رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٠

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-112-5
الصفحات: ٤٠٩

مع احتمال أن يكون المراد منه تأكيد الحكم الأوّل من انعتاقها من الثلث ، وهذا إن لم نقل بكونها ظاهراً من الرواية فليس ببعيد كبُعد الحمل الأول بلا شبهة ، فيمكن بملاحظة الإجماع وقرينة المقابلة أخذها للقول الأوّل حجّة ، كما هو ظاهر المفاتيح وصريح الكفاية (١).

فإذاً القول الأوّل في غاية من القوة ، مع اعتضاده بما مرّ عن المهذب من الشهرة المحكية (٢).

والعجب من المسالك حيث جعلها للقول الثاني حجّة ، قال بعد ذكره الحمل الأوّل وما يقرب منه : وكلاهما بعيد ، إلاّ أن الحكم فيها بإعطائها الوصية كافٍ في المطلوب ؛ إذ عتقها حينئذٍ من نصيب ولدها يستفاد من دليل صحيح وبقي ما نقل عن كتاب العباس شاهداً على المدّعى ، وهذا أجود (٣).

وهو كما ترى مندفع بما مضى.

مضافاً إلى أن اكتفاءه بالحكم فيها بإعطاء الوصية بضميمة الدليل الخارجي إنما يصحّ حيث لا تحتمل الرواية كون وجه صرف الوصية إليها انعتاقها تبرّعاً قبل الموت ، وأما إذا احتملته ولو بعيداً كما اعترف به فلا يصحّ بلا شبهة.

ولعله لذا أن الفاضلين المتقدم إليهما الإشارة مع عكوفهما غالباً على تحقيقاته أعرضا عن تحقيقه في هذه الرواية ، وجعلاها للأوّل حجّة ، دون الثاني كما ذكره.

__________________

(١) المفاتيح ٣ : ٢٢٩ ، الكفاية : ١٤٧.

(٢) المهذب البارع ٣ : ١٠٩.

(٣) المسالك ١ : ٤٠٩.

٣٠١

وأمّا شهادة رواية العباس فغير نافعة بعد ما عرفت من عدم قيام دليل على ما ذكره ولا حجّة.

( وإطلاق الوصية ) لجماعة ( يقتضي التسوية ) بينهم في النصيب منها ، ذكوراً كانوا أم إناثاً أم مختلفين ، ورثة كانوا أم غيرهم.

( و ) لا إشكال في شي‌ء من ذلك ولا خلاف ، كما في المسالك وغيره (١) ، إلاّ ( في الوصية لأخواله وأعمامه ) فإن فيه ( رواية بالتفصيل ) (٢) للأخوال الثلث ، وللأعمام الثلثان ( كالميراث ) ذهب إليه الطوسي والقاضي (٣) ، ورواه عن مولانا الباقر عليه‌السلام الإسكافي (٤) ، ولعلّه لهذا نسب هذا القول إليه في المهذب وغيره (٥).

وفيه مناقشة ؛ فإن مجرّد الرواية أعم من الفتوى بلا شبهة.

ونسبه في المسالك (٦) بعد الشيخ إلى جماعة ، ولم أقف عليهم عدا القاضي ، ولكنّه أعرف بالنسبة.

( و ) كيف كان ( الأشبه التسوية ) وفاقاً للحلّي (٧) وعامة متأخّري الطائفة ، وربما يستشعر من الفاضل في التذكرة أن عليه إجماع الإماميّة ، فإنّه قال فيما إذا أوصى لأقاربه وكان له عمّان وخالان : إن الوصية عندنا وعند‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٠٩ ، الحدائق ٢٢ : ٥٤٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٤ / ٥٣٥ ، التهذيب ٩ : ٢١٤ / ٨٤٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٢ ح ١.

(٣) الطوسي في النهاية : ٦١٤ ، القاضي حكاه عنه في المختلف : ٥٠٨.

(٤) كما نقله عنه في المختلف : ٥٠٨.

(٥) المهذب البارع ٣ : ١١١ ؛ جامع المقاصد ١٠ : ٥٦.

(٦) المسالك ١ : ٤٠٩.

(٧) السرائر ٣ : ٢١٠.

٣٠٢

أبي يوسف ومحمد تكون أرباعاً ، وكذا قال فيما إذا أوصى لهم وخلف عمّاً وعمّة وخالاً وخالة (١). ونحوه عبارة الماتن في الشرائع (٢) حيث عزى الرواية إلى المهجورية.

والحجة بعده استواء نسبة الوصية إليهم ، مع انتفاء ما يدلّ على التفضيل في كلام الموصي ، فلا فرق فيه بين الذكر والأُنثى ، ولا بين الأخوال والأعمام وغيرهم.

واختلافهم في استحقاق الإرث خارج بدليل من خارج ، فلا يقاس عليه ما يقتضي التسوية بمجرّده.

والرواية كما عرفت شاذّة فلا عبرة بها ، وإن كانت صحيحة وفي الكتب الثلاثة مروية ؛ فإن الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة ، مع ظهوره من عبارة الماتن والتذكرة أقوى منها بمراتب عديدة.

وأولى منها بالهجر وعدم الحجيّة ما ورد في بعض النصوص القاصرة سنداً بالضعف والمكاتبة : من قسمة الوصية بين أولاد الذكور والإناث على كتاب الله سبحانه (٣) ، مع أنّها غير صريحة في الوصيّة ، بل ولا ظاهرة ، مع عدم نقل قائل بها من الطائفة ، وتصريح المسالك وغيره بعدم الخلاف فيه ، كما مرّ إليه الإشارة ، فلتطرح كسابقتها ، أو تُؤولا بما يؤول إلى الأصل : من كون الوصية لهم على كتاب الله تعالى ، أو نحو ذلك من القرائن المعتبرة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٥.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٥٤.

(٣) الكافي ٧ : ٤٥ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٥٥ / ٥٣٦ ، التهذيب ٩ : ٢١٤ / ٨٤٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٤ ح ٢.

٣٠٣

ثم إن كلّ ذا ( ما لم ينصّ ) الموصي ( على التفضيل ) وأمّا معه فيتبع كيف كان بلا خلاف ، ولو كان المفضّل أُنثى أو خالاً وقلنا بمفضوليّته مع العم ؛ اقتصاراً فيها على المتيقّن من النص وهو صورة الإطلاق ، فيرجع في غيره إلى الأصل الدالّ على وجوب إنفاذ الوصيّة على وجهها من الكتاب والسنة ، وظواهر النصوص ، منها الصحيح : رجل أوصى بثلث ماله لمواليه ولموالياته ، الذكر والأُنثى فيه سواء ، أو للذكر مثل حظّ الأُنثيين من الوصية؟

فوقّع عليه‌السلام : « جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به » (١).

وربما يستشعر من هذه الرواية صحة ما حكم به المشهور في المسألة السابقة ، فتأمّل.

( وإذا أوصى لقرابته ) وأطلق ( فهم المعروفون بنسبه ) مطلقاً ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه كافّة متأخّري أصحابنا تبعاً للمبسوط والخلاف والحلّي والقاضي (٢) ، وعليه في نهج الحق إجماعنا (٣) ؛ عملاً بالعرف ، فإنّه المحكّم فيما لم يرد به تقدير من الشرع.

وربما يومئ إليه الصحيح : ما حدّ القرابة ، يعطى من كان بينه وبينه قرابة ، أو لها حدّ تنتهي إليه؟ رأيك فدتك نفسي ، فكتب عليه‌السلام : « إن لم يسمّ اعطي قرابته » (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٥٥ / ٥٣٧ ، التهذيب ٩ : ٢١٥ / ٨٤٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٩٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٣ ح ١.

(٢) المبسوط ٤ : ٤٠ ، الخلاف ٢ : ٩٦ ، الحلي في السرائر ٣ : ٢١١ ، القاضي في المهذب ٢ : ١١٤.

(٣) نهج الحق : ٥١٧.

(٤) التهذيب ٩ : ٢١٥ / ٨٤٨ ، قرب الإسناد : ٣٨٨ / ١٣٦٢ ، الوسائل ١٩ : ٤٠١ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٨ ح ١.

٣٠٤

( وقيل ) كما في الغنية وعن المفيد والنهاية (١) : إنه ( لمن يتقرّب إليه بآخِرِ أبٍ ) وأُم له ( في الإسلام ) بمعنى الارتقاء بالقرابة من الأدنى إلى ما قبله وهكذا إلى أبعد جدٍّ وجدّةٍ له في الإسلام وفروعهما ، ويحكم للجميع بالقرابة ، ولا يرتقى بآباء الشرك وإن عرفوا بقرابته.

وحجته غير واضحة ، وإن استدل له جماعة (٢) برواية (٣) ضعيفة هي مع ذلك بحسب الدلالة قاصرة من وجوه عديدة ، ولذا رجع عنه الطوسي في الكتابين ، مدّعياً في ثانيهما كالماتن في الشرائع (٤) أنه غير مستند إلى حجة ، وكفاه هذا جواباً عما ذكره في النهاية.

وهنا أقوال أُخر ما بين مخصّصٍ للقرابة بالوارث دون غيره ، ومخصّصٍ لهم بالمحرم من ذوي الأرحام دون غيره كبني الأخوال والأعمام ، وحاصِرٍ لهم بالمتقربين إليه إلى الأب الرابع.

والقائل بها غير معروف عدا الأخير ، فقد نسبه الأصحاب إلى الإسكافي (٥) ، ونسب كلاًّ من الأوّلين في المبسوط إلى قوم (٦) ، ولعلّهم من العامّة ، كما يشعر به آخر عبارته ، وصرّح به الفاضل في نهج الحق (٧) ، فقد نسب الأوّل إلى مالك ، والثاني إلى أبي حنيفة.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، المفيد في المقنعة : ٦٧٥ ، النهاية : ٦١٤.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٨٩ ، التنقيح ٢ : ٣٨٠ ، جامع المقاصد ١٠ : ٥٨.

(٣) نقله في إيضاح الفوائد ٢ : ٤٨٩ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٣٨٠ ، والمسالك ١ : ٤٠٩ ، ولم نجده في مصادر الحديث الخاصة والعامة.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٥٤.

(٥) المختلف : ٥٠٣ ، التنقيح ٢ : ٣٨١ ، المهذّب ٣ : ١١٣ ، جامع المقاصد ١٠ : ٥٨.

(٦) المبسوط ٤ : ٤٠.

(٧) نهج الحق : ٥١٧.

٣٠٥

وهي مع ذلك غير مستندة كسابقها إلى حجّة عدا الأخير ، فقد استند فيه إلى التأسّي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس.

ويضعّف بأن فعله عليه‌السلام ذلك بالخمس لا يدل على نفي القرابة مطلقا عمّا عداه ، فإن ذلك معنى آخر للقربى ، فلا يلزم ذلك في حق غيره حيث يطلق.

ثم على أيّ معنى حمل يعمّ الذكر والأُنثى ، والفقير والغني ، والقريب والبعيد.

ولا فرق بين قوله : أوصيت لأقاربي وقرابتي ، ولذي قرابتي وذي رحمي ؛ لاشتراك الجميع في المعنى.

قيل : وينصرف الوصية إلى الوجود منهم مطلقا ، اتّحد أو تعدّد ، ذكروا في الوصية بصيغة الجمع أو المفرد (١).

وهو حسن إذا أُريد به الموجود في الخارج في مقابلة المعدوم من أصله ، بمعنى أنه لا ينتظر في دفع الوصية إلى الأقارب وجود من يحتمله ، بل يدفع إلى الموجود منهم حال الوصية دون المعدوم حالتها. والوجه فيه ظاهر بعد ما عرفت من اشتراط الوجود في الموصى له (٢).

( ولو أوصى لأهل بيته دخل ) فيهم ( الآباء ) وإن علوا ( والأولاد ) وإن سفلوا ، بلا خلاف ، حتى إن العلاّمة رحمه‌الله في التذكرة فسّرهم بالقرابة فيدخل فيهم الأعمام والأخوال وفروعهما ، وحكاه عن تغلب (٣). وهو الظاهر من الاستعمال في العرف ، كما في المسالك (٤) ، ويعضده استلزام‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٤١٠.

(٢) راجع ص : ٢٧٤.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٧٧.

(٤) المسالك ١ : ٤١٠.

٣٠٦

الاقتصار في التفسير بما في المتن خروج علي عليه‌السلام عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو خلاف الإجماع فتوى ورواية.

وهو قويّ حيث لا يمكن الرجوع إلى عرف بلد الموصي ، ومع الإمكان كان متّبعاً ولو كان أخصّ مما في المتن ، أو كان بالعكس بأن اختصّ بما الحق به في القول الآخر ، وإن بَعُد.

( و ) أمّا ( القول في ) الوصية لـ ( لعشيرة والجيران والسبيل والبرّ والفقراء ) فـ ( كما مرّ في الوقف ) عليهم ، فليطلب تحقيقه من هناك.

( وإذا مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان ) للموصى له من الوصية ( إلى ورثته ) دون ورثة الموصي ( ما لم يرجع الموصي ) فيها ( على الأشهر ) الأظهر.

للصحيح : « من أوصى لأحدٍ شاهداً أو غائباً فتوفّي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي اوصي له ، إلاّ أن يرجع في وصيته قبل موته » (١).

وكذلك إذا مات بعده قبل القبول ؛ لفحواه ، وللخبرين ، أحدهما الحسن ، بل الصحيح كما قيل (٢) : عن رجل اوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها ، ولم يترك عقباً ، فقال : « اطلب له وارثاً أو مولى نعمة فادفعها إليه » (٣) الحديث. وقريب منه الثاني (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٥٦ / ٥٤١ بتفاوت يسير ، التهذيب ٩ : ٢٣٠ / ٩٠٣ ، الإستبصار ٤ : ١٣٧ / ٥١٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٣ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٠ ح ١.

(٢) الحدائق ٢٢ : ٥٥٧.

(٣) الكافي ٧ : ١٣ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٦ / ٥٤٢ ، التهذيب ٩ : ٢٣١ / ٩٠٥ ، الإستبصار ٤ : ١٣٨ / ٥١٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ١٣ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٥٦ / ٥٤٠ ، التهذيب ٩ : ٢٣١ / ٩٠٤ ، الإستبصار ٤ : ١٣٨ / ٥١٦ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٠ ح ٣.

٣٠٧

وظاهر التذكرة (١) عدم الخلاف في هذه الصورة ، حيث إنّه نقله في الصورة الأُولى واستدل للحكم فيها بثبوته هنا ، وهو مشعر بل ظاهر في الاتفاق على ثبوت الحكم هنا ، إلاّ أنّ ظاهر المسالك وغيره (٢) تحقق الخلاف فيها أيضاً.

وكيف كان ، الأشهر الأقوى ثبوت الحكم فيهما ؛ لصحة الرواية الأُولى بناءً على كون إبراهيم بن هاشم ثقة كمحمد بن قيس الراوي لها ، بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه وكون مرويّة من قضايا الأمير عليه‌السلام ، وقد تقدّم الإشارة إلى هذا التحقيق عن قريب (٣) ، فتوهّم المسالك (٤) الاشتراك ثمة وهنا غير سديد ، كتوهمه عدم جبر قصورها على تقديره بعمل العلماء ، كما حُقّق في الأُصول مستقصى.

وما أبعد ما بين هذا وبين ما يختلج بالبال وفاقاً لشيخنا في الذكرى (٥) من حجية الشهرة بنفسها حيث لم نجد لها مستنداً ولا معارضاً أقوى ، وبيّنت الوجه فيه في رسالة مفردة في الإجماع مستقصى ، وعلى تقدير التنزّل فلا أقلّ من كونه جابراً.

ومنه يظهر انجبار قصور الروايتين الأخيرتين على تقديره بها ؛ مضافاً إلى انجبارهما كالأُولى بأظهر الاحتمالين الآتيين في الخبرين الآتي ذكرهما.

خلافاً للإسكافي (٦) والفاضل في جملة من كتبه (٧) ، فأبطلا الوصية‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٥٣.

(٢) المسالك ١ : ٤١٠ ؛ وانظر الكفاية : ١٤٨.

(٣) راجع ص : ٢٨٤.

(٤) المسالك ١ : ٤٠٨.

(٥) الذكرى : ٥.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٥١٣.

(٧) انظر المختلف : ٥١٣ ، والتذكرة ٢ : ٤٥٣.

٣٠٨

لوجه اعتباري غير معارض للنصّ الجليّ.

وللصحيح والموثق : فمات الموصى له قبل الموصي ، قال : « ليس بشي‌ء » (١).

وهما مع ضعفهما عن المكافأة لما مضى ، نظراً إلى تعدّده واشتهاره بين علمائنا ، كما سلّمه الفاضل (٢) وكافّة أصحابنا ، دونهما قاصرا الدلالة جدّاً ، لأنهما كما يحتملان أن الوصية حينئذٍ لا يعتدّ بها بمعنى بطلانها كذا يحتمل إرادة أن الموت ليس بشي‌ء ينقض الوصية ، بل ربما كان الثاني أنسب بأُسلوب الكلام وتذكير الضمير المستتر في الفعل ، وبه يندفع التنافي بين الروايات ، فيكون أولى.

وعلى تقدير التنزّل بتسليم تساوي الاحتمالين يكفي في الردّ إجمالهما.

ثم على تقدير ظهورهما في الاحتمال الأوّل بل وصراحتهما فيه يحتملان الحمل على التقية ؛ لأنّه مذهب أكثر العامة ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة ، كما حكاه في التذكرة (٣) وتبعه في الحكاية بعض الأجلّة (٤) ، فما هذا شأنه كيف يعترض به الأخبار السابقة مع ما هي عليه من المرجحات القوية المذكورة سابقاً‌

__________________

(١) الصحيح : التهذيب ٩ : ٢٣١ / ٩٠٦ ، الإستبصار ٤ : ١٣٨ / ٥١٨ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٠ ح ٤.

والموثق : التهذيب ٩ : ٢٣١ / ٩٠٧ ، الإستبصار ٤ : ١٣٨ / ٥١٩ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٠ ح ٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٥٣ ، المختلف : ٥١٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٥٣.

(٤) الحر العاملي في الوسائل ١٩ : ٣٣٦.

٣٠٩

وربما يجمع بينهما بحمل هذين على صورة رجوع الموصي كما أفصحت عنه الصحيحة السابقة ، ذكره في الكتابين شيخ الطائفة (١).

أو على دلالة القرينة بإرادة الموصي خصوص الموصى له ، وبهذا الجمع أفتى جماعة (٢).

ولعله غير بعيد ، لا للجمع ، لعدم شاهد عليه ولا قرينة ، بل للزوم الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على عدم الانتقال إلى غير من اوصي له على القدر المتيقّن من النصوص المتقدمة ، وليس بحكم التبادر إلاّ غير هذه الصورة الذي لم يقصد الموصي فيه خصوصية الموصى له.

وفي الدروس (٣) عن الماتن القول بالفرق بين صورتي موته في حياة الموصي فالبطلان ، وبعد وفاته فالصحة (٤). وقد ظهر لك ما فيه من المناقشة.

ثم إن كان موته قبل موت الموصي لم يدخل العين في ملكه ، وإن كان بعده ففي دخوله وجهان مبنيان على أن القبول هل هو كاشف عن سبق الملك من حين الموت ، أم ناقل له من حينه ، أم الملك يحصل للموصى له متزلزلاً ويستقر بالقبول؟ أوجه ، بل وأقوال تأتي.

وتظهر الفائدة فيما لو كان الموصى به ينعتق على الموصى له الميت إذا ملكه.

واعلم أن كل ذا إنما هو إذا خلف الموصى له وارثاً خاصاً.

__________________

(١) الاستبصار ٤ : ١٣٨ ، التهذيب ٩ : ٢٣١.

(٢) منهم صاحب المفاتيح ٣ : ٢٢١ ، وانظر الحدائق ٢٢ : ٣٩٧.

(٣) الدروس ٢ : ٢٩٧ ، وانظر نكت النهاية ٣ : ١٦٦.

(٤) في « ح » و « ت » زيادة : استناداً إلى وجه مبني على تضعيف الصحيحة السابقة وإطراحها بالكلية.

٣١٠

( ولو لم يخلف وارثا ) كذلك ( رجعت ) الوصية ( إلى ورثة الموصي ) وفاقاً للمعظم كما في الدروس (١) ، وللأكثر كما في التنقيح (٢) ، بل لعلّه عليه عامة المتأخّرين ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدم على القدر المتيقن من النص ، وليس إلاّ الانتقال إلى الوارث الخاص ؛ لأنه المتبادر.

خلافاً للحلي (٣) ، فألحق به الإمام ، وهو شاذّ ، كالحسن أو الصحيح : عن رجل اوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها ، ولم يترك عقباً؟ قال : « اطلب له وارثاً أو مولى نعمة فادفعها إليه » قلت : فإن لم أعلم له وليّاً؟ قال : « اجهد على أن تقدر له على وليٍّ ، فإن لم تجد وعلم الله تعالى منك الجدّ فتصدّق بها » (٤).

ويحتمل الحمل على ما يرجع به إلى كل من القولين.

( وإذا قال : أعطوا فلاناً ) كذا ولم يعيّن عليه مصرفاً ( دفع إليه يصنع به ما شاء ) بلا خلاف ؛ لأن الوصية بمنزلة التمليك فتقتضي تسلّط الموصى له تسلّط المالك. ولا كذلك لو عيّن المصرف ، فإنّه يتعيّن عليه ؛ لما دلّ على وجوب إنفاذ الوصية على وجهها من الكتاب والسنة.

( ويستحب الوصية لذوي القرابة ) مطلقا ( وارثاً كان أو غيره ) بلا خلاف في الثاني بين العلماء ، وكذا في الأوّل بيننا ، كما في المسالك (٥) ، وقد مضى الكلام فيه مستقصى (٦).

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٩٨.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٣٨٢.

(٣) السرائر ٣ : ٢١٦.

(٤) الكافي ٧ : ١٣ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٦ / ٥٤٢ ، التهذيب ٩ : ٢٣١ / ٩٠٥ ، الإستبصار ٤ : ١٣٨ / ٥١٧ ، الوسائل ١٩ : ٣٣٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٠ ح ٢.

(٥) المسالك ١ : ٤١١.

(٦) راجع ص : ٢٧٤.

٣١١

ويستفاد من بعض المعتبرة تأكّده في الثاني ففيه : « من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية » (١).

وفي الرضوي : « ويستحب أن يوصي الرجل لقرابته ممن لا يرث شيئاً من ماله قلّ أو كثر ، وإن لم يفعل فقد ختم عمله بمعصية » (٢).

( الرابع : في الأوصياء ).‌

( ويعتبر ) في الوصي ( التكليف ) بالبلوغ والعقل ، فلا تصحّ إلى صبي بحيث يتصرف حال صباه مطلقاً ، ولو كان إلى البالغ منضمّاً ، ولا إلى مجنون كذلك.

( والإسلام ) فلا تصحّ الوصية إلى الكافر وإن كان رحماً ، إلاّ أن يوصي إليه مثله ، كما يأتي.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل عليه الإجماع في الغنية (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأُصول القطعية في الأوّل ، وما سيأتي إليه الإشارة في الثاني.

( وفي اعتبار العدالة تردّد ) ينشأ :

من أن الوصية استئمان ، والفاسق ليس أهلاً له ، لوجوب التثبّت عند خبره.

وأنها تتضمن الركون إليه ، والفاسق ظالم منهي عن الركون إليه.

وأنها استنابة عن الغير فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل ، بل‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٣٤ / ٤٦٦ ، التهذيب ٩ : ١٧٤ / ٧٠٨ ، الوسائل ١٩ : ٤١٨ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٣ ح ٣ ، ورواه في تفسير العياشي ١ : ٧٦ / ١٦٦ ، المستدرك ١٤ : ١٣٨ أبواب أحكام الوصايا ب ٦٢ ح ٢.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤.

٣١٢

أولى ، لأن تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل والموكّل وتفحّصهما عن مصلحتهما ، بخلاف نائب الميت. ورضاه به غير عدل لا يقدح في ذلك ؛ لأن مقتضاها إثبات الولاية بعد الموت ، وحينئذٍ فترتفع أهليّته عن الإذن والولاية ، ويصير التصرف متعلقاً بحق غير المستنيب من طفل ومجنون وفقير وغيرهم ، فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل الوكيل ووكيل الحاكم على مثل هذه المصالح.

ومن أنها في معنى الوكالة ، ووكالة الفاسق جائزة كاستيداعه بالإجماع.

( أشبهه ) عند الماتن هنا ، والفاضل في المختلف ، وفاقاً للحلي (١) ( أنها لا تعتبر ).

خلافاً للأكثر ، كالشيخين والقاضي وابن حمزة والديلمي وابن زهرة العلوي (٢) وأحد قولي الأوّلين ، فاختاروا الأوّل ، وادّعى في الغنية عليه إجماع الإمامية.

ولا يخلو عن قوة ؛ للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحققة والمحكية في عبارات الأصحاب كافّة ، المحتملة لكونها إجماعاً قبل خلاف الحلّي ، وبما تقدم من الأدلّة الكثيرة.

مع ضعف الأدلة المقابلة لها بما عرفت من الفرق بين الوصية وبين الاستيداع والوكالة ؛ لتعلقهما بحق المودع والموكّل وهو مسلّط على إتلاف‌

__________________

(١) المختلف : ٥١٠ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٨٩.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٦٨ ، الطوسي في النهاية : ٦٠٥ ، والمبسوط ٤ : ٥١ ، القاضي في المهذب ٢ : ١١٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٣ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٢ ، لم نعثر عليه في الغنية المطبوعة في ضمن الجوامع الفقهية ( ص : ٦٠٤ ) وهو موجود في المطبوعة في سلسلة الينابيع الفقهية ١٢ : ١٨٠.

٣١٣

ماله فضلاً عن تسليط غير العدل عليه ، والموصي إنما سلّطه على حق الغير ، لخروجه عن ملكه بالموت مطلقاً.

مع أنا نمنع أن مطلق المستودع والوكيل لا يشترط فيهما العدالة ، هذا.

مضافاً إلى التأيّد بظواهر كثير من النصوص الواردة بالنسبة إلى من مات وله أموال وورثة صغار ولا وصي له (١) ، حيث اشترطت عدالة المتولّي لذلك ، وهي وإن كانت خارجة عما نحن فيه إلاّ أن فيها إشعاراً بأن المتولّي لأمر الوصاية كذلك ، ولا فرق بينهما إلاّ كون الأوّل منصوباً من قبل الشارع والثاني من قبل الميت ، وإلاّ فهما بالنسبة إلى ما يتصرفان فيه واحد ، وحينئذٍ فكما تراعى العدالة فيه من حيث إن الناصب له الشرع كذا تراعى فيه من حيث إن الناصب الموصي فلا ينصب لذلك إلاّ عدلاً.

والفرق بأن للموصي التسلّط على ماله يدفعه إلى من يشاء ويسلّط عليه من يختاره ، لتسلّط الناس على أموالهم ، بخلاف الحاكم الشرعي المنوط تصرفه بالمصلحة دون ما فيه مفسدة يظهر ضعفه مما مرّ ؛ فإن الموصي بعد الموت وانتقال التركة إلى الورثة وفيهم الصغير وفيها الوصايا إلى الجهات العامة ونحو ذلك من التصرّفات المحتاجة إلى الوثوق والائتمان لا تعلّق له بذلك ، فتصرفه فيما ذكر إنما هو تصرف في مال الغير ، لا مال نفسه كما ذكر في الفرق.

واعلم أن هذا الشرط إنما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي ويقبل خبره به ، كما يستفاد ذلك من دليله ، لا في صحة الفعل في نفسه ، فلو‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٩ : ٤٢١ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٨.

٣١٤

اوصي إلى من ظاهره العدالة وهو فاسق في نفسه ففعل مقتضى الوصية ، فالظاهر نفوذ فعله وخروجه عن العهدة.

ويمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو اوصي إليه فيما بينه وبينه وفعل مقتضاها ، بل لو فعله كذلك لم يبعد الصحة ، وإن حكم ظاهراً بعدم وقوعه وضمانه ما ادّعى فعله.

وتظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصية باطّلاع عدلين أو باطّلاع الحاكم ، نبّه بذلك في التذكرة والروضة (١).

وهو حسن ، إلاّ أن ظاهر اشتراط العدالة في إطلاق العبارة كغيرها من عبائر الجماعة ومنها عبارة الغنية المحكي فيها إجماع الإماميّة (٢) ينافي ذلك كله ، ويمكن تنزيله على أن المراد أنها شرط في صحة الاستنابة لا في صحة النيابة.

ثم إن هذا التردّد إنّما هو إذا أوصى إلى الفاسق ابتداءً.

( أمّا لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته ) إجماعاً إلاّ من الحلّي (٣) ، كما في المهذب وشرح الشرائع للصيمري وعن المحقق الثاني في شرح القواعد (٤).

ولا ريب فيه على المختار : من اشتراط العدالة ابتداءً ، وكذا على غيره إن ظهر كون الباعث على نصبه عدالته ، وإلاّ فإشكال ينشأ :

من الأصل ، وحرمة تبديل الوصية عن وجهها. واحتمال كونها‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١١ ، الروضة ٥ : ٢٧.

(٢) راجع ص : ٣١٠.

(٣) السرائر ٣ : ١٩٠.

(٤) المهذب البارع ٣ : ١١٦ ، جامع المقاصد ١١ : ٢٧٦ ، وفيه : لا خلاف في ذلك عندنا.

٣١٥

الباعث على النصب غير كافٍ في الخروج عنهما.

ومن شهادة الظاهر بهذا الاحتمال ، وظهور الإجماع على البطلان مطلقاً من الكتب المزبورة ، بناءً على التصريح بلفظة الظاهر فيه ، مع عدم قدح استثنائهم الحلّي في انعقاده ، لمعلومية نسبه ، مع أنه حكي عنه ما يدل على اختياره الأوّل والإذعان به (١).

وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في البطلان بين فسقه بعد وفاة الموصي أو في حياته ، علم به أو جهل.

وربما يستشكل فيه في الثاني مع العلم بفسقه وعدم عزله.

وهو في محله على القول بعدم اشتراط العدالة في الابتداء.

وهل تبطل الوصية بطروّ والفسق من حينه ، أم يتوقف على حكم الحاكم وعزله؟ وجهان : ظاهر العبارة كغيرها الأوّل ، وصريح الإرشاد وغيره (٢) الثاني.

وتظهر الفائدة في تصرفه قبل أن يعزله الحاكم ، فينفذ على الثاني دون الأوّل.

وهو الوجه حيث ما ظهر أن الباعث لوصايته هو العدالة ؛ لفواته ، مع كونه منزّلاً منزلة الشرط الذي يفوت المشروط بفواته.

وهل تعود الوصية بعوده عدلاً؟ قيل : الأشهر لا (٣). ولعلّه الأقوى ؛ للأصل ، وعدم ما يقتضي العود أصلاً.

( و ) يعتبر فيه أيضاً الحرّية فـ ( لا يوصى إلى المملوك ) بلا خلاف‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ١٨٩ ، حكاه عنه في المختلف : ٥١٠ ، وجامع المقاصد ١١ : ٢٧٤.

(٢) الإرشاد ١ : ٤٦٣ ؛ وانظر القواعد ١ : ٣٥٣.

(٣) كفاية الأحكام : ١٥٠ ، وفيه : المشهور.

٣١٦

فيه في الجملة ، بل عليه مطلقاً في صريح الغنية وظاهر التذكرة إجماع الإمامية (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة الحجر عليه في أمر نفسه ، فأولى أن يكون محجوراً عليه في حقّ غيره ، واستلزامه التصرف في ملك الغير بغير إذنه ، وهو ممنوع منه.

( إلاّ ) أن يوصى إليه ( بإذن المولى ) فتصحّ بلا خلاف منا ؛ لزوال المانع. وحينئذٍ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي ، ويصحّ قبله ، كما إذا قبل الحرّ.

ولا فرق في محل المنع بين كون العبد قنّاً أو مُدَبّراً أو مكاتباً أو مبعّضاً ، للموصي أو غيره ، عند الشيخ وابن حمزة والحلّي والمختلف (٢).

خلافاً للمفيد والديلمي (٣) ، فجوّز الوصية إلى من عدا القنّ إمّا مطلقاً ، كما يظهر من المختلف والدروس (٤) ، أو إذا كان عبد نفسه ، كما يستفاد من التنقيح ومال إليه ، قال : لحرية المدبر حال المباشرة ، ولزوم الكتابة ، وتصرف المكاتب من غير حجر عليه (٥).

ولا يخلو عن قوة ؛ لعمومات الكتاب والسنة الناهية عن تغيير الوصية ، وسلامتها في المفروض عما مرّ من الأدلّة المانعة ، لما ذكر.

( وتصحّ ) الوصية ( إلى الصبي ) إذا كان ( منضمّاً إلى كامل

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٤ ، التذكرة ٢ : ٥١١.

(٢) الشيخ في المبسوط ٤ : ٥١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٣ ، الحلي في السرائر ٣ : ١٨٩ ، المختلف : ٥١١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٦٨ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٢.

(٤) المختلف : ٥١١ ، الدروس ٢ : ٣٢٢.

(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٣٨٦.

٣١٧

لا منفرداً ) بلا خلاف ؛ للخبر ، بل قيل (١) الحسن : عن رجل أوصى إلى امرأة وشرك في الوصية معها صبيّاً؟ قال : « يجوز ذلك وتمضي المرأة الوصية ، ولا تنتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلاّ ما كان من تبديل أو تغيير ، فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميت » (٢).

وقريب منه الصحيح : رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيته ويقضوا دينه لمن صحّ على الميت بشهود عدول قبل أن يدركوا الأوصياء الصغار؟ فوقّع عليه‌السلام : « نعم ، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك » (٣).

( و ) يستفاد منهما سيّما الأوّل مضافاً إلى الاتفاق عليه في الظاهر أنه يجوز أن ( يتصرف الكامل حتى يبلغ الصبي ) مطلقاً ، ولو لم يكن التصرف في الأمر الضروري ( ثم ) بعد بلوغه كاملاً جائز التصرف ( يشتركان ) في التصرف مجتمعين.

( و ) أنه ( ليس له نقض ما أنفذه الكامل قبل بلوغه ) إلاّ ما تضمّن من تغيير وتبديل.

نعم ، لو شرط عدم تصرف الكامل إلى أن يبلغ الصبي تبع شرطه ، وعلى غيره ينزّل إطلاق العبارة والرواية ، مع أنه المتبادر منه بلا شبهة.

ويدلّ على جواز تصرف الكامل قبل بلوغ الصغير مضافاً إلى ما مرّ أنه في تلك الحال حيث لم يشترط عدم تصرفه إلى البلوغ وصيّ منفرداً ،

__________________

(١) قاله المجلسي في مرآة العقول ٢٣ : ٧٧ ، وملاذ الأخيار ١٥ : ٦٦.

(٢) الكافي ٧ : ٤٦ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٥٥ / ٥٣٨ ، التهذيب ٩ : ١٨٤ / ٧٤٣ ، الإستبصار ٤ : ١٤٠ / ٥٢٢ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٤٦ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٥٥ / ٥٣٩ ، التهذيب ٩ : ١٨٥ / ٧٤٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٧٥ أبواب أحكام الوصايا ب ٥٠ ح ١.

٣١٨

وإنما التشريك معه بعد البلوغ ، كما لو قال : أنت وصيي وإذا حضر فلان فهو شريكك ، ومن ثمّ لم يكن للحاكم أن يداخله ولا أن يضمّ إليه آخر ليكون نائباً عن الصغير. وأما إذا بلغ الصغير فليس للكبير التفرّد ، وإن كان ذلك غير مستفاد من الخبرين ؛ لأنه الآن غير مستقلّ فيرجع فيه إلى القاعدة.

ثم إنّ قوله : لا منفرداً ، يدل على المنع عن الوصية إليه مستقلا وإن شرط في تصرفه البلوغ ، وكان ذلك في معنى الضمّ.

قيل : لأنه ليس من أهل الولاية ، ولكن جاز ذلك مع الضميمة تبعاً للرواية ، فلا يلزم مثله في الوصية إليه مستقلا ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على موردها ، وأنه يغتفر في حال التبعية ما لا يغتفر في حال الاستقلال (١).

ثم لو مات أو بلغ فاسد العقل فهل للكامل الانفراد بالتصرف ، عملاً باستصحاب الحكم السابق ، أم لا ، بل يداخله الحاكم ، بناءً على أن الموصي إنما فوّض إليه الاستقلال إلى حين بلوغ الصبي فكأنّه جعله مستقلا إلى مدة مخصوصة؟

وجهان : اختار أوّلهما في الشرائع (٢) ، وتردّد بينهما في التذكرة والدروس (٣) ، ولعلّه في محلّه ، وإن كان الأظهر في النظر الثاني ، لقوة دليله.

وينبغي القطع به فيما إذا بلغ الصبي رشيداً ثم مات بعده ولو بلحظة ؛ لانقطاع الاستصحاب الأوّل حينئذٍ بلا خلاف ، وتبدّله باستصحاب عدم الاستقلال ، فيتبع.

__________________

(١) المسالك ١ : ٤١٢.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٥٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٥١٠ ، الدروس ٢ : ٣٢٤.

٣١٩

( ولا تصحّ وصية المسلم إلى الكافر ) مطلقاً ، بلا خلاف ؛ لأنه ليس من أهل الولاية على المسلمين ، ولا من أهل الأمانة.

( و ) لكن ( تصحّ ) إليه ( من مثله ) إن لم نشترط العدالة.

وأما مع اشتراطها فهل تكفي عدالته في دينه ، أم تبطل مطلقاً؟

وجهان : من أن الكفر أعظم من فسق المسلم ، ومن أن الغرض صيانة مال الطفل وأداء الأمانة ، وهو يحصل بالعدل منهم. وهذا أجود ، وفاقاً للتذكرة والدروس والمسالك والكفاية (١).

خلافاً للروضة ، فقال : والأقوى المنع بالنظر إلى مذهبنا ، ولو أُريد صحتها عندهم وعدمه فلا غرض لنا في ذلك. ولو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم ، وإلاّ فاللازم الحكم ببطلانها بناءً على اشتراط العدالة ؛ إذ لا وثوق بعدالته في دينه ، ولا ركون إلى أفعاله ، لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام (٢).

وفيه نظر ؛ لحصول الوثوق وجداناً ، وإنكاره مكابرة جدّاً. بل ربما يحصل الوثوق ببعض عدولهم أكثر مما يحصل ببعض عدول المسلمين ، وسيّما المخالفين منهم.

ومخالفة أفعاله لكثير من أحكام الإسلام لا تنافي عدالته في دينه وما هو المقصود منها من الوثوق والاعتماد في صيانة مال الأطفال مثلاً.

ثم إن إطلاق العبارة يقتضي عموم الحكم لصورتي كون الوصية على أطفال المسلمين وما في حكمهم أم غيرهم. وقيّده جماعة (٣) بالثاني ؛

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٠ ، الدروس ٢ : ٣٢٢ ، المسالك ١ : ٤١٢ ، الكفاية : ١٥٠.

(٢) الروضة ٥ : ٦٨.

(٣) لم نعثر عليهم.

٣٢٠