رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

( ويمكن أن ينزّل على المختار إطلاق العبارة وما ضاهاها مما تضمّن لفظ المفروضة بحملها على الزكاة المالية ) (١).

( إلاّ ) أن تكون ( صدقة أمثالهم ) من السادة ، فتحلّ لهم مطلقا ، إجماعاً ؛ للمعتبرة المستفيضة :

منها الموثق : قلت له : صدقة بني هاشم بعضهم على بعضهم تحلّ لهم؟ فقال : « نعم » (٢).

( أو ) تكون الصدقة عليهم ( مع الضرورة ) والبلوغ حدّا يحلّ لهم معه أكل الميتة ، فتحلّ لهم بلا خلاف أجده ؛ للموثق : « والصدقة لا تحلّ لأحدٍ منهم إلاّ أن لا يجد شيئاً ويكون ممن تحلّ له الميتة » (٣).

( ولا بأس ) لهم ( بالمندوبة ) بلا خلاف أجده ؛ للأصل ، وما مرّ من النصوص المستفيضة.

وربما يستثنى منهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة المعصومون عليهم‌السلام في ذلك ؛ صوناً لهم من النقص وتسلّط المتصدّق.

ويدفعه الصحاح المتقدمة المتضمنة لقولهم عليهم‌السلام : « لو حرمت الصدقة علينا لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكة ، لأن كلّ ما بين مكة والمدينة فهو صدقة ». قيل : ويمكن الفرق بين الصدقة العامّة والخاصة بهم ، فتباح الاولى دون الثانية (٤).

__________________

(١) ما بين القوسين ليست في « ق » و « ت ».

(٢) التهذيب ٤ : ٦١ / ١٦٤ ، الوسائل ٩ : ٢٧٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ / ١١١ ، الوسائل ٩ : ٢٧٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٣ ح ١.

(٤) مفاتيح الشرائع ١ : ٢٣٢.

٢٠١

وهو مع شذوذه لا وجه له عدا التعرّض في الصحاح لإباحة الأُولى دون الثانية ، وليس فيه حجة مع ظهور السياق في كون تخصيصها بالذكر للمثَل لا الحصر ( والصدقة سرّاً أفضل منها جهراً ) ، قال سبحانه : ( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) (١). وعن مولانا الصادق عليه‌السلام : « الصدقة في السرّ والله أفضل منها في العلانية » (٢).

( إلاّ أن يتّهم ) في ترك المواساة فيظهرها دفعاً للتهمة ، أو يقصد اقتداء الناس به تحريصاً على نفع الفقراء.

وقيل : هذا كله في المندوبة ، أمّا الواجبة فإظهارها أفضل ؛ لعدم تطرّق الرياء إليها كما يتطرّق إلى المندوبة ، ولاستحباب حملها إلى الإمام المنافي للكتمان غالباً (٣).

وفي الحسن : « كلّ ما فرض الله تعالى عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، وكلّ ما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه ، فلو أن رجلاً حمل زكاة ماله على عاتقه علانيةً كان ذلك حسناً جميلاً » (٤).

وفي الموثق في قوله تعالى ( وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) قال : « هي سوى الزكاة ، إن الزكاة علانية غير سرّ » (٥).

__________________

(١) البقرة : ٢٧١.

(٢) الكافي ٤ : ٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٣٨ / ١٦٢ ، الوسائل ٩ : ٣٩٥ أبواب الصدقة ب ١٣ ح ٣.

(٣) المسالك ١ : ٣٦٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٧ ، الوسائل ٩ : ٣٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٤ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٠٢ / ١٧ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٨ ، الوسائل ٩ : ٣١٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٤ ح ٢.

٢٠٢

( وأما الهبة ).

( فهي تمليك العين تبرّعاً مجرّداً عن ) قصد ( القربة ) أي من دون اشتراطها بهما وإلاّ لانتقض بالهبة المعوّض عنها والمتقرب بها إلى الله تعالى فإنهما هبة أيضاً ، إجماعاً ، فتوًى ونصّاً.

والدليل على عدم اشتراطها بالقربة بعد الوفاق والأصل ظواهر كثير من المعتبرة :

منها الصحيح : « إنما الصدقة محدثة ، إنما كان الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينحلون ويهبون ، ولا ينبغي لمن أعطى لله عزّ وجلّ شيئاً أن يرجع فيه » قال : « وما لم يعط لله وفي الله فإنّه يرجع فيه ، نحلة كانت أو هبة ، حيزت أو لم تُحَزْ » (١) الحديث ، ونحوه الموثق (٢) وغيره (٣).

ولذا صارت أعمّ من الصدقة ؛ لاشتراطها بالقربة دونها.

كما أنها أعمّ من الهدية ، لافتقارها إلى قيدٍ دونها ، هو : أن تحمل من مكان إلى مكان الموهوب له إعظاماً له وتوقيراً ، ولهذا [ لا (٤) ] يطلق لفظها على العقارات الممتنع نقلها.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٥٢ / ٦٢٤ ، الإستبصار ٤ : ١١٠ / ٤٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٣١ أبواب أحكام الهبات ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٠ / ٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٣ / ٦٢٥ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٣ أبواب أحكام الهبات ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٣١ / ٧ ، التهذيب ٩ : ١٣٥ / ٥٦٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٣١ أبواب أحكام الهبات ب ٣ ح ٢.

(٤) أضفناها لاستقامة العبارة ، كما في سائر الكتب الفقهية كالمسالك والمفاتيح والحدائق ، والضمير راجع إلى الهدية.

٢٠٣

ويعبّر عنها تارةً بها ، وأُخرى بالنِّحلة والعطيّة ، ويطلق كلّ منهما على مطلق الإعطاء المتبرّع به ، فيشملان الوقف والصدقة والهبة والسكنى فهما أعمّ منها.

( ولا بدّ فيها ) بعد أهليّة التصرف في الواهب ، وقابلية الملك في الموهوب له ( من الإيجاب ) الدالّ على تمليك العين ولو من غير عوض ، كوهبتك ، وملّكتك ، وأعطيتك ، ونحلتك ، وأهديت إليك ، وهذا لك مع نيتها ، ونحو ذلك. ( والقبول ) الدالّ على الرضاء ، كقبلت ، ورضيت.

بلا خلاف ولا إشكال إن أُريد مطلق ما يدلّ عليهما ولو فعلاً.

ويشكل إذا أُريد ما يدلّ عليهما لفظاً ؛ لصدق الهبة مع عدم اللفظ الدال عليهما حقيقة إن تحقّق ما يدل عليهما فعلاً ، فتدخل في العمومات الدالة على جوازها أو لزومها وسائر أحكامها ، إلاّ أن ظاهر الأصحاب الاتّفاق على اعتبار العقد القولي ، كما يظهر من الكفاية (١) ، وصرّح به في المسالك ، قال : فعلى هذا ما يقع بين الناس على وجه الهدية من غير لفظٍ يدلّ على إيجابها وقبولها لا يفيد الملك ، بل مجرّد الإباحة ، حتى لو كانت جارية لم يحلّ له الاستمتاع بها ، لأن الإباحة لا تدخل في الاستمتاع (٢).

وحينئذٍ لا إشكال في اعتبار اللفظ وسائر ما وقع عليه الاتفاق أو يحكى عليه إن كان ، من العربية والفورية ، دون الماضوية ، فإنه لا يشترط فيه هنا قولاً واحداً ، كما حكاه بعض أصحابنا ، قال : لجوازها على كثير من الوجوه (٣).

__________________

(١) الكفاية : ١٤٣.

(٢) المسالك ١ : ٣٦٧.

(٣) مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٠١.

٢٠٤

ودون الهدية ؛ لعدم الاتّفاق على ذلك ، فقد احتمل في الدروس وفاقاً لظاهر التذكرة وصريح التحرير (١) عدم اعتبار اللفظ فيها ؛ لأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كسرى وقيصر وسائر الملوك فيقبلها ولا لفظ هناك ، واستمرّ الحال من عهده إلى هذا الوقت في سائر الأصقاع ، ولهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الذين لا يعتدّ بعباراتهم ، قال : ومارية القبطية كانت من الهدايا. واستحسنه في المسالك (٢).

وهو كذلك ؛ لا لما مرّ من التعليل ، فإنه كما قيل عليل ؛ بل لما مرّ من لزوم الاقتصار فيما خالف العمومات على مورد الوفاق المقطوع به أو المحكي ، وهما مفقودان في المقام ، لوجود الخلاف ، واستحسان الحاكي له القول بالعدم الذي حكاه عمن مرّ ، وهو لا يجتمع مع الإجماع الذي حكاه لو عمّ المقام ، وإلاّ لما استحسن.

( و ) لا بُدّ فيها من ( القبض ) أيضاً ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في المسالك وغيره (٣) كما يأتي ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة : منها الموثق ، والمرسل القريب منه بفضالة وأبان : عن النحل والهبة ما لم يقبض حتى يموت صاحبها ، قال : « هي بمنزلة الميراث ، وإن كان لصبي في حجره وأشهد فهو جائز » (٤).

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٩١ ، التذكرة ٢ : ٤١٥ ، التحرير ١ : ٢٨١.

(٢) المسالك ١ : ٣٦٨.

(٣) المسالك ١ : ٣٦٩ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٢ : ٤١٢ ، والحدائق ٢٢ : ٣١٠.

(٤) الموثق في : التهذيب ٩ : ١٥٧ / ٦٤٨ ، الإستبصار ٤ : ١٠٧ / ٤٠٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٥ أبواب أحكام الهبات ب ٥ ح ٢. والمرسل في : التهذيب ٩ : ١٥٥ / ٦٣٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٢ أبواب أحكام الهبات ب ٤ ح ١.

٢٠٥

وقريب منها الخبر : « الهبة لا تكون هبة أبداً حتى يقبضها » (١).

وصريح الأولين وظاهر الثالث كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة أن القبض شرط الصحة ، وبه صرّح الحلبي (٢) ، والأكثر كما حكاه الحلّي (٣) ، بل عن ظاهر الدروس والمحقق الثاني وصريح التذكرة ونهج الحق وفخر الإسلام (٤) الإجماع عليه ؛ وهو حجة أُخرى زيادة على الخبرين ، المعتبر أحدهما في نفسه بما مرّ ، مضافاً إلى اعتباره كالآخر بالشهرة المطلقة التي حكاها الحلّي ، والمتأخّرة التي حكاها جماعة من الأجلة (٥) ، مع سلامتهما كالإجماع المحكي عما يصلح للمعارضة ؛ لما ستعرف من الجواب عن الأخبار الآتية ، وعدم قدح بخروج معلوم النسب على تقديره في حجيّة الإجماع مطلقا ، محققة ومحكية ، كما عليه الأصحاب كافّة.

فإذاً لا مسرح عن هذا القول ولا مندوحة ، سيّما مع تأيّده بأصالة بقاء الملك لمالكه إلى أن يتحقق الناقل ، وليس سوى الأمر بالوفاء بالعقود.

وما قيل (٦) من المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض ، قسّمت أو لم تقسّم ، والنحل لا يجوز حتى تقبض ،

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٥٩ / ٦٥٤ ، الإستبصار ٤ : ١٠٧ / ٤٠٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٤ أبواب أحكام الهبات ب ٤ ح ٧.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٢٢.

(٣) السرائر ٣ : ١٧٣.

(٤) الدروس ٢ : ٢٨٦ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ١٤٨ ، التذكرة ٢ : ٤١٧ ، نهج الحق : ٥١٠ ، فخر الإسلام في إيضاح الفوائد ٢ : ٤١٢.

(٥) كصاحب الحدائق ٢٢ : ٣٠٩.

(٦) كما في المختلف : ٤٨٦ ، والمفاتيح ٣ : ٢٠٢.

٢٠٦

وإنّما أراد الناس ذلك فأخطئوا » (١).

والموثقان بأبان ، المجمع على تصحيح رواياته وروايات الراوي عنه فيهما ، وفيهما : « إذا تصدّق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها علمت أو لم تعلم فهي جائزة » (٢).

وفي الجميع نظر ؛ لاندفاع الأوّل بالإجماع على خلافه إن أُريد به ظاهره من لزوم الوفاء بالعقد ، كيف لا ولا خلاف في جواز الرجوع فيها قبل القبض مطلقا.

وإن أُريد به لزوم الوفاء بمقتضى العقد من لزوم أو جواز فلا يدل على المطلوب ؛ لتوقّف الدلالة حينئذٍ على ثبوت المقتضى من خارج وأنه الصحة ، وهو أوّل الدعوى.

وقصور النصوص أوّلاً : عن المكافأة لما مرّ من الأدلة المعتضدة بالأصل والشهرة المحققة والمحكية.

وثانياً : بحسب الدلالة بإجمال القابض هل هو الواهب ، أو الموهوب له؟ وهي لا تتمّ إلاّ على التقدير الأخير دون الأول ؛ إذ المراد منه على هذا التقدير جواز هبة ما لم يقبض ، لا جوازها وإن لم تقبض ، وإذا جاء الإجمال بطل الاستدلال.

مع تأيّد الاحتمال الأوّل والمراد منه ببيان جواز هبة ما لم يقسّم بعد‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٥٦ / ٦٤١ ، الإستبصار ٤ : ١١٠ / ٤٢٢ ، معاني الأخبار : ٣٩٢ / ٣٨ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٣ أبواب أحكام الهبات ب ٤ ح ٤.

(٢) الأُولى : التهذيب ٩ : ١٥٦ / ٦٣٩ ، الإستبصار ٤ : ١١٠ / ٤٢٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٢ أبواب أحكام الهبات ب ٤ ح ٢.

الثانية : التهذيب ٩ : ١٥٦ / ٦٤٠ ، الإستبصار ٤ : ١١٠ / ٤٢١ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٢ أبواب أحكام الهبات ب ٤ ح ٣.

٢٠٧

ذلك في الخبر الأوّل بقوله : « قسّمت أو لم تقسّم » ردّاً على العامة المانعين عن هبته (١).

وبقوّة احتمال ورودها مورد التقية ؛ بناءً على ما يستفاد من تتبّع أخبار الهبة أن المراد بالجواز حيث يطلق فيها اللزوم دون الصحة ، ألا ترى إلى الخبرين ، أحدهما الموثق كالصحيح : « تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب من هبته ، ويرجع في غير ذلك إن شاء » (٢).

وهما كغيرهما كالصريحين بل صريحان في أن المراد من الجواز المطلق في الصدر من دون قرينة ما يقابل جواز الرجوع الذي ذكر في الذيل حقيقة ، وعلى هذا يحتمل قويّاً أن يكون المراد من الجواز في هذه النصوص هو اللزوم ، كما فهمه الشيخ في الاستبصار (٣) ، لا الصحة ، كما فهمه جماعة (٤) ، وحينئذٍ فلم يقل بهذه النصوص أحد من الطائفة.

ويحتمل حملها على التقية ، فإنّ ذلك مذهب بعض العامّة ، كما يستفاد من الانتصار والغنية (٥) ، وبذلك صرّح شيخنا في الاستبصار في الجواب عن النصوص المزبورة بناءً على فهمه اللزوم من الجواز فيها كما قدّمناه ، قال بعد احتماله حملها على الاستحباب ، وذكره القدح في الصحيحة بتضمّنها الفرق بين الهبة والنحلة فيما تضمّنته والحال أنه لا فرق‌

__________________

(١) كما في المغني والشرح الكبير ٦ : ٢٨٤.

(٢) التهذيب ٩ : ١٥٥ / ٦٣٦ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٧ أبواب أحكام الهبات ب ٦ ح ١.

(٣) الإستبصار ٤ : ١١٠.

(٤) منهم : العلاّمة في المختلف : ٤٨٦ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٢ : ٤١٢ ، وأُنظر الكفاية : ١٤٣ ، والحدائق ٢٢ : ٣٠٦.

(٥) الانتصار : ٢٢٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

٢٠٨

بينهما في ذلك اتّفاقاً فتوًى ورواية ـ : ويجوز أن يكون خرج مخرج التقية (١).

وهو في غاية الجودة ، إلاّ أن احتمالها في الصحيحة لا يخلو عن مناقشة ؛ لإباء سياقها عنه إلاّ بمشقّة وكلفة.

وكيف كان ، فلا حجة في هذه الأدلة على من جعل القبض شرط الصحة وإن انتصر بها عليهم من المتأخّرين جماعة (٢) ، زاعمين لأجلها أن القبض شرط اللزوم دون الصحة ، وفاقاً للمحكي عن ظاهر الشيخين والقاضي وابن حمزة (٣) ، فإنّها كما عرفت لا دلالة فيها صريحة بل ولا ظاهرة ، ومع ذلك لا معنى لجعله شرط اللزوم في مطلق الهبة بعد الاتفاق على عدم اللزوم بعد القبض إلاّ في مواضع قليلة ، وتخصيص ذلك بتلك المواضع النادرة دون الكثيرة بمعنى أنه لا يشترط القبض في الهبة ، ولا ثمرة فيه ولا فائدة إلاّ حيث تكون الهبة لازمة بعيد عن إطلاق عبائر الجماعة كافة كما حكاه بعض الأجلّة (٤) باشتراط القبض في مطلق الهبة ، ولعلّه لذا ادّعى في الدروس أن مراد الأصحاب بشرط اللزوم هنا شرط الصحة ، وذكر عن الشيخ القائل بأنه شرط اللزوم ما يعرب عن هذا التوجيه (٥).

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ١١٠.

(٢) منهم : العلاّمة في المختلف : ٤٨٦ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٢٠٢ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤٣.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٥٨ ، الطوسي في المبسوط ٣ : ٣٠٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٩٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٨.

(٤) انظر الحدائق ٢٢ : ٣٠٩.

(٥) الدروس ٢ : ٢٨٦ ، الشيخ في المبسوط ٣ : ٣٠٤.

٢٠٩

ومظهر ثمرة الخلاف النماء المتخلّل بين العقد والقبض ، فإنه للواهب على المختار ، وللمتّهب على غيره.

وما لو مات الواهب قبل الإقباض ، فإنها تبطل على الأول ، ويتخيّر الوارث بين الإقباض وعدمه على الثاني.

وفطرة المملوك الموهوب قبل الهلال الغير المقبوض إلاّ بعده ، فإنها على الواهب على الأول ، وعلى الموهوب له على الثاني. ونفقة الحيوان في المدّة المتخلّلة.

( ويشترط إذن الواهب في القبض ) بلا خلاف أجده ، بل عليه في نهج الحق والدروس والمسالك (١) إجماع الإمامية ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى ما مرّ في بحث الصدقة (٢).

هذا إذا لم يكن بيده مقبوضاً من قبل.

ولو وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد ، ولا إذن فيه ، ولا مضي زمان يمكن فيه قبضه على الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر.

قيل : لحصول القبض المشترط ، فأغني عن قبض آخر وعن مضيّ زمان يسعه ؛ إذ لا مدخل للزمان في ذلك مع كونه مقبوضاً ، وإنّما كان معتبراً مع عدم القبض ، لضرورة امتناع حصوله بدونه (٣).

وفيه نظر ؛ فإنّ دعوى حصول القبض المشترط أوّل البحث ، لعدم عمومٍ يدلّ على كفاية مطلقه لا من إجماع ولا غيره ؛ للخلاف ، وظهور النصوص المشترط له بحكم التبادر في القبض بعد العقد ، فاللازم في غيره‌

__________________

(١) نهج الحق : ٥١٠ ، الدروس ٢ : ٢٩٠ ، المسالك ١ : ٣٦٩.

(٢) راجع ص : ١٩٧.

(٣) الروضة البهية ٣ : ١٩٣.

٢١٠

الرجوع إلى حكم الأصل الدالّ على عدم الصحّة أو اللزوم إلى أن يتحقّق القبض المتيقّن إيجابه لهما ، وليس إلاّ المجمع عليه ، وهو القبض الجديد ، أو المأذون فيه ثانياً للهبة.

ولعلّه لهذا اعتبر بعض الأصحاب (١) ما أسقطه الأكثر ، وهو أظهر إن لم يكن الإجماع من المتأخّرين على خلافه انعقد.

ومن هنا يظهر وجه لما يحكى عن بعض الأصحاب في القبض بعد العقد ، من اشتراط كونه بنيّة الهبة (٢). فإن هذا هو المتيقّن فتوى ورواية ، إلاّ أن الأشهر هنا أيضاً الاكتفاء بمطلق القبض ، وعليه عامّة من تأخّر كالسابق.

وربما قيّده بعضهم بعدم التصريح بأن القبض لغير الهبة ، واستحسن هذا التفصيل في الكفاية (٣).

وهو كذلك إن وجد من العمومات أو المطلقات ما يدل على الاكتفاء بمطلق القبض ، وأمّا مع عدمهما كما هو الظاهر لما ذكر فهو كسابقه ، إلاّ أن ينعقد الإجماع على خلافه ، أو يظهر من قرائن الأحوال كون القبض للهبة دون غيرها.

ويحتمل قوياً المصير إلى مختار الأكثر ؛ لما مرّ في الوقف (٤) ، وسيأتي في هذا البحث من الاكتفاء بقبض الولي الواهب مع سبقه على العقد ، للنصوص الدالّة عليه ، المعلّل بعضها له بحصول القبض من دون أن يذكر فيها ما مرّ من القيود ، وهذا التعليل جارٍ في المفروض ، والعلّة‌

__________________

(١) انظر الجامع للشرائع : ٣٦٥.

(٢) حكاه عنه في الكفاية : ١٤٣.

(٣) الكفاية : ١٤٣.

(٤) راجع ص : ١٠١.

٢١١

المنصوصة يتعدّى بها إلى غير المورد ، كما تقرّر في الأُصول.

( ولو وهب الأب أو الجد ) له ( للولد الصغير ) الذي تولّيا عليه ما هو ملكهما ومقبوضهما قبل الهبة ( لزم ) بلا خلاف ( لأنه مقبوض بيد الوليّ ) فيكفي عن القبض الجديد ، كما مرّ في الوقف ؛ وللمعتبرين المتقدمين في اشتراط القبض ، المتضمّنين لقوله عليه‌السلام : « وإن كان لصبي في حجره وأشهد فهو جائز » (١).

وإطلاقهما كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة ، ونسبه في المسالك وغيره إلى الشهرة (٢) ، كفاية مطلق القبض السابق ولو خلا حين العقد أو بعده عن نيّة القبض عن المتّهب له بالكلية.

خلافاً للعلاّمة فاشترطها (٣). وهو شاذّ ، ومستنده اجتهاد في مقابلة النص المعتبر. نعم ، لا يبعد اعتبار عدم القصد لغيره ، كما في المسالك وغيره (٤).

ولو وهباه ما ليس بيدهما كالمال الذي ورثاه ولم يقبضاه ، أو اشترياه كذلك ، أو آجراه لغيره افتقر إلى القبض عنه ، بلا خلاف ولا إشكال.

أمّا الوديعة فلا يخرج بها عن يد المالك ، فلا يحتاج إلى قبض جديد.

وفي العارية وجهان ، وفي المسالك والكفاية : الأقرب أنها خارجة‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٠٤.

(٢) المسالك ١ : ٣٧٠ ؛ وانظر الكفاية : ١٤٣.

(٣) القواعد ١ : ٢٧٤.

(٤) المسالك ١ : ٣٧٠ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٣١٧.

٢١٢

عن يده (١).

ثم مفهوم العبارة وغيرها من عبائر الجماعة (٢) وصريح آخرين (٣) اشتراط القبض الجديد أو نيته عن الهبة إذا كانت للولد الكبير ، ذكراً كان أو أُنثى. ولا خلاف (٤) إلاّ من الإسكافي ، فألحق الأُنثى مطلقا بالصغير ما دام في حجره بالنسبة إلى هبته (٥). وهو شاذّ ، ومستنده قياس.

وإذا وهب غير الولي للطفل فلا بدّ من القبض ، ويتولاّه الولي أو الحاكم. وفي الوصي تردّد ، ولعلّ الأظهر ( أن له الولاية أيضاً ) (٦).

وقيل بإلحاقه بالولي (٧). ومستنده غير واضح.

( وهبة المشاع ) مطلقا ( جائزة كالمقسوم ) بلا خلاف بيننا ، بل عليه في الغنية ونهج الحق إجماعنا (٨) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، والإطلاقات ، وخصوص المعتبرين المتقدمين (٩) ، والصحيح : عن دارٍ لم تقسم ، فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٧٠ ، الكفاية : ١٤٣.

(٢) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٢٣٠ ، والعلاّمة في الإرشاد ١ : ٤٥٠ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة البهيّة ) ٣ : ١٩٣.

(٣) كالعلاّمة في المختلف : ٤٨٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٧٠ ، وصاحب الحدائق ٢٢ : ٣١٧.

(٤) في « ر » زيادة : في الأوّل ، كذا وفي الثاني.

(٥) على ما نقله عنه في المختلف : ٤٨٨.

(٦) بدل ما بين القوسين في « ت » : العدم.

(٧) كذا في النسخ ، ولعلّ الأنسب : بغير الوليّ. انظر المبسوط ٣ : ٣٠٥ والمسالك ١ : ٣٧٠.

(٨) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، نهج الحق : ٥١٠.

(٩) في ص : ٢٠٥.

٢١٣

فقال : « يجوز » قلت : أرأيت إن كان هبة؟ قال : « يجوز » (١).

وقبضه كقبض البيع عندنا ، كما في المسالك (٢) ، فيجري فيه القولان : بالاكتفاء بالتخلية مطلقاً ، أو التفصيل بها في غير المنقول ، وبالنقل وما في معناه فيه.

فإن قلنا بالأوّل فلا بحث على المشهور ، وإن حكي اعتبار إذن الشريك هنا ايضاً عن الدروس (٣).

وإلاّ كما هو الأقوى فإن كان باقي الحصّة للواهب فإقباضه بتسليم الجميع إلى المتّهب إن أراد تحقّق القبض.

وإن كان لغيره توقّف تسليم الكل على إذن الشريك ، فإن رضي به ، وإلاّ لم يجز للمتّهب إثبات اليد عليه بدونه ، بل يوكّل الشريك في القبض إن أمكن ، وإن تعاسرا رفع أمره إلى الحاكم لينصب أميناً لقبض الجميع ، نصيب الهبة لها والباقي أمانة للشريك حتى يتمّ عقد الهبة ، وفاقاً للشهيدين (٤).

خلافاً للمختلف ، فاكتفى هنا في القبض بالتخلية ولو في المنقول ؛ تنزيلاً لعدم القدرة الشرعيّة منزلة عدم القدرة الحسيّة في غير المنقول (٥).

ويضعّف بمنع عدم القدرة الشرعيّة حيث يوجد الحاكم المُجبر ، أمّا مع عدمه فلا بأس به ، دفعاً للعسر والضرر.

ثمّ لو قبض في محل النهي لكن بإذن الواهب فالأصح تحقّقه ، إمّا‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٤ / ٢٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٦ أبواب أحكام الهبات ب ١٢ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ٣٧٠.

(٣) الدروس ٢ : ٢٩٠.

(٤) الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٢٩٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٧١.

(٥) المختلف : ٤٨٨.

٢١٤

لعدم اقتضاء النهي الفساد في نحو المقام ، أو لتعلّقه بالخارج عن متعلّق الهبة ، وهو قبض مال الشريك خاصّة. خلافاً للمسالك (١) ، فلم يعتبر مثل هذا القبض لوجه غير واضح.

( ولا يرجع في الهبة لأحد الوالدين بعد القبض و ) كذا ( في غيرهما من ذوي الرحم على الخلاف ) فيهم.

ظاهر العبارة هنا وصريحها في الشرائع كعبارة التحرير (٢) الإجماع على المنع من الرجوع فيها إذا كانت لأحد الأبوين واختصاصه بهما ، وقال في المختلف : وإذا وهب الأب ولده الصغير أو الكبير وأقبضه لم يكن للأب الرجوع في الهبة إجماعاً ، ولو كان لغير الولد من ذوي الأرحام فللشيخ فيه قولان (٣).

وظاهره الدلالة على عدم وقوع الخلاف إذا كانت الهبة من الأب للأولاد ، ووقوعه إذا كانت من الأولاد لآبائهم.

وفي الدروس قصر الإجماع بعدم الرجوع على هبة الأب ولده الصغير (٤). ويفهم منه وقوع الخلاف في الكبير وفي الآباء.

ومقتضى الجمع بين هذه الكلمات وقوع الإجماع على عدم جواز الرجوع إذا كانت لأحد الأبوين وإن علا ، أو الأولاد وإن نزلوا ، كما صرّح به الصيمري والشهيد الثاني (٥) ، حاكياً عن المصنّف ما يدلّ عليه ، وإن اختصّ عبارته بالإجماع في الوالدين ، وحكي التصريح بالإجماع كذلك عن التذكرة‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٧١.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٣٠ ، التحرير ١ : ٢٨٣.

(٣) المختلف : ٤٨٤.

(٤) الدروس ٢ : ٢٨٧.

(٥) المسالك ١ : ٣٧١.

٢١٥

والمهذّب والمحقق الثاني (١) ، لكنه لم يصرّح بالإجماع ، بل نفى الخلاف عنه بيننا ، وبه على مطلق ذي الرحم صرّح في الغنية (٢) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، وعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد من الكتاب والسنّة ، والمعتبرة المستفيضة عموماً وخصوصاً ، فمن الأوّل : المعتبرة الثلاث (٣) ، ومنها الصحيح : إنما مثل الذي يرجع في هبته كالذي يرجع في قيئه.

ونحوها الخبر ، بل هو بالدلالة على اللزوم أظهر : « أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك ، فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها » (٤).

وهي بعمومها تشمل الهبة للأبوين والأولاد ، كما هو إجماع ، ولغيرهم من ذوي الرحم ، كما هو الأظهر الأشهر ، وعليه عامّة من تأخّر إلاّ من شذّ وندر (٥) ، وفاقاً للمفيد وأحد قولي الطوسي وللديلمي والقاضي وابن زهرة (٦) مدّعياً عليه كما عرفت إجماع الإماميّة.

ومن الثاني : في مطلق ذي الرحم الصحاح ، منها : « الهبة والنحلة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٨ ، المهذب البارع ٣ : ٧١ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ١٥٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٣) انظر الوسائل ١٩ : ٢٤١ أبواب أحكام الهبات ب ٧ ح ٥ ، وص ٢٤٣ ب ١٠ ح ٣ ، وج ١٨ : ٣٣ أبواب الخيار ب ١٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ١٥٨ / ٦٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠٩ / ٤١٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٤ أبواب أحكام الهبات ب ١٠ ح ٤.

(٥) وهو السبزواري في الكفاية : ١٤٤.

(٦) المفيد في المقنعة : ٦٥٨ ، الطوسي في النهاية : ٦٠٢ ، الديلمي في المراسم : ١٩٩ ، القاضي في المهذب ٢ : ٩٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

٢١٦

يرجع فيها صاحبها إن شاء ، حيزت أو لم تُحَزْ ، إلاّ لذي رحم فإنه لا رجوع فيها » (١).

ومنها : عن الرجل يهب الهبة ، أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : « تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب من هبته ، ويرجع في غير ذلك إن شاء » (٢) ونحوهما صحيح آخر (٣). والمراد بالجواز فيه اللزوم بقرينة السؤال والسياق.

ومنه : في هبة الوالد للولد خاصة الموثق والمرسل القريب منه المتقدمان في اشتراط القبض (٤) ، ونحوهما موثق آخر يأتي ذكره.

ومنه في هبة الولد للُامّ الموثق : عن رجل أعطى أمّه عطيّة فماتت وكانت قد قبضت الذي أعطاها وبانت به؟ قال : « هو والورثة فيها سواء » (٥).

ولا قائل بالفرق.

خلافاً للانتصار ، فجوّز الرجوع مطلقاً ولو كان المتّهب أباً أو أولاداً ، مدّعياً عليه الإجماع (٦).

وهو شاذّ ، ولا عبرة بإجماعه بعد ظهور وهنه بمصير الأكثر إلى‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١ / ٧ ، التهذيب ٩ : ١٥٦ / ٦٤٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٧ أبواب أحكام الهبات ب ٦ ح ٢.

(٢) التهذيب ٩ : ١٥٥ / ٦٣٦ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٧ أبواب أحكام الهبات ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ١٥٨ / ٦٥٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٢ أبواب كتاب الهبات ب ٩ ذيل حديث ٣.

(٤) راجع ص : ٢٠٤.

(٥) الكافي ٧ : ٣٢ / ١٦ ، التهذيب ٩ : ١٥٤ / ٦٣١ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٥ أبواب أحكام الهبات ب ٥ ح ٣.

(٦) الانتصار : ٢٢٣.

٢١٧

خلافه ، ومعارضته بالإجماعات المستفيضة في ردّه ، مع استفاضة المعتبرة المتقدمة عموماً وخصوصاً بخلافه ، فقوله ضعيف غايته ، وإن مال إليه في الكفاية لنصوص قاصرة السند والدلالة عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة ، وإن كانت في حدّ ذاتها معتبرة ، منها الموثق : « أما الهبة والنحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة » (١).

قال بعد أن ذكرها وذكر الصحاح الخاصة المعارضة لها ـ : ويمكن الجمع بينهما بحمل الصحاح وما في معناها على الكراهة الشديدة ، وهو أولى من اطراح الأخبار الثلاثة المعتبرة (٢).

وفيه : أن الجمع بذلك فرع المكافأة ، وهي لاعتضاد الصّحاح بالأصل والشهرة العظيمة ، والإجماعات المحكية البالغة حدّ الاستفاضة ، وفقد هذه المرجّحات في الأخبار الثلاثة مع قصور أسانيدها مفقودة.

مع احتمالها الحمل على وجهٍ لا يستلزم اطراحها بالمرّة ، بأن يقال : قوله : « وإن كانت لذي قرابة » قيد لقوله : « أو لم يحزها » يعني أنه إذا لم يحزها فله الرجوع فيها مطلقاً وإن كانت لذي قرابة ، وهو معنىً صحيح ، وإن كان بالنظر إلى ظاهرها بعيداً ، لكن مع احتماله وإن بَعُد لا يستلزم العمل بتلك الصحاح تركها بالمرّة كما ذكره ، بل ارتكاب مثله مع ما هو عليه من البُعد أولى من حمل تلك الصحاح على الكراهة الشديدة كما ذكره.

وبما ذكرناه يظهر الجواب عما ذكره أخيراً بقوله : ومع قطع النظر عن الأخبار الثلاثة المذكورة قد وقع التعارض بين تلك الصحاح وصحيحة‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٥٧ / ٦٤٥ ، الإستبصار ٤ : ١٠٦ / ٤٠٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٨ أبواب أحكام الهبات ب ٦ ح ٣.

(٢) كفاية الأحكام : ١٤٤.

٢١٨

زرارة (١) وما في معناها مما يدل على جواز الرجوع مطلقاً ، كموثقة عبيد بن زرارة (٢) ، وصحيحة جميل والحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع ، وإلاّ فليس له » (٣).

ويمكن الجمع بوجهين : حمل المطلق على المقيّد ، وثانيهما : حمل أخبار المنع على الكراهة ، والترجيح للثاني ، ويشهد له الأخبار الثلاثة المذكورة. إلى آخر ما ذكره.

فإن الجمع بما ذكره فرع قوّة ما قابل الصحاح من الأخبار ، وهي لما عرفت مفقودة.

مع أنه على تقدير التكافُؤ والقوة فالجمع الأوّل من حمل المطلق على المقيّد ، مع أوفقيّته بالأصل في المسألة أرجح من الحمل على الكراهة من وجوه عديدة ، وقد قامت بإثباته الأدلّة القاطعة من الفتوى والرواية ، ولا كذلك الحمل على الكراهة ، إذ لم يقم على إثباتها شي‌ء من الأدلّة.

نعم ، ربما يرتكب في موضع لم يبلغ المنع فيه درجة الحجّة لقصوره عن المقاومة للأدلّة المبيحة ، أو بلغها ولكن عارضه ما يكافئه من الأدلّة المبيحة ، فيرتكب حينئذٍ الحمل على الكراهة ، لأصالة الإباحة ، أو غيرها من الأُصول الشرعيّة ، وليس مفروض المسألة من شي‌ء من الموضعين ، لما‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٥٢ / ٦٢٤ ، الإستبصار ٤ : ١١٠ / ٤٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٣١ أبواب أحكام الهبات ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٠ / ٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٣ / ٦٢٥ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١١ ، الوسائل ١٩ : ٢٤٣ أبواب أحكام الهبات ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٣٢ / ١١ ، التهذيب ٩ : ١٥٣ / ٦٢٧ ، الإستبصار ٤ : ١٠٨ / ٤١٢ ، الوسائل ١٩ : ٢٤١ أبواب أحكام الهبات ب ٨ ح ١.

٢١٩

عرفت من فقد المكافأة ، وتوافق الأُصول الشرعيّة مع ما دلّ على عدم جواز الرجوع في الهبة بعد القبض لذي القرابة.

مع اعتضادها كالأخبار الدالّة عليه بما مرّ من عمومات المستفيضة الدالّة على عدم جواز الرجوع في الهبة بالكليّة ، خرج منها ومن الأُصول الهبة لغير ذوي القرابة بالإجماع المحكي في الغنية والمختلف وغيرهما من كتب الجماعة (١) ، وبمفهوم الصّحاح المتقدمة ، فتبقى فيهم على المنع دالّة ، والعام المخصّص في الباقي حجّة على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة علمائنا الإماميّة.

ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بجواز الرجوع في هبة غير العمودين من الآباء والأولاد من ذوي القرابة ، كما عن الإسكافي والطوسي والحلّي (٢) ، مع اضطرابٍ له في ذلك في المختلف عنه قد حكي (٣).

وأمّا الصحيح والموثق الدالاّن على جواز رجوع الوالد في هبته لولده مطلقاً ، كما في الأول : عن رجل كان له على رجل مال ، فوهبه لولده ، فذكر له الرجل المال الذي له عليه فقال له : ليس عليك فيه شي‌ء في الدنيا والآخرة ، قلت : يطيب ذلك له وقد كان وهبه لولد له؟ قال : « نعم يكون وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا » (٤).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، المختلف : ٤٨٥ ؛ وانظر السرائر ٣ : ١٧٣ ، وكشف الرموز ٢ : ٥٨ ، والتذكرة ٢ : ٤١٨ ، وقال في المفاتيح ٣ : ٢٠٤ بلا خلاف.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٨٥ ، الطوسي في الخلاف ٣ : ٥٦٧ والتهذيب ٩ : ١٥٧ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٧٥.

(٣) المختلف : ٤٨٥.

(٤) التهذيب ٩ : ١٥٧ / ٦٤٩ ، الإستبصار ٤ : ١٠٦ / ٤٠٥ ، الوسائل ١٩ : ٢٣٠ أبواب أحكام الهبات ب ٢ ح ١.

٢٢٠