فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض بينكم ) ١ فلا يستقرض على ظهره الا وعنده وفاء ، ولو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين [ والتمرة والتمرتين ] (٢) ، الا أن يكون له ولي يقضي دينه من بعده (٣).

وهذا مخصوص بحال الغيبة فلا ينافي الأول.

( باب قضاء الدين وحكم المدين المعسر )

اعلم أن وجوب قضاء الدين يعلم ضرورة ، ولذلك يعلمه كل عاقل لأنه من الواجبات العقلية ، ولما كان كذلك بين الله في كتابه بقوله ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) (٤) فان المدين متى كان معسرا لم يجز لصاحب الدين مطالبته والالحاح عليه ، بل ينبغي أن يرفق به وينظره إلى أن يوسع الله عليه.

وأشار سبحانه من فحوى الآية إلى وجوب قضاء الدين أيضا إذا طالبه صاحبه إن كان حالا أو نزل محله ، لان معناها وان وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة واعسار فالحكم والامر نظرة ، وهي من الانظار ، إلى ميسرة أي إلى يسار. ويجوز أن يكون ( كان ) ناقصة ، والتقدير وإن كان ذو عسرة غريما لكم أو من غرمائكم إن كان معسرا فعليه نظرة.

وهل الانظار واجب في كل دين أوفى دين الربا فقط ، قيل فيه ثلاثة أقوال : أحدها قال شريح وإبراهيم انه في دين الربا خاصة. والثاني قال ابن عباس في كل دين ، وهو قول أبى جعفر عليه‌السلام. الثالث أن المراد بالآية يجب في دين الربا ،

__________________

(١) سورة النساء : ٢٢.

(٢) الزيادة من المصدر.

(٣) الكافي ٥ / ٩٥.

(٤) سورة البقرة : ٢٨٠.

٣٨١

لان الكلام متصل بذلك. والثاني هو الصحيح ، لعموم الكلام في كل دين ، لان لكل كلام حكم نفسه وان نزل في حكم خاص وسبب مخصوص.

واستدل على أنه يجب في كل دين بأنه لا يخلو اما أن يجب في ذمته أو في رقبته أو في عين ماله ، فلو كان في رقبته لكان إذا مات بطل وجوبه ، ولو كان في عين ماله كان إذا هلك ماله بطل وجوبه ، فصح أنه في ذمته ولا سبيل له عليه في ذلك من جنس أو غيره.

والغريم لا يخلو اما أن يكون له شئ أولا يكون ، فإن لم يكن له شئ أصلا يجب لصاحب الدين أن لا يلزمه ذلك ولا يحسبه. وان كانت له دار وكانت واسعة كبيرة يستحب لصاحب الدين ان يصبر عليه ، وإن كان له مال ومطل جاز للحاكم حبسه ، فان دافع به أيضا كان له أن يبيع متاعه ويقضى عنه ما وجب عليه.

وقوله ( إلى ميسرة ) معناه إلى أن يوسع الله عليه. وقال أبو جعفر عليه‌السلام إلى أن يبلغ خبره الامام فيقضي عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه [ في معروف (١) ، وإن كان لا يعلم في ماذا أنفقه أو علم أنه أنفقه ] (٢) في معصية لم يجب عليه القضاء عنه ، بل إذا وسع الله عليه قضى عن نفسه.

ويجوز أن يعطى من سهم الفقراء والمساكين شئ ويقضي هو به دينه (٣).

( فصل )

ثم قال تعالى ( وأن تصدقوا خير لكم ) معناه وتصدقكم على المعسر بما عليه من الدين خير لكم.

__________________

(١) التبيان ٢ / ٣٦٩.

(٢) الزيادة من م.

(٣) في ج ( ويقضى هو دينه ).

٣٨٢

( وان تصدقوا خير لكم ) ندب إلى أن يتصدقوا برؤس أموالكم وبديونكم كلها على من أعسر من غرمائكم أو ببعضها ، [ لقوله ( وان تعفوا أقرب للتقوى ) (١).

وقيل أريد بالتصدق الانظار ] (٢) لقوله عليه‌السلام : لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره الا كان له بكل يوم صدقة.

( ان كنتم تعلمون ) انه خير لكم فتعلموا به ، جعل من لا يعلم به وان علمه كان لا يعلمه ، والصدقة أحسن لقوله ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء ) (٣).

وسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام رجل فقال : ان الله تعالى يقول ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله في كتابه لها حد يعرف به إذا صار المعسر إليه لابد له من أن ينظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه على عياله وليس له غلة ينتظر ادراكها ولا دين ينتظر محله ولا مال غائب ينتظر قدومه قال : نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله ، وإن كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الامام.

[ قيل : فإن لم يعلم ] (٤) فيما أنفقه أفي طاعة الله أم في معصيته. قال : يسعى له في ماله فيرده عليه وهو صاغر (٥).

( باب القرض )

قال الله تعالى ( ان تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم ) (٦) الآية ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٧.

(٢) الزيادة من م.

(٣) سورة البقرة : ٢٦١.

(٤) في المصدر بدل هذه الجملة ( قلت : فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم ).

(٥) الكافي ٥ / ٩٣.

(٦) سورة التغابن : ١٧.

٣٨٣

القرض على ما روي بثماني عشر ، والآية تدل على زيادة فضله على الصدقة.

والمراد ان تقرضوا أيها الأغنياء الفقراء الذين هم أولياء الله ، لأنه تعالى هو الغني على الحقيقة لا يحتاج إلى شئ.

وقال الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى ( لاخير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف ) (١). قال : يعني بالمعروف القرض (٢). وانما حرم الربا ليتقارض الناس.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : من أقرض قرضا إلى ميسرة كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يقضيه (٣).

وإذا أقرض انسان مالا فرد المستقرض عليه أجود منه من غير شرط لم يكن به بأس ، وكذلك ان رد عليه زيادة على ما أخذ من غير شرط ، لقوله تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها ).

( باب قضاء الدين عن الميت )

قال الله تعالى ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) (٤).

يجب أن يقضى الدين عن الميت من أصل تركته ، وهو أول ما يبدأ به بعد الكفن ، ثم تليه الوصية.

فان قيل : لم قدمت الوصية على الدين في الآية والدين مقدم عليها في الشريعة.

قلنا : لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض كان

__________________

(١) سورة النساء : ١١٤.

(٢) تفسير البرهان ١ / ٤١٥.

(٣) في الوسائل ١٣ / ٨٧ قريب من هذا المعنى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) سورة النساء : ١١.

٣٨٤

اخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ، فكان أداؤها مظنة للتفريط ، بخلاف الدين فان نفوسهم مطمئنة إلى أدائه ، فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى اخراجها بعد الدين.

وقضاء الدين عند حلول الأجل انما يجب مع المطالبة ، فمن مات وعليه دين مؤجل حل أجل ما عليه ولزم ورثته الخروج عما كان عليه من ماله وتركته ، وكذلك إن كان له دين (١) مؤجل حل أجل ماله وجاز للورثة المطالبة به في الحال.

ومطل الدين ودفعه مع القدرة ظلم ، فمن عليه دين لا ينوي قضاءه كان بمنزلة السارق ، وإذا كان عازما على قضائه أعانه الله عليه وكان له بذلك أجر كبير ، فان حضرته الوفاة أوصى إلى من يثق به أن يقضي عنه.

وانما قدم الله الوصية على الدين في القرآن في الآيتين في سورة النساء مع وجوب البدءة بالدين ثم بالوصية ـ على ما أمر به على لسان رسوله ـ لان أولا يوجب الترتيب لأنه لاحد الشيئين ، فكأنه قال من بعد أحد هذين مفردا أو مضموما إلى الاخر ، ولان وجوب رد الدين يعلم عقلا ، فقدم الله في اللفظ الوصية عليه اشعارا بأنه أيضا واجب ، وان اخراج الدين من أصل التركة واخراج الوصية من ثلثها.

على أن الوصية أعم من الدين فحسن تقديمها لفظا ، فان الدين يدخل فيها فالمحتضر يوصي بدينه. والغالب من أحوال من يحضره الموت الوصية ، والدين لا يكون الا نادرا.

( باب الصلح )

وهو من توابع الدين وغيره ، فربما يضطر فيه إليه.

قال الله تعالى ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير ) (٢).

__________________

(١) في م ( عليه دين ).

(٢) سورة النساء : ١٢٨.

٣٨٥

وهذا على العموم ، فالصلح جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى تحريم حلال أو تحليل حرام.

وقال تعالى ( لاخير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس ) (١).

فعلى هذا إذا كان لرجلين لكل واحد عند صاحبه شئ تعين لهما ذلك أولم يتعين فاصطلحا على أن يتتاركا ويتحللا كان جائزا. وكذلك من كان له دين على غيره آجل فيقضي عنه شيئا وسأل تعجيل الباقي كان سائغا لقوله تعالى ( ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ) (٢).

والشريكان إذا تقاسما واصطلحا على أن يكون الربح والخسران على واحد منهما ويرد على الاخر رأس ماله على الكمال أيضا جائز ، لقوله تعالى ( فأصلحوا بينهما ).

وهذه الآيات كلها بعمومها تدل على كل صلح لا يخالف الشريعة.

والصلح ليس بأصل في نفسه ، وانما هو فرع على العين ، وهو على خمسة أضرب.

( باب الكفالة )

قال تعالى حكاية عن يعقوب ( لتأتيني به الا أن يحاط بكم ) (٣) وقول ولده ليوسف ( فخذ أحدنا مكانه ) (٤) وذلك كفالة البدن.

واعلم أن الكفالة بالنفس والمال في الشرع جائزة ، ولا تصح الا بأجل وان

__________________

(١) سورة النساء : ١١٤.

(٢) سورة النساء : ٣٥.

(٣) سورة يوسف : ٦٦.

(٤) سورة يوسف : ٧٨.

٣٨٦

كانت الكفالة ندامة وغرامة ، قال تعالى ( ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ) (١) اي كفيل به وضمين له ، وأنشد :

فلست بآمن فيها بسلم

ولكني على نفسي زعيم (٢)

وانما قال ( وأنا به زعيم ) وقبله ذلك جمع ( قالوا نفقد صواع الملك ) لان زعيم القوم يتكلم عنهم.

وسأل أبا عبد الله عليه‌السلام أبو العباس عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلى اجل فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا؟ قال : ان جاء به إلى أجل فليس عليه مال وهو كفيل بنفسه أبدا إلى أن يبدأ بالدراهم [ فأن بدأ بالدراهم ] فهو له ضامن ان لم يأت به إلى الاجل الذي أجله (٣).

بيان ذلك : ان من ضمن غيره إلى اجل فإن لم آت به كان علي كذا ، وحضر الاجل لم يلزمه الا احضار الرجل ، وان قال علي كذا إلى كذا ان لم أحضر فلانا ثم لم يحضره وجب عليه ما ذكره من المال.

وإذا تكفل رجل ببدن رجل لرجل عليه مال أو يدعي عليه مالا ، ففي الناس من قال يصح ضمانه ، وفيهم من قام لا يصح ضمانه. والأول أقوى ، للآية التي تقدمت.

( باب الحوالة )

هي عقد من العقود يجب الوفاء به ، لقوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) (٤). ووجوب الوفاء يدل على جوازه.

__________________

(١) سورة يوسف : ٧٢.

(٢) انظر التبيان ٦ / ١٧١.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ / ١٥٧ والزيادة منه.

(٤) سورة المائدة : ١.

٣٨٧

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل.

وأجمعت الأمة على جواز الحوالة وان اختلفوا في مسائل منها.

والحوالة مشتقة من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة ، يقال : أحاله بالحق عليه تحيله واحتال قبله الحوالة.

والحوالة انما تصح في الأموال التي هي ذوات أمثال ، ولا تصح الا بشرطين : اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة ، وأن يكون الحق مما يصح فيه أخذ البدل قبل قبضه.

وقد بينا أن الضمان جائز للكتاب والسنة ، فالكتاب ما تلوناه من سورة يوسف من قوله ( وأنا به زعيم ).

وليس لاحد أن يقول : ان الحمل مجهول لا يصح الكفالة به والضمان فيه ، وذلك أن الحمل حمل بعير وهو ستون وسقا عند العرب.

وأيضا فإنه مال الجعالة ، وذلك عندنا يصح ضمانه لأنه يؤول إلى اللزوم ، ومن لم يجز ضمان مال الجعالة وضمان مال المجعول قال أخرجت ذلك بدليل والظاهر يقتضيه.

وخطب النبي عليه‌السلام يوم فتح مكة فقال في خطبته : العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضى والزعيم غارم. يعني الكفيل يغرم.

فإذا ثبت صحة الضمان فمن شرطه وجود ثلاثة اشخاص : ضامن ، ومضمون له ، ومضمون عنه. وليس من شرط الضمان معرفتهما. والله أعلم.

( باب الوكالة )

قال الله تعالى حكاية عن أصحاب الكهف ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) (١). أي قال بعضهم لبعض : ابعثوا

__________________

(١) سورة الكهف : ١٩.

٣٨٨

من يتصرف لكم في البيع والشراء. فلما قبل المبعوث القيام بما وكلوه إليه وضمن ما وكلوه فيه فقد صار وكيلا لهم ويصح شراؤه وبيعه.

وقال تعالى ( فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) (١).

و ( الفتى ) الرجل الشاب ، وانما أضيف موسى لأنه كان يخدمه ويكل هو إليه كثيرا من أموره الدنياوية وموكله فيها ، والعرب تسمي خادم الرجل ووكيله ( فتاه ) وإن كان شيخا.

والوكالة يعتبر فيها شرط الموكل ، ان شرط في خاص من الأشياء لم يجز له فيما عداه ، ألا ترى إلى قوله ( فلينظر أيها أزكى طعاما ).

وقوله ( أزكى طعاما ) أي أنمى بأنه طاهر حلال ، لان أهل تلك المدينة كان أكثرهم كفارا وقت خروجهم منها ، كانوا يذبحون للأوثان وهم أرجاس ، فأشاروا بأن لا يشتري غير الطعام الطاهر. و ( فليتلطف ) في شرائه واخفاء أمره ( ولا يشعرن بكم أحدا ) وان ظهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما وقع هو فيه.

وان شرط الموكل أن تكون الوكالة عامة كان هو الوكيل على العموم.

وروي عن جابر أنه قال : أردت الخروج إلى حنين (٢) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقلت : اني أريد الخروج إلى حنين (٢). فقال عليه‌السلام : إذا اتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا ، فان ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته (٣). فأثبت عليه‌السلام لنفسه وكيلا.

وكل عليه‌السلام أيضا حكيما بن حزام في شراء شاة.

ومن وكل غيره في مطالبة أو محاكمة وقبل الغير ذلك منه صار وكيله ، يجب

__________________

(١) سورة الكهف : ٦٢.

(٢) في ج ( إلى خيبر ) في الموضعين.

(٣) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ٧ / ٣٠٦.

٣٨٩

له ما يجب لموكله ويجب عليه ما يجب على موكله ، الا ما يقتضيه الاقرار من الحدود والآداب والايمان.

( فصل )

ومن وكل رجلا على امضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة ابدا حتى يعلمه بالخروج منه كما اعلمه بالدخول فيه. وعن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل قال لاخر اخطب لي فلانة فما فعلت في شئ من صداق أو ضمنت من شئ أو شرطت فذلك رضائي وهو لازم لي ، ولم يشهد على ذلك ، فذهب فخطب له وبذل عنه الصداق وغير ذلك مما طالبوه وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر هو ذلك كله. قال : يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنه هو الذي ضيع حقها لما لم يشهد عليه بذلك الذي قال له ، وحل لها ان تتزوج ، ولا يحل للأول فيما بينه وبين الله ان يطلقها ، لان الله يقول ( فامساك بمعروف أو تسريح باحسان ) (١) ، فإن لم يفعل فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله (٢).

ولا يجوز لحاكم ان يسمع من متوكل لغيره الا بعد أن تقوم له عنده البينة بثبوت وكالته عنه.

وسئل عليه‌السلام عن رجل قبض صداق بنته من زوجها ثم مات هل لها ان تطالب زوجها بصداقها أو قبض أبيها قبضها؟ فقال عليه‌السلام : ان كانت وكلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها ان تطالبه ، وان لم تكن وكلته فلها ذلك ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك ، الا أن تكون صبية في حجره فيجوز لأبيها ان يقبض عنها. (٣)

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ / ٢٨٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ / ٢٩٠.

٣٩٠

ومتى طلقها قبل الدخول فعفى عن بعض المهر من له العفو جاز ذلك ، وليس له ان يعفو عن جميع المهر ، وهو الذي بيده عقدة النكاح من أحد ثلاثة ، وذلك قوله ( الا ان يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) ، يعنى الأب والجد مع وجود الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من الجد مع عدم الأب أو أخ أو قرابة أو غيرهما.

( فصل )

فإذا ثبت جواز الوكالة فالكلام بعد في بيان ما يجوز التوكيل فيه وما لا يجوز ، ونأتي به على كتب الفقه : فالطهارة لا يصح التوكيل فيها ، وإذا استعان بغيره في صب الماء عليه على كراهة فيه ، أو غسل أعضائه على خلاف فيه ، لان عندنا لا يجوز ذلك مع القدرة ، وينوي هو بنفسه رفع الحدث مع الضرورة ، وذلك ليس بتوكيل وانما هو استعانة على فعل عبادة.

والصلاة لا يجوز التوكيل فيها ، ولا يدخلها النيابة ما دام هو حيا الا ركعتي الطواف تبعا للحج.

والزكاة يصح التوكيل في اخراجها عنه وفى تسليمها إلى أهل السهمان (١) ويصح من أهل السهمان التوكيل في قبضها.

والصيام لا يصح التوكيل فيه ، ولا يدخله النيابة ما دام حيا ، فإذا مات وعليه الصوم أطعم عنه وليه أو صام عنه في الموضع الذي وجب عليه وفرط فيه. وكذا في الصلاة على بعض الوجوه.

والاعتكاف لا يصح التوكيل فيه بحال ولا يدخله النيابة بوجه.

__________________

(١) بضم السين جمع السهم وهو النصيب ـ انظر الصحاح ٥ / ١٩٥٦.

٣٩١

والحج لا يدخله النيابة مع القدرة عليه بنفسه ، فإذا عجز عنه بزمانة أو موت أو منع دخلته النيابة.

والبيع يصح فيه التوكيل مطلقا في ايجابه وقبوله وتسليم المال فيه وتسلمه.

وكذا يصح التوكيل في عقد الرهن وفي قبضه.

ولا يتصور التوكيل في التفليس.

واما الحجر فللحاكم ان يحجر بنفسه ، وله ان يستنيب غيره فيه.

والصلح في معنى البيع يصح التوكيل فيه.

والحوالة يصح فيها التوكيل ، وكذا في عقد الضمان والشركة.

ويصح أيضا التوكيل في الوكالة [ فيوكل رجلا في توكيل آخر ] (١) عنه.

والاقرار هل يصح فيه التوكيل أم لا؟ فيه خلاف.

والعارية يصح فيها التوكيل لأنها هبة خلاف.

والعارية يصح فيها التوكيل لأنها هبة منافع.

والغصب لا يصح التوكيل فيه ، فإذا وكل رجل في الغصب فغصبه فالحكم يتوجه على الذي باشر الغصب ، كما يتوجه عليه بأن لو غصبه بغير أمر أحد.

والشفعة يصح التوكيل في المطالبة بها.

وكذا يصح في القراض والمساقاة والإجارة واحياء الموات.

وكذا التوكيل في العطايا والهبات والوقف.

ولا يصح التوكيل في الالتقاط ، فإذا وكل غيره في التقاطه لقطة تعلق الحكم بالملتقط لا بالامر ، وكان الملتقط بها أولى.

والميراث لا يصح التوكيل فيه الا في قبضه واستيفائه.

والوصايا يصح التوكيل في عقدها وقبولها.

والوديعة يصح التوكيل فيها أيضا.

__________________

(١) الزيادة من ج.

٣٩٢

وقسم الفئ فللام أن يتولى قسمته بنفسه وله أن يستنيب غيره فيه.

والصدقات حكمها حكم الزكوات ، وقد قلناه.

والنكاح يصح فيه التوكيل في الولي والخاطب ، وكذا التوكيل في الصدقات يصح أيضا ، [ ويصح التوكيل في الخلع لأنه عقد بعوض ] (١) ولا يصح التوكيل في القسم بين الزوجات لان الوطأ يدخل فيه فلا نيابة فيه.

واما الطلاق فيصح التوكيل فيه ، يطلق عنه الوكيل مع غيبته ، والرجعة فيها خلاف ولا يمتنع ان يدخلها التوكيل.

والرضاع لا يصح فيه التوكيل ، لأنه يختص التحريم بالمرضع والمرضع (٢).

و [ النفقات يصح التوكيل في طرفها إلى من يجب ، ولا ] (٣) يصح التوكيل في الايلاء والظهار واللعان لأنها أيمان.

والعدد لا يدخلها النيابة ولا يصح فيها التوكيل ، [ والجنايات لا يصح فيها التوكيل ] (٣) فكل من باشر الجناية تعلق به حكمها.

والقصاص يصح في اثباته التوكيل ولا يصح في استيفائه يحضره الولي ويصح في غيبته عندنا.

والديات يصح التوكيل في تسليمها وتسلمها.

والقسامة لا يصح فيها التوكيل لأنها أيمان.

والكفارات يصح التوكيل فيها كما يصح في الزكوات.

وقتال أهل البغي للامام أن يستنيب فيه.

والحدود للامام أيضا أن يستنيب في اقامتها ، ولا يصح التوكيل في تثبتها ، لأنه لا تسمع الدعوى فيها.

__________________

(١) الزيادة من ج.

(٢) بكسر الضاد في الأول وفتحه في الثاني.

(٣) الزيادتان من ج.

٣٩٣

وحد القذف حق الآدميين حكمه حكم القصاص يصح التوكيل فيه.

والأشربة لا يصح التوكيل فيها ، فكل من شرب الخمر فعليه الحد دون غيره.

والجهاد لا يصح النيابة فيه بحال ، لان كل من حضر الصف توجه فرض القتال وكيلا كان أو موكلا. وقد روى أصحابنا أنه يدخله النيابة على بعض الوجوه والأقوى أن لا يدخل الجزية التوكيل.

[ والذبح يصح التوكيل فيه.

وكذا السبق والرماية ، لأنه إجارة أو جعلا وكلاهما يدخل فيه التوكيل ] (١).

والايمان والنذور لا يصح التوكيل فيها.

والقضاء يصح النيابة فيه.

وكذا في الشهادات يصح الاستنابة فيها ، فتكون شهادة على شهادة ، وليس ذلك بتوكيل.

والدعوى يصح التوكيل فيها ، لان كل أحد لا يكمل للمخاصمة والمطالبة.

والعتق والتدبير والكتابة يصح التوكيل فيها.

( باب اللقطة والضالة )

قال الله تعالى ( وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة ) (٢).

والأصل في ذلك السنة ، ويمكن الاستدلال عليها من القرآن بما تلوناها وبقوله تعالى ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) (٣).

وكل ما يلتقط من الآدميين فحكمه أن يكون حرا ، سواء وجد في دار الاسلام أو في دار الحرب.

فأما اللقطة فإنه يجوز أخذ كل ما كان قيمته دون الدرهم منها من غير ضمان

__________________

(١) الزيادة من م.

(٢) سورة يوسف : ١٠.

(٣) سورة القصص : ٨.

٣٩٤

ولا تعريف ، وكذا ما يوجد في موضوع خرب مدفونا لامن اثر أهل الزمان ، وعلى خلافه ما يوجد في الحرم.

وما يجده الانسان في غير الحرم وكان درهما فما فوقه ، فإنه يجب تعريفه سنة ، فإن لم يجئ صاحبه كان كسبيل ماله ، الا أنه يكون ضامنا له متى جاء صاحبه.

والشاة متى وجدها في برية فليأخذها وهو ضامن لقيمتها ، فان وجدها في العمران حبسها ثلاثة أيام ، فان جاء صاحبها والا تصدق بها عنه.

( باب الزيادات )

أما معنى قوله ( فاكتبوه ) في آية المعاملة بالدين ، أي فاكتبوا الدين في صك كيلا يقع فيه جحود أو نسيان ، وليكون ذلك نظرا للذي عليه الحق وللذي له الحق وللشهود ، فوجه النظر للذي عليه الحق أن يكون أبعد به من الجحود فلا يستوجب النقمة والعقوبة ، ووجه النظر للذي له الحق أن يكون حقه موثوقا بالصك والشهود فلا يضيع حقه ، ووجه النظر للشهود أنه إذا كتب خطه كان ذلك أقوم للشهادة وأبعد من السهو وأقرب إلى الذكر

( مسألة ) :

روي عن أبان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه ويقول : أنقدني من الذي لي كذا وكذا وأضع لك بقيته ، أو يقول : أنقدني بعضا وأمد لك في الاجل فيما بقي؟ فقال : لا أرى بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا ، يقول الله تعالى ( فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) (١).

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٩ ، وانظر تفسير البرهان ١ / ٢٥٩.

٣٩٥

( مسألة ) :

وعن الصادق عليه‌السلام وقد سأله يزيد العجلي أن علي دينا لأيتام وأخاف ان بعت ضيعتي بقيت ومالي شئ. فقال : لاتبع ضيعتك ولكن اعط بعضا وأمسك بعضا (١).

وعن سماعة بن مهران فيمن عليه الدين؟ قال : يقضي بما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس الا وعنده ما يؤدى إليهم حقوقهم ، ان الله تعالى يقول ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) (٢).

( مسألة ) :

وعن الصادق عليه‌السلام : أفضل ما يستعمله الانسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ولا يتعرض لها ، فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه وأخذه.

وسئل عن الأضحية يوجد في جوفها جوهر أو غيره من المنافع؟ فقال عليه السلام : عرفها البائع ، فإن لم يعرفها فالشئ لك رزقك الله إياه (٣).

وأما ما يكون حكمه حكم اللقطة فقد سئل عليه‌السلام عمن أودعه اللص سرقة ولاخوف على المودع فيه. فقال : لا يردها عليه ، فان أمكنه أن يردها على صاحبها فعل والا كان في يده بمنزلة اللقطة يعرفها حولا فان أصاب صاحبها والا تصدق بها عنه.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٩٧.

(٢) سورة البقرة : ١٨٨. وانظر الكافي ٥ / ٩٥.

(٣ ) الكافي ٥ / ١٣٩.

٣٩٦

كتاب الشهادات

لا يجوز للشاهد أن يشهد حتى يكون عالما بما يشهد به حين التحمل وحين الأداء ، لقوله تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) (١) وقال ( الا من شهد بالحق ) (٢).

وقال ابن عباس : سئل رسول الله عليه‌السلام عن الشهادة فقال : هل ترى الشمس؟ فقال : نعم. قال : على مثلها فاشهد أودع.

وما يصير به عالما من وجوه ثلاثة : سماعا ، أو مشاهدة ، أوبهما : أما ما يقع له به مشاهدة فالافعال كالغصب والسرقة والقتل والقطع والرضاع والولادة واللواط والزنا وشرب الخمر ، فله أن يشهد إذا علم الشاهد ولا يصير به عالما بغير مشاهدة.

وأما ما يقع العلم به سماعا فثلاثة أشياء : النسب والموت ، والملك المطلق.

وأما ما يحتاج إلى سمع والى مشاهدة فهو كالشهادة على العقود كالبيع والسلم والصلح والإجارات والنكاح ونحو ذلك ، لابد فيها من مشاهدة المتعاقدين

__________________

(١) سورة الإسراء : ٣٦.

(٢) سورة الزخرف : ٨٦.

٣٩٧

وسماع كلام العقد منهما ، لأنه لا يمكن تحمل الشهادة قطعا الا كذلك.

وليس عندنا عقد من العقود من شرطه الشهادة أصلا عند الفقهاء كذلك الا النكاح وحده (١) ، وأما الطلاق فمن شرطه اشهاد رجلين عدلين في مجلس واحد.

وقال داود : الشهادة واجبة على البيع لقوله تعالى ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) (٢) ، ولقوله عليه‌السلام : ثلاثة لا يستجاب لهم دعوة : من باع ولم يشهد ، ورجل دفع ماله إلى سفيه ، ورجل له امرأة فيقول اللهم خلصني منها ولا يطلقها.

وعندنا الآية والخبر يحملان على الاستحباب.

( باب تعديل الشهود ومن تقبل شهادته )

قال الله تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (٣) أي اطلبوا ان يشهد لكم شهيدان من رجالكم من رجال المؤمنين ، والمعنى بالغوا في طلب من يعلم بتعاملكم وهو شهيدان ، أي رجلان من أهل الفضل والعدل ، لكي ان اختلفتم يبينا الحق من الباطل بما عرفاه من قبل.

والشهادة العلم ، والسين للطلب والسؤال. وقال ( شهيدين ) ولم يقل رجلين ليستغني عن ذكر عدلين ، لأنه تعالى قال ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ).

و ( الشهيد ) اسم للرجل العدل ، وهو أبلغ من ( شاهد ). و ( العدل ) هو من ظاهره ظاهر الايمان ، ويعرف باجتناب الكبائر ، ويعرف بالصلاح والعفاف حافظا على الصلوات.

وقال مجاهد في قوله تعالى ( من رجالكم ) أي من رجالكم الأحرار المسلمين

__________________

(١) في ج ( الا البيع والنكاح وحدهما ).

(٢) سورة البقرة : ٢٧٢.

(٣) سورة البقرة : ٢٨٢.

٣٩٨

دون الكفار والعبيد. وقال شريح والبستي وأبو ثور : الحرية ليست شرطا في قبول الشهادة. وعندنا هذا هو الصحيح ، وانما الاسلام شرط مع العدالة.

ولم يقل واستشهدوا شهيدين من رجالكم في ذلك اشعارا بأن الاشهاد كما يعتبر في الدين والسلم يراعى في أشياء كثيرة.

( فصل )

ثم قال تعالى ( فإن لم يكونا رجلين ) أي فإن لم يكن الشهيدان رجلين ، يعنى ان لم يحضر من يستأهل أن يكون شهيدا من جملة الرجال رجلين ( فرجل وامرأتان ) أي فليشهد رجل وامرأتان.

والحكم بالشاهد والمرأتين يختص بما يكون مالا أو المقصود به المال ، فأما الحدود التي هي حق الله وحقوق الآدميين وما يوجب القصاص فلا يحكم فيها بشهادة رجل وامرأتين الا في الرحم وحد الزنا والدم خاصة ، لئلا يبطل دم امرئ مسلم ، فإنه إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان على رجل بالزنا وجب عليه الرجم إن كان محصنا ، وان شهد بذلك رجلان وأربع نسوة لا يرجم المشهود عليه بل يحد حد الزاني ، وان شهد رجل وست نسوة بذلك جلدوا كلهم حد القذف.

ويجوز شهادة رجل وامرأتين على رجل بالجرح أو القتل ، غير أنه لا يثبت بشهادتهن القود ويجب بها الدية على الكمال. فأما شهادتهن بذلك على الانفراد فإنها لا تقبل على حال.

وتقبل شهادتهن في الديون ونحوها على ما ذكرناه مع الرجال وعلى الانفراد.

وكذلك عندنا في الشاهد واليمين حكم الشاهد والمرأتين سواء. وهذا في الدين ونحوه مما القصد به المال خاصة.

ومن شجون الحديث ما روي أن أبا حنيفة سأل جعفر بن محمد عليهما‌السلام

٣٩٩

عن شاهد واحد واليمين ، فقال : تقبل شهادة واحد ويحلف مع ذلك صاحب الدين ويقضى له به. فقال أبو حنيفة : كلام الله ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) و ( رجل وامرأتان ) فقال عليه‌السلام : وهل فيه انه لا يجوز اليمين مع شاهد واحد؟ فانقطع ، ثم قال عليه‌السلام : وأنت تحير الحكم فيما هو أعظم منه برجل واحد فقط إذا عرف من يشهد شهودا على نفسه وهم لا يعرفونه ، فلم يحر جوابا.

ولا يجوز أن يشهد الانسان الاعلى من يعرفه ، فان اشهد على من لا يعرفه فليشهد بتعريف من يتق الله رجلين مسلمين ، وإذا أقام الشهادة أقامها كذلك ، وفحوى الآية تدل على ذلك.

وقوله ( ان لم يكونا رجلين ) التقدير فإن لم يكن رجلين لكنه ثنى لما تقدم ذكر الشهيدين. ولو قال فإن لم يكونا لكفى من ذكر الرجلين ، لكنه أعاد ذكر الرجلين توكيدا وتثبيتا.

وفي الضمير الذي في ( كانا ) فائدة ، وهو أن يكون كناية عن شهيدين ، ولو قال فإن لم يكن لجوز السامع ألا تكون العدالة معتبرة ههنا.

ونحوه قوله ( فان كانتا اثنتين ) ثم قال ( فرجل وامرأتان ) أي فليكن رجلا وامرأتان ، ولابد من تقدير حذف المضاف ، أي فليحدث شهادة رجلين أو امرأتين أو فليكن ـ قاله أبو علي.

( فصل )

وقوله تعالى ( ممن ترضون من الشهداء ) أي ممن تعرفون عدالتهم ( أن تضل أحداهما ) أي أن لا تهتدي إحداهما للشهادة ، بأن تنساها ، من ضل الطريق إذا لم يهتد له. وانتصابه على أنه مفعول له ، أي إرادة أن تضل.

فان قيل : كيف يكون ضلالها مراد الله؟

٤٠٠