فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

ومعنى الآية انا نجازي الناس على نياتهم.

وقال ابن عباس : اي علمنا المستقدمين إلى الصف الأول في الصلاة والمستأخرين عنه. فإنه كان يتقدم بعضهم إلى الصف الأول ليدركوا فضيلته ، وكان يتأخر بعضهم لينظر إلى أعجاز النساء ، فنزل ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ).

وروي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حث الناس على الصف الأول في الصلاة ، فقال : خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ، فازدحموا فنزلت الآية (١).

( فصل )

والمؤتمون يجب عليهم ان يستمعوا قراءة الإمام إذا جهر وان لا يقرأوا ، والدليل عليه قوله ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا ) (٢).

والمفسرون اختلفوا في الوقت الذي أمروا بالانصات والاستماع : فقال قوم : أمروا حال كون المصلي في الصلاة خلف الامام الذي يؤتم به وهم يستمعون قراءة الإمام ، فعليهم ان ينصتوا ولا يقرأوا ويستمعون لقراءته ، فإذا كانوا على بعد من الامام بحيث لا يسمعون صوته ـ وان كانت الصلاة مما يجهر فيها ـ فلا بأس إذا أن يقرأوا.

ومن المفسرين من قال : أمروا بالانصات لأنهم كانوا يتكلمون في الصلاة ، وإذا دخل داخل وهم في الصلاة قال لهم كم صليتم فيخبرونه ، وكان مباحا فنسخه الله.

وقال قوم : هو أمر بالانصات للامام في خطبته.

__________________

(١) المنثور ٤ / ٩٧.

(٢) سورة الأعراف : ٢٠٤.

١٤١

وقيل : هو أمر بذلك في الصلاة والخطبة.

وأقوى الأقوال الأول الذي استدللنا به ، لأنه لا حال يجب فيها الانصات لقراءة القرآن الا حال قراءة الإمام في الصلاة ، فان على المأموم الانصات والاستماع له على ما قدمناه. فأما خارج الصلاة فلا خلاف أنه لا يجب الانصات والاستماع ، وما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه في حال الصلاة وغيرها (١) فهو على وجه الاستحباب.

وقال أبو حنيفة : لا يصلى صلاة الخسوف جماعة. وكل ما يدل من القرآن والسنة على جواز الجماعة في كل فريضة ، فهو عام. على أن العامة قد روت أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه صلاها جماعة ورووا انه صلاها فرادى ، فوافقت رواياتهم رواياتنا.

مع أن الشيخ المفيد ذكر في كتابه مسائل الخلاف انه ان انكسف [ القرص بأسره في الشمس أو القمر صليت صلاة الكسوف جماعة ، وان انكسف ] (٢) بعضه صليت فرادى.

( باب الصلاة في السفر )

اعلم أن السفر الذي يجب فيه التقصير في الصلاة ثمانية فراسخ فما فوقها إذا كان مباحا أو طاعة.

والحجة ـ مع الاجماع المكرر ـ هو أن الله علق سقوط فرض الصيام عن المسافر بكونه مسافرا في قوله ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) (٣) ولا خلاف بين الأمة أن كل سفر أسقط فرض الصيام ورخص في الافطار

__________________

(١) تفسير البرهان ٢ / ٥٧.

(٢) الزيادة من م.

(٣) سورة البقرة : ١٨٤.

١٤٢

فهو بعينه موجب لقصر الصلاة ، وإذا كان الله قد علق ذلك في الآية باسم السفر فلا شبهة في أن اسم السفر يتناول المسافة التي حددنا السفر بها ، فيجب أن يكون الحكم تابعا لها.

ولا يلزم على ذلك أدنى ما يقع عليه الاسم من فرسخ أو ميل ، لأن الظاهر يقتضي ذلك لو تركنا معه ، لكن الدليل والاجماع أسقطا اعتبار ذلك ولم يسقطاه فيما اعتبرناه من المسافة ، وهو داخل تحت الاسم.

وذكر الفضل بن شاذان النيسابوري أنه سمع الرضا عليه‌السلام يقول : انما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لأنها مسيرة يوم [ ولو لم يجب في مسيرة يوم ] (١) لما وجب في مسيرة ألف سنة ، وذلك أن كل يوم بعد هذا اليوم منها نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره (٢).

( فصل )

فان قيل : القرآن يمنع مما ذكرتم من وجوب التقصير ، لأنه تعالى قال ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان خفتم ) (٣) ورفع الجناح يدل على الإباحة لا على الوجوب.

قلنا : هذه الآية غير متناولة لقصر الصلاة في عدد الركعات ، وانما المستفاد منها التقصير في الافعال من الايماء وغيره ، لأنه تعالى علق القصر بالخوف ، ولا خلاف في أنه ليس الخوف من شرط القصر في عدد ركعات الصلاة وانما الخوف شرط في الوجه الاخر ، وهو التقصير في الافعال من الايماء وغيره في الصلاة ، لان صلاة الخوف قد أبيح فيها ما ليس مباحا مع الامن.

__________________

(١) الزيادة من ج والمصدر.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٥٤ مع تغيير واختصار لبعض الألفاظ.

(٣) سورة النساء : ١٠١.

١٤٣

وقال أبو جعفر الطوسي : من تمم في السفر وقد تليت عليه آية التقصير وعلم وجوبه وجب عليه إعادة الصلاة ، فإن لم يكن علم ذلك فليس عليه شئ. ولم يفصل المرتضى في الإعادة بين الحالتين ، وكأنه للاحتياط.

ومن تمم في السفر الصلاة متعمدا يجب عليه الإعادة مع التقصير على كل حال وإن كان أتم ناسيا أعاد ما دام في الوقت ، ولا إعادة عليه بعد خروج الوقت. والحجة في ذلك ـ زائدا على الاجماع المتردد ـ ان فرض السفر ركعتان فيما كان أربعا في الحضر وليس ذلك رخصة ، وإذا كان الفرض كذلك فمن لم يأت على ما فرض وجب عليه الإعادة.

( فصل )

وقوله تعالى ( ولله والمشرق والمغرب ).

قال قوم : كان ابن عمر يصلي حيث توجهت به راحلته في السفر تطوعا ، ويذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفعل ذلك ، ويتأول عليه هذه الآية.

فالمصلي نافلة على الراحلة ، ومن يصلي صلاة شدة الخوف ، ومن كان في السفينة ثم دارت. يستقبل كل واحد من هؤلاء الثلاثة قبلته بتكبيرة الاحرام ثم يصلي كيف شاء ، والآية تدل على جميع ذلك.

وقيل : نزلت في قوم صلوا في ظلمة وقد خفيت عليهم جهة القبلة ، فلما أصبحوا إذا هم صلوا يمين القبلة أو يسارها ، فأنزل الله الآية (٢).

وقيل : المراد بقوله ( فثم وجه الله ) أي فثم رضوان الله ، كما يقال : هذا

__________________

(١) سورة البقرة : ١١٥.

(٢) أسباب النزول للواحدي ص ٢٣.

١٤٤

وجه الصواب. وقيل المراد به فثم جهة القبلة وهي الكعبة ، لأنه يمكن التوجه إليها من كل مكان.

وعن ابن عباس : انه رد على اليهود لما أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة ، فقال (١) : ليس هو في جهة دون جهة كما يقول المشتبهة (٢).

وقال الزجاج في قوله ( ان الله واسع عليم ) انه يدل على التوسعة للناس فيما رخص لهم في الشريعة

( فصل )

وإذا نوى الانسان السفر لا يجوز أن يقصر حتى يغيب عنه البنيان ويخفى عنه اذان مصره أو جدران بلده. والدليل عليه من القرآن قوله ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ).

ومن نوى السفر ولم يفارق موضعه فلا يجوز له القصر ، وإذا فارق بنيان بلده يجوز له التقصير.

ولا يجوز أن يقصر ما دام بين بنيان البلد ، سواء كانت عامرة أو خرابا ، فان اتصل بالبلد بساتين فإذا حصل بحيث لا يسمع اذان المصر قصر ، فإن كان دونه تمم.

ومن خرج من البلد إلى موضع بالقرب مسافة فرسخ أو فرسخين نيته أن ينتظر الرفقة هناك والمقام عشرا فصاعدا ، فإذا تكاملوا ساروا سفرا فيه يجب عليهم التقصير (٣). ولا يجوز أن يقصر الا بعد المسير من الموضع الذي يجتمعون فيه ، لأنه ما نوى بالخروج إلى هذا الموضع سفرا يجب فيه التقصير.

__________________

(١) أي قال الله تعالى ( هـ ج ).

(٢) أسباب النزول للواحدي ص ٢٤.

(٣) أي هم يقصرون وهو لا يقصر ، لأنهم نووا المسافة وهم لم ينوها ( هـ ج ).

١٤٥

وان لم ينو المقام عشرة أيام هناك وانما خرج نيته سفر بعيد الا أنه ينتظر قوما يتصلون به هناك اليوم أو غدا ، فالظاهر أنه يقصر.

وحكى قتادة عن أبي العالية أن قصر الصلاة في حال الا من بنص القرآن ، قوله ( لتدخلن المسجد الحرام انشاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ) (١).

هذا إذا كان التقصير يراد بها في السفر كما يراد في الشعر بعد الاحرام.

ومن شجون الحديث ان ابن عباس قال : اتخذت النصارى المشرق قبلة لقوله ( واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) (٢) فاتخذوا ميلاد عيسى قبلة ، كما سجدت اليهود على حرف وجوههم لقوله ( وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ) (٣) فسجدوا وجعلوا ينظرون إلى الجبل فوقهم بحرف وجوههم مخافة أن يقع عليهم فاتخذوها سنة.

( باب صلاة الخوف )

قال تعالى ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) (٤).

اعلم أن صلاة الخوف على ضربين :

أحدهما : صلاة شدة الخوف ، وهو إذا كان في المسلمين قلة لا يمكنهم أن يفترقوا فرقتين ، فعند ذلك يصلون فرادى ايماءا ، ويكون سجودهم [ على قربوس سرجهم ، فإن لم يتمكنوا من ذلك ركعوا وسجدوا بالايماء ويكون سجودهم ] (٥)

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٧.

(٢) سورة مريم : ١٦.

(٣) سورة الأعراف : ١٧١.

(٤) سورة النساء : ١٠١.

(٥) الزيادة من ج.

١٤٦

أخفض من ركوعهم. فان زاد الامر عى ذلك أجزأهم عن كل ركعة ان يقولوا ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ). والقصر في الآية التي تلوناها الان هو هذا التفصيل.

والضرب الثاني : هو إذا لم يبلغ الخوف إلى ذلك الحد وأرادوا أن يصلوا فرادى ، صلى كل واحد منهم صلاة تامة الركوع والسجود ، ويبطل حكم القصر الا في السفر مع الانفراد. ذكره الشيخ أبو جعفر في بعض كتبه.

فان أرادوا أن يصلوا جماعة نظروا ، فإن كان في المسلمين كثرة والعدو في جهة القبلة صلوا كما صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بني سليم ، فإنه قام والمشركون أمامه ـ يعني قدامه ـ فصف خلف رسول الله صف وبعد ذلك الصف صف آخر ، فركع رسول الله وركع الصفان ، ثم سجد وسجد الصف الذين يلونه وكان الآخرون يحرسونهم [ فلما فرغ الأولون مع النبي من السجدتين وقاموا سجد الآخرون ] (١) ، فلما فرغوا من السجدتين وقاموا تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول ، ثم ركع رسول الله وركعوا جميعا في حالة واحدة ، ثم سجد وسجد معه الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم ، فلما جلس رسول الله والصف الذي يليه سجد الآخرون ، ثم جلسوا وتشهدوا جميعا فسلم بهم أجمعين (٢).

وإن كان العدو في خلاف جهة القبلة يصلون كما وصفه الله في كتابه حيث قال ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) (٣) وهي مشروحة في كل كتاب.

وإذا كان في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين وكل فرقة يقاوم العدو

__________________

(١) الزيادة من ج والمصدر.

(٢) مستدرك الوسائل ١ / ٤٩٩ ، وهذا المضمون مأخوذ من حديث رواه العامة ، انظر صحيح مسلم ١ / ٥٧٤.

(٣) سورة النساء : ١٠٢.

١٤٧

جاز أن يصلي بالفرقة الأولى الركعتين ويسلم بهم ، ثم يصلى بالطائفة الأخرى الركعتين أيضا ، ويكون نفلا له وهي فرض للطائفة الثانية ويسلم بهم ، وهكذا صلى عليه‌السلام بذات النخل. (١)

وهذا يدل على جواز صلاة المفترض حلف المتنفل ، وعلى عكسه.

وصلاة الخوف مقصورة على وجهين سفرا وحضرا على ما تقدم.

( فصل )

وقوله تعالى ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) معناه وإذا كنت في الضاربين في الأرض من أصحابك يا محمد ، أي المسافرين الخائفين عدوهم أن يفتنوهم ( فأقمت لهم الصلاة ) يعني أتممت لهم الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها ولم تقصرها القصر الذي يجب في صلاة شدة الخوف من الاقتصار على الايماء ، فليقم طائفة من أصحابك الذين أنت فيهم معك في صلاتك وليكن سائرهم في وجه العدو.

ولم يذكر ما ينبغي أن يفعله الطائفة غير المصلية من حمل السلاح وحراسة المصلين لدلالة الكلام والحال عليه ، لأنها (٢) لابد أن يكونوا آخذين السلاح.

ثم قال ( وليأخذوا أسلحتهم ) قال قوم : الفرقة المأمورة في الظاهر هي المصلية مع رسول الله ، والسلاح مثل السيف يتقلد به والخنجر يشده إلى درعه ، وكذا السكين ونحوه ، وهو الصحيح.

قال ابن عباس : الطائفة المأمورة بأخذ السلاح هي التي بإزاء العدو دون المصلية ، فإذا سجدوا ـ يعني الطائفة التي قامت معك مصلية بصلاتك وفرغت من سجودها ـ فليكونوا من ورائكم ، يعني فليصبروا بعد فراغهم من سجودهم مصافين

__________________

(١) انظر هامش من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٦٢ نقلا عن الدروس ، وانظر صحيح مسلم ١ / ٥٧٦.

(٢) في ج ( الا انها ).

١٤٨

للعدو.

وعندنا أنهم يحتاجون أن يتموا صلاتهم ركعتين والامام قائم في الثانية ويطيل القراءة وينوون هم الانفراد بها وقرأوا وركعوا وسجدوا وتشهدوا ، فإذا سلموا انصرفوا إلى موضع أصحابهم ، ويجئ الآخرون فيستفتحون الصلاة فيصلي بهم الامام الركعة الثانية له ويطيل التشهد حتى يقوموا فيصلوا بقية صلاتهم ، ثم سلم بهم الامام.

( فصل )

وفي كتاب ( المولد والمبعث ) لأبي محمد أحمد بن اعثم الكوفي : ان النبي عليه‌السلام صلى العصر كذلك في غزوة ذات الرقاع إذ حارب بني سعد ، وكان صلى رسول الله الظهر أربعا قبل أن تنزل الآية. قال : وهم المشركون أن يحملوا على المسلمين وهم في صلاة العصر ، وأراد النبي عليه‌السلام أن يصلي العصر بأصحابه فنزلت الآية وأسلم بعض الكفار بسبب ذلك. ثم قال ابن أعثم : فيجب على أهل الاسلام الان إذا صلوا صلاة الخوف من عدو. ثم فصل التفصيل الذي ذكره أبو مسلم ابن مهر ايزد الأصفهاني في تفسيره أيضا قال إن النبي عليه‌السلام قال فصلى وقامت طائفة خلفه من المؤمنين وطائفة وجاه العدو ، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وقام فأتمت الطائفة بركعة أخرى وسلمت وهو عليه‌السلام واقف يقرأ ، ثم انصرفت فقامت تجاه الكفار ، وأتت الطائفة التي كانت تلقاء العدو فصلى النبي بهم ركعة هي له ثانية ولهذه الطائفة الركعة الأولى ، وجلس حتى قاموا فصلوا ركعة ثانية وحدهم وهو قاعد يتشهد ويدعو لم يسلم حتى انتهت الطائفة الثانية إلى التسليم فسلم وسلموا معه بتسليمه.

وهو اختيار الشافعي ومالك ، وهذه بعينها مذهبنا أمر بها أئمة أهل البيت عن رسول الله عن الله تعالى.

١٤٩

( فصل )

ومن قال إن صلاة الخائف ركعة قال الأولون إذا صلوا ركعة فقد فرغوا ، وهذا عندنا انما يجوز في صلاة شدة الخوف على بعض الوجوه.

وفي الناس من قال : كان النبي عليه‌السلام صلى بهم ركعة فلما قام خرجوا من الجماعة وتمموا صلاتهم. فعلى هذا صلاة الخائف ركعة في الجماعة وركعة على الانفراد لكل واحدة من الفرقتين.

وقوله ( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) يجوز أن يرجع الضمير إلى جميع المسلمين من الفرقتين ، أي يأخذون السلاح والحذر في حال الصلاة.

وقوله ( ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم ) معناه تمنى الكافرون لو تعتزلون عن أسلحتكم وأمتعتكم التي بها بلاغكم في أسفاركم فتسهون عنها ( فيميلون عليكم ) أي يحملون عليكم حملة واحدة ، وأنتم متشاغلون بصلاتكم عن أسلحتكم وأمتاعكم فيصيبون منكم غرة فيقتلونكم ويستبيحون عسكركم وما معكم.

والمعنى لا تشاغلوا بأجمعكم بالصلاة عند مواقفة العدو فتمكنون عدوكم من أنفسكم وأسلحتكم ، ولكن أقيموها على ما بينت وخذوا حذركم بأخذ السلاح.

ومن عادة العرب أن يقولوا ( ملنا عليهم ) أي حملنا عليهم. وقال العباس بن عبادة بن نضلة (١) الأنصاري لرسول الله ليلة العقبة الثانية : والذي بعثك بالحق ان شئت لنميلن غدا على أهل مني (٢) بأسيافنا. فقال عليه‌السلام : لم نؤمر بذلك (٣) ـ يعني في ذلك الوقت.

__________________

(١) في م ( نغيلة ) ، وانظر أسد الغابة ٣ / ١٠٨.

(٢) منى ـ بلفظ منى الرجل ـ ماء بقرب ضرية في سفح جبل احمر من جبال بنى كلاب ثم للضباب منهم ـ معجم البلدان ٥ / ٢١٩. والظاهر أن هذا الموضع هو المقصود في الحديث.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٣٦٥.

١٥٠

( فصل )

ثم قال تعالى ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم [ وخذوا حذركم ) (١) معناه لا حرج عليكم ولا أثم ان نالكم مطر وأنتم مواقفوا عدوكم أو كنتم جرحى ان تضعوا أسلحتكم ] (٢) إذا ضعفتم عن حملها ، لكن إذا وضعتموها فخذوا حذركم ، أي احترزوا منهم أن يميلوا عليكم وأنتم غافلون.

وقال ( طائفة أخرى ) ولم يقل طائفة آخرون ، ثم قال ( لم يصلوا فليصلوا ) حملا للكلام مرة على اللفظ ومرة على المعنى ، كقوله ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) (٣) ومثله ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) (٤).

والآية تدل على نبوته عليه‌السلام ، فالآية نزلت والنبي بعسفان (٥) والمشركون بضجنان (٦) هموا أن يغيروا عليهم فصلى بهم العصر صلاة الخوف.

وقال قوم : اختص النبي بهذه الصلاة ، والصحيح أنه يجوز لغيره.

وقال قوم في قوله ( فليس عليكم جناح أن تقصروا ) يعني في عددها ، فيصلوا الرباعيات ركعتين. وظاهرها يقتضي أن التقصير لا يجوز الا إذا خاف المسافر ، لأنه قال ( ان خفتم أن يفتنكم ) ، ولا خلاف اليوم أن الخوف ليس بشرط فيه ، لان

__________________

(١) سورة النساء : ١٠٢.

(٢) الزيادة من ج.

(٣) سورة الحجرات : ٩.

(٤) سورة الأعراف. ٣٠.

(٥) عسفان بضم العين وسكون السين ، وهي قرية أو منهلة على مرحلتين من مكة على طريق المدينة ـ معجم البلدان ٤ / ١٢١.

(٦) ضجنان بفتح الضاد وفتح الجيم أو سكونها ، جبل بناحية تهامة بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا ـ معجم البلدان ٣ / ٤٥٣.

١٥١

السفر المخصوص بانفراده سبب التقصير.

والصحيح أن فرض السفر مخالف لفرض المقيم ، وليس ذلك قصرا لقوله عليه‌السلام ( فرض المسافر ركعتان غير قصر ). وأما الخوف بانفراده فإنه يوجب القصر.

ومعنى قوله ( فليس عليكم جناح أن تقصروا ) أي من حدود الصلاة في صلاة شدة الخوف.

وروي أن يعلى بن منبه (١) قال لعمر : كيف تقصر الصلاة في السفر وقد أمنا؟ فقال : عجبت مما عجبت منه فسألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (٢).

ولا يقرأ أبي في الآية ( ان خفتم ).

( فصل )

وقوله ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) (٣).

المعنى أيها المؤمنون إذا فرغتم من صلاتكم وأنتم مواقفوا عدوكم فاذكروا الله في حال قيامكم وفي حال قعودكم ومضطجعين على جنوبكم ، وادعوا لأنفسكم بالظفر على عدوكم لعل الله ينصركم عليهم ، وهو كقوله ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله ) (٤).

__________________

(١) كذا في ج ، وفى م ( منية ) ، وورد الاسم في صدر الحديث في المصادر ( يعلى ابن أمية ). قال الرازي : يعلى بن أمية التميمي ، وهو ابن منية ، ومنية أمه ، عامل عمر على نجران ـ الجرح والتعديل ٩ / ٣٠١.

(٢) التاج الجامع للأصول ١ / ٣١٨.

(٣) سورة النساء : ١٠٣.

(٤) سورة الأنفال : ٤٥.

١٥٢

ثم قال ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) معناه إذا استيقنتم بزوال الخوف من عدوكم وحدوث الامن لكم فأتموا الصلاة بحدودها غير قاصريها عن شئ من الركوع والسجود ، وان كنتم صليتم ايماءا بعضها. وهذا أقوى من قول من قال : معناه إذا استقررتم في أوطانكم فأتموها التي أذن لكم في قصرها في حال خوفكم وسفركم ، لأنه قال ( وإذا كنت فيهم ) ، فلما قال ( فإذا اطمأننتم ) كان معلوما انه تعالى يريد إذا اطمأننتم من الحال التي لم تكونوا فيها مقيمين صلاتكم فأقيموها مع حدودها قاصرين لها.

( فصل )

وقوله تعالى ( فان خفتم فرجالا أو ركبانا ) (١) يدل على ما ذكرناه من صلاة شدة الخوف ، لان معناه ان خفتم فصلوا على أرجلكم ، لان الراجل هو الكائن على رجله ـ واقفا كان أو ماشيا.

والخائف ان صلى منفردا صلاة شدة الخوف الذي نقوله انه يصلي ركعتين يومئ ايماءا ويكون سجوده أخفض من ركوعه ، وان لم يتمكن كبر عن كل ركعة تكبيرة على ما ذكرناه. وهكذا صلاة شدة الخوف إذا صلوها جماعة ، والى هذا ذهب الضحاك وإبراهيم النخعي.

وروي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام صلى ليلة الهرير ويومه خمس صلوات بالايماء وقيل بالتكبير (٢) ، وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى يوم الأحزاب ايماءا.

وقال الحسن وقتادة وابن زيد : يجوز أن يصلي الخائف ماشيا. وقال أهل العراق : لا يجوز لان المشي عمل. والأول أصح لأنه تعالى قال ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) (٣).

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٩.

(٢) مستدرك الوسائل ١ / ٥٠٠.

(٣) سورة الحج : ٧٨.

١٥٣

وعن ابن عباس في رواية ان القصر في قوله ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا ) (١) المراد به صلاة شدة الخوف ، يقصر من حدودها ويصليها ايماءا ، وهو مذهبنا.

ثم قال ( فإذا أمنتم فاذكروا الله ) قيل إنه الصلاة ، أي فصلوا صلاة الامن واذكروه بالثناء عليه والحمد له.

( باب فضل المساجد )

( وما يتعلق بها من الاحكام )

قال الله تعالى ( وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) (٢).

قال الخليل : التقدير ولكن المساجد لله ، أخبر تعالى الا يذكر مع الله في المساجد التي هي المواضع التي وضعت للصلاة أحدكما يدعو النصارى في بيعهم والمشركون في الكعبة.

وقيل من السنة أن يقال عند دخول المسجد ( لا إله إلا الله لا أدعو مع الله أحدا ).

وقيل معناه يجب أن يدعوه بالوحدانية ، ومن هنا لا ينبغي للانسان أن يشتغل بشئ من أمور الدنيا في المساجد.

ثم رغب الله بقوله ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) (٣) فيما يستحب من الأدعية عند دخول المساجد المروية ، فإنه أمر منه تعالى وترغيب بهذا الدعاء وبغيره إذا دخل مسجدا أو غيره وإذا خرج.

ولذلك رغب في المشي إلى المساجد للصلاة فيها والعبادات بقوله تعالى

__________________

(١) سورة النساء : ١٠١.

(٢) سورة الجن : ١٨.

(٣) سورة الإسراء : ٨٠.

١٥٤

( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) (١). قال مجاهد : انا نأمر ملائكتنا ليثبتوا جميع أفعالهم الصالحة حتى مشيهم إلى المساجد ، فان بني سلمة من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد منازلهم ، فنزلت الآية (٢).

و ( آثارهم ) أي خطاهم ، فمن مشى إلى مسجد كان له بكل خطوة أجر عظيم.

( فصل )

وقوله تعالى ( قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ) (٣).

يأمر المكلفين أن يقيموا وجوههم عند كل مسجد ، أي يتوجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على الاستقامة.

وقال الفراء : معناه إذا دخل عليك وقت صلاة في مسجد فصل فيه ولا تقل آتي مسجد قومي.

وقيل أي توجهوا بالاخلاص لله ولا تشتغلوا بما لا يليق فعله في المساجد من المكروهات والمحظورات ، بل من المباحات التي لا يستقبح في غير المتعبدات.

ولا يختلف المعنى سواء كان مسجد مصدرا أو مكانا أو زمانا ، فالمصدر عبارة عن الصلاة وان لا يسجدوا الا لله ، أي كلما صليتم فأقيموا وجوهكم لله ، أي فلا تصلوا الا لله واقبلوا بصلاتكم عليه ولا تشغلوا قلوبكم بغيره. وأما المكان فعلى معنى كل مكان تصلون فيه ، ويؤول المعنى إلى الأول. وكذا إذا أريد به الزمان ، أي في أوقات صلاتكم أقيموا وجوهكم لله.

__________________

(١) سورة يس : ١٢.

(٢) أسباب النزول للواحدي ٢٤٥.

(٣) سورة الأعراف : ٢٩.

١٥٥

( فصل )

وقوله ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) (١) أمر منه تعالى للمكلفين بالاستتار في الصلاة وفى المساجد ، ففي الآية دلالة على أنه لا يجوز كشف الركبة أو الفخذ ولا السرة في شئ من المساجد فضلا عن كشف العورة فيها.

وقوله تعالى ( وإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ) (٢) قيل أراد بالبيوت المساجد ، أي إذا دخلتموها فسلموا على من فيها من المؤمنين الذين هم بمنزلة أنفسكم ، وإذا دخلتموها ولم يكن فيها أحد فقولوا ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ). فهذا على الحقيقة والأول مجاز ، وكلاهما يجوز أن يكون مرادا.

وقوله تعالى ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ) (٣).

أمرهم الله أن يصلوا في بيوتهم ويجعلوا في البيوت قبلة ، أي مصلى إذا كانوا خائفين ، وهذا رخصة. وكل ما يعلم صحة كونه في شريعة نبي ولا يعرف فيه نسخ ولم يرد فيه نهي ، فالأصل فيه أنه باق على حاله.

وعن ابن عباس : كان فرعون أمر بهدم مساجدهم وأمروا أن يصلوا في بيوتهم.

وقد تقدم في قوله ( وان المساجد لله ) أنه يمكن أن يستدل به على أنه ينبغي أن يجنب المساجد البيع والشراء وانشاد الشعر ورفع الأصوات وغير ذلك مما هو محظور أو مكروه ، ولذلك استدل قوم بهذه الآية على أنه يكره في المساجد.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٣١.

(٢) سورة النور : ٦١.

(٣) سورة يونس : ٨٧.

١٥٦

( فصل )

وقوله تعالى ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ) (١).

المراد بذلك مشركوا العرب من قريش ، لأنهم صدوا النبي عليه‌السلام عن المسجد الحرام ، وهو المروي عن الصادق عليه‌السلام (٢). وقيل أراد جميع المساجد ، وقيل أنهم الروم غزوا بيت المقدس وسعوا في خرابه ، وقيل هو بخت نصر (٣) خرب بيت المقدس.

وإذا صح وجه منها لا يجب الاقتصار عليه ، لان نزول حكم في سبب لا يوجب الوقوف عليه ، ويجوز أن يعنى غيره للعموم. ألا ترى إلى قوله ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) نزل في الصوم ، فلما كانت الآية عامة ـ وان وردت في سبب ـ وجب حملها على عموم اللفظ دون خصوص السبب.

وقال الطبري : ان كفار قريش لم يسعوا قط في تخريب المسجد الحرام (٤).

وهذا ليس بشئ ، لان عمارة المسجد بالصلاة فيه ، وخرابه المنع من أن يصلى فيه.

على أنهم قد هدموا مساجد كانت بمكة كان المسلمون يصلون فيها لما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وذكر المساجد لان كل موضع منه مسجد ، ثم يدخل في خرابه خراب جميع المساجد.

__________________

(١) سورة البقرة : ١١٤.

(٢) تفسير البرهان ١ / ١٤٥.

(٣) قال صدر الأفاضل : بخت نصر بتشديد الصاد ، نقله أبو حاتم في كتاب ( ما يلحن فيه العوام ) عن الأصمعي ( هـ ج ).

(٤) تفسير الطبري ١ / ٣٩٨.

١٥٧

( فصل )

وقوله تعالى ( انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) (١).

أمر المؤمنين بمنع الكفار من مقاربة المسجد الحرام لطواف وغيره. وقيل إنهم منعوا من الحج فأما دخولهم للتجارة فلم يمنعوا منه ، يبين ذلك قوله ( وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء ).

وقوله ( بعد عامهم هذا ) هي سنة تسع من الهجرة التي تبدأ فيها براءة المشركين.

وظاهر الآية ان الكفار أنجاس لا يمكنون من دخول مسجد. وقال عمر بن عبد العزيز : ولا يجوز أن يدخل المسجد أحد من اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار. ونحن نذهب إليه.

وانما قال ( ان شاء ) لان منهم من لم يبلغ الموعود بأن يموت قبله ، وقيل انما ذكره لتنقطع الآمال إلى الله ، كما قال ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ) (٢).

وقوله ( ما كان لهم أن يدخلوها الا خائفين ) (٣) نادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يحج مشرك بعد العام ، فان دخل مسجدا منهم داخل كان على المسلمين ان يمنعوه فان أدخل إلى حاكم المسجد الذي يحكم فيه فلا يقعد مطمئنا فيه ، بل ينبغي أن يكون خائفا من الاخراج على وجه الطرد.

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٨.

(٢) سورة الفتح : ٢٧.

(٣) سورة البقرة : ١١٤.

١٥٨

( فصل )

وقوله تعالى ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ) (١) أي بنوه للاضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين ، فإنهم إذا تحزبوا فصلى حزب هنا وحزب يصلي في غيره اختلفت الكلمة وبطلت الألفة.

و ( ارصادا لمن حارب الله ) هو أبو عامر الراهب لحق بقيصر متنصرا ، وكان يبعث إليهم : سأتيكم بجند فأخرج محمدا ، فبنوه يترقبونه. وهو الذي حزب الأحزاب مع المشركين ، فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف ، فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الروم. وابنه عبد الله أسلم ، وقيل يوم أحد ، وهو غسيل الملائكة. ووجه رسول الله عند قدومه من تبوك عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الدخشم ، وكان مالك من بنى عوف الذين بنوا مسجد الضرار ، فقال لهما : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم احرقاه ، ففعلا ما أمر به (٢) ، فقال تعالى ( لا تقم فيه أبدا ) ، نهى نبيه وجميع المؤمنين أن يقوموا في مثل هذا المسجد ويصلوا فيه. وأقسم ان المسجد الذي أسس على التقوى أحق أن يقوم فيه هو مسجد قباء ، وقيل مسجد المدينة ، وسبب ذلك أنهم قالوا بنينا للضعيف في وقت المطر ، نسألك يا رسول الله أن تصلي فيه ، وكان توجه إلى تبوك ، فوعدهم أن يفعل إذا عاد ، فنهي عنه.

( باب صلاة العيدين والاستسقاء )

( والكسوف وغير ذلك )

قال الله تعالى ( فصل لربك وانحر ) (٣) أي فصل لربك صلاة العيد وانحر

__________________

(١) سورة التوبة : ١٠٧.

(٢) مستدرك الوسائل ١ / ٢٤٣.

(٣) سورة الكوثر : ٢.

١٥٩

الأضاحي. وانحر أعم نفعا من النسك.

وهذه الصلاة واجبة عند حصول شرائطها ، وهي شرائط الجمعة ، وتستحب تلك الصلاة إذا اختل شرائطها.

وقوله تعالى ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) (١). قال الحسن : ذبح قوم قبل صلاة العيد يوم النحر فأمروا بإعادة ذبيحة أخرى. وقال الزجاج : معناه لا تقدموا أعمال الطاعة حتى لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها.

والتكبيرات المأمور بها في العيدين يدل عليها ـ بعد اجماع الطائفة ـ قوله ( ولا تكبروا الله على ما هداكم ) (٢).

وإذا أجدبت البلاد يستحب صلاة الاستسقاء ، قال الله تعالى ( وسلوا الله من فضله ) (٣). ومثله من الآيات يدل على استحبابها.

وما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاها ، وقال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) يدل عليها وعلى جميع ما يستحب من الصلوات المندوبة كصلاة الاستخارة والحاجة ، فقد أمر بهما رسول الله عن الله ، وقال تعالى ( ما آتاكم الرسول فخذوه ).

وقوله تعالى ( إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك ) (٤) أي صل شكرا له على ما جدد لك من نعمه. وهذا يدل على أن صلاة الشكر مستحبة.

وكذلك صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الكسوف ، وفعله بيان (٥) ،

__________________

(١) سورة الحجرات : ١.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

(٣) سورة النساء : ٣٢.

(٤) سورة النصر : ١ ـ ٣.

(٥) أي فعله بيان كما أن قوله بيان ( هـ ج ).

١٦٠