رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

وفي سندهما قصور ؛ لاشتمال الأوّل على محمّد بن إسماعيل عن الفضل ، وفيه كلام مشهور ، والثاني على محمّد بن سهل ، ولم يرد في حقّه قدح ولا مدح ، إلاّ ما قيل : إن له مسائل (١).

وكذا الدلالة ، فإن الجعل في الأوّل غير صريح في وقف متحقّق أو صدقة متحققة ، بحيث تكون بهم مختصّة ، بل فيه احتمالات أُخر ، منها : إرادة أن يفعل.

وكذا في قوله في الثاني : يتصدّق ، بصيغة الاستقبال ، لكن روى الحميري بإسناده عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل تصدّق على ولده بصدقة ثم بدا له أن يدخل الغير فيه مع ولده ، أيصلح ذلك؟ قال : « نعم ، يصنع الوالد بمال ولده بما أحبّ ، والهبة من الولد بمنزلة الصدقة من غيره » (٢).

ويمكن الذبّ عنه بعد الإغماض عن حال السند بدلالته على جواز إدخال الغير مطلقا ولو لم يكن ولداً ، وهو مما لم يقل به أحد ، فإن عبارات القائلين به مختصّة بجواز إدخال الولد.

ومن هنا ينقدح ما في العبارة من المسامحة ، حيث اقتضى سياقها جواز إدخال الغير مطلقاً.

والأشهر الأظهر عدم الجواز مطلقا ، إلاّ أن يشترط ، بل ربما أشعر بالإجماع عليه عبارة المختلف والمهذب والتنقيح وشرح القواعد (٣) ، حيث‌

__________________

(١) قال به الطوسي في الفهرست : ١٤٧ / ٦٢٠.

(٢) قرب الإسناد : ٢٨٥ / ١١٢٦ ، الوسائل ١٩ : ١٨٤ أبواب الوقوف والصدقات ب ٥ ح ٥ ، مسائل علي بن جعفر : ١٣٣ / ١٢٩ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) المختلف : ٤٩٢ ، المهذب البارع ٣ : ٦٣ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٢ ، إيضاح الفوائد ٢ : ٣٨٤.

١٦١

قالوا بعد نقل القول بالجواز عمّن مرّ : وأطلق باقي الأصحاب المنع ؛ لما مرّ من أدلته ، وللمعتبرة الدالّة على عدم جواز الرجوع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه الله سبحانه ، وفيها الصحيح وغيره (١) ، والإدخال نوع رجوع بلا شبهة ، فيدخل في حيّز لفظ الرجوع المنساق في سياق النفي مع كونه نكرة ، وخصوص الصحيح : عن الرجل يتصدّق على بعض ولده بطرف من ماله ، ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده ، قال : « لا بأس بذلك » وعن الرجل يتصدّق ببعض ماله على بعض ولده ويبيّنه له ، إله أن يدخل معهم من ولده غيرهم بعد أن أبانهم بصدقة؟ فقال : « ليس له ذلك إلاّ أن يشترط أنه من ولد فهو مثل من تصدّق عليه فذلك له » (٢).

والظاهر من الإبانة فيه الإقباض ، دون ما فهمه الشهيد الثاني (٣) من القصر على الموقوف عليه الذي شرطه القاضي (٤) ؛ لرجوع الاستثناء على فهمه منقطعاً ، وهو خلاف الظاهر جدّاً.

وحينئذٍ يمكن حمل الروايات السابقة المجوّزة على صورة عدم القبض والإبانة ، حملاً للمطلق على المقيّد ، ويشهد له نفس هذه الرواية ، فإنه عليه‌السلام لما سئل مطلقا أجاب بالجواز كما في تلك الروايات ، ولما قال : يبيّنها لهم ، قال : ليس له ذلك.

فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه ؛ لوضوح وجه الجمع بين الأدلّة المانعة والأخبار المجوّزة بهذه الصحيحة ؛ مضافاً إلى ما عرفت من‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٩ : ٢٠٤ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١١.

(٢) التهذيب ٩ : ١٣٧ / ٥٧٥ ، الإستبصار ٤ : ١٠١ / ٣٨٩ ، الوسائل ١٩ : ١٨٣ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٥ ح ١.

(٣) المسالك ١ : ٣٥٥.

(٤) راجع ص : ١٥٩.

١٦٢

قصور الأخيرة سنداً ودلالة ، مع قصورها أيضاً عن المكافأة للأوّلة ؛ لاعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، كما يشعر به عبائر الجماعة المتقدم إلى ذكرهم الإشارة.

ثمّ إنّ الخلاف إنما هو في الإدخال ( أمّا النقل عنهم فغير جائز ) وكذا عن غيرهم ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في التنقيح (١) ، ويشمله الإجماعات المستفيضة حكايةً في كلام جماعة (٢) على كون الوقف من العقود اللازمة ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى عمومات الأمر بالوفاء كتاباً وسنة ، ففي الصحيح وغيره : « لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه الله سبحانه » (٣).

وفي القريب منه : رجل تصدّق على ولده بصدقة ، إله أن يرجع فيها؟

قال : « الصدقة لله » (٤).

وفي القريب من الموثق : تصدّق عليّ أبي بدارٍ وقبضتها ، ثم ولد [ له (٥) ] بعد ذلك أولاد ، فأراد أن يأخذها منّي فيتصدّق بها عليهم ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك وأخبرته بالقصة ، فقال : « لا تعطها إيّاه » قلت : إنه‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٣.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤٥ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٢٠٧.

(٣) الصحيح : الكافي ٧ : ٣١ / ٧ ، التهذيب ٩ : ١٣٥ / ٥٦٩ ، الإستبصار ٤ : ١٠١ / ٣٨٧ ، الوسائل ١٩ : ٢٠٦ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١١ ح ٧.

وأورد غيره في الفقيه ٤ : ١٨٢ / ٦٣٩ ، التهذيب ٩ : ١٣٧ / ٥٧٧ ، الإستبصار ٤ : ١٠٢ / ٣٩٠ ، الوسائل ١٩ : ١٨٠ أبواب الوقوف والصدقات ب ٤ ح ٥.

(٤) الكافي ٧ : ٣١ / ٥ ، التهذيب ٩ : ١٣٥ / ٥٧٠ ، الإستبصار ٤ : ١٠٢ / ٣٩١ ، الوسائل ١٩ : ١٧٩ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٤ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

١٦٣

إذا يخاصمني ، قال : « فخاصمه ولا ترفع صوتك عليه » (١).

( وأمّا اللواحق فمسائل : )

( الأُولى : إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى القُرَب ، كالحج ، والجهاد ، والعمرة ، وبناء المساجد ) والقناطر ، ونفع المحاويج ، وغير ذلك ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي بحث الوصية من الغنية والسرائر الإجماع عليه (٢) ؛ لأن المراد بالسبيل الطريق إلى الله تعالى ، أي إلى ثوابه ورضوانه ، فيدخل فيه كلّ ما يوجب الثواب.

مضافاً إلى ما في تفسير علي بن إبراهيم في آية الزكاة عن العالم عليه‌السلام : من أنه « قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون ، أو قوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به ، أو في جميع سبيل الخير » (٣) الخبر.

خلافاً للشيخ ، فخصّه بالغزاة المطوّعة دون العسكر المقاتل على باب السلطان ، وبالحج والعمرة ، وقال : إنه يقسّم بينهم أثلاثاً (٤). ولابن حمزة ، فبالمجاهدين (٥). وهما شاذّان.

ولا فرق فيه عند الأكثر بين أن يقتصر على سبيل الله ، أو يضمّ إليه سبيل الثواب وسبيل الخير ؛ لرجوع هذه المفاهيم الثلاثة إلى معنى واحد ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٣ / ١٨ ، التهذيب ٩ : ١٣٦ / ٥٧٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠٠ / ٣٨٦ ، الوسائل ١٩ : ١٧٩ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٤ ح ٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، السرائر ٣ : ١٨٧.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الخلاف ٣ : ٥٤٥ ، المبسوط ٣ : ٢٩٤.

(٥) الوسيلة : ٣٧١.

١٦٤

وهو سبيل الله بالمعنى العام ، فلا يجب قسمة الفائدة أثلاثاً.

خلافاً لأحد قولي الشيخ ، وفاقاً للشافعي ، فأوجبها كذلك : ثلثه إلى الغزاة والحج والعمرة وهو سبيل الله ، وثلثه إلى الفقراء والمساكين ويبدأ بأقاربه وهو سبيل الثواب ، وثلثه إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم الله في آية الصدقات ، وهم : الفقراء ، والمساكين ، وابن السبيل ، والغارمون ، والرقاب ، وهو سبيل الخير (١).

وهو كسابقه شاذّ لا دليل عليه ، وإن كان أحوط ، إلاّ أن يكون ثمّة قرينة حال فتتبّع.

( الثانية : إذا وقف على مواليه دخل ) فيه ( الأعْلَوْن ) المعتقون له ( والأدْنَون ) الذين أعتقهم ، وفاقاً للمبسوط والخلاف والحلّي (٢) ، وبه أفتى الماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد (٣) ، والشهيد في النكت عليه.

ولا ريب فيه مع القرينة الدالّة على دخولهم أجمع ، كما لا ريب في دخول بعضهم بها دون الآخر ، وفي حكم القرينة تفسيره حيث انتفت فيرجع إلى ما يفسّره.

وإنّما الإشكال مع عدمهما ، كأن وقف على مدلول هذه اللفظة ، ينشأ من أنه هل يشترط في التثنية والجمع اتّحاد معنى أفرادهما حتى يمتنع تثنية المشترك باعتبار معانيه والحقيقة والمجاز وجمعهما ، كما هو مذهب الأكثر على ما حكي عن الارتشاف (٤) ، أم لا ، كما اختاره الشهيد الثاني في‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ٣ : ٢٩٤ ، وانظر المغني لابن قدامة ٦ : ٢٣٧ ٢٣٨.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٩٥ ، الخلاف ٣ : ٥٤٦ ، السرائر ٣ : ١٦٧.

(٣) الشرائع ٢ : ٢١٩ ، الإرشاد ١ : ٤٥٤.

(٤) حكاه عنه في المسالك ١ : ٣٥٩.

١٦٥

المسالك وولده في المعالم (١) وفاقاً لابن مالك في التسهيل (٢)؟

. وأن المشترك عند تجرّده عن القرينة الدالة على إرادة معانيه أو بعضها هل يبقى مجملاً ، أو يحمل على الجميع مطلقاً ، أو إذا كان جمعاً خاصّة؟

فيه أقوال للأُصوليين ، أشهرها الأوّل.

وأن اشتراك المولى بين المعتِق والمعتَق هل هو لفظي ، كما عليه الأكثر ، وحكي التصريح به عن أهل اللغة (٣) ، أم معنوي ، كما يظهر من التنقيح (٤)؟

وحيث إن الأظهر عند الأحقر في جميع هذه الموارد هو مذهب الأكثر كما حقّق في محل أليق كان القول بالبطلان أصح ، وبه صرّح في المسالك (٥) ، وحكي عن المحقق الثاني ، والفاضل في التحرير والقواعد ، وولده في الإيضاح (٦) ؛ لجهالة الموقوف عليه على هذا التقدير ، كما سيأتي.

ويضعّف القول بالصحة إن وجّهت فيه باختيار كون المولى مشتركاً معنوياً كما عن ظاهر الشيخ (٧) بتصريح أهل اللغة بفساده ، وحصول التباين بين الموليين بعدم جامعٍ لهما في البين.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٥٩ ، معالم الأُصول : ٣٣.

(٢) حكاه عنه في المسالك ١ : ٣٥٩.

(٣) حكاه عن أهل اللغة في المسالك ١ : ٣٥٩ ، وانظر النهاية لابن الأثير ٥ : ٢٢٨.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٥.

(٥) المسالك ١ : ٣٥٩.

(٦) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ١٠٩ ، التحرير ١ : ٢٨٩ ، القواعد ١ : ٢٧٢ ، إيضاح الفوائد ٢ : ٤٠٤.

(٧) حكاه عن المبسوط في التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٥ ؛ وانظر المبسوط ٣ : ٢٩٥.

١٦٦

وكذا إن وجّهت فيه بما ذهب إليه الشيخ في الأُصول واختاره كما حكي عنه وعن غيره (١) من جواز استعمال اللفظ المشترك في معنييه ، وأنه ظاهر فيهما مع التجرّد عن القرينة الدالة على أحدهما ، كما اختاره الشافعي (٢) ؛ فإن أصل الجواز وإن كان لا يخلو عن وجه قوي إلاّ أن دعوى الظهور في الجميع مع التجرّد عن القرينة ليس بوجه ، بل المتبادر من اللفظ المشترك كيفما يطلق بصيغة الجمع أو المفرد إرادة المعنى الواحد ، ويحتاج المعنى الزائد إلى القرينة ، فإن كانت ، وإلاّ انصرف إلى الواحد ، فإن تعيّن بالقرينة ، وإلاّ كانت اللفظة مجملة كمفروض المسألة ، ولذا تحصل في الموقوف عليه جهالة ، فيفسد بها الوقف ، لفقد التعيين المشترط في صحته ، كما مضت إليه الإشارة.

ولابن حمزة قول آخر في المسألة (٣) هو مع شذوذه غير واضح الدليل والحجة ، وإن كان الفاضل في المختلف استحسنه (٤).

( الثالثة : إذا وقف على أولاده ) اختصّ في المشهور كما قيل (٥) بالأولاد لصلبه دون أولاد أولاده ؛ التفاتاً إلى تبادرهم خاصّة. إلاّ أن يكون هناك قرينة تدلّ على دخولهم ، كقوله : الأعلى فالأعلى ، أو بطناً بعد بطن ، أو يقف على أولاده ولا ولد له لصلبه ، ونحو ذلك.

وقيل كما هو صريح المتن ـ : يشترك الجميع ؛ نظراً إلى دعوى‌

__________________

(١) كما في إيضاح الفوائد ٢ : ٤٠٤ ، والسرائر ٣ : ١٦٧ ؛ وانظر العدّة للشيخ : ٢٢٣ ٢٢٦.

(٢) حكاه عنه في المغني لابن قدامة ٦ : ٢٦١ ، والمجموع ١٥ : ٣٥٥.

(٣) الوسيلة : ٣٧١.

(٤) المختلف : ٤٩٧.

(٥) الحدائق ٢٢ : ٢٤٨.

١٦٧

كونهم ولداً حقيقة (١).

وفيه : أنه لا يستلزم الدخول حيث يكون الأولاد لصلبه هم المتبادرين.

وإذا وقف على أولاد أولاده ( اشترك أولاد البنين والبنات الذكور ) منهم ( والإناث بالسوية ) بلا خلاف أجده ، وبه صرّح بعض الأجلّة (٢) ، بل ادّعي على الدخول الإجماع في الغنية (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى صدق الأولاد على الذكور والإناث حقيقة ، عرفاً ولغة ، فيصدق على أولادهم مطلقا أنهم أولاد أولاد ، وإن لم يصدق على أولاد الأولاد أنّهم أولاد بطريق الحقيقة على المشهور بين الطائفة.

وأمّا اقتسامهم بالسوية فلاقتضاء الإطلاق ذلك مع اشتراكهم في سبب الاستحقاق واستوائهم فيه ، مع عدم مرجّح لأحدهما على الآخر من عرف أو قرينة ، كما هو مفروض المسألة. ولا ريب في هذا التعليل.

وكذا الأوّل إن كان المراد من أولاد الأولاد المحكوم بدخولهم هو أولادهم في الدرجة الأُولى بلا واسطة ، أو أولاد أولاده الذكور منهم دون الإناث مطلقا ؛ لكونهم أولاد أولاد حقيقة إجماعاً.

أما لو أرادوا أولاد أولاد الإناث من الدرجة الثانية والثالثة وهكذا ففي شمول التعليل لهم مناقشة إن قلنا بالمشهور من أن أولاد البنات ليسوا بأولاد حقيقة ؛ وذلك فإن أولاد أولاد الواقف ليسوا بأولاد حقيقة لأولاده على هذا التقدير.

__________________

(١) المقنعة : ٦٥٣ ، الكافي في الفقه : ٣٢٦ ، النهاية : ٥٩٦ ، الروضة ٣ : ١٨٤.

(٢) الحدائق ٢٢ : ٢٤٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

١٦٨

ثم إنه كما يدخل الإناث في أولاد الواقف كذا يدخل الخناثى ؛ لشمول اسم الولد لهم حقيقة مطلقا ، حصرناهم في البنين والبنات أم جعلناهم طبيعة ثالثة.

ولا كذلك لو أوقف على أولاد البنين خاصة ، أو البنات كذلك ، فلا يدخل أولاد الخناثى ؛ لعدم معلوميّة صدق الوصفين عليهم حقيقة ، بل ومعلوميّة عدم الصدق إن جعلوا طبيعة ثالثة.

ولو جمع بينهما كأن وقف على أولاد البنين والبنات ففي دخول أولادهم قولان للفاضل في القواعد والتحرير (١) ، ينشئان من أنهم ليسوا بذكور ولا إناث ، ومن أنهم لا يخرجون عن الصنفين في نفس الأمر ، ولهذا يستخرج أحدهما بالعلامات ، ومع فقدها يورث نصف النصيبين.

ويضعّف بأنه لا كلام مع وجود العلامة ، ولا دلالة لنصف النصيبين على حصرهم في الصنفين ، بل يمكن دلالته على عدمه ، وجاز كون الطبيعة الثالثة متوسطة النصيب كما أنها متوسطة الحقيقة.

( الرابعة : إذا وقف على الفقراء انصرف ) نماء الوقف ( إلى فقراء البلد ) بلد الوقف ( ومن يحضره ) منهم خاصة.

( وكذا ) الوقف على ( كل قبيلة متبدّدة ) غير منحصرة ممن يكون الوقف عليهم وقفاً على الجهة المخصوصة لا على أشخاصها ( كالعلوية والهاشمية والتميمية ) ونحوهم من الطوائف الغير المنحصرة ، فمن حضر منهم بلد الوقف صرف النماء إليهم ( ولا يجب تتبّع من لم يحضره ) منهم ، بلا خلاف في الظاهر ؛ دفعاً لمشقة وجوب التتبّع.

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٧١ ، التحرير ١ : ٢٨٩.

١٦٩

مضافاً إلى الخبر المنجبر قصور سنده بالعمل ، وفيه بعد أن سُئل عن ذلك : « إن الوقف لمن حضر البلد الذي هو فيه ، وليس لك أن تتبّع من كان غائباً » (١).

وظاهره النهي عن التتبّع ، وبه أفتى في التنقيح (٢) مقيّداً له بصورة وجود المستحق في البلد ، كما هي مورد الخبر.

خلافاً للشهيدين (٣) ، فجوّزاه مطلقاً ؛ ولعلّه للأصل ، وعموم لفظ الوقف ، وضعف النص مع عدم جابرٍ له في محل الفرض ، مع قوة احتمال عدم دلالة النهي فيه على الحرمة ، بناءً على وروده مورد توهّم الوجوب ، فلا يفيد سوى الرخصة في الترك ، وهي أعم من الحرمة.

ثم ظاهره أيضاً كالعبارة وكثير من عبائر الجماعة (٤) وجوب الصرف إلى جميع من في البلد ، وهو أحوط ، وإن كان في تعيّنه نظر ؛ لضعف الخبر ، وعدم العلم بالجابر ، ولا موجب له آخر سوى عموم لفظ الوقف ، وليس بمراد بالاتّفاق ، والأصل يقتضي جواز الاكتفاء بالبعض ، وعدم وجوب الاستيعاب ، كما يقتضي عدم وجوب التسوية في القسمة على تقديره ، بلا خلاف يظهر لي من الأصحاب ، مع احتمال استلزام الاستيعاب المشقّة العظيمة في بعض الأحيان.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨ / ٣٧ ، الفقيه ٤ : ١٧٨ / ٦٢٧ ، التهذيب ٩ : ١٣٣ / ٥٦٣ ، الوسائل ١٩ : ١٩٣ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٨ ح ١ ؛ بتفاوت.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٨.

(٣) الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٢٧٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٨٧.

(٤) منهم : العلاّمة في القواعد ١ : ٢٧١ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦١.

١٧٠

وإلى المختار مال جماعة من الأصحاب (١) ، وإن اختلفوا في وجوب استيعاب الثلاثة ، مراعاةً للجمع ، أو جواز الاقتصار على الاثنين ، بناءً على أنه أقلّ الجمع ، أو الواحد ، نظراً إلى أن الأشخاص مصارف الوقف لا مستحقّون ، إذ لو حمل على الاستحقاق لوجب الاستيعاب ووجب التتبع مهما أمكن على أقوال ، أقواها الأخير ، وفاقاً للشهيد الثاني وغيره (٢) ، وإن كان الأوّل لو لم يجب أن يستوعب جميع من في البلد أحوط.

( الخامسة : لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه ) الذي شرط فيه مع جوازه شرعاً ، بلا خلاف ظاهراً ، وقاله في الغنية (٣) صريحاً ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى لزوم الوفاء بالعقود والشروط ، وعموم الصحيح : « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها » (٤) فيتبع ما شرطه الواقف من ترتيب الأعلى على الأدنى ، أو اشتراكهما ، أو تفضيل في المنافع ، أو مساواة فيها ، إلى غير ذلك.

( و ) كذا ( لا ) يجوز ( بيعه ) ولا هبته ، ولا غير ذلك من الأسباب الناقلة للعين ، بلا خلاف فيه في الجملة ، وبالإجماع كذلك صرّح جماعة ، كالمرتضى والحلّي والمسالك وغيرهم من الجماعة (٥) ؛ وهو الحجة فيما‌

__________________

(١) منهم : الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٢٧٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦١ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٨ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤٢.

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦١ ؛ وانظر جامع المقاصد ٩ : ١٠٠.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٤) الفقيه ٤ : ١٧٦ / ٦٢٠ ، التهذيب ٩ : ١٢٩ / ٥٥٥ ، الوسائل ١٩ : ١٧٥ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٢ ح ١.

(٥) المرتضى في الانتصار : ٢٢٦ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٥٢ ، المسالك ١ : ٣٤٤ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

١٧١

عدا محل النزاع والمشاجرة ، كسائر ما تقدّم من الأدلّة.

مع منافاته لحبس العين وتسبيل الثمرة ، وخصوص بعض المعتبرة فيمن شرى وقفاً بجهالة : « لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلّة في ملكك ، ادفعها إلى من أُوقف عليه » قلت : لا أعرف لها ربّاً ، قال : « تصدّق بغلّتها » (١).

مضافاً إلى التأيّد بالوقوف الواردة عن أهل العصمة سلام الله عليهم وقد تضمّنت النهي عن بيعها وشرائها وهبتها (٢) ، فلا شبهة في ذلك.

( إلاّ أن يقع خلف ) بين أربابه ( يؤدّي إلى فساده ) وخرابه ، فيجوز بيعه حينئذٍ عند الشيخين وغيرهما (٣) ، بل في الغنية على الجواز إجماع الإماميّة (٤) ، وكذا في كلام المرتضى (٥) ، إلاّ أنهما عبّرا عن السبب الموجب بغير ما في العبارة ، ومع ذلك قد اختلفا بأنفسهما :

فجعله الأوّل صيرورته بحيث لا يجدي نفعاً ، وخيف خرابه ، وكانت بأربابه حاجة شديدة ، ودعت إلى بيعه الضرورة.

ونحوه الثاني ، إلاّ أنه لم يذكر خوف خرابه ، وجعل كلاًّ من الأوّل والثالث سبباً على حدة ، لا جزء سبب كما يقتضيه عبارة الأوّل ، إلاّ أن يجعل الواو فيها بمعنى أو.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٧ / ٣٥ ، التهذيب ٩ : ١٣٠ / ٥٥٦ ، الإستبصار ٤ : ٩٧ / ٣٧٧ ، الوسائل ١٩ : ١٨٥ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٦ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) انظر الوسائل ١٩ : ١٨٥ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٦.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٥٢ ، الطوسي في المبسوط ٣ : ٢٨٧ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٣٣٠ ، والمسالك ١ : ٣٦١ ، وكفاية الأحكام : ١٤٢.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٥) الانتصار : ٢٢٦.

١٧٢

وكيف كان ، فالحكم بالجواز في جميع ذلك ( على تردّد ) ينشأ من أن المقصود من الوقف استيفاء منفعته فإذا تعذّر جاز بيعه ؛ تحصيلاً للغرض.

وأن الجمود على العين مع تعطيلها تضييع للمال وتعطيل لغرض الواقف.

وللصحيح : إن فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو يقوّم على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقوفة؟ فكتب عليه‌السلام : « أعلِم فلاناً أنّي آمره ببيع حقّي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إليّ ، وإن ذلك رأيي إن شاء الله تعالى ، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له ». وكتبت إليه : إن الرجل كتب إليّ أن بين من وقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافاً شديداً ، فإنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن نبيع هذا الوقف وندفع إلى كل إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته ، فكتب بخطّه إليّ : « وأعلِمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل ، فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس » (١).

وفحوى الخبر عن بيع الوقف إذا احتاج إليه الموقوف عليهم ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟ قال : « نعم ، إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيراً لهم باعوا » (٢).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٦ / ٣٠ ، الفقيه ٤ : ١٧٨ / ٦٢٨ ، التهذيب ٩ : ١٣٠ / ٥٥٧ ، الإستبصار ٤ : ٩٨ / ٣٨١ ، الوسائل ١٩ : ١٨٧ ، ١٨٨ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٦ ح ٥ ، ٦.

(٢) الكافي ٧ : ٣٥ / ٢٩ ، الفقيه ٤ : ١٧٩ / ٦٣٠ ، التهذيب ٩ : ١٣٣ / ٥٦٥ ، الإستبصار ٤ : ٩٩ / ٣٨٢ ، الوسائل ١٩ : ١٩٠ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٦ ح ٨.

١٧٣

ومن الأصل ، وعمومات الأدلّة المانعة ، وضعف المجوّزة عن المعارضة لها ، فالأوّل : بأن المقصود من الوقف استيفاء المنفعة من نفس العين الموقوفة ، ودعوى اختصاصه بحال الاختيار دون الضرورة فيجوز بيعه فيها مصادرة.

والثاني : بالشك في صلوحه لتخصيص أدلّة المنع ، سيّما مع رجاء زوال الاختلاف بغير البيع ، وأن أهل الطبقة الاولى في الوقف المؤبّد لا اختصاص لهم بالوقف ، بل نسبتهم إليه كنسبة سائر الطبقات المتأخّرة ، فهو من قبيل المال المشترك الذي لا يجوز لأحدٍ من الشركاء التصرف فيه كملاً ، وإنما يبيع حصّته المختصة به ، والموقوف عليه هنا ليس له حصّة في العين ، وإنما له الانتفاع به مدّة حياته ثم ينتقل إلى غيره ، كما هو مقتضى الوقف ، فبيعهم له واختصاصهم بثمنه منافٍ لغرض الواقف ، وإن كان موافقاً له من وجه آخر على تقدير تسليمه.

اللهم إلاّ أن يجعل الثمن في وقف آخر يضاهي وقف الواقف ، لكن ينافي هذا الدليل الاستدلال بالصحيح ، لظهوره في دفع الثمن إليهم ، فتأمّل.

والثالث : بدلالة صدره على جواز بيع حصّته الموقوفة عليه عليه‌السلام ، وليس ثمّة شي‌ء من الأسباب الموجبة للبيع ونحوه ، ولم يقولوا به عدا الصدوق ، حيث جوّز بيع الوقف إذا كان على قوم دون غيرهم مطلقا ، ومنع عن بيع الوقف المؤبّد كذلك (١) ، فيخرج بعضه عن الحجّية ، وهو وإن لم يقدح في أصلها ، إلاّ أن مثله معتبر في مقام التراجيح البتة ، هذا.

مع قصور الدلالة بما ذكره خالي العلاّمة طاب رمسه ، فقال : ويخطر‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٧٩.

١٧٤

بالبال إمكان حمل هذا الخبر على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم ولم يدفع إليهم ، وحاصل السؤال أن الواقف يعلم أنه إذا دفعها إليهم يحصل منهم الاختلاف ويشتدّ ، لحصول الاختلاف قبل الدفع بينهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر ، أيدعها موقوفة ويدفعها إليهم ، أو يرجع عن الوقف ، لعدم لزومه بعدُ ويدفع إليهم ثمنها ، أيّهما أفضل؟ فكتب عليه‌السلام : البيع أفضل ؛ لمكان الاختلاف المؤدّي إلى تلف النفوس والأموال ، فظهر أن هذا الخبر ليس صريحاً في جواز بيع الوقف ، كما فهمه القوم واضطرّوا إلى العمل به مع مخالفته لأُصولهم ، والقرينة : أن أوّل الخبر محمول عليه كما عرفته ، وهذا الاحتمال وإن لم ندّعِ أظهريّته أو مساواته للآخر فليس ببعيدٍ بحيث تأبى عنه الفطرة السليمة في مقام التأويل (١). انتهى كلامه ، عَلَتْ في فراديس الجنان أقدامه.

ولنعم ما قاله ، بل ذكر بعض من عاصرته : أنه لا معنى للخبر غير ما ذكره ، فإنه هو الذي ينطبق عليه سياقه ، ويؤيّده زيادة على ما ذكره وقوع البيع في الخبر من الواقف ، وهو ظاهر في بقاء الوقف في يده ، والمدّعى في كلام الأصحاب أن البيع من الموقوف عليهم لحصول الاختلاف في الوقف ، والخبر لا صراحة فيه بحصول الاختلاف (٢). انتهى.

وفيما ذكره من عدم معنىً للخبر غير ما قالاه نظر ؛ لعدم صراحته في عدم القبض ، بل ولا ظهوره فيه ، وترك الاستفصال في الجواب عن حصول القبض وعدمه يقتضي عدم الفرق بينهما في الحكم ، بل ظاهر التعليل المذكور فيه هو اختصاص الحكم في الجواب بالأوّل ، وإلاّ لكان الأنسب‌

__________________

(١) ملاذ الأخيار ١٤ : ٤٠٠.

(٢) انظر الحدائق ١٨ : ٤٤٣.

١٧٥

التعليل بعدم القبض ، وليس في الصدر المتضمّن للرخصة في بيع حصّته عليه‌السلام من الضيعة دلالة على العكس ، بناءً على احتمال أن يقال : إن عدم القبض في حقه عليه‌السلام الظاهر من الخبر لا يستلزم عدمه بالإضافة إلى الباقين ، فلعلّه حصل بالإضافة إليهم دونه.

والحاصل : أن علمه عليه‌السلام بعدم القبض في حقّه لا يستلزم العلم بعدمه في حقّهم ، هذا.

مع أنه ربما يمكن أن يقال : إن غاية ما يستفاد من السؤال جعل الواقف شيئاً منها له عليه‌السلام ، وهو أعمّ من وقفه عليه وعدمه ، فلعلّ الرخصة في البيع لعدم الوقف عليه.

نعم ، ربما ينافيه قول السائل فيما بعد : أو يدعها موقوفة ، ولكن يمكن أن يراد به معناه اللغوي ، أي متروكة بحاله ، يعني لا يبيعه ، فتأمّل.

وبالجملة ظهور الرواية فيما ذكره الأصحاب لا شك فيه ولا شبهة ، ولذا أن الخال عليه الرحمة أطلق على ما ذكره لفظ الحمل ، ولم ينكر الظهور بالمرّة ، لكن في الاكتفاء بمثل هذا الظهور لتخصيص الأدلّة القاطعة مناقشة واضحة ؛ لفقد الصراحة أو القوّة في الدلالة المشترطة في صحة تخصيص العمومات في هذه الرواية ، مع احتمال الاكتفاء به بعد اعتضاده بفهم الطائفة ، واشتهار الحكم بينهم ، مع الإجماعات المحكيّة (١).

والرابع : بقصور السند بالجهالة ، والدلالة بأنّها فرع قبولهم الحكم بما في متن الرواية من جواز البيع مع رضاء الموقوف عليهم به جملة ، وكونه أنفع لهم ، ولم يقولوا به ، بل لم يحك القول به إلاّ عن شذوذ من الطائفة ،

__________________

(١) راجع ص : ١٧١.

١٧٦

كالمفيد وغيره (١).

والذبّ عن قصور السند وإن كان ممكناً بانجباره بوجود ابن محبوب فيه وقد أجمع على تصحيح رواياته ، إلاّ أن في بلوغ الرواية بذلك مرتبة الصحة مناقشة ، سيّما وأن يخصّص بها الأدلّة المانعة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة.

ولما ذكرناه من قوّة الأدلّة المانعة بالكلية ذهب الإسكافي والحلّي وفخر الإسلام إلى القول بالمنع مطلقا (٢) ، وادّعى الثاني عليه إجماع الإمامية.

ولا يخلو عن قوة ، وإن كان القول بالجواز في مورد العبارة والصحيحة المتقدمة غير بعيد ؛ للشهرة العظيمة ، وما تقدّم من الإجماعات المحكية القوية الاحتمال للشمول لموردهما ، وهي على إجماع الحلّي راجحة باشتهار محصّلها ولو في الجملة بين الطائفة.

لكن ينبغي صرف ثمنه إلى وقف آخر يضاهي وقف المالك ؛ توصّلاً إلى غرضه أو ما يقرب منه مهما أمكن ، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور.

خلافاً للمحكي عن المفيد والمرتضى (٣) ، فجوّزا الدفع إلى الموجودين لينتفعوا به.

وهو في الوقف الغير المؤبّد غير بعيد ، وعليه ينزل الصحيح المتقدم ، ويشكل في غيره ، فلا يترك ما قلناه فيه ، بل في الأوّل أيضاً ، لمنافاة الدفع‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٥٢ ؛ وانظر الانتصار : ٢٢٦.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٨٩ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٥٣ ، فخر الإسلام في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٩٢.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٥٢ ، المرتضى في الانتصار : ٢٢٦.

١٧٧

إليهم ما مرّ من عدم انتقال الوقف الغير المؤبد عن ملك المالك ورجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إليه دون غيره.

وربما يستثني أيضاً عن منع البيع صورتان أُخريان :

إحداهما : إذا حدث بالموقوف عليهم ما يمنع الشرع به من معونتهم والقربة إلى الله تعالى بصلتهم.

وفي استثنائها نظر ، وإن نزّلت على قصد الواقف معونتهم بصلاحهم وديانتهم ثم يخرج أربابه من هذا الوصف إلى حدّ الكفر ، فحينئذٍ يمكن خروجهم عن الاستحقاق ؛ لأن الخروج عن صفة الاستحقاق لا يستلزم جواز البيع ، مع إمكان أن يلحقه حكم الوقف على مصلحة بطل رسمها ، فيصرف في وجوه البرّ ، كما مرّ (١).

والثانية : ما ذكره الشهيد الثاني وغيره (٢) ، وهو ما لو خرج الموقوف عن الانتفاع به فيما وقف عليه ، كجذعٍ منكسر ، وحصيرٍ خلق ، ونحوهما ، فيتولّى المتولّي الخاص بيعه ، أو الحاكم مع عدمه ، أو سائر عدول المؤمنين ، وشراء ما ينتفع فيه.

وهو غير بعيد حيث لا ينتفع به فيه بوجه من الوجوه ؛ لأنه إحسان محض وتحصيل لغرض الواقف بقدر الإمكان ، ولا ريب أنه أولى من إلغائه ، والأمر بعدم بيعه حينئذٍ كاد أن يلحق بالعبث.

( السادسة : إطلاق الوقف ) على نحو الأولاد ، أو الأخوة ، أو الأعمام والأخوال ، أو مطلق ذي القرابة ( يقتضي التسوية ) بين ذكورهم وإناثهم في الحصّة ، لا يفضل أحدهم على الآخر بشي‌ء بالكلّية ، على‌

__________________

(١) في ص : ١٥٣.

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٦١ ؛ وانظر جامع المقاصد ٩ : ١١٦.

١٧٨

الأظهر الأشهر بين الطائفة ؛ للإطلاق ، وفقد المرجّح.

خلافاً للإسكافي (١) ، فجعل للذكر مثل حظّ الأُنثيين ؛ حملاً على الميراث.

وهو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس شاذّ.

نعم ، في الموثق : رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله ، قال : « لأعمامه الثلثان ، ولأخواله الثلث » (٢) رواه الشيخ في باب ميراث الأعمام والأخوال ، وكأنه فهم منه الوصية بالإرث ، أو حمله عليها. ولكنه بعيد.

( فإن فضّل ) الذكور على الإناث ، أو بالعكس ، أو بعضاً منهما على بعض ( لزم ) بلا خلاف ؛ عملاً بلزوم العقد والوفاء بالشرط.

وكذا لو قال : على كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الميراث ، فيتّبع ، كما لو صرّح بالعكس.

( السابعة : إذا وقف على الفقراء ) أو الفقهاء ، أو العلماء ، أو نحوهم من ذوي الأوصاف الذين جعل الوقف لهم من حيث الوصف دون الشخص ( وكان ) الواقف ( منهم ) أي بصفتهم حال الوقف ، أو اتّصف بها بعده ( جاز أن يشركهم ) فيه في المشهور بين الأصحاب ، بل في الغنية وعن المبسوط (٣) نفي الخلاف عنه ؛ وهو الحجّة المؤيّدة بما ذكره جماعة (٤) : من أن الوقف على مثل ذلك ليس وقفاً على الأشخاص المتّصفين بهذه الصفة ،

__________________

(١) على ما نقله عنه في المختلف : ٤٩٣.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٤ / ٥٣٥ ، التهذيب ٩ : ٢١٤ / ٨٤٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٢ ح ١.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، المبسوط ٣ : ٢٩٩.

(٤) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ٢٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٥٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢١٤.

١٧٩

بل على الجهة المخصوصة ، ولهذا لا يعتبر قبولهم ولا قبول بعضهم ولا قبضهم وإن أمكن ، ولا ينتقل الملك إليهم ، وإنما ينتقل إلى الله سبحانه ، ولا يجب صرف النماء إلى جميعهم ، ومثل هذا يسمّى وقفاً على الجهة ؛ لأن الواقف ينظر فيه إلى جهة الفقر والمسكنة ، ويقصد نفع موصوف بهذه الصفة ، لا أشخاصاً معيّنة.

خلافاً للحلّي (١) ، فلا يصحّ له المشاركة ؛ بناءً منه على الإجماع على اشتراط أن يخرج الواقف نفسه ، ولا يحصل مع الشركة.

والمناقشة فيه واضحة ؛ لمنع الإجماع على الاشتراط كلّية بحيث يشمل مفروض المسألة ، كيف لا وهو محل النزاع والمشاجرة ، مع أن المشهور كما عرفت على جواز المشاركة ، فليخصّ الاشتراط بالوقف على جماعة خاصّة أو عامة ، ويكون المراد بالشرط في الوقف عليهم أن لا يقصد ابتداءً دخول نفسه معهم أو إدخاله ، فلو لم يقصد ذلك صحّ الوقف بحصول ما شرط له ، ولا ينافيه الدخول بعدُ والمشاركة ، فإن الشرط إنما هو عدم قصد الدخول لا عدم الانتفاع من الوقف بالكلّية.

لكن مقتضى هذا تخصيص جواز المشاركة بصورة لم يحصل منه القصد إلى الدخول والمشاركة ، ولو حصل بطل الوقف من أصله ، إلاّ أن عبائر الأصحاب على الجواز مطلقة.

نعم ، حكي ذلك عن الشهيد في بعض فتاويه (٢) ، واستحسنه في المسالك (٣) فلم يجوّز الانتفاع مع القصد المزبور ، ولا مع القصد إلى المنع‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ١٥٥.

(٢) حكاه عنه في المسالك ١ : ٣٥٤.

(٣) المسالك ١ : ٣٥٤.

١٨٠