فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

وسمعت بعض مشايخي مذاكرة أنه مخصوص بالنوافل ، والأظهر أنه على العموم.

ومن شجون الحديث (١) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا أبا سعيد الخدري وهو في الصلاة فلم يجبه ، فوبخه وقال : ألم تسمع قول الله ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) (٢).

( فصل )

وقوله تعالى ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) (٣) ، أي يصلون على قدر امكانهم في صحتهم وسقمهم ، وهو المروى في اخبارنا (٤) ، لان الصلاة يلزم التكليف ما دام عقله ثابتا ، فإن لم يتمكن من الصلاة لا قائما ولا قاعدا ولا مضطجعا فليصل موميا ، يبدأ بالصلاة بالتكبير ويقرأ ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ، فإذا رفع رأسه فتحهما ، وإذا أراد السجود غمضهما ، وإذا رفع رأسه فتحهما ، وإذا أراد السجود الثاني غمضهما ، وإذا رفع رأسه فتحهما ، وعلى هذا صلاته.

وقوله ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) (٥) إن كان صلى ركعة مستلقيا هكذا ثم قوي على أن يصلي مضطجعا ، أو كان صلى مضطجعا وقدر أن يصلي قاعدا ، أو كان يصلي قاعدا فقوي أن يصلي قائما رجع إليه.

وكذا على عكسه ان صلى ركعة قائما فضعف عن القيام صلى الباقي قاعدا.

__________________

(١) الشجن ـ بتسكين الجيم ـ واحد شجون الأودية ، وهي طرقها. ويقال ( الحديث ذو شجون ) أي يدخل بعضه في بعض ـ صحاح اللغة ٥ / ٢١٤٣.

(٢) سورة الأنفال : ٢٤.

(٣) سوره آل عمران : ١٩١.

(٤) تفسير البرهان ١ / ٣٣٢.

(٥) سورة النساء : ١٠٣.

١٢١

وعن ابن مسعود نزلت هذه الآية في صلاة المريض ، لقوله ( وقعودا وعلى جنوبهم ).

والعريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلى قائما ، وإذا كان بحيث لا يأمن أن يراه أحد صلى جالسا ، للآية ولقوله ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) (١).

وقال ابن عباس : لم يعذر أحد في تركه للصلاة الا مغلوب على عقله. وهذا يدل على عظم حال الصلاة.

( فصل )

وقوله تعالى ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) (٢).

يستدل بهذه الآية على أن من ترك الصلاة متعمدا يجب قتله البتة على بعض الوجوه ، لان الله تعالى أوجب الامتناع من قتل المشركين بشرطين : أحدهما أن يتوبوا من الشرك ، والثاني أن يقيموا الصلاة. فإذا لم يقيموا وجب قتلهم.

ثم قال ( فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم ) (٣) تقديره فهم اخوانكم.

أما قوله ( وما كان صلاتهم عند البيت الا مكاءا وتصدية ) (٤) ، فمعناه انه اخبار من الله تعالى انه لم يكن صلاة هؤلاء الكفار تلك الصلاة التي أمروا بها ، فأخبر تعالى بذلك لئلا يظن ظان ان الله لا يعذبهم مع كونهم مصلين ومستغفرين. ثم قال تعالى ( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ) (٥).

وانما سمى الله مكاءهم صلاة لأنهم يجعلون ذلك مكان الصلاة والدعاء

__________________

(١) سورة الحج : ٧٨.

(٢) سورة التوبة : ٥.

(٣) سورة التوبة : ١١.

(٤) سورة الأنفال : ٣٥.

(٥) سورة الأنفال : ٣٤.

١٢٢

والتسبيح المشروع. والمكاء الصفير ، والتصدية التصفيق. ولأنهم كانوا يعملون كعمل الصلاة مما في هذا. وقيل كان بعضهم يتصدى البعض ليراه بذلك الفعل وكان يصفر له.

( باب قضاء الصلاة وتركها )

اعلم أن القضاء هو فرض ثان ، يدل عليه السنة على سبيل التفصيل. ويستدل عليه من القرآن بقوله ( واذكر ربك إذا نسيت ) (١) على طريق الجملة ، وعلى ما قدمناه في قوله ( وأقم الصلاة لذكري ) (٢).

ثم من كان مخاطبا بالصلاة ففاتته ، فإن كان كافرا في الأصل فالصلاة الفائتة منه في حال كفره لا يلزمه قضاؤها ، وإن كان مخاطبا بالشرائع بالدليل القاطع ، وعموم قوله ( ان تجتنبون كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ندخلكم مدخلا كريما ) (٣) يشهد ببراءة ذمته التي هي الأصل. والسنة قد فصلت انه لا يلزمه قضاؤها.

فأما من كان على ظاهر الاسلام بالغا كامل العقل ، فان جميع ما يفوته من الصلوات بعذر وغير عذر يلزمه قضاؤها حسب ما فاتته ان سفرا فسفر وان حضرا فحضر. وكذا ما يفوته في حال النوم المعتاد أو حال السكر أو تناول الأشياء المرقدة.

وإن كان على مذهب فاسد كالتشبيه ونحوه وكان صلى أو لم يصل ، فإذا استبصر.

وجب عليه قضاء جميع ذلك.

__________________

(١) سورة الكهف : ٢٤.

(٢) سورة طه : ١٤.

(٣) سورة النساء : ٣١.

١٢٣

( فصل )

وقوله تعالى ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر ) (١) أي يخلف كل واحد منهما صاحبه مما يحتاج أن يعمل فيه ، فمن فاته عمل الليل استدركه بالنهار ، ومن فاته عمل النهار استدركه بالليل على الفور ، وهو قوله ( لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ).

عن أكثر المفسرين : ان الله أراد أن يجعل الليل والنهار وقتين للمتذكرين والشاكرين من فاته في أحدهما ورده من العبادة قام به في الاخر.

وعن عنبسة العابد سألت الصادق عليه‌السلام عن قول الله ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا )؟ قال : قضاء صلاة الليل بالنهار وقضاء صلاة النهار بالليل (٢).

وفى رواية عن غيره أن أبا عبد الله عليه‌السلام قال في قوله ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ) يقضى صلاة النهار بالليل وصلاة الليل بالنهار (٣).

وقوله ( لمن أراد أن يذكر ) كلام مجمل يفسره قوله عليه‌السلام : من نسي صلاة فوقتها حين يذكرها (٤). يعني إذا ذكر أنها فاتته قضاها لقوله تعالى ( أقم الصلاة لذكرى ).

__________________

(١) سورة الفرقان : ٦٢.

(٢) تفسير البرهان ٣ / ١٧٣.

(٣) تفسير البرهان ٣ / ١٧٣.

(٤) وسائل الشيعة ٣ / ٣٤٨.

١٢٤

( باب ذكر صلاة الليل وذكر جميع النوافل )

قال الله تعالى ( يا أيها المزمل * قم الليل ) (١).

وهذا أمر من الله لنبيه عليه‌السلام بقيام جميع الليل الا القليل منه ، والخطاب معه حين التف بثيابه تأهبا للصلاة. وقيل التف بثيابه للنوم. وقال الحسن : ان الله فرض على النبي والمؤمنين أن يقوموا ثلث الليل فما زاد ، فقاموا حتى تورمت أقدامهم ثم نسخ تخفيفا عنهم. وقال غيره : هو فعل لم ينسخ ، لأنه لو كان فرضا لما خير في ذلك وانما بين تخفيف الثقل.

وقال قوم : المرغب فيه قيام ثلث الليل أو نصف الليل أو الليل كله الا القليل ، وانما لم يرغب بالآية في قيام جميعه لأنه تعالى قال ( الا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ) يعني على النصف.

وقال الزجاج : نصفه بدل من الليل بدل البعض من الكل ، كقوله ( ضرب زيد رأسه ) ، والمعنى قم نصف الليل أو زد على نصف الليل ، وذلك قبل أن يتعبد بالصلوات الخمس.

وعن ابن عباس وغيره : كان بين أول السورة وآخرها الذي نزل فيه التخفيف سنة. وقال ابن جبير عشر سنين. وقال الحسن وعكرمة نسخت الثانية الأولة.

والأولى أن يكون الكلام على ظاهره ويكون جميع ذلك سنة مؤكدة الا أنه ليس بفرض.

( فصل )

وقوله ( ورتل القرآن ترتيلا ) (٢) أمر من الله له بأن يرتل القراءة.

__________________

(١) سورة المزمل : ١ ـ ٢.

(٢) سورة المزمل : ٤.

١٢٥

والترتيل ترتيب الحروف على حقها في تلاوتها وتبيين الاعراب تثبت فيها.

والحدر هو الاسراع فيها. وكلاهما حسن ، الا أن الترتيل ههنا هو المرغب فيه.

و ( ناشئة الليل ) (١) ساعات التهجد من الليل. وقال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام هو القيام آخر الليل إلى صلاة الليل (٢).

والمعنى ان عمل الليل أشد ثباتا من عمل النهار وأثبت في القلب من عمل النهار ، لأنه يواطئ فيه القلب اللسان لانقطاع الشغل وفراغ القلب ، وثوابه أعظم لان عمل الليل أشد على البدن من عمل النهار.

ثم قال ( ان ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ) (٣). في الناس من قال : هذه الآية ناسخة لما في أول السورة من الامر الحتم بقيام الليل الا قليلا ( نصفه أو انقص منه ).

وقال آخرون : انما نسخ ما كان فرضا إلى أن صار نفلا.

وقد قلنا : الامر في أول السورة على وجه الندب ، فكذا ههنا ، فلا تنافي بينهما حتى ينسخ بعضها ببعض.

( فصل )

وقوله ( واذكر ربك بكرة وأصيلا ) (٤). البكرة الغداة ، والأصيل العشي ، وهو أصل الليل.

( ومن الليل فاسجد له ) (٥) دخلت من للتبعيض ، يعني فاسجد له في بعض الليل.

__________________

(١) سورة المزمل : ٦.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٣٧٨.

(٣) سورة المزمل : ٢٠.

(٤) سورة الانسان : ٢٥.

(٥) سورة الانسان : ٢٦.

١٢٦

لأنه يأمر بقيام جميع الليل ، كما قال ( ان ربك يعلم انك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ) (١). والمعنى ان ربك يعلم يا محمد انك تقوم أدنى ، أي أقرب وأقل من ثلثي الليل ( ونصفه وثلثه ) أي أقل من نصفه ومن ثلثه ، والهاء تعود إلى الليل أي نصف الليل وثلث الليل ، معناه انك تقوم في بعض الليالي قريبا من الثلثين وفى بعضها قريبا من نصف الليل وفى بعضها قريبا من ثلثه.

وقيل إن الهاء تعود إلى الثلثين ، أي وأقرب من نصف الثلثين ومن ثلث الثلثين. وإذا نصبت فالمعنى وتقوم نصفه وثلثه ويقوم طائفة من الذين معك.

وقوله تعالى ( والله يقدر الليل والنهار ) (٢) أي يقدر أوقاتهما لتعلموا منها على ما يأمركم به.

( علم أن لن تحصوه ) أي تطيقوا المداومة على قيام الليل ويقع منكم التقصير فيه ( فتاب عليكم ) بأن جعله تطوعا ولم يجعله فرضا. وقيل أي فخفف عليكم.

( فأقروا ما تيسر من القرآن ) (٣) الان ، يعنى في الصلاة عند أكثر المفسرين.

وأجمعوا أيضا على أن المراد بالقيام المتقدم في قوله ( قم الليل ) هو القيام إلى الصلاة الا ابا مسلم فإنه قال أراد القيام لقراءة القرآن.

( علم أن سيكون منكم مرضى ) وذلك يقتضي التخفيف عنكم ( وآخرون يضربون في الأرض ) أي ومنكم آخرون ويسافرون للتجارة وطلب الأرباح ، ومنكم قوم آخرون يقاتلون في سبيل الله ، فكل ذلك يقتضي التخفيف عنكم ، ( فاقرأوا ما تيسر منه ).

وروي عن الرضا عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : ( فاقرأوا ما تيسر منه ) لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر وأقيموا الصلاة لحدودها التي أوجبها الله عليكم.

__________________

(١) سورة المزمل : ٢٠.

(٢) سورة المزمل : ٢٠.

(٣) سورة المزمل : ٢٠.

١٢٧

( فصل )

وقوله تعالى ( كانوا قيلا من الليل ما يهجعون ) (١).

قال الزهري : ( كانوا ) يعني المتقين الذين وعدهم بالجنات ، قليلا ما يهجعون بالليل في دار التكليف ، أي كان هجوعهم قليلا ، فتكون ما مصدرية. وقال الحسن ما صلة وتقديره كانوا يهجعون هجوعا قليلا. وقال قتادة : كان هجوعهم قليلا في جنب يقظتهم للصلاة والعبادة.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله ( وبالاسحار هم يستغفرون ) (٢) في الوتر في آخر الليل سبعين مرة (٣).

وقال في قوله ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) أي كانوا أقل الليالي يفوتهم لا يقومون فيها ، وكان القوم ينامون ولكن كلما انقلب. أحدهم قال ( الحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) (٤).

وقال عليه‌السلام في قوله ( وأقوم قيلا ) (٥) قيام الرجل عن فراشه يريد به الله لا يريد به غيره (٦).

وقال مجاهد في قوله ( وبالاسحار هم يستغفرون ) (٧) أي يصلون في السحر.

وعن الحسن يطلبون من الله المغفرة. والحمل عليهما للعموم أحسن.

__________________

(١) سورة الذاريات : ١٧.

(٢) سورة الذاريات : ١٨.

(٣) تفسير البرهان : ٤ / ٢٣٢.

(٤) تفسير البرهان : ٤ / ٢٣٢.

(٥) سورة المزمل : ٦.

(٦) تفسير البرهان : ٤ / ٣٩٧.

(٧) سورة الذاريات : ١٨.

١٢٨

و ( السحر ) الوقت قبل طلوع الفجر ، وهو من أفضل الأوقات ، قال تعالى ( المستغفرين بالاسحار ) (١) أي المصلين بها يسألون المغفرة فيها. وقد تطلب المغفرة بالصلاة كما تطلب الدعاء.

وقال عمران بن حصين في قوله ( والشفع والوتر ) (٢) هي الصلاة فيها شفع ووتر.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام ان قوله تعالى ( والباقيات الصالحات ) (٣) هي القيام آخر الليل لصلاة الليل والدعاء في الأسحار. وسميت باقيات لان منافعها تبقى وتنفع أهلها في الدنيا والآخرة ، بخلاف ما نفعه مقصور على الدنيا فقط. وقيل هي قوله ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) (٤) عقيب الصلوات وفي غيرها (٥).

( فصل )

وقوله تعالى ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) (٦).

خاطب نبيه عليه‌السلام ، ومن للتبعيض ، والتهجد التيقظ بما ينفي الهجود ، وهو النوم كالتأثم والتحرج.

قال المبرد : التهجد عند أهل اللغة السهر للصلاة أو لذكر الله ، فإذا سهر

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٧.

(٢) سورة الفجر : ٣.

(٣) سورة الكهف : ٤٦ ، سورة مريم : ٧٦.

(٤) تفسير البرهان : ٣ / ٢١.

(٥) في العباب : روى كعب بن عجرة ( رض ) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن : دبر كل صلاة ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة ، قال شمر : أراد بالمعقبات تسبيحات تخلف بأعقاب الناس. قال : المعقبات من كل شئ ما خلف ما بعده ( هـ ج ). أقول : يمكن ان يقال سميت ( معقبات ) لأنها أذكار تقال عقيب الصلوات.

(٦) سورة الإسراء : ٧٩.

١٢٩

للصلاة قيل تهجد ، وإذا أراد النوم قيل هجد (١).

والنافلة فعل ما فيه الفضيلة مما رغب الله فيه ولم يوجبه (٢).

وقوله ( نافلة لك ) وجه هذا الاختصاص هو أنه أتم الترغيب لما في ذلك من الصلاح لامته في الاقتداء به والدعاء الا الاستيذان بسنته.

وروي أنها فرضت عليه ولم تفرض على غيره فكانت فضيلة له ـ ذكره ابن عباس ، واليه أشار أبو عبد الله عليه‌السلام (٣).

والسنة مضافة إلى الله من حيث دلنا عليها وعلى تحريم الحرام منها وتحليل الحلال ، وتضاف إلى النبي عليه‌السلام من حيث سمعناها منه وكان هو المبتدئ بها.

( فصل )

وقوله ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) (٤) عنهما عليهما‌السلام أن الآية متناولة لمن يقوم إلى صلاة الليل عن لذة مضجعه في وقت السحر ، (٥) وقد مدح الله القائمين بالليل قال ( تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) (٦) هو ما يظهر في وجوههم من السهر بالليل. عن ابن عباس أثر صلاتهم يظهر في وجوههم. وعن زين العابدين عليه‌السلام خلوا بالله فكساهم نورا من نوره.

__________________

(١) قال ابن فارس : الهاء والجيم والدال أصيل يدل على ركود في مكان ، يقال ( هجد ) إذا نام هجودا ، والهاجد النائم ، وان صلى ليلا فهو متهجد ، كأنه بصلاته ترك الهجود عنه ـ معجم مقاييس اللغة ٦ / ٣٤.

(٢) النافلة عطية عن يد ، والنفل والنافلة ما يفعله الانسان مما لا يجب عليه ـ لسان العرب ( نفل ).

(٣) تفسير البرهان ٢ / ٤٣٨.

(٤) سورة السجدة : ١٦.

(٥) تفسير البرهان ٣ / ٢٨٤.

(٦) سورة الفتح ٢٩.

١٣٠

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : من استغفر الله في وقت السحر سبعين مرة فهو من أهل هذه الآية ( وبالاسحار هم يستغفرون ) (١). وقال في قوله ( الا المصلين * الذين هم على صلاتهم يحافظون ) (٢). ان ذلك في النوافل يدعون عليها. وفي قوله ( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) (٣). في الفرائض والواجبات. وقوله ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ) (٤) قال أبو الأحوص معناه حين تقوم من نومك.

وقيل معناه صل النوافل بحمد ربك حين تقوم من نوم القائلة قبل فريضة الظهر ، ( ومن الليل ) يعنى حين تقوم من النوم فصل نوافل الليل ( وأدبار النجوم ) ركعتا الفجر قبل الفرض ( وأدبار السجود ) نوافل المغرب.

( باب أحكام الجمعة )

قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) (٥).

( من ) ههنا بمعنى في الدالة على الظرفية ، بدليل أن النداء للصلاة المشار إليها في وسط الجمعة ، ولو كانت من التي تختص بابتداء الغاية لكان النداء في أول يوم الجمعة ، فهو على اضمار مصدر محذوف حذف لدلالة الكلام عليه ، ومعناه إذا سمعتم اذان يوم الجمعة فامضوا إلى الصلاة.

__________________

(١) سورة الذاريات : ١٨.

(٢) سورة المعارج : ٣٤.

(٣) سورة المؤمنون : ٩.

(٤) سورة الطور : ٤٨.

(٥) سورة الجمعة : ٩.

١٣١

قال قتادة : امضوا إلى الصلاة مسرعين غير متغافلين. وقال الزجاج : المعنى فامضوا لا السعي الذي هو الاسراع. قال : وقرأ ابن مسعود : فامضوا إلى ذكر الله ، ثم قال : لو علمت الاسراع لأسرعت حتى يقع ردائي من كتفي ، قال وكذلك كان يقرأ. قال الحسن : والله ما أمروا الا بأن يأتوا الصلاة وعليهم الوقار والسكينة. وقال الزجاج : أي اقصدوا ، والسعي التصرف في كل عمل ، يدل عليه قوله ( وأن ليس للانسان الا ما سعى ) (١) أي بما عمل ، ومنه قوله ( لتجزى كل نفس بما تسعى ) (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : السعي قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار والغسل والتطيب ليوم الجمعة ولبس أفضل الثياب والذكر (٣).

خاطب الله المؤمنين انه إذا أذن لصلاة الجمعة وكذلك إذا صعد الامام المنبر يوم الجمعة ، وذلك لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سواه (٤) ( فاسعوا إلى ذكر الله ) أي فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين. وقيل ما هو السعي على الاقدام ولكن بالقلوب والنية والخشوع ، فقد نهوا أن يأتوا الصلاة الا وعليهم السكينة والوقار.

وقال السائب بن يزيد : كان لرسول الله مؤذن واحد وهو بلال ، فكان إذا جلس على المنبر اذن على باب المسجد ، فإذا نزل أقام للصلاة ، ثم كان أبو بكر وعمر كذلك ، حتى إذا كان في عهد عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا ، فأمر بالتأذين الأول على سطح دار له بالسوق ، فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه ، فإذا نزل أقام للصلاة ، فلم يعب ذلك عليه (٥).

__________________

(١) سورة النجم : ٣٦.

(٢) سورة طه : ١٥.

(٣) تفسير البرهان ٤ / ٣٣٤ مع بعض الاختلاف في الألفاظ.

(٤) أي سوى هذا الاذان ( هـ ج ).

(٥) الدر المنثور ٦ / ٢١٨ ما هو بمضمونه عن السائب بن يزيد.

١٣٢

وليس هذا دليلا شرعيا ، بل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد.

( فصل )

اعلم أن فرض الجمعة يلزم جميع المكلفين ، لعموم قوله ( فاسعوا إلى ذكر الله ) الا صاحب العذر من سفر أو مرض أو عمى أو عرج أو آفة وغير ذلك.

ويعتبر فيه أيضا الذكورة والحرية.

وعند اجتماع شروطه لا تجب الا عند حضور سلطان عادل أو من نصبه.

ويتكامل العدد عندنا ستة أو خمسة.

والمراد بذكر الله الخطبة التي هي تتضمن ذكر الله والمواعظ ، وأقل ما يكون أربعة أصناف : حمد الله ، والصلاة على محمد وآله ، والوعظ ، وقراءة سورة خفيفة من القرآن.

وقيل المراد بالذكر في الآية الصلاة التي فيها ذكر الله.

والنداء رفع الصوت حتى يصل إلى المقصود به ، ومنه قولهم ( لا ينداك مني مكروه ) أي لا يصل مني إليك مكروه ولا يصيبك. والمراد به ههنا الاذان ، فالمخاطب لصلاة الجمعة من يحصل فيه شرائط عشرة : الذكورة ، والبلوغ ، وكمال العقل ، والحرية ، والصحة من المرض ، وارتفاع العمى ، وارتفاع العرج ، وأن لا يكون شيخا لا حراك به ، وأن لا يكون مسافرا ، ويكون بينه وبين الموضع الذي يصلى فيه الجمعة فرسخان فما دونه.

فعلى هذا إذا صلى المريض الظهر في بيته أربعا ، ثم سعى إلى الجمعة فصلاها مع الامام كان فرضه أفضلهما وأزكاهما عند الله وان لم يقطع بواحدة منهما على التعيين.

قال الشيخ المفيد : وبذلك نص عن أئمة الهدى عليهم‌السلام. قال : ويؤيده

١٣٣

أن الله تعالى قد دعاه إلى كل واحدة من الصلاة على التخيير ولم يحظر عليه الجمع بينهما إذا شاء ، فوجب أن يكون الفرض أحدهما على الابهام فلم يتعين بحكم شرعي.

وقال آخرون : إذا لم يمكنه السعي إلى الجمعة وإن كان مقيما ففرضه أربع.

ويكره السفر يوم الجمعة قبل الصلاة لأنه مانع من أفعال الخير ، وكل ما يمنع من الأفضل في الأعمال مكروه.

( فصل )

وقوله تعالى ( وذروا البيع ) أي دعوا المبايعة ، فمعناه إذا دخل وقت الصلاة اتركوا البيع والشراء.

قال الفراء : انما لم يذكر الشراء ـ وهو مثله ـ لان المشترى والبايع يقع عليهما البيعان ، فإذا زالت الشمس من يوم الجمعة والحال هذه حرم البيع والشراء حتى تقضى الصلاة.

قال الحسن : كل بيع تفوت فيه الصلاة يوم الجمعة فإنه بيع حرام لا يجوز.

وهذا الذي يقتضيه ظاهر الآية ، وهو مذهبنا.

وتحريم البيع يدل على تحريم سائر ما يشغل عن التوفر على سماع الذكر وتدبره حتى الكلام ، لان النهي يدل على فساد المنهي عنه.

( ذلكم خير لكم ) ذلك يعني ما أمرتكم به من حضور الجمعة واستماع الذكر وأداء الفريضة وترك البيع خير لكم وأنفع عاقبة لكم ( ان كنتم تعلمون ) صحة ما قلناه وتعلمون منافع الأمور ومضارها ومصالح أنفسكم ومفاسدها أي اعلموا ذلك.

وفي الآية ـ كما ذكرنا ـ دلالة على وجوب الجمعة وتحريم جميع التصرفات عند سماع اذان الجمعة ، لان البيع انما خص بالنهي عنه لكونه من أعم التصرفات في أسباب المعاش.

١٣٤

وفيها دلالة على أن الخطاب للأحرار ، لان العبد لا يملك البيع ، وعلى اختصاص الجمعة بمكان ، ولذلك أوجب السعي إليه.

فان قيل : هل يجوز أن يخطب رجل ويصلي آخر.

قلنا : لا ، وذلك أن السنة ثبتت بخلافة ، ولم يحفظ عن أحد من أئمة الاسلام أنه تفرد بالصلاة دون الخطبة ، فثبت أن فعل ما في السؤال بدعة ، واستدل من فحوى الآية بعضهم على ذلك.

والامام إذا عقد صلاة الجمعة بتكبيرة الاحرام ثم تفرق عنه الناس بعد دخولهم فيها معه ، تمم هو ركعتين ولم يصل أربعا الظهر ، فإنه عقدها جمعة عقدا صحيحا ، فلم ينقض ما عقده فعل من غيره لم يتعد إلى صلاته بالفساد ، ويدل عليه قوله ( وتركوك قائما ).

( فصل )

وقوله تعالى ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) أي إذا صليتم الجمعة وفرغتم عنها تفرقوا في الأرض واطلبوا الرزق في الشراء والبيع ، وهذا إباحة ورخصة وليس بأمر ، بل رفع الحظر الذي أوقعه بقوله ( وذروا البيع ).

وقد أطبقوا على أن هذا الامر الوارد بعد الحظر [ يقتضى الإباحة ، والصحيح أن حكم لفظ الامر الواقع بعد الحظر ] (١) هو حكم أمر المبتدأ على الوجوب أو الندب أو الوقف على الحالين ، فهو كذلك بعد الحظر. وهذا قوي في الدلالة على وجوب هذه الصلاة على هذه الهيئة ، لأنها لو لم تجب لكان الانتشار مباحا قبل اتمامها ، ويدخل في الانتشار سائر التصرف ، خصوصا مع ذكر ابتغاء الفضل.

وقيل في قوله ( وابتغوا من فضل الله ) اي اطلبوا من فضله بعمل الطاعة

__________________

(١) الزيادة من ج.

١٣٥

والدعاء له تعالى وعيادة المريض وحضور الجنائز وزيادة الاخوان في الله ، واذكروا احسانه لتفلحوا. وقيل هذا أمر بزيادة التعقيب الذي يستحب يوم الجمعة. والعموم يتناول جميع ذلك.

والامام إذا قرب من الزوال ينبغي ان يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس ، فإذا زالت نزل فصلى بالناس. وفحوى الآية يدل عليه.

ويفصل بين الخطبتن بجلسة كلا ولا ، وهذا التفصيل يعلم بعمل رسول الله وقوله من القرآن على الجملة ، قال تعالى ( ما آتاكم الرسول فخذوه ).

وهذا الفصل بينهما سنة عندنا ، وقال الشافعي وأبو حنيفة هو واجب.

ويحرم الكلام على من حضر ويجب عليه الاصغاء إلى الخطبتين لأنهما بدل من الركعتين.

ولا يذكر فيهما الا الحق والا فلا جمعة له.

ومن دخل المسجد والامام يخطب فلا يتطوع ، لان ذلك شاغل له عن سماع الخطبة ، واستماعها أفضل من التطوع بالصلاة ، إذ هو بدل من ركعتي فرض الظهر في سائر الأيام على ما روي (١). ومن وجد الامام قد رفع رأسه من الركوع في الثانية فقد فاتته الجمعة وعليه الظهر أربع ركعات.

ومن أدرك مع الامام ركعة فإذا سلم الامام قام فأضاف إليها ركعة أخرى يجهر فيها وقد تمم جمعته.

( فصل )

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ٥ / ١٤.

١٣٦

الأرض ) قال : الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت (١).

وفي الخبر : ان الله بارك لامتي في خميسها وسبتها لأجل الجمعة.

وقال الصادق عليه‌السلام : اني لاركب في الحاجة التي كفاها الله ، ما اركب فيها الا التماس ان يراني الله أضحى في طلب الحلال ، أما تسمع قول الله ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) (٢).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من اغتسل في يوم الجمعة فأحسن غسله ولبس صالح ثيابه ومس من طيب بيته ثم لم يفرق بين اثنين غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام بعدها (٣).

وقيل المراد بالذكر ههنا الفكر ، وقيل اذكروا الله في تجارتكم وأسواقكم.

ولا يجوز الخطبة الا قائما ، قال تعالى ( وتركوك قائما ). فان خطب لعذر جالسا جاز ، لقوله ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ).

ويجوز رد السلام وتسميت العاطس والامام يخطب ، إذ لم يحظر ذلك كتاب ولا سنة.

( فصل )

ثم أخبر الله عن جماعة قابلوا الكرم باللؤم فقال ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ).

سبب نزوله ما روي أنه أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر ، فقدم دحية الكلبي بكل ما يحتاج إليه من دقيق وبر وغيرهما والنبي عليه‌السلام على المنبر

__________________

(١) من لا يحضره الفقه ١ / ٤٢٤.

(٢) نور الثقلين ٥ / ٣٤٧.

(٣) هذا المضمون في صحيح البخاري ٢ / ٤.

١٣٧

يخطب وذاك قبل ان أسلم دحية ، وجعل يضرب بطبل ليعلم بقدومه ، فلما رأوه قاموا إلى البيع خشية ان يسبقوا [ إليه فلم يبق غير اثني عشر رجلا وانفض الآخرون ، فقال عليه‌السلام : لو تبايعتم حتى لا يبقى ] (١) ، منكم أحد لسال بكم الوادي نارا ، ولولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء ، فأنزل الله الآية.

وروي انهم استقبلوه باللهو ، اي تفرقوا عنك خارجين إليها ومالوا ونحوها ، و ( رأوا تجارة ) أي عاينوها ، وقيل علموا بيعا وشراءا. ( لهوا ) وهو الطبل ، وقيل المزامير. والضمير للتجارة ، وخصت بالذكر إليها دون اللهو لامرين : أحدهما أن التجارة كانت أهم إليهم وهم بها آسر من الطبل. الثاني انهم انصرفوا إلى التجارة واللهو كان معهم ، فأي حاجة بالضمير إليه (٣).

( فصل )

وقوله ( وتركوك قائما ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : انصرفوا إليها وتركوك قائما تخطب على المنبر (٣).

وسئل ابن مسعود : أكان النبي يخطب قائما؟ فقال : أما تقرأ ( وتركوك قائما ).

وقال جابر بن سمرة : ما رأيت رسول الله خطب الا وهو قائم ، فمن حدثك انه خطب وهو جالس [ فكذبه.

وأول من استراح على المنبر هو عثمان كان يخطب قائما فإذا أعيى جلس ، وأول من خطب [ (٤) جالسا معاوية.

__________________

(١) الزيادة من ج.

(٢) انظر أسباب النزول للواحدي ص ٢٨٦ ، تفسير البرهان ٤ / ٣٣٦.

(٣) نور الثقلين ٥ / ٣٣٠.

(٤) الزيادة من ج.

١٣٨

وروي في قوله ( وتركوك قائما ) أي قائما في الصلاة (١).

ثم قال : قل يا محمد لهم ما عند الله من الثواب على سماع الخطبة احمد عاقبة من ذلك ، والله يرزقكم وان لم تتركوا الخطبة والجمعة.

وفي بعض القراءة : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) وهي صلاة العصر ( وقوموا لله قانتين ) (٢) في الصلاة الوسطى (٣).

قالوا : نزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله في سفر ، فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر (٤).

وقوله ( ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) (٥) أي مفروضا انها خمس بخمسين ، حصل التخفيف مع أجر خمسين صلاة ، لقوله ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) (٦).

( باب الجماعة وأحكامها )

قال الله تعالى ( واركعوا مع الراكعين ) (٧).

وهذا أمر منه تعالى للمكلفين بصلاة الجماعة ، لأنه تعالى قال قبله ( وأقيموا

__________________

(١) مجمع البيان ٥ / ٢٨٩.

(٢) سورة البقرة : ٢٣٨.

(٣) هذه العبارة وردت في تفسير البرهان في حديث عن الباقر عليه‌السلام هكذا ( وفى بعض القراءات ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) قال : ونزلت هذه الآية يوم الجمعة. ) وهي الصحيح.

(٤) تفسير البرهان : ١ / ٢٣١.

(٥) سورة النساء : ١٠٣.

(٦) سورة الأنعام : ١٦٠.

(٧) سورة البقرة : ٤٣.

١٣٩

الصلاة وآتوا الزكاة ) أمر بهذه اللفظة بواجباتها ونوافلها. والتكرار في الكلام لغير فائده غير مستحسن ، فيجب ان يكون قوله ( واركعوا مع الراكعين ) بعده دالا على صلاة الجماعة ، سواء كانت الجماعة واجبة أو مندوبا إليها ، فالامر يكون بالواجب مطلقا والندب مقيدا في الشرع. وقوله تعالى ( مع الراكعين ) دليل صريح لذلك.

والجماعة على أربعة اضرب : واجب ، ومستحب ، ومكروه ، ومحظور.

فالواجب لا يكون الا في الجمعة والعيدين إذا اجتمعت شرائطها على ما ذكرناه ، والمستحب هو الجماعة في الصلوات الخمس ، والمكروه صلاة الحاضر خلف المسافر فيما يقصر في السفر ، والمحظور هو الصلاة خلف الفاسق والفاجر.

وقد رغب الله في الجماعة وحث عليها بالآية التي تلوناها وبقوله ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ، فقد قيل إن الصلاة الوسطى كناية عن صلاة الجماعة لأنها أفضل الصلوات ، وكذلك خصها الله بالذكر.

وأقل ما تكون الجماعة اثنان فصاعدا ، ويتقدم للإمامة اقرأهم ثم أفقههم.

ولا تنعقد الجماعة الا بالاذان والإقامة.

( فصل )

وقوله تعالى ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ) (١).

كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ان الله وملائكته يصلون على الصف الأول ـ وفي رواية على الصف المقدم ـ فازدحم الناس. وكانت دور بني عذرة بعيدة عن المسجد فقالوا : نبيع دورنا ولنشترين دورا قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المقدم ، فنزلت الآية ـ رواه الربيع بن انس (٢).

__________________

(١) سورة الحجر : ٢٤.

(٢) أسباب النزول للواحدي ص ١٨٦.

١٤٠