فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

عشيرتكم ، لان عشيرة الموصي اعلم بأحواله من غيرهم ، وهو اختيار الزجاج ، قال لأنه لا يجوز قبول شهادة الكافرين مع كفرهم وفسقهم وكذبهم على الله.

ومعنى أو للتفصيل لا للتخيير ، لان المعنى وآخران من غيركم ان لم تجدوا منكم ، وهو قول أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام وجماعة. وقال قوم : هو بمعنى التخيير ، ضمن ائتمنه الموصي من مؤمن أو كافر.

وقوله ( ان أنتم ضربتم ) بمعنى ان أنتم سافرتم ، كما قال ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) (١).

( فصل )

وقوله تعالى ( فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما ) فيه محذوف وتقديره وقد أسندتم الوصية إليهما فارتاب الورثة بهما.

وقوله ( تحبسونهما ) خطاب للورثة ، والهاء في به تعود إلى القسم بالله.

والصلاة المذكورة في هذه الآية قيل فيها ثلاثة أقوال : أحدها انها صلاة العصر ، وهو قول أبى جعفر الباقر عليه‌السلام. الثاني قال الحسن هي الظهر أو العصر ، وكل هذا لتعظيم حرمة وقت الصلاة على غيره من الأوقات ، وقيل لكثرة اجتماع الناس كان بعد صلاة العصر. الثالث قال ابن عباس صلاة أصل دينهما ، يعنى في الذميين ، لأنهم لا يعظمون أوقات صلاتنا.

وقوله ( فيقسمان بالله ) الفاء دخلت لعطف جملة على جملة ( ان ارتبتم ) في قول الآخرين اللذين ليس من أهل ملتكم أو من غير قبيلة الميت فغلب في ظنكم خيانتهم. ولا خلاف أن الشاهد لا يلزمه اليمين الا أن يكونا شاهدين على وصية مسندة إليهما فيلزمهما اليمين لأنهما مدعيان.

__________________

(١) سورة النساء : ١٠١.

٤٢١

وقوله تعالى ( لا نشتري به ثمنا ) ، ( لا نشتري ) جواب ما يقتضيه قوله ( فيقسمان ) لان أقسم ونحوه يتلقى بما يتلقى به الايمان.

ومعنى ( لا نشتري به ثمنا ) لا نشتري بتحريف شهادتنا ثمنا ، فحذف المضاف وذكر الشهادة لان الشهادة قول ، كما قال ( وإذا حضر القسمة أو لوا القربى ) (١) ثم قال ( فارزقوهم منه ) ، وانما يرزق من التركة ، وتقديره لا نشتري به ثمنا لا نشتري به ذا ثمن. ألا ترى أن الثمن لا يشترى ، وانما الذي يشترى المبيع دون ثمنه ، وكذلك قوله ( واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ) (٢) أي ذا ثمن ، والمعنى انهم آثروا الشئ القليل وانقاد له من ابتاع ، وليس المعنى هنا على الانقياد وانما هو على التمسك به والايثار له على الحق.

وقوله ( ولو كان ذا قربى ) تقديره ولو كان المشهود له ذا قربى. وخص ذا القربى بالذكر لميل الناس إلى قراباتهم ومن يناسبونه.

وقوله ( ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الاثمين ) (٣) وانما أضاف الشهادة إلى الله في قوله ( شهادة الله ) لامره بها وبإقامتها والنهى عن كتمانها في قوله ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) (٤) وقوله ( أقيموا الشهادة لله ) (٥).

( فصل )

وقوله تعالى ( فان عثر على أنهما استحقا اثما فآخران ) (٦) قد ذكرنا سبب نزول

__________________

(١) سورة النساء : ٨.

(٢) سورة التوبة : ٩.

(٣) سورة المائدة : ١٠٦.

(٤) سورة البقرة : ٢٨٣.

(٥) سورة الطلاق : ٢.

(٦) سورة المائدة : ١٠٧.

٤٢٢

هذه الآية. روي أنها لما نزلت أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يستحلفوهما ، بأن يقولا : والله ما قبضنا له غير هذا ولا كتمناه ، ثم ظهر على اناء من فضة منقوش مذهب معهما ، فقالوا : هذا من متاعه. فقالا : اشتريناه منه. فارتفعوا إلى رسول الله فنزل قوله ( فان عثر على أنهما استحقا اثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق ) ، فأمر رسول الله رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيبا ، فحلف عبد الله بن عمر والمطلب بن أبي وداعة ، فاستحقا. ثم إن تميما أسلم وبايع رسول الله ، فكان يقول : صدق رسول الله وبلغ رسول الله ، أنا أخذت الاناء (١).

ومعنى ( عثر ) ظهر عليه ، تقول : عثرت على خيانته ، وأعثرت عيني على خيانته ، وأعثرت غيري على خيانته أي أطلعته. ومنه قوله ( وكذلك أعثرنا عليهم ) (٢) وأصله الوقوع بالشئ.

وقوله ( على أنهما ) يعنى ان الوصيين المذكورين أولا في قوله ( اثنان ) في قوله ابن جبير ، وقال ابن عباس على الشاهدين استحقا اثما ، بمعنى خانا وظهر وعلم منهما ذلك ( فآخران يقومان مقامهما ) يعنى من الورثة في قول ابن جبير ( من الذين استحق عليهم الأوليان ).

وقيل في قوله ( الأوليان ) ثلاثة أقوال : أحدهما الأوليان بالميت عن ابن جبير ، الثاني قال ابن عباس الأوليان بالشهادة وهي شهادة الايمان. الثالث قال الزجاج الأوليان أن يحلفا من غيرهما ، وهما النصرانيان. ويقال هو الأولى بفلان ثم حذف بفلان فيقال هو الأولى وهذان الأوليان ، كما يقال هو الأكبر بمعنى الكبير وهذان الأكبر ان.

__________________

(١) تفسير البرهان ١ / ٥٠٨.

(٢) سورة الكهف : ٢١.

٤٢٣

( فصل )

وقوله ( الأوليان ) في رفعه ثلاثة أقوال :

أحدها : بأنه اسم ما لم يسم فاعله ، المعنى استحق عليهم اثم الأولين ، أي استحق منهم ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

الثاني : بأنه بدل من الضمير في ( يقومان ) ، على معنى فليقم الأوليان من الذين استحق عليهم الوصية ، وهو اختيار الزجاج.

الثالث : بدل من قوله ( آخران ). وزعم الكوفيون انه لا يجوز ابداله من آخرين ، لتأخير العطف في قوله ( فيقسمان ) ، لأنه يصير بمنزلة ( مررت برجل قام زيد وقعد ). وقال الرماني يجوز على العطف بالفاء جملة على جملة. وقال الفارسي يجوز أن يكون رفعا بالابتداء وقد أخر ، وتقديره فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله أو من أهل دينه يقومان مقام الخائنين اللذين من عثر عليهما ، كقولك ( تميمي أنا ).

ويجوز أن يكون خبرا لابتداء محذوف ، وتقديره آخران يقومان مقامهما هما الأوليان.

واختار الأخفش أن يكون ( الأوليان ) صفة لقوله ( فآخران ) ، لأنه لما وصف اختص ، فوصف لأجل الاختصاص بما وصف به المعارف.

فأما الجمع (١) على اتباع اللذين ، وموضعه الجر ، وتقديره من الأولين الذين استحق عليهم الايصاء والاثم.

وانما قيل هم الأولين من حيث كانوا الأولين في الذكر ، ألا ترى أنه قد تقدم

__________________

(١) يعنى بالجمع قراءة من قرأ ( الأوليين ) جمع أول ، وهي قراءة حمزة وأبى بكر ويعقوب وخلف ( هـ ج ).

٤٢٤

( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ) ، وكذلك ( اثنان ذوا عدل منكم ) ذكرا في اللفظ قبل قوله ( أو آخران من غيركم ) ، وحجتهم (١) في ذلك أن قالوا : أرأيت إن كان الأوليان صغيرين أراد بهما إذا كانا صغيرين لم يقوما مقام الكبيرين في الشهادة ولم يكونا لصغرهما أولى بالميت وان كانا لو كانا كبيرين كانا أولى به.

وانما قال ( استحقا اثما ) لان آخذه يأخذ آثم ، فسمى اثما كما يسمى ما يؤخذ منك مظلمة. قال سيبويه : المظلمة اسم ما يؤخذ منك ، فكذلك يسمى هذا المأخوذ باسم المصدر.

( فصل )

وقيل في معناه استحقا عذاب اثم ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، كقوله تعالى ( انى أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) (٢) أي بعقاب إثمي وعقاب إثمك.

وقيل في معنى ( عليهم ) ثلاثة أقوال :

أحدها : أن يكون على بمعنى من ، كأنه قال من الذين استحق منهم الاثم ، كما قال ( إذا اكتالوا على الناس يستوفون ) (٣) ، ومعناه من الناس.

الثاني : أن يكون المعنى كما يقول ( استحق على زيد مال الشهادة ) أي لزمه ووجب عليه الخروج [ منه ، لان الشاهدين كما عثر على حياتهما استحق عليهما بأولياه من آخر الشهادة والقيام بها ووجب عليهما الخروج مما وجب ] (٤) عليه.

الثالث : أن يكون على بمنزلة في ، كأنه استحق فيهم وقام على مقام في ،

__________________

(١) أي حجة القارئين على الجمع ( هـ ج ).

(٢) سورة المائدة : ٢٩.

(٣) سورة المطففين : ٢.

(٤) الزيادة من م.

٤٢٥

والمعنى من الذين استحق عليهم بشهادة الآخرين اللذين هما من غيرنا.

فان قيل : هو يجوز أن يسند أستحق فيه إلى الأوليان.

قلنا : لا يجوز ذلك ، لان المستحق انما تكون الوصية أو شيئا منها ، ولا يجوز أو يستحق الأوليان ، وهما الأوليان بالميت ، فالأوليان بالميت لا يجوز أن يستحقا فيسند استحق عليهما.

وقوله ( فيقسمان بالله ) أي يحلفان بالله.

وقوله ( لشهادتنا أحق من شهادتهما ) جواب القسم التي في قوله ( فيقسمان بالله ) ، وما اعتدينا فيما قلنا إن شهادتنا أحق من شهادتهما ، انا ان اعتدينا لمن الظالمين لنفوسنا. وهذه أصعب آية اعرابا.

فان قيل : كيف يجوز أن يقف أولياء الميت على كذب الشاهدين وخيانتهما حتى يحل أن يحلفا.

قيل : يجوز ذلك لوجوه : أحدها أن يسمعوا اقرارهما بالخيانة من حيث لا يعلمان ، أو يشهد عندهم شهود عدول بأنهم سمعوهما يقران بأنهما كذبا أو خانا وتقوم البينة عند هما على أنه أوصى بغير ذلك ، أو أن هذين لم يحضروا الوصية وانما حضرا بغير ذلك من الأسباب.

( فصل )

قال تعالى ( ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ) (١) معناه ذلك الاحلاف والاقتسام أو ذلك الحكم أقرب أن تأتوا بالشهادة على وجهها ، أي حقها وصدقها ، لان اليمين تردع عن أمور كثيرة لا يرتدع عنها مع عدم اليمين.

واختلفوا في أن اليمين هل تجب على كل شاهدين أم لا؟ قال ابن عباس انما

__________________

(١) سورة المائدة : ١٠٨.

٤٢٦

هي على الكافر خاصة ، وهو الصحيح. وقال غيره هي على كل شاهدين وصيين إذا أريب بهما.

واختلفوا في نسخ حكم الآيتين المتقدمتين مع هذه على قولين : فقال ابن عباس هي منسوخة الحكم ، وقال الحسن هي غير منسوخة ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا وأخبارنا. وقال البخلي : أكثر أهل العلم على أنه غير منسوخ ، لأنه لم ينسخ من سورة المائدة شئ ، لأنها آخر ما نزلت.

ووجه قول من قال هي منسوخة : ان اليمين اليوم لا تجب على الشاهدين بالحقوق ، وانما كان قبل الامر باشهاد العدول في قوله ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) فنسخت بذلك هذه الآية ، ودلت على أن شهادة الذمي لا تقبل على الذمي إذا ارتفعا إلى حكام المسلمين ، لان الذمي ليس بعدل ولا ممن يرضى من الشهداء.

ومن ذهب إلى أنها غير منسوخة جعلها بمعنى شهادة الايمان على الوصيين ، فإذا ظهر على خيانة منهما فما وجد في أيديهما صار مدعيين وصار الورثة في معنى المنكرين ، فوجب عليهما اليمين من حيث صارا مدعيين.

وقوله تعالى ( أو تخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ) يعنى أهل الذمة يخافون أن يرد أيمان على أولياء الميت ، فيحلفوا على خيانتهم فيفتضحوا ويغرموا وينكشف للناس بذلك بطلان شهادتهم ويسترد منهم ما أخذوه بغير حق حينئذ أدوا الشهادة على وجهها وتحرزوا من الكذب.

وقرئ ( استحق ) بفتح التاء والحاء وبضم التاء وكسر الحاء ، وقرئ ( الأولين ) بتشديد الواو وكسر اللام وفتح النون على الجمع وبسكون الواو وفتح اللام وكسر النون على التثنية.

٤٢٧

( باب الزيادات )

ذكر الله الشهادة في القرآن في ثلاثة مواضع :

منها : قوله ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا فرجل وامرأتان ) ثم أمر بالاشهاد على التبايع وقال ( واشهدوا إذا تبايعتم ) ثم أوعد على كتمانها فقال ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) ، فلولا أنها واجبة ما توعد على كتمانها.

الثاني : قال ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) إلى قوله ( فان الله غفور رحيم ) ، فأمر بجلد القاذف ثم رفع عنه الجلد بتحقيق قذفه بالشهادة في ذلك ، ثم قال ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) دل على أن غير الفاسق مقبول الشهادة ثم قال ( وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا ) يعني تقبل شهادتهم.

الثالث : قال تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) إلى قوله ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ).

ومعنى قوله ( فإذا بلغن أجلهن ) يعنى قاربن البلوغ ، لأنه لا رجعة بعد بلوغ الاجل.

وجملته أن الحقوق ضربان : حق الله ، وحق الآدمي.

فأما حق الآدمي فإنه ينقسم في باب الشهادة ثلاثة أقسام : أحدها لا تثبت الا بشاهدين ذكرين كالقصاص ، والثاني ما يثبت بشاهدين وشاهد وامرأتين وشاهد ويمين وهو كل ما كان مالا أو المقصود منه المال ، والثالث ما يثبت بشاهدين وشاهد وامرأتين أو أربعة نسوة وهو الولادة والاستهلال والعيوب تحت الثياب.

وأما حقوق الله فجميعها لا مدخل للنساء ولا للشاهد مع اليمين فيها ، وهي ثلاثة اضرب : مالا يثبت الا بأربعة وهو الزنا واللواط إذا كانا بالاحياء ، فان كانا بالأموات

٤٢٨

فيكفي في ذلك شاهدان ، واتيان البها ثم. والثاني مالا يثبت الا بشاهدين ، وهو السرقة وحد الخمر. والثالث ما اختلف فيه ، وهو الاقرار بالزنا ، قال قوم لا يثبت الا بأربعة كالزنا ، وقال آخرون يثبت بشاهدين كسائر الاقرارات ، وهو أقوى.

( مسألة ) :

وقوله تعالى ( والذين يرمون المحصنات ) معناه الذين يقذفون العفائف بالزنا فحذف بالزنا لدلالة الكلام عليه ـ ولم يقيموا عليه أربعة من الشهود فإنه يجب على كل واحد منهم ثمانون جلدة إذا كان أجنبيا منها لا زوجا ، ثم نهى سبحانه عن قبول شهادة القاذفين على التأييد وحكم عليهم بأنهم فساق بقوله ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) ، ثم استثنى منهم ( الا الذين تابوا منهم ) بعد ذلك.

واختلفوا في الاستثناء إلى من يرجع ، فقال قوم هو من الفساق ، فإذا تاب قبلت شهادته حد أولم يحد وهو قول ابن المسيب.

( مسألة ) :

وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته إذا تاب؟ قال : نعم. قيل : وما توبته؟ قال : فيجئ ويكذب نفسه عند الامام ويقول قد افتريت على فلانة ويتوب مما قال (١).

وقال ابن عمر لأبي بكرة : ان تبت قبلت شهادتك. فأبى أبو بكرة أن يكذب نفسه. وبه قال الشافعي ، وهو مذهبنا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ / ١٨٣.

٤٢٩

وقال الحسن الاستثناء من الفاسقين دون قوله ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ، وبه قال أهل العراق ، قالوا فلا يجوز شهادة القاذف ابدا.

ولا خلاف انه إذا لم يحد بأن تموت المقذوفة ولم يكن هناك مطالب ثم تاب انه يجوز قبول شهادته ، وهذا يقتضى الاستثناء من المعتدين على تقدير وأولئك هم الفاسقون ، مع امتناع قبول شهادتهم الا التائبين منهم ، والحد حق المقذوفة لا يزول بالتوبة.

ثم قال ( ان الذين يرمون المحسنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا ) وان نزلت في سبب لم يجب قصرها عليه ، وعلى هذا أكثر المحصلين كآية القذف وآية اللعان وآية الظهار وغيرها.

( يوم تشهد عليهم ألسنتهم ) يجوز أن يكون المعنى أي يشهدون ، يعنى هؤلاء على أنفسهم بألسنتهم. وقيل شهادة الأيدي والأرجل تكون بأن يبينها الله بينة مخصوصة يمكنها النطق ، أو يفعل الله في هذه البنى كلاما يتضمن الشهادة فكأنها هي الناطقة ، أو يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق ، وذلك إذا جحدوا معاصيهم.

( مسألة ) :

المفعول الثاني في قوله ( فتذكر إحداهما الأخرى ) محذوف ، وكذا إذا قرئ بالتخفيف فتذكر بالقراءتين محذوف ، والمعنى فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة التي تحملتاها ، لان ذكرت فعل يتعدى إلى مفعول واحد ، فإذا نقلته بالهمزة أو خففت العين منه تعدى إلى مفعول آخر.

وما بعد الفاء في قوله ( فتذكر ) مبتدأ محذوف ، ولو أظهرته لكان فهما تذكر إحداهما الأخرى ، فالذكر العائد إلى المبتدأ المحذوف الضمير في قوله ( إحداهما ).

٤٣٠

( مسألة ) :

فان قيل : ان الشهادة انما وقعت للذكر والحفظ لا للضلال الذي هو النسيان.

فجوابه : لان سيبويه قد قال أمر بالاشهاد لان تذكر إحداهما الأخرى ، وانما ذكر أن تضل لأنه سبب الأذكار.

وقوله ( فتذكر ) معطوف على الفعل المنصوب ، ووجه كونه مرفوعا قد ذكرناه ( مسألة ) :

( ولا تكتموا الشهادة ) خطاب للشهود ونهي لهم عن كتمان الشهادة إذا دعوا إلى اقامتها. ( ومن يكتمها ) أي من يكتم الشهادة مع علمه بالمشهود به وعدم ارتيابه فيه وتمكنه من أدائها من غير ضرر بعد ما دعي إلى اقامتها فإنه آثم قبله. أضاف الاثم إلى القلب [ وإن كان الاثم هو الحملة لان اكتساب الاثم إلى القلب ] (١) أبلغ في الذم كما أن إضافة الايمان إلى القلب أبلغ في المدح ، قال تعالى ( وأولئك كتب في قلوبهم الايمان ) (٢) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ينقضي كلام شاهد زور بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من النار.

( مسألة ) :

وقوله ( فان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) أي ان تظهروا الشهادة أو تكتموها فان الله يعلم ذلك ويجازيكم به.

وقيل إنها عامة في الاحكام التي ذكرها الله تعالى من أول البقرة ، وفيها خمسمائة

__________________

(١) الزيادة من م.

(٢) سورة المجادلة : ٢٢.

٤٣١

حكم ونيف على ما ذكره علي بن إبراهيم بن هاشم. خوف الله عباده من العمل بخلافها بهذه الآية ، وبين أنه لما أمر بتلك الوثائق ويعتد بها انما هو لأمر يرجع إلى المكلفين للامر يرجع إليه تعالى ، فان له ما في السماوات وما في الأرض.

ومن قال إنها منسوخة بقوله ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) (١) فإنه لا يصح ، لان تكليف ما ليس في الوسع غير جائز.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٦.

٤٣٢

الفهرس

مقدمة المؤلف............................................................................. ٣

( كتاب الطهارة )

تفصيل القرآن الكريم في الطهارة............................................................ ٥

لزوم معرفة خمسة أقسام من علوم القرآن..................................................... ٦

وجوب الطهارة وكيفيتها وما به تكون وما ينقضها............................................ ٨

باب الوضوء ووجوبه..................................................................... ١٠

حدود وجوب الوضوء.................................................................... ١١

الفرض بالوضوء يتوجه إلى من أراد الصلاة................................................. ١٢

كيفية غسل الوجه....................................................................... ١٣

كيفية غسل اليدين....................................................................... ١٤

كيفية مسح الرأس....................................................................... ١٧

كيفية مسح الرجلين...................................................................... ١٨

٤٣٣

موضع العطف في « أرجلكم »............................................................ ٢٠

أداء الواجب بالغسل مرة واحدة........................................................... ٢٤

افتقار الطهارة إلى النية.................................................................... ٢٦

وجوب الترتيب في الوضوء................................................................ ٢٧

وجوب الموالاة في الوضوء................................................................. ٢٩

كفاية المسح بأصبع واحدة................................................................ ٢٩

المسح ببقية نداوة الوضوء................................................................. ٣٠

باب غسل الجنابة........................................................................ ٣١

تفسير ألفاظ آية الغسل................................................................... ٣٢

ليس على الجنب وضوء مع الغسل......................................................... ٣٣

باب التيمم.............................................................................. ٣٥

من شرائط التيمم عدم وجود الماء.......................................................... ٣٧

حمل آية التيمم على العموم في الأوقات..................................................... ٣٨

المقيم إذا فقد الماء يتيمم كالمسافر.......................................................... ٤٠

المحبوس إذا لم يجد الماء يتيمم............................................................... ٤٠

باب أحكام الطهارة...................................................................... ٤٣

معنى « وأنتم سكارى » في أية الصلاة..................................................... ٤٤

وجوب الصلاة على كل حال............................................................. ٤٧

معنى الملامسة الجماع..................................................................... ٤٨

لا يجوز أن يمس الجنب القرآن الكريم...................................................... ٤٩

باب الحيض والاستحاضة والنفاس......................................................... ٥١

وجوب اعتزال النساء عند الحيض.......................................................... ٥٣

٤٣٤

الوطي عند قطع الدم والطهارة............................................................. ٥٥

باب أحكام المياه......................................................................... ٥٨

معنى لفظ « الطهور » في لغة العرب....................................................... ٥٩

ما يطلق عليه اسم « الماء » فهو مطهر...................................................... ٦٠

الاضطرار إلى شرب المياه النجسة.......................................................... ٦١

تغيير أو صاف الماء الطاهر................................................................ ٦١

حكم فاقد الماء والتراب................................................................... ٦٢

نجاسة المشركين.......................................................................... ٦٤

حكم الماء المستعمل في الوضوء والغسل..................................................... ٦٥

ما ينقض الوضوء والغسل................................................................. ٦٦

باب توابع الطهارة....................................................................... ٦٧

السنن في الرأس والبدن................................................................... ٦٨

في نجاسة النجاسات...................................................................... ٦٩

جواز الصلاة في غير الدماء الثلاثة.......................................................... ٧٠

باب الزيادات في الخبر.................................................................... ٧٢

( كتاب الصلاة )

وجوب الصلاة في الآيات الكريمة.......................................................... ٧٨

معنى إقامة الصلاة........................................................................ ٧٩

باب ذكر المواقيت....................................................................... ٨٠

تفصيل مواقيت الصلاة................................................................... ٨١

الدلالة على توسعة الوقت................................................................ ٨٢

٤٣٥

حصر الصلوات اليومية في الخمس.......................................................... ٨٤

باب ذكر القبلة.......................................................................... ٨٦

التوجه إلى بيت المقدس................................................................... ٨٧

التوجه إلى الكعبة المشرقة................................................................. ٨٩

معنى « لكل وجهة هو موليها »........................................................... ٩٣

باب الستر والمكان واللباس................................................................ ٩٥

الأذان والإقامة........................................................................... ٩٩

باب ما يقارن حال الصلاة.............................................................. ١٠٠

القراءة شرط في صحة الصلاة........................................................... ١٠١

وجوب الركوع في الصلاة.............................................................. ١٠٣

الجهر والاخفات....................................................................... ١٠٤

وجوب الصلاة على النبي وآله في التشهد.................................................. ١٠٥

وجوب القراءة في الركعتين الأولتين...................................................... ١٠٦

باب هيآت الصلاة..................................................................... ١٠٧

السجود على الأعضاء السبعة............................................................ ١٠٩

الخشوع في حال الصلاة................................................................. ١١٠

المبادرة إلى الاشتغال بالصلاة............................................................. ١١١

المراد من الصلاة الوسطى................................................................ ١١٢

المحافظة على الصلوات.................................................................. ١١٣

القنوت وأحكامه....................................................................... ١١٥

نزول آية الولاية في علي عليه السلام..................................................... ١١٦

في ذم تاركي الصلاة والمستخفين بها...................................................... ١١٧

٤٣٦

أحكام الاستعاذة....................................................................... ١١٨

وجوب القراءة في الصلاة بالعربية........................................................ ١١٩

جواز الدعاء في الصلاة لكل الأغراض.................................................... ١٢٠

وجوب الصلاة على كل حال............................................................ ١٢١

وجوب قتل تارك الصلاة متعمدا......................................................... ١٢٢

باب قضاء الصلاة وتركها............................................................... ١٢٣

ذكر صلاة الليل وبقية النوافل............................................................ ١٢٥

لزوم ترتيل القرآن ومعناه................................................................ ١٢٦

صفة المتقين وقيامهم في الليل للتهجد...................................................... ١٢٨

باب أحكام الجمعة..................................................................... ١٣١

فرض الجمعة لازم على جميع المكلفين..................................................... ١٣٣

البيع حين النداء لصلاة الجمعة........................................................... ١٣٤

الانتشار بعد صلاة الجمعة............................................................... ١٣٥

باب الجماعة وأحكامها................................................................. ١٣٩

الحث على الصلاة في الصف الأول....................................................... ١٤٠

الانصات القراءة الإمام.................................................................. ١٤١

باب الصلاة في السفر................................................................... ١٤٢

وجوب التقصير على المسافر............................................................. ١٤٣

حد جواز القصر على المسافر............................................................ ١٤٥

باب صلاة الخوف...................................................................... ١٤٦

كيفية صلاة الخوف في الحرب........................................................... ١٤٨

كيفية صلاة النبي «ص» في ذات الرقاع.................................................. ١٤٩

٤٣٧

صلاة شدة الخوف...................................................................... ١٥٣

باب فضل المساجد وبعض أحكامها...................................................... ١٥٤

الاستتار في الصلاة وفي المساجد.......................................................... ١٥٦

صد النبي «ص» عن المسجد الحرام....................................................... ١٥٧

منع الكفار من مقاربة المسجد الحرام...................................................... ١٥٨

باب صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف................................................ ١٥٩

باب الصلاة على الموتى وأحكامهم....................................................... ١٦١

أحق الناس بالصلاة على الميت........................................................... ١٦٢

باب الزيادات.......................................................................... ١٦٤

( كتاب الصوم )

في وجوب الصوم....................................................................... ١٧٢

باب في تفصيل ما أجمل من أدلة الوجوب................................................. ١٧٤

حكم المسافر والمريض.................................................................. ١٧٦

من يسقط عنه الصوم من ذوي الأعذار................................................... ١٧٧

طريق ثبوت أول شهر رمضان........................................................... ١٧٨

باب من له عذر أو ما يجري مجرى العذر.................................................. ١٨٢

حكم الشيخ الضعيف في الصوم.......................................................... ١٨٣

النية وعلامة أول الشهر وآخره.......................................................... ١٨٥

في إكمال العدة........................................................................ ١٨٨

باب أقسام الصوم الواجب.............................................................. ١٨٩

الصوم الذي هو كفارة الظهار........................................................... ١٩١

٤٣٨

صوم كفارة قتل الخطأ.................................................................. ١٩٢

صوم كفارة اليمين..................................................................... ١٩٢

صيام أذى حلق الرأس.................................................................. ١٩٣

صوم دم المتعة.......................................................................... ١٩٤

صوم جزاء الصيد...................................................................... ١٩٤

صوم النذر............................................................................. ١٩٥

صوم الاعتكاف........................................................................ ١٩٦

صوم قضاء ما فات من شهر رمضان...................................................... ١٩٨

صيام من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا............................................... ١٩٩

باب في مسائل شتى..................................................................... ٢٠٠

الجماع في ليالي شهر رمضان............................................................ ٢٠١

أول الليل وآخره....................................................................... ٢٠٢

جواز النسخ في آية الصوم............................................................... ٢٠٤

باب الزيادات.......................................................................... ٢٠٥

( كتاب الزكاة )

باب وجوب الزكاة..................................................................... ٢١١

وجوب بعض الانفاقات غير الزكاة....................................................... ٢١٣

ما يجب فيه الزكاة وكيفيتها............................................................. ٢١٥

الا نصبة التي يؤخذ فيها الزكاة.......................................................... ٢١٨

لا تجب الزكاة في عروض التجارة........................................................ ٢٢٠

وجوب النية عند دفع الزكاة............................................................. ٢٢٢

٤٣٩

ذكر من يستحق الزكاة وأقل ما يعطى.................................................... ٢٢٤

الفرق بين الفقير والمسكين.............................................................. ٢٢٦

دفع الزكاة بغير اذن الإمام عند حضوره.................................................. ٢٢٨

عتق المملوك من مال الزكاة.............................................................. ٢٢٩

من يجب عليه الزكاة.................................................................... ٢٣٠

اعطاء الردئ في مال الزكاة.............................................................. ٢٣٢

التحذير من الشيطان المانع للصدقة....................................................... ٢٣٣

وصية إلى جباة الزكاة والصدقات........................................................ ٢٣٤

الشهور الهلالية هي الشهور الشرعية...................................................... ٢٣٦

الحث على الانفاق واعطاء الزكاة........................................................ ٢٣٨

التحذير من منع الزكاة وحقوق الله تعالى.................................................. ٢٤٠

باب ذكر الخمس وأحكامه.............................................................. ٢٤٢

تقسيم الخمس على ستة أقسام........................................................... ٢٤٣

ذو القربى هم بنو هاشم................................................................. ٢٤٤

الفئ ولمن هو؟......................................................................... ٢٤٧

باب الأنفال........................................................................... ٢٤٧

الأنفال ما أخذ من دار الحرب........................................................... ٢٤٩

مال الفئ غير مال الغنيمة................................................................ ٢٥٠

باب زكاة الفطرة....................................................................... ٢٥٢

باب الجزية............................................................................ ٢٥٤

باب الزيادات.......................................................................... ٢٥٧

٤٤٠