رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

النفقة.

وآخر (١) بأن يكون المتصرف قادراً على أداء المال المأخوذ من ماله إذا تلف بحسب حاله.

وليس في النصوص ما يدل على شي‌ء منهما صريحاً ، والخبران الأخيران يحتملان الانطباق على كلّ منهما ، لكن الثاني لعله أظهر وأوفق بالحفظ المعتبر في مال اليتيم ، وأنسب بمدلول الآية الكريمة.

والظاهر اعتبار الإشهاد ، كما قيل (٢) ؛ حفظاً للحق عن التلف.

قال الشهيد الثاني : وإنما يصح له التقويم على نفسه مع كون البيع مصلحة للطفل ؛ إذ لا يصحّ بيع ماله بدونها مطلقاً ، وأمّا الاقتراض فشرطه عدم الإضرار بالطفل وإن لم يكن المصلحة موجودة (٣). واستحسنه في الكفاية (٤).

ولا يخلو في الثاني عن قوة ؛ لإطلاق النصوص المتقدمة.

( و ) اعلم أنه ( تختصّ ولاية الوصي بما عيّن له الموصي ) من التصرفات والولايات ( عموماً كان ) ما عيّن له ، كأنت وصيي في كلّ قليل أو كثير ، أو في كلّ مالي فيه ولاية ، ونحوه ( أو خصوصاً ) مطلقاً ، بشي‌ء معين كان مختصّاً ، كأنت وصيّي فيما أوصيت به يوم الدفن ، أو فيما ذكرته في وصيّتي وكان قد ذكر أشياء مخصوصة ونحو ذلك ، أو بوقت ، كأنت وصيّي إلى سنة ، أو إلى أن يبلغ ابني فلان ، وشبه ذلك ، أو بالأحوال ، كأن‌

__________________

(١) كصاحب المدارك ٥ : ١٨.

(٢) قاله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٥.

(٣) المسالك ١ : ١٧٣.

(٤) الكفاية : ٨٩.

٣٤١

يوصي إلى زوجته إلى أن تتزوج وغير ذلك.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ؛ لعموم ما دلّ على تحريم تبديل الوصيّة.

ولو قال : أنت وصيّي وأطلق قيل : كان لغواً (١) ، وعن المحقق الثاني أنه حكى عن الشارح الفاضل عدم الخلاف فيه (٢) ، ونسبه في الكفاية إلى كلام الأصحاب كافّة ، قال : ولا يبعد كونه وصيّاً على الأطفال ؛ لأنه المفهوم في المتعارف (٣).

وهو حسن حيث ثبت ، وإلاّ فالأوّل أثبت.

ولو قال : أنت وصيّي على أولادي ففي انصراف الوصية إلى التصرف في مالهم بما فيه الغبطة ، أو إلى حفظه خاصّة ، أو عدم الصحة ما لم يبيّن ما فوّض إليه ، أوجه ثلاثة ، اختار أوّلها في الكفاية (٤).

( و ) يجوز أن ( يأخذ الوصي أُجرة المثل ) لعمله إن عيّنها له الموصي مطلقاً ، بلا خلاف ، كما في التنقيح (٥) ، وكذا الزيادة لو وافقت الثلث ، وإلاّ فتتوقّف على إجازة الورثة.

وكذا إن لم يعيّنها بشرط أن لا يكون بعمله متبرّعاً ، وفاقاً للمحكي عن الشيخ والفاضل والشهيد (٦) ؛ لأنه عمل محترم غير متبرّع به فكان له‌

__________________

(١) قال به العلاّمة في التذكرة ٢ : ٥٠٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١١ : ٢٦٢.

(٢) جامع المقاصد ١١ : ٢٦٢ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٢ : ٦٢٣.

(٣ و ٤) الكفاية : ١٥١.

(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٦.

(٦) الشيخ في النهاية : ٣٦٢ ، الفاضل في المختلف : ٣٤٥ ، الشهيد في الدروس ٢ : ٣٢٧.

٣٤٢

اجرة مثله.

وللخبر ، بل الصحيح كما قيل (١) : عمّن تولّى مال اليتيم ما له أن يأكل منه؟ فقال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك » (٢).

وعن مجمع البيان أنه الظاهر من روايات أصحابنا (٣).

( وقيل ) كما عن النهاية والحلي (٤) : يأخذ ( قدر الكفاية ) لقوله سبحانه ( وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٥) وهو ما لا إسراف فيه ولا تقتير.

وللمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيحان المفسّران للمعروف بالقوت (٦).

والموثقان في تفسيره أيضاً ، في أحدهما : « فليأكل بقدر ولا يسرف » (٧).

وفي الثاني : « له أن يصيب من لبنها من غير نهك بضرع ولا فساد لنسل » (٨).

__________________

(١) قال به صاحب الحدائق ١٨ : ٣٣٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٥١ أبواب ما يكتسب به ٧٢ ح ٥.

(٣) مجمع البيان ٢ : ١٠.

(٤) النهاية : ٣٦١ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢١١.

(٥) النساء : ٦.

(٦) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥٠ ، وج ٩ : ٢٤٤ / ٩٤٩ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٠ أبواب ما يكتسب به ب ٧٢ ح ١.

(٧) الكافي ٥ : ١٢٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٨ ، الوسائل ١٧ : ٢٥١ أبواب ما يكتسب به ب ٧٢ ح ٤.

(٨) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥١ ، قرب الإسناد : ٤٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٠ أبواب ما يكتسب به ب ٧٢ ح ٢.

٣٤٣

والخبر المروي عن تفسير العياشي : « فليشرب من ألبانها غير مجهد للحلاب ، ولا مضرّ بالولد » (١).

ويمكن إرجاع هذه الأدلّة إلى الأوّل ، لكنّه فرع التكافؤ.

والأحوط بل الأولى كما عن المبسوط والتبيان (٢) أن له أقلّ الأمرين ؛ جمعاً بين الأدلّة ، واقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من الفتوى والرواية.

( هذا مع الحاجة ) في الوصي وفقره.

وأمّا مع غناه فالأحوط بل اللازم كما عن الحلي (٣) أن لا يأخذ شيئاً ؛ للأصل ، ونصّ الآية الكريمة ( مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٤) والموثق : « من كان يلي شيئاً لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه .. فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرزأنّ من أموالهم شيئاً » (٥).

خلافاً للمحكي عن الإسكافي والطوسي (٦) ، فجوزّاه على كراهةٍ ، ووافقهما العلاّمة (٧) ؛ لقرينة العفة الظاهرة في الجواز مع الكراهة.

وفي هذه القرينة مناقشة ، فلا يصرف الأمر في الآية والرواية عن‌

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٢١ / ٢٨ ، المستدرك ١٣ : ١٩٥ أبواب ما يكتسب به ب ٦٠ ح ٣.

(٢) المبسوط ٢ : ١٣٦ ، لم نعثر عليه في التبيان ، حكاه عنه في السرائر ٢ : ٢١١ والمختلف : ٣٤٥.

(٣) السرائر ٢ : ٢١١.

(٤) النساء : ٦.

(٥) تقدّم مصدره في ص ٣٤٠ الهامش (٧).

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٤٥ ، الطوسي في النهاية : ٣٦٢.

(٧) المختلف : ٣٤٥.

٣٤٤

ظاهره بمثلها.

ثم ظاهر إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في جواز الأخذ بين كثرة المال وقلّته ، وهو الموافق لإطلاق الآية وكثير من الروايات الواردة في المسألة ، لكن في جملة منها اشتراط الكثرة.

ففي القريب من الصحيح الوارد في تفسير الآية : فقال : « ذاك الرجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان قليلاً فلا يأكل منه شيئاً » (١) ونحوه المروي عن تفسير العياشي (٢).

ولا ريب أنه أحوط ، كالمستفاد منهما ومن خبرين آخرين مرويّين عن التفسير المزبور (٣) من اشتراط صرف العمل كله في مال اليتيم دون نفسه ، فلا يأخذ إن عمل لنفسه مطلقاً احتياطاً ، بل وجوباً إذا حصل له بذلك غنى ؛ لما مضى.

ثم إنّه على القول الثاني هل المراد بالكفاية ما يكفيه وعياله ، أو يقتصر على نفسه خاصّة؟ وجهان ، وربما يدّعى ظهور الأوّل من روايات المسألة.

ولا يخلو عن مناقشة ، ولا ريب أن الثاني أحوط ، وإن كان ما يدّعى لا يخلو عن وجه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٥١ أبواب ما يكتسب به ب ٧٢ ح ٣.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٢١ / ٢٩ ، المستدرك ١٣ : ١٩٥ أبواب ما يكتسب به ب ٦٠ ح ١.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٢٢ / ٣١ ، ٣٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٥٢ ، ٢٥٣ أبواب ما يكتسب به ب ٧٢ ح ٩ ، ١٠.

٣٤٥

( وإذا ) كان الوصي ( أذن له ) الموصي ( في الوصية ) فيما أوصى به إليه إلى الغير ( جاز ) له الإيصاء فيه إليه ، بلا خلاف فيه وفي العدم مع المنع ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة ، كالصيمري وغيره (١) ؛ وهو الحجة فيهما ، مضافاً إلى الأُصول في الثاني ، والرواية الآتية فحوًى أو منطوقاً على ما فهمه الجماعة في الأوّل.

( ولو ) أطلق فـ ( لم يأذن ) ولم يمنع ( فقولان ، أشبههما ) وأشهرهما بين المتأخّرين ، بل لعلّه عليه عامّتهم ( أنه لا يصحّ ) وفاقاً للمفيد والتقي وابن زهرة والحلي (٢) ؛ اقتصاراً في التصرف في مال الغير الممنوع منه على مورد الإذن ، وليس إلاّ التصرف للوصي الأوّل حال حياته.

خلافاً للإسكافي والنهاية والقاضي (٣) ، فجوّزوه كالأوّل ؛ للصحيحة : رجل كان وصي رجلٍ فمات وأوصى إلى رجل ، هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيّه؟ فكتب عليه‌السلام : « يلزمه بحقّه إن كان له قبله حقّ إن شاء الله تعالى » (٤) بناءً على أن المراد بالحق هنا حق الإيمان فكأنه قال : يلزمه إن كان مؤمناً وفاؤه لحقّه بسبب الإيمان ، فإنه يقتضي معونة المؤمن وقضاء حوائجه التي أهمّها إنفاذ وصيته.

ولأنّ الموصي أقامه مقام نفسه ، فيثبت له من الولاية ما ثبت له.

__________________

(١) انظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٧ ، والروضة ٥ : ٦٦.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٧٥ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٦٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٩١.

(٣) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٥١١ ، النهاية : ٦٠٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١١٧.

(٤) الفقيه ٤ : ١٦٨ / ٥٨٧ ، التهذيب ٩ : ٢١٥ / ٨٥٠ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٠ ح ١.

٣٤٦

ولأن الاستنابة من جملة التصرفات المملوكة بالنص.

ويضعّف الأوّل بعد الإغماض عن كونه مكاتبة غير حجة ، أو لأدلّة المنع غير مكافئة كونه مجملاً في الدلالة ؛ لما ذكره الجماعة : من احتماله ما يضادّ الأوّل ، بأن يراد بحقه الوصية إليه بأن يوصي ، وضمير حقّه راجع إلى الموصي الأوّل ، والمعنى حينئذٍ : أن الوصية تلزم الوصي الثاني بحقّ الأوّل إن كان له أي للأوّل قبله أي قبل الوصي الأوّل حق ، بأن يكون قد أوصى إليه وأذن له أن يوصي ، فقد صار له قِبَله حق الوصية ، فإذا أوصى بها لزمت الوصي الثاني ، ومع تطرّق الاحتمال يسقط الاستدلال ، إن لم يكن الثاني أرجح.

ثم إن هذا على ما فهموه من الرواية : من تعلّق وصية الوصي إلى الغير بما أوصى إليه الموصي الأوّل. وأمّا على ما يظهر منها بعد تعمّق النظر فيها من أن المراد بالسؤال أن الوصي أوصى إلى الغير فيما يتعلّق به وجعله وصيّاً لنفسه ، فهل يدخل في

هذه الوصية وصية الموصي الأول فيلزم الوصي الثاني العمل بها أيضاً ، أم لا؟ فكتب عليه‌السلام الجواب بما مضى فلا وجه أيضاً للاستدلال به ؛ لكونه على هذا التقدير أيضاً مجملاً.

ومقتضاه حينئذٍ أنه إن كان للوصي الأول قِبَله أي قِبَل الوصي الثاني حقّ من جهة وصية الموصي الأوّل لزمه الوفاء به ، وإلاّ فلا ، ويكون المراد بالحق حينئذٍ حق التوصية إلى الوصي الثاني ، بأن صرّح له بالوصية ، فيرجع حاصل الجواب إلى أن وصية الأوّل لا تدخل في إطلاق وصية الموصي الثاني إلاّ أن يصرّح به ، وهو كما ترى غير مورد النزاع.

وإطلاقه وإن شمله إلاّ أنه لا عبرة به ؛ بناءً على ظهور وروده لبيان حكم غيره ، فيكون الخبر بالنسبة إلى مورد النزاع من جواز وصية الوصي‌

٣٤٧

إلى الغير فيما أوصى به إليه الموصي وعدمه مجملاً محتملاً لاختصاص الحكم فيه بالجواز مع الشرط بالموضع المتيقن المجمع عليه ، وهو صورة الإذن فيها لا مطلقاً.

ويحتمل هنا احتمال آخر لا يتأتّى معه الاستدلال أيضاً كما سبق.

ويضعّف الثاني : بأن إقامته مقام نفسه إنما هي في فعله مباشرة بنفسه ، كما هو الظاهر.

والثالث : بمنع كون الاستنابة من جملة التصرفات ؛ فإن رضاه بنظره مباشرة لا يقتضي رضاه بفعل غيره ، لاختلاف الأنظار والأغراض في ذلك.

( ومن لا وصي له فالحاكم ولي تركته ) بلا خلاف فيه وفي أن المراد بالحاكم الإمام عليه‌السلام إن كان ، وإلاّ فالفقيه الجامع لشرائط الفتوى ، ومع عدمه فالتولية لعدول المؤمنين ، وفاقاً للطوسي وأكثر المتأخرين (١) ؛ للمعتبرة المستفيضة المؤيّدة بأن فيه الإعانة على البرّ المأمور بها في الكتاب والسنة ، وعموم قوله سبحانه ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٢) ونحو ذلك من المؤيّدات القوية التي أعظمها الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلها إجماع في الحقيقة.

وخلاف الحلّي كتردّد الماتن في الشرائع (٣) شاذّ غير ملتفت إليه. مع احتمال عبارة الأوّل ما يوافق الجماعة ، بإرادته منها المنع عن ولايتهم إذا كان هناك حاكم الشريعة.

ويستثنى من محل المنع على تقديره ما يضطرّ إليه الأطفال والدواب‌

__________________

(١) الطوسي في النهاية : ٦٠٨ ؛ وانظر الجامع للشرائع : ٤٩٢ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٣٩٨ ، واللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٧٨.

(٢) التوبة : ٧١.

(٣) الحلي في السرائر ٣ : ١٩٣ ، الشرائع ٢ : ٢٥٧.

٣٤٨

من المئونة ، وصيانة المال المشرف على التلف ، فإن ذلك ونحوه واجب على المسلمين كفايةً فضلاً عن العدول منهم ، كإطعام الجائعين المضطرين ، ونحو ذلك.

ولو كان الحاكم بعيداً وأمكن المراجعة إليه ولو بعد مدة اقتصروا في التصرف على ما لا بُدَّ منه ، وأخّروا ما يسع تأخيره.

( الخامس : في الموصى به ).

( وفيه : أطراف )

( الأوّل : في متعلق الوصية ، ويعتبر فيه ) أن يكون له قابليّة ( الملك ) لكل من الموصي والموصى له.

( فلا تصحّ ) الوصية ( بالخمر ) الغير المحترمة المتّخذة لغير التخليل ( ولا بآلات اللهو ) ولا الخنزير ، ولا كلب الهراش ، ونحو ذلك ، بلا خلاف أجده ، بل الإجماع عليه في التذكرة (١) وعلى جواز الوصية بالكلاب الأربعة معلِّلاً الأخيرَ بأن فيه نفعاً مباحاً ، وتقرّ اليد عليه ، والوصية تبرّع تصحّ في المال وغير المال من الحقوق ، وأنه تصح هبته فتصح الوصية به كالمال.

ويستفاد منه جواز الوصية بكل ما فيه نفع محلّل مقصود وإن لم يجز بيعه كالفيل ونحوه ، على القول بالمنع عن بيعه ، وبه صرح في التذكرة (٢) في المثال وغيره.

( و ) يجوز أن ( يوصي بالثلث ) من تركته ( فما نقص ) بدون إذن الورثة إجماعاً ، لا زائداً كذلك ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه إجماع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٨١.

٣٤٩

العلماء ، كما صرّح به في الغنية والتنقيح والتذكرة (١) ؛ وهو الحجة. مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الخاصيّة والعاميّة (٢) ، وهي بالمعنى متواترة.

قالوا : خلافاً لوالد الصدوق (٣) ، فجوّز الوصية بالمال كله ؛ للرضوي : « فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله ، ويلزم الوصي إنفاذ وصيّته على ما أوصى به » (٤).

وهو كمستنده شاذّ ، وإن تأيّد بالإطلاقات ، وبعض الروايات الضعيفة الأسانيد ، منها : « الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح ، إن أوصى به كلّه فهو جائز » (٥).

ومنها : أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمد عليه‌السلام ، فكتبت إليه : جعلت فداك ، رجل أوصى إليّ بجميع ما خلّف لك ، وخلّف ابنتَيْ أُختٍ له ، فرأيك في ذلك؟ فكتب إليّ : « بع ما خلّف وابعث به إليّ » فبعت وبعثت به إليه ، فكتب إليّ : « قد وصل إليّ » (٦) ونحوه خبران آخران (٧).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٩٩ ، التذكرة ٢ : ٤٨٢.

(٢) الوسائل ١٩ : أبواب أحكام الوصايا الأبواب ٨ ، ٩ ، ١٠ ؛ وانظر سنن الترمذي ٣ : ٢٩١ / ٢١٩٩ ، وسنن أبي داود ٣ : ١١٢ / ٢٨٦٤ ، وسنن الدارمي ٢ : ٤٠٧.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٥١٠.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٨ ، المستدرك ١٤ : ٩٦ أبواب أحكام الوصايا ب ٩ ح ٦ وفيه صدر الحديث.

(٥) الكافي ٧ : ٧ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٥٠ / ٥٢٠ ، التهذيب ٩ : ١٨٧ / ٧٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٢١ / ٤٥٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٩٨ أبواب أحكام الوصايا ب ١٧ ح ٥.

(٦) التهذيب ٩ : ١٩٥ / ٧٨٥ ، الإستبصار ٤ : ١٢٣ / ٤٦٨ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٠ أبواب أحكام الوصايا ب ١١ ح ١٦.

(٧) التهذيب ٩ : ١٩٥ ، ١٩٦ / ٧٨٥ ، الإستبصار ٤ : ١٢٣ / ٤٦٨ ، الوسائل ١٩ : ٢٨١ أبواب أحكام الوصايا ب ١١ ح ١٧ ، ١٨.

٣٥٠

لضعف الإطلاقات بالإجمال أوّلاً ، وبعدم مكافأتها كالأخبار التالية والرضوي لما مضى من الأدلّة ثانياً.

مع قصور الرواية الأُولى عن الدلالة على الحكم في المتنازع فيه جدّاً من وجوه شتّى :

منها : أن غايتها الجواز ، ولا كلام فيه ، إنما الكلام في اللزوم وعدمه.

ومنها : احتمال أن يراد بالمال الثلث ، كما صرّح به الصدوق في المقنع بعد أن روى فيه ما يقرب من هذه الرواية ، قال بعد نقله : ماله هو الثلث ؛ لأنه لا مال للميت أكثر من الثلث (١).

ومنها : احتمال تقييدها بصورة فقد الوارث الخاصّ ، كما هو أحد القولين ، وإن منع عنه أيضاً في القول الآخر ، ولعلّه الأظهر.

ونحو هذه الرواية في القصور دلالة الروايات الأخيرة لوجوه هي في الاستبصار وغيره (٢) مذكورة ، مع أنها معارضة بصريح أخبار أُخر معتبرة :

منها الصحيح : كان لمحمد بن حسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له : ميمون ، فحضره الموت فأوصى إلى أبي الفضل العباس بن معروف بجميع ميراثه وتركته أن اجعله دراهم وابعث بها إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، وترك أهلاً حاملاً وإخوة قد دخلوا في الإسلام وأُمّاً مجوسيّة ، قال : ففعلت ما أوصى به وجمعت الدراهم ودفعتها إلى محمد ابن الحسن إلى أن قال ـ : فكتبت و [ حصّلت (٣) ] الدراهم وأوصلتها إليه عليه‌السلام ، فأمره أن يعزل منها الثلث يدفعها إليه ويردّ الباقي على وصيّه‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في المقنع ، حكاه عنه في المختلف : ٥١٠.

(٢) الاستبصار ٤ : ١٢٥ ؛ وانظر المختلف : ٥١٠.

(٣) في النسخ : جعلت ، وما أثبتناه من المصادر.

٣٥١

يردّها على الورثة (١). ونحوه غيره (٢) هذا.

ويحتمل عبارة المخالف كالرضوي لما يلتئم مع فتوى العلماء بأن يكون المراد أنه يجب على الوصي صرف المال الموصى به بجميعه على ما اوصي به ، من حيث وجوب العمل بالوصية ، وحرمة تبديلها بنصّ الكتاب والسنة ، وإنما جاز تغييرها إذا علم أن فيها جوراً ولو بالوصية بزيادة عن الثلث ، وهو بمجرد احتماله غير كافٍ ، فلعلّ الزيادة عنه وقعت الوصية بها من دون حيف أصلاً ، كأن وجبت عليه في ماله بأحد الأسباب الموجبة له ، والموصي أعلم به ، وهذا غير جواز الوصية بالزيادة تبرّعاً.

وحاصله : أنه يجب على الوصي إنفاذ الوصية مطلقاً ولو زادت عن الثلث ، لاحتمال وجوبها عليه في ماله ، إلاّ أن يعلم بكون الوصية تبرّعاً ، فلا يمضي منها إلاّ الثلث ، كما عليه العلماء.

وهذا التوجيه إن لم نقل بكونه ظاهراً من عبارته فلا أقلّ من تساوي احتماله لما فهموه منها ، فنسبتهم المخالفة إليه ليست في محلّها ، وعليه نبّه في التذكرة (٣) ، فلا خلاف من أحدٍ يظهر هنا.

( و ) كيف كان فـ ( لو أوصى بزيادة عن الثلث صحّ في الثلث وبطل ) في ( الزائد ) بمعنى أنه لا يلزم فيه ، بل يكون مراعى ( فإن أجاز الورثة بعد الوفاة صحّ ، وإن أجاز بعض الورثة صحّ في حصته ) دون الباقي ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل عليه إجماع العلماء في ظاهر‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٩٨ / ٧٩٠ ، الإستبصار ٤ : ١٢٥ / ٤٧٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٧٧ أبواب أحكام الوصايا ب ١١ ح ٧.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٤٢ / ٩٣٧ ، الإستبصار ٤ : ١٢٦ / ٤٧٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٧٧ أبواب أحكام الوصايا ب ١١ ح ٨.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٨١.

٣٥٢

الغنية وصريح التذكرة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى فحوى النصوص الآتية ، وصريح غيرها من المعتبرة.

( ولو أجازوا قبل الوفاة ففي لزومه قولان ) و ( المروي ) في المعتبرة ( اللزوم ) ففي الصحيحين : رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصية ، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ قال : « ليس لهم ذلك ، الوصية جائزة عليهم » (٢) ونحوهما غيرهما (٣).

وإليهما ذهب عامّة متأخّري أصحابنا تبعاً للإسكافي والصدوق وابن حمزة والطوسي (٤) مدّعياً عليه إجماع الإمامية كما حكي عنه في المختلف والدروس وشرح القواعد للمحقق الثاني (٥).

ولا ريب فيه ؛ لصحة أكثر النصوص ، وكثرتها ، وصراحتها ، واشتهارها ، واعتضادها بالإجماع المنقول ، وسلامتها عن المعارض من جهتها ، بل وغيرها أيضاً كما سترى.

خلافاً للمفيد والديلمي والحلّي (٦) ، فاختاروا العدم ؛ لأن الورثة‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، التذكرة ٢ : ٤٨١.

(٢) الكافي ٧ : ١٢ / ١ وذيله ، الفقيه ٤ : ١٤٧ / ٥١٢ ، ١٤٨ / ٥١٣ ، التهذيب ٩ : ١٩٣ / ٧٧٥ ، ٧٧٦ ، الإستبصار ٤ : ١٢٢ / ٤٦٤ ، ٤٦٥ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٣ أبواب أحكام الوصايا ب ١٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ١٩٣ / ٧٧٧ ، الإستبصار ٤ : ١٢٢ / ٤٦٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٤ أبواب أحكام الوصايا ب ١٣ ذيل الحديث ١.

(٤) حكاه عن الإسكافي في التنقيح الرائع ٢ : ٤٠٠ ، الصدوق في الفقيه ٤ : ١٤٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٥ وفيها نسب اللزوم إلى القيل ، الطوسي في الخلاف ٤ : ١٤٤ ، والنهاية : ٦٠٨.

(٥) المختلف : ٥٠٠ ، الدروس ٢ : ٣٠١ ، جامع المقاصد ١٠ : ١١٣.

(٦) المفيد في المقنعة : ٦٧٠ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٣ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٨٥.

٣٥٣

أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم ، كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل التزويج ، والشفيع إذا أسقط حقه من الشفعة قبل البيع.

ولأنها حالة لا يصح فيها ردّهم للوصية بل يلزمهم إذا أجازوها بعده ، فلا تصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية.

ويضعّفان مضافاً إلى أنهما اجتهاد في مقابلة النص المعتبر بتعلّق حق الورثة بالمال وإلاّ لم يمنع الموصي من التصرف فيه.

وبظهور الفرق بين الردّ والإجازة ، فإن الردّ إنما لا يعتبر حال حياة الموصي لأن استمرار الوصية يجري مجرى تجدّدها حالاً فحالاً ، بخلاف الردّ بعد الموت والإجازة حال الحياة.

قيل : ولا فرق بين وصية الصحيح والمريض في ذلك ؛ لاشتراكهما في الحَجر بالنسبة إلى ما بعد الوفاة (١) ، وإن افترقا في التصرف منجّزاً إن قلنا فيه بالفرق بينهما ، وإلاّ فلا فرق بينهما هنا أيضاً ، وإن افترق الوصية والمنجز على هذا التقدير.

ويعتبر في المجيز جواز التصرف ، فلا عبرة بإجازة الصبي والمجنون والسفيه. أمّا المفلّس فإن كانت إجازته حال الحياة نفذت ؛ إذ لا ملك له حينئذٍ وإنما إجازته تنفيذ لتصرف الموصي عندنا.

ولو كانت بعد الموت ففي صحتها وجهان مبنيان على أن التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت وبالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له ، أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق ملكه من حين الموت؟ فعلى الأوّل لا تنفذ ؛ لتعلق حق الغرماء بالتركة قبل الإجازة ، وعلى الثاني يحتمل الأمرين.

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٣٦.

٣٥٤

وهل الإجازة تنفيذ أو ابتداء عطية؟ ظاهر أصحابنا الأوّل ، بل ظاهر المسالك والتذكرة (١) الإجماع عليه ، فلا يحتاج إلى إيجاب وقبول ، ولا توجب ولاءً للمجيز إذا كان الوصية في عتق ، ولا يعتبر في إجازة المريض خروجها من الثلث ، وتنتفي هذه الأحكام على الثاني.

( ويملك الموصى به بعد الموت ) لا قبله ، بلا خلاف ، كما في المسالك وعن المبسوط (٢).

وهل يحصل الملك به قهراً كالإرث وإن كان متزلزلاً حتى يقبل ، أم به وبالقبول معاً ، أم القبول كاشف بالموت؟ أقوال غير مستندة إلى حجة معتدّ بها ، والأُمور الاعتبارية متعارضة ، لكن لعلّ الأخير أظهر ، وعليه الأكثر ، كما في المسالك وغيره (٣) ؛ لا لما علّلوه به ، لما مرّ ، بل لأن ذلك مقتضى العقد بناءً على أن مقتضى الإيجاب هو انتقال الملك عقيب الموت بلا فصل ، والقبول إنما وقع على هذا الإيجاب ، هذا.

مضافاً إلى ظواهر كثير من المعتبرة المستفيضة الدالّة على حصول الانتقال بمجرد الموت من دون توقّف على أمر آخر ، وقد مضى شطر منها ، وفيها الصحيح وغيره.

وهي وإن لم تتضمن اشتراط القبول إلاّ أنها مقيّدة أو مخصّصة بما دلّ عليه ، والعام المخصّص حجة في الباقي ، ولا موجب لتخصيصها بالإضافة إلى ما نحن فيه حتى يرتكب.

ويتفرع على الخلاف فروع كثيرة هي في المطوّلات كالمسالك وغيره‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٩٣ ، التذكرة ٢ : ٤٨١.

(٢) المسالك ١ : ٣٨٦ ، المبسوط ٤ : ٢٨.

(٣) المسالك ١ : ٣٨٧ ؛ وانظر المفاتيح ٣ : ٢٢١.

٣٥٥

مذكورة (١).

( وتصحّ الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر ) على أن يكون الربح بينهما مطلقاً ، وفاقاً للنهاية والقاضي وأكثر المتأخرين (٢) ، بل لعلّه عليه عامتهم ؛ للمعتبرين ، في أحدهما : دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال : يا بني اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به ، وخذ نصف الربح وأعطهم النصف ، وليس عليك ضمان إلى ان قال ـ : فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقصصت عليه قصّتي ثم قلت له : ما ترى؟ فقال : « ليس عليك فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ ضمان » (٣).

وفي الثاني : عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم ، وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال ، وأن يكون الربح بينه وبينهم ، قال : « لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حي » (٤).

وقصور سندهما بالجهالة مجبور بالشهرة العظيمة ، مع وجود ابن أبي عمير في الأوّل والسند إليه صحيح ، وهو ممن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهم ، فلا يضر جهالة من بعده ، وكذا جهالة راوي الثاني ، فقد قيل في حقه : إنه لا بأس به (٥) ، وربما قيل بحسنه (٦) ، بل قيل‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٨٧ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٣٨٩.

(٢) النهاية : ٦٠٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ١١٨ ؛ وانظر المختلف : ٥١١ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٤٠٣ ، والدروس : ٢٤٩.

(٣) الكافي ٧ : ٦١ / ١٦ ، الفقيه ٤ : ١٦٩ / ٥٩١ ، التهذيب ٩ : ٢٣٦ / ٩١٩ ، الوسائل ١٩ : ٤٢٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٩٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٦٢ / ١٩ ، الفقيه ٤ : ١٦٩ / ٥٩٠ ، التهذيب ٩ : ٢٣٦ / ٩٢١ ، الوسائل ١٩ : ٤٢٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٩٢ ح ١.

(٥) انظر رجال الكشي ٢ : ٦٢٩ / ٦٢٣ ، ورجال العلاّمة : ١٦٨ / ٢.

(٦) قال به المجلسي في مرآة العقول ٢٣ : ١٠١.

٣٥٦

بوثاقته (١) ، هذا.

مضافاً إلى تأيّدهما بإطلاقات الكتاب والسنة السليمة كما قيل (٢) عمّا يصلح للمعارضة ؛ فإن التكسّب بمال الصغير غير واجب على الوصي ، والحاصل من الربح زيادة فائدة ، والتعرض للتلف غير قادح ، لأن الواجب على العامل مراعاة الأمن والحفظ وما فيه مصلحة المال ، والعمل به على هذا الوجه راجح عند العقلاء.

ولا يلزم مراعاة المدّة التي شرطها الموصي ، بل يصح ما دام الوارث صغيراً ، فإذا كمل كان له فسخ المضاربة ؛ لأنها عقد مبني على الجواز ، وتحديد الموصي لها بمدّة لا يرفع حكمها الثابت بالأصل ، وإنما فائدته المنع عن التصرف فيما زاد عليها لا الالتزام بها فيها.

ولا يلزم من ذلك تبديل الوصية وتغييرها المنهي عنه شرعاً ؛ لأن تبديلها هو العمل بخلاف مقتضاها ، وليس كذلك هنا ، فإنه لما أوصى بعقد جائز فقد عرض العامل لفسخه في كل وقت يمكن ، عملاً بمقتضاه ، ولا يكون الفسخ تبديلاً للوصية بل عملاً بمقتضاها.

ومورد الخبرين والعبارة هو الأصاغر خاصة ، وعن الأكثر الإطلاق المحتمل للكبار ، ومستندهم عليه من النص غير واضح.

وإن كانت الصحة في الوصية بما لهم أيضاً غير بعيدة إن حصلت منهم الإجازة ، لكن الصحة حينئذٍ ليست مستندة إلى الوصية ، فإنها حينئذٍ كالفضولي مستند صحتها إلى الإجازة.

وبعيدة إن لم تحصل بسبب عدم اطّلاع الورثة ؛ لاستلزام الصحة‌

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٢ : ٤٣٢.

(٢) راجع مفتاح الكرامة ٩ : ٤٦٠.

٣٥٧

حينئذٍ جواز تصرف العامل بمجرد الوصية ولو مع عدم اطّلاع الورثة ، وهو يستلزم أُموراً مخالفة للأُصول المسلّمة التي منها حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه ، وعدم إلزام المالك بما تلف بفعل غيره حيث يقع ، وكون الربح تابعاً للمال ، لا يستحق منه العامل فيه شيئاً مع علمه أو زائداً على اجرة المثل.

وفائدة الصحة حيث ثبتت أن الوارث إذا لم يفسخ وعمل الموصى له في المال استحق الحصّة المعيّنة له عملاً بمقتضى الوصية والإجازة ، وليس في هذا مخالفة للأُصول الشرعية ، إذ ليس فيه تفويت على الوارث بوجه ، ولا منع عن التصرف في ماله حتى يتوقّف على رضاه.

وبه يندفع ما يورد على الصحة من تضمّنها الإضرار بالوارث على تقدير زيادة المدّة وقلّة الربح ؛ لأنّ ذلك مستند إليه حيث لم يفسخ مع تمكّنه منه فالضرر على تقديره مستند إليه ، نعم يتّجه ذلك في صورة عدم الإجازة.

فخلاف الحلي (١) المشترط في الصحة مطلقاً كون المال بقدر الثلث فما دون شاذّ. كمختار الفاضل المقداد في التنقيح (٢) : من أن المحاباة في الحصّة من الربح بالنسبة إلى أُجرة المثل محسوبة من الثلث.

وهما مع ذلك ردّ للنصّ المعتبر في الجملة ، ولولاه لأمكن المصير إلى عدم الصحة فيما زاد على الثلث مطلقاً ، لاستلزامها المخالفة لبعض الأُصول المتقدمة ، وهو تبعية الربح لرأس المال ، وعدم استحقاق العامل فيه شيئاً أو زائداً على الأُجرة ، فتأمّل.

__________________

(١) السرائر ٣ : ١٩٢.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٤٠٣.

٣٥٨

( ولو أوصى بواجب وغيره أُخرج الواجب من الأصل ) إذا كان مالياً ، كالدين والحج ( والباقي من الثلث ) بلا خلاف أجده ، وبه صرّح جماعة (١) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى إطلاقات الكتاب والسنة بتقديم الدين على الإرث ، الشاملة لصورتي الوصية به وعدمها. ومجرد الوصية به لا يوجب صرفه إلى الثلث ما لم يصرح به ؛ لعدم التلازم.

وللصحيح : رجل توفّي وأوصى أن يحجّ عنه ، قال : « إن كان صرورة فمن جميع المال ، إنه بمنزلة الدين الواجب ، وإن كان قد حجّ فمن ثلثه » (٣) الحديث ، ونحوه الموثق (٤). وهو كما ترى صريح في عدم التلازم.

والتعليل في الذيل ظاهر في العموم لكل ما هو بمنزلة الدين ، فيشمل جميع الواجبات المالية المحضة ، كالدين والزكاة والكفارات ونذر المال ، والمشوبة بالبدن كالحجّ. فما في الكفاية بعد نسبة العموم إلى الأصحاب كافة : من أن الحكم ثابت في الزكاة والحج الواجبين خاصة ، والحجة في غيرهما غير واضحة (٥) المناقشة فيه واضحة.

وإذا كان بدنيّاً كالصلاة والصوم أُخرج من الثلث ، بلا خلاف أجده إلاّ من ظاهر إطلاق العبارة ونحوها ؛ وحجّته غير واضحة ، ويحتمل قويّاً اختصاصه بالواجب المالي خاصّة ، وإنما لم يقيّد به اتّكالاً على الوضوح من الخارج.

__________________

(١) انظر التنقيح ٢ : ٤٠٤ والحدائق ٢٢ : ٤٣٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٥ / ١ ، الوسائل ١١ : ٦٧ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٢٥ ح ٤.

(٤) التهذيب ٩ : ١٧٠ / ٦٩٣ ، الوسائل ١٩ : ٣٥٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٠ ح ١.

(٥) الكفاية : ١٤٧.

٣٥٩

ولعلّه لذا لم ينقل أحد خلافاً في المسألة إلاّ المحقق الثاني (١) ، فقد حكى القول بإخراجه أيضاً من الأصل كالمالي ، لكن لم يصرّح بقائله ، ويمكن إرادته الماتن ومن حَذا حَذوه في التعبير ، ولعلّه بعيد ، لكن بعدم الخلاف صرّح بعض الأجلّة (٢).

والفرق بين المقامين واضح ؛ فإن الواجب المالي وإن كان مشوباً بالبدن في بعض أفراده لما كان متعلّقاً بالمال حال الحياة وجب إخراجه بعد الموت من المال ، وتخرج الأدلّة المتقدمة شاهدة على ذلك. وأمّا الواجب البدني فإنه لمّا كان متعلّقه في حال الحياة إنما هو البدن وبعد الموت مع عدم الوصية به يتعلّق الخطاب به بالولي ، فمع عدمه وعدم الوصية لا دليل على وجوب الإخراج من الأصل.

( ولو حصر الجميع ) أي جميع ما أوصى به من الواجب وغيره ( في الثلث ) بأن صرّح بإخراجه منه ( بدئ بالواجب ) وقُدِّم على غيره وإن تأخّرت الوصية به ، سواء كان الواجب ماليّاً أم غيره ، وبدئ بعده بالأوّل فالأوّل ، كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي كلام جماعة ، بل لم أقف فيه على مخالف عدا الكفاية ، فقال : وقطع بعضهم بتقديم البدنية على المتبرّع بها من ثلث الباقي الأوّل فالأوّل ، وحجته غير واضحة (٣).

وفيه نظر ؛ لأولوية الواجب على غيره ، مع حصول تيقّن براءة الوصي بصرفه فيه ، ولا كذلك لو صرفه في غيره.

مضافاً إلى ظاهر التعليل في الصحيح : إن امرأة من أهلي ماتت‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١٠ : ١١٩.

(٢) الحدائق ٢٢ : ٤٣٥.

(٣) الكفاية : ١٤٦.

٣٦٠