رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

( وكذا ) لم يصحّ ووقف على الإجازة ( لو أمره ببيعه مؤجّلاً بثمن فباع بأقلّ ) منه ( عاجلاً ).

وينبغي تقييد الحكم فيهما بعدم اطّراد العادة أو دلالة القرائن بالإذن فيما خالف إليه ، كما هو الغالب في المثالين ، وأمّا معهما أو أحدهما فالوجه صحّة البيع ، فإنّ المعتبر الإذن وهو في الفرض حاصل ، والتلفّظ به غير مشترط بلا خلاف ، وقد مرّ الاكتفاء بمثله.

( و ) لذا قالوا : ( لو باع ) في الصورة الثانية ( بمثله ) أي بمثل الثمن الذي عيّن له ( أو أكثر ) منه ( صحّ ) ولزم ؛ لأنّه قد زاده خيراً وبه يحصل إذن الفحوى قطعاً.

( إلاّ أن يتعلّق بالأجل غرض ) ولو احتمالاً غير نادر ، كأن يخاف على الثمن ذهابه في النفقة مع احتياجه إليه بعده.

وإنّما فرّق بين المقامين فحكم بعدم الصحّة في الأوّل بكلا قسميه ، وبها في الأخير إلاّ في صورة الاستثناء ؛ لافتراقهما بمقتضى العادة ، لعدم حكمها بالإذن في الأوّل وحكمها به في الثاني ، فلذا اختلف الحكم فيهما.

والضابط هو ما قدّمناه من وجوب اقتصار الوكيل على ما يأذن له الموكّل لفظاً ، أو فحوًى مستفاداً من العادة المطّردة أو القرائن الدالّة.

( ولو أمره بالبيع في موضع ) معيّن ، كالسوق الفلاني أو البلدة الفلانية ( فباع في غيره بذلك الثمن ) المعيّن له ، أو بالمثل مع الإطلاق ، أو زائداً عليهما ( صحّ ) إذ الغرض من تعيين المحل في الغالب ليس إلاّ تحصيل الثمن وقد حصل ، والمحل ليس شي‌ء يتعلّق به غرض في التعيين في الأغلب ، والنادر كالعدم.

نعم ، لو علم أو ظنّ غرض في تعيينه من جودة النقد أو كثرته أو‌

٨١

حلّه أو صلاح أهله أو مودّة بين الموكّل وبينه فكما لا إذن ؛ لعدم اطّراد العادة به في مثله.

( ولا كذا لو أمره ببيعه من إنسان ) معيّن ( فباع من غيره فإنّه ) لم يلزم ، بل ( يقف على الإجازة ولو باع بأزيد ) من المثل مع الإطلاق ، أو المعيّن مع التعيين.

والفرق بينه وبين سابقه عدم تعلّق غرض بالمحل لذاته في الأغلب كما مرّ ، فإذا حصل المقصود منه في غيره جاز ، بخلاف الأشخاص ، فإنّه كثيراً ما يتعلّق غرض صحيح بمعاملة شخص إمّا لسهولته في المعاملة أو لتوقّيه الشبهة ، أو نحو ذلك ، فيطلب لذلك معاملته.

نعم ، لو علم عدم تعلّق غرض له بتعيينه وأن المقصود منه حصول الثمن كيف ما اتّفق أمكن الصحّة هنا كسابقه ، إلاّ أن إطلاق العبارة وغيرها يقتضي انسحاب الفساد في هذه الصورة أيضاً. وباستفادة التعميم من العبائر صرّح في المسالك (١) ، فإن كان إجماع ، وإلاّ فسؤال الفرق بينه وبين ما سبق متوجّه.

( الثانية : ) في مسائل النزاع.

( إذا اختلفا في الوكالة ) ولا بيّنة ( فالقول قول المنكر مع يمينه ) بلا خلاف ؛ للأصل ، وعموم الخبر : « البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر » (٢).

ولا فرق في المنكر بين كونه الوكيل أو الموكّل.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٣٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٠ / ٥٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٣ ح ٥ وفيهما : .. واليمين على المدعى عليه ؛ وانظر عوالي اللآلي ١ : ٢٤٤ / ١٧٢.

٨٢

وتظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقدٍ لازمٍ لأمرٍ لا يتلافى حين النزاع ، كما إذا اشترى داراً بشرط أن يوكّله البائع في بيع عبده ، فيدّعي البائع حصول التوكيل المشروط بعد وفاة العبد ليستقرّ بيع الدار بحصول الشرط ، وينكره المشتري ليتزلزل له البيع ويتسلّط على فسخه ، بناءً على أن الشروط الجائزة في العقد اللازم تجعله جائزاً ، بمعنى أنّه لو لم يف الشارط بالشرط يتسلّط المشروط له على الفسخ ، فالتسلّط على الفسخ فائدة إنكار الوكيل.

( ولو ) اتّفقا عليها ولكن ( اختلفا في العزل أو في الإعلام أو في التفريط ) أو قيمة التالف بعد الاتّفاق عليه ولا بيّنة ( فالقول ) في جميع ذلك ( قول الوكيل ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الأولين في الغنية (١) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، وعموم الرواية المتقدّمة ، وخصوص بعض المعتبرة في الثاني : في امرأة وكّلت أخاها ليزوّجها ، ثم عزلته بمحضر الشهود وادّعت إعلامه بالعزل وأنكره الأخ ، فأتيا الأمير عليه‌السلام ، فطلب منها الشهود فأتت بالشهود الذين عزلته بمحضرهم ، فشهدوا على العزل دون الإعلام ، فلم يقبله عليه‌السلام وأمضى تزويج الأخ وأحلفه. والرواية طويلة مرويّة في التهذيب في كتاب الوكالة (٢).

( وكذا لو اختلفا في التلف ) يقدّم فيه قول الوكيل ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في المسالك وشرح القواعد (٣) ؛ وهو الحجّة المخصّصة‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٢١٤ / ٥٠٦ ، الوسائل ١٩ : ١٦٣ أبواب أحكام الوكالة ب ٢ ح ٢.

(٣) المسالك ١ : ٣٤٢ ، جامع المقاصد ٨ : ٣١٨.

٨٣

للأصل وعموم الرواية ، مع أنّه أمين وقد يتعذّر عليه إقامة البينة فاقتنع بقوله.

ولا فرق في ذلك بين دعواه التلف بأمر ظاهر أو خفي ، بلا خلاف في الظاهر ، بل عليه الإجماع في ظاهر المسالك (١).

( ولو اختلفا في الردّ فقولان ، أحدهما : أن القول قول الموكّل مع يمينه ) للأصل ، وعموم الرواية ، ذهب إليه الحلّي والماتن في الشرائع والفاضل وولده والشهيدان في اللمعتين (٢).

( والثاني : ) أن ( القول قول الوكيل ما لم يكن ) وكالته ( بجُعل وهو أشبه ) وفاقاً للمبسوط والقاضي والتنقيح (٣) ، بل في الشرائع وشرحه للصيمري نُسب إلى المشهور (٤).

أمّا الأوّل : فلأنّه أمين وقد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسناً محضاً كالودعي.

وأمّا الثاني : فلما مرّ من الأصل وعموم الخبر.

وأمّا ما ذكره في الروضة : من أنّه يضعّف الأوّل بأن الأمانة لا تستلزم القبول كما لا تستلزمه في الثاني مع اشتراكهما في الأمانة ، وكذلك الإحسان ، والسبيل المنفي مخصوص ؛ فإن اليمين سبيل (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٤٢.

(٢) الحلّي في السرائر ٢ : ٨٦ ، الشرائع ٢ : ٢٠٥ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٢٦١ ، والمختلف : ٤٣٨ ، وولده في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٦١ ، اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٣٨٦.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٧٢ ، القاضي حكاه عنه في المختلف : ٤٣٨ ، التنقيح ٢ : ٢٩٦.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٠٥.

(٥) الروضة ٤ : ٣٨٧.

٨٤

فغير مفهوم ؛ لاستفاضة النصوص باستلزام الأمانة القبول ، ولذا تمسّك الأصحاب بها له في مواضع ، حتى هو بنفسه في الكتاب المذكور في تقديم قوله في التلف هنا ، فقال : لأنّه أمين وقد يتعذّر (١) ، إلى آخر ما ذكرناه ، ولم يأت بحجّة أُخرى غيره ، وهو بعينه جارٍ هنا.

ولا ينافيه عدم استلزامها إيّاه في الثاني بالإجماع ؛ فإنّ العام المخصّص حجّة في الباقي.

وبه يظهر الجواب عمّا ضعّف به نفي السبيل عليه مع إحسانه : من توجّه اليمين عليه بلا خلاف ، بل إجماعاً ، كما ادّعاه في المسالك (٢) ؛ فإنّ ثبوت مثل هذا السبيل عليه بالإجماع لا ينافي عدم ثبوت غيره عليه للعموم إلاّ على القول بكونه بعد التخصيص غير حجّة في الباقي ، وهو مع أنّه خلاف التحقيق خلاف ما عليه كافّة المحقّقين ، كما صرّح هو به في حاشية الكتاب المزبور في هذا المقام ، هذا.

وقد ادّعى في المهذّب الإجماع على القبول ، فقال : الامناء على ثلاثة أقسام : الأوّل : من يقبل قوله في الردّ إجماعاً ، وضابطه من قبض العين لنفع المالك ، فهو محسن محض ، فيقبل قوله في ردّها حذراً من مقابلة الإحسان بالإساءة ، واستشكله العلاّمة من حيث إنّ الأصل عدم الردّ ، وهو نادر ، وجزم في كتاب فتواه بموافقة الأصحاب (٣).

وهو كما ترى شامل للمقام وإن نقل الخلاف فيه قبل هذه الدعوى ، فإنّ خروج معلومي النسب ولو كانوا مائة غير قادح في انعقاد الإجماع عنده‌

__________________

(١) الروضة ٤ : ٣٨٨.

(٢) المسالك ١ : ٣٤٢.

(٣) المهذب البارع ٣ : ٣٩.

٨٥

وعند الأصحاب كافّة.

( الثالثة : إذا زوّجه ) امرأة ( مدّعياً وكالته ) على تزويجها ، أو مطلقاً ( فأنكرها الموكّل فالقول قول المنكر مع يمينه ) وعدم بيّنة للمدّعي ، بلا خلاف ؛ للأصل ، وعموم الخبر المتقدّم.

( وعلى الوكيل مهرها ) كملاً ، وفاقاً للنهاية والقاضي وقوّاه الحلّي (١) ؛ لأنّ المهر يجب بالعقد كملاً ولا ينتصف إلاّ بالطلاق المفقود في المقام ، وقد فوّته الوكيل عليها بتقصيره في الإشهاد فيضمنه.

( وروى ) في التهذيب في باب زيادات النكاح في الصحيح ، عن أبي عبيدة : في رجل أمرَ رجلاً أن يزوّجه امرأة من أهل البصرة من بني تميم ، فزوّجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم ، قال : « خالف أمره ، على المأمور نصف الصداق لأهل المرأة ولا عدّة عليها ولا ميراث بينهما » فقال له بعض من حضر : فإن أمر أن يزوّجه امرأة ولم يسمّ أرضاً ولا قبيلة ثمّ جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوّجه ، فقال : « إن كان للمأمور بيّنة أنّه كان أمره أن يزوّجه كان الصداق على الآمر لأهل المرأة ، وإن لم تكن بيّنة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة ولا ميراث بينهما ولا عدّة ، ولها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقاً ، وإن لم يكن سمّى لها صداقاً فلا شي‌ء » (٢).

وهو صريح في أن عليه لها ( نصف مهرها ).

ونحوه رواية أُخرى مرويّة في التهذيب أيضاً في كتاب الوكالة (٣) ،

__________________

(١) النهاية : ٣١٩ ، القاضي نقله عنه في المختلف : ٤٣٧ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٩٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٨٣ / ١٩٤٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٠٢ أبواب عقد النكاح ب ٢٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٤ ، الوسائل ١٩ : ١٦٥ أبواب أحكام الوكالة ب ٤ ح ١.

٨٦

وزاد فيها التعليل بما ذكره بقوله : ( لأنّه ضيّع حقّها ) بترك الإشهاد.

وبهما أفتى الطوسي في المبسوط (١) واختاره الحلّي (٢) ، ونسبه في المسالك وفاقاً للمحقّق الثاني إلى المشهور (٣) ، وفي الروضة إلى الأكثر (٤).

وهو أقوى ؛ لانجبار مخالفتهما الأُصول وضعف الثانية بالشهرة المحكيّة ، بل المحقّقة في الجملة ؛ لاتّفاق المشهور على ثبوت المهر في الجملة وإن اختلفوا في الكمال والنقيصة ، فيحصل لهما الانجبار بالإضافة إلى مخالفة الأُصول البتّة.

ويكفي لانجبار الثانية بما فيها من الضعف والجهالة موافقتها الأصل ؛ لأصالة براءة ذمّة الوكيل عن الزيادة ؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالصحيحة ، والشهرة المحكية ، وسلامتها كالصحيحة عمّا تصلح للمعارضة في إثبات الزيادة.

والعلل المتقدّمة مع أنّها اجتهادات في مقابلة النصوص المعتبرة مخدوشة بابتنائها أوّلاً : على صحّة العقد ، والموافق للأُصول فساده بالضرورة.

وثانياً : على تقديرها مقتضاها لزوم المهر على من عقد له دون الوكيل ، وسببيّة تقصيره للزومه عليه بمجرّده غير معلومة ، مع عدم وجوب الإشهاد عليه أوّلاً في الشريعة ، مع أنّه على تقدير تماميّته مقصور بصورة تقصيره وقد لا يحصل منه بأن أشهد ثم توفّي الشهود ، والحكم بالتمام جارٍ عندهم في هذه الصورة ، فالدليل مقدوح بالأخصّية.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨٦.

(٢) السرائر ٢ : ٩٥.

(٣) المسالك ١ : ٣٤٣ ، المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٢٩٤.

(٤) الروضة ٤ : ٣٨٨.

٨٧

وما ذكرناه وإن كان جارياً في لزوم النصف أيضاً ، بناءً على أن مقتضاه بطلان العقد في الظاهر فكما لا عقد فكذا لا مهر بالكليّة ، إلاّ أنّه خرجت بالنصوص المعتبرة المعتضدة بما قدّمناه من الشهرة العظيمة ، ولولاها لكان المصير إلى ذلك متعيّناً ، كما حكاه الفاضلان في الشرائع والمختلف (١) قولاً لكن لم يسمّيا له قائلاً معروفاً ، ومالا إليه أيضاً كالمسالك والروضة (٢) والصيمري في شرح الأوّل. وهو حسن لولا ما تقدّم.

ثم ما تضمّنه صدر الصحيحة قد حكي الفتوى به عن النهاية (٣) إلاّ أنّه أفتى بتمام المهر دون نصفه ، وهو محجوج بها ، فإنّها مع صحّتها في ردّها صريحة.

( و ) كيف كان ، يجب ( على الزوج ) المنكر للوكالة ( أن يطلّقها سرّاً ) إن أبى عن الجهار ( إن كان وكّل ) حقيقة ، بلا خلاف ، وبه صرّحت الرواية الثانية ، قال بعد التعليل المتقدّم : « حلّ لها أن تتزوّج ولا يحلّ للأوّل فيما بينه وبين الله تعالى إلاّ أن يطلّقها ، لأنّ الله تعالى يقول : ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (٤) فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان الحكم الظاهر حكم الإسلام ، وقد أباح لها أن تتزوّج ».

وما تضمّنته من اختيارها في التزويج من الغير عليه كافّة الأصحاب ؛ لما تقدّم من فساد العقد.

وإن النكتة في وجوب المهر نصفاً إنما هو تقصير الوكيل في حقّها.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٠٦ ، المختلف : ٤٣٧.

(٢) المسالك ١ : ٣٤٣ ، الروضة ٤ : ٣٨٨.

(٣) النهاية : ٣١٩.

(٤) البقرة : ٢٢٩.

٨٨

لكن صرّح جماعة (١) باشتراطه بعدم تصديقها الوكيل على الوكالة ، وإلاّ فليس لها الخيار ؛ لكونها باعترافها زوجة ، والحجّة فيه واضحة ، وليس في إطلاق الرواية بإثباتها الخيار لها منافاة لذلك ، بناءً على ورودها مورد الغالب وهو عدم تصديقها للوكيل على الوكالة.

ولو امتنع من الطلاق حينئذٍ لم يجبر عليه ؛ لانتفاء النكاح ظاهراً.

وحينئذٍ ففي تسلّطها على الفسخ ، دفعاً للضرر ، أو تسلّط الحاكم عليه ، أو على الطلاق ، أو بقائها كذلك حتى تطلق أو يموت ، أوجه.

ولو أوقع الطلاق معلّقاً على شرطٍ ، ك‍ « إن كانت هذه زوجتي فهي طالق » صحّ ولم يكن إقراراً ولا تعليقاً مانعاً عن صحّته ؛ لأنّه أمر يعلم حاله ، لكن هذا إذا لم يكن الإنكار مستنداً إلى نسيان التوكيل ، وإلاّ فلا يصحّ ، فتأمّل.

وكذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم الجمعة : إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا ، أو غيره من العقود.

__________________

(١) منهم : العلاّمة في التحرير : ٢٣٥ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٢٩٥ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٣ : ٤١.

٨٩
٩٠

( كتاب الوقوف والصدقات والهبات ) ‌

( أمّا الوقف فهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ) كما في الحديث النبوي : « حَبِّس الأصل وسَبِّل الثمرة » (١).

وإنّما عدل عن التسبيل إلى الإطلاق لأظهريّته في المراد من التسبيل ، وهو إباحتها للجهة الموقوف عليها بحيث يتصرّف فيها كيف شاء ، كغيرها من الأملاك.

والمراد بتحبيس الأصل المنع من التصرّف فيه تصرّفاً ناقلاً لملكه ، وهذا ليس تعريفاً بل ذكر شي‌ء من خصائصه أو تعريف لفظي ، وإلاّ لانتقض بالسكنى وأُختيها والحبس.

وفي الدروس عرّفه بأنّه الصدقة الجارية (٢) ، تبعاً لما ورد في المعتبرة المستفيضة : « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث » (٣) وعدّها منها.

وفي المهذّب والتنقيح والمسالك وغيرها من كتب الجماعة (٤) أنّه قال العلماء : المراد بالصدقة الجارية الوقف.

والأصل في مشروعيّته بعدها كغيرها من السنة الآتية الكتاب وإجماع‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٢ : ٢٦ / ١٤ ، المستدرك ١٤ : ٤٧ أبواب الوقوف والصدقات ب ٢ ح ١.

(٢) الدروس ٢ : ٢٦٣.

(٣) عوالي اللئلئ ١ : ٩٧ / ١٠ ، ج ٣ : ٢٨٣ / ١٧ ، مسند أحمد ٢ : ٣٧٢.

(٤) المهذب البارع ٣ : ٤٨ ، التنقيح ٢ : ٢٩٩ ، المسالك ١ : ٣٤٤ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٤٢٦ ، وعوالي اللئلئ ٣ : ٢٦٠.

٩١

الأُمّة كما في المهذّب (١) ، قال سبحانه ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (٢) ( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ) (٣) وقال جابر : لم يكن أحد من الصحابة ذو مقدرة إلاّ وقف (٤).

( ولفظه الصريح ) الذي لا يفتقر في دلالته عليه إلى ضمّ قرينة ( وقفت ) بلا خلاف ، كما في المسالك (٥) ، بل عليه الإجماع ظاهراً ، وعن الحلّي والتحرير صريحاً (٦).

( و ) أما ( ما عداه يفتقر إلى القرينة الدالّة على التأبيد ) كاللفظ الدال عليه ، أو على نفي البيع والهبة والإرث ، فيصير بذلك صريحاً ، بلا خلاف ، سواء كان تصدّقت ، أو حرّمت ، أو أبّدت ، أو حبست ، أو سبّلت.

ولا يحكم بالوقف بشي‌ء منها مجرّداً عن القرينة ، وفاقاً للمبسوط والحلّي وأكثر المتأخّرين (٧) ؛ لأصالة بقاء الملك على صاحبه ، وعدم خروجه إلاّ بوجه شرعي. ولا عرف شرعي هنا سوى صريح الوقف ؛ لاشتراك البواقي بينه وبين غيره ، والموضوع للقدر المشترك لا دلالة له على شي‌ء من الخصوصيات بشي‌ء من الدلالات.

نعم ، إذا انضمّت القرائن صار كالصريح في صحّة الوقف إذا قصد‌

__________________

(١) المهذب البارع ٣ : ٤٨ ، ٤٩.

(٢) الحج : ٧٧.

(٣) البقرة : ٢٧٢.

(٤) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٦١ / ٥.

(٥) المسالك ١ : ٣٤٤.

(٦) الحلّي في السرائر ٣ : ١٥٥ ، التحرير ١ : ٢٨٤.

(٧) المبسوط ٣ : ٢٩١ ، الحلّي في السرائر ٨ : ١٥٥ ؛ وانظر الإرشاد ١ : ٤٥١ ، والمهذَّب البارع ٣ : ٥٠ ، والروضة ٣ : ١٦٤.

٩٢

المعاني دون الألفاظ الدالّة عليها خاصّة ، وقد وقع كذلك أكثر وقوف أهل البيت عليهم‌السلام كما دلّت عليه المعتبرة ، منها : « تصدّق أمير المؤمنين عليه‌السلام بدار له بالمدينة في بني زريق ، فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب وهو حيّ سليم ، تصدّق بداره التي في بني زريق لا تباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السموات والأرض ... » (١).

خلافاً للخلاف والغنية والكيدري والقواعد (٢) في الأخيرين ، فجعلوهما صريحاً كالأوّل ؛ للنبوي المتقدّم المتضمّن لهما. وفيه نظر.

وللتذكرة ، ففرّق في لفظة الصدقة بين إضافتها إلى جهة عامّة فصريحة ، وإلى خاصة فتحتاج إلى قرينة (٣). ووجهه غير واضح.

أمّا الثلاثة الأول فلا خلاف في عدم صراحتها ، بل عليه الإجماع في المسالك (٤).

هذا كلّه في الحكم عليه بالظاهر ، وإلاّ فلو نوى الوقف فيما يفتقر إلى القرينة وقع باطناً ودين بنيته لو ادّعاه أو ادّعى غيره ، كما صرّح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده.

ويظهر من العبارة وعبائر أكثر الجماعة ، كما في المسالك والروضة (٥) ولعلّه من حيث اكتفائهم بذكر الإيجاب خاصة من دون ذكر القبول والقربة‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٨٣ / ٦٤٢ ، التهذيب ٩ : ١٣١ / ٥٦٠ ، الإستبصار ٤ : ٩٨ / ٣٨٠ ، الوسائل ١٩ : ١٨٧ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٦ ح ٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٥٣٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٢ ، حكاه عن الكيدري في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٧٧ ، القواعد ١ : ٢٦٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٢٧.

(٤) المسالك ١ : ٣٤٤.

(٥) المسالك ١ : ٣٤٤ ، الروضة ٣ : ١٦٤.

٩٣

الكليّة عدم اشتراطهما. والأصح اشتراطهما ، وفاقاً للتنقيح فيهما (١) ، وللتذكرة في الأوّل (٢) ، وللإرشاد والمفيد والقواعد والنهاية والحلّي والغنية (٣) ، مدّعياً هو كسابقه عليه إجماع الإماميّة ، في الثاني ؛ وهو الحجة فيه.

كإطباقهم على كونه من جملة العقود ، المدّعى في المسالك والمحكي عن التذكرة (٤) في الأوّل ، بناءً على أن لزومه بدونه يخرجه عن قسم العقود ويدرجه في قسم الإيقاع ، وهو ينافي ما ادّعى عليه ممّا تقدّم من الإجماع ، هذا.

مضافاً إلى مخالفة الوقف للأصل ، فيقتصر في لزومه على المتيقّن ، وليس إلاّ القدر المجمع عليه ، وهو ما تضمّن الأمرين.

وما استدل به في الروضة (٥) على عدم اشتراط القربة : من عدم قيام دليل صالح على اشتراطها وإن توقّف عليها الثواب.

فضعيف ، كاستدلاله لمذهب الأكثر من عدم اشتراط القبول بأصالة عدم الاشتراط ، وأنّه إزالة ملكٍ فيكفي فيه الإيجاب كالعتق :

أمّا الأوّل : فلما عرفت من مخالفته الأصل ، ويكفي في عدم صحّته مع عدم القربة عدم قيام دليلٍ صالح عليها بدونها ، فعدم دليل على الاشتراط غير قادح بعد الأصل الدالّ على الفساد ، وأصالة عدم الاشتراط لا تعارضه‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٣٠١.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٢٨.

(٣) الإرشاد ١ : ٤٥١ ، المفيد في المقنعة : ٦٥٥ ، القواعد ١ : ٢٦٧ ، النهاية : ٥٩٦ ، الحلّي في السرائر ٣ : ١٥٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٢.

(٤) المسالك ١ : ٣٤٤ ، التذكرة ٢ : ٤٢٨.

(٥) الروضة ٣ : ١٦٥.

٩٤

إلاّ بعد فرض قيام المقتضي للصحّة بعنوان العموم ، وهو مفقود.

ومنه يظهر الجواب عن دليله لمذهب الأكثر.

وأمّا الجواب عن الثاني : فبأن دعوى كفاية الإيجاب بمجرّده في إزالة الملك مطلقا ممنوعة ، كيف لا وهي في المقام أوّل الكلام ، وثبوتها في العتق بالدليل لا يوجب ثبوتها هنا إلاّ بالقياس المحرّم عندنا.

وأمّا القول بالتفصيل في القبول بين الوقف على من يمكن في حقه كشخص معين أو أشخاص معيّنين ، فيشترط ، لما ذكرنا ، وبين الوقف على غيره ممن لا يمكن في حقه كالمسلمين ، فلا يشترط ، لانتقال الوقف فيه إلى الله سبحانه ، والقبول فيه غير متصوّر ، كما في الشرائع والمسالك والروضة (١) ، وتبعهما جماعة (٢).

فضعيف ؛ لما مرّ. وعدم تصوّر القبول منه سبحانه لا يوجب عدم اشتراط القبول من أصله ، فقد يكون القابل الناظر أو الحاكم ومنصوبه ، كما صرّح به مشترطه على إطلاقه.

وبالجملة الموافق للأُصول اشتراطهما مطلقا ؛ مضافاً إلى الإجماع المنقول في الثاني.

نعم ، ربّما كان الأوفق بالأصل عدم اشتراط القربة إن قلنا باعتبار القبول ؛ إذ بعد حصوله يكون عقداً يجب الوفاء به ، واشتراطها منفي حينئذٍ بأصالة عدمه ، إلاّ أن إجماع الغنية على اشتراطها حجة شرعيّة لا مسرح عنها ولا مندوحة ، ويكون ما قدّمناه من الأُصول له معاضدة شاهدة ، وإن لم تكن في مقابلة ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود حجّة مستقلة ، بل هي به‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢١٧ ، المسالك ١ : ٣٤٥ ، الروضة ٣ : ١٦٤.

(٢) منهم : السبزواري في الكفاية : ١٣٩ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٢٠٧.

٩٥

مخصّصة ، هذا.

وفي المعتبرين ، أحدهما الصحيح والثاني الموثق : « لا صدقة ولا عتق إلاّ ما أُريد به وجه الله تعالى » (١).

والمستفاد من تتبع الأخبار الكثيرة إطلاق الصدقة على الوقف كثيراً ، حتى إنّه في كثير من وقوف الأئمّة وفاطمة عليهم‌السلام لم يذكر فيها لفظ الوقف بل اكتفى بلفظ الصدقة مقرونة بما يدلّ على إرادة الوقف منه ، فيظهر منها غاية الظهور أن إطلاق الصدقة عليه بعنوان الحقيقة المشتركة. ولا ينافيه احتياجه في الدلالة عليه إلى القرينة ؛ لكونها معيّنة لا صارفة. وبه يفرق بين لفظ الوقف والصدقة ؛ لاشتراكها بين الوقف والصدقة الخاصّة دون لفظ الوقف.

وحيث ظهر أنّ إطلاق الصدقة على الوقف حقيقة ظهر دخوله في لفظ الصدقة في ذينك الخبرين ، فيدلاّن على اشتراطه بالقربة ؛ لظهور أقربيّة نفي الصحّة من نفي الكمال بالإضافة إلى نفي الماهيّة حيث يكون إرادته متعذّرةً ، فتأمّل هذا.

ولو سلّم مجازية إطلاق الصدقة عليه لكانت النصوص المزبورة دالّة أيضاً على اشتراط نيّة القربة ، بناءً على أنّ الاستعارة والتشبيه يقتضيان الشركة في الأحكام إمّا جملة ، أو المتبادر منها خاصّة ، ولا ريب أنّ اشتراط القربة في صحّة الصدقة من أظهر أحكامها. وربّما يؤيّده تأييداً في الجملة‌

__________________

(١) الصحيح : في الكافي ٧ : ٣٠ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٥١ / ٦١٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٠٩ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٣ ح ٢.

والموثق : في الكافي ٧ : ٣٠ / ٢ ، التهذيب ٩ : ١٥١ / ٦٢٠ ، الوسائل ١٩ : ٢١٠ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٣ ح ٣.

٩٦

اتباع الأئمّة عليهم‌السلام وقوفاتهم المأثورة بقولهم : « ابتغاء وجه الله سبحانه » (١).

وبالجملة لا ريب في اشتراط القربة ولا شبهة.

واعلم أنّه لا يعتبر قبول البطن الثاني ولا رضاه ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح جماعة (٢) ؛ لتماميّة الوقف قبله ، فلا ينقطع ؛ ولأنّ قبوله لا يتّصل بالإيجاب فلو اعتبر لم يقع له.

( ويعتبر فيه ) أي في صحّته بعد تمام صيغته ( القبض ) من الموقوف عليه أو من في حكمه ، بمعنى أنّ الانتقال مشروط به ، وقبله يكون العقد صحيحاً في نفسه لكنّه ليس بناقلٍ ، فيجوز للواقف الفسخ قبله ، بلا خلاف ، كما في المسالك وغيره (٣) ، بل عليه الإجماع فيه وفي التنقيح والغنية (٤) ؛ وهو الحجّة ، كالأصل ، والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح الذي روته المشايخ الثلاثة : عن الرجل يوقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئاً؟ فقال : « إن كان أوقفها لولده ولغيرهم ثم جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع فيها ، فإن كانوا صغاراً وقد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا كباراً ولم يسلّمها إليهم ولم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها لأنّهم لا يحوزونها وقد بلغوا » (٥).

__________________

(١) انظر الوسائل ١٩ : ١٩٩ ، ٢٠٢ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٠ ح ٣ ، ٤.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٦٧ ، والسبزواري في الكفاية : ١٣٩ ، وصاحب الحدائق ٢٢ : ١٣٣.

(٣) المسالك ١ : ٣٥٣ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ١٤٣.

(٤) التنقيح ٢ : ٣٠٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٥) الكافي ٧ : ٣٧ / ٣٦ ، الفقيه ٤ : ١٧٨ / ٦٢٦ ، التهذيب ٩ : ١٣٤ / ٥٦٦ ، الإستبصار ٤ : ١٠٢ / ٣٩٢ ، الوسائل ١٩ : ١٨٠ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٤ ح ٤.

٩٧

والصحيح : في الرجل يتصدّق على ولد له وقد أدركوا ، فقال : « إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، وإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ، لأنّ والده هو الذي يلي أمره » وقال : « لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه الله عز وجل » (١) ونحوه غيره من المعتبرة (٢).

وفي المسالك (٣) أنّ الأصحاب فهموا من الصدقة فيها الوقف ، ولذا استدلوا بها على بطلانه بموت الواقف. وفيها حينئذٍ بشهادة السياق دلالة على ما مرّ من اشتراط القربة في الصحّة ؛ لمفهوم قوله : « لا يرجع إذا ابتغى » وهو الرجوع مع عدم الشرط ، وهو صريح في الاشتراط ، إذ لولاه لما ساغ الرجوع مطلقا.

ومنها المروي في إكمال الدين للصدوق ، بسنده إلى محمّد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه عن مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام ، قال : « وأمّا ما سألت من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه ، فكلّ ما لم يسلّم فصاحبه بالخيار ، وكلّ ما سلّم فلا خيار لصاحبه احتاج إليه أو لم يحتج ، افتقر إليه أو استغنى » إلى أن قال : « وأمّا ما سألت عن أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلّمها من قيّم يقوم بها ويعمرها ويؤدّي من دخلها خراجها ومئونتها ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا ، فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها ، إنّما لا يجوز ذلك لغيره » (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١ / ٧ ، التهذيب ٩ : ١٣٥ / ٥٦٩ ، الإستبصار ٤ : ١٠١ / ٣٨٧ ، الوسائل ١٩ : ١٧٨ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٤ ح ١.

(٢) الفقيه ٤ : ١٨٢ / ٦٣٩ ، التهذيب ٩ : ١٣٧ / ٥٧٧ ، الإستبصار ٤ : ١٠٢ / ٣٩٠ ، الوسائل ١٩ : ١٨٠ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٤ ح ٥.

(٣) المسالك ١ : ٣٥٣.

(٤) إكمال الدين : ٥٢٠ / ٤٩ ، الاحتجاج : ٤٧٩ ، الوسائل ١٩ : ١٨١ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٤ ح ٨.

٩٨

ثم قد عرفت فتوى الأصحاب ببطلانه بموت الواقف ومستندهم ، خلافاً للتقي (١) ، فقال بالصحّة مع الإشهاد عليه قبل الموت وإن لم يقبض.

وهو شاذّ ، كالمحكي عن ابن حمزة (٢) : من عدم اشتراط القبض حيث جعل النظارة لنفسه ، ومع ذلك مستندهما غير واضح.

وهل موت الموقوف عليه كذلك ، فيبطل بموته مطلقاً أم إذا لم يقبضه البطن الثاني أيضاً؟ وجهان. أجودهما الأوّل ؛ وقوفاً على ظواهر النصوص المتقدّمة ، فإن الموقوف عليه المعتبر قبضه فيها إنّما هو البطن الأوّل ، مع أن قبض البطن الثاني لا يؤثّر إلاّ في صحّته بالإضافة إليه ، وإلاّ فهو بالإضافة إلى الأوّل باطل ؛ لفقد شرطه فيه ، ولا يتصور الصحّة بالإضافة إليه وإن قبض لوجهين :

أحدهما : أن صحّة الوقف ليس معناها إلاّ صحّة ما جرى عليه الصيغة ، وهو ليس إلاّ الوقف عليهما دون الثاني خاصّة ، فصحّته بالإضافة إليه خاصّة دون الأوّل غير ما جرى عليه العقد.

وثانيهما : أنّ الصحّة بالإضافة إليه خاصّة معناها بطلانه بالإضافة إلى الأوّل ، فوجوده بالنسبة إليه كعدمه ، فيكون الوقف حينئذٍ على معدوم مع عدم تبعيّته لموجود ، ومجرّد التبعيّة للذكر تأثيره في الصحّة غير معلوم ، مع أنّ الأصل عدمها.

واعلم أنّ العبارة ظاهرها اشتراط القبض في الصحّة ، وربما يعبّر بما يدلّ على اشتراطه في اللزوم ، كما في الغنية والشرائع واللمعة (٣) ، إلاّ أن في‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٢٥.

(٢) الوسيلة : ٣٦٩.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، الشرائع ٢ : ٢١٧ ، اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ١٦٦.

٩٩

المسالك (١) : لا خلاف في الاشتراط في الصحة ، وأوّل عبائر الكتب المزبورة إليها. والنصوص السابقة لا تدلّ إلاّ على جواز الرجوع قبله ، وهو لا ينافي الصحّة ، لكن الحكم بها قبله مع عدم دليل عليها من إجماع أو روايةٍ مشكل ، بل مقتضى الأصل الحكم بعدمها ، فيكون شرطاً في الصحّة لا اللزوم.

مضافاً إلى الإجماع المنقول ، وظهور الصحيحة الثانية وما في معناها في ذلك ، حيث حكم فيها برجوعه بالموت ميراثاً ، فتأمّل جدّاً.

وتظهر الفائدة في النماء المتخلّل بينه وبين العقد ، فيحكم به للواقف على الأوّل ، وللموقوف عليه على الثاني.

ثم قد صرّح الأصحاب بعدم اشتراط فوريّة القبض. وهو كذلك ، والصحيحة المتقدّمة فيه صريحة.

واعلم أنّه لا خلاف في سقوط اعتباره في بقية الطبقات ؛ لأنّهم يتلقّون الملك عن الأوّل وقد تحقّق الوقف ولزم بقبضه ، فلو اشترط قبضهم لانقلب العقد اللازم إجماعاً ، كما في المسالك وغيره (٢) جائزاً.

ثم لو وقف على الفقراء أو الفقهاء فلا بدّ من نصب قيّم لقبض الوقف ، والنصب إلى الحاكم.

قيل (٣) : والأقرب جوازه للواقف مطلقا ، سيّما مع فقد الحاكم ومنصوبه ، وربما كان في الصحيحة الأُولى دلالة عليه ؛ لقوله : « إن كان أوقفها لولده أو لغيرهم ثم جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع » ونحوه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٥٣.

(٢) المسالك ١ : ٣٥٦ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ١٤٩.

(٣) كما في الدروس ٢ : ٢٦٧ ، والمسالك ١ : ٣٥٦.

١٠٠