رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

أو إذا كان كبيراً خاصة ، كما في الثاني : عن رجل وهب لابنه شيئاً ، أيصلح أن يرجع فيه؟ قال : « نعم ، إلاّ أن يكون صغيراً » (١).

ففيهما بعد ما عرفت من عدم التكافؤ ، سيّما مع قصور سند الثاني أن الحكم فيه بالرجوع في هبة الولد الكبير لعلّه إنما هو من حيث عدم القبض ، بأن يكون الموهوب بالغاً ولم يقبض ، ولهذا حكم بلزوم الهبة للصغير من حيث إن الأب قابض له كما مرّ.

وبنحوه يقال في الصحيح : من أنه يحتمل أن يكون الرجوع إنما هو من حيث كون الهبة غير صحيحة ؛ إمّا لكونها هبة لما في الذمّة لغير من هو عليه ، وهو فاسد في المشهور بين الطائفة ، وإن اختار فيها الصحة جماعة (٢) ، لأدلّة منها : خصوص هذه الرواية ، نظراً إلى ظهور دلالتها عليها بلا شبهة ، كما يعرب عنه قوله عليه‌السلام : « ثم نزعه ». أو لأن من شرطها القبض ولم يحصل ، فهي وإن انتقلت إليه بالعقد إلاّ أنه انتقال متزلزل مراعى لزومه بالقبض.

واعلم أن المراد بالرحم في هذا الباب وغيره كالرحم الذي يجب صلته ويحرم قطعه مطلق القريب المعروف بالنسب وإن بَعُدت لحمته وجاز نكاحه ، وفي المسالك أنه موضع نصّ ووفاق (٣).

وقيل : إنه من يحرم نكاحه خاصّة. وهو شاذّ محجوج بما ذكره من الاتفاق على خلافه فتوًى ورواية ؛ مضافاً إلى مخالفته العرف بلا شبهة.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٥٧ / ٦٤٦ ، الإستبصار ٤ : ١٠٦ / ٤٠٢ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٥ أبواب أحكام الهبات ب ٥ ح ١.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ٣ : ٣١٤ ، والحلّي في السرائر ٣ : ١٧٦ ، والعلاّمة في المختلف ٤٨٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٠٣.

(٣) المسالك ١ : ٣٧١.

٢٢١

( ولو وهب أحد الزوجين ) الأجنبيّين ( الآخر ) شيئاً وأقبضه منه ( ففي الرجوع ) له فيه ( تردّد ) ينشأ من الأصل ، وعموم الوفاء بالعقد ، والمستفيضة المتقدمة المانعة عن الرجوع في مطلق الهبة ، وخصوص الصحيح : « لا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته ولا المرأة فيما تهبه لزوجها ، حيز أو لم يُحَز ، لأن الله تعالى يقول ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) (١) وقال ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) (٢) وهذا يدخل فيه الصداق والهبة » (٣).

ومن المعتبرة المستفيضة المتقدمة الحاكمة بجواز الرجوع في مطلق الهبة ، وخصوص الصحاح المتقدمة المصرّحة بجواز الرجوع في الهبة لمطلق من ليس له قرابة ، فيخصّ بها عموم الأدلّة السابقة المانعة ، كما خصّصت بها فيمن عدا الزوجين من مطلق غير ذي قرابة ، ويحمل بها الصحيحة الخاصة على الكراهة الشديدة ، أو على الزوجين اللذين لهما قرابة.

ولا يمكن أن يخصّص بهذه إطلاقات تلك الصحاح ؛ لفقد التكافؤ ، لاعتضادها دون هذه بالكثرة ، والشهرة العظيمة ، والإجماع المحكي الذي سيأتي إليه الإشارة.

مع وهن هذه بتضمّنها اللزوم مطلقاً ولو لم تكن الهبة مقبوضة ، ولم يقل به أحد من الطائفة ، كما اعترف به جماعة (٤).

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) النساء : ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٥٢ / ٦٢٤ ، الإستبصار ٤ : ١١٠ / ٤٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٩ أبواب أحكام الهبات ب ٧ ح ١.

(٤) منهم : المحقق الكركي في جامع المقاصد ٩ : ١٦١ ، والشهيد في المسالك ١ : ٣٧٥ ، وصاحب الحدائق ٢٢ : ٣٣٣.

٢٢٢

مع تضمّن صدرها الذي لم ننقله هنا جواز الرجوع في الهبة مطلقاً (١) ، وعمومه يشمل ما لو كانت لذي قرابة ، وفيه مخالفة للإجماعات المحكيّة.

مضافاً إلى الأدلّة المتقدمة ، وهي وإن خصّصت بها إلاّ أن التخصيص كما تقدّمه من الشذوذ عيب يوجب المرجوحية في مقام التعارض بين الأدلّة ، وإن لم يخرج الرواية عن الحجّية في نفسها ، هذا.

مع قوة احتمال معارضتها بخصوص الصحيح : عن رجل كانت له جارية ، فآذته امرأته فيها فقال : هي عليك صدقة ، فقال : « إن كان ذلك لله تعالى ، فليمضها ، وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها » (٢).

وهو وإن ورد في الصدقة ، إلاّ أن الظاهر عدم الفرق بينها وبين الهبة من هذه الجهة ، ولعله لهذا أن شيخنا في التهذيب رواه في كتاب الهبة والصدقة.

فإذاً ( أشبهه ) الجواز مع ( الكراهة ) وفاقاً للطوسي والحلّي وابن زهرة العلوي (٣) مدّعياً عليه إجماع الإمامية ؛ وهو الحجة الزائدة على ما قدّمناه من الأدلّة ، المؤيّدة بالشهرة المحكية في عبائر جماعة (٤) ، وبحكاية إجماع الانتصار المتقدّمة (٥) ، الدالة على جواز الرجوع في مطلق الهبة ، وهو‌

__________________

(١) تقدّم في ص ٢٠٢ الرقم (١).

(٢) الكافي ٧ : ٣٢ / ١٢ ، التهذيب ٩ : ١٥٣ / ٦٢٨ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٠ أبواب أحكام الهبات ب ٧ ح ٢.

(٣) الطوسي في المبسوط ٣ : ٣٠٩ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٧٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٤) منهم : صاحب الحدائق ٢٢ : ٣٣٢ ، ونسبه في المفاتيح ٣ : ٢٠٤ إلى الأكثر.

(٥) راجع ص : ٢١٦.

٢٢٣

وإن كان لما قدّمناه غير صالح للحجّية ، إلاّ أنه قابل هنا للاعتضاد والتقوية.

خلافاً لجماعة من المتأخّرين ، كالفاضل في التذكرة وولده في شرح القواعد والشهيد الثاني (١) ، وربما مال إليه الأوّل في النكت على الإرشاد (٢) ، فاختاروا المنع.

والعجب من صاحب الكفاية ، حيث اختار هذا القول للصحيحة المتقدّمة وجوّز الرجوع في الهبة لذي القرابة (٣) ، مع أن الصحاح المتقدمة أقوى من هذه بمراتب عديدة من حيث الكثرة ، والاعتضاد بالشهرة ، والإجماعات المحكية ولو في الجملة.

فلو كانت هذه الصحيحة مع ما هي عليه مما قدّمنا إليه الإشارة تصلح لتخصيص المعتبرة الثلاث المتقدمة وما في معناها المبيحة للرجوع في مطلق الهبة كما ذكره فأولى أن تكون تلك الصحاح لصرفها عن ظاهرها بما قدّمناه صالحة. وإن كانت المعتبرة الثلاث أقوى منها لا يصلح صرفها بها إلى ما ذكرنا ، فهي لأن تكون أقوى من هذه الصحيحة لا يصلح تخصيصها بها أولى بمراتب شتّى.

وليت شعري ما الداعي له على هذا وترجيح هذه الصحيحة على تلك المعتبرة المرجّحة عنده على تلك الصحاح وما في معناها المستفيضة؟! مع اشتراكها مع تلك الصحاح في وجه المرجوحية ، بل وأدون منها بمراتب عديدة ، واحتمالها الحمل على الكراهة المرجّح عنده على حمل المطلق على المقيّد بعنوان الكلية في مواضع كثيرة ولو لم يوجد له فيها شاهد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٨ ، إيضاح الفوائد ٢ : ٤١٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٧٤.

(٢) حكاه عنه في الحدائق ٢٢ : ٣٣٣.

(٣) الكفاية : ١٤٣.

٢٢٤

ولا قرينة ، فتأمّل.

( و ) يجوز أن ( يرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين ) الموهوبة ( باقية ) ولم يتصرف فيها بشي‌ء بالكلّية ( ما لم يعوض عنها ) أو يقصد بها التقرّب إلى الله تعالى ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية والمختلف والتنقيح وغيرها من كتب الجماعة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدمة الدالة على جواز الرجوع فيها مطلقا ، أو إذا كانت لغير ذوي القرابة خاصة (٢).

وأمّا ما عارضها من النصوص المستفيضة الدالّة على حرمة الرجوع فيها مطلقا ، وأنه كالراجع في قيئه (٣) فمع قصور سند أكثرها محمولة على الكراهة ، أو مقيّدة بالهبة لذوي القرابة ، كما مرّت إليه الإشارة ، أو الهبة التالفة ، أو المعوض عنها ، أو المتقرّب بها إلى الله تعالى ، فإنه لا خلاف في لزوم هذه الثلاثة وحرمة الرجوع فيها بعد القبض وإن لم يتصرف فيها بالكلّية ، بل عليه الإجماع في الغنية والتنقيح والمهذّب وعن التذكرة (٤) ، لكن الأخيرين نقلاه في الأُولى خاصة ؛ وهو الحجة المخصّصة لتلك الصحاح.

مضافاً إلى أصالة براءة ذمّة الموهوب له عن عوضها في الاولى ، مع خصوص الصحيح فيها أيضاً : « إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، المختلف : ٤٨٥ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٤٥ ؛ وانظر السرائر ٣ : ١٧٣ ، وكشف الرموز ٢ : ٥٨.

(٢) راجع ص : ٢١٥.

(٣) المتقدمة في ص : ٢١٥.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٤٥ ، المهذب البارع ٤ : ٧٥ ، التذكرة ٢ : ٤١٨.

٢٢٥

فيها ، وإلاّ فليس له » (١).

وخصوص الصحيحين في الثانية ، في أحدهما : « إذا عوض صاحب الهبة فليس له أن يرجع » (٢) وفي الثاني : « تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب ، ويرجع في غير ذلك إن شاء » (٣).

وإطلاقهما كصريح المعتبرة في الثالثة ، منها الصحيح ، ونحوه الموثق : « لا ينبغي لمن أعطى لله شيئاً أن يرجع فيه ، وما لم يعط لله وفي الله فإنه يرجع فيه ، نحلة كانت أو هبة ، حيزت أو لم تُحَز » (٤).

وفي الخبر : هل لأحدٍ أن يرجع في صدقته أو هبته؟ قال : « أمّا ما تصدّق به لله تعالى فلا » (٥). الحديث.

وإطلاقات الإجماعات المحكيّة كالصحيحة في الأُولى تقتضي عدم الفرق في اللزوم بين كون التلف من المتّهب أو من الله تعالى ، وكون التالف تمام الهبة أو بعضها ، وبالأمرين صرّح جماعة من أصحابنا (٦).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٢ / ١١ ، التهذيب ٩ : ١٥٣ / ٦٢٧ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١٢ ، الوسائل ١٩ : ٢٤١ أبواب أحكام الهبات ب ٨ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٣ / ١٩ ، التهذيب ٩ : ١٥٤ / ٦٣٢ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٢ أبواب أحكام الهبات ب ٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ١٥٥ / ٦٣٦ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٧ أبواب أحكام الهبات ب ٦ ح ١.

(٤) الصحيح : الكافي ٧ : ٣٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٥٢ / ٦٢٤ ، الإستبصار ٤ : ١١٠ / ٤٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٣١ أبواب أحكام الهبات ب ٣ ح ١.

الموثق : الكافي ٧ : ٣٠ / ٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٣ / ٦٢٥ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١١ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٣ أبواب أحكام الهبات ب ١٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٩ : ١٥٧ / ٦٤٥ ، الإستبصار ٤ : ١٠٦ / ٤٠٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٨ أبواب أحكام الهبات ب ٦ ح ٣.

(٦) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ١٥٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٧١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤٥.

٢٢٦

لكن ينبغي أن يقيّد البعض بالذي يصدق مع تلفه على الهبة أنها غير قائمة بعينها ، لا ما لا يصدق معه ذلك عليها ، كسقوط ظفر أو نحوه من العبد الموهوب مثلاً ، فإن معه لا يقال : إنه غير قائم بعينه ، جدّاً.

وإطلاقات الإجماعات المزبورة كالصحيحين في الثانية تقتضي عدم الفرق في لزومها بالتعويض بين اشتراطه في العقد أو وقوعه بعده ، بأن وقع العقد مطلقاً إلاّ أنه بذل له العوض بعد ذلك وأعطاه.

لكنهم كما قيل صرّحوا بأنه لا يحصل التعويض بمجرّد البذل ، بل لا بُدّ من قبول الواهب له ، وكون البذل عوضاً عن الموهوب ، قالوا : لأنه بمنزلة هبة جديدة ولا يجب عليه قبولها (١).

ومقتضاهما أيضاً عدم الفرق في العوض بين كونه قليلاً أو كثيراً ، من بعض الموهوب أو غيره ، وصرّح به في المسالك ، قال : عملاً بالإطلاق ، والتفاتاً إلى أنه بالقبض بعد العقد مملوك للمتّهب فيصحّ بذله عوضاً عن الجملة (٢).

ويمكن أن يقال : إن المتبادر من المعاوضة هو كون أحد العوضين غير الآخر ، ولو تمّ ما ذكره للزم أنه لو دفعه المتّهب بجميعه إلى الواهب بعد القبض لصدق المعاوضة ، مع أنه لا يسمّى ذلك معاوضة عرفاً ، وإنما يسمى ردّاً ، ولا فرق بين دفع البعض ودفع الكل ، فإن كان ما ذكره إجماعاً ، وإلاّ فإنّ للمناقشة فيه كما عرفت مجالاً.

( وفي ) جواز ( الرجوع ) للواهب في هبته للأجنبي بعد القبض ( مع التصرف ) منه فيها في غير الصور الثلاث المستثناة ( قولان ،

__________________

(١) الحدائق ٢٢ : ٣٣٠.

(٢) المسالك ١ : ٣٧٢.

٢٢٧

أشبههما : الجواز ) مطلقاً ، وفاقاً للإسكافي والديلمي والحلبي وابن زهرة العلوي (١) مدّعياً عليه إجماع الإمامية ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة ، وهي : جواز الرجوع فيها الثابت بما تقدّم من الأدلّة.

وعموم النصوص المتقدمة الدالّة على جوازه في مطلقها ، خرج منها ما مضى وبقي ما عداه فيه داخلاً.

وثانيهما : القول بالمنع ، إمّا مطلقاً ، كما عن الشيخين والقاضي والحلّي وأكثر المتأخّرين (٢) ، أو إذا كان التصرّف مُخرِجاً للهبة عن ملكه ، أو مغيّراً لها عن صورتها ، كقصارة الثوب ونجارة الخشب ونحوهما ، أو وطئاً لها ، والجواز في غير ذلك ، كركوب الدابة والسكنى واللبس ونحوها من الاستعمالات ، كما عن ابن حمزة والدروس وجماعة من المتأخّرين (٣) ، وزاد الأوّل فقال : لا يقدح الرهن والكتابة. وهو يشمل بإطلاقه ما لو عاد إلى ملك الواهب وعدمه.

وحجة هذا القول مطلقاً ومقيّداً غير واضحة ؛ عدا روايات قاصرة أكثرها سنداً ، وجميعها دلالةً. ووجوه هيّنة ، واعتبارات ضعيفة لا تصلح للحجّية ، سيّما في مقابلة ما مرّ لما في العبارة من الأدلّة في الأوّل ،

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٨٦ ، الديلمي في المراسم : ١٩٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٢٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٥٨ ، الطوسي في النهاية : ٦٠٣ ، القاضي في المهذب ٢ : ٩٥ ، الحلّي في السرائر ٣ : ١٧٣ ؛ وانظر كشف الرموز ٢ : ٥٨ ، والمختلف : ٤٨٦ ، وإيضاح الفوائد ٢ : ٤١٥.

(٣) ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٩ ، الدروس ٢ : ٢٨٧ ؛ وانظر جامع المقاصد ٩ : ١٦٠ ، والمسالك ١ : ٣٧٣ ، وكفاية الأحكام : ١٤٥.

٢٢٨

والصحيحة المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : « إذا كانت الهبة قائمة بعينها » إلى آخرها ، المتقدم إليها الإشارة (١) في الثاني.

ولا تخلو من شبهة ، لا بحسب السند كما توهّم ؛ لكونه من الصحيح على الصحيح ، وعلى تقدير التنزّل فهو حسن كالصحيح ، ومثله حجّة على الصحيح.

بل بحسب التكافؤ لما تقدّم من الأدلّة لما في العبارة ؛ لكونها صحاحاً ومعتبرة مستفيضة ، معتضدة بالأصل وإجماع الغنية (٢) اللذين كل منهما حجّة أخرى مستقلة ، دون هذه الصحيحة ، لوحدتها ، وندرة القائل بها بتمامها.

مع ما هي عليه من قصور الدلالة بإثبات جميع ما عليه هذه الجماعة ، يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره شيخنا في المسالك فقال في وجه الإشكال فيها :

وأمّا الدلالة فتظهر في صورة نقلها عن الملك مع قيام عينها بحالها ، فإنّ إقامة النقل مقام تغيّر العين أو زوالها لا تخلو من تحكّم أو تكلّف ، بل قد يدّعى قيام العين ببقاء الذات مع تغيّر كثير من الأوصاف فضلاً عن تغيّر يسير. وأيضاً : فأصحاب هذا القول ألحقوا الوطء مطلقاً بالتغيّر مع صدق بقاء العين بحالها معه ، اللهمّ إلاّ أن يدّعى في الموطوءة عدم بقاء عينها عرفاً ، وليس بواضح ، أو يخصّ بما لو صارت أم ولد ، فإنها تنزّل منزلة التالفة من حيث امتناع نقلها من ملك الواطئ.

ثم قال : وعلى كل حال فتقييد تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الواضحة الدلالة بمثل هذا الخبر البعيد الدلالة في كثير من مدّعيات التفصيل‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٢٤.

(٢) راجع ص : ٢٢٧.

٢٢٩

لا يخلو من إشكال ، إلاّ أنه أقرب من القول المشهور باللزوم مطلقاً.

والذي يظهر أن الاعتماد عليه أوجه حيث تظهر دلالته بصدق التغيّر ؛ لأنه من أعلى درجات الحسن ، بل قد عدّه الأصحاب من الصحيح في كثير من الكتب إلى أن قال ـ : وتبقى تلك الأخبار السابقة من كون الراجع في هبته كالراجع في قيئه (١) فإن له طريقاً صحيحاً وإن كانت أكثر طرقه ضعيفة وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (٢) كالشاهد له ، فيكون في ذلك إعمال لجميع الأخبار ، وهو خير من اطراح هذا الخبر المعتبر والباقية (٣). إلى آخر ما ذكره.

وهو حسن لولا إجماع الغنية (٤) ، الذي هو في حكم رواية صحيحة صريحة في خلاف ما دلّت عليه تلك الصحيحة ، ومع ذلك بإجماع المرتضى المتقدم (٥) معتضدة.

مع أن المصير إليها كما ذكره من الاقتصار فيها على ما تظهر دلالته بصدق التغيّر عرفاً خاصة لعله إحداث قول رابع قد منعت عنه الأدلّة القاطعة.

إلاّ أن يذبّ عن إجماع الغنية بوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه ، وعما بعده بالمنع عن كون مثله إحداث قول ممنوع منه ، بل هو حيث يكون ما عدا المحدَث مجمعاً عليه ، وأنّى لكم بإثبات القطع بذلك.

__________________

(١) راجع ص : ٢١٥.

(٢) التهذيب ٩ : ١٥٨ / ٦٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠٩ / ٤١٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٤ أبواب أحكام الهبات ب ١٠ ح ٤.

(٣) المسالك ١ : ٣٧٣.

(٤) المتقدم في ص : ٢٢٧.

(٥) في ص : ٢١٦.

٢٣٠

وكيف كان ، فينبغي القطع بجواز الرجوع مع التصرف الذي لا يصدق معه على العين أنها غير قائمة بعينها ، وأمّا فيما عداه فمحل إشكال ، سيّما إذا صدق معه عليها أنها غير قائمة بعينها.

والاحتياط فيه بل لعلّه اللازم عدم الرجوع ، ولو احتيط به مطلقاً كان أولى ، بل الاحتياط كذلك متعين جدّاً ؛ لدعوى الخلاف على المنع مطلقاً إجماعنا وأخبارنا (١) ، وارتضاها الحلّي في السرائر (٢) ، وصرّح بالإجماع أيضاً بعض أصحابنا (٣) ، ونسبه في المبسوط أيضاً إلى روايات أصحابنا (٤).

فالقول بالجواز مع ذلك سيّما مع الشهرة العظيمة المحققة والمحكية مشكل جدّاً.

كما أن اختيار هذا القول كذلك أيضاً ؛ لكثرة أدلّة القول بالجواز : من الأصل ، والصحاح ، وخصوص إجماع الغنية وعموم إجماع المرتضى.

مع الوهن في أخبار الخلاف والمبسوط ؛ لعدم وجود شي‌ء منها في كتب أخبارنا التي منها كتاباه ، فدليل المنع القوي هو الإجماع المحكي ، وهو معارض بمثله من الإجماع والصحاح ، فتبقى المسألة في قالب الشك ، فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل الذي هو الجواز مطلقاً ، كما قدّمناه ، فتأمّل جدّاً.

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٥٧١.

(٢) السرائر ٣ : ١٧٣.

(٣) انظر كشف الرموز ٢ : ٥٨.

(٤) المبسوط ٣ : ٣٠٩.

٢٣١
٢٣٢

( كتاب السبق )

هو بسكون الباء : المصدر ، والمسابقة هي إجراء الخيل وشبهها في حَلْبة (١) السباق ليعلم الأجود منها والأفرس من الرجال والمتسابقين.

وبتحريك الباء : العوض المجعول رهناً ، ويسمّى الخَطَر والندَب والرمي.

( والرماية ) هي : المفاضلة بالسهام ليعرف حذق الرامي ومعرفته بمواقع الرمي.

( ومستند ) شرعيّت ( هما ) بعد ( قوله عليه‌السلام ) المروي من طرق العامة والخاصة بأسانيد معتبرة ، تضمّنت الصحيح وغيره : ( لا سبق إلاّ في نصلٍ أو خفّ أو حافرٍ ) (٢) الكتاب ، والسنة ، وإجماع الأُمة المحكي بعنوان الاستفاضة في كتب الجماعة ، كالتذكرة والمهذب والتنقيح والمسالك ، وغيرها من كتبهم المعتبرة (٣).

قال سبحانه ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (٤). وفي المرفوع لعبد الله بن المغيرة وقد أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة في تفسيره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه‌

__________________

(١) الحَلْبَةُ وزان سَجْدَة : خيل تُجمع للسّباق من كلّ أوْبٍ ولا تخرجُ من واحد. المصباح المنير ١ : ١٤٦.

(٢) الوسائل ١٩ : ٢٥٢ أبواب أحكام السبق والرماية ب ٣ ؛ وانظر سنن أبي داود ٣ : ٢٩ / ٢٥٧٤.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٥٣ ، المهذب البارع ٣ : ٨٠ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٤٨ ، ٣٥٠ ، المسالك ١ : ٣٧٨ ؛ وانظر التحرير ١ : ٢٦١.

(٤) الأنفال : ٦٠.

٢٣٣

الرمي (١).

وقال عزّ ذكره حكايةً عن إخوة يوسف : ( يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا ) (٢). وهو ظاهر في شرعيّة السباق في الجملة ، والأصل بقاؤها ولو لهذه الأُمّة.

والسنة زيادة على ما مرّ بهما مستفيضة من طرق العامة والخاصة ، مروية في كتب أخبارنا الثلاثة في الجهاد وغيره ، وهي وإن قصرت أسانيدها عن الصحّة ، بل وعن الحجّية ، إلاّ أنها منجبرة بالاستفاضة ، وبما قدّمناه من الأدلّة :

منها : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجرى الخيل التي أضمرت من الحصباء » وفي بعض النسخ الحفياء (٣) « إلى مسجد بني زريق وسبقها من ثلاث نخلات ، فأعطى السابق عَذقاً ، وأعطى المصلّي (٤) عذقاً ، وأعطى الثالث عذقاً » (٥).

ومنها : « إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضّة » (٦).

ومنها : « إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان ، وتلعن صاحبه ما خلا الحافر‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٩ / ١٢ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٢ أبواب أحكام السبق والرماية ب ٢ ح ٣.

(٢) يوسف : ١٧.

(٣) حفياء : بالفتح ثم السكون وياء وألف ممدودة : موضع قرب المدينة ، أجرى منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخيل في السباق. معجم البلدان ٢ : ٢٧٦.

(٤) المُصَلّى في خيل الحَلْبة : هو الثاني ، سُمّى به لأنّ رأسه يكون عند صلا الأوّل ، وهو عن يمين الذَّنَب وشِماله. النهاية ٣ : ٥٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٨ / ٥ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٤ أبواب أحكام السبق والرماية ب ٤ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ٤٩ / ٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٥ أبواب أحكام السبق والرماية ب ٤ ح ٢.

٢٣٤

والخفّ والريش والنصل ، فإنّه تحضره الملائكة ، وقد سابق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُسامة بن زيد وأجرى الخيل » (١).

وقريب منه خبران آخران ، إلاّ أنه اقتصر في أحدهما بقوله عليه‌السلام : « ليس شي‌ء تحضره الملائكة إلاّ الرهان وملاعبة الرجل بأهله » (٢).

وفي الصحيح : إن مولانا الصادق عليه‌السلام كان يحضر الرمي والرهانة (٣).

وفائدتهما بعث النفس على الاستعداد للقتال والهداية لممارسة النضال.

( ويدخل تحت النصل السهام والحراب ) جمع حربة ، وهي : الآلة ( والسيف ) وربما زيد النُّشّاب ، مع أنه والأوّل واحد كما عن الصحاح (٤).

ولذا قيل في عطفه على الأوّل : إنه من قبيل عطف المرادف (٥).

وعن ظاهر الشيخ أنه باعتبار اختلاف اللغات ، فيقال للنصل : نُشّابة عند العجم ، وسهم عند العرب ، وأنه زاد المزاريق قال : وهي الردينيات والرماح والسيوف (٦).

وحصر النصل في الأُمور المزبورة هو المعروف في العرف واللغة ، فلا يدخل فيه الدبّوس والعصا والمرافق إذا جعل في رأسها حديدة ، على‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٤٢ / ١٣٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٥١ أبواب أحكام السبق والرماية ب ١ ح ٦.

(٢) أحدهما في : الكافي ٥ : ٤٩ / ١٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٠ أبواب أحكام السبق والرماية ب ١ ح ٤.

والآخر في :

التهذيب ٦ : ٢٨٤ / ٧٨٥ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٣ أبواب أحكام السبق ب ٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٥٠ / ١٥ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٢ أبواب أحكام السبق والرماية ب ٢ ح ٤.

(٤) الصحاح ١ : ٢٢٤.

(٥) المسالك ١ : ٣٨١.

(٦) حكاه عنه في الحدائق ٢٢ : ٣٦٣ ، وانظر المبسوط ٦ : ٢٩٠.

٢٣٥

إشكال فيه أشار إليه في الكفاية (١).

( و ) يدخل ( تحت الخفّ الإبل ) بلا خلاف حتى من العامّة ؛ لشمول اللفظة لها ، مع مشاركتها الخيل في المعنى المطلوب منها حالة الحرب : من الانعطاف وسرعة الأقدام ؛ ولأن العرب يقاتل عليها أشدّ القتال.

وكذلك الفيلة عندنا وعند أكثر العامّة ، كما في المسالك ، قال : لدخولها تحت اسم الخف أيضاً ويقاتل عليها كالإبل. وذهب بعضهم إلى المنع منها ؛ لأنه لا يحصل بها الكرّ والفرّ ، فلا معنى للمسابقة عليها ، قال : والخبر حجّتنا عليهم (٢).

وفيه نظر ؛ فإن غايته الإطلاق ، وفي انصرافه إليها مع ندرتها سيّما في بلاد صدوره نظر. ومقتضى الأُصول التي أسّسوها من غير خلاف يعرف بينهم فيها من مخالفة هذه المعاملة للأُصول ، وأنه يقتصر في إباحتها على القدر المتيقن منها والمنقول ، عدم جواز المسابقة عليها.

ولعلّ في ترك الماتن لها إشعاراً بذلك ، إلاّ أن يكون ذلك منه اقتصاراً على الغالب.

وكيف كان ، فإن كان ما ذكره إجماعاً كما ادّعاه ، وإلاّ فللنظر فيه مجال ، مع أن الأحوط ترك المسابقة عليها بلا إشكال.

( و ) يدخل ( تحت الحافر الخيل ) بلا خلاف حتى من العامة ، وعن الإسكافي وفي المسالك الإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى التيقّن‌

__________________

(١) الكفاية : ١٣٧.

(٢) المسالك ١ : ٣٨١.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٨٤ ، المسالك ١ : ٣٨١.

٢٣٦

بدخوله في إطلاق الرواية.

( و ) كذا ( البغال والحمير ) بلا خلاف عندنا ، كما في المسالك ، قال : لدخولها تحت الحافر ، وصلاحيّتها للمسابقة عليها في الجملة ، وخالف فيهما بعض العامّة ، لأنهما لا يقاتل عليهما ولا يصلحان للكرّ والفرّ ، قال : والنص حجّة عليه (١).

وفيه ما مرّ من النظر بعد الالتفات إلى ما ذكروه في فائدة مشروعيّة السباق مما تقدم ذكره ، ولا ريب أن الغالب في الحافر الذي يحارب عليه إنما هو الخيل ، ولذا اقتصر عليه في النصوص المتقدمة.

ويشير إليه ما حكاه بعض الأجلّة (٢) من أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يركب في الحرب بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعوتب على ذلك ، فقال : « إنّي لا أفرّ عمن أقبل ولا اتبع من أدبر ، والبغلة تكفيني » (٣).

فيشكل حمل النص على غيره ، مع مخالفة السباق عليه الأصل المتقدم ، والصلاحية للمسابقة في الجملة غير مُجدٍ فائدة بعد عدم ظهور الدخول في إطلاق الرواية ، فلم يبق إلاّ نفي الخلاف الذي ادّعاه ، فإن تمّ ، وإلاّ كما هو الظاهر ، لأنه في المختلف وغيره (٤) حكي الخلاف في المسابقة عليهما عن الإسكافي فالرجوع إلى الأصل المتقدم أولى.

( ولا يصح ) المسابقة ( في غيرها ) أي غير الثلاثة المزبورة ، بل يحرم مع العوض ، بإجماعنا ، كما في المهذب والتنقيح والمسالك وعن‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٨١.

(٢) الحدائق ٢٢ : ٣٦٣.

(٣) بحار الأنوار ٤٢ : ٥٩.

(٤) المختلف : ٤٨٤ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٣٥٤.

٢٣٧

التذكرة (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى أنه قمار منهي عنه في الشريعة ، وخصوص الحصر المستفاد من الرواية المتضمنة للرخصة في الثلاثة (٢) ، ونحوها الخبر ، بل هو في الدلالة على التحريم أظهر : « إن الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش ، وما عدا ذلك قمار حرام » (٣).

وقصور سنده كبعض ما تقدّمه منجبر بالعمل.

وفي جوازها بدونه إشكال ينشأ من اختلاف الروايات في فتح الباء من لفظ السبق وسكونه ، فإنه على الأوّل بمعنى العوض المبذول للعمل ، وعلى الثاني بمعنى المصدر كما مرّ ، والأوّل هو المشهور ، كما في المسالك (٤) وغيره ، والموافق للأصل المعتمد عليه ، ولذا اختاره الشهيد الثاني ، مع تأيّده بأصالة جواز الفعل ، فيجوز المسابقة بنحو الأقدام ، ورمي الحجر ورفعه ، والمصارعة ، والآلات التي لا تشتمل على نصل ، والطيور ، ونحو ذلك بغير عوض.

ولكن الأشهر خلافه ، بل ظاهر المهذب والمحقق الثاني وصريح المحكي عن التذكرة (٥) أن عليه إجماع الإمامية في جميع الأُمور المذكورة.

فالمنع أظهر ؛ لحجّية الإجماع المنقول ، سيّما مع التعدّد ، والاعتضاد‌

__________________

(١) المهذب البارع ٣ : ٨١ ٨٢ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٥٠ ، المسالك ١ : ٣٨١ ، التذكرة ٢ : ٣٥٤.

(٢) المتقدمة في ص : ٢٣١.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٨٤ / ٧٨٥ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٣ أبواب السبق والرماية ب ٣ ح ٣.

(٤) المسالك ١ : ٣٧٨.

(٥) المهذب البارع ٣ : ٨٢ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٣٢٦ ، التذكرة ٢ : ٣٥٤.

٢٣٨

بالشهرة ، وبما دلّ على حرمة اللهو واللعب (١) ، لكون المسابقة في المذكورات منهما بلا تأمّل ، وخصوص ما مرّ من المعتبرة (٢) المنجبر قصور سندها بالشهرة ، بل وعمل الكلّ ولو في الجملة ، الدالّة على تنفّر الملائكة عند الرهان ولعنها صاحبه ما خلا الثلاثة ، مع تصريح الرواية السابقة بأن ما عداها قمار محرّم.

ودعوى توقّف صدق القمار والرهانة على بذل العوض غير معلوم الصحة ، مع صدقهما سيّما الرهانة بدونه عرفاً وعادة.

ويحتمل قوياً أن يجعل جميع ذلك قرينة لصحة النسخة الثانية من سكون الباء من لفظ السبق في الرواية. ودلالتها على عدم الصحة بل وعلى الحرمة ظاهرة ؛ لعدم إمكان إرادة نفي الماهيّة ، فليحمل على أقرب المجازات ، وهو إمّا نفي جميع أحكامها التي منها الصحة والمشروعية ، أو نفيهما خاصّة ، لأنه المتبادر من نفي الماهية بلا شبهة ، سيّما مع الاعتضاد بما قدّمناه من الأدلة على الحرمة.

وبما ذكرناه يظهر الجواب عما أورده في الكفاية على الرواية ، من أنها لا دلالة لها على الحرمة على النسختين ، قال : بل يحتمل غيرها ، فإنه على الفتح يحتمل أن لا لزوم ، أو أن لا تملّك ، أو لا فضل للسبق والعوض إلاّ في هذه الثلاثة من بين الأفعال التي يسابق عليها ، وعلى هذا لا دلالة لها على تحريم الفعل والملاعبة مع العوض أيضاً في غير الثلاثة ، بل لا يدل على تحريم العوض أيضاً. وعلى السكون يحتمل أن يكون معناها : لا اعتداد بسبق في أمثال هذه الأُمور إلاّ في الثلاثة ، أو لا فضل لسبق إلاّ في‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٧ : أبواب ما يكتسب به الأبواب ٣٥ ، ١٠٠ ، ١٠٤.

(٢) راجع ص : ٢٣٢.

٢٣٩

الثلاثة ، فلا تكون دالة على التحريم (١). انتهى كلامه.

وهو كما ترى المناقشة فيه بعد ما قدّمناه واضحة ، فإنه لا ريب أن هذه الاحتمالات التي ذكرها بعيدة غير متبادرة ، ولذا أن أحداً من الأصحاب لم يشر إلى جريان شي‌ء منها في الرواية ، بل أطبقوا على دلالتها على الحرمة ، وإنما اختلفوا لاختلاف النسخة في متعلّقها ، هل هو العوض خاصة ، أو نفس الرهانة؟ وأين هذا الإطباق من صحة ما ذكره؟ بل ينبغي القطع بفساده ، سيّما مع ما عرفت من الروايات بل الأدلة الأُخر الظاهرة في الحرمة ، وأخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض.

وأمّا ما ربما يستدل لجواز المسابقة بالطيور والمصارعة من الأخبار الدالة عليه كالروايات الثلاث (٢) النافية للبأس عن قبول شهادة اللاعب بالحمام إذا لم يُعرف بفسقٍ في الأُولى ، مضافاً فيها إلى الخبرين المتقدمين (٣) المرخّصين لها في الريش ، وهو الطيور ؛ وكالروايات المروية في الأمالي وغيره الدالّة على أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين عليهما‌السلام بالمصارعة (٤) في الثانية.

فضعيف غايته ؛ لضعف الروايات المزبورة جملة سنداً في أنفسها ، فكيف يمكن أن يحتجّ بها ، سيّما في مقابلة ما قدّمنا من الأدلّة القويّة.

مضافاً إلى ضعفٍ في دلالتها ، فإن اللعب بالحمام أعمّ من السباق‌

__________________

(١) الكفاية : ١٣٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠ / ٨٨ ، التهذيب ٦ : ٢٨٤ / ٧٨٤ ، ٧٨٥ ، الوسائل ٢٧ : ٤١٢ ، ٤١٣ أبواب الشهادات ب ٥٤ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٣) في ص : ٢٣٢.

(٤) أمالي الصدوق : ٣٦١ ، وعنه في البحار ١٠٠ : ١٨٩ / ١ ، المستدرك ١٤ : ٨١ أبواب السبق والرماية ب ٤ ح ١.

٢٤٠