رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

والمقداد في الشرح (١) ، نافياً الأوّل بعده الخلاف ، وهو لازم لكلّ من اشترط القربة.

( ولو وقف المسلم على الفقراء ) أو العلماء ، أو نحوهما مما يدل على وصف مع العموم لغة ( انصرف إلى ) ذي الوصف من ( فقراء المسلمين ) وعلمائهم.

( ولو كان ) الواقف المتلفظ بتلك اللفظة ( كافراً انصرف إلى ) ذي الوصف من ( فقراء نحلته ) وملّته.

بلا خلاف أجده ؛ عملاً بالعرف ، وشهادة الحال والعادة ، فيخصّص بها ما يقتضيه اللفظة من العموم لكل فردٍ فردٍ لغة ، بناءً منهم على تقديم العرف عليها مطلقا.

ويأتي على مذهب من عكس ، التعميم مطلقاً ولو إلى غير ذي الوصف من نحلته.

وهو مع مخالفته الإجماع هنا ظاهراً محجوج بما تقرّر في محله.

مضافاً إلى اختصاص الخلاف في تقديم أحدهما على الآخر بكلام الشارع لا نفس العرف ؛ لتقدّم اصطلاحه على اللغة والشرع إجماعاً.

مع أن إرادة ذي الوصف من نحلته ليست من حيث كونه حقيقة فيه دون غيره في عرف الواقف ، بل من حيث شهادة الحال بإرادته خاصّة ، وإن ذلك إلاّ من قبيل إرادة بعض أفراد الحقيقة بمعونة القرينة وإن عمّت اللفظة في عرف المتكلم بل وغيره غير ذلك الفرد ، فتدبّر.

وهذا يتمّ مع تحقّق دلالة العرف وشهادة الحال به ، فلو انتفت أو‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، التقي في الكافي : ٣٢٦ ، المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣١٣.

١٤١

شكّ فيها وجب التعميم لجميع من يتّصف بوصف الموقوف عليهم ؛ رجوعاً إلى حقيقة اللفظة التي هي الأصل ، مع سلامتها عن المعارض أصلاً ، إلاّ أن ثبوتها لما كان ظاهراً أُطلق العبارة كغيرها الانصراف إلى ذي الوصف من نحلته.

ومقتضى هذه القاعدة انصراف الوقف إلى ذي الوصف من أهل مذهب الواقف لا مطلقا ، فلو وقف إمامي على الفقراء انصرف إلى فقراء الإمامية دون سائر طوائف الإسلام الباطلة ، وكذا في صورة العكس ، ولعلّه مراد الأصحاب وإن كانت عبائرهم مطلقة ، لكن سيأتي من الخلاف ما ربما ينافيه.

وحيث انصرف إلى المسلمين أو صرّح بالوقف عليهم احتيج إلى معرفتهم وبيان المراد منهم ، ولذا قال : ( والمسلمون من صلّى إلى القبلة ) وفسّر في المشهور بمن اعتقد الصلاة إليها وإن لم يصلّ لا مستحلا.

خلافاً للمفيد (١) ، فاعتبر فعليّة الصلاة إليها ، بناءً منه على أن العمل جزء من الإسلام.

ولا فرق عندهم بين كون الواقف محقّاً أو غيره ؛ تبعاً لعموم اللفظ.

خلافاً للحلّي (٢) ، فخصّهم بالمؤمنين إذا كان الواقف منهم ؛ عملاً بشهادة الحال ، كما لو وقف على الفقراء.

ويضعّف بأن تخصيص عامّ لا يقتضي تخصيص آخر ، ومنعِ شهادة الحال ، وقيام الفرق بين الفقراء والمسلمين ، فإن إرادة الوقف على جميع الفقراء على اختلاف آرائهم وتباين مقالاتهم ومعتقداتهم بعيد ، بخلاف‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٥٤.

(٢) السرائر ٣ : ١٦٠.

١٤٢

إرادة فِرَق المسلمين من إطلاقهم ، فإنه أمر راجح شرعاً مطلوب عرفاً.

وفي الجميع نظر ؛ لمنع أن تخصيص عام لا يقتضي تخصيص آخر بعد اشتراكهما في الوجه المخصّص وهو شهادة الحال ، ومنعها لا وجه له ، سيّما على إطلاقه.

ودعوى قيام الفرق بما ذكر غير واضحة ؛ لجريان ما ذكره في الفقراء من بُعد انصراف الوقف من المسلم إلى جميعهم لاختلاف آرائهم في المسلمين أيضاً ، لوجود الاختلاف في الآراء والتباين في المعتقدات فيهم أيضاً.

ودعوى رجحان الوقف على مخالفي الحق من سائر فِرَق المسلمين شرعاً ومطلوبيته عرفاً غير نافعة جدّاً بعد قيام المخصِّص ، كما قدّمنا ، مع أن جماعة كالتقي وابن زهرة والفاضل المقداد في التنقيح (١) أفسدوا الوقف من المحقّ على غيره ، وقد مرّ أن ذلك لازم لكل من يشترط القربة في الصحة ، فما ذكره الحلّي لا يخلو عن قوة.

هذا على تقدير صحة الوقف منه عليه ، وإلاّ كما اخترناه سابقاً من عدم الصحة تبعاً لهؤلاء الجماعة فينبغي القطع بمقالته ؛ إذ الإطلاق والعموم ليسا بأبلغ من التصريح ، ومعه يفسد ، فكذا معهما.

كما أن بيان انصراف الفقراء إلى المسلمين خاصّة حيث يكون الواقف مسلِماً إنما هو على تقدير صحة الوقف من المسلم على الكافر مطلقاً أو في الجملة ، وعلى تقدير فساده بالكلية لم يحتج إلى هذا البيان ؛ لفساد الوقف فيه بالإضافة إليه من أصله.

__________________

(١) التقي في الكافي : ٣٢٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣١٣.

١٤٣

وعلى مذهب الأكثر استثنى جماعة منهم الغلاة والخوارج وغيرهما من فِرَق الإسلام المحكوم بكفرهم شرعاً. ولا ريب فيه على ما اخترناه ، ويأتي على غيره احتمال عدم الاستثناء ، لصدق الاسم عرفاً ، إلاّ أن يكون هناك شاهد حال على الاستثناء فيستثنى.

( والمؤمنون ) حيث يوقف عليهم ( الاثنا عشرية ) القائلون بإمامة الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم ( وهم الإمامية ) الآن ، الذين لا يعتبر في صدق الإمامية عليهم اجتنابهم الكبائر اتفاقاً ، كما حكاه في التنقيح والمسالك والروضة (١) ، وفيها عن الدروس (٢) انسحاب الخلاف الآتي في المؤمنين فيهم.

وليس كذلك بالإجماع ، وإشعار أدلّة المعتبر للاجتناب عنها في الإيمان باختصاص اعتباره فيه دون الإمامي.

وكيف كان ، ما اختاره الماتن من اشتراك المؤمن والإمامي في عدم اعتبار الاجتناب عن الكبائر في حقيقتهما مختار الطوسي في التبيان (٣) ، قائلاً : إنه كذلك عندنا ، واختاره الديلمي والحلّي (٤) ، وعليه كافّة المتأخّرين.

( وقيل : ) كما عن النهاية والمفيد والقاضي وابن حمزة (٥) هم ( مجتنبو الكبائر ) منهم ( خاصّة ) فلا يشمل الوقف عليهم الفسقة.

__________________

(١) التنقيح ٢ : ٣١٦ ، المسالك ١ : ٣٤٩ ، الروضة ٣ : ١٨٢.

(٢) الدروس ٢ : ٢٧٢.

(٣) التبيان ٢ : ٨١.

(٤) الديلمي في المراسم : ١٩٨ ، السرائر ٣ : ١٦١.

(٥) النهاية : ٥٩٧ ، المفيد في المقنعة : ٦٥٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٨٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧١.

١٤٤

ومنشأ الاختلاف هو الاختلاف بين النصوص ، والجمع بينها يقتضي المصير إلى الأوّل.

والأولى الرجوع إلى عرف الواقف وشهادة حاله ، حتى لو كان ممن يذهب إلى الثاني وظهر من القرائن الأحوال إرادته مطلق الإمامي عمّ مجتنبي الكبائر وغيرهم ، وإذا جهل عرفه وانتفت القرائن فالمذهب الأوّل ، وإن كان الأحوط الثاني.

ثم كلّ ذا إذا كان الواقف منهم ، ويشكل فيما لو كان من غيرهم ، وإن كان إطلاق العبارة كغيرها من العبائر يقتضي عدم الفرق ، لعدم معروفيّة الإيمان بهذا المعنى عنده فلم يتوجّه منه القصد له فكيف يحمل عليه.

وليس الحكم فيه كالمسلمين في عموم اللفظ والانصراف إلى كلّ ما دلّ عليه وإن خالف معتقد الواقف ، كما مرّ على تقدير صحته ؛ لأن الإيمان لغة هو مطلق التصديق ، وليس هنا بمراد إجماعاً ، واصطلاحاً يختلف بحسب اختلاف المصطلحين ، ومعناه المعتبر عند أكثر المسلمين هو التصديق القلبي بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويعبّر عنه بالإيمان بالمعنى العام ، والأوّل أي المرادف للإمامي الذي هو مورد العبارة بالخاص ، فلو قيل بحمله عليه في محل الإشكال كان غير بعيد إذا لم يكن ثمّة شاهد حال ، وإلاّ كان متّبعاً بلا إشكال.

( و ) لو وقف على ( الشيعة ) انصرف إلى من شائع عليّاً عليه‌السلام وقدّمه على غيره في الإمامة ، وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة عليهم‌السلام بعده.

فيدخل فيهم ( الإمامية والجارودية ) من الزيدية ، والإسماعيلية غير الملاحدة منهم ، وغيرهم من الفرق الآتية.

١٤٥

وخصّ الجارودية من فِرَق الزيدية لأنه لا يقول منهم بإمامة علي عليه‌السلام دون غيره من المشايخ سواهم ، فإن الصالحية منهم والسليمانية والبترية يقولون بإمامة الشيخين وإن اختلفوا في غيرهما.

وانصراف الشيعة إلى هاتين الطائفتين هو المشهور بين الأصحاب ، محكيّ عن الشيخين والقاضي والديلمي وابن حمزة (١) ؛ لعموم اللفظ.

خلافاً للحلّي والتذكرة (٢) ، فيتبع مذهب الواقف ، فلو كان من الإمامية انصرف وقفه إليهم خاصة ، وكذا لو كان من الجارودية انصرف وقفه إليهم ، وهكذا لو كان من سائر الفرق الباقية ينصرف وقفه إلى أهل مذهبه ؛ عملاً بشاهد الحال. ولا ريب فيه ، بل ولعلّه لا كلام مع حصوله ، وإلاّ فاللازم دوران الأمر مدار اللفظ وعمومه.

وإطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين الوقف عليهم في الأزمنة القديمة أو نحو هذه الأزمنة الحادثة.

وهو في الأخير محلّ مناقشة ؛ لصيرورة الشيعة في زماننا هذا وما ضاهاه حقيقة في الاثني عشرية خاصّة ، بل لا يكاد يخطر ببال أحد من أهله صدق الشيعة على غيرهم من الفرق الباقية ، ولو بالمجاز دون الحقيقة ، بل حيث ما يطلق فيه ينصرف إليهم دون غيرهم البتة ، ويقابل بهم خاصّة أهل السنة ، وهذا أوضح شاهدٍ وأفصح قرينة على انصراف الوقف على الشيعة في مثل هذا الزمان إلى الاثني عشرية كائناً الواقف من كان.

وبما ذكرنا تفطّن بعض من عاصرناه من علمائنا الأعيان ، فاعترض‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٥٤ ، الطوسي في النهاية : ٥٩٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ٨٩ ، الديلمي في المراسم : ١٩٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧١.

(٢) الحلي في السرائر ٣ : ١٦٢ ، التذكرة ٢ : ٤٣٠.

١٤٦

الأصحاب بذلك (١).

ويمكن الاعتذار عنهم بأن مقصودهم متابعة اللفظ وعمومه حيث لا يكون ثمّة قرينة حال ، وإلاّ فلا ريب في وجوب اتّباعها حيث حصلت على كلّ حال ، وينبّه عليه ما مرّ من القاعدة في انصراف الوقف على الفقراء إلى فقراء نحلة الواقف (٢).

( و ) لو وقف على ( الزيدية ) انصرف إلى كل ( من يقول بإمامة زيد ) بن علي بن الحسين عليهما‌السلام ومن خرج من ولد فاطمة عليها‌السلام عالماً زاهداً شجاعاً داعياً إلى نفسه بالسيف ، ولذا قالوا بإمامة زيد دون أبيه علي بن الحسين عليهما‌السلام ، لعدم قيامه.

ولا فرق في ذلك بين كون الواقف إماميّاً أو غيره عند الشيخين (٣).

وتبعهما الأكثر ؛ بناءً منهم على صحة الوقف من الإمامي على أمثال هذه الطوائف. ويأتي على المختار ومذهب من تقدّم من علمائنا الأبرار فساد الوقف منه عليهم (٤) ، وبه صرّح الحلّي هنا (٥) ، وهو لازم لمن يشترط القربة ، كما قدّمناه.

( و ) نحو هذا الكلام في الوقف على ( الفطحية ) وهم كلّ ( من قال بـ ) ـ إمامة ( الأفطح ) عبد الله بن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، وسمّي بذلك لأنه قيل : كان أفطح الرأس (٦).

__________________

(١) الحدائق ٢٢ : ٢٠٧.

(٢) راجع ص : ١٤٠.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٥٥ ، الطوسي في النهاية : ٥٩٨.

(٤) راجع ص : ٤٥٧٥.

(٥) السرائر ٣ : ١٦٣.

(٦) انظر المقالات والفرق : ٨٧.

١٤٧

وقال بعضهم : إنه كان أفطح الرجلين (١). وقيل : إنهم سمّوا فطحية لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له : عبد الله بن فطيح (٢).

( و ) على ( الإسماعيلية ) وهم كل ( من قال بـ ) إمامة ( إسماعيل بن جعفر ) بن محمّد الصادق عليه‌السلام بعده ، قيل : وهم فِرَق.

( و ) على ( الناووسية ) وهم كل ( من وقف ) في عداد الأئمة ( على جعفر بن محمّد ) عليهما‌السلام ، وقالوا : إنه حيّ لن يموت حتى يظهر ويظهر أمره ، وهو القائم المهدي.

وعن الملل والنحل : أنهم زعموا أن عليّاً عليه‌السلام مات وستنشق الأرض عنه قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً (٣).

قيل : نسبوا إلى رجل يقال له : ناووس (٤). وقيل : إلى قرية يقال لها ذلك (٥).

( و ) على ( الواقفية ) وهم كل ( من وقف ) في الإمامة ( على موسى بن جعفر عليهما‌السلام ) وينكر موته ، ويدّعي أنه قائم الأئمة عليهم‌السلام ، وسمّوا في بعض الأخبار بحمير الشيعة ، وفي آخر منها بالكلاب الممطورة (٦).

( و ) على ( الكيسانية ) وهم كل ( من قال بإمامة محمّد بن )

__________________

(١) كما في الإرشاد للمفيد : ٢٨٦ ، وفرق الشيعة : ٧٨ ، والمقالات والفرق : ٨٧.

(٢) حكاه المفيد في الإرشاد : ٢٨٦.

(٣) الملل والنحل : ٢٧٣.

(٤) المقالات والفرق : ٨٠.

(٥) الملل والنحل : ٢٧٣.

(٦) رجال الكشّي ٢ : ٧٦١.

١٤٨

( الحنفية ) بعد الحسين عليه‌السلام وأنه حيّ غائب في جبل رضوى وربما يجتمعون ليالي الجمعة في الجبل ويشتغلون بالعبادة على ما حكي ، وهم أصحاب مختار بن أبي عبيدة المشهور ، ويقال : إن لقبه كان كيسان (١) ، وقيل : ومنشأه أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال له : يا كيّس يا كيّس ، وهو طفل قاعد في حجره (٢).

( و ) كذا ( لو وصفهم ) الواقف ( بنسبة إلى عالم كان لمن دان ) وقال ( بمقالته ) ومذهبه ( كالحنفية ) والمالكية والشافعية والحنبلية.

وهذه ضابطة كلّية في جميع هذه المسائل ، لكن مع اتّفاق العرف أو الاصطلاح لا كلام في انصرافه إليه ، ومع التعدّد يحمل على المتعارف عند الواقف ، وبهذا يتخرّج الحكم والخلاف في الجميع.

( ولو نسبهم إلى أب ) كالأمثلة الآتية ( كان ) الوقف منصرفاً ( لمن انتسب إليه ) أي إلى ذلك الأب ( بالأبناء ، دون البنات على ) الأشهر بين عامة من تأخّر.

خلافاً للمرتضى وابن زهرة (٣) ، فألحقا المنتسبين إليه بالبنات بالمنتسبين إليه بالأبناء في انصراف الوقف إليهم أيضاً ، وادّعى الأخير هنا عليه إجماعنا.

وتمام التحقيق مع ذكر ( الخلاف ) في المضمار يطلب من كتاب الخمس (٤).

__________________

(١) قال به في المقالات والفرق : ٢١.

(٢) انظر رجال الكشي ١ : ٣٤١.

(٣) المرتضى حكاه عنه في المختلف : ٤٩٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٤) راجع ج ٥ ص ٢٤٧.

١٤٩

وذلك ( كـ ) الوقف على الطائفة ( العلوية والهاشميّة ) فينصرف الوقف إلى مَن وَلَده علي وهاشم بأبيه ، أي من اتّصل إليهما بالأب وإن علا ، دون الامّ على الأشهر ، ويعمّ المنتسب إليهما بالأُمّ أيضاً على القول الآخر.

( ويتساوى فيه ) أي في ذلك الوقف استحقاقاً وقدراً ( الذكور والإناث ) من أولاد البنين ، والبنات إن قلنا بانصراف الوقف

إليهم ، بلا خلاف ، قيل : ولا إشكالٍ (١) ، وإن وقع بلفظ الذكور كالهاشميين والعلويين ؛ فإن اللفظ حينئذٍ يشمل الإناث تبعاً ، كما تناولهنّ في جميع الخطابات الواقعة في التكليف في الكتاب والسنة ، ولصدق إطلاقه على الإناث فيقال فلانة علوية أو هاشمية أو تميمية ونحوه.

والمناقشة فيهما على إطلاقهما واضحة ، إلاّ أن يتمّم الأوّل بالاستقراء ، لكن في إفادته المظنّة التي يطمئنّ إليها مناقشة.

وكيف كان ، الإجماع بنفسه حجّة واضحة قد كفتنا مئونة الاشتغال بطلب توجيهٍ لتصحيح هذه الأدلّة ، أو الفحص عما سواها من الحجج الأُخر الشرعية.

( و ) إذا وقف على ( قومه ) انصرف إلى ( أهل لغته ) في المشهور بين الأصحاب ، وإن اختلفوا في الإطلاق ، كما هنا وعن الديلمي (٢) ، أو التقييد بالذكور منهم خاصة دون الإناث ، كما عن الشيخين والقاضي وابني حمزة وزهرة العلوي (٣).

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٥٠.

(٢) المراسم : ١٩٨.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٥٥ ، الطوسي في النهاية : ٥٩٩ ، القاضي في المهذب ٢ : ٩١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

١٥٠

ومستندهم في أصل الحكم غير واضح ، عدا ما يستفاد من الحلّي والتنقيح (١) : من أن به رواية ، وربما يفهم من الغنية أن عليه وعلى التقييد إجماع الإمامية.

خلافاً للحلبي (٢) ، فأوجب الرجوع إلى المعلوم من قصده مع إمكانه ، وإلاّ فإلى المعروف في ذلك الإطلاق عند قومه. ولا ريب فيه مع إمكانه ، وإنما الإشكال مع عدمه.

وللحلّي (٣) ، فصرفه إلى الرجال من قبيلته ممن يطلق العرف بأنهم أهله وعشيرته ، دون من سواهم ؛ استناداً في التخصيص بالأهل والعشيرة إلى شهادة اللغة بذلك والعادة ، وفي تخصيصهم بالذكور بقوله سبحانه ( لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ) .. ( وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ ) (٤) وقول زهير :

وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم أهل حصنٍ أم نساءٌ

ولا ريب أنه أحوط إذا كان عشيرته من أهل لغته ولم يكن ثمّة شاهد حال يصرف الوقف إلى غيرهم ؛ بناءً على ما سيأتي من عدم وجوب صرف الموقوف إلى جميع الموقوف عليهم ، فلو صرف في عشيرته من أهل لغته عمل بالوقف قطعاً ، لكونهم موقوفاً عليهم على جميع الأقوال.

ويشكل إذا كان عشيرته من غير أهل لغته ، أو وجد شاهد حال يصرف الوقف إلى غيرهم مع عدم تعيّنهم. والأولى فيه الرجوع إلى ما ذهب إليه المشهور ؛ ووجهه بعد ما عرفت من الرواية ، وإمكان فهم‌

__________________

(١) الحلي في السرائر ٣ : ١٦٣ ، التنقيح ٢ : ٣١٩.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٢٧.

(٣) السرائر ٣ : ١٦٤.

(٤) الحجرات : ١١.

١٥١

الإجماع عليه من الغنية (١) في غاية الظهور ، لانجبار قصورهما في محلّ الإشكال بفتوى المشهور ، مع السلامة فيه عن قرائن الأحوال المرجّحة عليهما بمقتضى القواعد المقررة.

( و ) إذا وقف على ( عشيرته ) انصرف إلى الخاص من قومه الذين هم ( الأدْنون ) والقريبون منه ( في نسبه ) كما عن الشيخين والديلمي والقاضي والحلّي (٢) خلافاً للحلبي (٣) ، فكما مرّ.

ولا ريب فيه مع إمكانه ، كما ظهر ، وإنما الإشكال فيه مع العدم.

والأقوى فيه الأوّل ؛ للشهرة ، مع ما في الغنية وعن الكيدري (٤) من أن لهم عليه رواية ، وقصور السند واحتمال عدم الدلالة مجبور في محلّ الإشكال بالشهرة وتعدّد نَقَلة الرواية ، لبُعد خطائهم في الفهم بالبديهة.

( ويرجع في الجيران ) إذا وقف عليهم ( إلى العرف ) لأنه المحكّم فيما لم يرد به من الشرع بيان ، ولكن لم أقف له على قائل به عدا الماتن هنا والفاضل في جملة من كتبه (٥). ولا ريب فيه مع معلوميته وشهادة الحال بانصراف الوقف إليه ، ولعلّه لا نزاع فيه أيضاً ، بل هو مختص بصورة فقد الشاهد عليه.

( و ) الأقوى فيه ما ( قيل ) من أنه هو ( من يلي داره ) أي دار الواقف ( إلى أربعين ذراعاً ) بالذراع الشرعي من كل جانبٍ ، كما عن‌

__________________

(١) راجع ص : ١٤٩.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٥٥ ، الطوسي في النهاية : ٥٩٩ ، الديلمي في المراسم : ١٩٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ٩١ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٦٤.

(٣) الكافي في الفقه : ٣٢٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، وحكاه عن الكيدري في المختلف : ٤٩٤.

(٥) انظر القواعد ١ : ٢٦٨ ، والتذكرة ٢ : ٤٣٩ ، والتحرير ١ : ٢٨٨.

١٥٢

الشيخين والقاضي والحلبي والديلمي والكيدري وابني حمزة وزهرة والحلّي (١) ، وبالإجماع عليه صرّح في الغنية ، واحتمل كونه الحجة للأخير في المسالك (٢) ؛ وهو الحجة الموافقة لمقتضى العرف والعادة في الجملة.

( وقيل : ) هو مَنْ يلي داره ( إلى أربعين داراً ، وهو ) مع جهالة قائله كما اعترف به جماعة (٣) شاذّ ( مطرح ) كما هنا وفي المهذب (٤) ، وذكر جماعة (٥) أن مستنده رواية عاميّة (٦) ، مع أنه ورد به من طرقنا روايات معتبرة :

منها الصحيح : « حدّ الجوار أربعون داراً من كلّ جانب : من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله » (٧) ونحوه خبران آخران (٨).

إلاّ أنها مع شذوذها موافقة لمذهب عائشة ، ومع ذلك قاصرة الدلالة على الحكم في المسألة من رجوع الوقف إليهم ، فإن غايتها الدلالة على‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٥٣ ، الطوسي في النهاية : ٥٩٩ ، القاضي في المهذب ٢ : ٩١ ، الحلبي في الكافي : ٣٢٦ ، الديلمي في المراسم : ١٩٨ ، وحكاه عن الكيدري في المختلف : ٤٩٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٦٣.

(٢) المسالك ١ : ٣٥٠.

(٣) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٢١٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٥٠.

(٤) المهذب البارع ٣ : ٦٢.

(٥) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٨٦ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ٤٥.

(٦) جامع الصغير ١ : ٥٧٠.

(٧) الكافي ٢ : ٦٦٩ / ٢ ، الوسائل ١٢ : ١٣٢ أبواب أحكام العشرة ب ٩٠ ح ١.

(٨) الأول : الكافي ٢ : ٦٦٦ / ١ ، الوسائل ١٢ : ١٢٥ أبواب أحكام العشرة ب ٨٦ ح ١.

الثاني : الكافي ٢ : ٦٦٩ / ١ ، الوسائل ١٢ : ١٣٢ أبواب أحكام العشرة ب ٩٠ ح ٢.

١٥٣

الإطلاق ، وهو أعمّ من الحقيقة ، مع أن قرائن المجاز من صحة السلب وعدم التبادر موجودة ، ومع ذلك المجاز خير من الاشتراك بالضرورة.

ثم لو سلم الحقيقة فغايتها أنها حقيقة شرعية ، وهي معتبرة في الألفاظ الواردة عن الشرع ، دون الألفاظ المتداولة بين أهل العرف واللغة ؛ فإنّها تحمل على حقائقهم لا الشرعية.

ولم سلّم جواز حمل الألفاظ المتداولة بينهم على الشرعية على سبيل الحقيقة فغايته الجواز وثبوت الحقيقة ، دون الوجوب وطرح الحقيقة العرفية ، بل لا بدّ من التوقّف إلى تحقق القرينة المعيّنة ، كما عليه المدار في الألفاظ المشتركة.

نعم ، لو علم بالقرائن الحالية أو المقالية إرادة الواقف خصوص هذه الحقيقة الشرعية تعيّن حمله عليه البتة ، إلاّ أنه خارج عن مفروض المسألة ؛ لرجوع الأمر حينئذٍ إلى مقتضى القرينة ، وهي حيث حصلت متّبعة ولو على غير الشرعية ، أو شي‌ء لم يقل به أحد من الطائفة في مفروض المسألة.

( ولو وقف على مصلحة ) خاصّة من مصالح المسلمين كالمساجد والقناطر وشبه ذلك ( فبطلت ) واندرس رسمها ( قيل : يصرف في ) وجوه ( البر ) كما عن الشيخ وباقي الجماعة (١) ، من غير خلاف بينهم أجده ، وصرّح به في السرائر (٢) ، بل ربما أشعر كلام المسالك والمهذب (٣) حيث نسب تردّد الماتن هنا ، المستفاد من نسبة الحكم إلى القيل المشعر بالتمريض ، إلى الندرة بأن عليه إجماع الطائفة.

__________________

(١) انظر النهاية : ٦٠٠ ، والمقنعة : ٦٥٤ ، والوسيلة : ٣٧١ ، والمهذب ٢ : ٩٢.

(٢) السرائر ٣ : ١٦٦.

(٣) المسالك ١ : ٣٥١ ، المهذب البارع ٣ : ٦٢.

١٥٤

قيل : لخروجه عن ملكه بالوقف فلا يعود إليه من غير دليل ، وصرفه فيما ذكر أنسب بمراعاة غرضه الأصلي (١).

وفيه نوع نظر ، إلاّ أن اتّفاق ظاهر كلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف حتى من الماتن لتصريحه بالحكم كما ذكره الأصحاب في الشرائع (٢) ، وعدم ظهور مخالفة منه هنا لهم سوى التردّد لعلّه كافٍ في الحكم ، سيّما مع التأيّد بكثير من النصوص الواردة في نحو الوصية والنذر المعيّن الذي له مصارف مخصوصة : أنه يصرف مع تعذّرها في وجوه البرّ وسائر ما يحصل به القربة :

منها الخبر : عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصي إلاّ باباً واحداً منها ، فكيف يصنع في الباقي؟ فوقّع عليه‌السلام : « الأبواب الباقية اجعلها في البر » (٣).

ونحوه آخر طويل يتضمن : أنه أوصى رجل بتركته إلى رجل وأمره أن يحجّ بها عنه ، قال الوصي : فنظرت فإذا هو شي‌ء يسير لا يكفي للحج ، فسألت الفقهاء من أهل الكوفة ، فقالوا : تصدّق به عنه ، فتصدّق به ، ثم لقي بعد ذلك أبا عبد الله عليه‌السلام فسأله وأخبره بما فعل ، فقال : « إن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان ، وإن كان يبلغ ما يحجّ به فأنت ضامن » (٤).

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٥١.

(٢) الشرائع ٢ : ٢١٥.

(٣) الكافي ٧ : ٥٨ / ٧ ، الفقيه ٤ : ١٦٢ / ٥٦٥ ، التهذيب ٩ : ٢١٤ / ٨٤٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٦١ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٢١ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٥٤ / ٥٣٤ ، التهذيب ٩ : ٢٢٨ / ٨٩٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٤٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٧ ح ٢.

١٥٥

وفي جملة وافرة من الأخبار ما يدلّ على أن ما أوصى به للكعبة أو كان هدياً أو نذراً يباع إن كان جارية ونحوها ، وإن كان دراهم يصرف في المنقطعين من زوّارها (١).

وفي وجوب صرفه في الأقرب إلى تلك المصلحة فالأقرب فيصرف وقف المسجد في مسجد آخر والمدرسة إلى مثلها وهكذا ، نظراً إلى تعلّق الغرض بذلك الصنف ، أم يجوز الصرف في مطلق القُرَب احتمالان :

ظاهر إطلاقات الفتاوى الثاني ، وعُلِّل باستواء القُرَب كلّها في عدم تناول عقد الواقف لها ، وعدم قصده إليها بخصوصها ، ومجرد المشابهة لا دخل لها في تعلّقه بها ، فيبطل القيد ويبقى أصل الوقف من حيث القربة.

وفيه مناقشة ، فلعلّ الحكم بتحرّي الأقرب فالأقرب ليس من حيث المشابهة ، بل من حيث دخوله في نوع المصلحة الخاصّة وإن تميّزت عنه بالخصوصية ، فإذا زالت بقي أفراد النوع الآخر الممكنة داخلة ، فكأنّ الوقف تضمّن أشياء ثلاثة : القربة ، والمسجدية مثلاً ، وكونه المساجد الفلانية المشخّصة ، ومع زوالها وبطلان رسمها ينبغي أن يراعَى القيدان الآخران ، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه ، كما في بعض المعتبرة (٢) ، فالاحتمال الأوّل لا يخلو عن قوّة ، وبأولويّته صرّح جماعة (٣).

ثم إن أصل الحكم على القول به لا ريب فيه فيما لو كان المذكور‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ٢٤٧ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٢ ، وج ١٩ : ٣٩٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٠.

(٢) عوالي اللئلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، ٢٠٧.

(٣) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٢١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٥١ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٢١١ ، وصاحب الحدائق ٢٢ : ٢٢١.

١٥٦

بخصوصه من المصلحة الخاصّة مما لا يعلم بانقطاعه غالباً كما ذكرناه من الأمثلة.

ولو علم انقطاعها كذلك ففي انسحاب الحكم فيه ، أو لحوقه بالوقف المنقطع الآخِر وجهان : من إطلاق الفتاوى هنا وثمة.

وربما يظهر من بعض الأجلّة (١) اختصاص الحكم هنا عند الطائفة بالصورة الأُولى خاصة وجريان حكم منقطع الآخر في الثانية.

وكيف كان ، فالاحتياط لا يترك في أمثال المقام.

( وإذا ) وقف على جماعة و ( اشترط إدخال من يوجد مع الموجود ) منهم ( صحّ ) بلا خلاف يظهر ، وبه صرّح بعض (٢) ، وفي المسالك الاتفاق عليه (٣) ؛ ولعلّه لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، وأن الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ، مع سلامتهما هنا عن المعارض ، واعتضادهما بالنصوص الآتية في جواز إدخال مَن يريد في الوقف على أولاده الأصاغر مع عدم الشرط أصلاً ، فجوازه معه بطريق أولى ، لكن يتوقف على القول بها ، فلا يصحّ الاستدلال بل الاعتضاد بها مطلقا.

ولا كذلك لو اشترط إخراج من يريد منهم أو نقله عنهم إلى من سيوجد ، فلا يصح الوقف بلا خلاف في الأوّل ، بل عليه إجماعنا في المسالك وغيره (٤) ، وعلى المشهور في الثاني ، كما حكي (٥) ، بل عليه الإجماع عن الطوسي (٦).

__________________

(١) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٥١.

(٢) انظر المفاتيح ٣ : ٢١٦.

(٣) المسالك ١ : ٣٥٥.

(٤) المسالك ١ : ٣٥٥ ؛ وانظر المفاتيح ٣ : ٢١٥.

(٥) المسالك ١ : ٣٥٥ ، المفاتيح ٣ : ٢١٦.

(٦) انظر المبسوط ٣ : ٣٠٠.

١٥٧

خلافاً فيه للقواعد ، فاستشكله (١) ، وللتذكرة ، فصحّحه مدّعياً عليه إجماع الطائفة (٢) ، واستقربها في الدروس (٣) ، بناءً على أنه في معنى النقل بالشرط ، كما لو اعتبر صفة للموقوف عليه كالفقر ، فإذا زالت انتقل عنه إلى غيره ، وهو جائز بلا خلاف.

وفيه نظر ؛ لمنع الإجماع بالوهن ، لمصير الأكثر إلى الخلاف ، واستشكال الناقل في الحكم ، والمعارضة بأجود منه ؛ وضعف البناء والقياس بالوقف على الفقراء ، فإن الوقف عليهم إنما هو وقف على الجهة كالوقف على المساجد ، ومثله ينتقل إلى الله تعالى ، ويشترك فيه كلّ من اتّصف بذلك العنوان حتى الواقف نفسه ، فلا يحصل هنا نقل عن الموقوف عليه ، لأنه ليس هنا موقوف عليه ، وإنما تصير مراعى ببقاء الصفة المذكورة من الفقر ونحوه ، فإذا زالت كانت في حكم موت الموقوف عليه ، بخلاف المقام ، فإنه بالوقف عليه يصير ملكاً له ونقله عنه بالاختيار منافٍ لتمليكه بالوقف.

ونحوه في الضعف قياسه بجواز الوقف على أولاده سنة ثم على أهل المسكنة ؛ لوضوح الفرق بين المقام وبينه على تقدير تسليم صحّته ، فإن مقتضى الوقف هنا لزوم بقائه ما وجدوا ، كما هو مقتضى أصل الوقف ، وشرط النقل منافٍ له ، ولا كذلك الوقف على الأولاد سنة ، لأنه إنما وقف عليهم مدّة معيّنة فلا ينافيه التعقيب بالوقف على أرباب المسكنة ، كذا ذكره بعض الأجلة (٤).

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٦٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٣٥.

(٣) الدروس ٢ : ٢٧١.

(٤) الحدائق ٢٢ : ١٧١.

١٥٨

ولا يخلو وجه الفرق عن مناقشة ، فقد يقال : إن اشتراط النقل في حكم تعيين الوقف بمدّة ، فكيف يمكن أن يقال : إن مقتضى الوقف هنا لزوم بقائه ما وجدوا؟ وكونه مقتضى الوقف من أصله لا ينافي خلافه بعد اشتراطه ، وليس مثل هذا وسابقه لو تمّ قياساً ، بل تنظيراً ؛ لاستناد الحكم فيه إلى العمومات كتاباً وسنةً ، ولو لا الإجماع المعتضد بالشهرة المحكية لكان القول بالصحة لا يخلو عن قوة ، مع إمكان الجواب عن الإجماع بالمعارضة بالمثل ، ووهنه بما مرّ مجبور بموافقة العمومات القطعية ، فيرجّح بها على ذلك الإجماع ، وإن ترجّح هو عليه بالشهرة.

والتحقيق أن يقال : إن هنا إجماعين متصادمين بحسب المرجّحات ، فلا يمكن التمسّك بأحدهما ، فينبغي الرجوع إلى حكم الأصل ، وهو عدم الصحة ، وإثباتها بالعمومات غير ممكن بعد فرض سقوطها كالشهرة المرجّحتين للإجماعين في البين كنفس الإجماعين ؛ مضافاً إلى ما عرفت من وهن الإجماع الثاني ، فإذاً المذهب مختار الأكثر ، وإن كان الصحة في الجملة أحوط.

( ولو أطلق الوقف ) وجرّده عن هذا الشرط ( وأقبض ) الموقوف من الموقوف عليه أو من في حكمه ( لم يصحّ إدخال غيرهم معهم ) مطلقا ( أولاداً كانوا أو أجانب ) بلا خلاف ، كما في التنقيح (١) ، إلاّ من المفيد ، كما فيه ، فقال : لو حدث في الموقوف عليه حدث يمنع الشرع من معونته والصدقة عليه والتقرب إلى الله تعالى بصلته جاز التغيير ؛ فإن الوقف صدقة فلا يستحقه من لا يستحقها ، فإذا حدث في الموقوف عليه كفر أو فسق‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٢.

١٥٩

بحيث يستعان بذلك المال عليهما جاز حينئذٍ للواقف التغيير والإدخال ، ونفى عنه البُعد بعد نقله عنه ، قال : وإن منعه الحلّي وغيره ، ثم قال : وهذا مع حدوث المانع ، أمّا لو كان حاصلاً حال الوقف فلا (١).

وفي مختارهما نظر ؛ فإن بناء عقد الوقف على اللزوم ، وحدوث ذلك الحدث لا دليل فيه على جواز الإدخال والتغيير بسببه ، ولا على منع من حدث فيه ، فإن الوقف له حينئذٍ كسائر أمواله ، فما يفعل فيها مع ذلك الحدث يفعل مثله في هذا الوقف.

( وهل له ) مع الإطلاق وعدم الشرط ( ذلك ) أي الإدخال ( مع أصاغر ولده؟ ) لو وقف عليهم ( فيه خلاف ) بين الأصحاب.

( والمروي ) في الخبرين ( الجواز ) في أحدهما : الرجل يجعل لوُلْدِه شيئاً وهم صغار ، ثم يبدو له أن يجعل معهم غيرهم من ولده ، قال : « لا بأس » (٢).

وفي الثاني : عن الرجل يتصدّق على بعض وُلْده بطرف من ماله ، ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده؟ قال : « لا بأس » (٣).

وبهما أفتى في النهاية (٤) وأطلق ، وتبعه القاضي (٥) بشرط عدم قصره عليهم ابتداءً.

__________________

(١) انظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٢.

(٢) الكافي ٧ : ٣١ / ٩ ، التهذيب ٩ : ١٣٥ / ٥٧٢ ، الإستبصار ٤ : ١٠٠ / ٣٨٥ ، الوسائل ١٩ : ١٨٣ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٥ ح ٣.

(٣) التهذيب ٩ : ١٣٦ / ٥٧٤ ، الاستبصار ٤ : ١٠١ / ٣٨٨ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٩ : ١٨٣ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٥ ح ٢.

(٤) النهاية : ٥٩٦.

(٥) المهذب ٢ : ٨٩.

١٦٠