رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

مضافاً إلى المكاتبة الصحيحة المروية في الفقيه في باب شهادة الوصي للميت وعليه بدين ، وفيها : كتب إليه : أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً بحقٍّ له على الميت أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس الكبير بقابض؟ فوقّع عليه‌السلام : « نعم ، وينبغي للوصي أن يشهد بالحقّ ولا يكتم شهادته » (١) وظاهر الصدوق العمل بها كما لا يخفى.

( وتقبل شهادته للموصي في غير ذلك ) بلا خلاف ، كما في صريح التنقيح وظاهر غيره (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول الدالة على قبول شهادة المتّصف بالعدالة ، إلاّ أن في تلك المكاتبة ما ظاهره ينافي ذلك ، فإنه كتب إليه عليه‌السلام :

هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين » بناءً على أن يمين المدّعى مع العدل الواحد كافٍ في مثله فلا يحتاج إلى شهادته ، فاعتبار اليمين معها كناية عن عدم قبولها.

وفي هذه المكاتبة ما يدل على جواز شهادته على الميت ، فإن فيها : وكتب إليه : أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه‌السلام : « نعم ، من بعد يمين ».

واعتبار اليمين هنا لا ينافي قبول شهادته ؛ لكون الدعوى على الميت ، فاعتبارها للاستظهار.

( الخامسة : إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة وليس له سواه

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٣ / ١٤٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ٢٨ ح ١.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٤١٩ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥٠٨.

٣٨١

انعتق ثلثه ) وسعى في باقي قيمته للورثة ، بلا خلاف فيه في صورة الوصية ، ويبني في المنجّز على الخلاف الآتي في احتسابه من الثلث أو الأصل.

( ولو أعتق ثلثه عند الوفاة وله مال ) غيره ( أُعتق الباقي من ثلثه ) أي ثلث المال ، سرايةً عليه إن وفى به ، وإن لم يف به أو لم يكن له مال سعى فيه للورثة.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده إلاّ في إعتاق الباقي من الثلث خاصَّة ، فإنه يبنى على مذهب أكثر من تأخّر : من إخراج المنجّز من الثلث دون الأصل ، ويأتي على غيره انعتاق الباقي منه دون خصوص الثلث كما هو واضح.

( ولو أعتق مماليكه عند الوفاة ، أو أوصى بعتقهم ولا مال له سواهم ) ولم يُجز الورثة ( أُعتق ثلثهم بالقرعة ) بتعديلهم أثلاثاً بالقسمة وعتق ما أخرجته القرعة ، بلا خلاف أجده ، وفي الصحيح : « كان علي عليه‌السلام يسهم بينهم » (١).

وفي الخبر : « إن أبي ترك ستّين مملوكاً وأعتق ثلثهم ، فأقرعت بينهم وأخرجت عشرين فأعتقتهم » (٢).

ولو استلزم ذلك عتق جزء من أحدهم سعى في باقيه.

وإنما لا يعتق ثلث كلّ واحد مع أن كل واحد منهم بمنزلة الموصى له وقد تقرّر أن الوصايا إذا وقعت دفعة قسط عليها الثلث بالنسبة لما ورد من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك (٣) ؛ ولاستلزام عتق الكلّ الإضرار بالورثة.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٣٤ / ٨٤٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٠٣ أبواب العتق ب ٦٥ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٧٠ / ٢٤١ ، التهذيب ٨ : ٢٣٤ / ٨٤٣ ، الوسائل ٢٣ : ١٠٣ أبواب العتق ب ٦٥ ح ٢.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ٢٧٢ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٥٢٤.

٣٨٢

وأمّا العتق من الثلث دون الأصل في المنجّز فمبني على ما عرفت من مذهب أكثر من تأخّر.

( ولو رتّبهم ) في الإعتاق أو الوصية به ( أُعتق الأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث وبطل الزائد ) بلا خلاف ؛ للأصل المتقدم ، وخصوص النص : في رجل أوصى عند موته : أعتق فلاناً وفلاناً وفلاناً وفلاناً وفلاناً ، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم ، قال : « ينظر إلى الذين سمّاهم وبدأ بعتقهم فيقوّمون ، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شي‌ء ، ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس ، فإن عجز الثلث كان في الذي سمّي أخيراً ، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك » (١).

( السادسة : إذا أوصى بعتق رقبة ) وأطلق ولم يكن ثمة قرينة معينة ( أجزأ الذكر والأُنثى ، والصغير والكبير ) للإطلاق.

وفي الخبر ، بل الحسن على بعض النسخ ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إن فاطمة أُمّ ابنتي (٢) أوصت أن أُعتق عنها رقبة ، فأعتقت عنها امرأة » (٣).

( ولو قال : مؤمنة ، لزم ) لحرمة تبديل الوصية.

( فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب ) كما عن الشيخ (٤) ، بل ظاهر التنقيح وصريح غيره (٥) عدم الخلاف فيه ؛ لرواية علي بن أبي حمزة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٩ / ١٥ ، الفقيه ٤ : ١٥٧ / ٥٤٥ ، التهذيب ٩ : ٢٢١ / ٨٦٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٨ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٦ ح ١.

(٢) في المصادرة : أُمّ ابني.

(٣) الكافي ٧ : ١٧ / ٥ ، الفقيه ٤ : ١٥٨ / ٥٥٠ ، التهذيب ٩ : ٢٢٠ / ٨٦٥ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٢ ح ١.

(٤) النهاية : ٦١٦.

(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٤٢٠ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥١١.

٣٨٣

المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية في الروضة وغيرها (١) كما حكي ، وبدعوى الشيخ الإجماع على قبول روايته (٢) ، وبرواية ابن أبي عمير عنه في هذه الرواية : عن رجل أوصى بثلاثين ديناراً يعتق بها رجل من أصحابنا ، فلم يوجد بذلك ، قال : « يشترى من الناس فيعتق » (٣).

وهي وإن لم يكن فيها تقييد بعدم النصب إلاّ أنه مستفاد من الخارج ؛ لكفر الناصب ، وعدم جواز عتق الكافر ، مع ظهوره من روايته الأُخرى : عن رجل هلك فأوصى بعتق نسمة مسلمة بثلاثين ديناراً ، فلم يوجد له بالذي سمّى لهم ، قال : « ما أرى لهم أن يزيدوا على الذي سمّى » قلت : فإن لم يجدوا؟ قال : « فيشترون من عرض الناس ما لم يكن ناصباً » (٤).

خلافاً لجماعة (٥) ، فلم يجوّزوا ذلك ، وقالوا بلزوم الصبر وتوقّع المكنة ؛ للأصل ، والقاعدة.

وهو حسن لولا الرواية المتقدّمة ، المنجبرة بالشهرة وعدم الخلاف المحكيين في المسألة.

ثم إن في التنقيح أنه قيل في تفسير الناصب وجوه :

الأول : أنه الخارجي الذي يقول في علي عليه‌السلام ما قال.

__________________

(١) الروضة ٥ : ٤٩ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥١٢.

(٢) عدّة الأُصول ١ : ٣٨١.

(٣) الكافي ٧ : ١٨ / ٩ ، الفقيه ٤ : ١٥٩ / ٥٥٣ ، التهذيب ٩ : ٢٢٠ / ٨٦٣ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٣ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ١٨ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ١٥٩ / ٥٥٤ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٣ ح ٢.

(٥) منهم : ابن إدريس في السرائر ٣ : ٢١٣ ، والعلاّمة في المختلف : ٥٠٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٩.

٣٨٤

الثاني : أنه الذي ينسب إلى أحد المعصومين ما يثلم العدالة.

الثالث : من إذا سمع فضيلة لعلي عليه‌السلام أو لغيره من المعصومين أنكرها.

الرابع : من اعتقد فضيلة غير علي عليه‌السلام عليه.

الخامس : من سمع النص على علي عليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بلغه تواتراً أو بطريق يعتقد صحته فأنكره.

ثم قال : والحق صدق النصب على الجميع. أمّا من يعتقد إمامة غيره عليه‌السلام للإجماع أو لمصلحة ولم يكن من أحد الأقسام فليس بناصب.

والمرتضى رحمه‌الله وابن إدريس أطلقاه على غير الاثني عشرية (١).

( ولو ظنّها ) أي الرقبة المؤمنة الموصى بعتقها ( مؤمنة فأعتقها ثم بانت بخلافه أجزأت ) بلا خلاف أجده.

قيل : لأنه متعبّد في ذلك بالظاهر لا بما في نفس الأمر ، إذ لا يطّلع عليه إلاّ الله سبحانه ، فقد امتثل الأمر ، وهو يقتضي الإجزاء (٢).

والأجود الاستدلال عليه بالصحيح : عن رجل أوصى بنسمة مؤمنة عارفة ، فلمّا أعتقناه بان لنا أنه لغير رِشْدَة (٣) ، فقال : « قد أجزأت عنه ، إنما مثل ذلك مثل رجل اشترى أُضحية على أنها سمينة فوجدها مهزولة فقد أجزأت عنه » (٤).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٤٢١.

(٢) المسالك ١ : ٤٠٦.

(٣) هو لَرِشْدَة بكسر الراء والفتح أي صحيح النسب ، ولغَير رِشْدَة بخلافه. مجمع البحرين ٣ : ٥١.

(٤) الكافي ٧ : ٦٢ / ١٧ ، الفقيه ٤ : ١٧٢ / ٦٠٤ ، التهذيب ٩ : ٢٣٦ / ٩٢٠ وفيه صدر الحديث ، الوسائل ١٩ : ٤٣١ ، ٤٣٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٩٥ ح ٢ ، ٣.

٣٨٥

( السابعة : إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معيّن ) وجب شراؤها به ( فإن لم يوجد ) أو وجدت لكن بأزيد ( توقّع ) المكنة من الشراء به ، ولم يجب بذل الزيادة ، بل لا يجوز ؛ لحرمة تبديل الوصية ، وبه صرّحت بعض الروايات المتقدمة في المسألة السابقة.

( وإن وجد ) ها ( بأقلّ ) من ذلك الثمن ( أعتقها ودفع إليها الفاضل ) منه مع اليأس عن الرقبة الموصى بها ، بلا خلاف ؛ استناداً في العتق إلى أنه الأقرب إلى الوصية فيتّبع ؛ للمعتبرة الدالّة على أن : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (١).

وفي دفع الفاضل إليها إلى أنه صرفٌ له في وجوه البرّ مع تعذّر العمل فيه بالوصية ، وإن هو حينئذٍ إلاّ كمسألة من كان وصياً في أُمور قد نسيها في عدم إمكان العمل بالوصية.

إلاّ أن هذا الوجه لا يوجب الدفع إلى الرقبة ، بل غايته الجواز ، وهو أعم من الوجوب الذي هو ظاهر العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ، إلاّ أن يقال : بأن الدفع إليها أقرب إلى الوصية ، فتأمّل.

هذا ، مضافاً إلى الموثّق في الأمرين : عن رجل أوصى أن يعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه ، فاشترى الوصي نسمة بأقلّ من خمسمائة درهم ، وفضلت فضلة ، فما ترى؟ قال : « تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل أن تعتق ثم تعتق عن الميت » (٢).

وقصوره سنداً بسماعة ، ودلالةً بأعميّته مما ذكره الجماعة من تقييد‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٩ / ١٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٩ / ٥٥٧ ، التهذيب ٩ : ٢٢١ / ٨٦٨ ، الوسائل ١٩ : ٤١٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٧ ح ١.

٣٨٦

الحكم بفقد الرقبة الموصى بشرائها بالثمن المعيّن ، نظراً إلى ترك الاستفصال عنه وعن الوجدان المفيد للعموم لهما غير قادح بعد الانجبار بالشهرة ، وكون العام المخصّص في الباقي حجة.

مضافاً إلى موافقته للقاعدة في صورة اليأس ، كما مرّ إليه الإشارة.

مع إمكان الذبّ عن الأوّل : بما قيل من وثاقة سماعة (١).

وعن الثاني : باقتضاء السؤال بناءً على أصالة حمل أفعال المسلم على الصحة وقوع شراء الرقبة في الصورة التي وقع تقييد الحكم بها في كلام الجماعة.

ومما ذكرنا يظهر وجه انسحاب الحكم في صورتي اليأس عن التمكّن من شراء الموصى بها وعدمه كما أطلقه الجماعة ، إلاّ أن الأحوط قصره على الصورة الأولى خاصّة ، ويتوقع في غيرها المكنة.

( الثامنة : تصرفات المريض إذا كانت مشروطة بالوفاة ) ويعبّر عنها بالوصية ( فهي من الثلث ) خاصّة مع عدم إجازة الورثة ، كما مرّ إليه وإلى دليله الإشارة.

( وإن كانت منجّزة ) غير معلّقة عليها ( وكان فيها محاباة ) في المعاوضة : من البيع بأقل من ثمن المثل والشراء بأزيد منه ( أو عطيّة محضة ) أو الوقف والعتق والصدقة.

( فقولان ، أشبههما ) وأشهرهما بين المتأخّرين ( أنها ) تخرج ( من الثلث ) وفاقاً للإسكافي والصدوق كما حكي (٢) ، ولعلّه قال به في غير الفقيه ، لما يأتي من مصيره فيه إلى القول الآتي ، وهو ظاهر الخلاف‌

__________________

(١) انظر رجال النجاشي : ١٩٣.

(٢) حكاه عنهما في المختلف : ٥١٤.

٣٨٧

وصريح المبسوط على ما قيل (١) ، وعبارته المحكية في السرائر لا تساعد ذلك ، فإنّه قال : العتق في المرض المخوف يعتبر عند بعض أصحابنا في الأصل ، وعند الباقين في الثلث ، وهو مذهب المخالفين ، ثم قال : فإذا ثبت ذلك فأعتق بعضاً نظرت (٢). إلى آخر ما ذكره.

وهو كما ترى غير صريح في اختيار هذا القول ، بل ولا ظاهر ، بل ربما أشعر بالتردّد فيه.

للنصوص المستفيضة (٣) ، وهي ما بين ظاهرة وصريحة ، وفيها الصحاح والموثقات وغيرها ، وقصورها سنداً في بعض ودلالةً في آخر منجبر بالشهرة المتأخّرة.

خلافاً للنهاية والمقنعة والقاضي ، والصدوق في الفقيه والكليني في الكافي (٤) فإنهما قالا : باب أن صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّاً ، ثم ساقا الأحاديث الدالّة عليه خاصّة ، ولم يذكرا فيه شيئاً من روايات القول الآخر ، وجميع ذلك كالصريح في أن مذهبهما ذلك والحلّي والمرتضى وابن زهرة (٥) ، فأخرجوه من الأصل.

وهو المشهور بين القدماء ظاهراً ، بل لعلّه لا شبهة فيه جدّاً ، بل ادّعى‌

__________________

(١) في المختلف : ٥١٤ ، والمهذب البارع ٣ : ١٤١.

(٢) السرائر ٣ : ١٥ ، وهو في المبسوط ٦ : ٥٧.

(٣) الوسائل ١٩ : أبواب أحكام الوصايا الباب ١٠ ح ٢ ، ٧ ، ٨ ، والباب ١١ ح ٤ ، ٦ ، ١١ ، والباب ١٦ ح ٢ ، والباب ١٧ ح ١٣ ، ١٤ ، ١٦.

(٤) النهاية : ٦١٨ ، المقنعة : ٦٧١ ، لم نعثر عليه في المهذب انظر المهذب ج ١ ص ٤٢٠ حكاه عن القاضي في المختلف : ٥١٤ ، الفقيه ٤ : ١٤٩ ، الكافي ٧ : ٧.

(٥) الحلي في السرائر ٣ : ١٩٩ ، المرتضى في الانتصار : ٢٢٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

٣٨٨

السيدان في بحث الهبة أن عليه إجماع الإمامية ، وجعله في السرائر الأظهر في المذهب ، مشعراً بالشهرة عليه لا أقلّ.

للنصوص المستفيضة الأُخر (١) التي فيها أيضاً الصحيح والموثق وغيرهما ، وهي أيضاً ما بين ظاهرة وصريحة.

والمسألة محل إشكال وريبة ؛ لاختلاف النصوص ، وقبول جلّ منهما التأويل بما يؤول إلى الآخر ، مع غموض المرجّحات ، وتعارض الوجوه الاعتبارية من الطرفين.

إلاّ أن الترجيح للأخبار الأخيرة ؛ من حيث اعتضادها بالأُصول القطعية ، والشهرة القديمة المترجّحة على الشهرة المتأخّرة ، حيث حصل بينهما معارضة كما في المسألة.

مضافاً إلى الإجماعات المحكية ، وعدم قبول كثير منها التأويل بما يؤول إلى الأخبار الأوّلة.

ومخالفتها للعامّة ؛ فإن القول بمضمون الأخبار الأوّلة مذهب فقهائهم كافّة ، كما يستفاد من صريح الانتصار والمبسوط والسرائر وظاهر الغنية والتذكرة (٢) ، فلتحمل تلك الأخبار على التقية ، لذلك ، مع اعتضاده بمصير الإسكافي (٣) إليه كما عرفته غير مرّة.

أو يؤوّل ما يقبل منها التأويل إلى ما يؤول إلى الأخيرة بحملها على الوصية خاصة ، كما يشعر به بعضها ، كالخبرين ، في أحدهما : « للرجل عند‌

__________________

(١) الوسائل ١٩ : أبواب أحكام الوصايا الباب ١١ ح ١٢ ، ١٩ ، والباب ١٧ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٧ ، ٨ ، ١٠.

(٢) الانتصار : ٢٢٤ ، المبسوط ٦ : ٥٧ ، السرائر ٣ : ١٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، التذكرة ٢ : ٥١٧.

(٣) راجع ص ٣٨٥.

٣٨٩

موته ثلث ماله ، وإن لم يوص فليس للورثة إمضاؤه » (١).

وفي الثاني : « إن أعتق رجل عند موته خادماً ثم أوصى بوصية أُخرى ، أُلغيت الوصية وأُعتقت الخادم من ثلثه إلاّ أن يفضل من الثلث ما يبلغ الوصية » (٢).

ونحوهما بعض الصحاح المتقدمة في بحث من أعتق وعليه دين ، حيث وقع إطلاق الإعتاق على الوصية به (٣).

وقد مرّ ثمة أن احتمال جعل ذلك قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي للإعتاق وهو المنجّز إلى الأعمّ منه ومن الوصية معارض باحتمال جعلها صارفة عنه إلى المجاز الأخصّ ، وهو الوصية خاصة ، والأصل المتأيّد بظاهر هذين الخبرين المطلقين لما ظاهره المنجّز على خصوص الوصية يرجّح الثاني.

وبه يذبّ عما عيّنّا ثمة به الاحتمال الأوّل من اتّفاق فهم الفقهاء على ذلك ، مع أنه ليس بواضح ، لعدم ظهوره إلاّ من حيث استدلالهم لحكم المنجّز في تلك المسألة بهذه الرواية ، وهو لا يوجب فهمهم المنجّز من تلك الرواية ، فلعلّهم فهموا منها الوصية خاصّة وألحقوا بها المنجّز من باب الإجماع المركب ، فإنّ كل من قال بذلك الحكم في الوصية قال به في المنجّز ، وإن كان لا عكس ، لمصير الماتن إلى ثبوته في المنجّز دونها.

وحيث ثبت الحكم بالرواية فيها ثبت في المنجّز أيضاً اتفاقاً.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٤٢ / ٩٣٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٧٣ أبواب أحكام الوصايا ب ١٠ ح ٧.

(٢) الكافي ٧ : ١٧ / ٢ ، التهذيب ٩ : ١٩٧ / ٧٨٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٧٦ أبواب أحكام الوصايا ب ١١ ح ٦.

(٣) راجع ص ٢٩١.

٣٩٠

ويعضد هذا الحمل فهم المشايخ كالكليني من لفظ « العند » خصوص الوصية ، ولذا عنونوا الباب بها ثم ساقوا فيه من الأخبار ما يتضمن ذكر كون التصرف عند الموت الظاهر في المنجّز على الظاهر (١).

ويحتمل الحمل أيضاً على الاستحباب والفضيلة ، كما وقع التصريح به في بعض الأخبار الأخيرة ، وإلى هذا القول مال من متأخّري المتأخّرين جماعة ، كصاحب الكفاية وغيره (٢).

ولقد كتبت في المسألة رسالة منفردة رجّحت فيها خلاف ما هنا ، لغفلتي عن الشهرة القديمة والإجماعين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة ، وعن كون الأخبار الأوّلة موافقة للعامّة ، فشيّدتها زعماً منّي اعتضادها بالشهرة ، وطرحت ما خالفها ، وهو كما ترى. فالمصير إلى القول الثاني أقوى ثم أقوى.

ثم إن إطلاق المرض في العبارة وما ضاهاها من عبائر جماعة (٣) وصريح آخرين (٤) عدم الفرق فيه بين المخوف منه وغيره ؛ لإطلاق النصوص ، بل عموم بعضها.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (٥) فخصّه بالأوّل ، تمسّكاً بما زعمه من ظاهر بعضها ، ولم نجد له دلالة.

__________________

(١) انظر الكافي ٧ : ١٦.

(٢) الكفاية : ١٥١ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥٩٩.

(٣) منهم : الشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة ) ٤ : ١٠٦ ، وابن فهد في المهذب ٣ : ١٤١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٥١.

(٤) منهم : العلاّمة في المختلف : ٥١٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٤٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٢٥.

(٥) المبسوط ٦ : ٥٧.

٣٩١

نعم ، يضعف الإطلاقات عن الشمول للثاني ؛ لوقوع التعبير فيها بالتصرفات عند الموت كما في بعض ، أو وقت حضوره كما في آخر ، ولا ريب في ظهورهما فيما ذكره ، فلا يبعد المصير إلى ما اختاره ، لا لما ذكر ، بل لقصر الحكم المخالف للأُصول على المتيقن منها ، وليس بمقتضى الفرض إلاّ الشقّ الأوّل.

واعلم أن محل الخلاف في أصل المسألة إنما هو إذا مات المريض في مرضه ذلك ، أمّا لو برئ منه حسب من الأصل مطلقاً ولو مات في مرض آخر ، بلا خلاف ، كما في التنقيح والمسالك وغيرهما (١) ، وهذا مما يؤيّد به ما اخترناه هنا.

( أمّا الإقرار للأجنبي ) بدين ( فإن كان متّهماً على الورثة ) مريداً الإضرار عليهم بالإقرار بذلك ، ويظهر ذلك من القرائن الخارجة ( فهو من الثلث ، وإلاّ فمن الأصل ).

( و ) الإقرار ( للوارث ) بذلك ( من الثلث على التقديرين ) أي مع التهمة وعدمها.

استناداً في القسم الأوّل إلى الصحيح : عن امرأة استودعت رجلاً مالاً ، فلمّا حضرها الموت قالت له : إن المال الذي أودعته إليك لفلانة ، وماتت المرأة وأتى أولياؤها الرجل فقالوا له : إنه كان لصاحبتنا مال ولا نراه إلاّ عندك فاحلف لنا ما لنا قبلك شي‌ء ، أيحلف لهم؟ فقال : « إن كانت مأمونة فيحلف لهم ، وإن كانت متّهمة فلا يحلف ، ويضع الأمر على ما كان ، فإنّما لها من مالها ثلثه » (٢).

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٤٢٢ ، المسالك ١ : ٤٢٦ ؛ وانظر المفاتيح ٣ : ٢٢٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٢ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٥ ، التهذيب ٩ : ١٦٠ / ٦٦١ ، الإستبصار ٤ : ١١٢ / ٤٣١ ، الوسائل ١٩ : ٢٩١ أبواب أحكام الوصايا ب ١٦ ح ٢.

٣٩٢

وفي الثاني إلى الصحيح : عن رجل أقرّ لوارثٍ له وهو مريض بدين عليه ، قال : « يجوز عليه إذا أقرّ به دون الثلث » (١).

( ومنهم من سوّى بين القسمين ) وهم الأكثرون ، وإن اختلفوا من وجه آخر ، فبين من حكم بنفوذ الإقرار من الأصل فيهما مطلقاً ، ومن فصّل بين صورتي التهمة فمن الثلث ، وعدمها فمن الأصل.

ونسب الأوّل إلى الديلمي (٢) ، وعليه الحلّي (٣) مدّعياً الإجماع عليه.

لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٤).

وأنه بإقراره يريد إبراء ذمّته من حقٍّ عليه في حال الصحة ، ولا يمكن التوصّل إليه إلاّ به ، فلو لم يقبل إقراره بقيت ذمّته مشغولة وبقي المقرّ له ممنوعاً من حقّه ، وكلاهما مفسدة ، فقبول قوله أوفق بمقتضى الحكمة الإلهية.

وفيهما نظر ؛ لوجوب تخصيص الأوّل بما سيأتي ، وما مرّ من النص المعتبر.

ومنع التعليل الآخر بأن الإقرار كما يحتمل القصد إلى الإبراء كذا يحتمل مجرّد حرمان الورثة مع عدم كون ذمّته بشي‌ء مشغولة ، كما يشير إليه الأخبار الآتية المصرّحة باشتراط نفي التهمة.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٢ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٢ ، التهذيب ٩ : ١٦٠ / ٦٥٩ ، الإستبصار ٤ : ١١٢ / ٤٢٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٩٢ أبواب أحكام الوصايا ب ١٦ ح ٣.

(٢) انظر التنقيح الرائع ٢ : ٤٢٦.

(٣) السرائر ٣ : ٢١٧.

(٤) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٣ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٨٤ أبواب الإقرار ب ٣ ح ٢ ، المستدرك ١٦ : ٣١ أبواب الإقرار ب ٢ ح ١.

٣٩٣

ونسب الثاني إلى الشيخين والقاضي (١) ، واختاره الماتن في الشرائع (٢) ، وشيخنا في شرحه (٣) ، وسبطه في شرح الكتاب ، كما حكاه عنه بعض الأصحاب (٤) ، ونسبه الشهيدان وغيرهما (٥) إلى الأكثر.

واستندوا في الشقّ الأوّل إلى الصحيح المتقدم.

وفي الشق الثاني إلى الصحيح : عن رجل أوصى لبعض ورثته أن له عليه ديناً ، فقال : « إن كان الميت مرضيّاً فأعطه الذي أوصى له » (٦) ونحوه الموثق (٧).

وليس في مفهومهما كما ترى جواز إخراج الإقرار من الثلث مع التهمة ، وكذلك الصحيح المتقدم في الشقّ الأوّل ، بل ظاهره عدم الإخراج مطلقاً ؛ لقوله : « وإن كانت متّهمة فلا يحلف ويضع الأمر على ما كان » ووضع الحق على ما كان ظاهر في عدم نفوذ الإقرار من شي‌ء مطلقاً.

ولا ينافيه التعليل بقوله : « فإنما لها من مالها ثلثه » لعدم تصريح فيه ، بل ولا ظهور في النفوذ من الثلث.

__________________

(١) نسبه إليهم في الحدائق ٢٢ : ٦١٤ ، وهو في المقنعة : ٦٦٢ ، والنهاية : ٦١٨ ، والمهذَّب ١ : ٤١٩.

(٢) الشرائع ٣ : ١٥٢.

(٣) المسالك ٢ : ١٧٥.

(٤) حكاه عنه في الحدائق ٢٢ : ٦١٤.

(٥) لم نعثر عليه في الدروس واللمعة ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٧٥ ؛ وانظر الكفاية : ١٥١.

(٦) الكافي ٧ : ٤١ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٩ / ٦٥٦ ، الإستبصار ٤ : ١١١ / ٤٢٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٩١ أبواب أحكام الوصايا ب ١٦ ح ١.

(٧) التهذيب ٩ : ١٦٠ / ٦٥٧ ، الإستبصار ٤ : ١١١ / ٤٢٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٩٤ أبواب أحكام الوصايا ب ١٦ ح ٨.

٣٩٤

نعم ، ربما كان فيه إشعار ما به ، إلاّ أنه لا يعترض به القول السابق مما هو في غاية الظهور في عدم النفوذ مطلقاً ، فلم أفهم وجه حكمهم بنفوذه مع التهمة من الثلث.

إلاّ أن يقال بانعقاد الإجماع على النفوذ من الثلث مطلقاً ، لأجنبي كان الإقرار أو لوارثٍ ، كان هناك تهمة أم لا ، كما يستفاد من الأقوال المحكيّة في المسألة البالغة سبعة ، كما في نكت الإرشاد وغيره (١) ، وشي‌ء منها لم يتضمّن الحكم بحرمان المقرّ له عن الحق المقرّ به مع التهمة مطلقاً ، بل اتّفقت على إعطائه من الثلث ، وإن اختلفت في الزيادة عليه على أقوال شتّى ، هذا.

مع أن الصحيح المتقدم سنداً لمختار الماتن هنا في الشق الثاني مطلق في إخراج الإقرار للوارث إذا كان دون الثلث ، فتأمّل.

وبالجملة العمدة في تتميم هذا القول هو الإجماع.

مع إمكان أن يقال أيضاً بأن الإقرار يتضمن الحكم بالإعطاء ، فهو كالأمر به منجّزاً أو وصية لا بُدَّ من إخراجه من الثلث جدّاً.

واعلم أن مختار الماتن هنا من متفرّداته ، كما صرّح به جملة من أصحابنا (٢).

( التاسعة : أرش الجراح ودية النفس تتعلّق بهما الديون والوصايا ) فتخرجان منهما ( كسائر أموال الميت ) على الأظهر الأشهر ، بل نفى عنه الخلاف في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي والكفاية (٣) ، وعن المحقق‌

__________________

(١) انظر التنقيح ٢ : ٤٢٦.

(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٤٢٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٠٢ ، الكفاية : ١٤٦.

٣٩٥

الثاني وفي السرائر والمهذب (١) الإجماع عليه ، لكن في دية الخطأ خاصة ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فقتل خطأً يعني الموصي ، فقال : « تجاز لهذه الوصية من ميراثه وديته » (٢).

وفيه : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أوصى لرجل وصية مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ثم قتل بعد ذلك الموصي فَوُدِي ، فقضى في وصيته أنها تنفذ من ماله وديته كما أوصى » (٣).

وفيه : عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالاً فأخذ أهله الدية من قاتله ، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال : « نعم » قال : قلت : وهو لم يترك شيئاً؟ قال : قال : « إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين عنه » (٤).

ونحوه الخبر القريب من الصحيح (٥) ، بانجبار راويه وهو عبد الحميد بن سعيد برواية صفوان بن يحيى عنه.

وإطلاق هذين الأخيرين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال‌

__________________

(١) المحقق الثاني في جامع المقاصد ١١ : ١١١ ، السرائر ٢ : ٥٠ ، المهذب البارع ٤ : ٣٥٢.

(٢) الكافي ٧ : ٦٣ / ٢١ ، الفقيه ٤ : ١٦٨ / ٥٨٨ ، التهذيب ٩ : ٢٠٧ / ٨٢٢ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٥ أبواب أحكام الوصايا ب ١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٠٧ / ٨٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٦ أبواب أحكام الوصايا ب ١٤ ح ٣.

(٤) الكافي ٧ : ٢٥ / ٦ ، الفقيه ٤ : ١٦٧ / ٥٨٤ ، التهذيب ٩ : ١٦٧ / ٦٨١ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٦ أبواب أحكام الوصايا ب ٣١ ح ١.

(٥) التهذيب ٦ : ١٩٢ / ٤١٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٤ أبواب الدين والقرض ب ٢٤ ح ١.

٣٩٦

يقتضي عدم الفرق بين ديتي العمد والخطأ ، وهو ظاهر إطلاق العبارة ونحوها من عبائر الجماعة ، وبه صرّح آخرون (١) ، ومنهم الماتن هنا في كتاب الإرث (٢) ، ونسبه في المسالك (٣) إلى المشهور ، وهو المنصور ؛ لما مرّ.

مضافاً إلى النص الصريح المروي في الفقيه في كتاب الفرائض في أواخر باب القود ومبلغ الدية ، وفيه : فإن هو قتل عمداً وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى مَن الدين ، على أوليائه من الدية أو على المسلمين؟

فقال : « بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه فإنه أحقّ بديته من غيره » (٤).

وفي الخبر : « إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً فهي ميراث كسائر الأموال » (٥).

خلافاً للحلّي ، فخصّ الحكم بدية الخطأ ؛ معلّلاً بأن العمد إنما يوجب القصاص ، وهو حق للوارث ، فإذا رضي بالدية كانت عوضاً عنه ، فكانت أبعد عن استحقاق الميت من دية الخطأ (٦).

ومال إليه في الكفاية حيث استشكل في الحكم في دية العمد ؛ معتذراً بما مرّ ، وكون الصحيحين الأوّلين غير شاملين لها ، لاختصاص‌

__________________

(١) منهم : الشهيد في المسالك ٢ : ٣١٣ والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٨.

(٢) المختصر النافع : ٢٦٥.

(٣) المسالك ٢ : ٣١٣.

(٤) الفقيه ٤ : ٨٣ / ٢٦٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٣ أبواب القصاص في النفس ب ٥٩ ح ٢ ؛ بتفاوت.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٧٧ / ١٣٤٧ ، الوسائل ٢٦ : ٤١ أبواب موانع الإرث ب ١٤ ح ١.

(٦) السرائر ٢ : ٤٩.

٣٩٧

أوّلهما بدية الخطأ ، وكون الثاني قضية في واقعة فلا تعم (١).

وهو حسن لولا ما قدّمناه من الصحيح والقريب منه سنداً المطلقين ، بل العامّين ، وخصوص النص الصريح المنجبر ضعفه بالشهرة الظاهرة والمحكية ، بل اتفاق الطائفة ، كما اعترف هو وغيره بها ، معتضدة بنصوص أُخر :

منها : عن رجل قتل وعليه دين وليس له مال ، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال : « إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل ، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء » (٢).

ونحوه آخر ، إلاّ أنه قال فيه : « فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فهو جائز ، وإن أرادوا القود ليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء ، وإلاّ فلا » (٣).

نعم ، ربما يعضد ما ذكره من الاختصاص بدية الخطأ مفهوم القوي بالسكوني المجمع على تصحيح رواياته كما حكي (٤) : « من أوصى بثلثه ثم قتل خطأً فإن ثلث ديته داخل في وصيته » (٥) فيقيد به إطلاق الصحيحين.

__________________

(١) الكفاية : ١٤٦.

(٢) الفقيه ٤ : ١١٩ / ٤١١ ، التهذيب ١٠ : ١٨٠ / ٧٠٣ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٢ أبواب القصاص في النفس ب ٥٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٦ : ٣١٢ / ٨٦١ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٥ أبواب الدين والقرض ب ٢٤ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) انظر عدة الأُصول ١ : ٣٨٠.

(٥) الكافي ٧ : ١١ / ٧ ، الفقيه ٤ : ١٦٩ / ٥٨٩ ، التهذيب ٩ : ١٩٣ / ٧٧٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٥ أبواب أحكام الوصايا ب ١٤ ح ٢.

٣٩٨

ويذبّ عن النص الصريح بضعفه بمحمد بن أسلم الجبلي وعلي بن أبي حمزة البطائني.

لكن هذا إنما يتمّ لو لم تكن الشهرة الجابرة لسند الرواية الصريحة ، والموجبة لعدم مقاومة القوية لتلك النصوص المطلقة ، وهي كما عرفت متحقّقة ومحكية ، معتضدة بنفي الخلاف عن إطلاق الحكم في كلام جماعة ، فلا ريب ولا شبهة فيما ذكره الجماعة وكون رأي الحلّي ضعيفاً غايته ، ولذا لم يشر إليه أحد في الكتب الاستدلالية.

وأضعف منه القول المحكي عن نادر مجهول بعدم الحكم في دية الخطأ أيضاً معلّلاً بتأخّر استحقاقها عن الحياة التي شرط الملك ، والدين كان متعلّقاً بالذمة حال الحياة وبالمال بعد الوفاة ، والميت لا يملك بعدها شيئاً (١).

وإن هو إلاّ اجتهاد صرف في مقابلة النصوص المستفيضة المعتضدة بالإجماعات المحكية.

__________________

(١) حكاه في المفاتيح ٣ : ٣١٨.

٣٩٩
٤٠٠