رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

حال الوصية ، أو على التعاقب ، بأن تلد الأوّل في أقلّ من ستّة أشهر من حين الوصية والثاني في أقلّ منها من حين الولادة ، كما صرّح به في التذكرة ، قال : وإن زاد ما بين الثاني والوصية على ستة أشهر وكانت المرأة فراشاً ؛ لأنهما حمل واحد إجماعاً (١).

( و ) تصحّ أيضاً ( للذمّي ) الملتزم بشرائط الذمّة مطلقاً ( ولو كان ) من الموصي ( أجنبيّا ) غير ذي رحم ، على الأقوى ، وفاقاً للمفيد والخلاف والحلّي والفاضلين والشهيدين وغيرهما (٢) ، واختاره في الغنية لكن في الأقارب خاصّة ، مدّعياً عليه إجماع الإمامية (٣) وعن ظاهر الخلاف أن على الصحة لهم مطلقاً إجماع العلماء كافة (٤) ؛ وهو الحجة ، كإجماع الطبرسي المتقدّم في كتاب الوقف إليه الإشارة بجواز البرّ إلى الكفار مطلقاً (٥) ، وهو يشمل الوصية لأهل الذمة مطلقاً ولو كانوا أجانب ، فتكون الحجة على العموم لهم ، المؤيدة بإطلاقات الكتاب والسنة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة ، منها الصحيحان : في رجل أوصى بماله في سبيل الله تعالى ، قال : « أعطوا لمن أوصى له وإن كان يهوديّاً أو نصرانياً ، إنّ الله تعالى يقول ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٦) » (٧) الآية.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦١.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٧١ ، الخلاف ٢ : ٩٨ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٩٧ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢٥٣ ، العلامة في التذكرة ٢ : ٤٦٤ ، الشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٥ : ٥١ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥١٩ ، والكفاية : ١٤٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

(٤) الخلاف ٢ : ٩٨.

(٥) راجع ص : ١٣٥.

(٦) البقرة : ١٨١.

(٧) الكافي ٧ : ١٤ / ١ ، ٢ ، الفقيه ٤ : ١٤٨ / ٥١٤ ، التهذيب ٩ : ٢٠١ / ٨٠٤ ،

٢٨١

وأظهر منهما الصحيح : إن أُختي أوصت بوصية لقوم نصارى ، وأردتُ أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين ، فقال : « أمض الوصية على ما أوصت به ، قال الله تعالى ( فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) » (١) وقريب منه الرابع (٢).

وما يجاب عن هذه النصوص أوّلاً : بأن غايتها الدلالة على لزوم إنفاذ الوصية ، وهو غير المدّعى من كون الوصية لهم جائزة.

وثانياً : بمعارضتها بالآيات الناهية عن المودّة إلى الكفّار (٣) ومنها الوصية لهم بلا شبهة ، وفي معناها غيرها من النصوص المروية في الكافي في باب النهي عن إطعام الكافر ، وفي غيره أيضاً ، منها : « من أشبع مؤمناً وجبت له الجنة ، ومن أشبع كافراً كان حقّا على الله تعالى أن يملأ جوفه من الزقوم » (٤).

فالمناقشة فيه واضحة ؛ لاندفاع الأوّل : بأن المدّعى صحة الوصية لهم لا الجواز وعدمه ؛ مضافاً إلى الإجماع في الظاهر على التلازم بين الأمرين.

والثاني : بما مرّ في الوقف (٥) ، مع ضعف النصوص ، ومخالفتها كالآيات للإجماع في الظاهر على جواز المبرّة إلى الكفار في حال الحياة ،

__________________

٢٠٣ / ٨٠٨ ، الإستبصار ٤ : ١٢٨ / ٤٨٤ ، ١٢٩ / ٤٨٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٧ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٢ ح ١.

(١) الكافي ٧ : ١٦ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٢٠٢ / ٨٠٦ ، الإستبصار ٤ : ١٢٩ / ٤٨٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٤٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٤٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٥ ح ٦ ، نقله عن كتاب غياث سلطان الورى.

(٣) المجادلة : ٢٢ ، الممتحنة : ١.

(٤) الكافي ٢ : ٢٠٠ / ١ ، الوسائل ٢٤ : ٢٧٣ أبواب آداب المائدة ب ١٩ ح ١.

(٥) راجع ص : ١٣٨.

٢٨٢

كما مرّ عن الطبرسي (١) ويظهر أيضاً من كلمات القوم في المسألة ، هذا.

مع تأيّد الصحة ولو في الأقارب خاصّة بفحوى ما قدّمناه في الوقف من صحته عليهم ؛ لاستلزام الصحة ثمة إيّاها هنا بطريق أولى ، لاشتراطه بالقربة دون الوصية.

فلا ريب في الجواز في المسألة ( و ) إن حكي ( فيه أقوال ) أُخر أنهاها في التنقيح إلى سبعة (٢) ، لا دليل على شي‌ء منها سوى القول بالمنع مطلقاً ، فقد استدلّ له بما مضى ، والجواب ما قدّمناه.

( ولا تصحّ للحربي ) على الأظهر الأشهر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر ، إلاّ الشهيد الثاني (٣) وفاقاً لبعض القدماء كالمفيد والحلّي (٤).

وحجّتنا بعد الإجماع في الأجانب المستفاد من المحكي عن ظاهر المبسوط حيث قال : وممّن لا تصحّ له الوصية عندنا الكافر الذي لا رحم له من الميت (٥) الآيات الناهية عن المودّة إليهم ، السليمة في المقام عن المعارض بالكلية سوى إجماع الطبرسي المتقدّم الدالّ على جواز المبرّة لأهل الحرب ، إلاّ أنه مع عدم مكافأته لهذا الإجماع من حيث اعتضاده بالشهرة العظيمة دونه عام وهذا خاص فليقدّم.

وإطلاقات الكتاب والسنّة ، وهي بما قدّمناه مخصّصة ؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدمة دونها ، مع كونها في الدلالة غير صريحة بل ولا ظاهرة ، سيّما السنة ؛ فإن احتمال الإجمال فيها بالإضافة إلى‌

__________________

(١) راجع ص : ١٣٥.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٣٧٠.

(٣) المسالك ١ : ٤٠٧.

(٤) المفيد في المقنعة : ٦٧١ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٨٦.

(٥) المبسوط ٤ : ٤.

٢٨٣

ما نحن فيه قائم بلا شبهة ، ولذا لم نتّخذها فيما مضى حجّة ، بل جُعلت مؤيّدة.

مع إمكان الاستدلال للمنع بالأخبار السابقة من حيث عطفها اليهودي والنصراني ب « إن » الوصليّة الدالّة على أنهما أخفى الأفراد مع أنّ الحربي أخفى بلا شبهة ، فكان ذكره أولى.

ولا يعارضه الاستدلال فيها للنفوذ بآية الوصية الشاملة للوصية لهم ؛ لاختصاصها بالإجماع بالوصايا المحلّلة دون المحرّمة ، وكون الوصية لهم من الاولى دون الثانية محلّ ريبة لو لم نقل بكونها على العكس ؛ لما مضى من الأدلة.

وأمّا ما يقال من شمول اليهودي والنصراني فيها للحربي لأعمّيتهما منه وشمولهما له حيث لا يلتزم بشرائط الذمّة.

فمنظور فيه ؛ إذ لا عموم فيهما ، لكونهما نكرتين في سياق الإثبات لا عموم فيهما لغةً ، بل مطلقان ينصرفان بحكم التبادر إلى الملتزم منهما بشرائط الذمّة ، ولذا يقابلان في إطلاق الفتاوى والنصوص بالحربي مع أنه أحد أقسامهما على بعض الوجوه ، كما ذكره ، وليس ذلك إلاّ لما ذكرناه : من ظهور اللفظتين في الملتزم بالشرائط خاصّة ، هذا.

مضافاً إلى الأصل المتقدم في اشتراط القبول : من عدم الانتقال وتوقفه على الدليل. وهو مفقود في هذا المجال ؛ لما عرفت ، ولأن الوصية تمليك للعين أو المنفعة للموصى له ، وصحتها هنا فرع قابلية الحربي للتمليك له ، وهي غير معلومة ، سيّما مع ما ذكروه : من أنّ أمواله في‌ء للمسلمين لهم أخذها بعد الاستيلاء عليها.

وبما ذكرنا استدل على المنع هنا وفي الوقف له جماعة من‌

٢٨٤

أصحابنا (١) فقالوا : ولأن مال الحربي في‌ء للمسلمين ، فلا يجب دفعه إليه ؛ لأنه غير مالك ، فلو جازت الوصية لهم لكان إمّا أن يجب على الوصي دفعه إليه وهو باطل ، لما تقدّم ، أو لا يجب وهو المطلوب ، إذ لا معنى لبطلان الوصية إلاّ عدم وجوب تسليمها إلى الموصى له.

وأما ما اعترضه به في المسالك بأن فيه منع استلزام عدم وجوب الدفع للوصية بطلانها ، لأن معنى صحتها ثبوت الملك إذا قَبِله ، فيصير حينئذٍ ملكاً من أملاكه يلزمه حكمه ، ومن حكمه جواز أخذ المسلم له ، فإذا حكمنا بصحة وصيته وقبضه الوصي ثم استولى عليه من جهة أنه مال الحربي لم يكن منافياً لصحّة الوصية ، وكذا لو منعه الوارث لذلك ، وإن اعترفوا بصحة الوصية. وتظهر الفائدة في جواز استيلاء الوصي على الموصى به للحربي فيختصّ به دون الورثة ، وكذا لو استولى عليه بعضهم دون بعض حيث لم يكن في أيديهم ابتداءً ، ولو حكمنا بالبطلان لم يتأتّ هذا ، بل يكون الموصى به من جملة التركة لا يختصّ بأحدٍ من الورثة (٢).

فإنه عجيب ، فإن بناء المستدل على ثبوت عدم ملكيّته ، وعليه بنى الملازمة التي أنكرها. وحاصلها حينئذٍ أن عدم وجوب تسليمها إليه من جهة عدم المالكية كما فرض في صدر العبارة يستلزم بطلان الوصية ؛ لأنّها كما عرفت تمليك عين أو منفعة ، وحينئذٍ فكيف يمكنه دعوى صيرورة الموصى به من أملاكه يترتب عليه ما ذكره.

لكن الشأن في إثبات عدم الملكية. وإباحة ما في يده للمسلمين أعمّ‌

__________________

(١) انظر التذكرة ٢ : ٤٦٤ ، والإيضاح ٢ : ٤٨٧ ، والروضة ٥ : ٥٣ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ٢٠٩ ، والحدائق ٢٢ : ٥٢٦.

(٢) المسالك ١ : ٤٠٧.

٢٨٥

منه ، إلاّ أن الشك في ثبوتها كافٍ بلا شبهة ، لاستلزامه الشك في مثل كون الوصية له وصية ، ومعه لا يُوجد ما يدل على الصحة لا من إجماع ولا كتاب ولا سنة.

ولعلّه لما ذكرنا فهم الماتن كغيره من الجماعة من إطلاق عبائر المجوّزين للوصية للكفّار مطلقاً أو في الجملة خصوص أهل الذمة الذين لهم قابلية التملّك دون أهل الحرب ، فيندفع عنه ما اعترضه به في التنقيح : من عدم اختصاص الأقوال المشار إليها في كلامه بأهل الذمة ، كما هو ظاهر العبارة ، بل شمل كثير من إطلاق عبائر أربابها أهل الحرب أيضاً (١).

( ولا ) تصح أيضاً ( لمملوك غير الموصي مطلقاً ولو كان مُدَبَّراً أو أُمّ ولد ) أو مكاتَباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ شيئاً ، إجماعاً في الجميع ، كما في ظاهر المهذب وصريح التذكرة والتنقيح (٢) ، لكنه خصّه بالقنّ وأُمّ الولد ، وحكى الخلاف في المُدبَّر والمكاتَب عن المفيد والديلمي ، حيث جوّزا الوصية لهما ، خلافاً للمبسوط وابن حمزة والحلّي ، فقالوا بالمنع ، وجعله في الأوّل أشبه ، كما هو المشهور بين المتأخّرين ، وقوّى الجواز في الثاني وفاقاً للشهيدين (٣).

ولم أقف على من نقل الخلاف عنهما في شي‌ء من كتب أصحابنا.

نعم ، في المختلف والمهذب (٤) حكى الخلاف عن المبسوط وابن حمزة في الوصية لعبد الوارث ، حيث جوّزاه.

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٣٧١.

(٢) المهذب ٣ : ١٠٢ ، التذكرة ٢ : ٤٦١ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٧٢.

(٣) الشهيد الأوّل في الدورس ٢ : ٣٠٧ ، الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٢٦.

(٤) المختلف : ٥١١ ، المهذب ٣ : ١٠٢.

٢٨٦

وهذا الخلاف كسابقه لو صحّ النقل شاذّ ، بل على فساد الأوّل ادّعي الإجماع في التذكرة (١) ، إلاّ ما اختاره الشهيدان من الجواز في المكاتَب ، فقد مال إليه غيرهما (٢).

والأصحّ المنع مطلقاً ؛ للإجماع الذي مضى ، مضافاً إلى المختار من عدم مالكية العبد مطلقاً ، كما قدّمنا ، وبهذا استدل في التذكرة بعد أن نسب هذا القول إلى أصحابنا مشعراً بكونه لهم في ذلك مستنداً ، فيستشعر منه الإجماع على عدم المالكية مطلقاً ، كما في بحثه قد قدّمنا.

ولنا على المختار هنا الصحيح أيضاً : « في مكاتب كانت تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة ، فقال أهل الميراث : لا نجيز وصيتها إنه مكاتَب لم يعتق ولا يرث ، فقضى أنه يرث بحساب ما أُعتق منه ، ويجوز له من الوصية بحساب ما أُعتق منه ، وقضى في مكاتَب أوصي له بوصية وقد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصية ، وقضى في مكاتَب قضى ربع ما عليه فاوصي له بوصية فأجاز ربع الوصية » (٣) الحديث.

ووجوه الدلالة فيه واضحة ، ومنها تقريره عليه‌السلام لما فهمته الورثة من دون إشكال فيما فهموه عندهم ولا ريبة : من عدم صحة الوصية لمملوك لم يُعتق.

والسند في أعلى درجة من الصحة ؛ لعدم اشتراك محمد بن قيس الراوي للقضايا ، مع كون الراوي عنه عاصم بن حميد ، وهما قرينتان‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦٣.

(٢) انظر جامع المقاصد ١٠ : ٤٥.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٦٠ / ٥٥٨ ، التهذيب ٩ : ٢٢٣ / ٨٧٤ ، الوسائل ١٩ : ٤١٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٠ ح ١.

٢٨٧

واضحتان على كونه البجلي الثقة ، كما يظهر من كتب الرجال ، وصرّح به جماعة (١) ، وإبراهيم بن هاشم ثقة على الأقوى ، وفاقاً لجماعة من أصحابنا (٢).

فما ذكره الشهيد الثاني تبعاً للمحقق الثاني (٣) كما حكي من ضعف الرواية بالاشتراك ضعيف غايته ، فيضعف مختارهما ومستندهما من انقطاع سلطنة المولى عنه ، ومن ثمّ جاز اكتسابه ، وقبول الوصية نوع منها ؛ فإنه اجتهاد في مقابلة النص الصحيح في نفسه ، المعتضد بالشهرة المحقّقة والمحكيّة في المختلف وغيره (٤) ، وبالإجماع المحكي في التذكرة (٥) ، مع تأيّد ما له بإطلاق الرواية : « لا وصية لمملوك » (٦) وقصور السند كالدلالة مجبور بعمل الطائفة وفهمها منها ما يمكن معه أخذها حجة وإن كانت بحسب الظاهر مجملة.

ومن الصحيحة يستفاد المستند في قوله : ( نعم لو أوصى لمُكاتَب ) الغير و ( قد تحرّر بعضه مضت الوصية في قدر نصيبه من الحريّة ) وكذا لو كان بعضه محرّراً من غير جهة الكتابة ، وبالإجماع عليه بالخصوص صرّح في التذكرة (٧).

__________________

(١) انظر رجال النجاشي : ٣٢٣ / ٨٨١ ، ورجال العلامة : ١٥٠ ، والحدائق ٢٢ : ٥٢٨.

(٢) انظر فلاح السائل للسيّد ابن طاوس : ١٥٨ ، ومقدّمة كامل الزيارة : ٤ ، ومقدّمة تفسير القمي : ٤.

(٣) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٠٨ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٠ : ٤٥.

(٤) المختلف : ٥١٣ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥٢٧.

(٥) التذكرة ٢ : ٤٦١.

(٦) التهذيب ٩ : ٢١٦ / ٨٥٢ ، الإستبصار ٤ : ١٣٤ / ٥٠٦ ، الوسائل ١٩ : ٤١٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٩ ح ٣.

(٧) التذكرة ٢ : ٤٦١ ، ٤٦٢.

٢٨٨

ويأتي في الأول خلاف الشهيدين الذي مضى (١) ، بل بطريق أولى.

وأما القول بالمنع عن الوصية للمكاتب مطلقاً ولو تحرّر بعضاً فضعيف جدّاً غير واضح المُستند أصلاً ، وإن حكاه في التنقيح (٢) عن الشيخ وابن حمزة والحلّي قولاً ، مع كونه بنقل الخلاف عنهم متفرّداً.

( وتصحّ لعبد الموصي ومُدَبَّره ومكاتَبه ) مطلقاً ( وأُمّ ولده ) بلا خلاف في الظاهر ، وصرّح به في التنقيح والمسالك (٣) ، بل صرّح بالإجماع في الجميع في المهذب وعن المحقق الثاني (٤) ، وحكى التصريح به في الأوّل عن فخر الدين (٥) والصيمري ، وفي الأخير الفاضل في التذكرة (٦) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في أُمّ الولد وغيرها ما ذكره في الكفاية (٧) من الصحيحين ، في أحدهما : رجل أوصى بثلث ماله لمواليه ولموالياته ، الذكر والأُنثى فيه سواء أو للذكر مثل حظّ الأُنثيين من الوصية؟ فوقّع عليه‌السلام : « جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء الله تعالى » (٨).

وفي الثاني : رجل أوصى لمواليه وموالي أبيه بثلث ماله فلم يبلغ‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٨٣.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٣٧٢.

(٣) التنقيح ٢ : ٣٧٢ ، المسالك ١ : ٤٠٨.

(٤) المهذب ٣ : ١٠٢ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٠ : ٤٨.

(٥) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٨٥.

(٦) التذكرة ٢ : ٤٦٣.

(٧) الكفاية : ١٤٧.

(٨) الكافي ٧ : ٤٥ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٥٥ / ٥٣٧ ، التهذيب ٩ : ٢١٥ / ٨٤٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٣ ح ١.

٢٨٩

ذلك ، قال : « المال لمواليه وسقط موالي أبيه » (١) ونحوهما غيرهما (٢).

وفي الاستدلال بها مناقشة ؛ لاشتراك لفظ المولى بين العبد وغيره ، فلعلّه المراد دون الأوّل ، ولا قرينة ترجّح إرادته ، بل لعلّ القرينة على خلافه واضحة ، لظهورها في إعطاء الثلث للموصى له بأن يسلّم إليه ، دون أن يُعتق منه بحسابه ، كما ذكره هو تبعاً للأصحاب كافّة ومنهم الماتن هنا حيث قال : ( ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث ، فإن كان بقدر قيمته أُعتق وكان الموصى به للورثة ) إن كان معيّناً ( وإن زاد اعطي العبد الزائد ) كائناً ما كان.

( وإن نقص عن قيمته ) ولم تبلغ ضِعفه عتق منه بحسابه و ( سعى في الباقي ) بلا خلاف في الظاهر ، مصرّح به في الكفاية والمسالك (٣) ، للمعتبرين :

في أحدهما : رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله ، قال : فقال : « يقوّم بقيمة عادلة ثم ينظر في ثلث ماله ، فإن كان أقلّ من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع قيمته ، وإن كان أكثر من قيمة العبد أُعتق ودفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة » (٤).

وفي الثاني المروي عن الفقه الرضوي : « وإن أوصى لمملوكه بثلث‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٤٤ / ٩٤٨ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٩ ح ٢.

(٢) الفقيه ٤ : ١٧٣ / ٦٠٨ ، التهذيب ٩ : ٢١٥ / ٨٤٩ ، الوسائل ١٩ : ٤٠١ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٩ ح ١.

(٣) الكفاية : ١٤٧ ، المسالك ١ : ٤٠٨.

(٤) التهذيب ٩ : ٢١٦ / ٨٥١ ، الإستبصار ٤ : ١٣٤ / ٥٠٥ ، الوسائل ١٩ : ٤١٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٧٩ ح ٢.

٢٩٠

ماله قُوّم المملوك قيمة عادلة ، فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضلة » (١).

وبعينه أفتى والد الصدوق كما هو دأبه ، وزاد بعده : ثم أُعتق ، وإن كانت قيمته أقل من الثلث اعطي ما فضلت قيمته عليه ثم أُعتق (٢). ولعلّ الزيادة سقطت من النسخة التي حكيت عنها الرواية.

وقصور سندهما لو كان مجبور بالعمل ، مع أن الثاني في حكم القويّ على الأصحّ ، وكذلك الأوّل ، كما سيظهر.

وقصور الدلالة عن إفادة حكم جميع صور المسألة غير ضائر بعد قيام الإجماع المركّب على الظاهر.

وإطلاق الثاني في صورة زيادة القيمة يشمل صورتي بلوغها ضِعف الوصية وعدمه ، ولا خلاف في الحكم في الثانية ، كما تقدّمت إليه الإشارة.

والأولى وإن كانت مختلفاً فيها ، إلاّ أن الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر تبعاً لوالد الصدوق والخلاف والحلبي والحلي (٣) أنها كالثانية ، بل ادّعى عليه الثاني إجماع الفرقة ، وهو حجة أُخرى بعد الرواية ، بل أقوى منها بلا شبهة.

خلافاً للمفيد والنهاية والقاضي وظاهر الديلمي (٤) كما حكي ، فأبطلوا فيها الوصية ، وإلى قولهم أشار بقوله :

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٩ ، المستدرك ١٤ : ٩٩ أبواب أحكام الوصايا ب ١٠ ح ٩ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) كما نقله عنه في المختلف : ٥٠٥.

(٣) الخلاف ٢ : ١٠٣ ، الحلبي في الكافي : ٣٦٥ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٩٨.

(٤) المفيد في المقنعة : ٦٧٦ ، النهاية : ٦١٠ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٠٧ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٤.

٢٩١

( وقيل : إن كانت قيمته ضِعف الوصية بطلت ) واستندوا في ذلك إلى الرواية الأُولى ، فإنها بالمفهوم دالّة على الدعوى ، كما ذكره في نكت الإرشاد شيخنا ، قال : لأنه حكم بالاستسعاء إذا كان الثلث بإزاء ثلاثة أرباع العبد ، وبالعتق وإعطاء ما فضل إن فضل ، وذلك يستلزم العتق إن ساوى ، والاستسعاء إن زاد على ثلاثة أرباعه بطريق أولى ، وعدم الاستسعاء إن نقص عن ثلاثة أرباعه ، وذلك يستلزم بطلان العتق ؛ لأنّ الاستسعاء لازم لعتق بعض العبد في الأكثر ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، فينتفي عتق ذلك البعض ، وظاهر انتفاء عتق الباقي لعدم احتمال المال له.

( وفي ) هذا ( المستند ) كما ترى ( ضعف ) لا من حيث السند ، كما ذكره جماعة (١) ؛ لانجبار ضعف الراوي أوّلاً : برواية الحسن بن محبوب عنه ، وقد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة.

وثانياً : بكونه المستند للأصحاب فيما ذكروه من الحكم في الصورة السابقة ، فلا وجه للقدح فيه بمثل ذلك ، ولا بضعف دلالة المفهوم إن أُريد من حيث المفهوميّة ؛ فإنه مفهوم شرط حجة عند أكثر المحققين.

بل من حيث الدلالة من وجه آخر ، وهو ما ذكره شيخنا في المسالك وغيره (٢) : من أن مفهومه أن الثلث إن لم يكن أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة لا يستسعي في ربع القيمة ، لا أنه لا يستسعي مطلقاً ، وهذا مفهوم صحيح لا يفيد مطلوبهم ، فلا ينافي القول بأنه يستسعي فإن كان أقل بقدر الثلث يستسعي في الثلث ، أو بقدر النصف يستسعي فيه ، وهكذا.

__________________

(١) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٣٧٤ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١٠ : ٤٨ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٢٨.

(٢) المسالك ١ : ٤٠٨ ؛ وانظر الحدائق ٢٢ : ٥٣٤.

٢٩٢

وأيضاً فلو كان المفهوم الذي زعموه صحيحاً لزم منه أنه متى لم يكن الثلث أقل من قيمته بقدر الربع لا يستسعي ، بل تبطل الوصية ، وهذا شامل لما لو كانت القيمة قدر الضعف وأقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر ربع ، فمن أين خصّوا البطلان بما لو كانت قدر الضعف؟

إلاّ أن يقال بذلك حوالةً على ما إذا أعتقه وعليه دين ، فإنه لا ينفذ العتق فيه إلاّ إذا كانت قيمته ضِعف الدين. وهو بعيد.

ثم إن إطلاق العبارة والخبرين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي الوصية له بالثلث المشاع أو المعيّن ، كهذا الدار أو البستان ، ونحو ذلك ، ونسبه في التذكرة (١) إلى أصحابنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، ولو لا مصيره فيها إلى خلافهم من بطلان الوصية في الصورة المفروضة لكان حجة ، بل لا يبعد ، فإنه وإن خالف أوّلاً ، إلاّ أنه تردّد أخيراً معتذراً باتفاق كلمة الأصحاب على عدم الفرق.

وأظهر منه في تحقق الإجماع عبارة المهذّب ، قال بعد نقل الخلاف عن الإسكافي وعنه في المختلف مفتياً وفي القواعد مستشكلاً ـ : وباقي الأصحاب مطبِقون على الصحة من غير تفصيل ، واختاره فخر المحققين ، وكذا العلاّمة جزم بمتابعة الأصحاب في كتاب فتواه ، وهو مذهب الشهيد ، وما أمتن تحقيق المختلف ، لكن متابعة الأصحاب أمتن (٢).

ثم أجاب عن استدلاله بما لا حاجة بنا إلى ذكره ، بل ينبغي الحوالة فيهما إلى ما ذكره هو وغيره كالشهيدين وغيرهما (٣) مما ينبئ عن قصوره ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦٢.

(٢) المهذب البارع ٣ : ١٠٥.

(٣) انظر المسالك ١ : ٤٠٨ ، وجامع المقاصد ١٠ : ٩٤ ، والحدائق ٢٢ : ٥٣٢.

٢٩٣

وعلى تقدير تماميته فاجتهاد في مقابلة الخبرين المعتضدين بعمل العلماء ، المحتمل قويّاً كونه إجماعاً منقولاً ، بل محقّقاً.

( ولو أعتقه عند موته وليس له غيره وعليه دين فإن كان قيمته بقدر الدين مرّتين صحّ العتق ) فيما يخصّه من الثلث بعد الدين ، واستسعى في الخمسة الأسداس الباقية ، ثلاثة منها للديّان والباقي للورثة ( وإلاّ بطل ) بلا خلاف ولا إشكال في الأوّل وأصل صحة العتق في الجملة ؛ للأُصول السليمة فيه عن المعارض بالكلية.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح ، في أحدها وهو طويل : قلت له : رجل ترك عبداً لم يترك مالاً غيره وقيمة العبد ستمائة ودينه خمسمائة ، فأعتقه عند الموت ، كيف يصنع فيه؟ قال : « يباع فيأخذ الغرماء خمسمائة ويأخذ الورثة مائة » إلى أن قال : قلت : وإن كان قيمة العبد ستمائة ودينه أربعمائة؟ قال : « كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة ، ويأخذ الورثة مائتين ، ولا يكون للعبد شي‌ء » قلت : فإن كان قيمة العبد ستمائة ودينه ثلاثمائة؟ قال : فضحك ، قال : « ومن هنا أتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئاً واحداً لم يعلموا السنة ، إذا استوى مال الغرماء أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيته ، وأُجيزت الوصية على وجهها ، فالآن يوقف هذا العبد فيكون نصفه للغرماء ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس » (١).

وفي الثاني : رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين ، قال : « إن كان‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٦ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢١٧ / ٨٥٤ ، الإستبصار ٤ : ٨ / ٢٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٥٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٩ ح ٥.

٢٩٤

قيمة العبد مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه وإلاّ لم يجز » (١) وفي الثالث : « إذا ملك المملوك سدسه استسعى وأُجيز » (٢).

ومنها الموثق : في رجل أعتق مملوكاً له وقد حضره الموت وأشهد له بذلك وقيمته ستمائة درهم ، وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئاً غيره ، قال : « يعتق منه سدسه ، لأنه إنما له ثلاثمائة ، وله السدس من الجميع » (٣).

ويستفاد من صريح الأوّل وظاهر ما عدا الأخير مستند الحكم في الثاني ، وحكي عن الشيخين والقاضي (٤) ، ومال إليه في الكفاية (٥) ، ولا يخلو عن قوة.

خلافاً للفاضل والشهيد الثاني (٦) ، ونسبه إلى أكثر المتأخرين فكالأوّل ؛ التفاتاً إلى الأُصول.

وهو حسن لو قصرت الروايات عن الصحة ، أو لم يجوَّز تخصيص العمومات القطعية بالآحاد ولو كانت صحيحة ، لكنه خلاف التحقيق ، والروايات كما ترى صحيحة عديدة ، ما بين صريحة وظاهرة ، ورجحان‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٧ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٦٦ / ٥٨٠ ، التهذيب ٩ : ٢١٨ / ٨٥٦ ، الإستبصار ٤ : ٧ / ٢٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٥٦ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٩ ح ٦.

(٢) التهذيب ٩ : ١٦٩ / ٦٨٩ ، الإستبصار ٤ : ٨ / ٢٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٥٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٩ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٧ / ٣ بتفاوت يسير ، التهذيب ٩ : ١٦٩ / ٦٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٨ / ٢٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٥٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٩ ح ٤.

(٤) حكاه عنهم في التنقيح ٢ : ٣٧٦ ، وهو في المقنعة : ٦٧٧ ، والنهاية : ٦١٠ ، والمهذَّب ٢ : ١٠٨.

(٥) الكفاية : ١٤٧.

(٦) الفاضل في المختلف : ٥٠٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٠٩.

٢٩٥

الأُصول بالشهرة فرع ثبوتها ، ولم أتحقّقها ولا وقفت على من تصدّى لنقلها عداه في المسالك ، بل إنما حكى الخلاف هنا جماعة (١) عن العلاّمة خاصّة ، ولم أقف على من تبعه غيره وبعض ممن سبقه (٢) ، فلا مسرح عن القول الأوّل ولا مندوحة.

( وفيه ) أي في المقام ( وجه آخر ) بنفوذ العتق من الأصل وسقوط الدين من رأس للحلّي (٣).

وهو ( ضعيف ) لما مرّ في ضعف ما سبقه ، مع ابتنائه على خروج منجّزات المريض من الأصل ، وسيأتي الكلام فيه فيما بعد (٤).

وحيث قد عرفت مخالفة النصوص في المسألة للأُصول المقرّرة يجب الاقتصار فيها على مواردها الظاهرة ، وهو العتق المنجّز لا الوصية ، مع تأيّد تلك الأُصول فيها بالصحيح : في الرجل يقول : إن متّ فعبدي حرّ ، وعلى الرجل دين ، قال : « إن توفّي وعليه دين قد أحاط بثمن العبد بيع العبد ، وإن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعى في قضاء دين مولاه وهو حرّ إذا وفاه » (٥).

ولعلّه لذا اقتصر في العبارة على بيان الحكم في الصورة الأُولى دون الثانية ، مع أنه بهذا التفصيل صرّح في الشرائع (٦). وهو قويّ ، إلاّ أن ظاهر‌

__________________

(١) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٠ : ٢٠٥ ، وانظر المهذب البارع ٣ : ١٠٨ ، والحدائق ٢٢ : ٥٤١.

(٢) انظر جامع المقاصد ١٠ : ٢٠٥.

(٣) السرائر ٣ : ١٩٩.

(٤) انظر ص : ٣٨٤.

(٥) الفقيه ٣ : ٧٠ / ٢٤٠ ، التهذيب ٩ : ٢١٨ / ٨٥٧ ، الإستبصار ٤ : ٩ / ٢٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٥٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٩ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٥٣.

٢٩٦

عبائر الجماعة القائلين بما في العبارة عمومه للصورتين ، ويعضده إطلاق الصحيحة الأخيرة من الصحاح المتقدّمة.

مع قوّة احتمال حمل قوله فيما عداها : أعتقهم عند الموت ، على المعنى الأعم من الإعتاق المنجّز والمعلّق ؛ إذ يصدق عليهما الإعتاق بوجهٍ ، وإن كان المتبادر إلى الذهن الأوّل بقرينة إطلاق الوصية على الإعتاق المذكور في أواخر الصحيحة الأُولى مرّتين ، وسياقها ظاهر غاية الظهور في اتّحاد حكم المنجّز مع الوصية ، كما هو المشهور بين متأخّري الطائفة ، لكنه يتوقّف على جعل هذه القرينة صارفة عن المعنى الحقيقي إلى المجازيّ الأعم من المنجّز والوصية ، وفي تعيّنه إشكال ، إذ كما يحتمل جعلها صارفة إلى المجاز الأعم كذا يمكن صرفها إلى المجاز الأخصّ ، وهو الوصية خاصة.

وبهذا يظهر خروج تلك الصحيحة في المسألة الأُولى عن الحجيّة ؛ لاحتمال ورودها في الوصية خاصّة وتصير بذلك نصّاً في مفروض المسألة.

ويمكن الذبّ عنه باتفاق الطائفة قديماً وحديثاً موافقاً ومخالفاً على عدم احتمالهم لهذا الاحتمال فيها وإن اختلفوا في فهم الحقيقي منها خاصّة ، كما يفهم من الشهيد الثاني (١) ، أو الأعمّ منه ومن الوصية ، كما هو ظاهر هؤلاء الجماعة ، وهو الظاهر بعد ذلك ، لضعف الأوّل بلا شبهة.

وكيف كان ، يستفاد من الرواية التعدية إلى الوصية ، فلا يخلو عن قوة.

مع أن ظواهر الصحاح على تقدير اختصاصها بالعتق المنجّز تشمل‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٠٨.

٢٩٧

الوصية بالأولوية ؛ فإن بطلان العتق المنجّز على تقدير قصور القيمة عن ضِعف الدين مع قوّة المنجّز لكونه تصرّفاً من المالك في ماله والخلاف في نفوذه من الأصل وعدمه ، يقتضي بطلانه في الأضعف وهو الوصية بطريق أولى.

وأما الصحيحة المعارضة فغايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالروايات السابقة ، بأن تحمل على كون الدين نصف القيمة ، بناءً على ما عرفت من عموم بعضها بل جميعها للحكم في الوصية.

مع احتماله الحمل على التقية ؛ لأن الإطلاق مذهب العامة في تلك الأزمنة ، كما يستفاد من سياق الصحيحة الأُولى ، وإلى احتمال هذا الحمل أشار خالي العلاّمة المجلسي طاب رمسه في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية.

( ولو أوصى لأُمّ ولده صحّ ) بلا خلاف كما في التذكرة والمسالك وغيرهما من كتب الجماعة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى النصوص الآتية.

( وهل تعتق من الوصية؟ ) كما عن الحلّي والفاضل في الإرشاد والتحرير والقواعد ونسبه في المهذب (٢) إلى الشهرة ؛ بناءً على أن الإرث مؤخّر عنها وعن الدين بنص الآية ، فلا يحكم لولدها بشي‌ء حتى يحكم لها بالوصية.

( أو من نصيب الولد؟ ) كما عن النهاية وفي المختلف ونكت‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦٣ ، المسالك ١ : ٤٠٩ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٢ : ٤٨٨ ، وجامع المقاصد ١٠ : ٥٤ ، مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٢٩.

(٢) الحلي في السرائر ٣ : ١٩٧ ، الإرشاد ١ : ٤٥٨ ، التحرير ١ : ٣٠١ ، القواعد ١ : ٢٩٣ ، المهذب ٣ : ١٠٩.

٢٩٨

الإرشاد واللمعة (١) ؛ بناءً على أن التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث وإن لم يستقرّ لهم إلاّ بعد الأمرين ، وأن نفوذ الوصية يتوقف على وصول التركة إلى الوارث وملك الوارث لا يتوقف على شي‌ء ؛ ولما في كتاب العباس : من أنها تعتق من نصيب ولدها ويعطى لها الوصية ، ونقلت هذه الرواية في ذيل الصحيحة الآتية.

( قولان ) مشهوران.

وعلى الثاني ( فإن أُعتِقَت من نصيب الولد كان لها الوصية ) وظاهر الماتن هنا وفي الشرائع (٢) في هذا البحث التردّد ، وحكي عنه المصير إلى الثاني في نكت النهاية (٣) ، وإلى الأوّل في بحث الاستيلاد من الشرائع (٤).

وهنا مذهبان آخران : أحدهما للإسكافي (٥) ، وهو التخيير بين الأمرين. ولا وجه له.

والثاني : ما نسب في المختلف والتذكرة ونكت الإرشاد إلى الصدوق (٦) ، وحكاه في المهذب (٧) مذهباً ولم يصرّح بقائله ( و ) هو ما ( في رواية ) صحيحة مروية في الكتب الثلاثة : عن رجل كانت له أُمّ ولدٍ وله منها غلام ، فلمّا حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو بأكثر ، للورثة أن يسترقّوها؟ قال : فقال : « لا ، بل ( تعتق من الثلث ولها الوصية ) » وفي‌

__________________

(١) النهاية : ٦١١ ، المختلف : ٥٠٧ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٢٧.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٥٤.

(٣) نكت النهاية ٣ : ١٥١.

(٤) الشرائع ٣ : ١٣٩.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٥٠٦.

(٦) المختلف : ٥٠٦ ، التذكرة ٢ : ٤٦٣.

(٧) المهذب البارع ٣ : ١١٠.

٢٩٩

كتاب العباس (١) ؛ إلى آخر ما تقدّم. وبمعناها صحيح آخر (٢) وغيره (٣).

وظاهر المتأخّرين الإعراض عنها ، ولعلّه لمخالفتها الأُصول المتقدّمة المتّفقة على عتقها من غير الثلث وإن اختلفت في تعيينه ، واختلفوا في تأويلها ، فبين من حملها على صورة عتقها في المرض قبل الموت ثم الوصية لها بعده ، وبين من حملها على أن المراد من العتق من الثلث العتق من الوصية وتعطى ما فضل منها على تقدير الزيادة.

قال في التنقيح بعد نقلهما : ليس للفظ الرواية دلالة عليهما ، إلاّ أن يقال : إنما اضطررنا إلى التأويل لانعقاد الإجماع على عدم العمل بهما ، لكنهما صحيحتان ، فاضطررنا إلى حملهما على وجه سائغ (٤).

وظاهره كما ترى الإجماع على طرح الرواية ، وحينئذٍ فلا بُدّ من المصير إلى أحد التأويلين. ولا ريب في رجحان الثاني ؛ لدلالة مقابلتها برواية العباس التي هي في آخرها مذكورة على كون موردهما واحداً ، ولا ريب في أنه في الثانية هي أُمّ الولد التي لم تعتق بالكلية ، فليكن مورد الأُولى أيضاً تلك الجارية ، وحينئذٍ يتعين إرادة الحمل الثاني ، سيّما مع شيوع إطلاق الثلث على الوصية.

ولا ينافيه إطلاق الحكم فيما بعد بأن لها الوصية ؛ لقوة احتمال أن يراد بها ما زاد بعد العتق من الوصية.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٩ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٦٠ / ٥٥٩ ، التهذيب ٩ : ٢٢٤ / ٨٨٠ ، الوسائل ١٩ : ٤١٦ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٢٩ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٦٠ / ٥٦٠ ، التهذيب ٩ : ٢٢٤ / ٨٧٧ ، قرب الإسناد : ١٧٢ ، الوسائل ١٩ : ٤١٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٢ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٩ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٢٢٤ / ٨٧٩ ، الوسائل ١٩ : ٤١٦ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٢ ح ٣.

(٤) التنقيح ٢ : ٣٧٩.

٣٠٠