا الوجود ، كذلك رفع العدم تشريعا إلى خلو صفحة التشريع عن هذا العدم ، ومآله إلى رفع الحكم المترتب على هذا العدم ، لا جعله وجودا ، كي يرجع إلى وضع شيء لا يناسب رفعه.
ولذا لم يتوهم أحد مسألة الاضطرار بترك أحد طرفي العلم ـ خصوصا إذا كان معينا ـ بوجوب الإتيان بكل الطرفين تحصيلا للموافقة القطعية.
وحينئذ فلا قصور في شمول « الحديث » للسورة المنسية ، ومرجعه إلى إخراجها عن الجزئية لا جعلها بمنزلة الوجود ، إذ معنى خلو صفحة التشريع عنه هو الأول لا الثاني. نعم : هذا المقدار لو كان مستوعبا في الوقت لا يقتضي الإجزاء إذ معنى رفعه ما دام النسيان عدم كونه تحت التكليف الذي هو منشأ انتزاع الجزئية ما دام النسيان ، وأما كونه واجدا لمصلحة الواقع فلا ، فإنه لا يكون تحت الرفع تشريعا ، إذ ليس أمر رفعه ووضعه بيد الشرع ، وحينئذ فالمصلحة المقتضية للجزئية باقية ، فبعد رفع النسيان يؤثر المصلحة في خارج الوقت أثره ، كما لو لم يكن في البين « حديث الرفع » وهذا نكتة عدم تشبثهم بمثل « حديث الرفع » لتصحيح المنسيات جزءا أو شرطا أو مانعاً ، فتدبر.