رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

وأوصت إليّ بثلث مالها ، وأمرت أن يعتق عنها ويتصدق ويحج عنها ، فنظرت فيه فلم يبلغ ، فقال : « ابدأ بالحج فإنّه فريضة من فرائض الله عزّ وجلّ ، وتجعل ما بقي طائفة في العتق ، وطائفة في الصدقة » (١) الحديث.

وهو وإن اختصّ بالحجّ الذي هو من الواجبات المالية إلاّ أن تعليل تقديمه بكونه من فرائض الله سبحانه عامّ يشمل جميع ما يوجد فيه هذه العلّة ، ولا ريب أن الصلاة من أفضل فرائض الله سبحانه ، فالحق ما ذكره الجماعة.

( ولو أوصى بأشياء تطوّعاً ، فإن رتب ) بينها ( بدئ بالأوّل حتى يستوفي الثلث وبطل ) في ( ما زاد ) عليه إن لم يجز الورثة ، بلا خلاف في الأخير ، وفي الأوّل أيضاً إذا كانت الوصية بها في وقت واحد ولم يكن فيها عتق. وأمّا مع فقد الشرطين فكذلك على الأشهر الأظهر ، كما في الكفاية وغيره (٢).

قيل : لأنّ الوصية الصادرة أوّلاً نافذة ؛ لصدورها من أهلها في محلها ، بخلاف الصادرة بعد استيفاء الثلث (٣).

والأولى الاستدلال عليه بالخبر : في رجل أوصى عند موته وقال : أعتق فلاناً وفلاناً وفلاناً حتى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم ، قال : « ينظر إلى الذين سمّاهم وبدأ بعتقهم فيقوّمون ، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شي‌ء ذكره ، ثم الثاني ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٩ / ١٤ ، الفقيه ٤ : ١٥٦ / ٥٤٣ ، التهذيب ٩ : ٢٢١ / ٨٦٩ ، الإستبصار ٤ : ١٣٥ / ٥٠٩ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٦ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٥ ح ١.

(٢) الكفاية : ١٤٦ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٤٠٤ ، والروضة ٥ : ٤٤.

(٣) الكفاية : ١٤٦.

٣٦١

ثم الثالث ، ثم الرابع ، ثم الخامس ، فإن عجز الثلث كان في الذي سمّي أخيراً لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك » (١).

وضعفه منجبر بالشهرة ، وبرواية ابن محبوب عن موجبه وهو ممن قد أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة.

ومورده وإن كان مختصّاً بما لا نزاع فيه على الظاهر ، إلاّ أن التعليل ظاهر في العموم له وللمتنازع.

خلافاً للإسكافي والمبسوط (٢) في صورة فقد الشرط الثاني خاصة ، فقدّما العتق على غيره وإن ذكر بعده.

ويمكن أن يستدل لهما بكثير من المعتبرة كالصحيحين ، في أحدهما : رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مماليكه في مرضه ، فقال : « إن كان أكثر من الثلث ردّ الى الثلث وجاز العتق » (٣) وقريب منه الثاني (٤).

والخبر : رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته وأعتق مملوكاً له ، وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث ، كيف يصنع في وصيته؟ فقال : « يبدأ بالعتق فينفذه » (٥).

لكنّها مع ضعف بعضها ضعيفة الدلالة محتملة للعتق المنجّز خاصة ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٩ / ١٥ ، الفقيه ٤ : ١٥٧ / ٥٤٥ ، التهذيب ٩ : ١٩٧ / ٧٨٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٨ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٦ ح ١.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المسالك ١ : ٣٩٤ ، المبسوط ٤ : ٤٨.

(٣) الكافي ٧ : ١٦ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢١٩ / ٨٥٩ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٧ ح ٤.

(٤) الكافي ٧ : ١٧ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٥٧ / ٥٤٦ ، التهذيب ٩ : ١٩٤ / ٧٨٠ ، الإستبصار ٤ : ١٢٠ / ٤٥٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٧ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ١٧ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٨ / ٥٤٧ ، التهذيب ٩ : ٢١٩ / ٨٦١ ، الإستبصار ٤ : ١٣٥ / ٥١٠ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٧ ح ٢.

٣٦٢

بل ظاهرة فيه بلا شبهة ، ولا خلاف في تقديمه على الوصية.

ولابن حمزة في صورة فقد الشرط الأوّل خاصة ، فجعل الوصية الثانية في الزمان المتباعد رجوعاً عن الأُولى إلاّ أن يسعهما الثلث (١).

وحجته غير واضحة.

نعم ، في رواية ضعيفة : إن ابن أخي أوصى بثلاث وصايا فبأيّهنّ آخذ؟ فقال : « خذ بأُخراهنّ » قلت : فإنّها أقلّ ، فقال : « وإن قلّت » (٢).

وفيها مضافاً إلى ما مرّ أنه عام لصورتي التباعد بين الزمانين وعدمه ، ولم يقل بها في الثاني. مع احتمالها الحمل على كون المقصود الرجوع ، كما تشعر الرواية به.

والمراد بالأوّل الذي يجب البدأة به ما يقدّمه الموصي في الذكر ولم يعقّبه بما ينافيه ، سواء عطف عليه الثاني بثمّ أو الفاء أو الواو أو قطعه عنه ، بأن قال : أعطوا فلاناً مائة ، أعطوا فلاناً خمسين ، كذا قالوا ، وربما يومئ إليه في الجملة الرواية المتقدمة سنداً للمشهور.

( وإن جمع ) بينها ولم يرتّب ، بأن ذكرها دفعةً فقال : أعطوا فلاناً وفلاناً وفلاناً مائة ، أو رتّب باللفظ ثم نصّ على عدم التقديم ( أُخرجت من الثلث ووزّع النقص ) على الجميع ، فيبطل من كلّ وصية بحسابها ، بلا خلاف ، وعليه يحمل إطلاق بعض ما مرّ من الصحاح بصرف طائفة من الوصية في العتق وأُخرى في الصدقة.

( ولو أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك المنفرد والمشترك )

__________________

(١) الوسيلة : ٣٧٥.

(٢) التهذيب ٩ : ١٩٠ / ٧٦٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٠٥ أبواب أحكام الوصايا ب ١٨ ح ٧ ، وفيهما : إن أبي أوصى ..

٣٦٣

بلا خلاف أجده ؛ للخبر : عن الرجل تحضره الوفاة وله مماليك لخاصّة نفسه ، وله مماليك في شركة رجل آخر ، فيوصي في وصيته : مماليكي أحرار ، ما حال مماليكه الذين في الشركة؟ فقال : « يقوّمون عليه إن كان ماله يحتمل ثم هم أحرار » (١).

ويستفاد منه أنه يقوّم عليه حصّة شريكه إن احتمله ثلثه ، وإليه ذهب في النهاية والقاضي والمختلف (٢).

خلافاً للحلّي (٣) والمتأخّرين كافّة ، كما ذكره بعض الأجلّة (٤) ، فاختاروا عدم السراية ؛ لمخالفتها الأصل ، مع فقد شرطها الذي هو يسار الموصى بموته ؛ لزوال ملكه به عن ماله ، والرواية قاصرة السند غير صالحة للحجية.

قيل : ولعلّها ضعيفة الدلالة ؛ لظهور السؤال فيها في العتق المنجّز ، فإنه الذي يعبّر عنه بمماليكي أحرار في الأغلب.

وهو حسن لولا قوله : فيوصي في وصيته ، فإنه ظاهر في الوصية دون المنجّز ، وكما يجوز صرفه إلى الظهور الأوّل كذا يمكن العكس لو لم نقل بكونه الأظهر ، إلاّ أن تطبيق الرواية مع القواعد يقتضي المصير إلى الأوّل.

( الثاني : في ) الوصايا ( المبهمة ).

( من أوصى بجزء من ماله ) ولم يكن ثمة قرينة من عرف أو عادة على تعيينه ( كان ) الموصى به هو ( العشر ) من أصل التركة لا من الثلث ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٠ / ١٧ ، الفقيه ٤ : ١٥٨ / ٥٤٩ ، التهذيب ٩ : ٢٢٢ / ٨٧٢ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٤ ح ٢.

(٢) النهاية : ٦١٦ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٠٧ ، المختلف : ٥٠٩.

(٣) السرائر ٣ : ٢١٤.

(٤) انظر الحدائق ٢٢ : ٤٤٥.

٣٦٤

إلاّ أن يضيفه إليه ، وفاقاً للصدوقين والطوسي في كتابي الأخبار (١) ، واختاره الفاضل في المختلف وولده والشهيد في الدروس واللمعة والمحقق الثاني (٢) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن ، وليس إلاّ العشر ؛ للاتفاق عليه نصّاً وفتوى ؛ وللنصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، مروية في الكتب الأربعة (٣) ، وعن غيرها من الكتب المشهورة كتفسير العياشي ومعاني الأخبار والفقه الرضوي (٤) ، وفيها الصحيح وغيره.

( وفي رواية ) أنه ( السبع ) وهي مستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره ، مروية أيضاً في الكتب الأربعة (٥) وعن غيرها من الكتب المشهورة كتفسير العياشي وإرشاد المفيد (٦) ، وإليها ذهب الأكثر ، كالمفيد والنهاية والإسكافي والديلمي والقاضي وابن زهرة (٧) مدعياً عليه إجماع الإمامية.

__________________

(١) نقله عن الصدوقين في المختلف : ٥٠١ ، الاستبصار ٤ : ١٣٣ ، التهذيب ٩ : ٢١٠.

(٢) المختلف : ٥٠١ ، وولده في إيضاح الفوائد ٢ : ٥٣٣ ، الدروس ٢ : ٣١٢ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٣٣ ، جامع المقاصد ١٠ : ٢١١.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩ ، ٤٠ / ١ ، ٢ ، ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٢ / ٥٢٨ ، التهذيب ٩ : ٢٠٨ ، ٢٠٩ / ٨٢٤ ، ٨٢٥ ، ٨٢٦ ، ٨٢٧ ، الإستبصار ٤ : ١٣١ ، ١٣٢ / ٤٩٤ ، ٤٩٦ ، ٤٩٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٨٠ ٣٨٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٤ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٣ ، ١٠.

(٤) تفسير العياشي ١ : ١٤٣ ، ١٤٥ / ٤٧٢ ، ٤٧٣ ، ٤٧٦ ، معاني الأخبار : ٢١٧ / ١ ، ٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٨١ ، ٣٨٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٤ الأحاديث ٤ ، ٥ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٩ ، المستدرك ١٤ : ١٣٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٦ ح ٦.

(٥) لم نعثر عليها في الكافي ، وهي في الفقيه ٤ : ١٥٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٩ : ٢٠٩ / ٨٢٨ ، ٨٢٩ ، ٨٣١ ، الإستبصار ٤ : ١٣٢ ، ١٣٣ / ٤٩٨ ، ٤٩٩ ، ٥٠١ ، الوسائل ١٩ : ٣٨٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٤ الأحاديث ١١ ، ١٢ ، ١٣.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ٢٤٤ / ٢١ ، المستدرك ١٤ : ١٢٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٦ ح ٤ ، إرشاد المفيد : ١١٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٨٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٤ ح ٦.

(٧) المفيد في المقنعة : ٦٧٣ ، النهاية ٦١٣ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف :

٣٦٥

والمسألة محل شبهة ؛ لاعتضاد الرواية الأُولى بالأصل والكثرة ، ولذا نسبها في الشرائع (١) إلى أشهر الروايتين ؛ والثانية بالشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المتقدمة.

فالأحوط الرجوع فيما زاد على العشر إلى الصلح حيث أمكن ، وإلاّ فالتوقّف ، وإن كان المصير إلى مختار الأكثر لا يخلو عن قرب.

( و ) أمّا ما ( في ) رواية ( أُخرى ) من أنه ( سبع الثلث ) (٢) فمع ضعف سنده شاذّ غير معمول به ، فليطرح ، أو يحمل على صورة إضافة الجزء إلى الثلث دون أصل المال كما هو الفرض.

( ولو أوصى بسهمٍ ) من ماله ولم يكن قرينة على تعيينه ( كان ثمناً ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ؛ للأصل ، والمعتبرة ، وفيها الصحيح وغيره (٣).

خلافاً لوالد الصدوق (٤) ، فالسدس ؛ للرضوي : « فإن أوصى بسهمٍ من ماله فهو سهم من ستّة أسهم ، وكذلك إذا أوصى بشي‌ء من ماله غير معلوم فهو واحد من ستة » (٥).

وتبعه الطوسي في المبسوط والخلاف وابن زهرة (٦) ؛ للعامي : إن‌

__________________

٥٠١ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٤ ، القاضي في جواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) : ٥٠٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

(١) الشرائع ٢ : ٢٤٨.

(٢) الفقيه ٤ : ١٥٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٩ : ٢٠٩ / ٨٣١ ، الإستبصار ٤ : ١٣٣ / ٥٠١ ، معاني الأخبار : ٢١٨ / ٣ ، الوسائل ١٩ : ٣٨٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٤ ح ١٣.

(٣) الوسائل ١٩ : ٣٨٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٥.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٥٠١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٩ ، المستدرك ١٤ : ١٣١ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٧ ح ٣ ، والباب ٤٨ ح ١.

(٦) المبسوط ٤ : ٨ ، الخلاف ٢ : ٩١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

٣٦٦

رجلاً أوصى لرجلٍ بسهم من المال ، فأعطاه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السدس (١). وفي ظاهر الغنية الإجماع عليه ، قال : وقد روي عن إياس بن معاوية في السهم أنه قال : هو في اللغة السدس.

وهذه الأدلّة كما ترى مع مخالفتها الأصل لا تقاوم الأدلّة ؛ لاعتضادها بالشهرة العظيمة المتقدمة والمتأخّرة.

ومنه ينقدح وجه القدح في دعوى الإجماع المتقدمة ، مع أنها في نقله غير صريحة.

وأما الرواية المفسِّرة له بالعشر (٢) فمع ضعفها شاذّة لم أر عاملاً بها ، ولا من نقله إلاّ شيخنا في الروضة (٣) ، فأشار إليه بقيل ، ولم أعرف قائله.

( ولو كان ) أوصى ( بشي‌ء ) من ماله ( كان سدساً ) بلا خلاف يظهر ، وبه صرّح بعضٍ (٤) ، بل في الغنية والمسالك وغيرهما (٥) الإجماع عليه.

والروايات هنا متّفقة ، منها الرضويّة المتقدّمة ، ونحوها غيرها من المعتبرة المرويّة في الكتب المشهورة (٦).

( ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجهاً ) منها أو أكثر ( صرف ) المنسي ( في ) وجوه ( البرّ ) بلا خلاف يظهر إلاّ من الحلّي تبعاً للطوسي في بعض فتاويه (٧) ، فأرجعاه إلى الوارث ؛ لبطلانها بامتناع القيام بها.

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٦ : ٤٧٧.

(٢) التهذيب ٩ : ٢١١ / ٨٣٤ ، الإستبصار ٤ : ١٣٤ / ٥٠٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٨٧ أبواب الوصايا ب ٥٥ ح ٤.

(٣) الروضة ٥ : ٣٤.

(٤) كابن فهد في المهذب البارع ٣ : ١٣٠.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، المسالك ١ : ٣٩٩ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٤٩٦.

(٦) انظر الوسائل ١٩ : ٣٨٨ أبواب الوصايا ب ٥٦.

(٧) الحلي في السرائر ٣ : ٢٠٨ ، الطوسي في الرسائل العشر : ٢٩٧.

٣٦٧

والملازمة ممنوعة ، مع كونه اجتهاداً في مقابلة بعض المعتبرة بالشهرة : عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلاّ باباً منها ، كيف يصنع في الباقي؟ فوقّع عليه‌السلام : « الأبواب الباقية اجعلها في البرّ » (١).

ومعارضاً بما علّل به المشهور : من خروجه عنهم فلا يعود إليهم إلاّ بدليل ، ومن وجوب العمل بالوصية وتحريم التبديل بالكتاب والسنّة فيصرف في مصرف مجهول المالك ، ومن أن صرفه في البرّ عمل بها بقدر الإمكان ؛ لإرادته القربة فإذا فات الخصوص بقي العموم.

وهذه العلل كما ترى أقوى مما ذكره ، وإن كان الأخيرة أخصّ من المدّعى ؛ لعدم تماميّتها إلاّ فيما إذا ظهر من الموصي قصد القربة لا مطلقاً ، هذا.

مع تأيّدها كالرواية بما ورد في نظائر المسألة ، وهي كثيرة ، كما ورد في المنذور للكعبة من صرفه في زوّارها (٢) ، وفيمن أوصى أن يحجّ عنه بما لا يفي به أنه يصرف في البر ويتصدّق به (٣) ، ونحو ذلك.

وإلى هذا القول أشار بقوله : ( وقيل : يرجع ميراثاً ) ولا ريب في ضعفه.

( ولو أوصى بسيفٍ وهو في جَفْنٍ ) بفتح الأوّل ، وهو الغِمد بالكسر ( وعليه حِلْيَة دخل الجميع في الوصية على رواية ) (٤) ( يجبر ضعفها الشهرة )

__________________

(١) الكافي ٧ : ٥٨ / ٧ ، الفقيه ٤ : ١٦٢ / ٥٦٥ ، التهذيب ٩ : ٢١٤ / ٨٤٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٦١ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ٢١٤ / ٨٤٣ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٠ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢١ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٥٤ / ٥٣٤ ، التهذيب ٩ : ٢٢٨ / ٨٩٦ ، الوسائل ١٩ : ٤٢١ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٧ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٤٤ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٦١ / ٥٦١ ، التهذيب ٩ : ٢١١ / ٨٣٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٨٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٧ ح ١ ، وب ٥٨ ح ٢.

٣٦٨

العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل في المهذب أن كل الأصحاب مطبقون على العمل بها (١) ، وهو ظاهر في الإجماع عليه كما ترى ، وقريب منه المحكي عن التحرير والتذكرة (٢) ؛ وهو حجة أُخرى جابرة لضعفها أيضاً.

مع أنّها صحيحة إلى الراوي ، والراوي عنه ابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته ، فتكون حجة بنفسها ولو لم تكن بالشهرة مجبورة ، سيّما مع اعتضادها بموافقة العرف ، لشمول اسمه لهما فيه وإن اختصّ بالنصل لغة.

( وكذا لو أوصى بصندوق وفيه مال دخل المال ) أيضاً ( في الوصية ) فإنّ فيه أيضاً تلك الرواية المجبورة بما مرّ إليه الإشارة ، حتى حكاية الإجماع ، إلاّ أن العرف لعلّه لا يساعده ، فيشكل من هذه الجهة ، ولكن لا مندوحة عن العمل بها إلاّ أن يوجد قرينة على عدم الدخول ، فتتّبع ، وكذلك في السابق ، وفاقاً للّمعة (٣) ، والظاهر أن محل النزاع غيره.

( وكذا قيل : لو أوصى بسفينة وفيها طعام ؛ استناداً إلى فحوى رواية ) عقبة بن خالد عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ، ولم يسمّ ما فيها ، وفيها طعام ، أيعطيها الرجل وما فيها؟

قال : « هي للّذي أوصى له بها إلاّ أن يكون صاحبها متّهماً وليس للورثة شي‌ء » (٤).

__________________

(١) المهذب البارع ٣ : ١٣٤. وفيه : أكثر الأصحاب ..

(٢) التحرير ١ : ٢٩٩ ، التذكرة ٢ : ٤٩٧.

(٣) اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٤٨.

(٤) الكافي ٧ : ٤٤ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٦١ / ٥٦٢ ، التهذيب ٩ : ٢١٢ / ٨٣٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٩١ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٩ ح ١.

٣٦٩

والقائل هو المشهور ، كما في المهذب وغيره (١) ، وإنما نسبه إلى القيل المشعر بالتمريض مع انجبار الرواية هنا أيضاً بالشهرة التفاتاً إلى عدم صراحة الدلالة ، فإن غايتها الدلالة على أنها للموصى له ، ومرجع الضمير السفينة دون ما فيها ، والرواية المنجبرة بالشهرة إنما تكون حجة حيث تكون دلالتها واضحة لا مطلقاً.

نعم ، لها دلالة ضعيفة بحسب الفحوى ؛ لوقوع قوله عليه‌السلام : هي له ، جواباً عن جواز إعطاء ما فيها أم لا ، فلو لم يجعل المرجع السفينة بما فيها لم يكن الجواب للسؤال مطابقاً.

وإنما قلنا : ضعيفة ، من حيث احتمال أن يكون المراد بالجواب الظاهر في رجوع الضمير إلى السفينة خاصّة التنبيه على انحصار الموصى به فيها دون ما فيها ، وبه تحصل المطابقة أيضاً ، فكأنه عليه‌السلام قال : لا يعطى ما فيها.

فالأصح عدم الدخول ؛ للأصل ، إلاّ مع وجود قرينة عليه من عرف أو عادة.

وتحتمل الرواية على تقدير الدلالة الحمل على ذلك ، وإليه ذهب الفاضل في المختلف وولده في شرح القواعد (٢) ، لكنهم حكموا بذلك فيما سبق أيضاً ، ولا ريب في حُسنه لولا ما قدّمناه من قوّة دليل خلافه.

ومنه يظهر عدم التعدية إلى ما يشابه مفروض العبارة كالجراب ومظروفه ونحوه لو أوصى بهما ، فلا يدخل سوى الظرف.

__________________

(١) المهذّب البارع ٣ : ١٣٤ ؛ وانظر الكفاية : ١٤٨ ، والمفاتيح ٣ : ٢٢٧.

(٢) المختلف : ٥٠٨ ، إيضاح الفوائد ٢ : ٥٣٥.

٣٧٠

خلافاً للشيخين والتقي (١).

ولا فرق في الحكم حيث ثبت بين كون الموصي عدلاً أم غيره.

خلافاً للنهاية (٢) ، فاشترط العدالة. ولا وجه له كما صرّح به الجماعة ، والرواية الأخيرة وإن كانت به مشعرة إلاّ أنها بما قدّمناه ضعيفة.

ولا بين كون الصندوق مقفولاً أم غيره.

خلافاً للمفيد والتقي (٣) ، فاشترطاه. وإطلاق النص حجة عليهما.

( ولا يجوز ) للموصي الوصية بـ ( إخراج الولد من الإرث ولو ) كان من ( أوصى ) بذلك ( الأب ) على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ؛ لمخالفة مثل هذه الوصية للكتاب والسنة.

وفي الحديث : « الحيف في الوصية من الكبائر » (٤).

وفي آخر : « ما أُبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال » (٥).

وفي ثالث : « من عدل في وصيّته كان بمنزلة من تصدّق بها في حياته ، ومن جار في وصيته لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عنه معرض » (٦).

وظاهر العبارة وصريح المحكي عن الأكثر في كلام جماعة (٧) بطلان‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٧٤ ، الطوسي في النهاية : ٦١٤ ، التقي في الكافي : ٢٣٥.

(٢) النهاية : ٦١٤.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٧٤ ، التقي في الكافي : ٣٦٥.

(٤) الفقيه ٤ : ١٣٦ / ٤٧١ ، علل الشرائع : ٥٦٧ / ٣ ، قرب الإسناد : ٦٢ / ١٩٨ ، الوسائل ١٩ : ٢٦٨ أبواب أحكام الوصايا ب ٨ ح ٣.

(٥) الفقيه ٤ : ١٣٥ / ٤٦٩ ، التهذيب ٩ : ١٧٤ / ٧١٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٦٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٥ ح ١.

(٦) الكافي ٧ : ٥٨ / ٦ ، الفقيه ٤ : ١٣٥ / ٤٧٠ ، علل الشرائع : ٥٦٧ / ٥ ، قرب الإسناد : ٦٣ / ١٩٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٦٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٨ ح ٢.

(٧) منهم : الشهيد في المسالك ١ : ٤٠٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٢٣.

٣٧١

الوصية من الأصل.

خلافاً للمختلف ، فأجراها مجرى الوصية بجميع المال لمن عداه ، فإن أجاز مضى في الكل ، وإلاّ ففي الثلث (١).

وفيه : أنه خلاف مدلول اللفظ وإن لزم رجوع الحصّة إلى باقي الورثة ؛ لأن ذلك ليس بالوصية ، بل لاستحقاقهم التركة حيث لا وارث غيرهم ، وربما كان ذاهلاً عن الوارث ، بل غير عارف به ، وإنما غرضه مجرّد الانتقام منه ، فلا يوجد منه القصد إلى الوصية المعتبر في صحتها ، مع أن في الصحيح : عن رجل كان له ابن يدعيه ، فنفاه ثم أخرجه من الميراث وأنا وصيه ، فكيف أصنع؟ فقال عليه‌السلام : « لزمه الولد لإقراره بالمشهد ، لا يدفعه الوصي عن شي‌ء قد علمه » (٢) فتأمّل.

فالأصح ما ذهب إليه الأكثر.

( و ) اعلم أن ( فيه ) أي في المقام ( رواية ) تضمّنت أن رجلاً وقع ابنه على أُمّ ولد له فأخرجه من الميراث ، فسأل وصيّه مولانا الكاظم عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « أخرجه » (٣).

ويظهر من الطوسي في كتابي الحديث والصدوق العمل بها (٤) ، إمّا في الجملة كما في الكتابين حيث جعلها قضية في واقعة ، أو مطلقاً بشرط وقوع الحدث الذي في الرواية من الوارث الموصى بإخراجه.

__________________

(١) المختلف : ٥٠٧.

(٢) الكافي ٧ : ٦٤ / ٢٦ ، الفقيه ٤ : ١٦٣ / ٥٦٨ ، التهذيب ٩ : ٢٣٥ / ٩١٨ ، الإستبصار ٤ : ١٣٩ / ٥٢٠ ، الوسائل ١٩ : ٤٢٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٩٠ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٦١ / ١٥ ، الفقيه ٤ : ١٦٢ / ٥٦٧ ، التهذيب ٩ : ٢٣٥ / ٩١٧ ، الإستبصار ٤ : ١٣٩ / ٥٢١ ، الوسائل ١٩ : ٤٢٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٩٠ ح ٢.

(٤) الاستبصار ٤ : ١٤٠ ، التهذيب ٩ : ٢٣٥ ، الفقيه ٤ : ١٦٣.

٣٧٢

ولكنها ( مطرحة ) بين المتأخّرين كافّة ، ومع ذلك بحسب السند ضعيفة من وجوه عديدة ، فلا يجوز العمل بها في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة.

ومقتضاها انسحاب الحكم بالبطلان في الوصية بإخراج مطلق الوارث ولو لم يكن الولد.

وتخصيصه به في العبارة إنما وقع في مقابلة مورد الرواية المطرحة ، فإنّها كما عرفت به مختصة ، مع كونه هو محل النزاع خاصّة نظراً إلى أنه يظهر من العاملين بها تخصيص الحكم بموردها ، فلا يتعدّونها ، فيكون الحكم بعدم النفوذ في الجملة أو مطلقاً فيما عداه مجمعاً عليه.

( الطرف الثالث : في أحكام الوصية ).

( وفيه مسائل : )

( الأُولى : إذا أوصى بوصية ثم عقّبها بمضادّة لها ) بأن أوصى بعين مخصوصة لزيد ثم بها لعمرو ، أو بمائة درهم مطلقاً لزيد ثم قال : المائة التي أوصيت بها لزيد قد أوصيت بها لعمرو ( عمل بالأخيرة ) لاقتضاء ذلك الرجوع في الوصية.

( ولو لم تضادّها ) بأن أوصى لزيد بمائد ثم أوصى لعمرو بمائة ، أو أوصى لزيد بدار ثم أوصى لعمرو بدار ، ونحو ذلك ( عمل بالجميع ) إن وفى به الثلث. ( فإن قصر الثلث عنه بدئ بالأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث ) لما مرّ سابقاً.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أيضاً ، وبالإجماع صرّح في التنقيح في‌

٣٧٣

الجميع (١) ، وفي السرائر في الأخير (٢).

( الثانية : تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين ) مسلمين عدلين ، ومع الضرورة تقبل شهادة رجلين من عدول أهل الذمة ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وبه صرّح بعض الأجلّة (٣) ، بل عن ظاهر الغنية وفخر الدين (٤) إجماعنا عليه ، وبه صرّح أيضاً المفلح الصيمري ، ويدلُّ عليه أيضاً الآية والنصوص المستفيضة (٥).

وهل يشترط في قبولها منهم السفر كما في الآية وأكثر المستفيضة ، أم يجري ذلك مجرى الغالب؟ الأصح الثاني ، وفاقاً للأكثر ، بل لم أقف على مخالفٍ إلاّ نادراً (٦). وظاهر عبارة الماتن في الشرائع (٧) في بحث الشهادات الإجماع عليه.

لا لما ذكروه : من إطلاق الصحيح : « إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية (٨) لانصرافه بحكم التبادر والغالب إلى صورة السفر خاصة.

بل لظاهر التعليل في الصحيح : هل تجوز شهادة أهل ملّة من غير‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٤١٥.

(٢) السرائر ٣ : ١٩٥.

(٣) الحدائق ٢٢ : ٤٩٤.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، فخر الدين في إيضاح الفوائد ٢ : ٦٣٥.

(٥) المائدة : ١٠٦ ؛ وانظر الوسائل ١٩ : ٣٠٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٠.

(٦) وهو الإسكافي ( حكاه عنه في المختلف : ٧٢٢ ) والحلبي ( في الكافي : ٢٣٥ ) ولعله ظاهر الشيخ في المبسوط ( ٨ : ١٨٧ ) وابن زهرة العلوي ( الجوامع الفقهية : ٦٢٥ ) وربما يستفاد من ظاهرهما إجماعنا عليه. منه رحمه‌الله.

(٧) الشرائع ٤ : ١٢٦.

(٨) الكافي ٧ : ٤ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٨٠ / ٧٢٥ ، الوسائل ١٩ : ٣١٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٠ ح ٤.

٣٧٤

أهل ملّتهم؟ قال : « إذا لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم ، إنه لا يصلح ذهاب حق أحدٍ » (١).

وهو كما ترى ظاهر في أن تجويز قبول شهادتهم إنما نشأ من مراعاة الحق عن الذهاب ، وهذه العلّة موجودة في مطلق صور الضرورة ولو لم يكن هناك سفر بالكلية.

ولو لا هذه العلة لكان المصير إلى اشتراط السفر لا يخلو عن قوّة ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم جواز قبول شهادتهم على مورد الكتاب والسنة ، وليس إلاّ صورة السفر خاصة ، لأنها ما بين مشترطة له وما بين مطلقة ، وقد عرفت أن الإطلاق ينصرف إلى هذه الصورة خاصّة.

وليس مبنى هذا الاستدلال وقوع اشتراطه في الكتاب والسنة ، حتى يجاب عنه بوروده مورد الغلبة فلا عبرة به ، بل مبناه عدم دليل دالّ على جواز القبول مطلقاً ، فيقتصر فيه على المتيقن منهما.

ثم إن الفاضل (٢) أوجب تحليفهما بعد صلاة العصر بصورة الآية ؛ لعدم ظهور المسقط بالكلّية ، ومال إليه في المسالك وغيره (٣) ، ولا ريب أنه أحوط.

وليس في ظاهر الكتاب وأكثر السنة اشتراط عدالة أهل الذمة ، إلاّ أنه قد دل عليه بعض النصوص : « فليُشهد على وصيته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهم » (٤) وبه صرّح من الأصحاب جملة (٥).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤ / ٢ ، التهذيب ٩ : ١٨٠ / ٧٢٤ ، الوسائل ١٩ : ٣١٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٠ ح ٣.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ٣٥٥.

(٣) المسالك ١ : ٤٠٤ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٥٢١ والكفاية ١٤٩.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٩ / ٨ ، التهذيب ٩ : ١٧٩ / ٧١٨ ، الوسائل ١٩ : ٣١٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٠ ح ٧.

(٥) منهم : المحقق والشهيد الثانيان في جامع المقاصد ١١ : ٣٠٦ والمسالك ١ : ٤٠٤ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤٩.

٣٧٥

( وبشهادة أربع نساء وبشهادة الواحدة في الربع ) والاثنين في النصف ، وهكذا ، بلا خلاف ، بل عليه الوفاق في المسالك وغيره (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة منها : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصية لم تشهدها إلاّ امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها » (٢).

وأمّا ما يوجد في الصحيح وغيره مما يخالف ذلك من عدم القبول فمحمول على التقية كما في التهذيبين (٣).

ثم إن إطلاق النصوص كالعبارة وصريح المحكي عن الأكثر (٤) عدم توقف قبول شهادتهنّ على اليمين مطلقاً.

خلافاً للمحكي عن التذكرة (٥) ، فقال بتوقّفه عليه كذلك ، كما في شهادة الرجل الواحد.

وردّ (٦) بأن اليمين مع شهادة الواحد توجب ثبوت الجميع فلا يلزم مثله في البعض ، ولو فرض انضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث ثبت الجميع ، لقيامهما مقام الرجل ، أمّا الواحدة فلا يثبت بها سوى الربع مطلقاً ، انضمّت اليمين إليها أم لا. على أن في ثبوت الجميع بانضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٠٤ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٢ : ٦٣٤.

(٢) التهذيب ٩ : ١٨٠ / ٧٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٣١٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٢ ح ٣.

(٣) الاستبصار ٤ : ٢٨ ، التهذيب ٦ : ٢٨٠.

(٤) نسبه في الحدائق ٢٢ : ٥٠٢ إلى المشهور.

(٥) حكاه عنه في المسالك ١ : ٤٠٥ وهو في التذكرة ٢ : ٥٢٢.

(٦) المسالك ١ : ٤٠٥.

٣٧٦

إشكالاً أيضاً ؛ لأن مقتضى النصوص إنّما هو النصف في الأوّل والثلاثة الأرباع في الثاني بمجرد الشهادة ، ووجود اليمين حيث لم يعتبرها الشارع هنا في حكم العدم ، وقيام الاثنتين مقام الرجل في بعض الموارد لا يستلزم قياس ما نحن فيه عليه حتى أنه يخرج عن مقتضى ظواهر النصوص بذلك.

وهل يشترط في قبول شهادتهنّ هنا فقد الرجال؟ قولان ، أظهرهما الثاني ، وفاقاً للمحكي عن الأكثر (١) ؛ عملاً بإطلاق النصوص.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي والطوسي (٢) ، فاشترطاه. وهو ضعيف.

( وفي ثبوتها ) أي الوصية بالمال ( بشهادة شاهد ويمين تردّد ) قيل : ينشأ :

من أن قبول الشاهد واليمين حكم شرعي فيقف على النص الشرعي ، وليس على صورة النزاع بعينه ، وثبوت ذلك بالنساء حتى بالواحدة إنما هو لورود النص بذلك ، والتعدّي قياس مردود عندنا (٣).

ومن إطلاق النصوص بالقبول في الحقوق المالية كما هو المفروض ، ولا يشترط النص بالخصوص.

وهذا أظهر ، وفاقاً للأكثر ، بل عليه في المهذب والمسالك وغيرهما (٤) اتفاق الأصحاب.

__________________

(١) نسبه في الحدائق ٢٢ : ٥٠٣ إلى المشهور.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧١٢ ، الطوسي في النهاية : ٣٣٣.

(٣) المهذب البارع ٣ : ١٤٠.

(٤) المهذب البارع ٣ : ١٤٠ ، المسالك ١ : ٤٠٤ ؛ وقال في الحدائق ٢٢ : ٥٠٣ : لا خلاف فيه.

٣٧٧

واستغرب هذا التردّد منه جماعة (١). وهو كذلك ، كتردّده في الشرائع (٢) في ثبوت الوصية بالولاية بهما بعد قطعه بالثبوت بهما في الوصية بالمال.

فإن النصوص المزبورة كالاتفاق المحكي في المسالك وغيره متفقة الدلالة على انحصار قبولهما في الحقوق المالية.

وربما جعل منشؤه مما ذكر ، ومن أنها قد تتضمّن المال ، كما إذا أراد أخذ الأُجرة أو الأكل بالمعروف بشرطه ، ولما فيه من الإرفاق والتيسير فيكون مراداً للآية والرواية (٣).

وهو كما ترى ، ولذا قطع بخلافه هنا فقال :

( وأما الولاية فلا تثبت إلاّ بشهادة رجلين ) مسلمين ، ومقتضاه عدم ثبوتها بشهادة النساء مطلقاً ، ونفى عنه الخلاف في المسالك وغيره (٤) إذا كنّ منفردات ؛ وهو الحجة فيه.

مضافاً إلى أنها ليست وصية بمال ، بل هي تسلّط على تصرف فيه ، وليست مما يخفى على الرجال غالباً ، وذلك ضابط محل قبول شهادتهنّ منفردات فتوًى وروايةً.

( الثالثة : لو أشهد ) الموصي ( عبدين له على أن حمل المملوكة ) له ( منه ، ثم ورثهما غير الحمل فأُعتقا فشهدا للحمل بالبنوّة ) للموصي ( صح ) شهادتهما ( وحكم له ) برقّيتهما مطلقاً ، ولو لم يوص بأن يشهدا.

__________________

(١) منهم ابن فهد الحلّي في المهذب ٣ : ١٤٠ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٤١٨ والمسالك ١ : ٤٠٥.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٥١.

(٣) المسالك ١ : ٤٠٥.

(٤) المسالك ١ : ٤٠٥ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥٠٣.

٣٧٨

بلا خلاف مع الإيصاء ، بل في المسالك (١) أن عليه أصحابنا ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الصحيح : في رجل مات وترك جارية ومملوكين فورثهما أخ له فأعتق العبدين وولدت الجارية غلاماً ، فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية ، وأن الحبل منه ، قال : « تجوز شهادتهما ، ويردّان عبدين كما كانا » (٢) ونحوه الموثق الآتي.

وكذلك مع عدم الإيصاء ، على الأشهر الأقوى ، بناءً على قبول شهادة العبد إذا كان عادلاً مطلقاً.

خلافاً للمحكي عن الطوسي (٣) ، فخصّ الحكم بصورة الإيصاء.

ولا وجه له أصلاً ، سيّما مع إطلاق الخبرين ، بل وعمومهما الشامل لها ولغيرها ، مع أنه على تقدير اختصاصهما بها يحسن ذلك إن قلنا بردّ شهادة العبد مطلقاً ، ولكنّه ضعيف جدّاً ، كما عرفت ، وستقف عليه في بحث الشهادات إن شاء الله تعالى.

ومقتضى الصحيح كما ترى عودهما رقّاً. وهو الموافق للأصل جدّاً ؛ لاستلزام قبول شهادتهما تبيّن وقوع العتق من غير مالكهما.

( و ) لكن ( يكره له تملّكهما ) ويستحب له أن يعتقهما ؛ لأنهما كانا سبباً في حرّيته بعد الرقّية فلا يكون سبباً في رقّيتهما بعد الحرية.

وللموثق : عن رجل كان في سفر ومعه جارية له وغلامان مملوكان ، فقال لهما : أنتما حرّان لوجه الله تعالى واشهدا أن ما في بطن جاريتي هذه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٠٥.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٢٢ / ٨٧١ ، الإستبصار ٤ : ١٣٦ / ٥١١ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٧١ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في المسالك ١ : ٤٠٥ ، وهو في النهاية : ٦١٢.

٣٧٩

منّي ، فولدت غلاماً فلمّا قدموا على الورثة أنكروا ذلك واسترقّوهم ، ثم إن الغلامين عتقا بعد ذلك فشهدا بعد ما أُعتقا أن مولاهما الأوّل أشهدهما على أن ما في بطن جاريته منه ، قال : « تجوز شهادتهما للغلام ، ولا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له ، لأنهما أثبتا نسبه » (١).

وحكي (٢) هنا قول بتحريم استرقاقهما ؛ أخذاً بظاهر النهي في هذه الرواية.

وهو كما ترى ؛ لعدم مقاومتهما للصحيح الصريح المعتضد بالأصل وفتوى الأكثر ، مع إشعار التعليل فيها بالكراهة جدّاً.

( الرابعة : لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه ) ولا ما يجرّ به نفعا أو يستفيد منه ولاية ، على المشهور ، بل في المسالك (٣) وغيره عدم الخلاف فيه إلاّ من الإسكافي ، حيث جوّز شهادة الوصي لليتيم في حجره وإن كان هو المخاصم للطفل ولم يكن بينه وبين المشهود عليه ما يرشد شهادته عليه ، ومال إليه المقداد في شرح الكتاب (٤) ، وكذا الشهيدان (٥) ، إلاّ أن الثاني منهما قال بعده : إلاّ أن العمل على المشهور.

وهو حسن إن بلغ الشهرة الإجماع ، كما هو الظاهر منه ، وإلاّ فمختار الإسكافي لعله أجود ؛ لما ذكره من بُعد التهمة من العدل ، حيث إنه ليس بمالك ، وربما لم يكن اجرة على عمله في كثير من الموارد.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٠ / ١٦ ، الفقيه ٤ : ١٥٧ / ٥٤٤ ، التهذيب ٩ : ٢٢٢ / ٨٧٠ ، الإستبصار ٤ : ١٣٦ / ٥١٢ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٧١ ح ١.

(٢) انظر الكفاية : ١٤٩ ، والحدائق ٢٢ : ٥٠٤.

(٣) المسالك ١ : ٤٠٥.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٤١٩.

(٥) الشهيد الأول في الدروس ٢ : ١٢٨ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٠٥.

٣٨٠