فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

حبحاب (١) ، لأنه اتى النبي عليه‌السلام بصاع من تمر وقال : يا رسول الله اني عملت في النخل بصاعين فتركت للعيال صاعا وأهديت لله صاعا. فقال المنافقون : ان الله لغني عما أتى به (٢).

والمتطوع المتنفل من طاعة الله ما ليس بواجب.

وقوله ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) (٣) أكثر المفسرين والعلماء على أن الوعيد يتناول مانع الزكاة الواجبة ، لان جمع المال ليس بمحظور ، وبعد اخراج حق الله منه فحفظه إليه ان شاء أحرزه بالدفن في الأرض أو بالوضع في الصندوق (٤).

وقال النبي عليه‌السلام : ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاة كنزه الا جئ بكنزه يوم القيامة فتحمى به جنبه وجبينه لعبوسه وازوراره ، وجعل السائل والساعي وراء ظهره (٥).

وروى ابن مهرايزد في تفسيره ان سائلا سأل أبا ذر وهو بالربذة : ما أنزلك هذا المنزل؟ فقال : كنا بالشام فسألني معاوية عن هذه الآية أهي فينا أم في أهل الكتاب فقال : قلت فينا وفيهم. فقال معاوية : بل هي في أهل الكتاب. ثم كتب إلى عثمان ان أبا ذر يطعن فينا ، فاستقدمني عثمان المدينة ، فلما أقبلت قال تنح قليلا ، فتنحيت إلى منزلي هذا.

__________________

(١) حبحاب ، أبو عقيل الأنصاري ، هو الذي لمزه المنافقون لما جاء بصاع من تمر صدقة ـ أسد الغابة ١ / ٣٦٦.

(٢) أسباب النزول ص ١٧٢ ، وفى تفسير البرهان ٢ / ١٤٨ ان المتصدق هو سالم بن

عمير الأنصاري.

(٣) سورة التوبة : ٣٤.

(٤) يعلم هذا من حديث منقول في تفسير البرهان ٢ / ١٢١ مروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(٥) بهذا المعنى في صحيح مسلم ٢ / ٦٨٢.

٢٤١

وعن الصادق عليه‌السلام من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت ، وهو قول الله تعالى ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) (١).

( باب ذكر الخمس وأحكامه )

قال الله تعالى ( واعلموا ان ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) (٢).

[ الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال ] (٣) وهي هبة من الله للمسلمين.

والخمس يجب فيها وفي كل فائدة تحصل للانسان من المكاسب وارباح التجارات وفى الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك. وهي خمسة وعشرون جنسا وكل واحد منها غنيمة ، فإذا كان كذلك فالاستدلال يمكن عليها كلها بهذه الآية ، ويدل عليها جملة قوله تعالى ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ).

ووقت وجوب الخمس فيه وقت حصوله ، لا يراعى فيه حؤول الحول ولا النصاب الذي في الزكاة الا في شيئين منها : أحدهما الكنوز ، فإنه يراعى فيها النصاب الذي يجب فيه زكاة الأثمان. والثاني الغوص ، فإنه يراعى فيه مقدار دينار ، وما عداهما لا يعتبر فيه مقدار. والتقدير واعلموا أن ما غنمتموه ، ما نصب اسم ان وغنمتم صلته.

وقوله ( فأن لله خمسه ) اي فأمره وشأنه أن لله خمسه ، فما بمعنى الذي ،

__________________

(١) سورة المؤمنون : ١٠٠ ، وانظر الحديث في تفسير البرهان ٣ / ١١٩.

(٢) سورة الأنفال : ٤١.

(٣) الزيادة من ج.

٢٤٢

ولا يجوز أن يكتب الا مفصولا ، لان كتبه موصولا يوجب كون ما كافة على ما عليه عرف أهل اللغة والنحو.

وقال الشيخ المفيد : الخمس يجب في المعدن إذا بلغ الموجود منه مبلغا قيمته مائتا درهم ، وبذلك نصوص عن أئمة آل محمد عليه وعليهم‌السلام ، ويؤيد ذلك قوله ( واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ) ، وما وجد في المعدن فهو من الغنائم بمقتضى العرف واللسان.

( فصل )

وأما قسمة الخمس فهو عندنا على ستة أقسام على ما ذكره الله : سهم لله وسهم لرسوله ، وهذان مع سهم ذي للقربى القائم مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينفقهما على نفسه وأهل بيته من بني هاشم ، وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل كلهم من أهل بيت الرسول عليه‌السلام لا يشركهم فيها باقي الناس ، لان الله عوضهم ذلك عما أباح لفقراء سائر المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم من الصدقات الواجبة المحرمة على أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو قول زين العابدين والباقر عليهما‌السلام ، روى الطبري باسناده عنهما.

واعلم أن الفقير إذا اطلق مفردا دخل فيه المسكين ، وكذا لفظ المسكين إذا أطلق مفردا دخل فيه الفقير ، لأنهما متقاربان في المعنى. ولم يذكر في آية الخمس الفقراء ـ كما جمع الله في آية الزكاة بينهما ـ لان هناك لهما سهمان من ثمانية أسهم ، وههنا أفرد لفظ المساكين وأراد بهم من له شئ لا يكفيه ومن شئ له ، ولكليهما سهم واحد من ستة أسهم.

٢٤٣

( فصل )

وقوله ( واليتامى والمساكين وابن السبيل ).

قال المغربي حاكيا عن الصابوني ان هؤلاء الثلاث الفرق لا يدخلون في سهم ذي القربى وإن كان عموم اللفظ يقتضيه لان سهامهم مفردة ، وهو الظاهر من المذهب.

وافراد لفظ ( ذي ) من ( ذي القربى ) دون أن يكون ذوي القربى على الجمع يحقق ما ذكرناه انه للامام القائم مقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والذين يستحقون الخمس عندنا من كان من ولد عبد المطلب ، لان هاشما لم يعقب الا منه من الطالبيين والعباسيين والحارثيين واللهبيين ، فأما ولد عبد مناف من المطلبين فلا شئ لهم منه.

وعن ابن عباس الخمس يقسم خمسة أقسام فسهم الله وسهم رسوله واحد.

وقال قوم يقسم أربعة أقسام سهم لبنى هاشم وثلاث للذين ذكرهم الله بعد ذلك من سائر المسلمين ، ذهب إليه الشافعي. وقال أهل العراق يقسم ثلاثة أقسام لان سهم الرسول صرف الأئمة الثلاثة إلى الكراع والسلاح. وقال مالك يقسم على ما ذكره الله. وقال أبو العالية ـ وهو رجل من صلحاء التابعين ـ يقسم على ستة أقسام فسهم الله للكعبة والباقي لمن ذكر بعد ذلك.

( فصل )

وعن ابن عباس ومجاهد ذو القربى بنو هاشم. وقد بينا ان المراد بذي القربى من كان أولى من أهل بيته في حياته ، وبعد النبي هو القائم مقامه ، وبه قال علي ابن الحسين عليهما‌السلام في رواياتهم. وقال الحسن وقتادة سهم الله ورسوله وسهم

٢٤٤

ذي القربى لولي الأمر من بعده ، وهو مثل مذهبنا.

واليتيم هو من مات أبوه وهو صغير ولم يبلغ. وابن السبيل هو المنقطع به في سفره ، سواء كان له في بلده يسار أو لم يكن ، ولا يجب أن يكون له في بلده يسار وانقطع به في السفر ، لان ذلك لا يقتضيه كلمة الأصل التي هي ابن السبيل ولا تفسيره الذي هو المنقطع به ، لان المسافر انما قيل له ابن السبيل لان السبيل أخرجه إلى هذا المستقر كما أخرجه أبوه إلى مستقره لقى محتاجا ، والمنقطع به هو الذي نفد ما عنده [ بل ضاع منه أو قطع به الطريق أو لغير ذلك ، سواء كان ما عنده ] (١) قليلا أو كثيرا ، وسواء كان من ورائه شئ أو لم يكن.

وذكر الشيخ في المبسوط ان ابن السبيل على ضربين : أحدهما المنشئ للسفر من بلده ، الثاني المجتاز بغيره بلده. وكلاهما مستحق للصدقة عند أبي حنيفة والشافعي ، ولا يستحقها الا المجتاز عند مالك. وهو الأصح ، لأنهم عليهم‌السلام فسروه فقالوا هو المنقطع به وإن كان في بلده ذا يسار ، فدل ذلك على أنه المجتاز. وقد روي أن الضيف داخل فيه. والمنشئ للسفر من بلده إذا كان فقيرا جاز أن يعطى من سهم الفقراء دون سهم ابن السبيل.

ثم قسم السفر إلى طاعة ومعصية ، قال : فإذا كان طاعة أو مباحا استحق بهما الصدقة ، ولا يستباح بسفر المعصية الصدقة. ثم قال : فابن السبيل متى كان منشئا للسفر من بلده ولم يكن له مال أعطي من سهم الفقراء عندنا ومن سهم ابن السبيل عندهم ، وإن كان له مال لا يدفع إليه لأنه غير محتاج بلا خلاف ، وإن كان مجتازا بغير بلده وليس معه شئ دفع إليه وإن كان غنيا في بلده لأنه محتاج في موضعه.

هذا كلامه في باب الزكاة. والصحيح ان المنشئ من بلده للسفر ليعطى شيئا في بلد آخر لا مانع من أن يدفع إليه من سهم ابن السبيل مقدار ما يوصله إلى بلده.

__________________

(١) الزيادة ليست في ج.

٢٤٥

( فصل )

قال المرتضى رضي‌الله‌عنه : ان تمسك الخصم بقوله ( واعلموا أن ما غنمتم فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) وقال : عموم الكلام يقتضي ألا يكون ذو القربى واحدا ، وعموم قوله ( واليتامى والمساكين وابن السبيل ) يقتضي تناوله لكل من كان بهذه الصفات ولا يختص ببني هاشم ، ومذهبكم يخالف ظاهر الكتاب لأنكم تخصون الامام بسهم ذي القربى ولا تجعلونه لجميع قرابة الرسول من بني هاشم ، وتقولون ان الثلاثة الأسهم الباقية هي ليتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا تتعدونهم إلى غيرهم ممن استحق هذا الاسم وهذه الأوصاف.

وأجاب عنه فقال : ليس يمتنع تخصيص ما ظاهره العموم بالأدلة ، على أنه لا خلاف بين الأمة في تخصيص هذه الظواهر ، لان ذا القربى عام وقد خصوه بقربى النبي عليه‌السلام دون غيره. ولفظ اليتامى والمسكين وابن السبيل عام في المشترك والذمي والغني والفقير ، وقد خصته الجماعة ببعض من له هذه الصفة. على أن من ذهب من أصحابنا إلى أن ذا القربى هو الإمام القائم مقام النبي خاصة وسمي بذلك لقربه منه نسبا وتخصصا ، فالظاهر معه لان قوله ( ذي القربى ) لفظ وحدة ، ولو أراد الجمع لقال ذوي القربى ، فمن حمل ذلك على الجمع فهو مخالف للظاهر (١).

فأما الاستدلال بأن ذا القربى في الآية لا يجوز أن يحمل على جميع ذوي القرابات من بني هاشم ، فان ما عطف على ذلك من اليتامى والمساكين وابن السبيل إذا يلزم أن يكونوا غير الأقارب ، لان الشئ لا يعطف على نفسه. فضعيف وذلك غير لازم ، لان الشئ وان لم يعطف على نفسه فقد يعطف صفة على أخرى والموصوف واحد.

__________________

(١) انظر كلام المرتضى في الانتصار ص ٨٧ ـ ٨٨ مع بعض الاختلاف في الألفاظ.

٢٤٦

( فصل )

والفئ ما أخذ بغير قتال في قول عطاء والسائب وسفيان الثوري ، وهو قول الشافعي ، وهو اختيارنا. وقال قوم الغنيمة والفئ واحد.

قوله تعالى ( واعلموا ان ما غنمتم ) إلى آخر الآية ، ناسخ للآية التي في الحشر من قوله ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) (١). قالوا : لان الله بين في آية الغنيمة أن الأربعة الأخماس للمقاتلة وخمسها للرسول ولأقربائه ، وفى آية الحشر كلها له. وعلى القول الأول لا يحتاج إلى هذا لأنه الفئ.

وعندنا الفئ للامام خاصة ، يفرقه فيمن يشاء يضعه في مؤنة نفسه وذي قرابته واليتامى والمساكين وابن السبيل من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس لسائر الناس فيه شئ.

وكذلك قيل في قوله تعالى ( ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى ) (٢) أن الامر فيه باعطاء ذي القربى هو أمر بصلة قرابة النبي عليه‌السلام ، وهم الذين أرادهم الله بقوله ( فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) (٣).

( باب الأنفال )

روي أنه لما نزل قوله تعالى ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله

__________________

(١) سورة الحشر : ٧.

(٢) سورة النحل : ٩٠.

(٣) سورة الأنفال : ٤١.

٢٤٧

وللرسول ولذي القربى واليتامى وابن السبيل ) الآية ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجبرئيل عليه‌السلام : لمن هذا الفئ؟ فأنزل الله قوله ( وآت ذا القربى حقه ) (١) فاستدعى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام فأعطاها فدكا وسلمها إليها ، فكان وكلاؤها فيها طول حياة النبي من عند نزولها ، فلما مضى رسول الله أخذها أبو بكر ولم يقبل بينتها ولا سمع دعواها ، فطالبت بالميراث لان من له حق إذا منع من وجه جاز له أن يتوصل إليه بوجه آخر ، فقال لها : سمعت رسول الله يقول ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) فمنعها الميراث بهذا الكلام ، وهذا مشهور.

وروى علي بن أسباط قال : لما ورد أبو الحسن موسى عليه‌السلام على المهدى الخليفة وجده يرد المظالم فقال : ما بال مظلمتنا لا ترد؟ فقال : ما هي يا أبا الحسن؟ فقال : ان الله لما فتح على نبيه فدك وما والاها ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه ( وآت ذا القربى ) فلم يدر رسول الله من هم ، فراجع في ذلك جبريل ، فسأل الله عن ذلك ، فأوحى الله إليه أن ادفع فدكا إلى فاطمة ، فدعاها رسول الله فقال لها : يا فاطمة ان الله أمرني أن ادفع إليك فدك.

فقالت : قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله ، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته فسألته أن يرد عليها ، فقال ايتني بأسود أو احمر ، فجاءت بأمير المؤمنين والحسن والحسين وأم أيمن ، فشهدوا لها فكتب بترك التعرض ، فخرجت والكتاب معها ، فلقيها عمر فقال : ما هذا معك يا بنت محمد؟ قالت : كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. قال : فأرينه ، فأبت فانتزعه من يدها فنظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه وقال : هذا لان أبيك لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وتركها ومضى. فقال له المهدي : حدها ، فحدها فقال : هذا كثير وأنظر فيه (٢).

__________________

(١) سورة الإسراء : ٢٦.

(٢) تفسير البرهان ٢ / ٤١٤.

٢٤٨

( فصل )

وقوله تعالى ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول ) (١) وروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : ان الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى أهلها عنها (٢).

وقسمها الفقهاء فيئا وميراث من لا وارث له وغير ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه.

وهو لله وللرسول وبعده للقائم مقامه يصرف حيث يشاء من مصالح نفسه ومن يلزمه مؤنته ، ليس لأحد فيه شئ.

وقالا كانت غنائم بدر للنبي عليه‌السلام خاصة فسألوه أن يعطيهم.

وفي قراءة أهل البيت ( يسألونك الأنفال ) (٣) فأنزل الله قوله ( قل الأنفال لله وللرسول ) ولذلك قال تعالى ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) ولو سألوه عن موضع الاستحقاق لم يقل ( فاتقوا الله ). وقد اختلفوا في ذلك اختلافا شديدا ، والصحيح ما ذكرناه.

وقال قوم : نزلت في بعض أصحاب النبي سأله من المغنم شيئا قبل القسمة فلم يعطه إياها ، فجعل الله جميع ذلك للنبي عليه‌السلام وكان نفل قوما. وقال آخرون لو أردنا لاخذنا ، فأنزل الله الآية يعلمهم ان ما فعل فيها رسول الله ماض ، وقال معنى ( عن ) معنى من ، وكان ابن مسعود يقرأ ( يسألونك الأنفال ).

__________________

(١) سورة الأنفال : ١.

(٢) تفسير البرهان ٢ / ٦١.

(٣) نقل ذلك عن زين العابدين والباقر والصادق عليهم‌السلام ـ انظر مجمع البيان ٢ / ٥١٦.

٢٤٩

وقال الحسن : قال النبي عليه‌السلام : أيما سرية خرجت بغير اذن امامها فما أصابت من شئ فهو غلول.

واختلفوا هل لاحد بعد النبي أن ينفل : فقال جماعة من الفقهاء ـ واختاره الطبري ـ ان للأئمة أن يتأسوا بالنبي في ذلك.

و ( ذات بينكم ) قال الزجاج أراد الحال التي ينصلح بها أمر المسلمين.

( فصل )

وأما قوله ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى ) فاوله ( وما أفاء الله على رسوله منهم ) يعني من اليهود والذين أجلاهم من بني النضير وإن كان الحكم سائر في جمع الكفار إذا كان حكمهم حكمهم.

والفئ رد ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إياهم على ما شرط فيه. وقال عمر الفئ مال الخراج والجزية. وقيل هو كل ما رجع من أموال الكافرين إلى المؤمنين فمنه غنيمة وغير غنيمة.

والذي نذهب إليه أن مال الفئ غير مال الغنيمة ، فالغنيمة كل ما أخذ بالسيف من دار الحرب عنوة على ما قدمناه ، والفئ كل ما أخذ من الكفار بغير قتال أو انجلى أهلها ، وكان ذلك للنبي عليه‌السلام ، وهي لمن قام مقامه. ومال بنى النضير كان له عليه‌السلام ، لأنه لما نزل المدينة عاقدوه على أن لا يكونوا لا عليه ولا له ، ثم نقضوا العهد وأرادوا أن يطرحوا عليه حجرا حين مشى النبي إليهم يستعين بهم ، فأجلاهم الله عن منازلهم.

و ( ما أفاء الله ) يعني ما رجعه الله على رسوله منهم ـ يعنى من بني النضير ـ فهو له يفعل فيه ما يشاء وليس فيه لاحد حظ.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيما قرية فتح الله ورسوله بغير قتال فهي لله

٢٥٠

ولرسوله ، وأيما قرية فتحها المسلمون عنوة فأن لله خمسه وللرسول ولأقربائه وما بقي غنيمة لمن قاتل عليها إذا كان يصح نقله إلى دار السلام ، فإن لم يمكن نقله فهو لبيت المال.

ثم قال ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يعني لم يوجفوا على ذلك بخيل ولا ركاب وانما جلوا عن الرعب ولم يكن هناك قتال.

ثم بين المستحق لذلك فقال ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) يعني قرى بنى النضير ( فلله ولرسوله ولذي القربى ) يعني من أهل بيته ، وظاهره يقتضى أنه لهؤلاء سواء كانوا أغنياء أو فقراء. ثم بين لم فعل ذلك فقال ( كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) فالدولة نقل النعمة من قوم إلى قوم.

ثم قال ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) أي ما أعطاكم الرسول من الفئ فخذوه وارضوا به ، فان مال بنى النضير للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه فئ لا غنيمة ، والنبي عليه‌السلام انما وضعه في المهاجرين إذا كان بهم حاجة ولم يعط الأنصار الا أبا دجانة وسهل بن حنيف لفقرهما ، وانما وضعه في المذكورين للفقر لا من حيث كان لهم نصيب ، وهو لمن قام مقامه من الأئمة.

وقوله ( للفقراء ) ليست اللام للتمليك والاستحقاق وانما هي للتخصيص من حيث تبرع النبي عليه‌السلام بشئ منه لهم كما تقدم ، بل اللام يتعلق بمعنى الكلام في قوله ( ما آتاكم الرسول ) أي ما آتاكم الرسول ايتاءا للفقراء. ومن قال ( للفقراء ) بدل من قوله ( ذوي القربى ) غفل عن سبب نزول الآية.

وأما قوله ( والذين تبوأوا الدار ) فمبتدأ وخبره ( يحبون ) (١) ، وكذا ( والذين جاؤوا ) مبتدأ وخبره ( يقولون ) (٢) ، فلا تتوهم أن هؤلاء كلهم مشتركون في ذلك الفئ كما يدعيه المخالفون.

__________________

(١) سورة الحشر : ٩.

(٢) سورة الحشر : ١٠.

٢٥١

( باب زكاة الفطرة )

كل آية دلت على زكاة المال تدل على زكاة الرؤوس ، لعمومها ولفقد الاختصاص وقد روي عن آل محمد عليهم‌السلام أن قوله تعالى ( قد أفلح من تزكى ) (١) المراد به زكاة الفطرة وفيها نزلت خاصة (٢) ، فمن ملك قبل أن يهل شوال بلحظة نصابا وجب عليه اخراج الفطرة.

وقوله ( وذكر اسم ربه فصلى ) (٣) إشارة إلى صلاة العيد ، وذلك لان اخراج الفطرة يجب يوم الفطر قبل صلاة العيد على ما بدأ الله به في الآية.

وقال العلماء والمفسرون كل موضع من القرآن يدل على الصلوات الخمس وزكاة الأموال فذكر الصلاة فيه مقدم كقوله ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (٤) ، وقدم الزكاة في هذه الآية على الصلاة فقال ( قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى ) اعلاما أن تلك الزكاة زكاة الفطرة [ وان تلك الصلاة صلاة العيد.

ويحتاج في زكاة الفطرة ] (٥) إلى معرفة خمسة أشياء : من تجب عليه ، ومتى تجب ، وما الذي يجب ، وكم يجب ، ومن يستحقها. ويعلم تفصيلها من سنة النبي عليه‌السلام ، وقد بينها بقوله ( وأنزلنا إليك الذكر للتبين للناس ما نزل إليهم ).

وتجب الفطرة على كل حر بالغ مالك لما يجب فيه زكاة المال ، ويلزمه أن يخرجه عن نفسه وعن جميع من يعوله حتى فطرة خادمة زوجته ، لقوله ( وعاشروهن

__________________

(١) سورة الاعلى : ١٤.

(٢) انظر تفسير البرهان ٤ / ٤٥٠.

(٣) سورة الاعلى : ١٥.

(٤) سورة البقرة : ٤٣.

(٥) الزيادة من م.

٢٥٢

بالمعروف ) (١) وهذا من المعروف. فان أهل شوال وزوجته المدخول بها مقيمة على النشوز لم يلزمه فطرتها. والمرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر لا يلزمها فطرة نفسها ، وتسقط عن الزوج لاعساره. ولو قلنا أنها إذا ملكت نصابا وجب عليها الفطرة كان قويا ، لعموم الخبر إذا كان الحال هده.

والفطرة صاع من أحد أجناس ستة : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والأرز ، والأقط (٢).

ولا يجوز أن يخرج صاع من جنسين ، ويجوز اخراج قيمته. ولا يجوز اخراج المسوس والمدود منها لقوله تعالى ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) (٣).

قال الصادق عليه‌السلام « تمام الصوم اعطاء الزكاة ـ يعنى الفطرة ـ كالصلاة على النبي وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ومن صلى ولم يصل على النبي وآله فلا صلاة له. ان الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة فقال ( قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى ) (٤).

ويمكن أن يقال : ان هذا فيمن صام واعتقد أن الفطرة لا تجب عليه وعلى وجه وكان ابن مسعود يقول : رحم الله امرءا تصدق ثم صلى ، ويقرأ هذه الآية.

( فصل )

فان قيل : روي في قوله ( قد أفلح من تزكى ) عن ابن عمر وأبى العالية

__________________

(١) سورة النساء : ١٩.

(٢) في العباب : روى أبو سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه أنه قال : كنا نخرج زكاة الفطرة : صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من زبيب ( هـ ج ).

(٣) سورة البقرة : ٢٦٧.

(٤) وسائل الشيعة ٦ / ٢٢١ مع اختلاف في بعض الألفاظ.

٢٥٣

وعكرمة وابن سيرين أنه أراد صدقة الفطرة وصلاة العيد (١) ، وكيف يصح ذلك والسورة مكية ولم يكن هناك صلاة عيد ولا زكاة فطرة.

قلنا : يحتمل أن يكون نزلت أوائلها بمكة وختمت بالمدينة (٢).

قال تعالى ( فلا صدق ولا صلى ) أي لم يتصدق ولم يصل ( لكن كذب ) بالله ( وتولى ) عن طاعته (٣). وكأنه في زكاة الفطرة ، لأنه ابتدأ بذكر الصدقة ثم بالصلاة على ما قدمنا. والصدقة العطية للفقير (٤).

وقال تعالى ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) (٥) والشح منع الواجب في الشرع ، وكذا البخل (٦) قال الله تعالى ( سيطوقون ما بخلوا به ) (٧) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : انه شجاع أقرع طوقوا به ـ رواه أبو جعفر عليه‌السلام (٨).

( باب الجزية )

قال الله تعالى ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) (٩) والجزية عبارة

__________________

(١) انظر الدر المنثور ٦ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٢) نقل عن الضحاك انها مدنية ـ انظر مجمع البيان ٥ / ٤٧٢.

(٣) سورة القيامة : ٣١ ـ ٣٢.

(٤) هذا من الجانب الشرعي ـ انظر لسان العرب ( صدق ).

(٥) سورة الحشر : ٩ وسورة التغابن : ١٦.

(٦) قال ابن منظور : الشح والشح ـ بضم الشين وفتحها ـ البخل ، والضم أعلى ، وقيل هو البخل مع الحرص ، وفى الحديث ( إياكم والشح ) ، الشح أشد البخل ، وهو أبلغ في المنع من البخل ، وقيل البخل في افراد الأمور وآحادها والشح عام. وقيل للبخل بالمال والشح بالمال والمعروف ـ لسان العرب ( شحح ).

(٧) سورة آل عمران : ١٨٠.

(٨) تفسير البرهان ١ / ٣٢٧.

(٩) سورة التوبة : ٢٩.

٢٥٤

شرعية عن حق مخصوص يؤخذ من أهل الكتاب ليقروا على دينهم ، كما أن المأخوذ من أموال المسلمين على جهة الطهر يسمى زكاة ، وكلاهما اسم شرعي.

والمعنى ان ذلك إذا أدوه أغنى عنهم ، لاجتزاء للمؤمنين لهم منهم والابقاء به على دمائهم ، مأخوذة من قولهم ( هذا الشئ يجزي عن فلان ) أي يغني عنه ويكفي.

وقد طعن الدهرية في أمر الجزية وأخذها وابقاء العاصي على كفره لهذا النفع اليسير من جهته ، فكأنه إجازة الكفر لأجل الرشوة المأخوذة من أهل الذمة.

الجواب : لم تؤخذ الجزية للرضا بالكفر. وفيه وجه حسن ، وهو أن ابقاءه أحسن في العقل من قبله ، لان الفرض بتكليفه نفعه ، وهو ما دام حيا فعلى حد الرجاء من التوبة والايمان ، بأن يتذكر ما غفل عنه ، وإذا قتل فقد انقطع الرجاء. وهم أهل الكتاب يوحدون الله باللسان ، بخلاف الكافر الحربي فان الحكمة تقتضي قتله الا أن يسلم. وإذا أخذ الجزية من هؤلاء وبقوا ربما يكون سببا للايمان ، وذو النفس الدنية ربما يفادي من ذهاب المال عنه الدخول في الدين. وفيه منفعة المؤمنين جملة وعلى أهل الذمة إهانة ، فالطعن ساقط.

( فصل )

قيل : ان قوله تعالى ( وقولوا للناس حسنا ) (١) نزلت في أهل الذمة ، ثم نسخها قوله ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) (٢) ، فأوجب الجزية على أهل الكتاب من الرجال البالغين.

والفقير الذي لا شئ معه يجب عليه الجزية ، لأنه لا دليل على اسقاطها منه ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٣.

(٢) سورة التوبة : ٢٩.

٢٥٥

وعموم الآية يقتضيه ، فإذا لم يقدر على أدائها كانت في ذمته ، فإذا استغنى أخذت منه من يوم ضمنها.

وبدليل العقل تسقط من مجانينهم ونواقصي العقول منهم.

وما للجزية حد ، لأنه من كل انسان منهم ما شاء على قدر ماله ومما يطيق ، انما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا ، فتؤخذ منهم على قدر ما يطيقون حتى يسلموا ، فان الله قال ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ، فمنهم من لا يكترث مما يؤخذ منه ، فإذا وجد ذلا يسلم الجزية بيده صاغرا فإنما على طريق الاذلال [ بذلك وقابضها منه يكون قاعدا تألم لذلك يسلم ] (١).

وقوله تعالى ( فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) (٢) يدل على أن من وجبت عليه الجزية وحل الوقت فأسلم قبل أن يعطيها سقطت عنه ولم يلزمه أداؤها ، لان ذلك على العموم.

وأما عقد الجزية فهو الذمة ، ولا يصح الا بشرطين : التزام الجزية ، وأن يجرى عليهم أحكام المسلمين من غير استثناء. فالتزام الجزية وضمانها لابد منه ، لقوله ( قاتلوا الذين لا يؤمنون ) إلى قوله ( حتى يعطوا الجزية ) وحقيقة الاعطاء هو الدفع ، غير أن المراد ههنا هو الضمان وان لم يحصل الدفع.

وأما التزام أحكامنا عليهم فلابد منه ، وهو الصغار المذكور في الآية ، ففي الناس من قال الصغار هو وجوب جري احكامنا عليهم ، ومنهم من قال الصغار أن تؤخذ الجزية منه قائما والمسلم جالس عن خشوع وضراعة وذل واستكانة من الذمي وعن يد من المسلمين ونعمة منهم عليهم في حقن دمائهم وقبول الجزية منهم.

ولاحد لها محدود ، بل يضعها الامام على أرضهم أو على رؤوسهم على قدر

__________________

(١) الزيادة من ج.

(٢) سورة التوبة : ١١.

٢٥٦

أحوالهم من الضعف والقوة بقدر ما يكونون به صاغرين. وما روي أن عليا عليه السلام وضع على الموسر منهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى المبسوط أربعة وعشرين درهما ، وعلى المتجمل اثنى عشر درهما ـ (١) انما فعله لما رآه في تلك الحال من المصلحة.

( باب الزيادات )

أما قوله تعالى ( انما الصدقات للفقراء ) فقصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة وأنها مختصة بهم ، كأنه قيل انما هي لهم لا لغيرهم ، ونحوه قولهم ( انما الخلافة لقريش ) يريدون لا يتعداهم ولا يكون لغيرهم ، فيحتمل أن تصرف إلى الأصناف كلها وأن تصرف إلى بعضها.

( مسألة )

فان قيل : لم عدل عن اللام التي في الأربعة الأولة من قوله ( للفقراء ) التي في الأربعة الأخيرة؟

قلنا : قال بعض المفسرين : ان ذلك للايذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره ، لان في للدعاء ، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر ، وفى فك الغارمين من الغرم من التخليص والانفاذ.

ويجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعالة ، وكذلك ابن السبيل الجامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال ، وتكرير ( في ) في قوله ( وفي سبيل الله ) فيه فضل ترجيح لهذين على الغارمين.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ / ١١٥.

٢٥٧

وقيل : اللام في الأصناف الأربعة تدل على أن تلك الصدقة لهم يفعلون به ما أرادوا وينفقون كما شاؤوا مما أبيح لهم ، ولفظة ( في ) تدل أن الصدقة التي تعطى المكاتب والغارم ليس لهما أن ينفقا على أنفسهما وأهاليهما وانما يضعان في فك الرقبة والذمة ، فيوصل المكاتب إلى سيده المديون إلى غريمه.

وقوله ( فريضة ) مصدر مؤكد ، لان قوله ( انما الصدقات للفقراء ) معناه فرض الله الصدقات لهم.

( مسألة )

وقوله ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول ) (١) قال النبي عليه‌السلام : أيها الناس انه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم ، صلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيتكم وأدوا زكاة أموالكم تدخلوا جنة ربكم.

فاشتملت هذه الآية على جميع العبادات.

( مسألة )

وأما قوله ( واعلموا أن ما غنمتم من شئ ) (٢) فما بمعنى الذي ومن شئ بيانه.

قيل من كل شئ حتى الحنطة والمخيط ، وقيل من بعض الأشياء لا من جميعها ، فيكون التقدير من شئ مخصوص ، فحذف الصفة ، كقوله ( فإن كان له اخوة ) (٣) أي من الام.

وقوله ( فأن لله ) تقديره فواجب أن لله خمسه ، كأنه قيل فلابد من ثبات

__________________

(١) سورة النور : ٥٦.

(٢) سورة الأنفال : ٤١.

(٣) سورة النساء : ١١.

٢٥٨

الخمس (١) فيه من حيث إنه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدرات كقولك واجب ثابت حق لازم وما أشبه ذلك كان أقوى لايجابه من النص على واحده وتعلق قوله ( ان كنتم آمنتم بالله ) بمحذوف ، ويدل عليه ( اعلموا ) اي ان كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس لهؤلاء المذكورين ، وليس المراد العلم المجرد ولكنه العلم المضمن بالعمل والطاعة لأمر الله ، لان العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر.

( مسألة )

فان قيل : ما معنى ذكر الله وعطف الرسول وغيره عليه في قوله تعالى ( فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) الآية ، وما المراد بالجمع بين الله ورسوله في قوله ( قل الأنفال لله والرسول )؟.

قلنا : أما آية الغنيمة فان الله لما رأى المصلحة أن يكون خمس الغنيمة على ستة أقسام ويكون لرسوله سهمان منه في حال حياته وسهم لذي قرباه وثلاثة الأسهم الباقية ليتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم ويكون بعد وفاة رسول الله سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى لذي قربى الرسول القائم مقامه ، فصل تفصيلا في ذلك تمهيدا لعذره عليه‌السلام وقطعا لاطماع كل طامع.

وكذلك آية الأنفال لما علم الله الصلاح في الأنفال أن تكون خاصة لرسوله وبعده لمن يقوم مقامه من ذي قرباه أضافها إلى نفسه والى رسوله لكيلا تكون دولة بين هذا وذا ، وأبى القوم الا أن تكون دولة بينهم.

( مسألة )

وقوله ( وما أفاء الله على رسوله ) أي ما جعله الله فيئا له خاصة ، فما أوجفتم

__________________

(١) أي كأن الله تعالى قال أن ما غنمتم من شئ فلابد من ثبات الخمس فيه ( هـ ج ).

٢٥٩

على تحصيله خيلا ولا تعبتم في الاقتتال عليه ولكن سلط الله رسوله على مال بنى النضير ونحوه ، فالامر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء ، يعنى أنه لا يقسم قسمة الغنائم التي قوتل عليها ، وذلك أنهم طلبوا القسمة فنزلت الآية.

ثم قال ( ما أفاء الله على رسوله ) ولم يدخل الواو العاطفة لأنه بيان للجملة الأولى ، فالجملة الأخيرة غير أجنبية عنها ، بين لرسول الله ما يصنع بما أفاء الله عليه وإن كان هو حقه نحلة من الله في هذه الآية وفي قوله ( وآت ذا القربى حقه ).

( مسألة )

وعن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد الله عليه‌السلام : أرأيت قول الله ( انما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية ، أكل هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ فقال : ان الامام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون بالطاعة ، وانما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه ، فأما اليوم فلا تعطيها أنت وأصحابك الا من تعرف ، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فاعطه دون الناس (١).

( مسألة )

فان قيل : كيف قال ( وفى الرقاب ) بعد قوله ( وآت المال على حبه ذوي القربى ) ولا يقال اتى المال فيه.

قلنا : المفعول محذوف ، والتقدير وآت في فك الرقاب سيدهم وفى حق الغارمين أصحاب ديونهم ولا تعطى المملوك المال ينفق على نفسه وانما يعطى ليدفع إلى مولاه فينعتق ، سواء كان مكاتبا أو مملوكا.

__________________

(١) تفسير البرهان ٢ / ١٣٥.

٢٦٠