رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

دَفَعَه ، وسقط إن لم يكن ، والعين ليست بمضمونه عليه هنا ؛ لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.

( ولو اختلفا في ردّ العين ) المستأجرة فادّعاه المستأجر ولا بيّنة ( فالقول قول المالك مع يمينه ) بلا خلاف في الظاهر ولا إشكال ؛ لأصالة العدم السليمة عن المعارض من نحو ما قيل في الوديعة من الإحسان المحض النافي للسبيل عليه بمطالبة البيّنة ؛ لقبضه هنا لمصلحة نفسه ، فلا إحسان منه يوجب قبول قوله فيه بلا بيّنة ، مع مخالفته للأصل.

( وكذا ) القول قول المالك مع يمينه ( لو كان ) الاختلاف ( في قدر الشي‌ء المستأجَر ) بفتح الجيم ، وهو العين المستأجَرة ، بأن قال : آجرتك البيت بمائة ، فقال : بل الدار أجمع بها ، ولا بيّنة ، على المشهور بين المتأخّرين ، وفاقاً للحلّي (١) ؛ لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عمّا اتّفقا عليه.

وقيل : يتحالفان وتبطل الإجارة ؛ لأنّ كلاًّ منهما مدّعٍ ومنكر (٢).

ويضعف : بأنّ ضابطة التحالف عندهم أن لا يتّفقا على شي‌ء ، كما لو قال : آجرتك البيت الفلاني ، فقال : بل الفلاني ، وليس المقام كذلك ؛ لاتّفاقهما على وقوع الإجارة على البيت وعلى استحقاق الأُجرة المعيّنة ، وإنّما الاختلاف في الزائد ، فيقدّم قول منكره.

( و ) كذا ( لو اختلفا في قدر الأُجرة ) بعد اتفاقهما على العين والمدّة ، فادّعى المالك الزيادة والآخر النقصان ( فالقول قول المستأجر مع يمينه ) وفاقاً لمن تقدّم ؛ لما مرّ.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٤٦٤.

(٢) جامع المقاصد ٧ : ٢٩٧.

٤١

خلافاً للخلاف والغنية (١) ، فالرجوع إلى القرعة ، فمن خرج اسمه حلف وحكم له ؛ للإجماع على أنّها لكلّ أمر مشكل.

وفيه نظر ؛ إذ لا إشكال ؛ لاتفاقهما على مطلق الإجارة ، وإنّما اختلفا في قدر الأُجرة ، والموجر يدّعي الزيادة وينكرها المستأجر ، فيكون على المدّعى البيّنة ، فإن عجز حلف المستأجر وبرئ من تلك الزيادة.

وللإسكافي والمبسوط (٢) ، فالتحالف إن كان الاختلاف قبل مضيّ المدّة ، وإلاّ فالقول قول المستأجر ، قال : وهذا هو الذي يقتضيه مذهبنا.

وللقاضي (٣) ، فالتحالف إن حلفا ، وإلاّ فقول أحدهما مع يمينه إن نكل صاحبه ، وإن نكلا أو حلفا جميعاً انفسخ العقد في المستقبل وكان القول قول المالك مع يمينه في الماضي ، فإن لم يحلف كان له اجرة المثل.

ومرجعهما إلى التحالف فيضعّف بما مرّ في المسألة السابقة ، ومع ذلك هما كسابقهما شاذّان لم أرَ من المتأخّرين مفتياً بهما ، وإن استوجه الفاضل في المختلف (٤) القول بالتحالف بعد ردّه.

ثمّ ذا كلّه إذا لم يكن بيّنة ، فلو كانت لأحدهما قيل (٥) : حكم له بها مطلقا.

ولو أقامها كلّ منهما ففي تقديم قول المدّعى ؛ لأنّ القول قول المنكر فلا حكم لبيّنته ، أو التحالف ؛ لأنّ كلاًّ منهما مدّعٍ باعتبار ومنكر بآخر ، أو‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٥٢١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.

(٢) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٤٦٢ ، المبسوط ٣ : ٢٦٦.

(٣) المهذب ١ : ٤٧٤.

(٤) المختلف : ٤٦٢.

(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٢٧٤.

٤٢

القرعة ؛ لحصول الإشكال مع البينة احتمالات ، أوجهها الأوّل.

( وكذا ) يقدّم قول المستأجر مع يمينه وعدم البينة ( لو ادّعى ) الموجر ( عليه التفريط ) فأنكره ؛ للأصل ، مضافاً إلى أمانته الموجبة لذلك بمقتضى النصوص المستفيضة.

( وتثبت اجرة المثل في كلّ موضع تبطل فيه الإجارة ) مع استيفاء المنفعة أو بعضها مطلقا ، زادت عن المسمّى أم نقصت عنه ؛ لاقتضاء البطلان رجوع كلّ عوض إلى مالكه ، ومع استيفاء المنفعة يمتنع ردّها فيرجع إلى بدلها ، وهو اجرة المثل.

قيل (١) : إلاّ أن يكون البطلان باشتراط عدم الأُجرة ، أو عدم ذكرها في العقد بالمرّة ؛ لدخول الموجر على ذلك ، واستحسنه في المسالك (٢).

وهو كذلك في القسم الأوّل ؛ للأصل ، ورجوعه إلى العارية وإن عبّر عنها بلفظ الإجارة الظاهرة في عدم التبرّع ولزوم الأُجرة ، فإنّ التصريح بعدمها بعده أقوى من الظهور المستفاد منها قبله ، فالظاهر يدفع بالنص ، سيّما مع اعتضاده بالأصل ، فيرجع إلى العارية بناءً على عدم اشتراط لفظٍ فيها ، وأنّه يكتفى فيها بما دلّ على التبرّع بالمنفعة ، وقد تحقّق في فرض المسألة ويشكل في الثاني ؛ لاندفاع الأصل بظهور لفظ الإجارة في لزوم الأُجرة وعدم التبرّع ، ولا معارض له يصرفه عن ذلك الظهور من نصّ أو غيره ، فإنّ عدم ذكر الأُجرة لا يدل على التبرّع بالمنفعة بإحدى الدلالات الثلاث ؛ لاحتمال استناده إلى نحو النسيان والغفلة ، فالأخذ بالظاهر متعيّن إلى تحقّق الصارف عنه إلى العارية ، كما تحقّق في الشق الأوّل.

__________________

(١) كما قال به الشهيد الأوّل على ما حكي عنه في المسالك ١ : ٣٢٢.

(٢) المسالك ١ : ٣٢٢.

٤٣

وأصالة البراءة عن الأُجرة بعد ظهور لفظ الإجارة في لزومها وعدم التبرّع غير كافية ، واشتراط الصراحة بلزوم الأُجرة لا يلائم ما ذكروه من لزومها بمجرّد انتصاب الأجير للعمل بالأجر ، كالسمسار والدلاّل ، بل الحكم بلزومها ثمّة يوجب الحكم به هنا بطريق أولى ، كما لا يخفى ، فإذاً الحكم بلزوم اجرة المثل هنا أولى.

ثمّ إنّ كلّ ذا مع جهلهما بالفساد ، وأمّا مع علمهما به فلا يستحق المؤجر شيئاً ؛ لأن علمه به يصيّر دفعه المنفعة في حكم التبرّع والبذل من دون عوض وأُجرة ، فيصير كالعاريّة.

ولا يجب على المستأجر دفع الأُجرة ، فلو دفعها مع العلم بالفساد كان بمنزلة الهبة ، له الرجوع فيها ما دامت العين باقية والمدفوع إليه غير رحم.

ولو اختصّ بالجهل كان له الرجوع مطلقا ولو كانت تالفة أو كان المدفوع إليه رحماً ، فإنّ الدفع هنا ليس بمنزلة الهبة ، بل في مقابلة العمل المتوهّم للجهل بالفساد لزوم المدفوع بسببه ، وحيث ظهر الفساد وعدم السببية كان له الرجوع بما دفعه ، والعمل لا يوجب شيئاً ؛ لعلم صاحبه بالفساد وكونه به متبرّعاً.

ولو انعكس فاختصّ الموجر بالجهل استحقّ اجرة المثل ، كما إذا شاركه الآخر في الجهل ، والعين مضمونة في يد المستأجر مطلقا ، كما نسب إلى المفهوم من كلمات الأصحاب (١) ؛ ولعلّه لعموم الخبر بضمان ما‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٥٠.

٤٤

أخذته اليد (١).

وربما يستشكل فيه في صورة جهله بالفساد ؛ لإناطة التكليف بالعلم وارتفاعه مع الجهل.

وهو كما ترى ، فإنّ التلف في اليد من جملة الأسباب لا يختلف فيه صورتا العلم والجهل حين السبب ، والتكليف بردّ البدل ليس حين الجهل ، بل بعد العلم بالسبب.

نعم ، ربّما يشكل الحكم في هذه الصورة بل مطلقا لو كان الموجر عالماً بالفساد ؛ لكون ترتّب اليد على العين حينئذٍ بإذن المالك ، فلا ينصرف إلى هذه الصورة إطلاق الخبر المتقدّم.

مضافاً إلى ما عرفت من رجوع الإجارة في هذه الصورة إلى العارية ، والحكم فيها عدم ضمان المستعير ، كما تقدّم.

ولا كذلك لو كان جاهلاً به ؛ لضمان المستأجر فيه ولو حصل الدفع فيه بالإذن أيضاً ، فإنّه كعدمه ؛ لابتنائه على توهم الصحّة فيكون كالإذن المشروط بها ، فإذا ظهر الفساد لم يكن ثمّة إذن بالمرّة ، ولعلّ مراد الأصحاب غير هذه الصورة.

( ولو تعدّى بالدابّة ) بل مطلق العين المستأجرة فسار بها زيادة عن ( المسافة المشترطة ) في إجارتها ( ضمن ) قيمتها مع التلف ، والأرش مع النقص ( ولزمه في الزائد أُجرة المثل ) له ، مضافاً إلى المسمّى مطلقا ، ولو مع الأمرين ، وفاقاً للمبسوط والمختلف والتنقيح (٢) ؛ للصحيح : « .. عليك‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٢ : ٣٤٥ / ١٠ ، المستدرك ١٤ : ٧ أبواب الوديعة ب ١ ح ١٢ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مسند أحمد ٥ : ٨.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٢٥ ، المختلف : ٤٦٨ ، التنقيح الرائع ٢ : ٢٧٤.

٤٥

مثل كراء البغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل ، ومثل كراء البغل راكباً من النيل إلى بغداد ، ومثل كراء البغل من بغداد إلى الكوفة توفّيه إيّاه » .. فقلت : أرأيت لو عطب البغل أو نفق أوليس كان يلزمني؟ قال : « نعم ، قيمة البغل يوم خالفته » قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر ، فقال : « عليك قيمة ما بين الصحيح والمعيب يوم تردّه » (١) الخبر ، وهو طويل مشهور.

خلافاً للقاضي ، فقال : يلزم مع التلف القيمة لا غير ، ومع النقص أمّا الأُجرة أو قيمة الناقص (٢).

وهو شاذّ محجوج بالصحيح المزبور ، وأصالة عدم التداخل بناءً على أن كلاًّ منهما يثبت بسبب ، فالنقص بالجناية والأُجرة باستيفاء المنفعة المملوكة ، وما ذكره هو فتوى أبي حنيفة ، وقد خطّأه عليه‌السلام في صدر الصحيحة ، فقال : « في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركتها ».

ثمّ إنّ ظاهرها كما ترى أنّ المعتبر في القيمة قيمة يوم التفريط وعليه الأكثر هنا ؛ لها ، ولأنّه يوم تعلّقه بذمّته ، كما أنّ الغاصب يضمن القيمة يوم الغصب ، إلاّ أنّ الظاهر من قوله : « يوم تردّه » خلافه ؛ مضافاً إلى عدم صراحة سابقه فيه.

وقد قدّمنا التحقيق في ضعف دلالتها عليه في كتاب البيع (٣) ، ولعلّه لذا قيل (٤) : إنّ الأقرب ضمان قيمتها يوم التلف ؛ لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٠ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢١٥ / ٩٤٣ ، الإستبصار ٣ : ١٣٤ / ٤٨٣ ، الوسائل ١٩ : ١١٩ أبواب أحكام الإجارة ب ١٧ ح ١.

(٢) المهذب ١ : ٤٨٥.

(٣) راجع ج ٨ ص ٢٥٣.

(٤) قالا به الشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٤ : ٣٥٦.

٤٦

لا قبله وإن حكم بالضمان قبل التلف بسبب التفريط السابق عليه ؛ لأنّ المفروض بقاء العين فلا تنتقل إلى القيمة.

وفيه مناقشةٌ ما ذكرت في بعض المباحث المذكورة ثمة.

وقيل (١) : يضمن أعلى القيم من حين العدوان إلى حين التلف.

وهو أوفق بالأصل الدالّ على لزوم تحصيل البراءة اليقينية ، مع كونه أحوط في الجملة.

وكيف كان ، موضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بتفاوت القيمة ، أمّا لو كان بسبب نقص في العين فلا شبهة في ضمان الناقص.

( فإن اختلفا في قيمة الدابة أو أرش نقصها فالقول قول الغارم ) (٢) وفاقاً للحلّي وأكثر المتأخّرين ، كالفاضلين والشهيدين والتنقيح والمفلح الصيمري وغيرهم (٣) ، بل لعلّه عليه عامّتهم ؛ لأصالة عدم الزيادة ؛ ولأنّه منكر فيكون القول قوله.

( وفي رواية ) عمل بها النهاية (٤) أن ( القول قول المالك ) وهي الصحيحة المتقدّمة ، فإنّ في آخرها : قلت : فمن يعرف ذلك؟ قال : « أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فتلزمك ، وإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود أن قيمة البغل حين أكرى كذا وكذا فيلزمك » الحديث.

__________________

(١) كما قال به الشيخ في الخلاف ٣ : ٤٩٣ ، والمبسوط ٣ : ٢٢٥ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٢٣٤.

(٢) في « ح » و « ر » زيادة : مع يمينه.

(٣) الحلّي في السرائر ٢ : ٤٦٥ ، المحقّق في الشرائع ٢ : ١٨٧ ، العلاّمة في التحرير ١ : ٢٥٥ ، الشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٤ : ٣٥٦ ، التنقيح ٢ : ٢٧٥ وانظر الكفاية : ١٢٧.

(٤) النهاية : ٤٤٦.

٤٧

ولو لا إطباق متأخّري الأصحاب على العمل بالأصل العام وإطراح الرواية لكان المصير إليها لصحتها في غاية القوة. لكن لا مندوحة عمّا ذكروه ؛ لقوة الأصل بعملهم فيرجّح عليها وإن كانت خاصّة ، لفقد التكافؤ.

ولمخالفتها الأصل اقتصر في النهاية على موردها وهي الدابة ، ووافق الأصحاب فيما عداه من الأعيان المستأجرة.

( ويستحب أن يقاطع من يستعمله على الأُجرة ) قبل العمل ؛ للأمر به في المعتبرة المنزّل عليه بلا خلاف ، فعن الصادق عليه‌السلام : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعملنّ أجيراً حتى يُعلمه ما أجره » (١).

وعن الرضا عليه‌السلام أنّه ضرب غلمانه حيث استعملوا رجلاً بغير مقاطعة ، وقال : « إنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشي‌ء ثلاثة أضعافه على أُجرته إلاّ ظنّ أنك قد نقصته أُجرته ، وإذا قاطعته ثمّ أعطيته أُجرته حمدك على الوفاء ، فإن زدته حبّة عرف ذلك لك ورأى أنّك قد زدته » (٢).

( ويجب ) على المستأجر ( إيفاؤه ) أُجرته ( عند فراغه ) من العمل اللازم عليه ؛ للنصوص المتقدّمة المتضمّن بعضها : « لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أُجرته » (٣) وغيره : « أعطهم أُجورهم قبل أن يجفّ عرقهم » (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٢١١ / ٩٣١ ، الوسائل ١٩ : ١٠٥ أبواب أحكام الإجارة ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢١٢ / ٩٣٢ ، الوسائل ١٩ : ١٠٤ أبواب أحكام الإجارة ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢١١ / ٩٢٩ ، الوسائل ١٩ : ١٠٦ أبواب أحكام الإجارة ب ٤ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢١١ / ٩٣٠ ، الوسائل ١٩ : ١٠٦ أبواب أحكام الإجارة ب ٤ ح ٢.

٤٨

وظاهرها الوجوب كما في العبارة.

خلافاً للّمعة والروضة (١) : فالاستحباب. ولا وجه له مع اعتبار النصوص ، واعتضادها بالقاعدة المتقدّم بيانها في تحقيق الأمانة الشرعية.

( ولا يعمل الأجير الخاص ) وهو الذي يستأجر للعمل بنفسه مدّة معيّنة حقيقة أو حكماً ، كما إذا استوجر لعمل معيّن أول زمانه اليوم المعيّن بحيث لا يتوانى فيه بعده ( لغير المستأجر ) إلاّ بإذنه ، بلا خلاف.

قيل (٢) : للموثق : عن الرجل يستأجر الرجل بأجرٍ معلوم فيجعله في ضيعته ، فيعطيه رجل آخر دراهم ويقول : اشتر بها كذا وكذا ، وما ربحت بيني وبينك ، فقال : « إذا أذن الذي استأجره فليس به بأس » (٣).

وفيه نظر ؛ لأعمّيّة الأجير فيه من الخاص ، كالبأس المفهوم منه من التحريم ، إلاّ أن يخصّا بهما بمعونة الإجماع ، لكن الحجة حينئذٍ هو دون نفس الرواية ، فتأمّل.

والأصل بعده انحصار المنفعة المستحقة للمستأجر فيه بالنسبة إلى الوقت الذي جرت عادته بالعمل فيه كالنهار ، فلا يجوز التصرّف فيها بغير إذنه ، أمّا غيره كالليل فيجوز العمل فيه لغيره إذا لم يؤدِّ إلى ضعف في العمل المستأجر عليه ، بلا خلاف ولا إشكال ؛ لعدم المنافاة.

ومنه يظهر الوجه في جواز عمله لغيره في المعيّن عملاً لا ينافي حقّه ، كإيقاع عقد في حال اشتغاله بحقّه ، في أصحّ الوجهين.

__________________

(١) اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٣٥٤.

(٢) قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ١٠٨ ، وصاحب الحدائق ٢١ : ٥٦٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢١٣ / ٩٣٥ ، الوسائل ١٩ : ١١٢ أبواب أحكام الإجارة ب ٩ ح ١.

٤٩

والآخر العدم ؛ لاستلزامه التصرّف في ملك الغير.

وفيه نظر وإن جعله في المسالك والروضة (١) وجهاً مقاوماً للأوّل ، فإن ملك الغير ليس إلاّ خصوص العمل المختص بالزمن المعيّن ، وقد حصل من دون أن يدخل فيه التصرّف الآخر ويتخلل.

واحترز بالخاص عن المطلق ، وهو الذي يستأجر لعمل مجرّد عن المباشرة مع تعيين المدّة ، كتحصيل الخياطة يوماً ، أو عن المدّة مع تعيين المباشرة ، كأن يخيط له ثوباً بنفسه من غير تعرّضٍ إلى وقت ، أو مجرّداً عنهما ، كخياطة ثوب مجرّداً عن تعيين الزمان ، فإنّه بأقسامه يجوز أن يعمل لغير المستأجر ويوجر نفسه من غيره استئجاراً لا ينافي الاستيجار الأوّل ، بلا خلاف.

أمّا الاستيجار المنافي كأن يوجر نفسه مدّة حياته مع تعيين المباشرة فلا يجوز ؛ للمنافاة بينه وبين عمل ما استوجر عليه للأوّل ، وهو حينئذٍ في معنى الخاص بالإضافة إلى قدر المدّة للعمل الأوّل.

ثمّ الخاص مطلقا إن عمل لغيره في الوقت المختص فلا يخلو إمّا أن يكون بعقد إجارة ، أو جعالة ، أو تبرّعاً :

ففي الأوّل : قيل (٢) : يتخيّر المستأجر الأوّل بين فسخ عقد نفسه لفوات المنافع التي وقع عليها العقد أو بعضها ، وبين إبقائه ، فإن اختار الفسخ وكان ذلك قبل أن يعمل له الأجير شيئاً فلا شي‌ء عليه للأجير ، وإن كان بعده تبعّضت الإجارة ولزمه للأجير من المسمّى بالنسبة.

وإن بقي على الإجارة تخيّر في فسخ العقد الطارئ وإجازته ؛ إذ‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٢٣ ، الروضة ٤ : ٣٤٤.

(٢) كما قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٢٣ ، والروضة ٤ : ٣٤٥.

٥٠

المنفعة مملوكة له فالعاقد عليها فضولي.

فإن فسخه رجع إلى أُجرة المثل عن المدّة الفائتة ؛ لأنّها قيمة العمل المستحق له بعقد الإجارة وقد أتلف عليه ، ويتخيّر في الرجوع على الأجير ؛ لمباشرته الإتلاف ، أو المستأجر ، لأنّه المستوفي.

وإن أجازه ثبت له المسمّى في الاستيجار الثاني ، فإن كان قبل تسلّم الأجير للمسمّى فالمطالب به المستأجر ؛ لأنّ الأجير هنا بمنزلة فضولي باع ملك غيره فأجاز المالك ، فإنّ الفضولي لا يطالب بالثمن بل المشتري.

وإن كان بعد تسلّمه وكانت الأُجرة معيّنة في العقد فالمطالب بها مَن هي في يده.

وإن كانت مطلقة فإن أجاز القبض والتسلّم أيضاً فالمطالب الأجير ، وإلاّ المستأجر ، ثم هو يرجع على الأجير بما تسلّم مع جهله ، أو علمه وبقاء العين ، بل مطلقا في وجهٍ قوي.

وإن كان عمله بجعالة تخيّر مع عدم فسخ إجارته بين إجازته فيأخذ المسمّى منه أو من الجاعل بالتقريب المتقدّم ، وعدمها فيرجع بأُجرة المثل.

وإن عمل تبرّعاً وكان العمل ممّا له اجرة في العادة تخيّر بين مطالبة من شاء منهما بأُجرة المثل إن لم يفسخ عقد نفسه ، وإلاّ فلا شي‌ء إذا كان قبل أن يعمل الأجير له شيئاً ، ولو عمل عملاً فحكمه ما سبق في إجارته.

وفي معناه عمله لنفسه.

ولو حاز شيئاً من المباحات بنيّة التملك ملكه ، وكان حكم الزمان المصروف في ذلك ما مرّ.

٥١
٥٢

( كتاب الوكالة )

( وهي ) ثابتة بالكتاب والسنّة وإجماع المسلمين كافّة ، كما في المهذّب وعن السرائر والتذكرة (١) ، قال سبحانه : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ) (٢).

وقال : أيضاً ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي ) (٣).

والآيات آت بمعناهما متظافرة ، كما أنّ السنّة الخاصيّة والعاميّة به مستفيضة ، بل متواترة سيأتي إلى جملة منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

والكلام فيه ( يستدعي فصولاً : ).

( الأوّل : الوكالة ) بفتح الواو وكسرها ( عبارة عن الإيجاب والقبول الدالّين على الاستنابة في التصرّف ).

وعرّفها بعضهم بأنّها عقد يفيد نيابة الغير في شي‌ء ، للموجب أن يتولاّه بنفسه وبغيره ؛ ليدخل في متعلّقه الأفعال والأقوال. بخلاف الأوّل ؛ لاختصاصه بالأفعال ، لأنّها المتبادر من متعلّق التصرّف فيه.

وبتقييد الشي‌ء العام للأمرين بما له أن يتولاّه يخرج الفاسد منهما ، وبتقييده بغيره ما لا يجوز أن يتولاّه به ، كالواجبات العينية والنذور والايمان ونحوهما.

__________________

(١) المهذب البارع ٣ : ٢٩ ، السرائر ٢ : ٨١ ، التذكرة ٢ : ١١٣.

(٢) الكهف : ١٩.

(٣) يوسف : ٩٣.

٥٣

ولكن ينتقض طرداً بالقراض والمزارعة والمساقاة ، ولذا قيّده بعضهم بقوله : بالذات (١).

وكيف كان ، يكفي في كل من الإيجاب والقبول هنا ما يدل عليهما ولو بالإشارة المفهمة في الأوّل ، والفعل الدالّ على الرضا في الثاني ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في المفاتيح وحكي عن التذكرة (٢).

ولا يشترط في القبول الفورية ، بل يجوز تراخيه عن الإيجاب ولو طالت المدّة ، إجماعاً منا ، كما عن التذكرة (٣) ، وحكاه في المسالك والروضة (٤) على جواز توكيل الغائب والقبول فيه متأخّر ، ونحوه السرائر (٥) ، بل جعله إجماع المسلمين.

ويدلّ عليه بالخصوص أخبار معتبرة ، كالصحيح : عن رجل أمر رجلاً أن يزوّجه امرأة بالمدينة وسمّاها له ، والذي أمره بالعراق ، فخرج المأمور فزوّجها إيّاه (٦) ، الحديث ، فتأمّل.

والموثق : عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول : ابتع لي ثوباً ، فيطلب له في السوق (٧) ، الخبر.

والخبر : في رجل بعث إليه أبو الحسن الرضا عليه‌السلام بثلاثمائة دينار إلى رحيم امرأة كانت له وأمَره أن يطلّقها عنه ويمتّعها بهذا المال (٨).

__________________

(١) كالشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٣٦٧.

(٢) المفاتيح ٣ : ١٨٩ ، وحكاه عن التذكرة في الحدائق ٢٢ : ٤.

(٣) التذكرة ٢ : ١١٤.

(٤) المسالك ١ : ٣٣٢ ، الروضة ٤ : ٣٦٨.

(٥) السرائر ٢ : ٩٥.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٧١ / ١٢٩٠ ، الوسائل ٢٠ : ٣٠٥ أبواب عقد النكاح ب ٢٨ ح ١.

(٧) التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ٩٩٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٩ أبواب آداب التجارة ب ٥ ح ٢.

(٨) التهذيب ٨ : ٤٠ / ١٢١ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٩ / ٩٩٢ ، الوسائل ١٤ : ٥٢٣ أبواب المزار ب ٧٠ ح ٦.

٥٤

مضافاً إلى الأصل ، والعمومات ، ومنهما يظهر عدم اشتراط عدم الردّ ، وفاقاً لجماعة (١).

خلافاً للقواعد والتذكرة (٢) ، فاشترطه. ولا وجه له ، إلاّ أن يقال : بأن المقصود من الوكالة هو إباحة التصرّف بإذن المالك ، وهو مشكوك فيه بعد الردّ ، فلعلّ المالك لم يرض بتصرّفه بعده ، وأصالة بقاء الإذن معارض بأصالة بقاء حرمة التصرّف.

وهو لا يتم إلاّ مع علم الآذن بالردّ وحصول الشك في بقاء الإذن بعده ، والوجه فيه ما ذكره ، دون ما إذا لم يعلم به ، أو قطع ببقاء إذنه.

( ولا حكم لوكالة المتبرّع ) بقبولها بعدم اشتراطه جعلاً أو اجرة على عمله الذي ليس له اجرة في العرف والعادة ، كبرئه القلم ، فلا يستحق اجرة مطلقا ولو نواها ، لتبرّعه بالعمل لفظاً ، مع أن الأصل عدمها.

ويحتمل العبارة معنى آخر ، مبني على إرادة التوكيل من الوكالة ، أي : لا حكم لتوكيل المتبرّع بتوكيله بأن وكّل أحداً في التصرّف في مال غيره فضولياً.

وهو مع توقّفه على البناء المتقدّم المخالف للظاهر ، لكون الوكالة وصفاً قائماً بالوكيل دون الموكّل لا ينطبق على القول بصحة الفضولي في الوكالة كما قال بها الماتن إلاّ بتأويل الحكم في العبارة باللزوم دون الصحّة ، وهو أيضاً خلاف الظاهر ، لكن هذا المعنى أنسب بالمقام ممّا قلناه.

( ومن شرطها أن تقع منجّزة فلا تصحّ معلّقة على شرط ) متوقّع ،

__________________

(١) الكفاية : ١٢٨ ، الحدائق ٢٢ : ٣٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٥٣٠.

(٢) القواعد ١ : ٢٥٢ ، التذكرة ٢ : ١١٤.

٥٥

كقدوم الحاج ( ولا صفة ) مترقّبة ، كطلوع الشمس.

( ويجوز تنجيزها وتأخير التصرّف إلى أمد ) بأن يقول : وكّلتك الآن في كذا ولكن لا تتصرّف إلاّ بعد شهر مثلاً.

بلا خلاف في المقامين على الظاهر ، وصرّح به المفلح الصيمري في شرح الشرائع ، بل في المسالك وعن التذكرة الإجماع عليهما (١) ؛ وهو الحجة فيهما.

مضافاً إلى الأصل وإطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة في الثاني. مع اعتضاد الحكم فيه بأنّه بمعنى اشتراط أمرٍ سائغٍ زائدٍ على أصلها الجامع لشرائطها التي من جملتها التنجيز. وهو وإن كان في معنى التعليق ، إلاّ أنّه لا دليل على المنع عنه على الإطلاق ؛ لاختصاص الإجماع المانع عنه بالنوع الأوّل ، فلا يتعدّى إلى غيره ؛ مضافاً إلى الإجماع على الصحّة فيه.

وفي صحّة التصرّف حيث فسدت بالتعليق بعد حصول المعلّق عليه من أحد الأمرين بالإذن الضمني قولان :

من أنّ الفاسد بمثل ذلك إنّما هو العقد ، أمّا الإذن الذي هو مجرّد إباحة تصرّف فلا ، كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً فقال : بع كذا على أن لك العشر من ثمنه ، فتفسد الوكالة دون الإذن ، وأن الوكالة أخصّ من مطلق الإذن ، وعدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعم.

ومن أنّ الوكالة ليست أمراً زائداً على الإذن. وما يزيد عنه من مثل الجعل أمر زائد عليهما ؛ لصحتها بدونه. فلا يعقل فسادها المدّعى عليه الإجماع مع صحّته. وهو أوجه.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٣٣ ، التذكرة ٢ : ١١٤.

٥٦

إلاّ أن يدّعى اختصاص الإجماع على الفساد بصورة تضمّنها الجعل ، ويشهد له مصير ناقله الذي هو الفاضل في التذكرة فيها وفي المختلف إلى القول بصحّة التصرّف بالإذن الضمني (١) ، كما هو فرض المسألة ، واحتمله في القواعد أيضاً (٢) ، كناقله الآخر في الروضة (٣).

فإذا تحقّق عدم الإجماع على الفساد في المسألة تعيّن المصير فيها إلى الصحّة ؛ أخذاً بأدلّتها من إطلاقات الكتاب والسنّة ، لكنّها بعدُ لا يخلو عن شوب المناقشة ، فالاحتياط فيها لازم البتّة.

سيّما إذا كانت التصرّفات تصرّفات ناقلة بنحو من العقود اللازمة ؛ لمخالفتها الأصل ، واختصاص المخالف له الدالّ على اللزوم من نحو : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) بمالك التصرّفات بالأصالة دون مالكها بالنيابة ، وكفاية مثل هذا الإذن المشكوك في تأثيره في صرف أوامر الوفاء إلى مالكها بالأصالة غير معلوم في الحكم بالصحة وصرفها إليه البتة ، فتأمّل.

( وليست ) الوكالة ( لازمة لأحدهما ) بلا خلاف ، كما عن التذكرة (٥) ، وعليه الإجماع في ظاهر الغنية (٦). فلكل منهما إبطالها في حضور الآخر وغيبته ، لكن إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقا.

ويأتي في صحة التصرّف بالإذن الضمني ما مضى من احتمالها مطلقا ، وعدمها كذلك.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٤ ، المختلف : ٤٣٨.

(٢) القواعد ١ : ٢٥٢.

(٣) الروضة ٤ : ٣٦٩.

(٤) المائدة : ١.

(٥) التذكرة ٢ : ١٣٢.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧.

٥٧

وربّما فرّق هنا بين إعلام الموكّل بالعزل فالثاني ، وإلاّ فالأوّل.

والثاني أشهر ، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه (١) ، والأوّل أوجه لولاه ، ومال إليه في المسالك مع تردّده فيه ثمة ، قال : لأنّ الإذن صحيح جامع للشرائط ، بخلاف السابق ، فإنّه معلّق. وفي صحته ما قد عرفت ، ومن ثمّ جزم في القواعد (٢) ببقاء صحته هنا ، وجعل الصحة هناك احتمالاً (٣).

( ولا ينعزل ) الوكيل بعزل الموكّل ( ما لم يعلم العزل وإن أشهد بالعزل على الأصح ) الأشهر بين عامة من تأخّر ، وفاقاً للخلاف والإسكافي (٤) ؛ للمعتبرة الواردة عن أهل العصمة صلوات الله عليهم أجمعين ، منها الصحيح في الفقيه : رجل وكّل آخر على وكالة في إمضاء أمر من الأُمور وأشهد له بذلك ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا أني قد عزلت فلاناً عن الوكالة ، فقال : « إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على إمضاء الوكيل ، كره الموكّل أم رضي » قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنّه قد عزله عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه؟ قال : « نعم » قلت : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ، ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي‌ء؟ قال : « نعم ، إن الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافه العزل عن الوكالة » (٥).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧.

(٢) القواعد ١ : ٢٥٨.

(٣) المسالك ١ : ٢٣٣.

(٤) الخلاف ٣ : ٦٤٢ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٣٦.

(٥) الفقيه ٣ : ٤٩ / ١٧٠ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٣ ، الوسائل ١٩ : ١٦٢ أبواب أحكام الوكالة ب ٢ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

٥٨

والصحيح فيه : « من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها » (١).

والخبر القريب من الصحّة بتضمّن سنده جملة ممّن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهم العصابة : رجل وكّل رجلاً بطلاق امرأته إذا حاضت وطهرت ، وخرج الرجل فبدا له ، فأشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به وأنّه قد بدا له في ذلك ، قال : « فليُعلِم أهله وليُعلِم الوكيل » (٢).

ونحوه آخر (٣) ، وهو طويل تضمّن حكم الأمير عليه‌السلام بذلك مع الإشهاد وعدم الإعلام.

وقصور سندهما منجبر بالشهرة العظيمة المتأخّرة ؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالأخبار الأوّلة الصحيحة ، فلا شبهة في المسألة.

خلافاً للفاضل في القواعد خاصة ، فحكم بالعزل مطلقا (٤).

وللنهاية والحلّي والقاضي والحلبي وابني زهرة وحمزة (٥) ، فالتفصيل بين الإشهاد فالثاني ، وإلاّ فالأوّل ، وعليه ادّعى في الغنية إجماع الإماميّة.

وغايته أنّه رواية صحيحة واحدة لا تقابل ما قدّمناه من النصوص‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٧ / ١٦٦ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٢ ، الوسائل ١٩ : ١٦١ أبواب أحكام الوكالة ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٩ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٨ / ١٦٧ ، التهذيب ٦ : ٢١٤ / ٥٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٨ / ٩٨٨ ، الوسائل ١٩ : ١٦٤ أبواب أحكام الوكالة ب ٣ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٨ / ١٦٨ ، التهذيب ٦ : ٢١٤ / ٥٠٦ ، الوسائل ١٩ : ١٦٣ أبواب أحكام الوكالة ب ٢ ح ٢.

(٤) القواعد ١ : ٢٥٨.

(٥) النهاية : ٣١٨ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٩٣ ، القاضي حكاه عنه في المختلف : ٤٣٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٣٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٣.

٥٩

المستفيضة المعتضدة بالشهرة ، فليس فيها حجّة ، كسائر ما علّل به الأوّل من أنّ العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضاء صاحبه فلا يفتقر إلى علمه ، كالطلاق والعتق.

وأن الوكالة من العقود الجائزة فللموكّل الفسخ وإن لم يعلم الوكيل ، وإلاّ كانت حينئذٍ لازمة.

فقد يضعّف الأوّل : بمنع المساواة بين العتق والمقام ، فإنّ العتق فكّ ملك وليس متعلّقاً بغير العاقد ، وليس كذلك العزل في الوكالة ؛ لتعلّقه بثالثٍ.

والثاني : بتسليم جواز الفسخ ، لكن يحتمل أن يكون ترتّب أثره عليه مشروطاً بالإعلام المفقود في المقام.

قوله : وإلاّ كانت لازمة.

قلنا : نعم في هذه الصورة ، وهو لا ينافي جوازها من أصلها ، فكم من عقود جائزة تصير لازمة بالعوارض الخارجية ، كشروع العامل في العمل في الجعالة ، فإنّها تكون لازمة للجاعل إلاّ مع بذل مقابل ما عمل مع إعلامه ، ونظائره في الشرع كثيرة ، كحضور المسافر مسجد الجمعة ، وشروع الإنسان في الحج المندوب. هذا.

مع كونه اجتهاداً في مقابلة النص الصحيح ، فلا يعتبر.

وأمّا ما ربما يستدل بعده للمختار : من استلزام الانعزال بالعزل قبل الإعلام الضرر على الوكيل ، فقد يتصرّف تصرّفات يتطرّق الضرر إليه ببطلانها ، كما لو باع الجارية فيطؤها المشتري ، والطعام فيأكله ، وأن النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلاّ بعد علمه كنواهي الشرع.

فضعيف غايته ، فالأوّل : بانتقاضه بتصرّفاته بعد موت الموكّل مثلاً‌

٦٠