رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

مضافاً إلى استلزام عدمه الضرر على المالك ، حيث يتساهل المستأجر بالتسليم ولم يمكن إلزامه عليه بمقتضى الفرض ، وتعيين وقت دون آخر ترجيح من غير مرجح.

وللنصوص ، منها الصحيح : في الحمّال والأجير ، قال : « لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أُجرته » (١) ونحوه غيره (٢).

وفيهما نوع إشعار بما مرّ من عدم وجوب تسليم الأُجرة قبل العمل.

ثمّ إنّه ليس في اشتراط التعجيل بعد استفادته من نفس العقد فائدة إلاّ التأكيد ، وتسلّط الموجر على الفسخ مع الإخلال به على قول ، وفي آخر اختصاص الفائدة بالأوّل ، والذبّ عن الثاني بمخالفته الأصل ، واندفاع الضرر المتوهّم منه السببية للتسلط برفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على القيام بالشرط.

ونحوه الكلام في اشتراطه قبل الوجوب في التسلط على الفسخ مع الإخلال ، وكذا في لزوم الوفاء به كما مرّ ؛ لعموم الخبر بلزوم الإيفاء بالشرط (٣).

( و ) منه يظهر الوجه في أنّه ( يصحّ تأجيلها ) بالشرط ( نجوماً ) وأشهراً معيّنة ، بأن يُجعل لكلّ منها شي‌ء من الأُجرة لا يستحقّ الموجر مطالبته قبل مجيئه ، وكذا إلى أجل واحد. ولا فرق بين الإجارة الواردة على عين معيّنة والواردة على ما في الذمة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢١١ / ٩٢٩ ، الوسائل ١٩ : ١٠٦ أبواب أحكام الإجارة ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢١١ / ٩٣٠ ، الوسائل ١٩ : ١٠٦ أبواب أحكام الإجارة ب ٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ١٢٧ / ٥٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩٣ ، الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦ ح ٢.

٢١

بلا خلاف عندنا في شي‌ء من ذلك ، كما في المسالك وغيره (١) ، ومرّ من الأخبار ما يتعلّق بالمقام في بحث عدم البطلان بالموت (٢) ، فتدبّر.

وفي توقّف استحقاق المطالبة بالأُجرة بعد العمل على تسليم العين المعمول فيها مطلقا ، كما عليه ثاني المحققين وثاني الشهيدين (٣) ، أم العدم كذلك ، كما عليه الفاضلان وغيرهما (٤) ، أم الفرق بين ما إذا كان العمل في ملك الأجير فالأوّل ، أو ملك المستأجر فالثاني ، كما حكى قولاً في الشرائع (٥) ، أقوال. خيرها أوسطها ؛ لأدلّة وجوب التسليم المتقدّمة ، سيّما إطلاق النصوص المصرّحة بالحكم في الأجير السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

( ولو أستأجر من يحمل له متاعاً ) مثلاً ( إلى موضع ) معين ( في وقت معين بأُجرة معينة فإن لم يفعل ) أي شرط عليه أنّه إن لم يفعل ولم يبلغه في ذلك الوقت ( نقص من أُجرته شيئاً معيّناً ) يتراضيان عليه ( صحّ ) كل من العقد والشرط.

وفاقاً للإسكافي والنهاية والخلاف والقاضي والفاضلين وغيرهما (٦) ،

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٢١ ؛ وانظر جامع المقاصد ٧ : ١١٠ ، والحدائق ٢١ : ٥٦٣.

(٢) راجع ص : ١٣.

(٣) المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١١١ ، الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٣٣٣ ، والمسالك ١ : ٣٢١.

(٤) المحقّق في الشرائع ٢ : ١٨١ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٢٢٦ ، والتحرير ١ : ٢٤٤ ؛ وانظر السرائر ٢ : ٤٥٦.

(٥) الشرائع ٢ : ١٨١.

(٦) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٤٦٣ ، النهاية : ٤٤٨ ، الخلاف ٣ : ٥٠٩ ، القاضي في المهذّب ١ : ٤٨٧ ، المحقّق في الشرائع ٢ : ١٨١ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٢٢٥ ، والتحرير ١ : ٢٤٥ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٢٦٣ ، والكفاية : ١٢٥.

٢٢

وفي المسالك والروضة وشرح القواعد للمحقّق الثاني (١) أنّه مذهب الأكثر ، وفي شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور بين الأصحاب ؛ للأصل ، والعمومات بلزوم الوفاء بالعقود والشروط.

وصريح الموثق : إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن ، واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنّها سوق أتخوّف أن يفوتني ، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى عن كل يوم احتبست كذا وكذا ، وأنّه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً ، فقال عليه‌السلام : « هذا شرط جائز ما لم يحط بجميع كراه » (٢).

خلافاً للحلّي (٣) ، فأبطل الشرط دون العقد ؛ لعدم تعيين الأُجرة باختلافها على التقديرين ، كما لو باعه بثمنين عليهما.

وهو حسن لولا النصّ المعتبر المنجبر قصور سنده أو ضعفه لو كان بالشهرة الظاهرة والمحكية ، مع اعتضاده بظاهر الصحيح وإن لم يكن من مورد المسألة : عن الرجل يكتري الدابة فيقول : أكتريتها منك إلى مكان كذا وكذا فإن جاوزته فلك كذا وكذا زيادة ، وسمّى ذلك؟ قال : « لا بأس به كلّه » (٤) فلا وجه لبطلان الشرط.

وقال جماعة ببطلانهما معاً هنا (٥). وهو أضعف من سابقه جدّاً.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٢٢ ، الروضة : ٣٣٤ ، جامع المقاصد ٧ : ١٠٧.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٠ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٢ / ٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢١٤ / ٩٤٠ ، الوسائل ١٩ : ١١٦ أبواب أحكام الإجارة ب ١٣ ح ٢.

(٣) السرائر ٢ : ٤٦٩.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢١٤ / ٩٣٨ ، الوسائل ١٩ : ١١١ أبواب أحكام الإجارة ب ٨ ح ١.

(٥) منهم : العلاّمة في المختلف : ٤٦٣ ، وفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ٢ :

٢٣

فإذاً القول الأوّل أقوى ( ما لم يحط بالأُجرة ) ويفسد مع الإحاطة ؛ لمنافاته لمقتضى العقد ، ولمفهوم الموثقة المزبورة ، ويتبعه فساد العقد ، فيثبت حينئذٍ أُجرة المثل ، بلا خلاف إلاّ من الإسكافي (١) ، فأوجب المصالحة. وهو شاذّ.

ومن الشهيد في اللمعة (٢) ، فنفى الأُجرة بالكلّية ؛ التفاتاً منه إلى منع منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد ؛ لأنّ قضيّة كلّ إجارة المنع عن نقيضها ، فيكون قد شرط قضيّة العقد ، فلم تبطل الإجارة ، غاية ما في الباب أنّه إذا أخلّ بالمشروط وهو النقل في اليوم المعيّن يكون البطلان منسوباً إلى الأجير حيث فوّت الزمان المعين ولم يفعل فيه ما شرط عليه ، فلا يستحق شيئاً ؛ لأنّه لم يفعل ما استوجر عليه ، ولا يكون البطلان حاصلاً من جهة العقد ، فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير وإثبات اجرة المثل ، بل اللازم عدم ثبوت شي‌ء وإن نقل المتاع إلى المكان المعيّن لكن في غير الزمان ؛ لأنّه فعل ما لم يؤمر به ولا استوجر عليه.

ويضعّف : بأن هذا إنما يتمّ إذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمن الأوّل وما خرج عنه خارجاً عن الإجارة ، وأمّا إذا كان موردها كلا القسمين فلا ، وظاهر الرواية وكلام الأصحاب هو الثاني ، ولذا حكموا حتى هو نفسه بصحة الإجارة مع إثبات الأُجرة على التقديرين ؛ نظراً إلى حصول المقتضي وهو الإجارة المعيّنة المشتملة على الأُجرة المعيّنة وإن‌

__________________

٢٤٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١٠٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٢٢.

(١) كما نقله عنه في المختلف : ٤٦٣.

(٢) اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٣٣٥.

٢٤

تعدّدت واختلفت بالترديد ؛ لانحصارها وتعيّنها ، وبطلانها على التقدير الآخر.

ولو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأوّل خاصّة وهو النقل في الزمن المعيّن لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض اجرة مع نقله في غيره أولى ؛ لأنّه خلاف قضيّة الإجارة ، كما ذكره ، فإنّ مقتضاها أن لا يكون للموجر اجرة لو خالف ما استوجر عليه ، كما في محل الفرض ؛ لأنّه فيه ليس إلاّ النقل في الزمن المعيّن ، وقد خالفه بالنقل في غيره ، فيكون اشتراط الأُجرة للمخالفة فاسداً ؛ لمنافاته لمقتضى العقد ، فيفسد بفساده ، فكان أولى بثبوت اجرة المثل ، والحال أنّه وسائر الأصحاب حكموا بتلك الأُجرة الناقصة ، وليس ذلك إلاّ من حيث فرض المسألة في كون مورد الإجارة كلا القسمين لا الأوّل خاصة.

والذبّ عن هذا بجعل القسمين متعلّق الإجارة على تقدير ذكر الأُجرة والقسم الأوّل خاصّة على تقدير عدمه في القسم الثاني مع كونه خلاف الظاهر موجب لاختلاف الفرض.

ويمكن الفرق بين ذكر الأُجرة في القسمين وإسقاطها في القسم الثاني بكون تعيين الأُجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد الإجارة حيث أتى بلازمها وهو الأُجرة فيهما ، وإسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعله مورداً من حيث نفي اللازم الدال على نفي الملزوم ، وحينئذٍ فتنزيل شرط عدم الأُجرة على التقدير الآخر على شرط ما يقتضيه عقد الإجارة والحكم بصحّتها كما حكم به أولى من جعله أجنبيّا مفسداً للعقد بتخلّله بين‌

٢٥

الإيجاب والقبول ، كذا قيل (١).

وهو حسن لولا مخالفة إطلاق كلام الأصحاب والنص المتقدّم.

( و ) ثالثها : ( أن تكون المنفعة مملوكة للموجر أو لمن يوجر عنه ) كالوكيل والوصي والولي والحاكم ، بلا خلاف ، فلو آجر غير المالك وقفت على الإجازة ، على الأشهر. وقيل : يبطل (٢). والأوّل أظهر ؛ لعين ما قلناه في البيع ، وعليه فيكون هذا الشرط معتبراً للّزوم دون الصحّة ، بخلاف باقي الشرائط.

ولا فرق بين أن تكون مملوكة تبعاً للعين أو منفردة.

( و ) لذا يجوز ( للمستأجر أن يوجر ) العين المستأجرة إجماعاً منّا ، كما في ظاهر الغنية وعن صريح التذكرة (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المستفيضة المتقدّمة في بحث كراهة إجارة الأرض بأكثر ممّا استوجرت به في بحث المزارعة (٤) ، ويدلّ عليه صريح الصحيحة الآتية ، فلا شبهة في المسألة.

( إلاّ أن يشترط الموجر عليه استيفاء المنفعة بنفسه ) فلا يصحّ له حينئذٍ أن يوجر ، إجماعاً ، كما في الغنية (٥) ؛ عملاً بمقتضى الشرط ، وصريح الصحيحة المزبورة ، إلاّ أن يشترط المستأجر الأوّل على الثاني استيفاء المنفعة له بنفسه ، فيصح أن يوجر أيضاً ؛ لعدم منافاتها لشرط‌

__________________

(١) الروضة ٤ : ٣٣٨.

(٢) كما قال به ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١٢٣.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠ ، التذكرة ٢ : ٢٩١.

(٤) راجع ج ٩ ص ٣٨٨.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠١.

٢٦

الموجر الأوّل ، فإنّ استيفاء المنفعة بنفسه أعمّ من استيفائها لنفسه ، إلاّ أن ينهاه عن نفس الإجارة من الغير بالشرط ، فلا يصح كالأوّل وإن استوفى هو المنفعة.

وحيث جاز له الإجارة من غيره هل يتوقّف تسليم العين على إذن مالكها؟ قيل (١) نعم ؛ إذ لا يلزم من استحقاقه المنفعة والإذن له في التسلّم جواز تسليمها للغير ، فيضمن لو سلّمها بغير إذن.

وقيل : لا ، بل يجوز تسليمها من غير ضمان ؛ لأنّ القبض من ضرورات الإجارة للعين ، وقد حكم الشارع بجوازها ، والإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، وهو خيرة الشهيدين وغيرهما (٢).

وهو الأصح ؛ لصريح الصحيح : رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت ، فقال : « إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن ، وإن لم يسمّ فليس عليه شي‌ء » (٣).

ولا فرق في جواز إيجار المستأجر للعين بين أن تكون الإجارة الثانية أكثر من الأُولى أم لا ، خلافاً للأكثر ، فمنعوا من إجارة المسكن والخان والأجير بأكثر ، إلاّ أن يوجر بغير جنس الأُجرة ، أو يحدث ما يقابل التفاوت. وقد مرّ تمام التحقيق في المزارعة في البحث المتقدّم إليه الإشارة بما لا مزيد عليه.

( و ) رابعها : ( أن تكون المنفعة مقدّرة ) إمّا ( في نفسها كخياطة

__________________

(١) حكاه الشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٣٤٠.

(٢) اللمعة والروضة ٤ : ٣٤٠ ، المسالك ١ : ٣٢٣ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٢٦٦ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ١٠٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢١٥ / ٩٤٢ ، الوسائل ١٩ : ١١٨ أبواب أحكام الإجارة ب ١٦ ح ١.

٢٧

الثوب المعين ) وركوب الدابة إلى موضع معيّن ( أو بالمدّة المعيّنة كسكنى الدار ) سنة ، وخياطة الثوب شهراً مثلاً ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية (١) ؛ لاستلزام عدم التقدير الغرر والجهالة ، واحتمال أن يؤول الأمر إلى المنازعة ، وجميع ذلك ضرر منفي في الشريعة ، فلا بد من حسم مادّته بتقدير المنفعة بما يتقدّر بها ، فإن اتّحد كسكنى الدار والإرضاع الغير المقدّرين إلاّ بالزمان لزم التقدير به ، وإن تعدّد تخيّر بين التقدير بأيّهما شاء ، كالخياطة وركوب الدابّة ونحوهما المقدّرين تارة بالزمان كفعلهما في شهر مثلاً ، وأُخرى بإضافتهما إلى معيّن كما مرّ في العبارة ، والضابط هو العلم بالمنفعة على أحد الوجهين.

ولو قدّرت بالعمل والمدّة معاً كأن يخيط هذا الثوب في هذا اليوم مثلاً فالأكثر على البطلان إن قصد التطبيق ، وفاقاً للطوسي والحلّي (٢) ؛ لأنّه ربّما فرغ قبل انتهاء المدّة فيبقى بعضها مستحقّة بلا عمل ، وربما لا يفرغ فيها فيحتاج إلى مدّة أُخرى فيحصل جهالة المدّة والعمل ، وهو غير جائز.

وتردّد الماتن في الشرائع (٣) ؛ لذلك ، ولأنّ العقد قد وقع على العمل والمدّة ذكرت للتعجيل. ووافقه على الاحتمال الثاني الفاضل في المختلف كما حكي (٤). واستشكله آخرون كالشرائع.

ولعلّه ليس في محلّه ، بل الأوّل أجود ، وعلّة الصحّة خارجة عن محل الفرض ، لوقوعه في وقوع العقد على التطابق دون العمل فقط.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.

(٢) الطوسي في المبسوط ٣ : ٢٢١ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٤٥٧.

(٣) الشرائع ٢ : ١٨٢.

(٤) لم نعثر عليه في المختلف ، وقد حكاه عنه في جامع المقاصد ٧ : ٦٢. نعم ، احتمل الجواز في التحرير : ١٦٥.

٢٨

نعم ، لو أرادا الظرفيّة المطلقة وأمكن وقوع الفعل فيها جاز بلا شبهة.

( ويملك ) المستأجر ( المنفعة ) المعقود عليها ( بالعقد ) بلا خلاف ؛ لما مرّ في تملّك الموجر الأُجرة (١). ولا فرق بينهما إلاّ من حيث إنّ تسليم الأُجرة يتوقّف على تمام العمل أو دفع العين المستأجرة ، ولا كذلك المنفعة ؛ فإنّه يجب تسليمها مع المطالبة بتسليم العمل أو العين التي وقع عليها الإجارة.

ووقت تسليمها في المقدّر بالمدّة عند الفراغ من العقد مع إطلاقه ، وابتداء الزمان المشترط مع تقييده به ، متصلاً كان أم منفصلاً ، وتصحّ الإجارة فيه بقسميه ، وكذا في الأوّل على الأشهر الأظهر.

خلافاً للطوسي في المبسوط والخلاف في الأوّل (٢) ، فأبطلها به ، واشترط في صحتها فيه تعيين المدّة.

وله فيهما في القسم الثاني من الثاني ، وتبعه فيه الحلبي (٣) ، فأبطلاها أيضاً.

وعمومات الأدلّة من الكتاب والسنّة ، وفحوى النصوص الواردة في المتعة الدالّة جملة منها على الصحّة مع الإطلاق (٤) ، وأُخر منها عليها مع اشتراط الانفصال (٥) وهي مع كثرتها منجبرة أو معتضدة بالشهرة ثمّة ، كما سيأتي إليه الإشارة حجة عليهما.

نعم ، ينبغي تقييد الصحّة في صورة الإطلاق بصورة دلالة العرف على‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٠.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٣٠ ، الخلاف ٣ : ٤٩٦.

(٣) الكافي في الفقه : ٣٤٩.

(٤) الوسائل ٢١ : ٤٣ أبواب المتعة ب ١٨.

(٥) الوسائل ٢١ : ٧٢ أبواب المتعة ب ٣٥.

٢٩

الاتّصال ، وإلاّ كانت باطلة ؛ للجهالة.

ولا ينافيه إطلاق تلك النصوص وعبائر كثير من الجماعة الحاكمين بالصحّة في هذه الصورة ، كالقاضي والحلّي (١) ؛ لوروده مورد الغالب ، فإنّ عدم انصراف الإطلاق إلى الاتّصال كاد أن يلحق بالنادر وأيّ نادر ، ولعلّه لذا أنّ الفاضل في الإرشاد والماتن في الشرائع (٢) ادّعيا انصراف الإطلاق مطلقا إلى ذلك. ولعلّه كذلك.

وفي المقدّر بغير المدّة عند المطالبة. وقيل : عند الفراغ من العقد مطلقا كالسابق ؛ لانصراف الإطلاق إلى التعجيل ، ولم يثبت في مثله إلاّ إذا كان ثمّة قرينة من عرف أو عادة ، ولا كلام معها.

( ولو مضت مدّة يمكن استيفاء المنفعة ) المعقود عليها بنفسه ( و ) كانت ( العين في يد المستأجر ) والمدة ما تعيّنت شرعاً للاستيفاء ، إمّا بالتعيين أو ما في حكمه ، كما إذا عيّنت المنفعة بالعمل فإنّ مدّتها هي الزمان الذي يسعها عادة ( استقرّت الأُجرة ) على المستأجر مطلقا ( ولو لم ينتفع ) بها ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى العمومات الحاكمة بلزومها بمجرّد العقد ، وإنّما لم يجب تسليمها به بل بعد تسليم العين أو العمل لمصلحة المستأجر وترتب الضرر عليه بتكليفه عليه قبله ، وهو هنا قد أقدم على الضرر بتركه الانتفاع ، ولا تقصير من جهة المؤجر.

وفي الخبر القريب من الموثق : رجل استأجر من رجل أرضاً فقال :

__________________

(١) القاضي في المهذب ١ : ٤٧٦ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٤٦١.

(٢) الإرشاد ١ : ٤٢٢ ، الشرائع ٢ : ١٨٣.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.

٣٠

آجرنيها بكذا وكذا إن زرعتها ، فإن لم أزرعها فأعطيتك ، فلم يزرعها ، قال : « له أن يأخذ إن شاء تركه وإن شاء لم يتركه » (١).

ولا فرق في ثبوت الأُجرة عليه بالتسليم بين كون الإجارة صحيحة أو فاسدة ، فإنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفساده بمقتضى القاعدة الكلّيّة المتّفق عليها ، لكن مع الفساد يلزم اجرة المثل عمّا فات من المنافع في يده.

وفي حكم التسليم ما لو بذل العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدّة ، أو مضت مدّة يمكنه الاستيفاء فتستقر الأُجرة هنا أيضاً ، لكن قيل : لا بد فيه من تقييده بالصحيحة (٢).

( وإذا عيّن ) الموجر حين العقد ( جهة الانتفاع ) فيما يتعدّد فيه ( لم يتعدّها المستأجر ) بلا إشكال ؛ عملاً بمقتضى العقد والشرط اللازم الوفاء بهما.

( ويضمن مع التعدّي ) لعموم : على اليد (٣) ، وخصوص ما مرّ من النصوص (٤).

( ولو تلفت العين ) المعيّن في العقد استيفاء المنفعة منها ( قبل القبض ) أو بعده بلا فصل ( أو امتنع الموجر من التسليم مدّة الإجارة بطلت الإجارة ) بلا خلاف في الأوّلين في الظاهر ، وبه صرّح في التنقيح (٥) ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٥ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٥٥ / ٦٨٢ ، التهذيب ٧ : ١٩٦ / ٨٦٧ ، الوسائل ١٩ : ١٢٣ أبواب أحكام الإجارة ب ١٨ ح ١.

(٢) الحدائق ٢١ : ٥٨٤.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ / ١٠٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مسند أحمد ٥ : ٨ ، المستدرك ١٤ : ٧ أبواب الوديعة ب ١ ح ١٢.

(٤) راجع ص : ١٦.

(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٢٧١.

٣١

قيل (١) : لفوات المتعلّق فيكون كتلف المبيع قبل قبضه ، واستيفاء المنفعة هنا بتمامها قائم مقام القبض في المبيع ، كما أن استيفاء بعضه كقبض بعضه.

ولو لا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن المناقشة فيه على إطلاقه ، بل مطلقا ؛ لمخالفته الأصل الدالّ على لزوم الأُجرة ، وانتقال المنفعة إلى ملك المستأجر بمجرّد العقد ، فرجوع كلّ منهما إلى مالكهما الأوّل مخالف للأصل ، ولا دليل عليه سوى القياس على البيع ، وهو فاسد بعد اختصاص الدليل به.

نعم ، لو كان التلف من قبل المؤجر أمكن ثبوت الحكم هنا ؛ لتفويته المنفعة على مالكها ، فيضمن.

لكن البطلان فيه أيضاً محل إشكال ، وغاية الإتلاف الرجوع إلى تضمين المتلف اجرة المثل ، لا المسمّى.

وفي حكم تلف الجميع تلف البعض ، إلاّ أنّ البطلان هنا يختص بالتالف ، ويتخيّر في الباقي بين الفسخ لتبعّض الصفقة ، وإمساك الحصّة بقسطها من الأُجرة.

وطريق التقسيط في العين المتساوية الأجزاء ظاهر ، وفي غيرها : بأن تقوّم اجرة مثل جميع المدّة ثمّ تقوّم الأجزاء السابقة على التلف وينسب إلى المجموع ، فيؤخذ من المسمّى بتلك النسبة.

وعلى إشكال في الأخير : من أن التسليم شرط للاستحقاق بالاتفاق ، فليس لأحد على الآخر شي‌ء ، وينفسخ العقد بنفسه ؛ لأنّه بمنزلة تلف‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١٩.

٣٢

المبيع والعين قبل التسليم.

ومن أنّ المنفعة مملوكة له وقد منعه عنها ، وهي مضمونة كالأعيان ، كما إذا غصب العين غاصب ، فللمستأجر الخيار في الفسخ والإلزام بالتسليم ، وله اجرة المثل مع عدم الفسخ ، والمسمّى معه ، وبه أفتى الماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والشهيدان في اللمعتين والمقداد في التنقيح (١) ، وهو الوجه.

واشتراط التسليم للاستحقاق مطلقا ممنوع ، بل هو مختصّ بالمؤجر.

وعدم استحقاقه الأُجرة مع الامتناع عنه مسلّم ، إلاّ أنّه لا ينفي استحقاق المستأجر للمنفعة ، بل له المطالبة بها أو ببدلها. ولا فرق فيه كالسابق بين الامتناع من تسليم الجميع أو البعض ، فله الفسخ لتبعّض الصفقة. خلافاً للقاضي فحكم باللزوم (٢). وهو ضعيف.

( و ) ذكر جماعة من الأصحاب من غير خلاف أجده أن المستأجر ( لو منعه الظالم ) عن الانتفاع بالعين المستأجرة ( بعد القبض ) لها ( لم تبطل ) الإجارة ؛ لاستقرار العقد بالقبض ، وبراءة الموجر والحال أن العين موجودة ، فيمكن تحصيل المنفعة منها وإنّما المانع عارض.

( وكان الدَّرَك ) أي درك المنفعة ( على الظالم ) فيرجع المستأجر عليه بأُجرة مثل المنفعة الفائتة في يده. ولا فرق بين وقوع الغصب في ابتداء المدّة وخلالها.

ولو كان المنع قبل القبض لم تبطل أيضاً ، إلاّ أن للمستأجر الخيار بين‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ١٨٦ ، الإرشاد ١ : ٤٢٤ ، اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٣٥٢ ، التنقيح الرائع ٢ : ٢٧١.

(٢) المهذب ١ : ٤٧٥.

٣٣

الفسخ ؛ لأنّ العين قبل القبض مضمونة على المؤجر ، فللمستأجر الفسخ عند تعذّرها ، ومطالبة الموجر بالمسمّى ، لفوات المنفعة ، والرضا بالإجارة وانتظار زوال المانع ، أو مطالبة المانع بأُجرة المثل.

قيل : بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضاً ؛ لكون العين مضمونة عليه حتى تقبض (١). ولا يسقط التخيير بزوال المانع في أثناء المدّة لأصالة البقاء.

وكثير من هذه الأحكام منظور فيه إن لم ينعقد الإجماع عليه ، ولكن عدم ظهور الخلاف لعلّه كافٍ في إثباته ، إلاّ أن ظاهر العبارة مفهوماً البطلان مع المنع قبل القبض ، إلاّ أن وجهه لمخالفته الأصل غير واضح ، مع أن الأكثر على خلافه.

( ولو انهدم المسكن ) المستأجَر ( تخيّر المستأجِر في الفسخ ) وإن كان بعد استيفاء شي‌ء من المنفعة ، ولا يمنع من ذلك كون التصرّف مسقطاً للخيار ؛ لأنّ المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلّقت به المعاوضة ، وهو هنا المنفعة ، وهي تتجدّد شيئاً فشيئاً ، وما لم يستوفه منها لا يتحقّق فيه التصرّف المسقط.

وإطلاق العبارة يقتضي ثبوت الخيار مطلقاً ولو خرج المسكن بالانهدام عن إمكان الانتفاع به أصلاً ، أو أمكن إعادته بحيث لا يفوت عليه شي‌ء معتدّ به.

والأوّل لا ينطبق على ما ذكروه من أن تلف العين يبطل الإجارة.

وللثاني وجه من حيث ثبوت الخيار بالانهدام فيستصحب ، وبه أفتى‌

__________________

(١) الروضة ٤ : ٣٥٢.

٣٤

الشهيد الثاني (١) والمفلح الصيمري.

خلافاً لبعض المتأخّرين ، فلم يثبت له الخيار ، وحكم بلزوم العقد (٢). ولعلّه للأصل ، وانتفاء الضرر الموجب للفسخ مع التزام المالك بالإعادة بالنهج المتقدّم.

وهو أوجه ، إلاّ أن يثبت أنّ ثبوت الخيار بنفس الانهدام من حيث هو هو ، فيتّجه حينئذٍ العمل بالاستصحاب. ولكنّه غير معلوم ؛ لعدم وضوح دليله ، إذ ليس إلاّ نفي الضرر ، وجوابه قد مرّ ، أو الإجماع ، وضعفه أظهر ، لمكان الخلاف ، وعدم العلم به من وجه آخر.

( و ) حيث لم يفسخ كان ( له إلزام المالك بإصلاحه ) توصّلاً إلى حقّه اللازم على المالك أداؤه بدفع ما يحصل به.

ويحتمل قويّاً العدم ، وفاقاً للفاضل في الإرشاد (٣) ؛ للأصل ، وعدم دليل صالح على الوجوب ، إذ اللازم عليه إنّما هو تسليم العين المستأجرة وما يتوقّف عليه الانتفاع من الأبواب والمفاتيح ، وأمّا التعمير بعد الخراب فلا ، إذ ليس متعلّق العقد بالكليّة.

( ولا يسقط ) من ( مال الإجارة ) شي‌ء ( لو كان الهدم بفعل المستأجر ) مطلقا ، كان على جهة الانتفاع أو غيرها ، ما لم يكن فيه من طرف الموجر تعدٍّ أو تفريط ، ومع أحدهما يتقاصّان إذا كان ثمّة شرائط التقاصّ ، وإلاّ فعلى المالك الأُجرة للمستأجر ، وعليه بدل التالف للمالك.

( و ) خامسها : ( أن تكون المنفعة مباحة ) في الشريعة ( فلو

__________________

(١) الروضة ٤ : ٣٥٣ ، المسالك ١ : ٣٢٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٦١.

(٣) الإرشاد ١ : ٤٢٤.

٣٥

آجره ) دابّةً أو مسكناً مثلاً ( ليحمل ) أو يحرز فيه ( الخمر ) المتّخذة للشرب ، أو دكّاناً ليبيع فيه آلات محرّمة ، أو أجيراً ليحمل مسكراً ( أو ليعلّمه الغناء ) ونحوه من الأُمور المحرّمة ( لم تنعقد ) الإجارة على الأظهر الأشهر ، بل لا يكاد يوجد فيه من الأصحاب مخالف ، وإن حكى الصحّة لكن بشرط أن يعمل غير ذلك قولاً في الشرائع (١) ، ولم أظفر على قائله منّا.

نعم ، حكاه في نهج الحقّ (٢) عن أبي حنيفة مدّعياً على خلافه وعدم الجواز إجماع الإماميّة ، ودعواه الإجماع على البطلان ظاهرة بقرينة المقابلة ، وبه صرّح في الغنية (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الصحّة إمّا جواز استيفاء تلك المنفعة المحرّمة ، وهو مع عدم وجود قائل به فاسد بالبديهة ، أو تبديل تلك المنفعة بالمنفعة المحلّلة كما قاله أبو حنيفة ، وهو أظهر فساداً من الأوّل ، فإنّها غير ما وقع عليه العقد بلا شبهة ، هذا.

مع ما في بعض المعتبرة المنجبرة بل المعتضدة بالشهرة ، بل عدّت صحيحة (٤) : الرجل يؤاجر البيت فيباع فيه الخمر ، قال : « حرام أُجرته » (٥).

وحرمة الأُجرة لعلّها ظاهرة في بطلان الإجارة أوّلاً لفهم الطائفة ، وثانياً للاستقراء الموجب لذلك ولو على سبيل المظنّة ؛ لغلبة ذكر حرمة‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ١٨٦.

(٢) نهج الحق : ٥٠٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٥٥.

(٥) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ / ١٠٧٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٥ / ١٧٩ ، الوسائل ١٧ : ١٧٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٩ ح ١.

٣٦

الأُجرة في بيان بطلان المعاملة في مواضع كثيرة يحصل بملاحظتها ظنّ بانسحاب ذلك في نحو المسألة.

وأمّا الصحيح : رجل يؤاجر سفينته أو دابته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ، قال : « لا بأس » (١) فمع كونه مكاتبة محتملة للتقيّة عن رأي أبي حنيفة محمول على الجاهل بأنّ المستأجر يفعل فيها ذلك ، أو على أنّ الحمل يجوز أن يكون للتخليل ونحوه.

ثمّ إنّ الخلاف لو كان فإنّما هو في البطلان ، وأمّا التحريم فثابت قولاً واحداً فيما إذا اوجر ليعمل الحرام ، وأمّا لو اوجر ممّن يعمل ذلك فجائز كذلك مع عدم العلم بالحال ، وأمّا معه فإشكال ، مضى وجهه في البيع (٢).

ولكن الوجه هنا القطع بالمنع ؛ لاستلزام الجواز الإعانة على الإثم المحرّمة كتاباً وسنّة ، واختصاص النصوص المجوّزة على تقدير سلامتها من الطعن بالبيع خاصّة ، ولا وجه للتعدية غير القياس المحرّم في الشريعة.

وهنا شرط سادس لم يذكره الماتن صريحاً ، لكنه أشار إليه بقوله : ( ولا تصحّ إجارة ) العبد ( الآبق ) أو الجمل الشارد الذي لا يتمكن من تسليمه وتسلّمه ، أو المغصوب الذي لا يملك الموجر التصرّف فيه ، بلا خلاف ؛ لعدم القدرة على التسليم في شي‌ء من ذلك ، مع كونها شرطاً بالإجماع ، كما في الغنية وشرح الإرشاد للفاضل الأردبيلي (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى استلزام الصحّة مع عدمها الغرر والسفاهة المانعين عن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٧٨ ، الإستبصار ٣ : ٥٥ / ١٨٠ ، الوسائل ١٧ : ١٧٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٩ ح ٢.

(٢) راجع ج ٨ ص ١٤٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٠ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٥٨.

٣٧

صحّة المعاملة.

اللهمّ إلاّ أن تكون هناك ضميمة هي بالذات من الإجارة مقصودة ، فتصحّ حينئذٍ كالبيع ، وقد مضى التحقيق في وجهها ثمّة (١).

بل قيل بالصحّة معها في العبد مطلقا ، ولو لم تكن بالذات مقصودة ؛ إلحاقاً لها بالبيع ، لا بالقياس ، بل لدخولها في الحكم بالأولويّة ، لاحتمالها من الغرر ما لا يحتمله (٢).

والوجه المنع ؛ لقوّة دليله ، وفقد النصّ المجوّز هنا ، فيقتصر فيه على مورده وهو البيع خاصّة ، والأولويّة ممنوعة ؛ لقيام الفارق ، وهو احتمال استناد الصحة في البيع إلى إمكان الانتفاع بالآبق بالعتق ونحوه. ولا كذلك المسألة ؛ لعدم إمكان الانتفاع بمثل ذلك وغيره بالكليّة ، وبه أفتى الفاضل في الإرشاد وشيخنا في المسالك والروضة (٣) ، وإن تردّد فيه الماتن في الشرائع والفاضل في التحرير والتذكرة (٤).

وعلى الجواز هل يعتبر في الضميمة إمكان إفرادها بالإجارة أم بالبيع ، أم يكفي كل واحد منهما في كل واحد منهما؟ أوجه : من حصول المعنى وهو إفراد الضميمة بالمعاوضة في كلّ منهما ، ومن أنّ الظاهر ضميمة كل شي‌ء إلى جنسه ، وقوّى الشهيد كما حكي (٥) الثاني.

ثمّ كلّ ذا إذا لم يقدر كلّ منهما على تسليم العين وتسلّمها. ولو آجره ممّن يقدر على تحصيله صحّ من غير ضميمة ؛ للأصل ، والعمومات ، وفقد‌

__________________

(١) راجع ج ٨ ص ٢٦١.

(٢) قال به الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٣٥٠.

(٣) الإرشاد ١ : ٤٢٤ ، المسالك ١ : ٣٢٩ ، الروضة ٤ : ٣٥١.

(٤) الشرائع ٢ : ١٨٦ ، التحرير ١ : ٢٤٨ ، التذكرة ٢ : ٢٩٦.

(٥) حكاه الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٢٩ ، والروضة ٤ : ٣٥١.

٣٨

الدليل المانع هنا.

( ولا يضمن صاحب الحمّام الثياب ) وإن شاهدها عند النزع وقيل له : احفظها ، وسكت ( إلاّ أن يودع ) ويقبل ( فيفرّط ) في الحفظ ، فيضمن حينئذٍ ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك بيننا ، وعليه ادّعى في السرائر إجماعنا (١) ؛ لأنّه مع الإيداع منه أمين فلا يضمن إلاّ مع التفريط ، ومع عدمه فالأصل براءة ذمّته من وجوب حفظ مال الغير مع عدم التزامه به.

مضافاً إلى النصوص ، منها : « لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب ، لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام ، ولم يأخذ على الثياب » (٢) ونحوه بدون التعليل مروي عن قرب الإسناد (٣).

ومنها المرتضوي : « اتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه ، وقال : إنّما هو أمين » (٤).

ويستفاد منه من حيث الحكم بأمانته على الإطلاق ضمانه مع التفريط وإن لم يودع. وفيه إشكال ، وفي السند قصور ، فالرجوع إلى ما قدّمناه من الأصل لازم.

__________________

(١) في كتاب القضاء في باب النوادر منه ( ٢ : ٢٠٠ ) قال بعد نقل بعض ما سيأتي من الأخبار : هذا خبر صحيح ؛ لأنّ الإجماع منعقد من أصحابنا على هذا إذا لم يستحفظه الثياب. فأمّا إذا أستحفظه وفرَّط في الحفاظ فعليه الضمان ؛ لأنّه صار مودعاً ، وكذلك إذا استأجره على حفظ الثياب ودخول الحمّام ، فإنّه يجب عليه حفاظها ، فإذا فرَّط في ذلك فإنّه يجب عليه الضمان ، فأمّا إذا لم يستحفظه ولا استأجره على حفظها فلا ضمان عليه ، كما ورد في الحديث. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) التهذيب ٦ : ٣١٤ / ٨٦٩ ، الوسائل ١٩ : ١٤٠ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٨ ح ٣.

(٣) قرب الإسناد : ١٥٢ / ٥٥٣ ، الوسائل ١٩ : ١٤٠ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ٢٤٢ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٦٣ / ٧١٦ ، التهذيب ٧ : ٢١٨ / ٩٥٤ ، الوسائل ١٩ : ١٣٩ أبواب أحكام الإجارة ب ٢٨ ح ١.

٣٩

( ولو تنازعا في ) أصل ( الاستيجار ) فادّعاه أحدهما وأنكره الآخر ولا بيّنة ( فالقول قول المنكر مع يمينه ) بلا خلاف ؛ لأصالة عدمها ، ولا فرق بين كون المنكر المالك أم الآخر.

ثمّ إن كان النزاع قبل استيفاء شي‌ء من المنافع رجع كلّ مال إلى صاحبه. وإن كان بعد استيفاء شي‌ء منها أو الجميع الذي يزعم من يدّعي وقوع الإجارة أنّه متعلّق العقد وكان المنكر المالك ، فإن أنكر مع ذلك الإذن في التصرّف وحلف استحقّ اجرة المثل ، وإن زادت عن المسمّى بزعم الآخر.

ولو كان المتصرّف يزعم تعيينها في مال مخصوص وكان من جنس النقد الغالب لزم المالك قبضه عن اجرة المثل ، ولا تسلّط له على إلزامه بأخذ النادر ؛ للأصل ، مع عدم الضرر ، فإن ساواها أخذه ، وإن نقص وجب على المتصرّف الإكمال ، وإن زاد صار الباقي مجهول المالك ؛ لزعم المتصرّف استحقاق المالك له وهو ينكر.

وإن كان مغايراً له ولم يرض المالك به وجب عليه الدفع من الغالب ، ولا يجوز له إلزام المالك بأخذ النادر ؛ لما يترتّب عليه من الضرر ، ويبقى ذلك بأجمعه مجهولاً ، ويضمن العين بإنكار الإذن ، ولو اعترف به فلا ضمان.

وإن كان المنكر المتصرف وحلف وجب عليه اجرة المثل ، فإن كانت أزيد من المسمّى بزعم المالك لم يكن له المطالبة به إن كان دَفَعَه ؛ لاعترافه باستحقاق المالك له ، ووجب عليه دفعه إن لم يكن دَفَعَه ، وليس للمالك قبضه ؛ لاعترافه بأنّه لا يستحق أزيد من المسمّى.

وإن زاد المسمّى عن اجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان‌

٤٠