رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

والإجماع والسنة.

فلا يصحّ وقف ما لا ينتفع به إلاّ مع ذهاب عينه ، كالخبز والطعام والفاكهة وغيرها من الأُمور التي هي مع الانتفاع غير باقية ، بل تكون بمجرّده ومعه تالفة.

ولا وقفُ ما انتفاعاته محرمة ، كآلات اللهو وهياكل العبادة المبتدعة.

قالوا : ولا يعتبر في الانتفاع به كونه في الحال ، بل يكفي المتوقّع ، كالعبد والجَحْش الصغيرين والزمِن الذي يرجى زوال زمانته ، ولعلّه لإطلاق الأدلّة.

وهل يعتبر طول زمان المنفعة؟ إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة ونسبه إلى الأكثر في الروضة (١) يقتضي عدمه ، فيصحّ وقف ريحان يسرع فساده. واحتمل فيها اعتباره ؛ لقلّة المنفعة ، ومنافاتها التأبيد المطلوب من الوقف.

وفيه نظر ؛ للإطلاقات ، وعدم ثبوت مانعيّة القلّة ، لعدم الدليل على اشتراط الكثرة. ومنافاة التأبيد المشترط له غير واضحة إن أُريد به الدوام ما دامت العين باقية ؛ لحصوله في الفرض بالضرورة وإن كان مدة الدوام يسيرة. وإن أُريد به الدوام إلى انقراض العالم فهو فاسد بالبديهة ، وإلاّ لما تحقق وقف بالإضافة إلى ما لا يحصل فيه مثل هذا الدوام ، وهو مخالف للإجماع ، بل الضرورة.

( و ) أن يكون مما ( يصحّ إقباضها ) لأكثر ما مرّ من الأدلّة ، ومنه الإجماع في الغنية (٢) ؛ مضافاً إلى ما مرّ من اشتراط القبض في الصحة ، وهو‌

__________________

(١) الروضة البهية ٣ : ١٧٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٢.

١٢١

لا يحصل في غير مورد الشرط ، فلا يصحّ وقف الطير في الهواء ، ولا السمك في ماء لا يمكن قبضه عادةً ، ولا الآبق والمغصوب ونحوها.

ولو وقفه على من يتمكن من قبضه فالظاهر الصحة ، وفاقاً للروضة (١) ؛ لأن الإقباض المعتبر من المالك إنما هو الإذن في قبضه وتسليطه عليه ، والمعتبر من الموقوف عليه تسلّمه ، وهو ممكن.

وحيث اجتمعت في العين الشرائط المزبورة صحّ وقفها ( مشاعة كانت أو ) مشتركة ( مقسومة ) بلا خلاف يظهر بين الطائفة ، وبه صرّح في المسالك وغيره (٢) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى العمومات والإطلاقات السليمة عما يصلح للمعارضة ؛ لتحقق الغاية المقصودة من الوقف فيه ، وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة ، ولإمكان قبضه ، كما يجوز بيعه وغيره من العقود ، هذا.

والمعتبرة بجواز صدقة العين المشاعة مستفيضة :

منها الصحاح ، في أحدها : عن دارٍ لم تقسّم فيتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟ فقال : « يجوز » قلت : أرأيت إن كان هبة ، قال : « يجوز » (٤).

وفي الثاني : عن صدقة ما لم يقسّم ولم يقبض؟ فقال : « جائزة ، إنما أراد الناس النحل فأخطئوا » (٥).

__________________

(١) الروضة البهية ٣ : ١٧٥.

(٢) المسالك ١ : ٣٤٦ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ١٧٩.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٢.

(٤) الكافي ٧ : ٣٤ / ٢٤ ، التهذيب ٩ : ١٣٣ / ٥٦٤ ، الوسائل ١٩ : ١٩٤ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٩ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٣١ / ٦ ، التهذيب ٩ : ١٣٥ / ٥٧١ ، الوسائل ١٩ : ١٩٥ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٩ ح ٢.

١٢٢

وفي الثالث : إنّ أُمّي تصدّقت عليّ بنصيب لها في دارٍ ، فقلت لها : إن القضاة لا يجيزون هذا ، ولكن اكتبيه شراءً ، فقالت : أصنع في ذلك ما بدا لك وكلّ ما ترى أنه يسوغ لك ، فوثقت فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن ولم أنقدها شيئاً ، فما ترى؟ قال : « احلف له » (١) فتأمّل.

ومنها الموثقات في أحدها : عن صدقة ما لم يقبض ولم يقسم قال : « تجوز » (٢).

ومنها : عن دارٍ لم تقسّم فيتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه؟ قال : « يجوز » (٣) الحديث ، ونحوهما الثالث (٤).

والخبران : في الرجل يتصدّق بالصدقة المشتركة ، قال : « جائز » (٥).

وقد مرّ شيوع إطلاق الصدقة على الوقف بحيث يظهر كونه على الحقيقة (٦) ، ولعلّه لذا ذكرها الشيخ في التهذيب وغيره في غيره في كتاب الوقف ، فتعمّه هذه الروايات بترك الاستفصال.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٨٣ / ٦٤٣ ، التهذيب ٩ : ١٣٨ / ٥٨٠ ، الوسائل ١٩ : ١٩٦ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ٩ : ١٣٩ / ٥٨٣ ، الإستبصار ٤ : ١٠٣ / ٣٩٥ ، الوسائل ١٩ : ١٩٧ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٩ ح ٦.

(٣) التهذيب ٩ : ١٤٠ / ٥٨٩ ، الوسائل ١٩ : ١٩٤ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ١٥٢ / ٦٢١ ، الوسائل ١٩ : ١٩٦ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٩ ح ٣.

(٥) الأول : الكافي ٧ : ٣٤ / ٢٦ ، الفقيه ٤ : ١٨٢ / ٦٣٨ ، التهذيب ٩ : ١٣٧ / ٥٧٦ ، الوسائل ١٩ : ١٩٦ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٩ ح ٤.

الثاني : التهذيب ٩ : ١٣٩ / ٥٨٦ ، الوسائل ١٩ : ١٩٦ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٩ ح ٤.

(٦) راجع ص ٩٥.

١٢٣

واحتجّ على المخالف في الغنية بقوله عليه‌السلام لعمر في سهام خبير : « حبّس الأصل وسبّل الثمرة » (١) قال : والسهام كانت مشاعة ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قسّم خيبر وإنما عدّل السهام (٢).

وحكي الخلاف هنا عن بعض العامة ؛ بناءً على دعواه عدم إمكان قبضه (٣).

والأصل ممنوع ؛ فإن المشاع يصحّ قبضه كالمقسوم ، لأنه إن كان هو التخلية فإمكانه واضح ، وإن كان النقل فيمكن وقوعه بإذن الواقف والشريك معاً.

( الثالث : في ) ما يتعلق بـ ( الواقف ).

( ويشترط فيه البلوغ ، وكمال العقل ، وجواز التصرف ) برفع الحجر عنه في التصرفات الماليّة ، بلا خلاف.

فلا يصحّ من المحجور عليه لصغرٍ أو جنون أو سفه أو فلس أو نحو ذلك ، وعليه الإجماع في الغنية (٤) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على الحجر من الكتاب والسنة (٥).

( و ) لكن ( في ) صحة ( وقف من بلغ عشراً تردّد ) واختلاف ، فبين من صحّحه ، كالطوسي والإسكافي والتقي (٦) ، ومن أفسده ، كالديلمي‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٦٠ / ١٤ ، المستدرك ١٤ : ٤٧ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٢ ح ١ ، وفي سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠١ / ٢٣٩٧ ، وسنن النسائي ٦ : ٢٣٢ بتفاوت يسير.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٣) حكاه في المغني لابن قدامة ٦ : ٢٦٦ ، وانظر الخلاف ٣ : ٥٤٢.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٢.

(٥) النساء : ٦ ؛ وانظر الوسائل ١٨ : ٤٠٩ أبواب أحكام الحجر ب ١.

(٦) الطوسي في النهاية : ٦١١ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥١٠ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٦٤.

١٢٤

والحلّي والفاضلين والشهيدين (١) ، ولعلّه عليه كافّة المتأخّرين ، وربما يستفاد من الغنية (٢) الإجماع عليه حيث ادّعاه على اشتراط مالكيّة الواقف للتبرّع ، وهو ليس بمالك له بالإجماع ؛ لثبوت الحجر عليه به وبالكتاب والسنة ، وهذه الأدلّة هي الوجه في أحد شقّي التردّد.

ووجه الثاني هو أن ( المروي ) في المستفيضة ( جواز صدقته ) منها الموثقان ، في أحدهما : « يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل ، وصدقته ووصيّته وإن لم يحتلم » (٣).

وفي الثاني : عن صدقة الغلام ما لم يحتلم؟ قال : « نعم إذا وضعها في موضع الصدقة » (٤).

والخبر : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق على وجه معروف وحق فهو جائز » (٥).

وإطلاق الصدقة أو عمومها يشمل الوقف أيضاً ؛ لما مضى ، مضافاً إلى عدم القائل بالفرق ظاهراً.

( والأولى المنع ) عن الصحة ؛ لقوة الأدلّة المانعة في نفسها ، مع‌

__________________

(١) الديلمي في المراسم : ٢٠٣ ، الحلي في السرائر ٣ : ٢٠٦ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢١٣ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٢٦٧ ، الشهيد الأوّل لم يذكره في اللمعة ولم يرجّح أحد القولين في الدروس ٢ : ٢٦٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤٦.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٢.

(٣) التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣٣ ، الوسائل ١٩ : ٢١٢ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٥ ح ٢.

(٤) التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣٤ ، الوسائل ١٩ : ٢١٢ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٥ ح ٣.

(٥) الكافي ٧ : ٢٨ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٨١ / ٧٢٩ ، الوسائل ١٩ : ٢١١ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

١٢٥

اعتضادها في خصوص المسألة بالشهرة العظيمة ، واستصحاب الحالة السابقة ، وضعف النصوص المزبورة عن المقاومة لها من وجوه عديدة : منها مضافاً إلى الشذوذ والندرة قصور أسانيدها عن الصحة.

مع كون الثالثة بحسب السند ضعيفة ، والأُوليين ليس فيهما التقييد بالعشر سنين بالمرّة ، وتقييدهما بالرواية الثالثة فرع المكافأة ، وهي لضعفها مفقودة.

مع تضمّن أُولاها صحة الطلاق ، وهي ممنوعة ، كما سيأتي في بحث الطلاق إليه الإشارة.

وشي‌ء من هذه الأُمور المزبورة وإن لم يقدح في الحجيّة بعد كون الأسانيد معتبرة ، إلاّ أن أمثالها بل وأدون منها في مقام التراجيح معتبرة.

ولا يكافئها اعتضاد النصوص المزبورة بالنصوص الأُخر على جواز وصيته ، كالموثق : عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال : « إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته » (١).

والخبر : « إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله بشي‌ء (٢) في حقٍّ جازت وصيّته » (٣).

لقصور الإسناد فيهما عن الصحة كالسابقة ؛ مضافاً إلى ضعف الثانية وتضمّنها جواز وصيّة البالغ سبعاً ، ولم يقل به أحد من الطائفة ، وإن هي حينئذٍ إلاّ كما دلّ من النصوص على جواز أمره في ماله مطلقاً ، ووجوب‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ١٩ : ٣٦٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٧.

(٢) في المصادر : باليسير.

(٣) الكافي ٧ : ٢٩ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٣ ، التهذيب ٩ : ١٨٢ / ٧٣٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٦١ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٢.

١٢٦

الفرائض وإقامة الحدود عليه كذلك إذا بلغ ثمان سنين ، واتحاد الجارية معه في الحكمين إذا بلغت سبع سنين (١).

قال في المسالك ، ولنعم ما قال : ومثل هذه الأخبار الشاذّة المخالفة لأُصول المذهب ، بل إجماع المسلمين ، لا تصلح لتأسيس هذا الحكم (٢) ، وبنحوه صرّح الحلّي (٣).

( ويجوز أن يجعل الواقف النظر ) في الموقوف ( لنفسه ) ويشترطه في متن العقد ( على الأشبه ) الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، ونفى عنه الخلاف في التنقيح والمسالك (٤) ، وادّعى عليه الإجماع في المختلف (٥) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل ، والعمومات كتاباً وسنة.

خلافاً للحلّي (٦) ، فمنع عن صحة هذا الشرط وأفسد به الوقف. وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح.

ويجوز أن يجعله لغيره قولاً واحداً ؛ لعين ما مرّ من الأدلّة ؛ مضافاً إلى التوقيع المتقدم إليه الإشارة (٧) ، وفيه : « وأمّا ما سألت من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة يسلّمها من قيّمٍ يقوم بها ويعمرها ويؤدّي من دخلها خراجها ومئونتها ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا ، فإنّ ذلك لمن جعله صاحب الضيعة ، إنما لا يجوز ذلك لغيره ».

__________________

(١) منها ما أورده في الوسائل ١٩ : ٢١٢ أبواب الوقوف والصدقات ب ١٥ ح ٤.

(٢) المسالك ١ : ٣٤٦.

(٣) السرائر ٣ : ٢٠٦.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٣٠٧ ، المسالك ١ : ٣٤٦.

(٥) المختلف : ٤٩٢.

(٦) السرائر ٣ : ١٥٦.

(٧) راجع ص ٩٧.

١٢٧

ونحوه أخبار أُخر ، منها : الصحيح المتضمّن لصدقة مولاتنا فاطمة عليها‌السلام بحوائطها السبعة وأنها جعلت النظر فيها لعليّ عليه‌السلام ثم للحسن عليه‌السلام ثم للحسين عليه‌السلام ثم للأكبر من ولدها (١).

ومنها : الخبر المتضمّن لصدقة علي عليه‌السلام ، وفيه : يقوم على ذلك الحسن عليه‌السلام ثم بعده الحسين عليه‌السلام ثم من بعده إلى من يختاره الحسين عليه‌السلام ويثق به (٢) الحديث ملخّصاً.

ومنها : الخبر المتضمّن لصدقة الكاظم عليه‌السلام بأرضه ، وقد جعل الولاية فيها للرضا عليه‌السلام وابنه إبراهيم ثم من بعدهم (٣) ، على الترتيب المذكور فيه.

( وإن أطلق ) العقد ولم يشترط النظارة لنفسه ولا لغيره ( فالنظر لأرباب الوقف ) الموقوف عليهم.

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كون الموقوف عليهم عامّاً أو خاصّاً ، وذكر شيخنا الشهيد الثاني (٤) وتبعه جماعة (٥) أنه يبنى الحكم هنا على انتقال الملك ، فإن جعلناه للواقف أو للموقوف عليه مطلقا فالنظر له ، وإن جعلناه للموقوف عليه إن كان معيّناً ولله سبحانه إن كان عامّاً فالنظر في الأوّل إلى الموقوف عليه ، وللحاكم الشرعي في الثاني ؛ لأنّه الناظر العام‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٨ / ٥ ، الفقيه ٤ : ١٨٠ / ٦٣٢ ، التهذيب ٩ : ١٤٤ / ٦٠٣ ، الوسائل ١٩ : ١٩٨ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٠ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٤٩ / ٧ ، التهذيب ٩ : ١٤٦ / ٦٠٨ ، الوسائل ١٩ : ١٩٩ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٠ ح ٣ ؛ بتفاوت.

(٣) الكافي ٧ : ٥٣ / ٨ ، الفقيه ٤ : ١٨٤ / ٦٤٧ ، التهذيب ٩ : ١٤٩ / ٦١٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٠٢ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ١٠ ح ٤.

(٤) المسالك ١ : ٣٤٧ ، الروضة البهية ٣ : ١٧٧.

(٥) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٠٨ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٢١٣ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤١ ، وصاحب الحدائق ٢٢ : ١٨٤.

١٢٨

حيث لا يوجد الخاصّ. وهو حسن ويصير الواقف حيث لا يكون النظر إليه بعد العقد كالأجنبي.

وحيث اشترط النظر لنفسه فقد اختلف الأصحاب في اعتبار عدالته على قولين ، بعد اتّفاقهم على اعتبارها في الغير إذا اشترط النظر له. والأصل يقتضي العدم فيه وفي الغير أيضاً ، إلاّ أن اتّفاقهم عليه في الثاني كما في كلام جماعة قد حكي (١) أوجب تخصيصه ، مع اعتضاده ببعض النصوص المتضمنة لصدقة الأمير صلوات الله عليه حيث قال في آخره بعد ذكر الحسن والحسين عليهما‌السلام : « فإن حدث بهما حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي ، فإن وجد منهم من يرضى بهديه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إليه إن شاء .. وإن لم ير فيهم بعض الذي يريد فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به ، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضى به من بني هاشم » (٢) بل قد استدل به بعض الأجلّة (٣).

ولكن المناقشة فيه واضحة ، بل العمدة هو الاتفاق المحكي ، إلاّ أن بعضاً حكى الخلاف فيه أيضاً فقال : خلافاً لبعضهم (٤). وفي التحرير : لو جعل النظر للأرشد عمل بذلك ، ولو كان الأرشد فاسقاً فالأقرب عدم ضمّ عدل إليه (٥).

قالوا : ويشترط فيه مضافاً إلى العدالة الاهتداء إلى التصرف ، وأنه لو‌

__________________

(١) انظر الكفاية : ١٤١ ، والحدائق ٢٢ : ١٨٤.

(٢) راجع ص : ١٢٧.

(٣) كصاحب الحدائق ٢٢ : ١٨٤.

(٤) كالسبزواري في الكفاية : ١٤١.

(٥) التحرير ١ : ٢٨٩.

١٢٩

عرض له الفسق انعزل ، فإن عاد عادت إن كان مشروطاً من الواقف.

ولا يجب على المشروط له القبول ، ولو قبل لم يجب عليه الاستمرار ؛ للأصل ، وأنه في معنى التوكيل. وحيث يبطل النظر يصير كما لو لم يشترط.

ووظيفة الناظر مع الإطلاق العمارة ، والإجارة ، وتحصيل الغلّة وقسمتها على مستحقّها ، ولو فوّض إليه بعضها لم يتعدّه. ولو جعله لاثنين وأطلق لم يستقلّ أحدهما بالتصرف.

وليس للواقف عزل المشروط له النظارة في العقد ، وله عزل المنصوب من قبله لو شرط النظر لنفسه فولاّه ؛ لأنه وكيله.

ولو آجر الناظر مدّة فزادت الأُجرة فيها ، أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد ؛ لأنه جرى بالغبطة في وقته ، إلاّ أن يكون في زمن خياره ، فيتعيّن عليه الفسخ حينئذٍ.

ثم إن شرط له شي‌ء عوضاً من عمله لزم ، وليس له غيره ، وإلاّ فله اجرة المثل عن عمله مع قصده الأُجرة به وقضاء العادة بعدم تبرّعه به.

قالوا : ولا يجوز لغير الناظر التصرف فيه إلاّ بإذنه ولو كان مستحقاً والناظر غير مستحق ؛ عملاً بالشرط.

وهو كذلك ، إلاّ أنه يشكل ذلك في الأوقاف العامة على المسلمين ؛ للزوم تفويت كثير من أغراض الواقف ، إلاّ أن يقال : إذن حكّام الشرع في مثل ذلك معلوم بالقرائن.

( الرابع : في ) ما يتعلق بـ ( الموقوف عليه ).

( ويشترط وجوده ) أو إمكانه مع تبعيّته لموجودٍ حين العقد ( وتعيينه ) بالشخص ، أو الوصف المميّز ، كالمسلم أو المؤمن أو العالم ،

١٣٠

ونحو ذلك.

( وأن يكون ممن يملك ) بلا خلاف فيه ( و ) في اشتراط ( أن لا يكون الوقف عليه محرّماً ).

( فلو وقف على من سيوجد ) من المعدوم المحض ، أو غير ممكن الوجود في العادة ، كالميت وإن جعل تابعاً ، أو غير المعيّن ، كأحد هذين الرجلين ، أو المشهدين ، أو رجل من بني آدم ، أو نحو ذلك ، أو من لم يكن قابلاً للتملّك ، كالحمل والعبد ، بناءً على الأصح الأشهر من عدم تملّكه مطلقاً أو ما عدا فاضل الضريبة ( لم يصحّ ).

والوجه في الجميع بعد الوفاق الظاهر المصرح به في الغنية (١) استلزام الوقف انتقال المنفعة خاصّة أو مع العين ، وليس أحد ممن تقدم بقابل للانتقال إليه.

نعم ، العبد على القول بتملّكه يصحّ الوقف عليه إذا قبل مولاه وإن كان محجوراً عليه.

وحيث لا يصحّ الوقف عليه لا يكون وقفاً على سيّده عندنا ، كما في ظاهر المسالك وصريح الروضة (٢) ؛ لعدم القصد إليه في العقد ، فلا وجه لصرفه إليه.

ويستثنى منه العبد المعدّ لخدمة الكعبة والمشهد والمسجد ، ونحوها من المصالح العامة ، ونحوه الدابة المعدّة لنحو ذلك أيضاً ؛ لأنه كالوقف على تلك المصلحة.

ومنه يظهر الوجه فيما استثنوه أيضاً بلا خلاف يعرف من صحة‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٢) المسالك ١ : ٣٤٨ ، الروضة البهية ٣ : ١٧٩.

١٣١

الوقف على المساجد والقناطر ، فإنه في الحقيقة وقف على المسلمين بحسب القصد وإن جعل متعلّقه بحسب اللفظ غيرهم مما لا يكون قابلاً للمالكية ؛ إذ هو مصروف إلى مصالحهم ، وإنما أفاد تخصيصه بذلك تخصيصه ببعض المصالح ، وهو لا ينافي الصحة ، كما لا ينافيها في الوقف على المساجد الخبران :

أحدهما المرسل : عن الوقوف على المساجد ، فقال : « لا يجوز ، فإن المجوس وقفوا على بيوت النار » رواه في الفقيه (١).

والثاني القريب منه في قصور السند ، ودونه في الدلالة على المنع ، رواه في التهذيب (٢).

لضعف إسنادهما ، وشذوذهما ، واحتمال حمل المساجد فيهما على نحو البيع والكنائس مما يستلزم الوقف عليه الإعانة على الإثم المحرمة بالكتاب والسنة.

ولا وجه لحملهما على الكراهة بعد اتفاق الأصحاب في الظاهر على الاستحباب.

مع احتمال « لا يجوز » فيهما الاستفهام الإنكاري ، فيكون مفاده حينئذٍ الجواز ، ويكون المقصود من ذكر التعليل بيان جوازه على المساجد بطريق أولى ، ووجه الأولوية لا يخفى.

ولا يصحّ على الزناة والعصاة من حيث هم كذلك ؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان فيكون معصية محرمة ، أما لو وقف على شخصٍ متّصفٍ‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٤ / ٧٢٠ ، الوسائل ٥ : ٢٩١ أبواب أحكام المساجد ب ٦٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ١٥٠ / ٦١١ ، الوسائل ٥ : ٢٩٢ أبواب أحكام المساجد ب ٦٦ ح ٢ ، ورواها في الفقيه ٤ : ١٨٥ / ٦٤٨ ، وعلل الشرائع : ٣١٩ / ١.

١٣٢

بذلك لا من حيث كون الوصف مناط الوقف صحّ ، سواء أطلق أو قصد جهة محلّلة.

( ولو وقف على موجود ) ممن يصحّ الوقف عليه ( وبعده على من يوجد ) مثله ( صحّ ) بلا خلاف ؛ للأصل ، والعمومات ، وحصول الشرط من الوجود في الابتداء والتبعيّة للموجود في الانتهاء.

( والوقف على البرّ ) مع الإطلاق وعدم تعيين وجه منها في متن العقد ( يصرف إلى الفقراء ووجوه القرب ) كنفع طلبة العلم ، وعمارة المساجد والمدارس والقناطر والمشاهد ، وإعانة الحاج والزائرين ، وأكفان الموتى ، ونحو ذلك.

وفي جواز صرفه في مطلق نفع المسلمين وإن كانوا أغنياء وجه قوي ، اختاره جماعة (١) مع عدم مخالفٍ لهم في ذلك أجده ؛ لعدم وجوب تحرّي الأكمل ، للأصل ، وصدق الموقوف عليه.

( ولا يصحّ وقف المسلم على البِيَع والكنائس ) أي معابد اليهود والنصارى ، بلا خلاف ، وبه صرّح في التنقيح (٢) ، ولا ريب فيه وإن قلنا بجواز الوقف عليهم.

ولا يرد أنّ ما تقدّم في توجيه صحّة الوقف على المساجد من أنه وقف على المسلمين في الحقيقة يستلزم صحته عليهما كما يصحّ عليهم ، لأن الوقف على كنائسهم وشبهها وقف على مصالحهم.

للفرق ، فإن الوقف على المساجد مصلحة للمسلمين وهي مع ذلك‌

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٥١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤٢ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ٣ : ٢١١.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٣١٢.

١٣٣

طاعة وقربة فهي جهة من جهات المصالح المأذون فيها ، بخلاف الكنائس ، فإن الوقف عليها وقف على جهة خاصّة من مصالح أهل الذمة ، لكنّها معصية ، لأنّها إعانة لهم على الاجتماع إليها للعبادات المحرّمة والكفر ، بخلاف الموقوف عليهم أنفسهم ، لعدم استلزامه المعصية بذاته ، إذ نفعهم من حيث الحاجة وأنهم عباد الله سبحانه ومن جملة بني آدم المكرمين ومن يجوز أن يتولّد منهم المسلمون لا معصية فيه ، وما يترتب عليه من إعانتهم به على المحرّم كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير والذهاب إلى تلك الجهات المحرّمة ليس مقصوداً للواقف حتى لو فرض قصده له لحكم ببطلانه.

ومثله الوقوف عليهم لكونهم كفّاراً ، فلا يصحّ ، كما لا يصحّ الوقف على فَسَقة المسلمين من حيث هم فَسَقة.

( ولو وقف على ذلك ) أي البيع والكنائس ( الكافر ) الذي يعتقد صحة الوقف عليهما ويحصل منه بمعتقده التقرّب به إلى الله تعالى ( صحّ ) على الأصحّ ، وفاقاً للمفيد والقاضي والفاضل والمقداد (١) في الشرح (٢) ، إقراراً لهم على دينهم ، مع أنه لا بدّ لهم من معبد ، وأنه لم أقف فيه على مخالفٍ عدا الماتن هنا ، فقال : ( وفيه وجه آخر ) هو العدم ، كما صرّح به بعد أن سئل عنه ، قال : لتعذّر نيّة القربة من الكافر ، وهي شرط في صحة الوقف.

وفيه نظر ؛ لمنع التعذر منه على الإطلاق ؛ لاختصاصه بالمعطّلة‌

__________________

(١) في « ح » : والفاضل المقداد.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٥٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٩٢ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٢٦٨ ، المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣١٢.

١٣٤

والدهريّة.

وربما يحكى عن الأوّلين جواز وقف الكافر على نحو بيوت النيران (١). خلافاً للإسكافي (٢) ، ووافقه الفاضل والمقداد (٣) ، فصرّحوا بالمنع.

( ولا يقف المسلم على الحربي ) مطلقا ( ولو كان ) له ( رحماً ) قريباً ، وفاقاً للديلمي والقاضي (٤) ، بل نسبه في المسالك إلى المشهور (٥) مؤذناً بعدم الخلاف فيه ، ونحوه في عدم ظهور الخلاف فيه التنقيح (٦).

وفيه نظر ، فإن كلمة قدماء الأصحاب المختلفة المحكية في المسألة الآتية مطلقة في الكافر ، إلاّ كلام المبسوط (٧) ، فاختصّ بأهل الذمّة ، وبهما اعترف في المسالك (٨).

ولعلّ الوجه في تخصيص جملة من المتأخّرين (٩) عبائرهم بأهل الذّمة أن الوقف إذا وجب الوفاء به حرم تغييره ونقله عن وجهه ، ومال الحربي في للمسلمين ، يصحّ أخذه وبيعه ، ولا يجب دفعه إليه ، لأنه غير مالك ، كما صرّحوا به في الوصيّة ، وهو ينافي صحته ، ولا كذلك الذمّي.

__________________

(١) المقنعة : ٦٥٤ ، المهذب ٢ : ٩٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٤٩٦.

(٣) العلاّمة في المختلف : ٤٩٦ ، المقداد في التنقيح ٢ : ٣١٢.

(٤) الديلمي في المراسم : ١٩٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ٨٨.

(٥) المسالك ١ : ٣٤٨.

(٦) التنقيح ٢ : ٣١٢.

(٧) المبسوط ٣ : ٢٩٤.

(٨) المسالك ١ : ٣٤٨.

(٩) منهم : الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٢٧٥ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٣ : ١٧٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٤٣.

١٣٥

قيل : وفيه نظر ، فإن تحريم تغييره من حيث الوقف لا ينافيه من حيثيّة أُخرى هي جواز التصرف في مال الحربي بأنواع التصرفات المستلزم لتغييره (١).

( وفيه مناقشة يظهر وجهها مما سنذكره في كتاب الوصية في بحث تشابه المسألة ومقتضاه ومقتضى غيره مما نذكره ثمة فساد الوقف في المسألة ولا يخلو عن قوة لكن المحكي عن مجمع البيان الإجماع على جواز أن يبر الرجل إلى من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة قال وإنما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة والفطرة والكفارات فلم يجوزه أصحابنا وفيه خلاف بين الفقهاء ولا ريب أن الوقف عليهم من جملة البر ويمكن الذب عنه بتخصيصه بغير الوقف ونحوه مما يشترط فيه قابلية الموقوف عليه للتملك وهي هنا غير حاصلة قطعا أو احتمالا موجبا للشك في الشرط جدا ومعه لا يمكن القطع بوجود المشروط أصلا فتأمل جدا وبالجملة فعدم الصحة فيهم أقوى ).

( وفيه نظر لابتناء الوجه على عدم مالكية الحربي فكيف يصح مع ذلك الوقف عليهم لأنه إما تمليك عين أو منفعة وليس بمالك لهما بمقتضى الفرض‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٤٨.

(٢) ما بين القوسين في «ح» و «ت» كتب بعد قوله : والمسألتان متشابهتان بلا شبهة.

(٣) مجمع البيان ٥ : ٢٧٢.

(٤) ما بين القوسين في «ح» و «ت» كتب بعد قوله : المستلزم لتغييره. وفي حاشية نسخة «ق» أن : من قوله : وفيه نظر إلى قوله : والمسألتان متشابهتان بلا شبهة ، ليس من المتن ، بل حاشية منه.

١٣٦

وما ذكر في الجواب مبني على تملكه وهو كما عرفت في محل المنع نعم ربما يتوجه النظر بمنع دعوى عدم مالكية أهل الحرب والإجماع على كون مالهم فيئا للمسلمين لا يدل على صحة الدعوى فقد يكون ملكهم متزلزلا مراعى إلى استيلاء يد المسلم فإن تحقق خرج عن ملكهم وإلا فلا وحينئذ فلا مانع من تملكهم العين الموقوفة أو منفعتها بعقد الوقف وخروجها عن ملكهم باستيلاء يد الواقف أو غيره عليها من حيث كونها ملك أهل الحرب وأخذ الواقف لها بالاستيلاء من هذه الحيثية لا ينافي الصحة من حيث الوقفية لظهور ثمرة الصحة فيما لو نذر وقفا صحيحا في الشريعة ووقف عليهم فيبرأ في نذره وإن جاز له أخذ العين الموقوفة من حيث الحربية وهذا الوجه وإن صلح ردا لوجه التخصيص إلا أنه لا يستفاد منه دليل على صحة الوقف بل يتوقف على دليل على أي تقدير وهو مفقود لعدم عموم أو إطلاق ينفع والأصل الفساد وعلى تقدير تسليم العموم كما هو الظاهر منهم حيث عللوه بوجود المانع وهو عدم المالكية لا عدم المقتضي كما قلنا فيشكل الحكم بالفساد إلا أن يقال باتفاقهم على اشتراط مالكية الموقوف عليه وهي هنا إما منتفية أو مشكوك فيها غير معلومة والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيبقى أصالة الفساد بحالها باقية فالقول به مطلقا كما في العبارة في غاية القوة سيما مع دعوى الصيمري نفي الخلاف عنه في الأجانب منهم كالشيخ في الخلاف في الوصية والمسألتان متشابهتان بلا شبهة ).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٩٨.

١٣٧

( ويقف ) المسلم ( على الذمّي ولو كان أجنبيّا ) للعمومات ، مثل : « الوقوف على حسب ما يقفها أهلها » (١) « و : لكلّ كبدٍ حرّى أجر » (٢) وقوله تعالى ( لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) (٣) بالمودّة.

وفي الجميع نظر ؛ لاختصاص الأوّل بالوقوف الصحيحة المتضمنة لشرائط الصحة التي منها قصد القربة ، وفي إمكانها على الإطلاق مناقشة ، إذ هي فرع الأمر بالوقف أو مطلق الصدقة والمبرّة عليهم ، ولا أثر منه في الشريعة لا في كتاب ولا سنة ، فكيف يقصد التقرّب إلى جنابه سبحانه بشي‌ء لم يرد منه فيه أمر أو حثّ وترغيب بنحو ممّا ورد في المستحبات الشرعية.

وبه يظهر الجواب عن الدليلين الأخيرين ، فإن غايتهما الدلالة على ثبوت الأجر وعدم النهي عن المودّة ، وهما لا يستلزمان الأمر بالوقف أو المودّة حتى يتحقّق فيه قصد القربة المشترطة في الصحة.

مع معارضتهما بعموم دليل المنع وهو قوله سبحانه ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ ) (٤) هذا.

مع أني لم أجد لهذا القول عدا الماتن هنا وفي الشرائع (٥) قائلاً ، وإن‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٧ / ٣٤ ، الوسائل ١٩ : ١٧٥ أبواب أحكام الوقوف والصدقات ب ٢ ح ٢.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٢٢٢ ، وج ٤ : ١٧٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢١٥ / ٣٦٨٦ ، الجامع الصغير ٢ : ٢٢٨ / ٥٩٥٨.

(٣) الممتحنة : ٨.

(٤) المجادلة : ٢٢.

(٥) الشرائع ٢ : ٢١٤.

١٣٨

عدّه كثير من أصحابنا قولاً (١) ، وذلك فإن كلمة الأصحاب المحكية في المسألة ليست في الجواز مطلقة ، بل هي ما بين مخصِّص له بالأقارب ، كما عن الشيخين وابني حمزة وزهرة والحلبي (٢) ، أو بالوالدين خاصّة ، كما عن الحلّي (٣).

فهذا القول ضعيف غايته ، كالقول بالمنع مطلقا ، كما عمّن تقدّم في المسألة السابقة (٤) ، لعدم دليل عليه سوى إطلاق الآية المانعة ، وعدم إمكان القربة ، وليسا بحجّة.

فالأوّل : بلزوم تقييده بما سيأتي من الأدلّة ، مع معارضته بعموم الآية الأُولى المجوّزة ، المعتضدة بما سبقها من الرواية ، مع أنه قال جماعة فيه (٥) : بأن الظاهر أن النهي عن الموادّة إنّما هو من حيث كونه محادّا لله ورسوله ، وإلاّ لحرم اللطف والإكرام ، وهو فاسد ؛ لإجماع الطبرسي المتقدم إليه الإشارة (٦).

والثاني : بمنعه على إطلاقه ، بل هو متّجه فيما عدا الأقارب ، حيث لم يرد الأمر بالمودّة إليهم والترغيب في صلتهم ، وأما هم فيتأتّى قصد القربة‌

__________________

(١) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٣١٣ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٢٠٩ ، وصاحب الحدائق ٢٢ : ١٩٢.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٥٣ ، الطوسي في المبسوط ٣ : ٢٩٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣ ، الحلبي في الكافي : ٣٢٦.

(٣) السرائر ٣ : ١٥٦.

(٤) الديلمي في المراسم : ١٩٨ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٨٨.

(٥) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ٥٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٤٨ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٢٠٩ وصاحب الحدائق ٢٢ : ١٩٥.

(٦) راجع ص : ١٣٥.

١٣٩

بالوقف عليهم ، لورود الأمرين في حقّهم ، سيّما الوالدين ، فقد قال الله تعالى ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (١).

مع أنه يستفاد من القائل بهذا وكذا الحلّي ورود الرواية بالجواز على ذي القرابة مطلقا (٢) ، كما عليه الشيخان ومن تبعهما.

وهو أقوى ؛ لما مضى ، بل ظاهر الغنية عدم الخلاف فيه أصلاً ، وادّعى الإجماع عليه في الخلاف صريحاً.

وقصور سند الرواية مجبور بعمل هؤلاء العظماء من قدماء الطائفة ، وكذا الدلالة ، مع بُعد خطأ هؤلاء النقلة فيها البتة ، هذا.

وكثير من النصوص الظاهرة في صحة الوقف على الأقارب شاملة للمسألة بإطلاقها أو عمومها ، الناشئ من ترك الاستفصال عنهم بأنهم مسلمون أو كفرة ، وهي وإن كان في صلوحها للحجية مناقشة ، إلاّ أنّها للتأييد والتقوية صالحة ، بل يأتي على قاعدة بعض المشايخ صلوحها للحجّية والدلالة.

ومنه يظهر فساد القول الأخير ، مع موافقة قائله في بعض كلماته الشيخين في التعدية إلى ما عدا الوالدين ، وإن منع عنهما مرّتين ، ولذا نسبه الأصحاب إلى اضطرابه في البين ، وتردّده في اختياره أحد هذين القولين ، هذا.

ومما ذكرناه من الأدلّة منعاً وجوازاً يظهر وجه التعدية للحكم إلى سائر معاندي الحق ، وإن اختصّ كلام الجماعة بالكفرة ، المتبادر منهم من ليس لهم من الإسلام حظّ بالمرّة. وبهذا التعميم صرّح في الغنية والتقي‌

__________________

(١) لقمان : ١٥.

(٢) السرائر ٣ : ١٦٠.

١٤٠