رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

ولم يعلم ، ولا خلاف في بطلانها ، كما في شرح الإرشاد وغيره (١) ، مع اندفاع الضرر بالرجوع إلى العوض.

والثاني : بذلك ، وبأنّ غاية الجهل إنّما هو رفع حكم النهي الذي هو الإثم والمؤاخذة ، لا إثبات الصحّة في معاملة لم تصادف إذن المالك بالكليّة ، وإن هي حينئذٍ إلاّ كصلاة واقعة في حالة النسيان من غير طهارة ، ومعاملة على مال الغير بمظنّة أنّه ماله.

( و ) يتفرّع على المختار أنّ ( تصرّفه قبل العلم ) بالعزل ( ماضٍ على الموكّل ) ليس له ردّه ولو أشهد عليه ، فالأنسب تفريعه عليه بالفاء.

ثم المستفاد من هذه العبارة كسابقتها وغيرها ممّا اعتبر فيه العلم بالعزل عدم اعتبار الظن به ، وهو كذلك إلاّ في الظن المستفاد من إخبار الثقة ؛ للصحيحة الاولى من الأخبار المتقدّمة ، وبه صرّح جماعة (٢) ، ويمكن أن ينزّل عليه العبارة بحمل العلم فيها على ما يعمّ الظن القائم مقامه شرعاً.

( وتبطل الوكالة ) حيث إنّها من العقود الجائزة ( بالموت والجنون ) مطبقاً كان أو أدواراً ( والإغماء ) قليلاً كان أو كثيراً ، من كل منهما كان هذه الثلاثة ، بلا خلاف في الظاهر ، وبه في الأوّل صرّح في الغنية (٣) ، وفي الأخيرين بإطلاقهما في المسالك (٤) ، وفي الثلاثة في الجملة محكي عن‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٥٤٠ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٣٧٠ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٨ : ٢٧٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٢٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧.

(٤) المسالك ١ : ٣٣٤.

٦١

التذكرة (١) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الاعتبار في الأوّل : من اختصاص الإذن بالوكيل ، فلا يعمّ وارثه لو مات هو ، ولو مات الموكّل انتقل ما وكّل فيه إن كان ماله إلى الورثة ، فالمعتبر حينئذٍ إذنهم لا إذنه. ولو كان غير مال كعقد نكاح أو غيره لم يكن بعد الموت قابلاً له.

وفي الأخيرين أيضاً : من إيجابهما فساد تصرّفات كلٍّ من الوكيل والموكّل إذا حصلا فيهما فلأن يوجبا فساد تصرّف الوكيل أولى ؛ إذ لو حصلا فيه منعاه من التصرّف لنفسه ، فما ظنّك بتصرّفه لغيره ، ولو حصلا في الموكّل منعاه عن استبداده بالتصرّف بنفسه ، فكيف لا يمنعان تصرّف من هو في حكمه؟! ولو تصرّف والحال هذه لم يصحّ ؛ للأصل ، وعدم مصادفته للإذن المصحّح له ؛ لانقطاعه بأحد الثلاثة. هذا.

مضافاً إلى وقوع التصريح به في المرسل كالموثق : في رجل أرسل يخطب عليه امرأة وهو غائب ، فأنكحوا الغائب وفرضوا الصداق ، ثم جاء خبره بعدُ أنّه توفّي بعد ما سيق الصداق ، فقال : « إن كان أملك بعد ما توفّي فليس لها صداق ولا ميراث ، وإن كان أملك قبل أن يتوفّى فلها نصف الصداق وهي وارثة وعليها العدّة » (٢).

قيل : ويجي‌ء على جواز تصرّفه مع ردّه ومع بطلان الوكالة بتعليقها على شرطٍ جواز تصرّفه هنا بعد زوال المانع بالإذن العام (٣).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٥ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦٧ / ١٤٨٩ ، الوسائل ٢٠ : ٣٠٥ أبواب عقد النكاح ب ٢٨ ح ٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٥٥٥.

٦٢

وفيه نظر ؛ لقوّة احتمال عدم الجواز هنا استصحاباً له إلى بعد زوال المانع ، ولا كذلك ثمّة ؛ لعدم وجود مثله هناك.

فالقول بالمنع هنا لا يخلو عن قوّة ، وإن أُيّد الجواز مضافاً إلى ما مرّ في ذينك الموضعين بمؤيّدات قياسيّة ، كدخول الصيد الغائب في ملك المحرم بعد زوال الإحرام ، وأن من وكّل محِلاًّ فصار محرِماً لم يحتج إلى تجديد الوكالة بعد تحلّله من الإحرام ، ونحو ذلك.

( و ) كذا تبطل بـ ( تلف ما يتعلّق به ) يعني ما دلّ عليه لفظها مطابقة ، كموت العبد الموكّل في بيعه ، والمرأة الموكَّل بطلاقها ، أو تضمناً ، كتلف الدينار الموكَّل في الشراء به. ولا فرق بين أن ينصّ على الشراء بعينه ، أو يطلق ، بأن يقول : اشتر به ؛ لاقتضائه دفعه ثمناً فلا يتناول بدله لو كان تلفه موجباً لضمانه.

وفي حكم التلف انتقاله عن ملكه ، كما لو أعتق العبد الموكَّل في بيعه ، أو باع العبد الموكَّل في عتقه.

والوجه في الجميع ظاهر ، مع عدم الخلاف فيه ، وبه صرّح في الغنية في الملحق بالتلف (١) ، وهو جارٍ فيه أيضاً بالأولويّة.

وكذا تبطل بالحجر على الموكّل فيما وكّل فيه بالسفه والفلس ؛ لأنّ منعه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه.

وفي حكم الحجر طروّ الرقّ على الموكّل ، بأن كان حربياً فاسترق ، ولو كان وكيلاً صار بمنزلة توكيل عبد الغير.

ولا تبطل بالنوم وإن تطاول ؛ للأصل ، وبقاء أهليّة التصرّف ما لم يؤدَّ‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧.

٦٣

إلى الإغماء ، فتبطل من جهته لا من جهة النوم.

وحيث فسدت الوكالة لم تبطل الأمانة ، فلو تلفت العين الموكَّل فيها في يده بغير تفريط لم يضمن ، وكذا لو كان وكيلاً في قبض حق فقبضه بعد الموت قبل العلم به وتلف في يده بغير تفريط ، لكن يجب عليه المبادرة إلى إيصال العين إلى الوارث ، فإن أخّر ضمن ، كمطلق الأمانة الشرعيّة.

( ولو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكّل الإذن بذلك القدر ، فالقول قول الموكّل مع يمينه ) بلا خلاف في الظاهر ؛ للأصل ، ورجوع الدعوى حينئذٍ إلى أصل الوكالة بذلك المقدار الذي ينكره المالك.

فلا يرد أن دعوى الموكّل حينئذٍ تستلزم جعل الوكيل خائناً ؛ لتصرّفه على غير الوجه المأمور به ، فيكون القول قوله ، لأمانته ، والأصل عدم خيانته كما سيأتي (١).

فإنّه إنّما يتمّ لو كان تصرّفه بالوكالة والخيانة المدّعاة في بعض متعلقاتها ، كما لو ادّعى الموكّل عليه بعد تلف الثمن الذي باع به بمقتضى الوكالة تأخّر قبضه عن تقبيض المبيع ، أو التعدّي فيه بوجه. وهنا ليس كذلك ؛ لما عرفت من رجوع الدعوى إلى أصل الوكالة على الوجه الذي يدّعيه الوكيل ، فيكون القول فيها قول المالك.

( ثم ) لو حلف المالك بطل البيع ؛ لبطلان التصرّف و ( تستعاد العين ) المبيعة ممّن هي في يده ( إن كانت موجودة ، ومثلها إن كانت مفقودة ، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل ) بأن كانت قيميّة.

( وكذا ) يستعاد مثلها أو قيمتها ( لو تعذّر استعادتها ) بغير تلف ،

__________________

(١) في ص : ٨٠.

٦٤

كتغلّب أو غيبة.

كلّ ذا على المشهور ، بل لعلّه عليه عامّة المتأخّرين ، وفاقاً للمبسوط (١).

خلافاً للنهاية ، فقال : إنّ على الوكيل إتمام ما حلف عليه المالك (٢).

ووجهه غير واضح.

وحمله في المختلف على صورة تعذّر استعادة العين من المشتري ومساواة القيمة لما يدّعيه المالك (٣). ولا بأس به وإن بَعُد ؛ صوناً لقوله عمّا يرد عليه من الفساد وعدم وضوح وجهه.

( الثاني : ) في بيان ( ما تصحّ فيه الوكالة ، وهو كلّ فعل ) يتكامل فيه شروط ثلاثة :

أحدها : أن يكون مملوكاً للموكّل ، بمعنى كون مباشرته له ممكنة بحسب العقل والشرع ، فلا يجوز الوكالة في الأُمور المستحيلة عقلاً والممنوعة شرعاً ، فلا تجوز في المعاصي ، كالغصب والسرقة والقتل ، وأحكامها تلزم المباشر.

وهل يعتبر الإمكان المزبور من حين الوكالة إلى وقت التصرّف؟

ظاهر المشهور ذلك ، بل ظاهر المحكي عن التذكرة (٤) إجماعنا عليه ، وبه صرّح المحقّق الثاني (٥) فقال : الظاهر أن ذلك متّفق عليه عندنا. فلا يجوز طلاق زوجة سينكحها ، ولا عتق عبد سيشتريه.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨٩.

(٢) النهاية : ٤٠٧.

(٣) المختلف : ٤٣٩.

(٤) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٥) جامع المقاصد ٨ : ٢٠٧.

٦٥

قيل : لكن يشكل إطلاق القول بذلك ؛ لتجويزهم في الظاهر الوكالة في الطلاق في طهر المواقعة والحيض ، وفي تزويج امرأة وطلاقها وشراء عبد وعتقه (١).

قال في التذكرة : لو وكّله في شراء عبد وعتقه وفي تزويج امرأة وطلاقها واستدانة دين وقضائه صحّ ذلك كلّه (٢). انتهى.

وفيه نظر ؛ لاحتمال الفرق بين ما وقع التوكيل فيه مستقلا كالأمثلة التي منعوا عن الصحّة فيها ، وما وقع التوكيل فيه تبعاً لما يجوز التوكيل فيه اتفاقاً كالأمثلة التي أوردها ، فيبطل في الأوّل ويصحّ في الثاني ، ويشير إليه جمعه في التذكرة بين الأمرين مردفاً كلاًّ منهما بحكمه ، ولو لا ما ذكرناه لكان متناقضاً. هذا.

ونظيره في الشرع كثير كالوقف ، فإنّه لا يجوز على من سيوجد أصالة ويجوز عليه تبعاً اتفاقاً ، فتأمّل.

وثانيها : أن ( لا يتعلّق غرض الشارع فيه بـ ) وقوعه من ( مباشر معيّن ك‍ ) العتق ، فإنّ غرضه فكّ الرقبة سواء أحدثه المالك أم غيره ، والطلاق ، فإنّ غرضه منه رفع الزوجيّة كذلك ، ومثله ( البيع والنكاح ) وغيرهما من العقود والإيقاعات.

ولا يجوز فيما يتعلّق غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك في الظاهر.

والوجه فيه أيضاً بقسميه واضح ، وإنّما الخفاء في مرجع معرفة غرضه في ذلك وعدمه ، فقيل : هو النقل (٣). وهو كذلك ؛ إذ لا قاعدة له‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٥٠٩.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٣) الروضة ٤ : ٣٧٢.

٦٦

لا تنخرم ، وقد علم تعلّق غرضه بجملة من العبادات ؛ لأنّ الغرض منها امتثال المكلّف ما أُمر به وانقياده وتذلّله بفعل المأمور به ، ولا يحصل ذلك بدون المباشرة ، كالطهارة والصلاة الواجبة في حال الحياة ، فلا يستناب فيهما مطلقاً إلاّ ما استثني منها من نحو الطواف الواجب بشرط ذكر في محله ، وركعتي الطواف ، حيث يجوز استنابة الحي في الحج الواجب والمندوب ، وأداء الزكاة.

وكالأيمان ، والعهود ، والقسمة بين الأزواج ، والشهادات إلاّ على سبيل قيام الشهادة على الشهادة ، والظهار ، واللعان ، والجناية.

وفي صحّة التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش قولان.

وفي التوكيل في الإقرار إشكال ، والظاهر أنّ ذلك ليس بإقرار.

وثالثها : أن يكون معلوماً ، فلا تصحّ على المبهم والمجهول ، بلا خلاف فيما أعلم ، قيل : لئلاّ يعظم الغرر (١).

( وتصحّ الوكالة في الطلاق للغائب ) إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة ، منهم الماتن في الشرائع (٢) ؛ وهو الحجّة مضافاً إلى النصوص الآتية.

( والحاضر على الأصحّ ) الأشهر بين عامّة من تأخّر ، وفاقاً للمبسوط والحلّي (٣) ، نافياً الخلاف فيه بين المسلمين ، سواء وكّل أمره إلى الوكيل من غير عزم منه عليه ، أو كان عازماً عليه ووكّله في الإتيان بالصيغة ؛

__________________

(١) المفاتيح ٢ : ٢٨٤.

(٢) الشرائع ٢ : ١٩٧.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٦٢ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٨٣.

٦٧

للعمومات ، وخصوص الصحيح الصريح في الأوّل : رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل ، فقال : اشهدوا أنّي قد جعلت أمر فلانة إلى فلان ، فيطلّقها ، أيجوز ذلك؟ قال : « نعم » (١). ونحوه الموثق (٢).

والخبر القريب منه الصريح في الثاني : رجل وكّل رجلاً بطلاق امرأته إذا حاضت وطهرت وخرج الرجل ، فبدا له وأشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به وأنّه قد بدا له في ذلك ، قال : « فليُعلِم أهله وليعلم الوكيل » (٣).

( وأظهر منه الخبر المتقدّم في أوّل الكتاب (٤) المتضمّن لبعث أبي الحسن عليه‌السلام بثلاثمائة دينار إلى رجل أن يطلّق امرأته ) (٥).

وإطلاق الأوّلين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي الحضور والغيبة.

خلافاً للطوسي والقاضي والتقي (٦) ، فمنعوا عنه في الحاضر ؛ للخبر : « لا تجوز الوكالة في الطلاق » (٧) بحمله عليه ؛ جمعاً بينه وبين ما مرّ وغيره ، بحمله على الجواز في الغائب.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٩ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٣٩ / ١١٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٨ / ٩٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٨٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٩ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٩ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣٨ / ١١٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٨ / ٩٨٦ ، الوسائل ٢٢ : ٨٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٩ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٩ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٣٩ / ١١٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٨ / ٩٨٨ ، الوسائل ٢٢ : ٨٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٩ ح ٣.

(٤) في ص : ٥٥.

(٥) ما بين القوسين ليست في النسخ الثلاثة المخطوطة.

(٦) الطوسي في النهاية : ٣١٩ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٧٧ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٣٧.

(٧) الكافي ٦ : ١٣٠ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٣٩ / ١٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٩ / ٩٩١ ، الوسائل ٢٢ : ٩٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٩ ح ٥.

٦٨

وهو بعيد ؛ لعدم التعرّض في شي‌ء من الأخبار لغيبة ولا حضور ، وإن صرّح بعضها بالجواز في الغائب ، فإنّ إثباته فيه لا ينفيه عمّا عداه.

مضافاً إلى قصور السند فيه وفي سابقه من وجوه ، فلا يقاومان شيئاً ممّا مرّ ، مع مخالفة إطلاق الأوّل الإجماع ، وإن حكي عن ابن سماعة القول به (١) ، وليس منّا.

ونحوه في الضعف بل وأمرّ الاستدلال له بعموم : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٢) فإنّ المراد به أن له التصرّف فيه ، وهو أعمّ من أن يكون بالمباشرة أو النيابة ، والإجماع على جوازها مع الغيبة أوضح شاهد على عدم إرادة تعيّن المباشرة من الرواية.

قيل : وعلى قول الشيخ يتحقّق الغيبة بمفارقة مجلس الطلاق وإن كان في بلد التوكيل ، كما ذكره الشهيد الثاني (٣).

وفيه نظر ، فإن كلامه ومستنده صريحان في اشتراط عدم الحضور في البلد ، وعدم كفاية عدم حضور المجلس.

( و ) يجب أن ( يقتصر الوكيل ) في تصرّفاته ( على ما عيّنه الموكّل ) أو ما يشهد العادة بالإذن مع اطّرادها ، أو دلالة القرائن ، كما لو أذن بالبيع بقدرٍ نسيئة فباع نقداً به أو بأزيد ، إلاّ أن يكون له غرض في التعيين ولو على الاحتمال ، ولا يجوز التعدّي حينئذٍ إلاّ أن يكون احتمالاً نادراً.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا إشكال ، إلاّ فيما حكموا به من صحّة المعاملة مع المخالفة حيث جازت له بدلالة القرائن أو اطّراد العادة مع‌

__________________

(١) حكاه عنه في الكافي ٦ : ١٣٠ ذيل الحديث ٦.

(٢) عوالي اللئلئ ١ : ٢٣٤ / ١٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ / ٢٠٨١.

(٣) الروضة البهية ٤ : ٣٧٤.

٦٩

ضمان العين لو عيّن لها محلاًّ تباع فيه فعدل إلى آخر فباعها فيه ؛ فإنّ صحّة المعاملة حينئذٍ مع الضمان ممّا لا يجتمعان ؛ فإنّ المخالفة لو أثّرت في الضمان من حيث عدم الإذن لأثّرت في فساد المعاملة أيضاً ، لاتحاد الحيثيّة ، والإذن المفهوم من العادة لو صحّحت المعاملة من حيث الإذن لأثّرت في نفي الضمان البتة ، لاتّحاد الحيثيّة ، كذا قيل.

ويمكن الذبّ عنه بأنّ الإذن المفهوم غايته الدلالة على صحّة المعاملة خاصّة دون نقل العين عن مواردها المعيّنة ، ولا تلازم بينهما بالبديهة ؛ فإنّ الإذن المفهوم ليس إلاّ من حيث الأولويّة ، ولا تحصل إلاّ حين جريان المعاملة لا قبله ؛ إذ منشأ الأولويّة ليس إلاّ زيادة الثمن عمّا عيّنه ، وهي قبل المعاملة غير حاصلة وحينئذٍ فتكون اليد عادية ، عليها ضمان ما أخذته بمقتضى الرواية.

وبما ذكرنا يظهر عدم الفرق في الحكمين بين كون محل المعين سوقاً فعدل إلى سوق آخر ، أو بلدة معيّنة عدل عنها إلى أُخرى ، فالحكم بالضمان في الثاني دون الأوّل كما عن التذكرة (١) حجّته غير واضحة ؛ لاشتراكهما في مقتضي الضمان وإن زاد سببه في الثاني دون الأوّل ؛ لما فيه من تعريض المال للتلف بالسفر الذي هو مظنة الآفة غالباً وهذا الفرق لا يؤثّر في نفي الضمان عن الأوّل ، بل فائدته تأكيد وجه الضمان في الثاني.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الدفع عمّا أُورد على التذكرة : من عدم الفرق بين المقامين اللذين فرّق بينهما بالكليّة (٢) ، فإنّ طريق الفرق كما عرفت واضحة ، فلا وجه للإيراد بما ذكره ، بل الذي ينبغي إيراده عليه هو ما قدّمنا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٥.

(٢) الحدائق ٢٢ : ٦٥.

٧٠

إليه الإشارة.

( ولو عمّم الوكالة صحّ ) إذا خصّها من وجهٍ ، مالٍ أو غيره ، بلا خلاف في الظاهر ، وبه صرّح في التنقيح (١). وكذا إذا لم يخصّه بوجهٍ ، كما إذا وكّله في كلّ قليل وكثير ممّا له فعله على الأقوى ، وفاقاً للنهاية والمفيد والحلّي والقاضي والديلمي (٢) وعامّة المتأخّرين ، عدا قليل منهم يأتي ذكره ؛ لأنّ كلّ فعل من الأفعال التي تدخله النيابة يصحّ التوكيل فيه بالنصوصيّة والاندراج تحت أشخاص معينة ، فجاز أن يندرج تحت العموم ؛ لتناوله الجزئيّات على السويّة.

خلافاً للخلاف والمبسوط (٣) ، وتبعه الماتن في الشرائع وفخر المحقّقين (٤) كما حكي ؛ لأنّ فيه غرراً عظيماً ، لأنّه ربّما ألزمه بالعقود ما لا يمكنه الوفاء وما يؤدّى إلى ذهاب ماله ، كأن يزوّجه بأربع حرائر ثمّ يطلّقهن قبل الدخول ، فيلزمه نصف مهورهن ، ثمّ يزوّجه بأربع حرائر أُخر ، وهكذا ، أو يشتري له من الأرضين والعقارات وغيرها ما لا يحتاج إليه ، وهو غرر عظيم فما يؤدّي إليه باطل.

ويندفع ذلك بالاتّفاق على إناطة تصرّفات الوكيل بالمصلحة ، كان الموكّل فيه خاصّاً أم عامّاً من وجه أم مطلقاً ، فيمضي تصرّفاته معها.

( إلاّ ما يقتضيه الإقرار ) بمالٍ أو ما يوجب حدّا أو تعزيزاً ، فلا وكالة فيه ، وفاقاً للأكثر ، كالشيخين والتقي وابني حمزة وزهرة والفاضل المقداد‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٢٨٩.

(٢) النهاية : ٣١٧ ، المفيد في المقنعة : ٨١٦ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٨٩ ، القاضي حكاه عنه في المختلف : ٤٣٦ ، الديلمي في المراسم : ٢٠١.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٥٠ ، المبسوط ٢ : ٣٩١.

(٤) الشرائع ٢ : ١٩٦ ، فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٤١.

٧١

في التنقيح (١) ، قال : إمّا لأنّه لا تدخله النيابة ؛ لاختصاص حكمه بالمتكلم إذا أنبأ عن نفسه كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٢) وعلى غيرهم لا ، أو لأنّه خلاف المصلحة المشترطة في تعميم الوكالة.

هذا كلّه إذا لم يصرّح له بالإقرار عنه ، أمّا مع التصريح به فقال في الخلاف (٣) : يصحّ إقراره ويلزم الموكّل بالمقرّ به إذا كان معلوماً ، وبتفسيره إذا كان مجهولاً ؛ محتجّاً بعدم المانع منه ، والأصل جوازه ، مضافاً إلى عموم : « المؤمنون عند شروطهم » (٤) وهذا شرط أنّه يلتزم ما يقرّ به الوكيل.

وفي الجميع نظر ، سيّما الأصل ؛ لعدم الدليل عليه ، مع معارضته بأصالة البراءة. وكذا عموم لزوم الوفاء بالشرط ؛ لاختصاصه على تقدير كون المقام منه بالشرط المذكور ضمن العقد اللازم بالإجماع ، كما حكاه بعض الأصحاب.

مضافاً إلى استلزام عدم تخصيصه به إمّا حمله على الاستحباب أو طرحه ، من حيث الإجماع على عدم بقائه على عمومه ، وخروج أكثر أفراده الموهن للتمسك به ، كما حقّق في محله.

واستشكله الفاضل في القواعد (٥) : من أنّه إخبار عن حقّ على الموكّل‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٨١٦ ، الطوسي في النهاية : ٣١٧ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٣٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧ ، التنقيح الرائع ٢ : ٢٩٠.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٣ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٨٤ أبواب كتاب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٢١٨ / ٨٤ ، الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦ ح ١ ، ٢ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ وفي الجميع : المسلمون ..

(٥) القواعد ١ : ٢٥٤.

٧٢

ولا يلزم الغير خبر الغير إلاّ على وجه الشهادة ، فهذا كما لو قال : رضيت بما يشهد به عليّ فلان ، فإنّه لا يلزمه ، وأنّ الوكالة في الإنشاء لا في الإخبار.

ومن أنّه قول يلزم به الحق صدر بإذنه فأشبه الشراء وسائر الأقوال.

وهو في محلّه ، فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل ، وهو براءة ذمّة الموكّل ، مع اعتضاده بقوّة دليل منعه.

ومنه يظهر الوجه في عدم إلزام الموكّل بما وكّل في الإقرار به بمجرّد التوكيل ؛ للأصل ، وعدم كونه إقراراً عرفاً. وقيل : نعم ، ولعلّه ضعيف ، فتأمّل جدّاً.

( الثالث : ) في ( الموكّل ، ويشترط كونه مكلّفاً ) كاملاً بالبلوغ والعقل ، فلا تصحّ وكالة الصبي والمجنون مطلقاً ، بإذن الولي كان أم لا ، بلا خلاف إلاّ في المميّز البالغ عشراً ، فيجوّز جماعة (١) توكّله وتوكيله في نحو الصدقة والوصيّة والطلاق ممّا دلّت الروايات بجواز مثلها منه. وهو حسن إن صحّ الاعتماد عليها ، وإلاّ فلا.

( جائز التصرّف ) فيما يوكّل فيه برفع الحجر عنه فيه ، فلا تصحّ وكالة السفيه والمفلّس فيما حجر عليهما فيه ، وتصحّ في غيره ، بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك.

ولقد كان في ذكر هذا الشرط غنى عن الأوّل.

( و ) كذا ( لا يؤكّل العبد ) القنّ أحداً فيما ليس له التصرّف فيه ( إلاّ بإذن مولاه ) بلا خلاف ؛ للحجر عليه في تصرّفاته إن قلنا بمالكيّته ، وإلاّ كما هو الأقوى فلا إشكال في الحكم من أصله ؛ لظهور فساد توكيل الأجنبي‌

__________________

(١) منهم : المحقّق في الشرائع ٢ : ١٩٧ ، والعلاّمة في التحرير : ٢٣٣ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ١٩٥.

٧٣

في مال غيره بغير إذنه.

ويصحّ له التوكيل في طلاق زوجته إن لم تكن أمة مولاه ، على الأشهر الأقوى ، بناءً على أنّ له المباشرة فيه.

خلافاً لجماعة ، فمنعوا عنه أيضاً لزعمهم كون الطلاق بيد المولى مطلقاً. وهو ضعيف ، كما يأتي في بحث الطلاق إن شاء الله.

ثم المراد بالإذن ما يعمّ الصريح وما في حكمه ، فلو كان مأذوناً في التجارة جاز أن يوكّل فيما جرت العادة فيه بالوكالة.

( و ) كذا ( لا ) يجوز أن يوكّل ( الوكيل ) فيما وكّل فيه ( إلاّ أن يؤذن له ) بالتوكيل صريحاً ولو بالتعميم كـ‍ « اصنع ما شئت » أو فحوًى كاتّساع متعلّقها بحيث تدل القرائن على الإذن له فيه ، كالزراعة في أماكن متباعدة لا تقوم إلاّ بمساعد ، ومثله عجزه عن مباشرته وإن لم يكن متّسعاً مع علم الموكّل به ، وكترفّع الوكيل عمّا وكّل فيه عادة ، فإنّ توكّله حينئذٍ دالّ بفحواه على الإذن له فيه مع علم الموكّل بترفّعه عن مثله ، وإلاّ لم يجز ؛ لأنّه مستفاد من القرائن وتنتفي مع جهل الموكّل بحاله.

وحيث أذن له في التوكيل فإن صرّح بكون وكيله وكيلاً عنه أو عن الموكّل لزمه حكم من وكّله ، فينعزل في الأوّل بانعزاله ؛ لأنّه فرعه وبعزل كلّ منهما له. وفي الثاني لا ينعزل إلاّ بعزل الموكّل ، أو بما أبطل توكيله من جنون أو إغماء ونحوهما.

وإن أطلق ففي كونه وكيلاً عنه أو عن الموكّل أو تخيّر الوكيل في توكيله عن أيّهما شاء أوجه.

وكذا مع استفادته من الفحوى ، إلاّ أنّ كونه هنا وكيلاً عن الوكيل أقوى ، فتأمّل جدّاً.

٧٤

واعلم أن لفظة « يوكّل » في العبارة في المقامين ربّما قُرِئت بفتح الكاف ، فمعناها حينئذٍ لا يجوز للإنسان أن يوكّل عبد غيره ولا وكيل غيره إلاّ بإذنه ، وهذا مع عدم مناسبته لسياق الكلام بناءً على وروده لبيان شرط الموكِّل لا الموكَّل غير تامّ الحكم فيه في المقام الثاني على إطلاقه ؛ إذ لا مانع من توكيل وكيل الغير بدون إذنه إلاّ أن يكون وكيلاً خاصّاً له بجُعل ونحوه.

ويجوز للأب والجدّ له ووصيّهما أن يوكّلوا عمّن لهم الولاية عليهم ، بلا خلاف فيه ، ( و ) في أن ( للحاكم ) الشرعي أيضاً ( أن يوكِّل عن السفهاء والبُله ) والمجانين والصبيان الذين لا وليّ لهم غيره ، من يتولّى الحكومة عنهم ، ويستوفي حقوقهم ، ويبيع عنهم ، ويشتري لهم ، وعن التذكرة (١) بعد الحكم بذلك : لا نعلم فيه خلافاً ، وظاهره الإجماع عليه ، كالمحقّق الأردبيلي رحمه‌الله في شرح الإرشاد (٢) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، وإطلاقات الأدلّة السليمة عن المعارض بالكليّة ، فإنّ لكلّ منهم المباشرة بأنفسهم ، فكذلك بغيرهم.

نعم ، يشترط في الوصي أن لا يمنعه الموصي من التوكيل ، ومعه لا يجوز له التوكيل ؛ لقوله سبحانه : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٣) الآية ، وبه صرّح في التذكرة (٤).

( ويكره لذوي المروّات ) وهم أهل الشرف والرفعة والمروّة ( أن

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٤٩٥.

(٣) البقرة : ١٨١.

(٤) التذكرة ٢ : ١١٦.

٧٥

يتولّوا المنازعة بنفوسهم ) بل يستحب لهم التوكيل فيها ، بلا خلاف في ظاهر الأصحاب ، قالوا : لما يتضمّن من الامتهان والوقوع فيما يكره ، ورووا في كتبهم الاستدلالية أن علياً عليه‌السلام وكّل عقيلاً في خصومة وقال : « إنّ للخصومة قُحماً وإن الشيطان ليحضرها ، وإنّي لأكره أن أحضرها » (١) والقُحم بالضم : المهلكة ، والمراد أنّها تقحم بصاحبها إلى ما لا يريده.

وظاهر التعليل يقتضي عموم الحكم لغير ذوي المروّات أيضاً ، لكن قصور السند ، واختصاص المورد بسيد الأشراف ، ومخالفة الكراهة للأصل ، يقتضي الاختصاص بذوي المروّات. هذا.

وقد تأمّل بعض في الحكم فيهم أيضاً (٢) ؛ لتحاكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع صاحب الناقة إلى رجل من قريش ثمّ إلى علي عليه‌السلام (٣) ، وتحاكم علي عليه‌السلام مع من رأى درع طلحة عنده فقال : إنّها درع طلحة أُخذت غلولاً يوم البصرة ، فأنكره ، فدعاه المنكر إلى شريح القاضي فحاكمه إليه (٤) ، والقضيّة مشهورة ، وتحاكم علي بن الحسين عليهما‌السلام مع زوجته الشيبانية لمّا طلّقها وادّعت عليه المهر (٥) ، وهم سلام الله عليهم سادات الأشراف فكيف تولّوا المنازعة مع كراهتها؟

__________________

(١) جامع المقاصد ٨ : ١٩١ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٠٥.

(٢) الحدائق ٢٢ : ٥٧.

(٣) الفقيه ٣ : ٦٠ / ٢١٠ ، أمالي الصدوق : ٩٠ / ٢ » ، الوسائل ٢٧ : ٢٧٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٨ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٨٥ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٦٣ / ٢١٣ ، التهذيب ٦ : ٢٧٣ / ٧٤٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٦٥ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٤ ح ٦.

(٥) الكافي ٧ : ٤٣٥ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٨٣ / ١٠٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٠ أبواب الأيمان ب ٢ ح ١.

٧٦

وهو حسن ، إلاّ أن احتمال الدواعي والضرورات في مباشرتهم قائم.

ومع ذلك المقام مقام كراهة يتسامح في أدلّتها بما لا يتسامح في غيرها ، فيكتفي فيها بمثل تلك الرواية ، سيّما مع اعتضادها بالمقبولية عند الأصحاب كافّة ، ولا يبعد لهذا انسحاب الكراهة في غير ذي المروّة ؛ لمكان التعليل المذكورة في الرواية.

( الرابع : ) في ( الوكيل ، ويشترط فيه كمال العقل ) بالبلوغ ورفع الحجر عنه بالجنون ، فلا تصحّ وكالة الصبي ولا المجنون.

وفي اقتصاره على هذا الشرط دون الآخر الذي في الموكِّل قد مرّ دلالة على جواز كون المحجور لغير نقص العقل في الجملة وكيلاً لغيره فيما حجر عليه فيه من التصرّف ، كالمفلّس والسفيه مطلقا ، ولو لم يأذن لهما الولي ، والعبد لكن بإذن سيّده.

( ويجوز أن تلي المرأة عقد النكاح لنفسها ولغيرها ) وكذا طلاق غيرها ، بلا خلاف بيننا ، بل عن ظاهر التذكرة (١) عليه إجماعنا ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل ، والإطلاقات كتاباً وسنّة.

أمّا طلاق نفسها فعن الطوسي والحلّي (٢) : لا ، واختار الفاضل وغيره الجواز (٣) ؛ لأنّه فعل يدخله النيابة فتصحّ فيه الوكالة مطلقا ؛ لإطلاق ما مرّ من الأدلّة ، ولكن الأوّل أحوط في الجملة.

( والمسلم ) يجوز أن ( يتوكّل للمسلم على المسلم و ) على ( الذمّي ، وللذمّي على الذمّي ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في التنقيح‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٦.

(٢) الطوسي في المبسوط ٢ : ٣٦٥ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٨٧.

(٣) التحرير ١ : ٢٣٤ ؛ وانظر المسالك ١ : ٣٣٧.

٧٧

والمهذّب البارع وشرح الشرائع للصيمري (١) ، من دون كراهة كما يفهم من المحكي عن التذكرة (٢) ؛ للأصل ، والعمومات كتاباً وسنّة.

( وفي ) جواز ( وكالته له ) أي المسلم للذمّي ( على المسلم تردّد ) ينشأ من أصالة الجواز ، وأن له مطالبة المسلم بالحقوق لنفسه فللمسلم أولى ، ومن أنّ في ذلك سلطنة وسبيلاً على المسلم منفيّاً بالآية (٣).

وإليه مصير أكثر القدماء ، كالمفيد والنهاية والخلاف والحلبي والديلمي وابن زهرة (٤) مدّعياً في الغنية عليه إجماع الإماميّة.

وإلى الأوّل مصير عامّة المتأخّرين ، وفاقاً للحلّي والطوسي في قوله الآخر (٥) ، بل عن التذكرة الإجماع عليه ، لكن مع الكراهة (٦).

ولعلّه أقرب ؛ لاعتضاد إجماعه بالأصل ، والعمومات ، والشهرة العظيمة المتأخّرة ، فيترجح على إجماع الغنية.

( والذمّي يتوكّل على الذمّي للمسلم والذمّي ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الكتب المتقدّمة ، صريحاً في بعض وظاهراً في آخر ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أدلّة الجواز المتقدّمة.

( ولا ) يجوز أن ( يتوكّل ) الذمّي ( على مسلم ) مطلقا ، لمسلمٍ أو‌

__________________

(١) التنقيح ٢ : ١٩٥ ، المهذب البارع ٣ : ٣٧.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٣) النساء : ١٤١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٨١٧ ، النهاية : ٣١٧ ، الخلاف ٣ : ٣٥٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٣٨ ، الديلمي في المراسم : ٢٠١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧.

(٥) الحلّي في السرائر ٢ : ٩٠ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ٣٩٢.

(٦) التذكرة ٢ : ١١٧.

٧٨

ذمّي ، إجماعاً ، كما في التذكرة والتنقيح وظاهر المهذّب البارع وغيره (١) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى عموم الآية بنفي السبيل للكافر على المسلم.

ومنه يظهر الوجه في التعدية إلى كلّ كافر ، مضافاً إلى الأولويّة. ولعلّ اقتصار الأصحاب على الذمّي أمّا للتنبيه بالأدنى على الأعلى ، أو لكون الوكالة بين المسلم والذمّي هو الغالب في بلاد الإسلام ، لندرة غيره فيها من أصناف الكفار.

ثم إن المستفاد من الماتن في الشرائع (٢) والصيمري في شرحه عليه ، حيث نسبا المنع في الشقّ الأوّل إلى المشهور ، نوع تردّد لهما فيه.

ولا وجه له ، مع احتمال إرادتهما من الشهرة المعنى الأعمّ المرادف للإجماع ، ويشهد له تردّد الأوّل بعد ذلك فيما تردّد فيه هنا ، وهو ظاهر ، بل لعلّه صريح في عدم التردّد في الأوّل.

ثم إنّ ظاهر الأصحاب اختصاص المنع بما إذا تضمّن الوكالة نوع قهر وسلطنة ، من حيث تعبيرهم عن محل المنع ب « على » المتضمّنة لمعنى الضرر ، واستدلالهم بآية نفي السلطنة ، ومقتضى ذلك الجواز فيما لم يتضمّن ذلك ، فلو وكّل لأن يوقع عقد المسلم أو يعطيه ديناً أو نحو ذلك جاز ، وبه صرّح من متأخّري المتأخّرين جماعة ، كالمقدس الأردبيلي وصاحب الكفاية (٣). وهو كذلك ؛ لعموم أدلّة الجواز المتقدّمة.

إلاّ أن ابن زهرة صار إلى المنع عن توكيله على تزويج المسلمة من‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٧ ، التنقيح ٢ : ٢٩٤ ، المهذب البارع ٣ : ٣٨ ؛ وانظر جامع المقاصد ٨ : ٢٠٠.

(٢) الشرائع ٢ : ١٩٩.

(٣) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٥٠٦ ، الكفاية : ١٣٠.

٧٩

المسلم ، وعن توكيل المسلم على تزويج المشركة من الكافر ، مدّعياً عليه إجماع الإماميّة ، قال : لأنّهما لا يملكان لأنفسهما ذلك (١).

( والوكيل أمين لا يضمن إلاّ مع تعدٍّ أو تفريط ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية وصريح الروضة والمسالك والمحكي عن التذكرة (٢) ، وعن شرح القواعد أنّه يلوح من عباراتهم كونه ممّا عليه علماء الإسلام كافّة (٣) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى عمومات النصوص المتقدّمة في الوديعة (٤).

مع أنّه لو كلّف الضمان مطلقا لامتنع الناس من الدخول في الوكالة مع الحاجة إليها فيلحقهم الضرر بذلك ، فناسب زوال الضمان عنهم بمقتضى الحكمة.

وإطلاق الأدلّة يقتضي عدم الفرق في الوكيل بين كونه بجُعل أو غيره ، وبه صرّح في التذكرة (٥).

( الخامس : في الأحكام ، وهي مسائل : ).

( الاولى : لو أمره ) الموكّل ( بالبيع حالاّ فباع مؤجّلاً ولو بزيادة ) الثمن عن المثل أو ما عيّنه ( لم يصحّ ) أي لم يلزم ( ووقف على الإجازة ) لصيرورته بمخالفته الإذن فضوليّاً ، ويأتي على القول ببطلانه عدم الصحّة من أصلها.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧ ، الروضة ٤ : ٣٨٣ ، المسالك ٢ : ٣٤١ ، التذكرة ٢ : ١٣٠.

(٣) جامع المقاصد ٨ : ٢٦١.

(٤) راجع ج ٩ ص ٤٢٣.

(٥) التذكرة ٢ : ١٣٠.

٨٠