رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

عليه ، فلعلّ نفي البأس عن قبول شهادته إنما هو إذا لم يسابق عليه.

ويمكن دخوله في الشرط من قوله : إذا لم يعرف بفسقٍ. ودعوى أن السبق عليه ليس بفسق مصادرة.

نعم ، لها دلالة على جواز اللعب به ، وهو أمر آخر ، ظاهر المحكي عن الأصحاب فيه في بحث الشهادة جوازه.

ودعوى أن المراد من الريش هو الطيور ممنوعة ؛ لاحتمال أن يراد به السهام المثبت ذلك فيها. وليس في عطفه على النصل في أحد الخبرين دلالة على التباين بينهما بعد احتمال كون العطف فيه من باب عطف المرادف ، أو الخاص على العام ، مع تأيّده بإسقاط العطف وإبدال النصل بالريش في الخبر الثاني ، مع التصريح فيه بحرمة الباقي.

( ويفتقر انعقادها إلى ) صدورها من كاملين بالبلوغ والعقل خاليين عن الحجر ؛ لأنها تقتضي تصرّفاً في المال و ( إيجاب وقبول ) بلا خلاف في الأوّل ، ومعه في الثاني كما قيل.

وربما يستدل لاعتباره بعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود.

وهو غير مفهوم ؛ فإن مقتضاه لزوم الوفاء بما كان عقداً ، لا أن المسابقة منه فيعتبر فيه القبول.

إلاّ أن يبنى الاستدلال على القول بلزومها. وبيانه حينئذٍ أنه لا وجه للزومها إلاّ بعد اعتبار القبول فيها ؛ إذ معه يلزم ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا ) (١) إلى آخر ما مضى ، لا مطلقاً.

وهذا البناء يظهر من الماتن في الشرائع وغيره (٢) ، حيث جعلا مورد‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٣٧ ؛ وانظر المسالك ١ : ٣٨١.

٢٤١

الخلاف الآتي في اللزوم وعدمه هو اشتراط القبول وعدمه ، مفرّعين على الأوّل القول باللزوم ، وعلى الثاني الجواز.

لكنه خلاف ما يظهر من الماتن هنا ، حيث حكم بلزوم القبول من دون تردّد ثم قال : ( وفي لزومها تردّد ) وهو أظهر ظاهر في اشتراط القبول على أيّ تقدير ، وأن التردّد إنما هو في لزومها وجوازها حتى مع اعتبار القبول فيها.

وهذا هو الذي يظهر من كلمات الجماعة كالمختلف وغيره (١) ، حيث حكى القول باللزوم عن الحلّي ، والجواز عن المبسوط والخلاف واختاره ، مستدلاًّ للأوّل بما مرّ ، مجيباً عنه بالقول بالموجب ، فإن الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه ، فإنّ كان لازماً كان العمل بمقتضاه على سبيل اللزوم ، وإن كان جائزاً كان الوفاء به والعمل بمقتضاه على سبيل الجواز. وأيضاً : ليس المراد مطلق العقود ، وإلاّ لوجب الوفاء بالعقود الجائزة ، وهو باطل بالإجماع ، فلم يبق إلاّ العقود اللازمة والبحث وقع فيه.

وهو كما ترى ظاهر بل صريح في اتفاق القولين على كونها من العقود ، وإنما اختلفا في كونها من اللازمة منها أو الجائزة.

وحينئذٍ فالأجود الاستدلال على اعتبار القبول أن يقال : إن الوجه فيه ظاهر على القول باللزوم ، وكذا على القول بالجواز ، بناءً على أن لزوم العوض المبذول بعد العمل للسابق على المسبوق لا يتأتّى إلاّ على اعتبار قبوله ، إذ لولاه لأمكنه الامتناع من بذله بعد العمل مدّعياً عدم رضاه بالإيجاب ، ولعلّه خلاف الإجماع ، بل العوض لازم عليه بعد العمل‌

__________________

(١) المختلف : ٤٨٤ ؛ وانظر جامع المقاصد ٨ : ٣٢٥ ، والمسالك ١ : ٣٨١.

٢٤٢

كالجعالة بلا خلافٍ ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بالقبول.

لكن هذا إنّما يجري لو كان السابق هو الموجب ، ولو انعكس أمكن عدم الاحتياج إلى القبول كالجعالة ، إلاّ أنه يمكن التتميم بعدم القول بالفصل ، فتأمّل هذا.

وأمّا تعيين أحد القولين باللزوم والجواز فيتوقّف على بيان المراد من اللزوم ، وهو غير منقّح في كلام الأصحاب.

والتحقيق أن يقال : إن أُريد به ما قلناه من لزوم بذل العوض بعد حصول السبق خاصة كان ( أشبهه اللزوم ) عملاً بما وقع عليه العقد والشرط ، والتفاتاً إلى استلزام الامتناع من بذله الحيف والضرر على السابق الناشئ عن تغرير المسبوق له على تضييع العمل المحترم برضاه بالبذل على تقدير حصول السبق للسابق.

وإن أُريد به لزومها من أوّل الأمر بمعنى وجوب العمل ثم بذل العوض إن حصل السبق وعدم جواز الفسخ قبل التلبّس بالعمل ولا بعده فالأشبه الجواز ؛ للأصل ، وعدم مقتضٍ للّزوم عدا ما مرّ من الأمر بالوفاء بالعقد.

وفي اقتضائه له نظر ، لا لما مرّ عن المختلف ، لضعفه :

فالأوّل : بمخالفته الظاهر ، فإن مقتضى الوفاء بالشي‌ء التزامه والعمل به مطلقاً ، لا العمل بمقتضاه من لزوم أو جواز جدّاً ، ولذا أن دَيْدن الأصحاب حتى هو إثبات لزوم العقود اللازمة بمثله ، ولا وجه له لو صحّ ما ذكره ، لاستلزامه الدور الواضح ، كما لا يخفى على من تدبّره.

والثاني : بأن خروج العقود الجائزة تخصيص للعام ، فيبقى في الباقي حجّة.

٢٤٣

بل لأن معنى الأمر بالوفاء بالعقد هو العمل بما التزم به ابتداءً أو مآلاً ، ونحن نقول به هنا ، إلاّ أنه لا يلزم منه وجوب الاستباق وعدم جواز الفسخ ، لعدم الالتزام بهما في العقد ، بل إنّما التزم فيه ببذل العوض بعد حصول السبق ، إذ لا معنى لقوله : من سبق فله كذا ، غير ذلك ، وهو غير الالتزام بنفس العمل والعوض في بدء الأمر ، بل حالها حينئذٍ كالجعالة بعينها ، فلكلّ منهما فسخها ابتداءً وفي الأثناء ولكن يجب على المسبوق منهما للسابق بذل العوض الذي عيّناه.

( ويصحّ أن يكون السبَق ) بالفتح ( عيناً وديناً ) حالاّ ومؤجّلاً ، بلا خلاف ؛ للأصل ، والعمومات.

( ولو بذل السبَق غير المتسابقين جاز ) مطلقاً ، إماماً كان أو غيره ؛ للدليلين ؛ مضافاً إلى ما في المسالك وغيره (١) من إجماع المسلمين عليه في الأوّل ، ومنّا ومن أكثر العامّة في الثاني ؛ وأنه بذل مال في طاعة وقربة مصلحةً للمسلمين فكان جائزاً ، بل يثاب عليه مع نيّته ، كما لو اشترى لهم خيلاً وسلاحاً وغيرهما مما فيه إعانتهم على الجهاد.

وقال المانع منهم عن بذل غير الإمام باختصاص النظر في الجهاد به فيختص البذل به.

وضعفه ظاهر ، سيّما في مقابلة ما مرّ من الدليل.

( وكذا ) جاز ( لو بذله أحدهما ) بأن يقول لصاحبه : إن سبقتَ فلك عشرة ، وإن سَبَقتُ أنا فلا شي‌ء لي عليك. وهو جائز عندنا كما في المسالك (٢). خلافاً لبعضهم ، قال : لأنه قمار (٣). ويندفع على تقدير‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٨٢ ؛ وانظر المفاتيح ٣ : ١١٨.

(٢) المسالك ١ : ٣٨٢.

(٣) انظر المغني والشرح الكبير لابني قدامة ١١ : ١٣١ ١٣٦.

٢٤٤

تسليمه بخروجه بالنص المتقدم (١).

( أو بذل من بيت المال ) بلا خلاف ؛ لأنه معدّ للمصالح ، وهذا منها ، لما فيه من البعث على التمرّن على العمل المترتّب عليه إقامة نظام الجهاد.

( ولا يشترط المحلّل عندنا ) وهو الذي يدخل بين المتراهنين بالشرط في عقده ، فيسابق معهما من غير عوض يبذله ليعتبر السابق منهما ، ثم إن سَبَق أخذ العوض ، وإن سُبِق لم يغرم ، وهو بينهما كالأمين.

وإنما لم يشترط للأصل ، وتناول ما دلّ على الجواز للعقد الخالي عنه.

مضافاً إلى الإجماع عليه هنا وفي الشرائع والمسالك والمختلف (٢) ، لكنه كالمسالك خصّاه بصورة عدم بذل المتسابقين معاً البذل ، وظاهرهما الخلاف فيه ، حيث حكيا الاشتراط به فيه عن الإسكافي.

والظاهر أنه شاذّ ، ولعلّه لذا ادّعى الماتن على خلافه الإجماع ، ومع ذلك مستنده خبر عامي (٣) ضعيف سنداً ودلالةً. وعدم اشتراطه في أصل السباق من خصائصنا.

خلافاً للشافعي (٤) ، فاشترطه مطلقاً ، وبه سمّاه محلّلاً ؛ لتحريم العقد بدونه عنده.

وحيث شرط لزم ، فيجري دابته بينهما أو إلى أحد الجانبين مع‌

__________________

(١) في ص : ٢٣٦.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٣٧ ، المسالك ٢ : ٣٨٢ ، المختلف : ٤٨٤.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٣٠ / ٢٥٧٩.

(٤) انظر الأم ٤ : ٢٣٠.

٢٤٥

الإطلاق ، وإلى ما شرط مع التعيين ، قيل : لأنهما بإخراج السبق متنافران ، فيدخل بينهما لقطع تنافرهما (١). ( ويجوز جعل السبق للسابق منهما أو للمحلّل إن سبق ) بلا خلافٍ ؛ لما مضى من الدليلين.

قيل : لا لأجنبي ، ولا للمسبوق منهما ومن المحلّل ، ولا جعل القسط الأوفر للمتأخّر أو المصلّي والأقل للسابق ؛ لمنافاة ذلك كله للغرض الأقصى من شرعيّته ، وهو الحثّ على السبق والتمرّن عليه (٢).

( وتفتقر المسابقة ) عند الأصحاب كافة ، كما في ظاهر الكفاية (٣) ( إلى ) شروط ذكر الماتن منها جملة ، وأنهاها الفاضل إلى اثني عشر في التذكرة (٤).

منها : ( تقدير المسافة ) التي يستبقان فيها ، وتعيينها ابتداءً وانتهاءً ؛ لئلاّ يؤدّي إلى التنازع ؛ ولاختلاف الأغراض في ذلك اختلافاً بيّناً ، لأنّ من الخيل ما يكون سريعاً في أوّل عدوه دون آخره ، فصاحبه يطلب قصر المسافة ، ومنها ما هو بالعكس ، فينعكس الحكم.

( و ) منها : تعيين ( الخَطَر ) بالخاء المعجمة والطاء المهملة المفتوحتين ، إن شرطاه ، أو مطلقاً على القول باشتراطه في صحة أصل العقد ، كما هو ظاهر اللمعة ، وحكاه في الروضة عن كثير ، وفيها أيضاً عن التذكرة أنه ليس بشرط وإنما يعتبر تعيينه لو شرط (٥) ، واختاره.

ولا يخلو عن قوة ؛ للأصل ، والعمومات المتقدمة.

__________________

(١) الروضة البهية ٤ : ٤٢٦.

(٢) الروضة البهية ٤ : ٤٢٦.

(٣) الكفاية : ١٣٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٥٤.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٤٢٤ ، وهو في التذكرة ٢ : ٣٥٥.

٢٤٦

( و ) منها : ( تعيين ما يسابق عليه ) من فرس وبعير وغيرهما إن قلنا به بالمشاهدة ، فلا يكفي الإطلاق ، ولا التعيين بالوصف ، لاختلاف الغرض بذلك كثيراً.

( و ) منها : ( تساوي ما به السبق في احتمال السبق ) بمعنى احتمال كون كل واحد يسبق صاحبه. فلو علم قصور أحدهما بطل ؛ لانتفاء الفائدة حينئذٍ ، لأن الغرض منه استعلام السابق. ولا يقدح رجحان سبق أحدهما إذا أمكن سبق الآخر ؛ لحصول الغرض معه.

ومنها : ما مرّ من جعل السبق لأحدهما أو المحلّل لا غير ، فلو جعل له بطل.

ومنها : تساوي الدابّتين في الجنس ، فلا تجوز المسابقة بين الخيل والإبل ونحوه إن قلنا به.

ومنها : إرسالهما دفعةً ، فلو أرسل أحدهما دابّته قبل الآخر ليعلم هل يدركه أم لا لم يصحّ.

ومنها : أن يستبقا عليهما بالركوب ، فلو شرط إرسالهما لتجريا بنفسهما لم يجز.

ومنها : أن يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها ولا ينقطعان دونها.

ومنها : أن يكون ما ورد عليه عُدّة للقتال ، فلا يجوز السبق والرمي في النساء.

ومنها : العقد المشتمل على أركانه.

ومنها : عدم تضمّنه شرطاً فاسداً.

هذه جملة ما عن التذكرة ، وفي استنباطها أجمع من الأدلّة نوع‌

٢٤٧

مناقشة ، إلاّ أن يكون إجماعاً ، فيتّبع ، لكن في تحقّقه نظر ، كيف ولم أجد من ادّعاه ، مع خلوّ عبارة الماتن ككثير عن ذكرها كاملة ، بل اقتصروا على قليل منها ، ومعه كيف يمكن الاطّلاع بالإجماع من غير طريق الحكاية.

ولا ريب أن اعتبارها أحوط ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على حرمة القمار والرهانة على المتيقّن إباحته من الفتوى والرواية ، وهذا هو العمدة في الحجّة لإثبات جملة منها التي لا يسبق الرهانة المستثناة من الحرمة في الروايات المتقدمة بدونها إلى الذهن بالمرّة.

( وفي اشتراط التساوي في الموقف تردّد ) ينشأ من الأصل ، والعمومات ، وحصول الغرض مع تعيين المبدأ والغاية.

ومن انتفاء معرفة جودة الفروس وفروسيّة الفارس مع عدم التساوي ؛ لأن عدم السبق قد يكون مستنداً إليه ، فيخلّ بمقصوده. وفيه منع ونظر.

فإذاً العدم أظهر ، مع أنه أشهر ، كما في شرح الشرائع للصيمري والمهذب (١).

( ويتحقق السبْق ) بالسكون ( بتقدم الهادي ) أي العنق ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ؛ عملاً بالعرف.

خلافاً للإسكافي (٢) ، فاكتفى بالاذن ؛ لرواية قاصرة السند (٣) ، غير صريحة الدلالة ، باحتمال الحمل على المثل أو المبالغة.

ثم ظاهر العبارة كما ضاهاها اعتبار التقدّم بجميعه ، بل في الروضة (٤)

__________________

(١) لم نعثر عليه في المهذب.

(٢) كما نقله عنه في المختلف : ٤٨٤.

(٣) لم نعثر عليه في كتب الأحاديث ، وقد أورده العلاّمة في المختلف : ٤٨٤.

(٤) الروضة ٤ : ٤٢٧.

٢٤٨

عن عبارة كثير حصوله به وبالكتد معاً ، وهو بفتح الفوقانيّة أشهر من كسرها كما فيها ـ : مجمع الكتفين بين أصل العنق والظهر. وحكى فيها قولاً بكفاية التقدم ببعض العنق واستحسنه. وهو كذلك ، حيث يساعده العرف والعادة.

ثم إن اتّفقا في طول العنق وقصره أو سبق الأقصر عنقاً ببعضه فواضح ، وإلاّ اعتبر سبق الطويل بأكثر من قدر الزائد ، ولو سبق بأقلّ من قدر الزائد فالقصير هو السابق.

واعلم أنه يطلق عندهم على السابق : المُجَلّي ، وعلى الذي يحاذي رأسه صلوى السابق وهما العظمان النابتان عن يمين الذنب وشماله ـ : المُصلّي ، وعلى الثالث : التالي ، وعلى الرابع : البارع ، وعلى الخامس : المرتاح ، وعلى السادس : الخطي ، وعلى السابع : العاطف ، وعلى الثامن : المؤمّل بالبناء للفاعل ، وعلى التاسع : اللطيم ، بفتح أوّله وكسر تاليه ، وعلى العاشر فصاعداً : الفِسْكِل ، بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف ، أو بضمّهما كقُنْفُذ.

وهذه أسامي جرت عادتهم بتسميتهم بها عشرة من خيل الحَلْبَة ، وهي وزان سجدة : الخيل تجمع للسباق ، وفائدته تظهر فيما لو شرط للمُجَلّي مالاً وللمصلّي أقل منه ، وهكذا إلى العاشر.

( وتفتقر المراماة إلى شروط ) ستة :

منها : ( تقدير الرِّشق ) وهو بكسر الراء : عدد الرمي الذي يتّفقان عليه ، كعشرين ، وبالفتح مصدر بمعنى الرمي.

واشتراطه هو المشهور ، قيل : لأنه العمل المقصود المعقود عليه (١).

__________________

(١) قال به الشهيد في المسالك ١ : ٣٨٣ ، والسبزواري في الكفاية : ١٣٧.

٢٤٩

خلافاً لبعضهم ، فاشترط العلم به في المحاطّة دون المبادرة (١).

وتأمّل فيه في الكفاية (٢) ؛ لعدم توقّف معرفة الإصابة على تعيين الرشق ، لجواز حصولها بدونه.

( و ) منها : تقدير ( عدد الإصابة ) كخمس من عشرة ، قيل : لأن الاستحقاق إنما يحصل بالإصابة ، وبها تحصل معرفة جودة الرمية ومعرفة الناضل من المنضول فلو عقدا على أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة من غير بيان لم يصح ، على المشهور ، بل في الكفاية نسبه إليهم مشعراً باتّفاقهم ، وإن تأمّل فيه بعد النسبة ، معلّلاً بجواز حصول معرفة الإصابة بكونه أكثر إصابة في العدد المشترط أو غير ذلك (٣).

( و ) منها : تعيين ( صفتها ) من المارق ، والخامس بالمعجمة والمهملة ، والخازق بالمعجمتين ، والخاصل بالخاء المعجمة والصاد المهملة ، والخاصر ، والخارم ، والحابي ، والقارع ، إلى غير ذلك من الأوصاف الكثيرة ، حتى أنه ذكر لها بحسب أوصافها تسعة عشر اسماً في كتاب فقه اللغة (٤).

وفسّر الأوّل : بالذي يخرج من الغرض نافذاً فيه واقعاً وراءه.

والثاني : بالذي يثقب الغرض ويقف فيه.

والثالث : بالذي خدشه ولم يثقبه. وقيل : بل يثقبه ولكن لم يثبت فيه (٥).

__________________

(١) انظر إيضاح الفوائد ٢ : ٣٧٠.

(٢) الكفاية : ١٣٧.

(٣) الكفاية : ١٣٧.

(٤) فقه اللغة : ١٩٩.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٦٠.

٢٥٠

والرابع : بالذي أصابه ولم يؤثّر فيه ، ويطلق على القارع وعلى الثاني والثالث وعلى المصيب للغرض كيف كان.

والخامس : بالذي أصاب أحد جانبي الغرض.

والسادس : بالذي يخرم حاشيته.

والسابع : بالواقع دونه ثم يحبو إليه ، من حبو الصبي. قيل : ويقال على ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فأصابه ، وهو المزدلف (١).

والثامن : بالذي يصيبه بلا خدش.

ومقتضى اشتراطه تعيينها بطلان العقد بدونه.

وتأمّل فيه جماعة منهم الكفاية (٢) ، حاكياً فيها عن التذكرة أنه لا يشترط الإعلام بصفة الإصابة ، وأنه إذا أُطلق حمل على مجرّدها ؛ لأنه المتعارف والمطلق معنىً ، فيحمل عليه المطلق لفظاً. نعم ، إن شرطا نوعاً معيّناً تعيّن جدّاً.

( و ) منها : تشخيص ( قدر المسافة ) التي يرميان فيها ، وهي ما بين موقف الرامي والهدف أو ما في معناه ، إما بالمشاهدة ، أو المساحة كمائة ذراع ، قيل : لاختلاف الإصابة بالقرب والبعد (٣). وفي الكفاية : لا يبعد الاكتفاء بالعادة الغالبة بين الرماة في اعتبار الإصابة (٤).

( و ) منها : تعيين ( الغرض ) وهو ما يقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو غيرهما ؛ لاختلافه بالسعة والضيق.

__________________

(١) الروضة البهية ٤ : ٤٢٩.

(٢) الكفاية : ١٣٧.

(٣) الروضة البهية ٤ : ٤٣٠.

(٤) الكفاية : ١٣٨.

٢٥١

ويشترط العلم بوضعه من الهدف ، وهو ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره ؛ لاختلافه في الرفعة والانحطاط الموجب لاختلاف الإصابة ، وتأمّل في هذا الشرط أيضاً في الكفاية (١).

( و ) منها : تعيين قدر ( السبق ) أي العوض المبذول للسابق ؛ حذراً من لزوم الغرر.

( وفي اشتراط المبادرة ) وهي : اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عددٍ معيّنٍ من مقدار رشقٍ معيّن مع تساويهما في الرشق كخمسة من عشرين. ( والمحاطّة ) وهي : اشتراط استحقاقه لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتركا فيه.

( تردّد ) ينشأ من الأصل ، وانتفاء الدليل عليه ؛ ومن مخالفة حكم كل منهما لحكم الآخر ، ومثلها موجب لبطلان العقد مع الإهمال وترك التعيين ، لتفاوت الأغراض ؛ فإن من الرماة من يكثر إصابته في الابتداء ويقلّ في الانتهاء ، ومنهم من هو بالعكس ، وهذا خيرة المبسوط والتذكرة والتنقيح والمسالك (٢).

ولا ريب فيه مع انتفاء القرينة من العرف أو العادة على تعيين أحد الأمرين ، ولعلّه فرض المسألة.

وأما معها فالأجود الأوّل ؛ عملاً بالقرينة ، فإنها في حكم التعيين ، وفاقاً للمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه والروضتين (٣).

__________________

(١) الكفاية : ١٣٨.

(٢) المبسوط ٦ : ٢٩٦ ، التذكرة ٢ : ٣٦٢ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٥٧ ، المسالك ١ : ٣٨٤.

(٣) كالتحرير ١ : ٢٦٢ ، والتبصرة : ١٠٣ ، وحكي عن أكثر كتب الفاضل في المهذّب البارع ٣ : ٨٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ٤ ) : ٤٣١.

٢٥٢

وعليه ففي حمل المطلق على المحاطّة كما هو الأشهر ، أو المبادرة قولان ، ينشئان :

من أن اشتراط السبق إنما يكون لإصابة معيّنة من أصل العدد المشترط في العقد ، وذلك يقتضي إكمال العدد كله ؛ ليكون الإصابة المعيّنة منه. والمبادرة قد لا تفتقر إلى الإكمال ، كما إذا اشترطا رشق عشرين وإصابة خمسة ، فرمى كل واحد عشرة ، فأصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة مثلاً ، فقد نضله صاحب الخمسة ولا يجب عليه الإكمال. بخلاف ما لو شرطا المحاطّة ، فإنهما يتحاطّان في المثال أربعة بأربعة ، ويبقى لصاحب الخمسة واحد ويجب الإكمال ؛ لاحتمال اختصاص كل واحد بإصابة خمسة فيما يبقى.

ومن أن المبادرة هي المتبادر عند إطلاق السبق لمن أصاب عدداً معيّناً ، وعدم وجوب الإكمال مشترك بينهما ، فإنه قد لا يجب الإكمال في المحاطّة على بعض الوجوه ، كما إذا انتفت فائدته للعلم باختصاص المصيب بالمشروط على كل تقدير ، بأن رمى أحدهما في المثال خمسة عشر فأصابها ، ورماها الآخر فأصاب خمسة فإذا تحاطّا خمسة بخمسة بقي للآخر عشرة ، وغاية ما يتّفق مع الإكمال أن يخطئ صاحب العشرة الخمسة ويصيبها الآخر ، فيبقى له فضل خمسة المشروط.

والأقوى الرجوع إلى عادة المتناضلين ، فإن كانت اتّبعت ، وإلاّ بطل العقد من أصله ، وحينئذٍ فلا وجه للاختلاف ، إلاّ أن يوجّه بالاختلاف في فهم القرينة مع الإطلاق ، فبين من حسّنها للدليل الأوّل فاختار مدلوله ، وبين من عكس فاختار ما اختاره.

( ولا يشترط تعيين السهم ولا القوس ) أي شخصهما ، على‌

٢٥٣

المشهور ، بل عن المحقق الثاني الإطباق عليه (١) ، دون النوع ، كالقوس العربي أو المنسوب إلى وضع خاص ، فيشترط تعيينه ؛ استناداً فيه إلى اختلاف الرمي باختلافه ، وفي الأوّل إلى عدم الفائدة في التعيين بعد تعيين النوع ، وأدائه إلى التضيق بعروض مانع من المعين مُحْوِجٍ لإبداله ، بل قيل : إنه لو عيّنه لم يتعيّن وجاز الإبدال وفسد الشرط (٢). وفيه نظر.

وعن جماعة (٣) أنه لا يشترط تعيين السهم ؛ لعدم الاختلاف الفاحش الموجب لاختلاف الرمي ، بخلاف القوس ، وأنه لو لم يعيّن نوعهما انصرف إلى الأغلب في العادة.

ولا يخلو عن قوة ؛ لجريانه مجرى التقييد اللفظي ، فإن اضطربت وجب التعيين ، فإن لم يعيّن فسد العقد ، للغرر.

( وتجوز المناضلة على الإصابة ) للغرض مع الشرائط المتقدمة.

( و ) كذا تجوز معها ( على التباعد ) بأن يرميا من موضع معيّن إلى آخر كذلك ويشترطا أن من بَعُد سهمه عن الآخر فله السبق ، بلا خلاف فيه في الظاهر ، بل قيل : كأنه مجمع عليه. والمستند فيه بعده الأصل ، وعموم الأدلّة ، مع سلامتهما هنا عن المعارض بالكلية.

( ولو فضل أحدهما ) على ( الآخر ) في عدد الإصابة ( فقال : اطرح الفضل بكذا ) وكذا درهماً مثلاً ( لم تصح ؛ لأنه منافٍ للغرض من النضال ) ومُفَوّتٍ له ، أو مخالف لوضعه ، فإن المقصود منه إبانة حذق الرامي أو ظهور اجتهاده ، فلو طرح الفضل بعوض كان تركاً للمقصود به ، فتبطل‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٨ : ٣٥٥.

(٢) جامع المقاصد ٨ : ٣٥٥.

(٣) حكاه عنهم الشهيد في الروضة البهية ٤ : ٤٣١.

٢٥٤

المعاوضة ويردّ ما أخذه.

ولا خلاف فيه ، كما في المسالك (١) ، إلاّ من ظاهر الماتن في الشرائع (٢) ، حيث نسب الحكم إلى القيل المشعر بالتوقف أو التمريض.

قيل : ووجهه أنه جعل على عمل محلّل ، ومنع كون المقصود بالنضال منحصراً فيما ذكر ؛ لجواز أن يقصد به كسب المال ، فإذا حصل بالسبق أمكن تحصيله بمقدّماته ؛ مضافاً إلى أصالة الصحة ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد والشرط ، ومنافاته للمشروع غير معلومة (٣). وهذا أوجه إن لم يكن الإجماع على خلافه انعقد.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٨٦.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٤٠.

(٣) المسالك ١ : ٣٨٦.

٢٥٥
٢٥٦

( كتاب الوصايا )

وهي : جمع وصيّة من وصى يصي ، أو أوصى يُوصي ، أو وصّى يوصّي. وأصلها الوصل ، سمّيت به لما فيها من وصلة التصرف في حال الحياة به بعد الوفاة.

والأصل في شرعيّتها بعد إجماع المسلمين عليها كافّة ، كما في المهذّب وغيره (١) الآيات المتكاثرة :

قال سبحانه ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ ) (٢) الآية.

والسنة بها مع ذلك متواترة من طرق الخاصة والعامة ، يأتي إلى جملة منها الإشارة.

مضافاً إلى ما ورد في فضلها من المعتبرة المستفيضة بل المتواترة.

في جملة منها مستفيضة : أنها حقّ على كلّ مسلم (٣).

وفي اخرى كذلك : « من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصاً في مروءته وعقله » (٤) كما في بعضها.

وفي آخر : « ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه » (٥).

__________________

(١) المهذب البارع ٣ : ٩٥ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٤٥٢.

(٢) البقرة : ١٨٠.

(٣) انظر الوسائل ١٩ : ٢٥٧ أبواب أحكام الوصايا ب ١.

(٤) الكافي ٧ : ٢ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٣٨ / ٤٨٢ ، التهذيب ٩ : ١٧٤ / ٧١١ ، الوسائل ١٩ : ٢٦٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٣ ح ١.

(٥) المقنعة : ٦٦٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٨ أبواب أحكام الوصايا ب ١ ح ٧.

٢٥٧

وفي ثالث : « من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية » (١).

وفي رابع : « من أوصى ولم يَحِفْ ولم يضارّ كان كمن تصدّق به في حياته » (٢).

وفي خامس : « من أوصى بالثلث احتسب له من زكاته » (٣).

وظاهر الأخبار الأوّلة الوجوب ، وحملت على تأكّد الفضيلة ، أو الوصية بالأُمور الواجبة ، كالحج والخمس والزكاة المفروضة.

وللحمل الأوّل شواهد من المعتبرة :

( وهو ) أي الكتاب ( يستدعي فصولاً : )

( الأوّل : الوصية ) لغة : ما مرّ إليه الإشارة ، وشرعاً : ( تمليك عين أو منفعة ) فالتمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر التصرفات المملّكة من البيع والوقف والهبة ، وفي ذكر العين والمنفعة تنبيه على متعلق الوصية.

ويندرج في العين الموجود منها بالفعل ، كالشجرة ، وبالقوة ، كالثمرة المتجدّدة ، وفي المنفعة المؤبّدة منها والموقّتة والمطلقة.

واقتصر على ما في العبارة جماعة منهم الماتن في الشرائع وغيره (٤).

ولمّا كان منتقضاً في عكسه بالوصية إلى الغير بإنفاذ الوصية ، وبالولاية على الأطفال والمجانين الذين تجوز له الوصية عليهم ، زاد الماتن هنا والشهيد في اللمعة (٥) ( أو تسليط على تصرّفٍ بعد الوفاة ).

__________________

(١) المقنعة : ٦٦٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٥٩ أبواب أحكام الوصايا ب ١ ح ٨.

(٢) الكافي ٧ : ٦٢ / ١٨ ، الفقيه ٤ : ١٣٤ / ٤٦٥ ، الوسائل ١٩ : ٢٦٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٥٨ / ٤ ، الوسائل ١٩ : ٢٦٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٢ ح ٣.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٤٣ ؛ وانظر التحرير ١ : ٢٩١.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ١١.

٢٥٨

ويخرج بالقيد الهبة وغيرها من التصرفات المنجّزة في الحياة ، المتعلّقة بالعين أو المنفعة ، والوكالة ؛ لأنها تسليط على التصرّف في الحياة.

وربما يذبّ عن النقض بجعل الوصية خارجة عن الوصاية قسيمة لها ، فلا يحتاج إلى إدراجها فيها بهذه الزيادة ، حتى إن الشهيد في الدروس عنون لكل من القسمين كتاباً على حدة (١).

وزاد في الكفاية زيادة أُخرى هي هذه : أو فكّ ملك بعد الوفاة (٢) ؛ هرباً ممّا يرد عليه من انتقاض عكسه أيضاً بالوصية بالعتق ، فإنه فكّ ملكٍ ، والتدبير ، فإنه وصية به عند الأكثر ، والوصية بإبراء المديون ووقف المسجد ، فإنه فكّ ملك ، والوصية بالمضاربة والمساقاة ، فإنهما وإن أفادا ملك العامل الحصّة من الربح والثمرة إن ظهر إلاّ أن حقيقتهما ليست كذلك ، وقد لا يحصل ربح ولا ثمرة فينتفي التمليك ، كذا في المسالك والروضة (٣).

وعند الأحقر في زيادتها لما ذكره مناقشة ، يظهر وجهها بملاحظة الزيادة بما في العبارة.

( و ) كيف كان ( تفتقر ) الوصية ( إلى الإيجاب ) إجماعاً ( والقبول ) بلا خلاف أجده في ثبوته في الجملة ، بل عليه الإجماع في الغنية (٤) ، وإطلاقه كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة يقتضي اشتراطه مطلقاً ، ولو كانت الوصية لغير معيّن ، أو في جهة عامة.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٩٥ ، ٣٢١.

(٢) الكفاية : ١٤٥.

(٣) المسالك ١ : ٣٨٦ ، الروضة البهية ٥ : ١١.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

٢٥٩

خلافاً لجماعة من المتأخّرين ، كالمختلف والمسالك وغيرهما (١) فيهما ، فلم يشترطوه هنا ؛ لما مرّ في الوقف (٢) : من تعذّره من الجميع ، واستلزام الاكتفاء به من البعض الترجيح من غير مرجّح.

ويضعّف بما مر ثمة : من عدم استلزام تعذّر القبول منهم عدم اعتبار أصله ؛ لجواز قبول الناظر في تلك المصلحة أو حاكم الشريعة.

وهذا أوجه إن لم يكن الإجماع على خلافه ، كما يستفاد من الروضة (٣) ، لكن يبقى الإشكال في الدليل على اشتراط القبول من أصله ، ولم أقف عليه سوى الإجماع ، وهو غير تامّ في محلّ النزاع ، وإجماع الغنية غير ظاهر الشمول لهذه الصورة.

فينبغي الرجوع إلى الإطلاقات بنفوذ الوصية من الكتاب والسنة ، ومقتضاها عدم اشتراطه بالكلّية ، خرج منها الصورة المجمع عليها ، وبقي الصورة المفروضة تحتها مندرجة. لكن التمسك بمثل هذه الإطلاقات الواردة في بيان سائر أحكام الوصية دون خصوص الحكم في المسألة لا يخلو عن مناقشة ، سيّما مع وهنها بتقييدها بشرائط كثيرة ومنها اشتراط القبول ولو في الجملة ، وظهور كلام هؤلاء الجماعة في عدم استنادهم فيما ذهبوا إليه من عدم الاشتراط في المسألة إليها بالكلّية ، حيث اتّفقت كلماتهم على أخذهم الحجّة له ما مرّ من العلّة : من تعذر القبول في هذه الصورة لا غيره ، وهو مشعر بل لعله ظاهر في أنه لولا هذه العلّة لما كان لهم عن القول بالاشتراط مطلقاً مسرح ولا مندوحة ، وهذا يعرب عن قوّة الداعي‌

__________________

(١) المختلف : ٤٩٩ ، المسالك ١ : ٣٨٦ ؛ وانظر الكفاية : ١٤٥.

(٢) راجع ص : ٩٣.

(٣) الروضة البهية ٥ : ٢٠.

٢٦٠