رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

ولعلّه لنفي السبيل عنه عليهم. ولا بأس به.

( وتصحّ الوصية إلى المرأة ) إذا اجتمعت فيها الشرائط المتقدمة ، بإجماعنا المستفيض النقل في كلام الجماعة ، كالإستبصار والغنية والتذكرة والتنقيح والمسالك والروضة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الرواية المتقدمة (٢).

وأما الخبر : « المرأة لا يوصى إليها لأن الله تعالى يقول ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٣) (٤) فمع قصور سنده وشذوذه محمول على التقية ، ففي الاستبصار أنه مذهب كثير من العامة (٥) ، مع احتماله الحمل على الكراهة ، أو المرأة التي لم تجتمع فيها الشرائط المتقدمة ، وربما يومئ إليه ما في الذيل من العلة.

( ولو أوصى إلى اثنين ) فصاعداً جاز ، إجماعاً ، فتوًى ونصّاً.

( و ) حينئذٍ فإن ( أطلق ، أو شرط الاجتماع ) في التصرف ( فليس لأحدهما الانفراد ) به ، بل عليهما الاجتماع فيه ، بمعنى صدوره عن رأيهما ونظرهما وإن باشره أحدهما ، إجماعاً في الأخير ، كما في التنقيح (٦) ، وعلى الأظهر في الأوّل ، وفاقاً للصدوقين والطوسي في أحد القولين وابن حمزة‌

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ١٤٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، التذكرة ٢ : ٥١١ ، التنقيح ٢ : ٣٨٧ ، المسالك ١ : ٤١٢ ، الروضة ٥ : ٧٣.

(٢) في ص ٣١٤.

(٣) النساء : ٥.

(٤) الفقيه ٤ : ١٦٨ / ٥٨٥ ، التهذيب ٩ : ٢٤٥ / ٩٥٣ الإستبصار ٤ : ١٤٠ / ٥٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٣ ح ١.

(٥) الاستبصار ٤ : ١٤٠.

(٦) التنقيح الرائع ٢ : ٣٨٨.

٣٢١

والحلبي والحلّي والشهيدين وكثير من المتأخّرين (١) ، بل لعله عليه عامتهم ؛ لظاهر الصحيح : رجل مات وأوصى إلى رجلين ، أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقّع عليه‌السلام : « لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ، ويعملان على حسب ما أمرهما إن شاء الله تعالى » (٢).

وأظهر منه الرضوي : « وإذا أوصى رجل إلى رجلين فليس لهما أن ينفرد كلّ واحد منهما بنصف التركة ، وعليهما إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت » (٣).

وقصور سنده كعدم صراحة الأوّل منجبر بالشهرة ؛ مضافاً إلى اعتبار السند وبلوغه درجة الحجّية ، وكذا الدلالة ، وإن كان : « لا ينبغي » أعم من الحرمة أو ظاهراً في الكراهة ، لقيام القرينة في الرواية على إرادة الحرمة ، لأن مرجعها ومحصّلها إلى النهي عن مخالفة الميت ، ولا ريب أنّها محرمة ، لتضمّنها التبديل المنهي عنه بالكتاب والسنة ، هذا.

مع اعتضادهما زيادة على اعتبار السند ووضوح الدلالة بظهور الوصية إليهما في إرادة اجتماعهما عرفاً ، وعلى تقدير التنزّل عنه فلا أقلّ من تردّدها بينه وبين جواز الانفراد ، فيجب الأخذ بالمتيقن ، وهو الأوّل ، مع‌

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ٤ : ١٥١ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥١٢ ، الطوسي في المبسوط ٤ : ٥٤ ، والخلاف ٤ : ١٦١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦٦ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٩٠ ؛ الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٣٢٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤١٣ ؛ وانظر القواعد ١ : ٣٥٤ ، وإيضاح الفوائد ٢ : ٦٣١ ، وجامع المقاصد ١١ : ٢٩٠.

(٢) الكافي ٧ : ٤٦ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٥١ / ٥٢٣ ، التهذيب ٩ : ١٨٥ / ٧٤٥ ، الإستبصار ٤ : ١١٨ / ٤٤٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٦ أبواب أحكام الوصايا ب ٥١ ح ١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٩ ، المستدرك ١٤ : ١٢٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٣ ح ١.

٣٢٢

اندفاع الثاني بالأصل.

خلافاً للنهاية والقاضي (١) ، فجوّزا في ظاهر إطلاق عبارتهما الانفراد لهما ، واستدل لهما بالموثق : إنّ رجلاً مات وأوصى إلى رجلين ، فقال أحدهما لصاحبه : خذ نصف ما ترك وأعطني نصف ما ترك ، فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « ذاك له » (٢).

وفيه مع قصوره سنداً وعدداً واشتهاراً واعتباراً عن المكافأة لما مرّ جدّاً كونه مجملاً ؛ لبناء الاستدلال به على رجوع الإشارة إلى القسمة والضمير المجرور إلى الطالب ، مع أنه يحتمل رجوع الإشارة إلى الإباء والضمير إلى المطلوب ، بل لعلّ هذا أولى ، كما في المختلف وغيره (٣) ؛ لقرب مرجع الإشارة.

وما يعارض به في التنقيح وغيره (٤) من أولوية العكس ؛ لوضع « ذلك » باللام للإشارة إلى البعيد مدفوع بتوقّفه على وجود اللام مع الإشارة ، وهي في نسخة الكافي والفقيه مفقودة ، فإنها على ما ذكرناه مروية.

نعم ، في نسخة الشيخ موجودة ، لكنّها بالنسبة إلى تلك النسخة مرجوحة ، سيّما مع وحدتها وتعدّد تلك ، مع كونها الأصل لها وهي منها مأخوذة ، وعلى تقدير تكافؤ النسختين يبقى الإجمال بحاله ، لعدم المرجّح لإحداهما في البين.

__________________

(١) النهاية : ٦٠٦ ، القاضي في المهذب ٢ : ١١٦.

(٢) الكافي ٧ : ٤٧ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٥١ / ٥٢٤ ، التهذيب ٩ : ١٨٥ / ٧٤٦ ، الإستبصار ٤ : ١١٨ / ٤٤٩ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٥١ ح ٣.

(٣) المختلف : ٥١٢ ؛ وانظر جامع المقاصد ١١ : ٢٩١.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٠ ؛ وانظر المسالك ١ : ٤١٣.

٣٢٣

( ولو تشاحّا ) وتعاسرا فأراد أحدهما نوعاً من التصرف ومنعه الآخر ( لم يمض ) تصرفهما ، إمّا مطلقاً ، كما عن المبسوط والحلبي (١) ، أو في الجملة ، كما عن جماعة (٢) ، بمعنى أنه لم يمض منه ( إلاّ ما لا بُدّ منه ) وتدعو الحاجة إليه ، ولا يمكن تأخيره إلى وقت الاتفاق ( كمئونة اليتيم ) والرقيق ، والدواب ، وإصلاح العقار ، ومثلها شراء كفن الميت.

وزاد بعضهم قضاء ديونه (٣) ، وإنفاذ الوصية المعيّنة ، وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع ، والخصومة عن الميت وله وعن الطفل وله مع الحاجة ، وردّ الوديعة المعيّنة والعين المغصوبة.

وعن الفاضل في القواعد الفرق بين صورتي الإطلاق فالثاني ، والنهي عن الانفراد فالأوّل (٤).

وفيه نظر. والأصل يقتضي المصير إلى الأوّل ، إلاّ أن يستند في الاستثناء إلى الضرورة المبيحة لما حرم بدونها. وهو مع عدم خلوّه عن مناقشة يتمّ في مئونة اليتيم وما بعده ، دون ما زاده البعض من الأُمور المذكورة.

( وللحاكم ) الشرعي ( جبرهما على الاجتماع ) من غير أن يستبدل بهما مع الإمكان ؛ إذ لا ولاية له فيما فيه للميت وصي على الأشهر.

خلافاً للحلبي ، فقال : يردّ الناظر الأمر إلى أعلمهما وأقواهما مع‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٥٣ ، الحلبي في الكافي : ٣٦٦.

(٢) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٢٥٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٨٨ ، والشهيد الأول في الدروس ٢ : ٣٢٤.

(٣) انظر جامع المقاصد ١١ : ٢٩٢.

(٤) القواعد ١ : ٣٥٤.

٣٢٤

التشاح (١).

واستشكله الفاضل من حيث إنه تخصيص لأحدهما بالنظر وقد منعه الموصي (٢).

قيل : وفيه نظر ؛ إذ لا منافاة بين القولين ، لأن ردّه إلى رأي الأعلم الأقوى منهما هو نفس الإجبار على الاجتماع ، وفيه حسم لمادة الاختلاف (٣).

( فإن تعذّر ) عليه جمعهما ( جاز له الاستبدال ) بهما ؛ تنزيلاً لهما بالتعذر منزلة عدمهما ، لاشتراكهما في الغاية.

وفي الروضة : كذا أطلق الأصحاب ، وهو يتمّ مع عدم اشتراط عدالة الوصي ، أما معه فلا ؛ لأنهما بتعاسرهما يفسقان ، لوجوب المبادرة إلى إخراج الوصية مع الإمكان ، فيخرجان بالفسق عن الوصاية ويستبدل بهما الحاكم ، فلا يتصور إجبارهما على هذا التقدير. وكذا لو لم نشترطها وكانا عدلين ؛ لبطلانها بالفسق حينئذٍ على المشهور. نعم ، لو لم نشترطها ولا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاحّ (٤).

ويشكل ما ذكره من خروجهما بالتشاحّ عن العدالة فيما إذا كان تشاحّهما مستنداً إلى اعتقاد رجحان ما رأياه بحسب المصلحة لا التشهي والمعاندة.

لكن يرد حينئذٍ أن جواز جبر الحاكم لهما على الاجتماع حينئذٍ محل‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٦٦.

(٢) المختلف : ٥١٢.

(٣) التنقيح الرائع ٢ : ٣٨٩.

(٤) الروضة ٥ : ٧٤.

٣٢٥

نظر.

فخلاصة الكلام أن اشتراط العدالة لا يتم مع التعاسر الذي كان للحاكم معه إجبارهما ، إلاّ أن يقال : إنه حينئذٍ يجوز جبر الحاكم لهما بما هو الأصلح عنده من نظره ، وهذا لا ينافي عدالتهما.

وكيف كان ، ينبغي التفصيل على القول باشتراط العدالة بأن التشاحّ إن كان لاختلاف النظر لم يلزم فسقهما ، وإن كان يوجب الإخلال بالواجب مع إمكان الاجتماع يلزم فسقهما إن أصرّا على ذلك متى لم يثبت كون ذلك من الكبائر ، ولعلّه مراد من أطلق ممن اشترطها من الأصحاب.

( ولو التمسا القسمة ) حيث وجب عليهما الاجتماع ( لم يجز ) لأنه خلاف مقتضى الوصية من الاجتماع في التصرف.

( ولو عجز أحدهما ) عن القيام بتمام ما يجب عليه من العمل بالوصية بمرض ونحوه ( ضمّ إليه ) أي إلى العاجز أمين من طرف الحاكم.

ولو عجز عن القيام به أصلاً بموت أو فسق أو جنون أو نحوها ضمّ إلى الآخر.

بلا خلاف في الأوّل إلاّ من الدروس ، حيث جعل الضم إلى الآخر دون العاجز (١) ، كما هو الأشهر على ما في الكفاية (٢).

وتظهر الثمرة في وجوب قيام ثلاثة على التصرف في الوصية الوصيين وأمين الحاكم على مذهبهم ، واثنين هما من عدا العاجز على مذهبه.

وربما حمل كلامه على الثاني بإرادة العجز بالكلية لا في الجملة ، وإلاّ‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٢٤.

(٢) الكفاية : ١٥٠.

٣٢٦

لأشكل ما اختاره ، بناءً على أن عجزه في الجملة لا يخرجه عن الوصاية ؛ لجواز الوصية إلى العاجز كذلك ابتداءً إجماعاً ، كما في التذكرة وشرح القواعد للمحقق الثاني (١) ، فكذا في الاستدامة.

وفاقاً للقواعد والإرشاد والتحرير وفخر الدين والشهيدين وجماعة (٢) في الثاني.

خلافاً للأكثر ، كما في شرح الشرائع للصيمري والكفاية (٣) ، فاختاروا استقلال الوصي الآخر من دون ضميمة أمين من حاكم الشريعة ؛ مستندين فيه إلى أنه مع وجود الوصي لا ولاية للحاكم.

ويضعّف بأن الموصي لم يرض برأي أحدهما منفرداً ، والوصي إنما هما معاً لا أحدهما منفرداً ، فلا بُدَّ من أن يضمّ إليه أميناً.

وعليه فهل للحاكم أن يفوّض جميع الولاية إلى الثاني منهما بدلاً عن الضميمة ، تنزيلاً له مقامهما؟ وجهان.

من أن النظر قد صار للحاكم فيولّي من يختاره.

ومن أن الموصي لم يرض برأي الآخر على الانفراد ، فليس للحاكم تفويض جميع الأمر إليه وإلاّ لزم التبديل المنهي عنه في الشريعة. وهذا أجود.

بخلاف ما لو حصل لهما معاً العجز أصلاً فإن للحاكم أن ينصب ولو واحداً ؛ للفرق بين المقامين بأن الثاني من الوصيين في المقام الأوّل‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١١ ، جامع المقاصد ١١ : ٢٧٩ ، ٢٩٤.

(٢) القواعد ١ : ٣٥٤ ، الإرشاد ١ : ٤٦٣ ، التحرير ١ : ٣٠٣ ، فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٦٣٢ ، الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٣٢٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٧٥ ، والمسالك ١ : ٤١٤ ؛ وانظر جامع المقاصد ١١ : ٢٩٥.

(٣) الكفاية : ١٥٠.

٣٢٧

منصوب من قبل الموصي ولم يرض برأيه منفرداً كما مضى ، وهنا قد انقطع نظره بعجزهما وصار النظر إليه كملاً فله نصب من شاء ولو واحداً.

ثم إن كل ذا إنّما هو إذا أوصى إليهما مطلِقاً أو مشتَرِطاً عليهما اجتماعهما معاً.

( أما لو شرط لهما الانفراد تصرف كلّ واحد منهما وإن انفرد ) عن الآخر ، بلا خلاف ولا إشكال في الجواز ؛ للأصل ، وعدم المانع بمقتضى الشرط. ولكن في جواز الاجتماع حينئذٍ نظر : من مخالفته الشرط فلا يصح ، ومن اقتضاء الاتفاق على الاجتماع صدوره عن رأي كلّ واحد منهما ، وشرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كل واحد ، وهو حاصل إن لم يكن هنا آكد.

والظاهر أن شرط الانفراد رخصة لا تضييق ، وهذا ظاهر العبارة والروضة (١). وهو حسن حيث تقوم قرينة على كون اشتراط الانفراد رخصة لا عزيمة ، ومع هذا لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له حالة الانفراد ينبغي القطع بالمنع ؛ لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد ولم يرض الموصي إلاّ به.

ولو نهاهما عن الاجتماع اتبع قطعاً ؛ عملاً بمقتضى الشرط الدالّ صريحاً على النهي عنه فيمتنع.

( ويجوز ) لهما في هذه الحالة ( أن يقتسما ) المال بالتنصيف والتفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر ولا يكون الموصي منع عنها ؛ لأن مرجع القسمة إلى تصرف كلّ منهما في البعض وهو جائز بدونها ، ثم بعدها‌

__________________

(١) الروضة ٥ : ٧٥.

٣٢٨

لكل منهما التصرف في قسمة الآخر وإن كانت في يد صاحبه ، لأنه وصي في المجموع فلا تزيل القسمة ولايته فيه.

( وللموصي تغيير الأوصياء ) بلا خلاف ؛ للأصل ، وما مرّ من المعتبرة في جواز الرجوع في الوصية (١) ، الشاملة إطلاقاً في بعضٍ وفحوى في آخر لمفروض المسألة.

( وللموصى إليه ردّ الوصية ) وعدم قبولها مطلقاً ، وإن كان الموصي أباً أو كان الموصى إليه فيه منحصراً ، بلا خلاف إلاّ من الصدوق في المقامين كما حكي (٢) ، فلم يُجِز الردّ فيهما ؛ استناداً في الأوّل إلى الخبر القاصر السند بسهل المتضمن لقوله عليه‌السلام : « ليس له أن يمتنع » (٣) بعد أن سئل عن رجل دعاه والده إلى قبول وصيته ، هل له أن يمتنع عن قبول وصية والده؟

وفي الثاني إلى مفهوم الصحيح : في رجل يوصى إليه ، فقال : « إذا بعث إليه من بلد فليس له ردّها ، وإن كان في مصر يوجد فيه غيره فذلك إليه » (٤).

ونحوه إطلاق الصحيح المقيّد به : في الرجل يوصي إلى الرجل بوصية فأبى غ أن يقبلها ، فقال عليه‌السلام : « لا يخذله على هذه الحال » (٥).

__________________

(١) راجع ص ٢٧١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٥١٢ ، وهو في الفقيه ٤ : ١٤٥ ، والمقنع : ١٦٤.

(٣) الكافي ٧ : ٧ / ٦ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٤٩٨ ، التهذيب ٩ : ٢٠٦ / ٨١٩ ، الوسائل ١٩ : ٣٢٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٤ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٦ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٤٤ / ٤٩٧ ، التهذيب ٩ : ٢٠٥ / ٨١٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٢٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٣ ح ٢.

(٥) الكافي ٧ : ٦ / ٥ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٤٩٩ ، التهذيب ٩ : ٢٠٦ / ٨١٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٢١ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٣ ح ٤ ؛ بتفاوت يسير.

٣٢٩

ومال إليه في المختلف مؤيّدا الأوّل بأن امتناع الولد نوع عقوق ، والثاني بأن من لا يوجد غيره يتعين عليه ؛ لأنه فرض كفاية ، قال بعد ذلك : وبالجملة فأصحابنا لم ينصّوا على ذلك ، ولا بأس بقوله (١).

وهو كذلك إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ، ولا يمكن دعواه بإطلاق عبائر الأصحاب بجواز الردّ مطلقاً ؛ لعدم تبادر المقامين منه جدّاً.

ومنه يظهر الجواب عن إطلاقات النصوص بذلك أيضاً.

مضافاً إلى وجوب حمل المطلق على المقيد حيث تضمن شرائط الحجّية كما هنا.

( ويصحّ ) ردّ الوصية مطلقاً ولو قبلها ما دام الموصي حيّاً ( إن بلغ الردّ ) إليه في الجملة ، إجماعاً ، كما عن المبسوط والخلاف (٢) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل ، وصريح النصوص الآتية في الجملة.

وهل يكفي بلوغ الردّ ، أو يشترط معه تمكّن الموصي من إقامة وصي غيره؟ وجهان. ظاهر إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة الأوّل.

ومقتضى النصوص الثاني ؛ لظهورها في تعليق جواز الردّ على وجود الغير المتمكن من الإيصاء إليه ، فلو لم يوجد أو وجد ولم يتمكّن من الإيصاء إليه لم يجز له الردّ. وهذا أجود.

( ولو مات الموصي قبل بلوغه ) أي الردّ إليه ( لزمت الوصية ) فليس للموصى إليه ردّها إجماعاً إذا كان قبلها ثم ردّها ، كما عن المبسوط والخلاف والتذكرة وفي المسالك وغيره (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى‌

__________________

(١) المختلف : ٥١٣.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٧ ، الخلاف ٤ : ١٤٨.

(٣) المبسوط ٤ : ٣٦ ، الخلاف ٤ : ١٤٨ ، التذكرة ٢ : ٥١٢ ، المسالك ١ : ٤١٤ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥٧٦.

٣٣٠

فحاوي المعتبرة الآتية وغيرها من الأدلّة.

وعلى الأشهر الأقوى مطلقاً ، بل عليه في ظاهر الدروس وصريح الغنية (١) إجماعنا ، ونسبه في المختلف إلى الأصحاب كافّة (٢).

والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، منها زيادة على ما مرّ الصحيحان ، في أحدهما : « إن أوصى رجل إلى رجل وهو غائب فليس له أن يردّ وصيته ، فإن أوصى إليه وهو في البلد فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل » (٣).

وفي الثاني : « إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيته ، لأنه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طلب غيره » (٤).

والرضوي : « إذا أوصى رجل إلى رجل وهو شاهد فله أن يمتنع من قبول الوصية ، وإن كان الموصى إليه غائباً ومات الموصي من قبل أن يلتقي مع الموصى إليه فإن الوصية لازمة له » (٥).

خلافاً للمختلف والتحرير (٦) ، ومال إليه في المسالك (٧) ، فجوّز الرد ؛ للأصل المانع من إثبات حقٍّ على الموصى إليه على وجه قهري وتسليط الموصي على إثبات وصيته على من شاء.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٢٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

(٢) المختلف : ٤٩٩.

(٣) الكافي ٧ : ٦ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٤ / ٤٩٦ ، التهذيب ٩ : ٢٠٥ / ٨١٤ ، الوسائل ١٩ : ٣١٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٣ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٦ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٠ ، التهذيب ٩ : ٢٠٦ / ٨١٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٢٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٣ ح ٣.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٨ ، المستدرك ١٤ : ١١٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٢ ح ٢.

(٦) المختلف : ٤٩٩ ، التحرير ١ : ٢٩٢.

(٧) المسالك ١ : ٤١٤.

٣٣١

ولاستلزامه الحرج العظيم والضرر الكثير في أكثر مواردها ، وهما منفيان بالآية والأخبار.

ولعدم صراحة النصوص في الدلالة على المطلوب ؛ لاحتمالها الحمل على الاستحباب أو سبق القبول.

وفي الجميع نظر ؛ لاندفاع الأوّل : بقيام المخرج عنه الراجح عليه في حدّ ذاته ، لكونه خاصّاً فليقدّم ، مع اعتضاده بفتوى الأصحاب كافّة كما اعترف به الخصم ، وبإجماع الغنية وغيرها.

والثاني : بخروجه عن المتنازع إن أُريد بالحرج ما يزيد على ما لا بُدَّ منه في التكاليف ، كما صرح به في التنقيح (١) ، ومع ذلك يختصّ بموضع الحرج ، وبالتزامه إن أُريد به ما لا بُدَّ منه فيها ، لقيام الدليل المتقدم عليه ، فإنه دليل وأيّ دليل.

والثالث : بالمنع عنه أوّلاً ، وبكفاية الظهور بعد تسليمه ثانياً.

والحملان على تقدير جريانهما فيها لا وجه لارتكابهما بعد مخالفتهما الظاهر ، ولا سيّما الثاني ، إلاّ ما يتوهم من الدليلين الأوّلين ، وقد مرّ أن النصوص بالإضافة إليهما خاصة فلتقدم عليهما البتة. وعلى تقدير كونها عامّة وأن التعارض وقع بين العمومين فلا ريب أن عمومها أرجح على عموم الأوّلين ؛ لاعتضادها بفتاوى الأصحاب والإجماع المحكي في البين ، فتأمّل.

( ولو ظهر من الوصي ) المتّحد أو المتعدد ( خيانة ) أو فسق آخر انعزل بمجرّده أو بعزل الحاكم على اختلاف القولين المتقدمين و ( استبدل

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٣.

٣٣٢

به ) الحاكم أميناً مستقلا إن كان المعزول واحداً ، أو منضماً إلى الباقي إن كان أكثر.

وإنما أعاد المسألة مع سبقها (١) لبيان جواز الاستبدال ؛ إذ لم يتقدم له ذكر سابقاً.

( والوصي أمين لا يضمن إلاّ مع تعدٍّ أو تفريط ) بلا خلاف ، كما في المسالك وغيره (٢).

وما يستفاد من الأخبار من إطلاق ضمانه محمول على ما إذا فرّط.

وأمّا ما ورد بضمانه بتبديله فمستفيض ، ومنه الصحيح : عن رجل أوصى إلى رجل وأمره أن يعتق عنه نسمة بستّمائة درهم من ثلثه ، فانطلق الوصي وأعطى الستّمائة درهم رجلاً يحجّ بها عنه؟ قال : فقال : « أرى أن يغرم الوصي من ماله ستّمائة درهم ، ويجعل الستّمائة فيما أوصى به الميت من نسمة » (٣).

( ويجوز ) للوصي ( أن يستوفي دينه مما في يده ) من مال الموصي مطلقاً ، ولو من دون بيّنة ، عجز عنها أم لا ، على الأقوى ، وفاقاً للشهيدين وغيرهما (٤) ؛ لعموم أدلّة جواز المقاصّة لمن له دين على آخر (٥).

ولأن الفرض كونه وصيّاً في إثبات الديون ، فيقوم مقام الموصي في ذلك ، والغرض من البيّنة والإثبات عند الحاكم جواز كذب المدّعى في‌

__________________

(١) في ص ٣١٢.

(٢) المسالك ١ : ٤١٥ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥٨١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٢ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٤ / ٥٣٣ ، التهذيب ٩ : ٢٢٦ / ٨٨٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٤٨ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٧ ح ١.

(٤) الشهيدان في اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٧٧ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٤.

(٥) انظر الوسائل ١٧ : ٢٧٢ أبواب ما يكتسب به ب ٨٣.

٣٣٣

دعواه فنيطت بالبينة شرعاً ، وعلمه بدينه أقوى منها ، بناءً على جواز خطائها دونه.

ولأنه بقضائه الدين محسن ، وما على المحسنين من سبيل.

خلافاً للنهاية والقاضي (١) ، فلم يجوّزا ذلك إلاّ مع البينة ، وحجّتهم عليه غير واضحة سوى الأصل ، والموثق : إن رجلاً أوصى إليّ فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له ، ففعل ، وذكر الذي أوصى إليه لي أن له قِبَل الذي أشركه في الوصية خمسين ومائة درهم وعنده رهن بها جام فضة ، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدّعي أنه له قِبَله أكرار حنطة ، قال : « إن أقام البينة ، وإلاّ فلا شي‌ء له » قال : قلت : أيحلّ له أن يأخذ مما في يده شيئاً؟ قال : « لا يحلّ له » قلت : أرأيت لو أن رجلاً عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ أكان ذلك له؟ قال : « إن هذا ليس مثل هذا » (٢).

ويضعّف الأوّل بلزوم الخروج عنه بما مر.

والثاني : أولاً : بعدم مقاومته لما تقدم ، من حيث كثرته واشتهاره دون الثاني.

وثانياً : بالقول بموجبه من حيث فرضه في استيفاء أحد الوصيين على الاجتماع بدون إذن الآخر ، وذلك فإن أحد الوصيين كذلك بمنزلة الأجنبي ليس له الاستيفاء إلاّ بإذن الآخر كباقي التصرفات ، وليس للآخر تمكينه منه بدون إثباته. ولا كذلك ما نحن فيه ؛ لفرضه في الوصي المستقل ، وقد نبّه عليه بقوله في آخر الخبر بعد أن سأله عن أخذ ماله قهراً : « إن هذا ليس مثل‌

__________________

(١) النهاية : ٦٠٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ١١٨.

(٢) الكافي ٧ : ٥٧ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٧٤ / ٦١٣ ، التهذيب ٩ : ٢٣٢ / ٩١٠ ، الوسائل ١٩ : ٤٢٨ أبواب أحكام الوصايا ب ٩٣ ح ١ ؛ بتفاوت.

٣٣٤

هذا » والمراد أن هذا إنما يجب أن يأخذ بإذن الآخر فليس له أن يمكّنه من الأخذ بمجرد دعواه ، بخلاف من يأخذ من مال من أخذ ماله مقاصّةً ، فإن له ذلك حيث لا يطّلع عليه أحد ، وهو منتفٍ هنا ، كذا قيل (١).

ويمكن أن يتنظّر فيه أولاً : بمخالفة هذا الفرق لإطلاق كلام أرباب القول الأوّل ، بناءً على أن الظاهر أن مرادهم بالوصي وإن كان بلفظ المفرد الجنس الشامل له وللفرد الآخر ، وإلاّ لزم عدم جواز استيفاء أحد الوصيين دينه مع علم الآخر بثبوته على الموصي حال الاستيفاء ، ولعله مخالف لظاهر مرامهم ، ولا أظن القائل يلتزمه ، مع أن عموم أدلّة الجواز شامل له ولمحل الفرض في الخبر.

وثانياً : بعدم وضوح الفرق إلاّ من حيث عدم جواز الأخذ بدون إذن الآخر ؛ لعدم استقلاله بالإذن في التصرف. وهو يتمّ إذا كان الوجه في جواز الاستيفاء هو الوصية إليه وإذنه في التصرف ، وليس كذلك ، لما عرفت من أدلته التي منها أدلّة جواز المقاصّة ، وكونه محسناً ، وبالجملة فوجوه الجواز عديدة ، منها الأدلة المزبورة العامة لصورتي كون المستوفي وصيّاً وعدمه ، وعلى هذا فيجوز الأخذ بدون إذن الآخر ، لجوازه بدون إذن الموصي لو كان حيّاً فلأن يجوز بدون إذنه أولى.

نعم ، عليه يتوقف المقاصّة على صورة العجز عن الإثبات بالبينة إن قلنا باشتراطه في مسألة المقاصّة ، وإلاّ كما هو الأشهر الأقوى ثمة فلا توقف عليها أصلاً.

وللحلّي والماتن في الشرائع والفاضل في المختلف (٢) هنا قول‌

__________________

(١) قال به الشهيد في المسالك ١ : ٤١٥.

(٢) الحلي في السرائر ٣ : ١٩٢ ، الشرائع ٢ : ٢٥٧ ، المختلف : ٥١١.

٣٣٥

بالتفصيل بين صورتي العجز عن الإثبات فالأوّل ، وعدمه فالثاني ، ووجهه غير واضح غير الحوالة على مسألة المقاصّة إن قيل بهذا التفصيل فيها.

وربما ينسب هذا القول إلى النهاية والقاضي (١) ، مع أن المستفاد من عبارتهما المنقولة في المختلف وغيره (٢) هو الثاني.

والعجب من الذي نسبه إليهما أنه استدل لهما بالموثق الذي مضى ، مع أن ظاهره كما ترى المنع مع عدم إقامة البينة مطلقا ، ولو كان عاجزاً عنها ، هذا.

ويمكن توجيه القول الثاني باستلزام مقاصّته التصرف في المال المشترك بينه وبين الورثة من دون إذنهم أو إذن الحاكم مع عدم تقصيرهم في الأداء ، ولا تشمله أدلّة المقاصّة ، لانصرافها بحكم التبادر إلى صورة حياة المديون خاصّة ، وليس فيها المانع المتقدم إليه الإشارة.

ولعل هذا هو وجه الفرق المصرّح به في الرواية المتقدمة دون ما ذكره القائل المتقدم.

وعلى هذا الوجه لا فرق بين الوصي المتّحد والمتعدّد مطلقاً ، إلاّ أن يقال بالمنع عن جريان علّة المنع المذكورة في هذا الوجه في المتحد ، بناءً على قيامه مقام الموصي مستقلا في أداء دينه ، ولذا يجوز له أداؤه إذا كان لغيره بعد علمه بثبوته إلى حال الأداء اتفاقاً ، فتأمّل جدّاً.

ويمكن توجيه مختار الماتن في الشرائع أمّا في محل المنع فبما مرّ : من لزوم التصرف بدون الإذن الممنوع منه ، وفي محل الجواز بتخصيص وجه المنع بأدلّة نفي الضرر ولزوم العسر والحرج.

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٢ : ٥٨٣.

(٢) المختلف : ٥١١ ؛ وانظر النهاية ٦٠٨ ، والمهذّب ٢ : ١١٨.

٣٣٦

وهذا في الجملة أحوط ، وإن كان القول الأوّل أظهر ، لكن في الوصي المتحد والمتعدّد على الانفراد ، دون الاجتماع ؛ لقوة المنع فيه ، كما ذكره القائل المتقدم ، بناءً على انحصار دليل الجواز على ما ذكر هنا من التحقيق في الإذن بالوصية خاصّة ، دون أدلّة نفي السبيل عن المحسن وجواز المقاصّة ، وإن استدل باولاهما القائل المزبور ، وبها وبثانيتهما الحلّي ، فإنهما بمحلٍّ من القصور ، فالثاني : بما مرّ من اختصاصه بحكم التبادر بحال حياة المديون ، فلا عموم فيها للمفروض ، والأوّل : بأنه لا يخصّص ما دلّ على المنع عن التصرف في المال المشترك.

( و ) يجوز له أيضاً ( أن يُقوّم مال اليتيم على نفسه ) بثمن المثل فصاعداً إذا لم يكن غيره هناك للزيادة باذلاً ، على الأقوى ، وفاقاً للنهاية والقاضي والفاضلين والشهيدين والمفلح الصيمري وغيرهم من المتأخّرين (١) ؛ للخبر المنجبر قصور سنده بعمل الأكثر ، وفيه : هل للوصي أن يشتري من مال الميت إذا بيع فيمن زاد ، يزيد ويأخذ لنفسه؟ فقال : « يجوز إذا اشترى صحيحاً » (٢).

وعلّلوه أيضاً بأنه بيع وقع من أهله في محلّه ؛ لأنه جائز التصرف يصحّ أن يقبل الشراء ويتملّك العين ، فينفذ ، لانتفاء المانع المدّعى كما يأتي ، والأصل عدم غيره.

__________________

(١) النهاية : ٦٠٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ١١٨ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢٥٧ ، العلاّمة في المختلف : ٥١١ ، الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٣٢٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤١٥ ، وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٥ ، وجامع المقاصد ١١ : ٢٨٧.

(٢) الكافي ٧ : ٥٩ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ١٦٢ / ٥٦٦ ، التهذيب ٩ : ٢٤٥ / ٩٥٠ ، الوسائل ١٩ : ٤٢٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٩ ح ١.

٣٣٧

خلافاً للحلّي والخلاف (١) ، فلم يجوّزاه ؛ لوجوب التغاير بين الموجب والقابل ، وهو مفقود في المقام ، وقياسه على شراء الأب من مال ولده الصغير الجائز بإجماعنا حرام.

ولما روي من أن رجلاً أوصى إلى رجل ببيع فرس له ، فاشتراه الوصي لنفسه ، واستفتى عبد الله بن مسعود ، فقال : ليس له ذلك (٢). استدلّ بهذا دون الأوّل في الخلاف ، قال بعده : ولا يعرف له أي لابن مسعود مخالف.

وفيهما نظر ؛ لمنع الأوّل إن أُريد به التغاير الحقيقي ، كيف لا وقد ادّعى الطوسي على كفاية التغاير الاعتباري في عقد النكاح إجماعنا (٣) ، وهو حاصل هنا ، فيكون كافياً فيه بطريق أولى.

والقياس المزبور حرام لو لم يكن من باب اتحاد طريق المسألتين ، وإلاّ كما ادّعاه بعض الأصحاب (٤) فلا.

والرواية بعد تسليم سندها لا حجة فيها ، حيث لم يحك فيها عن صاحب الشريعة ، ودعوى الشيخ عدم مخالف لابن مسعود بعد تسليم كونها حجة لا تعارض الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة ، والدليل الآخر المتقدم إليه الإشارة ، وهو وإن كان في صلوحه للحجّية مناقشة ، إلاّ أنه كاتحاد طريق المسألتين المتقدم ذكره صالح للتأييد والتقوية.

__________________

(١) الحلي في السرائر ٣ : ١٩٣ ، الخلاف ٣ : ٣٤٦.

(٢) المجموع للنووي ١٤ : ١٢٤ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٣٨ مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.

(٣) الخلاف ٤ : ٢٨٨.

(٤) انظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٥.

٣٣٨

نعم ، يؤيّد ما ذكراه الأخبار المانعة للوكيل عن الشراء لنفسه (١). لكن لا تصلح للحجّية ؛ إما لعدم المصير إليها ثمة ، كما ذهب إليه جماعة (٢) ؛ أو لاختصاصها بما ليس منه مفروض المسألة.

( و ) يجوز له أيضاً ( أن يقترضه ) أي مال اليتيم ، وفاقاً للنهاية وجماعة (٣) ، بل نسبه في الكفاية وغيره (٤) إلى الشهرة ؛ للنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : في رجل ولّى مال اليتيم أيستقرض منه؟ فقال : « إن علي بن الحسين عليهما‌السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك » (٥).

ونحوه بعينه خبران آخران (٦) ، لكن بدون تفريع نفي البأس.

وقصور سندهما منجبر بالشهرة الظاهرة والمحكية ، مع اعتباره في أحدهما بابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته.

وهذه النصوص كغيرها وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنه ينبغي تقييدها بما ( إذا كان ) الوصي ( مليئاً ) كما ذكره الجماعة ، واستفيد من نصوص أُخر معتبرة ، منها القريب من الصحيح ، بل الصحيح كما قيل (٧) : في رجل عنده مال اليتيم فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر‌

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٩١ أبواب آداب التجارة ب ٦.

(٢) منهم : الشهيدان في اللمعة والروضة ( الروضة البهية ٤ ) : ٣٨٤ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٩ : ٥٦٠ ، وصاحب الحدائق ٢٢ : ٩٨.

(٣) النهاية : ٣٦١ ؛ وانظر المختلف : ٣٤٥ ، والمسالك ١ : ١٧٣.

(٤) الكفاية : ٨٩ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٧٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٣١ / ٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٨ أبواب ما يكتسب به ب ٧٦ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ١٣١ / ٦ ، ١٣٢ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٣ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٩ أبواب ما يكتسب به ب ٧٦ ذيل الحديث ١.

(٧) الحدائق ١٨ : ٣٢٨.

٣٣٩

به فالربح لليتيم وهو ضامن » (١).

والخبر : كان لي أخ هلك ، فوصّى إلى أخٍ أكبر مني وأدخلني معه في الوصية ، وترك ابناً له صغيراً وله مال ، أفيضرب به أخي فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له ماله؟ فقال : « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به ، وإن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم » (٢) ونحوه آخر (٣).

وشرط بعضهم (٤) الرهن عليه ، وليس في النصوص مع ورودها في مقام الحاجة دلالة عليه ، لكن التحفّظ في مال اليتيم بقدر الإمكان طريق الاحتياط ، قال الله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٥). ولذا إن الحلّي لم يجوّز الاقتراض من ماله على الإطلاق (٦). ولكنه شاذّ ، وبالنصوص المتقدمة مضعّف.

وفسّر الملاءة بعض (٧) بأن يكون للمتصرف فيه مال بقدر مال الطفل فاضلاً عن المستثنيات في الدين وعن قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٧ أبواب ما يكتسب به ب ٧٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٧ أبواب ما يكتسب به ب ٧٥ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ١٣١ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٨ أبواب ما يكتسب به ب ٧٥ ح ٤.

(٤) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ١٣٦.

(٥) الأنعام : ١٥٢.

(٦) السرائر ٢ : ٢١٢.

(٧) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٠.

٣٤٠