رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

عن نفسه ، وعلّل الأوّل : باستلزامه الوقف على نفسه وعدم القصد إلى الجهة ، والثاني : بتخصيصه العام بالنية ، وهو جائز ، فيجب اتّباع ما شرطه.

وهو حسن لولا الفتاوى المطلقة المؤيّدة بإطلاق حكاية نفي الخلاف عنه في الكتب المتقدمة.

وللمختلف هنا تفصيل آخر ، فرّق فيه بين الوقف على المصالح العامة كالمساجد والقناطر وشبهها فالأوّل ، والوقف على أرباب الصفة من نحو الفقر والمسكنة فلا يجوز المشاركة (١).

ولا وجه له يعتدّ به ، سيّما في مقابلة حكاية نفي الخلاف المتقدمة ، المعتضدة بالشهرة الظاهرة ، والمحكية في كلام بعض الأجلّة (٢) ، فلا مسرح عن قولهم ولا مندوحة.

( ومن اللواحق : مسائل ) تتعلق بـ ( السكنى والعمرى ) والرقبى ، والثلاثة ثابتة بالإجماع والسنة المستفيضة الآتية.

( وهي تفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من هذه الثلاثة ، بل على اعتبار الأخير الإجماع في ظاهر كلام جماعة (٣) ، بل صريح بعضهم (٤).

فلا شبهة ولا خلاف إلاّ في اشتراط القبول في السكنى المطلقة الغير المقيّدة بعمرٍ ولا مدّة ، فقيل : يمكن القول بعدم اشتراط القبول فيها ؛ لأنّها‌

__________________

(١) المختلف : ٤٩١.

(٢) الحدائق ٢٢ : ١٦٣.

(٣) منهم : الشهيد في المسالك ١ : ٣٦٤ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤٣ ، وصاحب الحدائق ٢٢ : ٢٨١.

(٤) كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ٢١٩.

١٨١

حينئذٍ بمعنى إباحة السكنى ، لجواز الرجوع فيها متى شاء (١).

ويضعّف بصيرورتها بترك المدّة عقداً جائزاً ، وهو لا يمنع من اشتراط القبول فيها كنظائرها.

مع أن ذلك لا يتمّ إلاّ على القول بجوازها من أصلها ، فلو قيل به بعد تحقّق مسمّى الإسكان ولزومه قبله كما عن صريح التذكرة (٢) فلا شبهة في اعتبار القبول فيها ؛ لأنها حينئذٍ من العقود اللازمة في الجملة ، وإن طرأ عليها الجواز بعد انقضاء المسمّى.

وربما يستفاد من العبارة كغيرها عدم اشتراطها بالقربة ، وهو أحد القولين وأظهرهما وأشهرهما في المسألة ؛ للأصل ، والعمومات السليمة عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للفاضل في القواعد ، فاشترطها (٣).

ولا وجه له ، ولذا حمل على إرادته الاشتراط في حصول الثواب دون الصحة.

( وفائدتهما التسليط على استيفاء المنفعة تبرّعاً مع بقاء الملك للمالك ) بلا خلافٍ فيه عندنا ، كما في المسالك (٤) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى أصالة بقاء الملك ، وبعض المعتبرة ، كالخبر : عن السكنى والعمرى ، فقال : « إن الناس عند شروطهم إن كان شرط حياته ، وإن كان شرط لعقبه فهو لعقبه كما شرط » يعني « حتى يفنوا ، ثم يردّ إلى صاحب‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٦٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٥٠.

(٣) القواعد ١ : ٢٧٢.

(٤) المسالك ١ : ٣٦٤.

١٨٢

الدار » (١).

ونحوه آخر : « وإن كان جعلها له ولعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوه ولا يورثوا ، ثم ترجع الدار إلى صاحبها الأوّل » (٢).

وحكى الخلاف في المسالك عن بعض العامة ، فجعلها على بعض الوجوه مفيدة فائدة الهبة ، فينتقل ملك العين إلى الساكن (٣).

وحكاه في التنقيح والدروس عن ظاهر الشيخ في العمرى إذا جعلت له ولعقبه ، فقال : لا يرجع إلى المالك حينئذٍ (٤).

وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح ، عدا ما في الدروس من رواية جابر (٥) ، ولم يذكر متنها ، ولم يتّضح لي سندها ، ومع ذلك محجوج بالأصل ، وصريح المعتبرين المتقدمين.

ونحوهما في الإفادة لهذه الفائدة الرقبى المتقدم إليها الإشارة ، ولا فرق بينها في هذه الثمرة ، وإن اختلف بحسب اختلاف الإضافة ، فإذا قرنت بالإسكان قيل : سكنى ، كأن يقول : أسكنتك هذه الدار ولك سكناه ، وبالعمر قيل : عمرى ، كقولك : أعمرتك هذه الأرض عمرك أو عمري ، وبالمدة قيل : رقبى ، كأن يقول : أرقبتك هذا المتاع مدّة كذا ، من الارتقاب‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٣ / ٢١ ، الفقيه ٤ : ١٨٦ / ٦٥٢ ، التهذيب ٩ : ١٣٩ / ٥٨٧ ، الإستبصار ٤ : ١٠٣ / ٣٩٦ ، الوسائل ١٩ : ٢١٨ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٢ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٧ : ٣٣ / ٢٢ ، الفقيه ٤ : ١٨٧ / ٦٥٣ ، التهذيب ٩ : ١٤٠ / ٥٨٨ ، الإستبصار ٤ : ١٠٤ / ٣٩٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٢٠ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٣ ح ١.

(٣) المسالك ١ : ٣٦٤.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٣٣٣ ، الدروس ٢ : ٢٨١.

(٥) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٦٣ / ١٥ ، مستدرك الوسائل ١٤ : ٦٦ أبواب السكنى والحبيس ب ٢ ح ٤.

١٨٣

وهو الانتظار للأمد ، أو من رقبة الملك ، بمعنى إعطاء الرقبة للانتفاع بها.

كلّ ذا على المشهور ، كما في المسالك والكفاية (١) ، فيكون بين العمرى والرقبى تباين.

وفي الغنية وعن الشيخ والقاضي والحلّي (٢) أنهما بمعنى واحد ، فالأُولى من العمر ، والثانية من الرقوب ، كأنّ كلّ واحد منهما يرتقب موت صاحبه ، وربما أشعر به العبارة ، حيث اقتصر بذكر العمرى خاصّة دون الرقبى ، فكأنه جعلهما بمعنى واحد ، وإلاّ لذكر الرقبى ولو بالإشارة.

وعن الشيخ وتالييه أنه قيل في الرقبى أن يقول : جعلت خدمة هذا العبد لك (٣).

وعن الأكثر أيضاً أن بين السكنى وكل من العمرى والرقبى عموماً من وجه ؛ لاجتماعها مع كلّ منهما فيما لو قرن إباحة المنفعة بالسكنى ومشخّصات إحداهما ، كالسكنى مدّة العمر في الأُولى ، ومدّة معيّنة في الثانية ، وافتراقها عن كلّ منهما باقتران الإباحة بالسكنى خاصّة ، كما قدّمناه من المثال ، ويفترقان عنها بتجرّد الإباحة عن الإسكان وتقييدها بالعمر أو المدّة ، كما قدّمناه من المثال ، وبجريانهما في غير المسكن من سائر الأعيان التي يصحّ وقفها ، بخلاف السكنى ، لاختصاصها به.

وعن التحرير تخصيص العمرى بما لا يشتمل عقدها على لفظ السكنى ، كأن يقول : أعمرتكها مدّة عمرك ، والرقبى بما لا يشتمل عليه ، بل‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٦٤ ، الكفاية : ١٤٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، الشيخ في المبسوط ٣ : ٣١٦ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٠١ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٦٨.

(٣) انظر المبسوط ٣ : ٣١٦ ، والمهذَّب ٢ : ١٠٠ ، والسرائر ٣ : ١٦٨.

١٨٤

على المدّة ، كأن يقول : أرقبتكها مدّة كذا ، فإن ذكر الإسكان فهي سكنى خاصّة مطلقا وإن قرنت بعمر أو مدّة ، وحينئذٍ فبينهما بهذا الاعتبار تباين (١).

والأمر في ذلك سهل ؛ لكونها أُموراً اصطلاحيّة ليس فيها مشاحّة.

( وتلزم ) السكنى بعد القبض ( لو عيّن المدّة ) فلا رجوع فيما دونها ( وإن مات المالك ) بلا خلاف أجده إلاّ من الشيخ والحلبي (٢) ، فلا تلزم هي كالعمرى إمّا مطلقاً كما عن الأوّل ، أو مع عدم قصد القربة كما عن الثاني ، والأوّل أشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، بل صرّح جمع منهم كالمسالك والصيمري وغيرهما (٣) بجهالة القائلين بخلافه ، وإنما أفصح عنهما الفاضل المقداد في الشرح (٤).

وكيف كان ، فهما بالإعراض عنهما أجدر ، والمصير إلى ما عليه الأكثر أظهر ؛ عملاً بعموم لزوم الوفاء بالعقود والشروط المستفاد من الكتاب والسنة ، عموماً وخصوصاً ، ومنه الخبران المتقدمات وغيرهما ، كالصحيح : عن رجل جعل داره سكنى لرجل إبّان حياته ولعقبه من بعده ، قال : « هي له ولعقبه من بعده كما شرط » قلت : فإن احتاج إلى بيعها يبيعها؟ قال : « نعم » قلت : فينقض بيعه الدار السكنى؟ قال : « لا ينقض البيع السكنى » (٥) الخبر.

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٩٠.

(٢) الشيخ في المبسوط ٣ : ٣١٧ ، الحلبي في الكافي : ٣٦٣.

(٣) المسالك ١ : ٣٦٤ ، وانظر الحدائق ٢٢ : ٢٨١.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٣٣٣.

(٥) الكافي ٧ : ٣٨ / ٣٨ ، الفقيه ٤ : ١٨٥ / ٦٤٩ ، التهذيب ٩ : ١٤١ / ٥٩٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠٤ / ٣٩٩ ، الوسائل ١٩ : ١٣٥ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٤ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

١٨٥

وفيه دلالة من وجه آخر أظهر ، كالموثق : عن رجل أسكن رجلاً داره في حياته ، قال : « يجوز له ، وليس له أن يخرجه » قلت : فله ولعقبه؟ قال : « يجوز » (١) الحديث.

( وكذا ) تلزم ( لو قال له : ) أسكنتك ( عمرك ، لم تبطل بموت المالك و ) إنما ( تبطل بموت الساكن ) خاصّة عند الأكثر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ لعين ما مرّ.

خلافاً للإسكافي ، فقال : إذا أراد ورثة المالك إخراج الساكن بعد موت المالك نظر إلى قيمة الدار فإن كانت تحيط بها ثلث الميت لم يكن لهم إخراجه ، وإن كان ينقص عنها كان ذلك لهم (٢).

واستند فيه إلى بعض النصوص (٣) القاصرة السند بالجهالة أو الضعف ، والمتن بالخلل ، ومخالفة الأصل ، وبعض النصوص المتقدمة كثاني الخبرين المتقدمين في صدر البحث (٤) ، بملاحظة صدره الذي تركنا ذكره من قوله : « إن جعل السكنى في حياته فهو كما شرط » فإن الظاهر رجوع الضمير إلى الساكن بقرينة ما ذكرناه من التّتمة ، فقد حكم عليه‌السلام بلزوم الشرط من دون تفصيل بين موت المالك وعدمه ، فإذاً المذهب الأوّل.

إلاّ أن يكون الإسكان موصى به أو منجّزاً وكان في مرض موته ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤ / ٢٤ ، الفقيه ٤ : ١٨٦ / ٦٥١ ، التهذيب ٩ : ١٤٠ / ٥٨٩ ، الوسائل ١٩ : ٢١٩ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٢ ح ٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٤٩٨.

(٣) هو خبر خالد بن نافع البجلي المروي في الكافي ٧ : ٣٨ / ٣٩ ، الفقيه ٤ : ١٨٦ / ٦٥٠ ، التهذيب ٩ : ١٤٢ / ٥٩٤ ، الإستبصار ٤ : ١٠٥ / ٤٠٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٢٧ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٨ ح ١.

(٤) راجع ص : ١٨٢.

١٨٦

فتعتبر المنفعة الخارجة من الثلث لا جميع الدار.

( ولو قال : ) أسكنتك عمري ، وإليه أشار بقوله : ( حياة المالك ، لم تبطل بموت الساكن وانتقل ما كان له ) من الحق ( إلى ورثته ) بلا خلاف ، كما في المسالك وغيره (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول المتقدمة في الحكم الأوّل ، وأنه حقّ كسائر الحقوق المنتقلة إلى الورثة بالاتّفاق بحسب الفتوى والرواية في الحكم الثاني.

ثم إن هذه الأحكام في العبارة وإن اختصّت بالسكنى المختصّة بالدار ونحوه ، إلاّ أن مقتضى الأُصول المتقدمة انسحابها في كلّ رقبى وعمرى وإن كانت بغير متعلق السكنى متعلقة ، كالمتاع وشبهه.

واعلم أن مورد العبارة والرواية مختصّ بجعل الغاية عمر المالك أو المعمَر ، ويضاف إلى ذلك عقب المعمَر ، كما في الثانية.

وهل يجوز التعليق بعمر غيرهما؟ قال الشهيد : نعم (٢) ؛ للأصل ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، وأن المسلمين عند شروطهم ، ولصدق اسم العمرى المدلول على شرعيّتها في بعض النصوص من غير تقييد بعمر أحدهما (٣).

ويحتمل قوياً العدم ؛ لاشتمال العقد على الجهالة من حيث عدم العلم بغاية وقت المنفعة المستحقّة ، فلا يجدي التمسّك بالأصل والعمومين ؛

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٦٥ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٢٨٣.

(٢) نقله عنه في المسالك ١ : ٣٦٥.

(٣) دعائم الإسلام ٢ : ٣٢٤ / ١٢٢٥ ، المستدرك ١٤ : ٦٦ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٢ ح ٢.

١٨٧

لاختصاصهما بما لا يشتمل عليها ، والإطلاق بحيث يشمل المقام ممنوع بعد قوّة احتمال انصرافه بحكم التبادر إلى العمرى المقيّدة بعمر أحدهما.

ولكن الأجود الأول ؛ التفاتاً إلى عدم تعقّل الفرق بوجه ، فيبعد ، مع تضمّن بعض الأخبار السابقة الحاكمة باللزوم لما هو كالتعليل له من قوله : « له شرطه » وأن « المؤمنين عند شروطهم » ويظهر منه غاية الظهور أن الحكم باللزوم إنما هو من حيث لزوم الوفاء بالشروط ، وهو متحقّق في المفروض.

( وإن أطلق ) السكنى ( ولم يعيّن ) المالك لها ( مدّة ) معلومة ( ولا عمراً ) أصلاً صحّ السكنى بلا خلاف ، كما قيل (١) ، ولكن لا يلزم ، بل ( يتخيّر المالك في إخراجه مطلقا ) أي متى شاء ، بلا خلاف ؛ للمعتبرين ، أحدهما الصحيح : عن رجل أسكن رجلاً داره ولم يوقّت ، قال : « جائز ويخرجه إذا شاء » (٢) ونحوه الثاني الموثق (٣).

وليس فيهما كالعبارة لزوم الإسكان ولو في الجملة كيوم ونحوه مما يسمّى إسكاناً في العرف والعادة ، ولا عدمه ، بل هما بالإضافة إليها مطلقان.

وفي المسالك عن الأكثر عدمه (٤) ، وأنها من العقود الجائزة ، فله الرجوع متى شاء ولو قبل الإسكان بالكلّية.

ويمكن أن ينزّل عليه العبارة ، بل الرواية ، بجعل متعلّق الإخراج هو‌

__________________

(١) الحدائق ٢٢ : ٢٨٦.

(٢) الكافي ٧ : ٣٤ / ٢٥ ، التهذيب ٩ : ١٤٠ / ٥٩٠ ، الاستبصار ٤ : ١٠٤ / ٣٩٨ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٩ : ٢٢١ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٤ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٣٤ / ٢٤ ، الفقيه ٤ : ١٨٦ / ٦٥١ ، التهذيب ٩ : ١٤٠ / ٥٨٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٢٢ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٤ ح ٢.

(٤) المسالك ١ : ٣٦٥.

١٨٨

الإسكان المتعلّق به العقد دون الدار.

خلافاً للتذكرة والمحقق الثاني (١) ، فحكما به ، ونفى عنه البعد في الكفاية (٢) ، واستدل لهم تارةً بالرواية ، وقد عرفت ما فيها من المناقشة وضعف الدلالة ، وأُخرى بالعمومات الدالّة على لزوم الوفاء بالعقود والشروط ، وهو حسن إن لم يكن في الإسكان المطلق الغير المقيّد بمدّة جهالة ، وإن كان كما هو الظاهر فسدت الحجّة ؛ لاختصاصها بما لا يتضمّن الجهالة ، كما مرّ إليه الإشارة.

ومقتضى ذلك وإن كان فساد السكنى بالكلّية ، إلاّ أن دعوى عدم الخلاف في الصحّة المؤيّدة باتّفاقهم عليها في الظاهر أوجبت الحكم بها ، ولا يلزم منه إيجاب اللزوم مطلقا ولو في الجملة ، فتأمّل.

ثم مقتضى هذه القاعدة فساد العمرى وكذا الرقبى لو خلتا عن ذكر العمر والمدّة ، كما لو اقّتتا بعمر مجهول أو مدّة مجهولة ، وفاقاً للدروس والمسالك في الأُولى (٣).

خلافاً للثاني في الثانية ، والتحرير فيهما (٤) ؛ لوجوه مدخولة.

( و ) كيف كان ( لو مات المالك والحال هذه ) يعني تكون السكنى غير لازمة ( كان المسكن ميراثاً لورثته ) أي المالك ( وبطلت السكنى ) بالمرّة ، بلا خلاف في الظاهر ولا إشكال ، فإن ذلك مقتضى العقود الجائزة ، وأولى منه بالحكمين ما لو كانت السكنى أو العمرى أو الرقبى من أصلها‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٥٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ١٢٤.

(٢) الكفاية : ١٤٣.

(٣) الدروس ٢ : ٢٨١ ، المسالك ١ : ٣٦٥.

(٤) التحرير ١ : ٢٩١.

١٨٩

فاسدة.

( و ) إطلاق السكنى بأقسامها الثلاثة حيث تتعلّق بالمسكن يقتضي أن ( يُسكِن الساكن معه مَن جرت العادة ) أي عادة الساكن ( به ) أي بإسكانه معه ( كالولد والزوجة والخادم ) والضيف والدابّة إن كان في المسكن موضع معدّ لمثلها ، وكذا وضع ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة والغلّة بحسب حالها ، بلا خلاف ، إلاّ من ظاهر النهاية والقاضي وابن زهرة (١) ، حيث اقتصروا على ذكر الولد وأهله ، ولعلّ مرادهم منه التمثيل خاصّة ، كما فهمه متأخّرو الأصحاب كافّة ، ولذا لم ينقلوا عنهم الخلاف في جواز إسكان ما عدا من ذكروه.

( وليس له أن يسكن غيره ) ممن لم يحكم العرف بإسكانه معه ، ولا الإجارة وغيرها من التصرفات الناقلة حتّى للمنفعة ( إلاّ بإذن المالك ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم الاقتصار في ملك الغير على ما يقتضيه الإذن والرخصة على المتيقن ، وليس إلاّ إسكان من قدّمناه خاصّة ، بل لولا العادة لكان اللازم عليه الإسكان بنفسه دون غيره ، فإن ذلك مقتضى « أسكنتك » لغةً ، لكن جاز التعدّي إلى من ذكر قضيّةً لها ، مضافاً إلى الاتّفاق عليه فتوًى كما مضى.

خلافاً للحلّي (٢) ، فجوّز له إسكان من شاء وإجارته ونقله كيف شاء ؛ محتجّاً بأنه ملّكه المنفعة بعقد لازم ، فيجوز له التصرف فيها مطلقا ، كما لو تملّكها بالإجارة ، وكغيرها من أمواله.

__________________

(١) النهاية : ٦٠١ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٠٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٢) السرائر ٣ : ١٦٩.

١٩٠

وهو شاذّ ، ومستنده كما ترى ضعيف.

( ولو باع مالك الأصل ) المسكن ( لم تبطل السكنى إن وقّتت بأمدٍ أو عمر ) بلا خلاف ؛ للصحيح : « لا ينقض البيع السكنى ، ولكن يبيعه على أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى ينقضي السكنى على ما شرط » (١).

وصريحه كالإسكافي والشهيدين وغيرهما (٢) ، وظاهر العبارة هنا وفي الشرائع وغيره (٣) صحّة البيع ، ولعلّها مختار الأكثر ، وهو أظهر ؛ لصراحة الخبر المعتبر.

مضافاً إلى الأصل ، والعمومات الآمرة بالوفاء من الكتاب والسنّة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة.

خلافاً للفاضل في الموقّتة بالعمر ، فاستشكل في الصحّة فيها في المختلف والتذكرة والقواعد (٤) ، وقطع بعدمها في التحرير (٥) ؛ التفاتاً منه إلى أن الغرض المقصود من البيع هو المنفعة ، ولذا لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه ، وزمان استحقاق المنفعة في العمرى مجهول ، وقد منع الأصحاب من بيع المسكن الذي تعتدّ فيه المطلّقة بالأقراء ، لجهالة وقت الانتفاع به ، فهنا أولى ، لإمكان استثناء الزوج مدّة يقطع بعدم زيادة المدّة عليها ، بخلاف المتنازع.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨ / ٣٨ ، الفقيه ٤ : ١٨٥ / ٦٤٩ ، التهذيب ٩ : ١٤١ / ٥٩٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠٤ / ٣٩٩ ، الوسائل ١٩ : ١٣٥ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٤ ح ٣.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٩٩ ، الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٢٨٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦٦ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٢٠.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٢٥ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٣٦ ، والمسالك ١ : ٣٦٦.

(٤) المختلف : ٤٩٩ ، التذكرة ١ : ٤٥١ ، القواعد ١ : ٢٧٣.

(٥) التحرير ١ : ٢٩١.

١٩١

وهو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بعمل الأكثر مضعّف بما لا يسع ذكره المقام.

وأما الأولويّة المدّعاة في بيع مسكن المطلّقة باستثناء قدر يقطع بانقضاء العدة قبله فمثله آتٍ في العمرى ؛ نظراً إلى العمر الطبيعي الذي لا يعيش المُعمرَ بعده قطعاً أو عادةً ، ومن ثمّ يحكم بموت المفقود حينئذٍ ، ويقسّم ماله ، وتعتدّ زوجته عدّة الوفاة اتّفاقاً.

نعم ، لو أُقّتت بعمر المُعمَر وعقبه على الإطلاق اتّجه ما ذكره ، لكن عبارته بتحقّق الأولويّة مطلقة شاملة لما إذا أُقّتت السكنى بعمر المعمر أو بعض من عقبه خاصّة ، فيتّجه حينئذٍ ما ذكرناه من المناقشة ، هذا.

ويمكن أن يقال : إن الجهالة المانعة عن صحّة البيع إنما هي إذا كانت في نفس المبيع دون منفعته ، وهي هنا لمعلوميّة المبيع منتفية ، وفتوى الأصحاب بالمنع عن بيع دار المطلّقة المزبورة لا حجّة فيها على المنع في المسألة ، إمّا لاختصاصها بالمنع ثمّة دون المسألة ، أو لعدم بلوغها درجة الإجماع فلا تكون من أصلها معتبرة ، وعلى هذا ينسحب القول بالصحّة في تلك المسألة.

فهذا القول ضعيف غايته ، كالقول بالفرق بين بيعه على المعمَر فالأوّل ، وغيره فالثاني ؛ نظراً إلى استحقاق المعمَر المنفعة ابتداءً واستمراراً فتغتفر الجهالة.

فإن المعتبر من العلم بالمنفعة المطلوبة في البيع إن كان مما ينافيه هذا الفائت منها زمن العمر المجهول بطل مطلقاً ، وإلاّ صحّ كذلك ؛ لاختلاف الاستحقاقين ، ولا يبني أحدهما على الآخر.

نعم ، ربما يتوجه ما ذكره العلاّمة في العمرى المؤبّدة المقيّدة بعمر‌

١٩٢

المعمَر وعقبه ؛ لكون المبيع حينئذٍ مسلوب المنفعة فيُعدّ شراؤه سفاهة ، فيبطل من هذه الجهة.

لكن يدفعه إطلاق الرواية ، بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال كما يستفاد من صدرها.

ومع ذلك مقتضاه اختصاص البطلان بصورة لم يتصوّر فيها للعين منفعة مقصودة للعقلاء غير ما وقع عليه عقد العمرى ، كالدور وشبهها.

وأمّا ما يتصوّر فيه تلك المنفعة كالعبد والأمة فيحتمل فيهما الصحة ؛ لعدم استلزام أعمارها فساد البيع من جهة سلب المنفعة ، لوجود منفعة أُخرى غير المستحقّة ، وهي عتقهما ونحوه ، وأمثالها للعقلاء مقصودة.

ثم المشتري حيث صحّ البيع إن كان عالماً بالحال فلا خيار له ووجب عليه الصبر ، وإلاّ تخيّر بين الفسخ والصبر ، وهو إجماع ، كما في التنقيح (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى أن فوات المنفعة عيب مجوّز للفسخ ، لكونه ضرراً منفياً اتّفاقاً فتوًى وروايةً.

واحترز بالشرطية في العبارة عن السكنى المطلقة ، فإنها تبطل بالبيع لكونها كما عرفت من العقود الجائزة ، إلاّ إذا قلنا بلزومها في الجملة ، فتبطل بالبيع إن كان بعد مضيّ زمان استيفاء مسمّى الإسكان خاصة ، ونحوها العمرى والرقبى حيث لم توقّتا بعمرٍ ولا مدّةٍ وقلنا بالصحة ، وإلاّ كانتا باطلتين من أصلهما.

( ويجوز حبس ) نحو ( البعير والفرس في سبيل الله تعالى ) لنقل الماء إلى المسجد والسقاية ، ولمعونة الحاجّ والزائرين وطلاّب العلم‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٣٣٦.

١٩٣

والمتعبّدين.

( والغلام والجارية في خدمة بيوت العبادة ).

( ويلزم ) كل ( ذلك ما دامت العين باقية ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وبه صرّح الحلي في السرائر (١) ؛ وهو الحجة ، دون ما ذكره في الكفاية (٢) من الصحيح : في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره ولم يوقّت وقتاً ، فمات الرجل ، فحضر ورثته ابن أبي ليلى وحضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار ، فقال ابن أبي ليلى : أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها. فقال له محمّد بن مسلم الثقفي : أما إنّ عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت ، فقال : وما علمك؟ فقال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « قضى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث » الحديث (٣) ونحوه الخبر في الدلالة على الأمر بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث (٤).

فإنهما كما ترى مع قصور سند الثاني ، واختصاص مورد الأوّل بالحبس على الإنسان قاصرا الدلالة على المطلوب ، بل هما في الدلالة على خلافه وبطلان الحبس بموت الحابس واضحا الظهور ، ولذا أن شيخنا في المسالك قال : حملهما الأصحاب على الحبس على الإنسان ، وجعل‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٩٠.

(٢) الكفاية : ١٤٣.

(٣) الكافي ٧ : ٣٤ / ٢٧ ، الفقيه ٤ : ١٨١ / ٦٣٥ ، التهذيب ٩ : ١٤٠ / ٥٩١ ، معاني الأخبار : ٢١٩ / ٢ ، الوسائل ١٩ : ٢٢٣ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٥ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٥ / ٢٨ ، الفقيه ٤ : ١٨٢ / ٦٣٦ ، التهذيب ٩ : ١٤١ / ٥٩٢ ، معاني الأخبار : ٢١٩ / ١ ، الوسائل ١٩ : ٢٢٤ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٥ ح ٢.

١٩٤

مستند لزومه في القُرَب هو نفس الاتّفاق على الظاهر عنده (١).

ثم إن الماتن وكثيراً من الأصحاب قد أهملوا ذكر كثير من أحكام الحبس ، قيل : والظاهر أن مورده مورد الوقف ، فيصحّ في كلّ عين ينتفع بها مع بقاء عينها بالشرائط السابقة على الإنسان مطلقاً ، وعلى القُرَب حيث يمكن الانتفاع بها فيها ، كحبس الدابة لما تقدّم ، والكتب على المتفقّهين ، والبيت على المساكين ، وغير ذلك (٢).

وأنه لا بدّ فيه بعد أهليّة التصرف من إيجاب وقبول كما في الوقف ، وقصد القربة ، كما عن السرائر والتحرير والمحقق الثاني (٣) ، والقبض كما عن التذكرة (٤).

وأنه إن كان على إنسان فإن أطلق بطل بموت الحابس اتّفاقاً ، وله الرجوع حينئذٍ متى شاء ، كما في القواعد (٥) ، وإن عيّن مدّة لزم فيها أجمع ، ثم يردّ إلى المالك ، والظاهر أنه لا خلاف فيه أيضاً ، وإن كانت المدّة عمر أحدهما فكالمدة المعيّنة ، كما في التحرير (٦).

وفي رواية : عن رجل مات وخلف امرأة وبنين وبنات وخلف لهم غلاماً أوقفه عليهم عشر سنين ، ثم هو حرّ بعد العشر سنين ، فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام وهم مضطرّون؟ فكتب : « لا يبيعوا إلى ميقات‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٦٦.

(٢) المسالك ١ : ٣٦٧.

(٣) السرائر ٣ : ١٧٠ ، التحرير ١ : ٢٩١ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ١٢٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٥٠.

(٥) القواعد ١ : ٢٧٣.

(٦) التحرير ١ : ٢٩١.

١٩٥

شرطه إلاّ أن يكونوا مضطرّين إلى ذلك فهو جائز لهم » (١).

وفي اخرى : عن رجل جعل لذات محرم جاريته حياتها؟ قال : « هي لها على النحو الذي قال » (٢).

( وأمّا الصدقة‌ ).

( فهي التطوّع ) أي التبرّع ( بتمليك العين ) من الغير ( بغير عوض ) دنيوي.

والنصوص في فضلها متواترة ؛ مضافاً إلى الآيات المتكاثرة ، قال سبحانه ( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) (٣). وقال ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (٤). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الصّدقة تدفع ميتة السُّوء » (٥).

وقال عليه‌السلام : « إن الله تعالى ليدفع بالصدقة الداء والدُّبَيْلَة (٦) والحرق والغرق والهدم والجنون ، إلى أن عدّ سبعين باباً من السّوء » (٧).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٨١ / ٦٣٤ ، التهذيب ٩ : ١٣٨ / ٥٨١ ، الوسائل ١٩ : ٢٢١ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٩ : ١٤٣ / ٥٩٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٢٥ أبواب أحكام السكنى والحبيس ب ٦ ح ١.

(٣) البقرة : ٢٧٢.

(٤) المعارج : ٢٥.

(٥) الكافي ٤ : ٢ / ١ ، ثواب الأعمال : ١٤٠ وفيه : تمنع ، الوسائل ٩ : ٣٦٧ أبواب الصدقة ب ١ ح ٢.

(٦) هي خُراجٌ ودمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالباً وهي تصغير دُبْلَة. النهاية ٢ : ٩٩. في الحديث « إنّ الله ليدفعُ بالصدقة الداءَ والدبَيْلة » هي مصغرة كجُهَيْنة : الطاعون وخراج ودمل يظهر في الجوف ويقتل صاحبه غالباً. مجمع البحرين ٥ : ٣٦٩.

(٧) الكافي ٤ : ٥ / ٢ ، الوسائل ٩ : ٣٨٦ أبواب الصدقة ب ٩ ح ١.

١٩٦

وقال مولانا الصادق عليه‌السلام : « المعروف شي‌ء سوى الزكاة ، فتقرّبوا إلى الله بالبرّ وصلة الرحم » (١).

وقال مولانا الباقر عليه‌السلام : « صنائع المعروف تدفع مصارع السوء » (٢).

ويشترط فيها بعد أهليّة التصرّف من المصّدّق أُمور :

منها : ما يدلّ على الإيجاب والقبول ولو فعلاً ، وفاقاً لبعض أصحابنا (٣) ، خلافاً لجماعة (٤) ، فاشترطوا فيهما ما يشترط في العقود اللازمة. وإطلاق النصوص بلزوم الصدقة بعد القبض وقصد القربة يدفعه.

وهي وإن شملت ما ليس فيه إيجاب وقبول بالمرّة ، إلاّ أن اعتبارهما ولو فعلاً لازم البتّة ، فإن مع عدمهما لا يعلم كونه صدقة ؛ مضافاً إلى عدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر إلى ما خلا عنهما البتة ، هذا.

مضافاً إلى الاتّفاق في الظاهر على اعتبارهما في الجملة ، وسيأتي عن المبسوط أن عليه إجماع الإمامية.

ومنها : قصد القربة ، بلا خلافٍ ؛ لما مرّ في الوقف من المعتبرة المستفيضة الدالّة على أنه لا صدقة إلاّ ما أُريد به وجه الله سبحانه (٥) ، ونحوها كثير من النصوص الآتية.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٣٠ / ١١٢ ، الوسائل ١٦ : ٢٨٧ أبواب فعل المعروف ب ١ ح ٧.

(٢) الكافي ٤ : ٢٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٣٠ / ١١٤ ، الوسائل ١٦ : ٢٨٧ أبواب فعل المعروف ب ١ ح ٦.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ٢٣١.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٩١ ، وانظر التحرير ١ : ٢٩١ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٢٣١.

(٥) راجع ص : ٩٥.

١٩٧

ومنها : القبض ، بلا خلاف أيضاً أجده ، بل عليه في ظاهر المبسوط إجماع الإمامية (١) ؛ لأصالة عدم اللزوم بل الصحة قبله ، واختصاص الإطلاقات الحاكمة بلزومها بحكم التبادر بالصدقة بعده ؛ مضافاً إلى الصحيح وغيره المتقدّمين في الوقف : في الرجل يتصدّق على ولد له قد أدركوا ، فقال : « إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث » (٢) الحديث.

( ولا حكم لها ) من لزوم أو صحة ( ما لو تقبض بإذن المالك ) بلا خلاف ؛ للأصل ، وظهور الخبرين المشترطين للقبض في ذلك ؛ ولأن القبض المترتّب عليه أثره هو المأذون فيه شرعاً ، والمنهي عنه غير منظور إليه.

( وتلزم بعد القبض وإن لم يعوّض عنها ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وعن الحلّي الإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى أن المقصود بها الأجر ، وقد حصل كالمعوّض عنها.

وفي المعتبرة المستفيضة : « إنما مثل الذي يتصدّق بالصدقة ثم يعود فيها مثل الذي يقي‌ء ثم يعود في قيئه » (٤).

وفي معتبرة أُخر : « ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئاً أن يرجع فيه ، وما لم يعط لله وفي الله فإنه يرجع فيه » (٥).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣١٤.

(٢) الكافي ٧ : ٣١ / ٧ ، التهذيب ٩ : ١٣٥ / ٥٦٩ ، الإستبصار ٤ : ١٠١ / ٣٨٧ ، الوسائل ١٩ : ١٧٨ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٤ ح ١ ، وقد تقدّم في ص : ٤٥٣١.

(٣) السرائر ٣ : ١٧٧.

(٤) انظر الوسائل ١٩ : ٢٠٤ ، ٢٠٥ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١١ ح ٢ ، ٤ ، ٥.

(٥) الكافي ٧ : ٣٠ / ٣ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٢ / ٦٢٤ ، ١٥٣ / ٦٢٥ ، الإستبصار ٤ :

١٩٨

خلافاً للمبسوط ، فقال : إن صدقة التطوّع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام ، من شرطها الإيجاب والقبول ، ولا تلزم إلاّ بالقبض ، وكلّ من له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة عليه (١).

وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح ، سوى دعواه الإجماع في الظاهر على اتحادها مع الهبة في الأحكام ، وهي بعد تسليمها غير ضائرة بعد ما مرّ من حصول العوض بقصد التقرّب ، فيكون كالهبة المعوّض عنها لا يجوز الرجوع فيها.

( ومفروضها محرّم على بني هاشم ) بلا خلاف إن كان زكاة ، بل عليه إجماع العلماء كافة ، والصحاح وغيرها به مع ذلك مستفيضة :

ففي الصحيح : « إن الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وأن الله تعالى حرّم عليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه » (٢) الحديث.

وفي آخر : « لا تحلّ الصدقة لولد العباس ولا نظرائهم من بني هاشم » (٣).

وكذا غيرها من الصدقات الواجبة على إطلاق العبارة وغيرها من عبائر كثير من الجماعة (٤) ، بل نسبه في المسالك (٥) إلى الشهرة ؛ عملاً‌

__________________

١١٠ / ٤٢٣ ، ١٠٨ / ٤١١ ، الوسائل ١٩ : ٢٣١ ، ٢٤٣ أبواب أحكام الهبات ب ٣ ح ١ ، ب ١٠ ح ١.

(١) المبسوط ٣ : ٣١٤.

(٢) الكافي ٤ : ٥٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٥٨ / ١٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ / ١٠٦ ، الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ / ١٠٩ ، الوسائل ٩ : ٢٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٣ وفي الجميع : لنظرائهم.

(٤) منهم : العلاّمة في الإرشاد ١ : ٤٥٥ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٢٢ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ٣ ) : ١٩١.

(٥) المسالك ١ : ٣٦٣.

١٩٩

بإطلاق تلك المستفيضة.

والأصح وفاقاً لجماعة كالمسالك وغيره (١) الحلّية ؛ لأصالة الإباحة ، واختصاص إطلاقات النصوص بحكم التعليل في بعضها بأنها أوساخ أيدي الناس ، والتبادر في باقيها بالزكاة الواجبة.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا ، فأمّا غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة ، هذه المياه عامّتها صدقة » (٢) وبمعنى ذيلها رواية أُخرى صحيحة (٣).

والمتبادر من الواجبة هي الزكاة المفروضة ؛ لكونها المعروفة الشائعة المنساق إليها اللفظ من دون قرينة ، مع إشعار الرواية بها من حيث وصفها فيها بالواجبة على الناس ، هذا.

مع أنه صرّح بالحصر فيها في خبرين ، في أحدهما : عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : « هي الزكاة » قلت : فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال : « نعم » (٤).

ونحوه الثاني : عن الصدقة المحرّمة عليهم ما هي؟ فقال : « الزكاة المفروضة » (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٦٣ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٣٩ ، والكفاية : ١٤٣ ، والحدائق ٢٢ : ٢٧١.

(٢) الكافي ٤ : ٥٩ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٢ / ١٦٦ ، الوسائل ٩ : ٢٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٦١ / ١٦٥ ، الوسائل ٩ : ٢٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣١ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٥٩ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٨ / ١٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ / ١٠٧ ، المقنع : ٥٥ ، الوسائل ٩ : ٢٧٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ / ١٠٨ ، الوسائل ٩ : ٢٧٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٤.

٢٠٠