رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

للاشتراط كلّيّةً إلاّ أنه حجرتهم عن العمل به في المسألة العلّة المزبورة ، ومثله يعدّ إجماعاً على الاشتراط مطلقاً ، فيتّخذ عليه كذلك حجّة ، ويذبّ عن العلّة بما مرّ إليه الإشارة.

مضافاً إلى الأُصول القطعية ، كأصالة عدم الانتقال ، وبقاء الموصى به على حالته السابقة من الملكية ، والحكم بانتقاله إلى الورثة.

وعليك برعاية هذا الأصل ، فإنه ينفعك في كثير من المباحث الآتية.

وأمّا المقارنة بينهما فغير شرط بالإجماع ، كما في المسالك وغيره (١) ، ولا يدانيه شبهة ، بل في صحة القبول قبل الموت قولان مستندان إلى وجوه مدخولة. والأقرب القول بعدم الصحة ؛ للأصل المتقدم إليه الإشارة.

ولا يمكن الاستدلال للصحة بعموم الأمر بالوفاء بالعقود ؛ لأن الأمر به إنما هو من حين انعقاد العقد ، ولزومه الذي هو مقتضى الأمر من حينه مخالف للإجماع على جواز رجوع الموصي وردّ الموصى له الوصية قبل الموت. وبه أفتى في المختلف تبعاً للغنية (٢) ، وظاهر الروضة كونه الأشهر بين الطائفة (٣).

خلافاً للمحكي عن الحلّي والماتن والفاضل في جملة من كتبه (٤).

ثم في اقتصار الماتن على الإيجابين دلالة على عدم اعتبار شي‌ء آخر فيها مما وقع فيه النزاع بين الأصحاب ، كالقبض. وهو الأصح ؛ للأصل ، وعمومات الأمر بالوفاء بالعقد ، والصحيح : عن رجل اوصي له بوصية‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٨٦ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٣٩٠.

(٢) المختلف : ٤٩٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

(٣) الروضة ٥ : ١٤.

(٤) الحلي في السرائر ٣ : ١٨٤ ، الماتن في الشرائع ٢ : ٢٤٣ ، الفاضل في التحرير ١ : ٢٩٢ ، والقواعد ١ : ٢٩٠ ، والإرشاد ١ : ٤٥٧.

٢٦١

فمات قبل أن يقبضها ، ولم يترك عقباً ، قال : « اطلب له وارثاً أو مولىً فادفعها إليه » قلت : فإن لم أعلم له وليّاً؟ قال : « اجهد على أن تقدر له على وليّ ، فإن لم تجد وعلم الله تعالى منك الجدّ فتصدّق بها » (١).

وقيل : شرط (٢) ؛ قياساً على الوقف والهبة. وهو ضعيف ، والأولويّة غير واضحة ، فاتّخاذها حجَّة لا يخلو عن مناقشة ، سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

واعلم أن إيجابها هو كلّ لفظٍ دالّ على المعنى المطلوب منها ، كأوصيت لفلان بكذا ، أو افعلوا كذا بعد وفاتي ، أو لفلان بعد وفاتي كذا.

وقبولها الرضا بما دلّ عليه الإيجاب ولو فعلاً ، كالأخذ والتصرّف.

( وتكفي ) في الإيجاب ( الإشارة ) وكذا الكتابة ( الدالّة على المقصود ) مع تعذّر اللفظ بخرس أو اعتقال لسان ، إجماعاً ؛ للنصوص.

منها الصحيح في التهذيب ، المروي فيه وفي الفقيه بطريق آخر موثق أيضاً : أن امامة بنت أبي العاص وأُمّها زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت تحت عليّ عليه‌السلام بعد فاطمة عليها‌السلام ، فخلف عليها بعد عليّ عليه‌السلام المغيرة بن نوفل ، فذكر أنها وجعت وجعاً شديداً حتى اعتقل لسانها ، فجاءها الحسنان عليهما‌السلام وهي لا تستطيع الكلام ، فجعلا يقولان لها والمغيرة كاره لذلك : « اعتقتِ فلاناً وأهله؟ » فجعلَتْ تشير برأسها : نعم إلى أن قال ـ : فأجازا ذلك لها (٣) وقريب منه في أصل المطلب المروي في الكافي (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٦ / ٥٤٢ ، التهذيب ٩ : ٢٣١ / ٩٠٥ ، الإستبصار ٤ : ١٣٨ / ٥١٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٠ ح ٢.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٣.

(٣) الفقيه ٤ : ١٤٦ / ٥٠٦ ، التهذيب ٩ : ٢٤١ / ٩٣٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٩ ح ١.

(٤) الكافي ١ : ٣٧٧ / ٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٩ ح ٣.

٢٦٢

وعن قرب الإسناد ، عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة ، فجعل أهاليهما يسأله : أعتقت فلاناً وفلاناً؟ فيومئ برأسه أو تومئ برأسها في بعض : نعم ، وفي بعضٍ : لا ، وفي الصدقة مثل ذلك ، أيجوز ذلك؟ قال : « نعم هو جائز » (١).

ومنها الخبر المروي في الفقيه والتهذيب ، عن مولانا الباقر عليه‌السلام قال : « دخلت على محمّد بن الحنفيّة وقد اعتقل لسانه ، فأمرته بالوصيّة فلم يجب » قال : « فأمرت بالطست فجعل فيه الرمل فوضع ، فقلت له : فخطّ بيدك » فقال : « فخطّ وصيّته بيده ( إلى رجل ) (٢) ونسخته أنا في صحيفة » (٣).

( ولا تكفي الكتابة ) وكذا الإشارة ( ما لم تنضمّ ) إليها ( القرينة ) الحاليّة ( الدالّة على الإرادة ) كما في الرواية ، بلا خلافٍ أجده ، بل ادّعى عليه في السرائر إجماع الإماميّة (٤) ؛ لأنها أعمّ من قصد الوصيّة.

وظاهر العبارة كفايتهما مع القرينة مطلقاً ، ولو لم يكن حال ضرورة ، واحتمله في التذكرة ، قال : لأن الكتابة بمثابة كنايات الألفاظ وقد بيّنا جواز الوصيّة بالكناية الّتي ليست صريحة في دلالتها عليها مع القرينة ، فإذا كتب وقال : نويت الوصية لفلان ، أو اعترف الورثة بعد موته به وجب أن يصح (٥).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٨٣ / ١١٢١ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٩ ح ٢.

(٢) كذا في النسخ والتهذيب ، وفي باقي المصادر : في الرمل.

(٣) الفقيه ٤ : ١٤٦ / ٥٠٥ ، التهذيب ٩ : ٢٤١ / ٩٣٤ ، إكمال الدين ٣٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٨ ح ١.

(٤) السرائر ٢ : ١٧٦.

(٥) التذكرة ٢ : ٤٥٢.

٢٦٣

ولا يخلو عن قوّة مع قطعيّة دلالة القرينة على إرادة الوصيّة ؛ لصدق الوصيّة معها عرفاً وعادة.

مضافاً إلى التأيّد بكثير من النصوص المتقدم بعضها الناهية عن أن يبيت الإنسان إلاّ ووصيّته تحت رأسه (١).

خلافاً للشهيدين ، فخصّاهما بحال الضرورة (٢).

قال ثانيهما : ولا تكفيان مع الاختيار وإن شوهد كاتباً أو علم خطّه أو عمل الورثة ببعضها إلى أن قال ـ : أو قال : إنه بخطّي وأنا عالم به ، أو هذه وصيّتي فاشهدوا عليّ بها (٣) ، ونحو ذلك ، بل لا بُدّ من تلفّظه به أو قراءته عليه واعترافه بعد ذلك ؛ لأن الشهادة مشروطة بالعلم وهو منفي هنا. خلافاً للإسكافي ، حيث اكتفى به مع حفظ الشاهد له عنده. والأقوى الاكتفاء بقراءة الشاهد له مع نفسه مع اعتراف الموصي بمعرفة ما فيه وأنه موصٍ به ، وكذا القول في المقرّ (٤).

والعجب من التذكرة (٥) ، حيث صرّح بمثل هذا مع احتماله بل واختياره ما قدّمناه.

( ولا يجب العمل بما يوجد بخطّ الميت ) وإن علم أنه خطّه مع التجرّد عن القرينة الدالّة على وصيّته بما فيه مطلقاً ، وإن عمل ببعضه الورثة ، على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ لما مرّ من كونه أعمّ من قصد الوصيّة ، مع ظهور الرواية

الآتية فيه في الجملة ، فلا يصرف‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٥٤.

(٢) الدروس ٢ : ٢٩٥ ، الروضة البهية ٥ : ١٨ ، ١٩.

(٣) وادّعى في هذا الإجماع على عدم الكفاية في السرائر ( ٢ : ١٧٦ ). منه رحمه‌الله.

(٤) انظر الروضة ٥ : ١٩.

(٥) التذكرة ٢ : ٤٥٢.

٢٦٤

إليها إلاّ مع القرينة.

( وقيل ) كما عن النهاية (١) : إنه ( إن عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل بجميعها ) لمكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني إلى أبي الحسن عليه‌السلام : رجل [ كتب كتاباً بخطّه ولم يقل لورثته : هذه وصيّتي ، ولم يقل : إنّي قد أوصيت ، إلاّ أنه (٢) ] كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على الورثة القيام بما في الكتاب بخطّه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب عليه‌السلام : « إن كان له ولد ينفذون كلّ شي‌ء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ وغيره » (٣).

( وهو ضعيف ) لمخالفته الأصل المتقدم المعتضد بالشهرة العظيمة ، مع كونه كتابة ؛ مضافاً إلى ما في سنده من القصور بالجهالة ، وفي متنه من عدم الصراحة.

وإن كان وجوه الذبّ عن جميع ذلك ممكنة.

فعن الأوّل : بأنه مخالفة العموم والخصوص فينبغي التخصيص.

والثاني : بالمنع عن ضرر الكتابة بالحجيّة ، مع أنه على تقدير تسليمه إنما هو لاحتمال الورود مورد التقيّة ، وهو غير ممكن في الرواية ؛ لأن التفصيل فيها مخالف لما عليه العامّة ، كما يستفاد من التذكرة (٤).

والثالث : باختصاص القصور بسندها في التهذيب ؛ فإنها بسند حسن بل صحيح في الفقيه مرويّة.

__________________

(١) النهاية : ٦٢١.

(٢) أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.

(٣) الفقيه ٤ : ١٤٦ / ٥٠٧ ، التهذيب ٩ : ٢٤٢ / ٩٣٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٨ ح ٢.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٥٢.

٢٦٥

والرابع : باندفاعه بالزيادة التي ذكرها في التذكرة ، حيث رواها هكذا : فكتب : « إن كان له ولد ينفذون شيئاً منه وجب عليهم أن ينفذوا كلّ شي‌ء يجدون في كتاب أبيهم » (١) إلى آخر الرواية ، وهي حينئذٍ كما ترى ظاهرة ، إلاّ أنها محتملة لما أجاب به عنها في التذكرة (٢) من الحمل على أنهم اعترفوا بصحّة هذا الخطّ فحينئذٍ يجب العمل بالجميع ، وأمّا لو أنكروا واقتصروا في الاعتراف بالصحّة على بعضه لم يجب عليهم العمل إلاّ بما اعترفوا به.

وتحتمل أيضاً ككلام النهاية الحمل على أن عملهم بالبعض قرينة لاعترافهم بصحّة الباقي ، فيجب عليهم العمل بها فيه أيضاً في الظاهر ، بمعنى : أنهم يلزمون بذلك في ظاهر الحال وإن لم يكن عليهم فيما بينهم وبين الله تعالى شي‌ء إذا لم يعلموا بصحّة الباقي.

لكن في هذا الحمل مخالفة للأصل أيضاً ؛ فإن عملهم بالبعض غير الاعتراف بصحته حتّى يؤخذ دليلاً ظاهريّاً على صحّة الباقي ؛ لاحتماله غير ذلك من التبرّعِ ونحوه.

وبالجملة : رفع اليد عن الأصل المقطوع به المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً بمجرّد هذه الرواية مع قصور سندها عن الصحّة ، وكونها مكاتبة توجب المرجوحية وإن لم تخرجها الكتابة عن أصل الحجيّة ، وندرة القائل بها ، مشكل بلا شبهة.

( ولا تصحّ الوصية في معصية كمساعدة الظالم ) في ظلمة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٥٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٨ ذيل حديث ٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٥٢.

٢٦٦

( وكذا وصيّة المسلم للبيع والكنائس ) بلا خلافٍ أجده ، وبه صرّح في المفاتيح (١) ، وهو ظاهر غيره (٢) ؛ وهو الحجّة في الحرمة وعدم الصحة.

مضافاً في الاولى إلى أنها معاونة على الإثم محرّمة بالكتاب وغيره من الأدلّة.

وفي الخبر : عن قول الله عزّ وجلّ : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٣) الآية ، فقال : « نسختها التي بعدها قوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) (٤) قال : « يعني الموصى إليه إن خاف جَنَفاً من الموصي في ثلثه فيما أوصى به إليه مما لا يرضى الله تعالى به من خلاف الحق ، فلا إثم على الموصى إليه أن يبدّله إلى الحق وإلى ما يرضى الله به من سبيل الحق » (٥).

وفي السند جهالة ، إلاّ أن فيه ابن محبوب ، وقد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

ويستفاد من تخصيص العبارة بطلان الوصية للبِيَع والكنائس بالمسلم عدمه أو التردّد فيه إذا كانت من الكافر. خلافاً لظاهر إطلاق عبارته في الشرائع ، حيث حكم ببطلان الوصية لهما مطلقاً (٦) ، مع أنه حكم في الوقف بصحته منه لهما (٧).

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٢٣.

(٢) انظر المسالك ١ : ٣٩٠.

(٣) البقرة : ١٨١.

(٤) البقرة : ١٨٢.

(٥) الكافي ٧ : ٢١ / ٢ ، التهذيب ٩ : ١٨٦ / ٧٤٧ ، تفسير العياشي ١ : ٧٨ / ١٧٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٥١ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٨ ح ١.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٤٤.

(٧) الشرائع ٢ : ٢١٤.

٢٦٧

وربما يجمع بين الحكمين بمعنى إقراره عليه لو ترافعوا إلينا ، إجراءً لهم على أحكامهم ، وهو معنى الصحّة ظاهراً ، وإن كان باطلاً في نفسه ، ومرجع هذا الجمع إلى القول بالبطلان.

وربما وجّه بفقد شرط الصحة الذي هو عدم استلزام الوصية الإعانة المحرّمة ؛ بناءً على أن الكافر مكلّف بالفروع التي منها نحو هذه الإعانة.

وهذا لإثبات التحريم في غاية الجودة ، دون البطلان ، فإنه محلّ مناقشة ، إلاّ أن يدّعى التلازم بين الأمرين في الوصيّة ، كما هو ظاهر الجماعة والرواية المتقدّمة.

( الثاني : في الموصي ).

( ويعتبر فيه كمال العقل ) فلا تصحّ من المجنون مطلقاً ، ولو كان أدواريّاً إذا كانت حال جنونه ، إجماعاً ؛ لحديث رفع القلم عن جماعة عُدّ منهم (١) ، وعموم أدلّة الحجر عليه (٢).

ولا من السفيه مطلقاً ، كما عن ابن حمزة وأحد قولي الفاضل (٣) ؛ للأدلّة الأخيرة.

وفي شمولها للحجر عليه في نحو مفروض المسألة مناقشة ، وإن كان ظاهر الجماعة ذلك ؛ لاختصاصها بحكم التبادر وغيره بالتصرفات الماليّة حال الحياة خاصّة.

فالأصح الجواز مطلقاً ، وفاقاً للفاضل في قوله الثاني (٤) ؛ للأصل ،

__________________

(١) الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٢) انظر الوسائل ١٨ : ٤٠٩ أبواب أحكام الحجر ب ١.

(٣) ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٢ ، الفاضل في القواعد ١ : ٢٩٢ ، والتحرير ١ : ٢٩٣.

(٤) انظر التذكرة ٢ : ٤٦٠.

٢٦٨

والعمومات السليمة عما يصلح للمعارضة ، مع تأيّدها في الجملة بفحوى النصوص الآتية في صحّة وصية من بلغ عشراً في وجوه البرّ ، ولعلّه لذا اختار الصحّة فيها جماعة ، كالمفيد والديلمي والحلبي وابن زهرة (١) مدّعيا عليه الإجماع في الغنية ، ومنعوها في غيرها ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وهو حسن إن صحّ شمول الأدلّة المانعة لنحو المسألة ، والمناقشة فيه كما عرفت واضحة ، إلاّ أن يكون الشمول إجماعاً من الجماعة.

( و ) يعتبر فيه أيضاً ( الحريّة ) بلا خلاف أجده ؛ والحجّة فيه بعده على المختار من عدم مالكيّته واضحة. وكذا على غيره ؛ إمّا لعموم أدلّة الحجر عليه ، كما ذكره بعض الأجلّة (٢) ، أو للمعتبرين ، أحدهما الصحيح : « في مكاتب قضى نصف ما عليه وأوصى بوصية فأجاز نصف الوصية ، وفي مكاتب قضى ثلث ما عليه وأوصى بوصية فأجاز ثلث الوصية » (٣).

وثانيهما المرسل كالموثق : في مكاتب أوصى بوصية قد قضى الذي كوتب عليه إلاّ شيئاً يسيراً ، فقال : « يجوز بحساب ما أُعتق منه » (٤).

وبمضمونها من صحة الوصية من المكاتب المطلق بقدر ما أدّى من وجه الكتابة صرّح في التذكرة (٥). ولا شبهة فيه ؛ مضافاً إلى الأصل والعمومات السليمة عن المعارض.

ثم إن المنع إنما هو إذا مات على العبودية.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٦٧ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

(٢) انظر الدروس ٢ : ٢٩٩ ، والحدائق ٢٢ : ٤٠٨.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٢٣ / ٨٧٦ ، الوسائل ١٩ : ٤١٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٨١ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٢٣ / ٨٧٥ ، الوسائل ١٩ : ٤١٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٨١ ح ٢.

(٥) التذكرة ٢ : ٤٦٠.

٢٦٩

وأما لو عتق وملك ففي صحة وصيته حال الرقّية أم فسادها احتمالان. أجودهما الثاني ، وفاقاً للتذكرة (١) ؛ لأصالة عدم الصحة السابقة.

ووجّه الأوّل بأنه صحيح العبارة وقد أمكن تنفيذ وصيّته ، وجعله في الدروس أحد قولي الفاضل (٢) ، وفي التذكرة أظهر قولي الشافعية (٣).

( وفي ) صحة ( وصية من بلغ ) بحسب السن ( عشراً ) وكان مميّزاً صارفاً إيّاها ( في البرّ ) والمعروف ، كبناء المساجد والقناطر ، وصدقة ذوي الأرحام ( تردّد ) ينشأ : من الأصل ، وعموم أدلّة الحجر عليه من الكتاب والسنة.

ومن العمومات ، وقوّة احتمال اختصاص تلك الأدلّة بالحجر عليه في التصرفات حال الحياة خاصّة.

أو تخصيصها بخصوص ( المروي ) (٤) من ( الجواز ) في الموثقات المستفيضة ، وغيرها من الصحيح وغيره ، المنجبر ضعفه كقصور الأوّلة عن الصحّة بالشهرة العظيمة المتقدّمة والمتأخّرة ، كما اعترف بها الجماعة كافّة ، بل ربما يستشعر من الدروس الإجماع عليه (٥) ، وبه صرّح في الغنية (٦) ؛ وهو حجّة أُخرى مستقلة.

ولا يقدح إطلاق الجواز في بعضها من دون تقييد بالعشر ، كالموثق‌ :

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦٠.

(٢) الدروس ٢ : ٢٩٩.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٦٠.

(٤) انظر الوسائل ١٩ : ٣٦٠ أبواب أحكام الوصايا ب / ٤٤.

(٥) الدروس ٢ : ٢٩٨.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

٢٧٠

« يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم » (١).

لوجوب تقييده به ، كما أفصح عنه باقيها ، كالموثقات ، في أحدها : « إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته » (٢).

وفي الثاني : عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال : « إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته » (٣) ونحوهما الثالث (٤) ، وغيرها.

وكذا لا يقدح تضمنه جواز الطلاق والصدقة ، مع أن الأظهر الأشهر عدمه ؛ بناءً على أن خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يوجب خروجها عنها جملة.

لكن الجواب بمثل هذا عن هذه الرواية لا يخلو عن مناقشة ، إلاّ أن غاية ذلك خروجها عنها جملة ، ولا ضير ؛ فإن في البواقي كفاية إن شاء الله تعالى.

وهي وإن كانت أيضاً محل مناقشة سنداً في بعض ، ودلالة بنحو ما مرّ من التضمّن لما لا يقولون به في آخر ، إلاّ أن سلامة بعضها عن جميع ذلك ، كالروايات المتقدمة ، واعتضادها بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدمة ، مضافاً إلى الأصل وإطلاقات بل عمومات لزوم إنفاذ الوصية السليمة عما يصلح للمعارضة من أدلّة الحجر عليه كما مرّت إليه الإشارة ـ

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣٣ ، الوسائل ١٩ : ٢١٢ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٢٨ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠١ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٧.

(٤) الكافي ٧ : ٢٨ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، التهذيب ٩ : ١٨١ / ٧٢٩ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٤.

٢٧١

كفتنا مئونة الاشتغال بتصحيح تلك الأخبار ، وأوجبت علينا المصير إلى القول بالصحة.

خلافاً للحلّي (١). وهو شاذّ ، ومستنده ضعيف كما مرّت إليه الإشارة ، وإن ظهر من الماتن هنا تردّده فيها ، كالشهيدين في المسالك والروضتين (٢) ، وكذلك الفاضل في المختلف (٣) ، حيث جعل المنع أحوط.

وفي كونه أحوط مطلقاً نظر ، بل يختلف في حق الوارث الغير المحجور عليه ، والموصى له ، فالاحتياط للأوّل الإنفاذ ، وللثاني العدم كما ذكره.

ثم إن ظاهر إطلاق النصوص المتقدمة جوازها من ذي العشر مطلقاً ولو لم يكن مميّزاً ، وقد اتّفق الأصحاب على اشتراط التمييز ووضع الوصية في محلّها كما يفعله العقلاء. ولا ريب فيه ؛ للأخبار الباقية ، كالموثق : في الغلام ابن عشر سنين يوصي ، قال : « إذا أصاب موضع الوصية جازت » (٤).

وفي الصحيح : « إذا بلغ عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته ، فإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله اليسير في حقّ جازت وصيته » (٥).

وهذا بحسب الذيل شاذّ محجوج بإطلاق مفاهيم الأخبار السابقة ، وإن كان ظاهر الفقيه العمل به كالنهاية (٦) ، لكنّه بدّل السبع بالثمانية.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٠٦.

(٢) المسالك ١ : ٣٩٢ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٢٢.

(٣) المختلف : ٥١٠.

(٤) التهذيب ٩ : ١٨١ / ٧٢٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٦.

(٥) الكافي ٧ : ٢٩ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٣ ، التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٦١ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٢.

(٦) الفقيه ٤ : ١٤٥ ، النهاية : ٦١١.

٢٧٢

ونحوه في الشذوذ والمحجوجية بمفاهيم الأخبار السابقة ما حكي عن الإسكافي (١) : من جواز وصية الذكر إذا كان له ثماني سنين ، والجارية إذا كان لها سبع سنين ، وكذا الرواية الدالة عليه (٢) ، مع أنها ضعيفة سنداً ، مهجورة بين المسلمين كافّة ؛ لظهورها في بلوغهما بتينك المدّتين ، ولا قائل به حتى الإسكافي قطعاً ، ولذا خصّ وصيّتهما خاصة من بين الأحكام التي دلّت عليها تلك الرواية بالذكر والفتوى ، ولم يفتِ بباقيها.

ونحوهما في ذلك الصحيح : « الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام ولم تجز للغرباء » (٣).

فإنّي لم أجد به قائلاً ، وإن كان ظاهر الفقيه الراوي له القول به ، إلاّ أنه لم ينسبه إليه أحد من أصحابنا كما نسبناه إليه في الرواية الأُولى ، لكن حكاه في التذكرة قولاً (٤) ، وظاهره أن القائل منّا ، حيث استدل له بهذه الرواية الخاصّية دون غيرها.

( ولو جرح نفسه بما فيه هلاكها ) عمداً ( ثم أوصى لم تقبل ) على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ؛ للصحيح : « من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها » قلت : أرأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه متعمّداً من ساعته تنفذ وصيته؟ قال : فقال : « إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو فعل لعلّه يموت أُجيزت وصيّته‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٥١٠.

(٢) التهذيب ٩ : ١٨٣ / ٧٣٦ ، الوسائل ١٩ : ٢١٢ أبواب الوقوف والصدقات ب ١٥ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٤٦ / ٥٠٤ ، التهذيب ٩ : ١٨١ / ٧٢٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ١.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٥٩.

٢٧٣

في الثلث ، وإن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو فعل لعلّه يموت لم تجز وصيته » (١).

خلافاً للحلّي ، فصحّح وصيّته مع بقاء عقله (٢) ؛ عملاً بالأُصول القطعية من الكتاب والسنة.

وهو شاذّ ، والأُصول بما مرّ مخصّصة ؛ لصحته ، وصراحته ، واعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّه لنا الآن إجماع في الحقيقة. ولولاها لأشكل المصير إليه ؛ إما لعدم حجّية مثله من الآحاد كما اختاره ، أو قصوره عن تخصيص نحو تلك العمومات ، سيّما مع احتماله الحمل على صورة ذهاب عقله ، ولا خلاف حينئذٍ في عدم العبرة بوصيته.

وإطلاق العبارة وإن شمل صورتي القتل عمداً وخطأً إلاّ أنه يجب تقييده بالأوّل ، كما ذكرنا ؛ اقتصاراً فيما خالف الأُصول على مورد النص ، مع أن في الروضة الإجماع عليه (٣).

ثم إن المنع إنما هو حيث أوصى بعد الجرح.

( ولو أوصى ثم جرح قبلت ) وصيّته مطلقاً ، ولو كان عمداً ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في التذكرة (٤) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأُصول القطعيّة السليمة هنا عن المعارض بالكلية ، مع التصريح بالصحة في الرواية السابقة.

وفي حكمها لو أوصى ثم جنّ ، أو صار سفيهاً إن منعنا عن وصيته.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٥٠ / ٥٢٢ ، التهذيب ٩ : ٢٠٧ / ٨٢٠ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٨ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٢ ح ١.

(٢) السرائر ٣ : ١٩٧.

(٣) الروضة ٤ : ٢٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٦٠.

٢٧٤

( وللموصي الرجوع في الوصية متى شاء ) في مرضٍ أو صحّة ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في المسالك وغيره (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، وعدم ما يوجب اللزوم من عقد أو غيره ولو قبل قبل الموت ، بناءً على المختار من عدم العبرة بالقبول قبله ، وكذا على غيره إن لم يتحقق ، ويشكل مع التحقق ، لكن يندفع بالإجماع ، وخصوص المعتبرة المستفيضة ، المروية في الكتب الثلاثة :

منها الصحيحان ، في أحدهما : « للرجل أن ينقض وصيّته فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت » (٢).

وفي الثاني : « للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض » (٣).

والموثق : « لصاحب الوصية أن يرجع فيها ويحدث في وصيته ما دام حيّاً » (٤).

ويتحقق الرجوع تارةً بالقول ، كرجعت ، أو نقضت ، أو أبطلت ، أو فسخت ، أو هذا لوارثي ، أو ميراثي ، أو حرام على الموصى له ، أو لا تفعلوا كذا ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالّة عليه.

وأُخرى بالفعل ، كبيع العين الموصى بها وإن لم يُقبضها ، أو رهنها مع‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٩٠ ؛ وأُنظر الحدائق ٢٢ : ٤٠٣.

(٢) الكافي ٧ : ١٢ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٤٧ / ٥١٠ ، التهذيب ٩ : ١٩٠ / ٧٦٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٠٢ أبواب أحكام الوصايا ب ١٨ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٢ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٧٢ / ٢٤٨ وفيه عن أحدهما عليهما‌السلام ، التهذيب ٩ : ٢٢٥ / ٨٨٣ ، الوسائل ١٩ : ٣٠٧ أبواب أحكام الوصايا ب ١٩ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ١٢ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٤٧ / ٥٠٨ ، التهذيب ٩ : ١٩٠ / ٧٦١ ، الوسائل ١٩ : ٣٠٣ أبواب أحكام الوصايا ب ١٨ ح ٤.

٢٧٥

الإقباض قطعاً ، وبدونه على قول ، أو هبتها كذلك ، أو الوصية بها لغير من أوصى له أوّلاً ، أو فعل ما يبطل الاسم.

ويدلّ على الرجوع مثل طحن الطعام ، وعجن الدقيق ، وغزل القطن ، ونسج مغزولة ، أو خلطه بالأجود ، أو مطلقاً على اختلاف القولين ، بحيث لا يتميّز.

قيل : والأقوى أن مجرّد العرض على البيع والتوكيل فيه وإيجابه وإيجاب العقود الجائزة كافٍ في الفسخ ؛ لدلالته عليه ، لا تزويج العبد والأمة ، وإجارتهما ، وختانهما ، وتعليمهما ، ووطء الأمة بدون إحبالها (١).

وهو حسن حيث دلّت القرائن من عرف أو عادة أو نحوهما على الرجوع ، ومع عدمها فينبغي الرجوع إلى أصالة عدم الرجوع.

وبالجملة : الضابط فيه كلّ ما يدل عليه ، لفظاً كان أو فعلاً ، مع القرينة أو مجرّداً.

ولو شك في الرجوع لضعف الدلالة وفقد القرينة فالرجوع إلى الأصالة المزبورة ضابطة.

وما ذكره الأصحاب ممّا قدّمناه من الأمثلة لم يرد بشي‌ء منها أثر ولا رواية ، وإنما استندوا فيها إلى هاتين الضابطتين.

نعم ، ورد في بعض ما ذكروه بعض المعتبرة : إنّ أبي أوصى بثلاث وصايا فبأيّهنّ آخذ؟ قال : « خُذ بأُخراهنّ » قلت : فإنّها أقلّ ، فقال : « وإن قلّ » (٢).

ثم إن ما ذكروه من الحكم بالرجوع في تلك الأمثلة مختصّ بصورة‌

__________________

(١) الروضة ٥ : ٦٥.

(٢) التهذيب ٩ : ١٩٠ / ٧٦٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٠٥ أبواب أحكام الوصايا ١٨ ح ٧.

٢٧٦

كون العين متعلّق الوصية دون الكلّي ، فلو أوصى به ثم تصرّف في أفراده لم يكن ذلك رجوعاً إلاّ مع القرينة. قيل : ومن الأصحاب من أطلق الحكم ، ومنهم من عكس ، وهو بعيد (١).

( الثالث : في الموصى له ).

( ويشترط وجوده ) عند الوصية ( فلا تصحّ لمعدوم ، ولا لمن ظُنّ بقاؤه ) أو وجوده ( وقت الوصية فبان ميّتاً ) في تلك الحالة ، أو غير موجود بالمرّة ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وهو ظاهر المسالك وغيره (٢) ، بل عليه الإجماع في نهج الحق والتذكرة (٣) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأصل ، واختصاص الأدلّة الدالّة على الصحة من الكتاب والسنة مع كونها كالأوّل مجملة بالوصية للموجود حينها بلا شبهة ، مع أن الوصية كما عرفت تمليك عين أو منفعة ، والمعدوم ليس له أهليّة التملّك ولا قابليته.

( وتصحّ الوصية للوارث ، كما تصح للأجنبي ) وإن لم تُجِزه الورثة ، بإجماعنا المستفيض حكايةً في كلام جماعة ، كالإنتصار والغنية ونهج الحق والتذكرة والمسالك والروضة وغيرها من كتب الجماعة (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الإطلاقات ، وعموم قوله سبحانه ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (٥) الآية.

__________________

(١) الكفاية : ١٤٥.

(٢) المسالك ١ : ٤٠٦ ؛ وانظر الكفاية : ١٤٧ ، والحدائق ٢٢ : ٥١٥.

(٣) نهج الحق : ٥١٧ ، التذكرة ٢ : ٤٦٠.

(٤) الانتصار : ٣٠٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، نهج الحق : ٥١٦ ، التذكرة ٢ : ٤٦٦ ، المسالك ١ : ٤٠٦ ، الروضة ٥ : ٥٥ ؛ وانظر فقه القرآن ٢ : ٢٩٩ ، والتحرير ١ : ٢٩٩.

(٥) البقرة : ١٨٠.

٢٧٧

ونسخها لم يثبت عندنا. وما ورد به في المروي عن تفسير العياشي (١) فمع عدم وضوح سنده معارض بأجود منه ، كالموثق كالصحيح : عن الوصية للوارث ، فقال : « تجوز » ثمّ تلا الآية (٢).

ومع ذلك الصحاح بالجواز مستفيضة كغيرها من المعتبرة (٣).

وأما النصوص الواردة بخلافها (٤) فمع قصور أسانيدها جملة ، وعدم مكافأتها لما مضى محمولة على الوصية زيادةً على الثلث ، كما في الفقيه (٥) ، أو التقية ، كما ذكره شيخ الطائفة ، قال : لأنه مذهب جميع من خالف الشيعة (٦).

ويحتمل هذا الحمل الرواية المتقدمة الدالّة بنسخ الآية.

مع إمكان حملها على ظاهرها ويراد منها نسخ ظاهر الآية الذي هو الوجوب دون الإباحة ، فإنّ ( كُتِبَ ) فيها بمعنى فُرِضَ ، وهو ظاهر في الوجوب لو لم يكن نصّاً ، ولذا حملها الأصحاب على الفضيلة.

لكنه منافٍ لما ذكره شيخ الطائفة من الكراهة ، حيث قال بعد نقل الموثقة المعارضة المتضمنة لقوله عليه‌السلام بعد أن سئل عن عطية الوالد لولده ، فقال : « أمّا إذا كان صحيحاً فهو له يصنع به ما شاء ، فأما في مرض‌

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٧٧ / ١٦٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٩٠ أبواب الوصايا ب ١٥ ح ١٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٠ / ٥ ، الفقيه ٤ : ١٤٤ / ٤٩٣ ، التهذيب ٩ : ١٩٩ / ٧٩٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٧ أبواب أحكام الوصايا ب ١٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٩ : ٢٨٧ أبواب أحكام الوصايا ب ١٥.

(٤) انظر الوسائل ١٩ : ٢٨٩ ٢٩٠ أبواب أحكام الوصايا ب ١٥ الأحاديث ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

(٥) الفقيه ٤ : ١٤٤.

(٦) التهذيب ٩ : ٢٠٠.

٢٧٨

فلا يصلح » (١) فهذا الخبر صريح في الكراهة دون الحظر ، قال : والوجه فيها أن في إعطاء المال لبعض الورثة إضراراً بالباقين وإيحاشاً لهم ، فكره ذلك لأجله (٢).

وهذا كما ترى ظاهر في فتواه بالكراهة ، إلاّ أن يكون ذلك منه لمجرّد الجمع بين الأخبار المختلفة.

وكيف كان لا شبهة في الجواز من أصله.

( و ) تصحّ أيضاً ( للحمل بشرط وقوعه حيّاً ) بلا خلاف أجده ، ويستفاد من ظاهر المختلف وصريح التذكرة (٣) ، بل ظاهره عدم الخلاف فيه بين العلماء كافّة.

وعلى أصل الحكم بالصحة مع الشرط الإجماع في التحرير وشرح القواعد للمحقق الثاني (٤) ؛ وهو العمدة في الحجة ، مضافاً إلى التأيّد بإطلاقات الكتاب والسنة.

ويشترط في الصحة زيادةً على ما في العبارة العلم بوجوده حال الوصية ، ويتحقّق بوضعه لدون ستة أشهر منذ حين الوصية ، فيعلم بذلك كونه موجوداً حالتها ، أو بأقصى مدّة الحمل فما دون إذا لم يكن هناك زوج ولا مولى. فلا تصحّ مع وجود أحدهما ؛ لعدم العلم بوجوده عندها ، وأصالة عدمه ، لإمكان تجدّده بعدها.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٠٠ / ٨٠٠ ، الإستبصار ٤ : ١٢٧ / ٤٨١ ، الوسائل ١٩ : ٣٠٠ أبواب أحكام الوصايا ب ١٧ ح ١١.

(٢) انظر التهذيب ٩ : ٢٠١.

(٣) المختلف : ٥٠٨ ، التذكرة ٢ : ٤٦٠.

(٤) التحرير ١ : ٣٠٠ ، جامع المقاصد ١٠ : ٤٢.

٢٧٩

وقيام الاحتمال مع عدمهما بإمكان الشبهة والزنا مندفع بندور الأوّل ، وأصالة عدم إقدام المسلم على الثاني كغيره من المحرمات ، ويشكل هذا لو كانت كافرة حيث تصحّ الوصية لحملها.

وربما قيل على تقدير وجود الفراش باستحقاقه مع تولّده بين الغايتين الدنيا والعليا ؛ عملاً بالعادة الغالبة من الوضع لأقصاهما أو ما قاربها (١) ، ومرجعه إلى ترجيح الظاهر على الأصل. وهو خلاف الأصل.

ومع ذلك الظهور ممنوع إلاّ على المختار في الأقصى من أنها تسعة دون عشرة وسنة ، فإنه عليه يصحّ دعوى الظهور المستند إلى الغلبة ، لتحققها في تلك المدة فما دونها.

وأمّا على القولين الآخرين فدعوى الظهور باطلة ؛ لندرة الولادة إلى المدّتين ، سيّما الثانية ، فكيف يدّعى الظهور استناداً إلى الغلبة؟! ويتفرع على الشرط الأوّل أنه لو وضع ميّتاً بطلت الوصية ، ولو مات بعد انفصاله حيّاً كانت لوارثه.

وفي اعتبار قبوله هنا وجه قوي وإن لم نعتبره من ولي الحمل ؛ لإمكانه منه دون الحمل. مع أنّ الأقوى اعتبار قبول الولي ، وفاقاً للحلي (٢) ؛ للأصل الذي مضى (٣) في اعتبار أصل القبول في صحة الوصية مطلقاً.

ثم إن اتّحد فهي له ، وإن تعدّد قسّم الموصى به على العدد وإن اختلفوا بالذكورية والأُنوثية.

ولا فرق بين أن تلدهما معاً في المدة المشترطة للعلم بوجودهما‌

__________________

(١) انظر الروضة ٥ : ٢٥.

(٢) السرائر ٣ : ٢١٢.

(٣) راجع ص : ٢٥٨.

٢٨٠