فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

( فصل )

وقوله ( يريد الله بكم اليسر ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك اليسر في الآية الافطار في السفر والعسر الصوم فيه وفي المرض. والعدة المأمور باكمالها المراد بها أيام السفر أو المرض التي أمر بالافطار فيها.

وقوله ( ولتكملوا العدة ) عطف على تأويل محذوف دل عليه ما تقدم من الكلام ، لأنه لما قال ( يريد الله بكم اليسر ) دل على أنه فعل ذلك ليسهل عليكم ، فجاز ولتكملوا العدة.

وقيل هو عطف جملة على جملة لان بعده محذوفا ، كأنه قال ولتكملوا العدة شرع ذلك أن أريد ذلك ، ومثله قوله ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) (١) [ أي وليكون من الموقنين ] (٢) بما أريناه.

هذا قول الفراء والأول قول الزجاج ، وهو أجود ، لان العطف يعتمد على ما قبله لا على ما بعده.

وعطف الظرف على الاسم في قوله ( ومن كان مريضا أو على سفر ) جائز ، لأنه بمعنى الاسم ، وتقديره أو مسافرا ، ومثله ( دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) [ كأنه قال دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما ] (٤).

( فصل )

وقوله ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) أراد تعالى من شهد الشهر وهو ممن

__________________

(١) سورة الأنعام : ٧٥.

(٢) الزيادة من ج.

(٣) سورة يونس : ١٢.

(٤) الزيادة من ج.

١٨١

يتوجه إليه الخطاب ، فعلى هذا الصبي إذا احتلم في نصف يوم من شهر رمضان أمسك ما بقي تأديبا ولا قضاء عليه فيما مضى ، ويمسك الكافر أيضا إذا أسلم في نهار رمضان للتأديب.

والمجنون والمغمى عليه في الشهر كله لا قضاء عليهم عندنا ، بدلالة قوله ( فمن شهد ) وتقديره فمن كان شاهدا الشهر ويتوجه الخطاب إليه ، والمجنون والمغمى عليه ليسا بعاقلين حتى يتناولهما الخطاب.

والكافر وإن كان مخاطبا بالشرعيات فقد سامح الله معه إذا أسلم.

وقسم هذا الكلام بعض أصحابنا فقال : من نوى الصوم في أول الشهر ثم أغمي عليه واستمر به أياما فهو بحكم الصائم لم يلزمه قضاء ، وان لم يكن مفيقا في أول الشهر وجب عليه القضاء (١). وانما يحمل هذا على الاستحباب لأنه تعالى قال ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) (٢).

( باب من له عذر أو ما يجرى مجرى العذر )

قال الله تعالى ( ومن كان مريضا أو على سفر ) [ المراد به إذا كان مريضا ] (٣) عليلا فلا يطيق الصوم أو يخاف على نفسه منه فيلزمه عدة من الأيام الأخر.

واعلم أن من فاته رمضان بعذر من مرض وغيره فعليه قضاؤه ، ووقت القضاء ما بين رمضانين الذي تركه والذي بعده ، فان أخر القضاء إلى أن يدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وقضى الذي فاته ، وإن كان تأخيره لعذر من سفر أو مرض استدام به فلا كفارة عليه ، وان تركه مع القدرة كفر عن كل يوم بمد من طعام. يدل عليه ـ بعد اجماع الطائفة والاحتياط ـ قوله ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) ، وهذا هو القضاء ، والامر على الفور الا لقرينة.

__________________

(١) لأنه لم ينو الصوم ( هـ ج ).

(٢) سورة الحج : ٧٨.

(٣) الزيادة من ج.

١٨٢

ثم الظاهر أن الفدية على من أطاق القضاء ، وإن كان الخطاب راجعا إلى القضاء والأداء معا ، فالظاهر أنه منهما (١) الا أن يقوم دلالة على تركه. وقال أهل العراق الحامل والمرضع اللتان يخافان على ولديهما يفطران ولا يقضيان يوما مكانه ولا صدقة عليهما ولا كفارة ، وبه قال قوم من أصحابنا ، وقال الشافعي ـ في رواية المزني ـ عليهما القضاء ويطعمان لكل يوم مدا ، وهو مذهبنا المعول عليه.

والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويتصدق مكان كل يوم نصف صاع في قول أهل العراق ، وهو مذهبنا.

( فصل )

قال المرتضى : من بلغ من الهرم إلى حد يتعذر معه الصوم وجب عليه الافطار بلا كفارة ولا فدية ، ولو كان من ذكرنا حاله لو تكلف الصوم لتأتي منه لكن بمشقة شديدة يخشى المرض منها والضرر التعظيم كان له أن يفطر ويكفر عن كل يوم بمد من طعام ..

قال : ومما يجوز أن يستدل به على أن الشيخ الذي لا يطيق الصوم يجوز له الافطار من غير فدية ، قوله تعالى ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) ٢ ، وإذا لم يكن في وسع الشيخ الصوم خرج من الخطاب به ولا فدية عليه إذا أفطر ، لان الفدية انما تكون عن تقصير ، وإذا لم يطق الشيخ الصوم فلا تقصير وقع منه.

ويدل على أن من أطاق من الشيوخ الصوم لكن بمشقة شديدة يخشى منها المرض يجوز له أن يفطر ويفدي ، قوله تعالى ( وعلى الذين يطيقونه فدية ) ، ومعنى الآية أن الفدية تلزم مع الافطار ، وكأن الله خير في ابتداء الامر بهذه الآية الناس

__________________

(١) أي من أفطر مع القدرة فهو من جملة الفريقين اللذين يجب عليهما القضاء والأداء ( هـ ج ).

(٢) سورة البقرة : ٢٨٦.

١٨٣

كلهم بين الصوم وبين الافطار والفدية ، ثم نسخ ذلك بقوله ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ).

وأجمعوا على تناول هذه الآية لكل من عدى الشيخ الهرم ممن لا يشق عليه الصوم ، ولم يقم دليل على أن الشيخ إذا كان الضرر في هذه الآية ، فهو إذا يدخل تحت حكم الآية الأولى (١).

( فصل )

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام بعد أن ذكر كلام الشيخ المفيد ، وهو ان : الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا لم يطيقا الصيام وعجزا عنه فقد سقط عنهما فرضه ووسعهما الافطار ولا كفارة عليهما ، وإذا أطاقاه بمشقة عظيمة وكان مرضهما يضر بهما ضررا بينا (٢) وسعهما الافطار وعليهما ان يكفرا عن كل يوم بمد من طعام.

قال : وهذا الذي فصل به بين من يطيق الصيام بمشقة وبين من لا يطيقه أصلا ، لم أجد به حديثا مفصلا ، والأحاديث كلها على أنه متى عجزا كفرا عنه.

والذي حمله على هذا التفصيل هو أنه ذهب إلى أن الكفارة فرع على وجوب الصوم ، ومن ضعف عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة فإنه يسقط عنه وجوبه جملة ، لأنه لا يحسن تكليفه للصيام وحاله هذه ، وقد قال الله تعالى ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ). وهذا ليس بصحيح لان وجوب الكفارة ليس بمبني على وجوب الصوم ، لأنه ما كان يمتنع أن يقول الله : متى لم تطيقوا الصيام فصار مصلحتكم في الكفارة وسقط وجوب الصوم عنكم ، وليس لأحدهما تعلق بالآخر.

__________________

(١) الانتصار ص ٦٧ ـ ٦٨ مع بعض الاختصار.

(٢) عبارة الأصل هكذا : وكان يمرضهما ان صاماه أو يضر بهما ضررا بينا.

١٨٤

والذي ورد في الأحاديث في ذلك ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان. فقال : يتصدق بما يجزى عنه طعام مسكين لكل يوم.

وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ). قال : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش.

وفي رواية أخرى : ولا قضاء عليهما ، فإن لم يقدرا فلا شئ عليهما.

وفي رواية أنه قال : يتصدق كل واحد بمدين من طعام.

وهذا ليس بمضاد للرواية التي تضمنت مدا من طعام أو اطعام مسكين ، لان هذا الحكم يختلف بحسب اختلاف أحوال المكلفين ، فمن أطاق اطعام مدين يلزمه ذلك ، ومن لم يطق الا اطعام مد فعل ذلك ، ومن لم يقدر على شئ منه فليس عليه شئ حسب ما قدمناه (١).

ومقدار المد ثلاثمائة سوى سبعة دراهم ونصف درهم (٢).

( باب )

في النية وفي علامة أول الشهر وآخره من شرط صحة الصوم النية ، قال الله تعالى ( وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) (٣) والاخلاص لله بالديانة هو أن يتقرب إليه بذلك من غير رياء ولا سمعة ، وهذا التقرب لا يصح الا بالنية له. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( الأعمال بالنيات ) (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ / ٢٣٧ ـ ٢٣٩ مع حذف أسانيد الأحاديث واختصار.

(٢) المد ما يقرب من ثلاثة أرباع الكيلو (٧٥٠) غرام ).

(٣) سورة البينة : ٥.

(٤) وسائل الشيعة ٧ / ٧.

١٨٥

ويكفي في النية أن يعزم أنه يصوم شهر رمضان كله من أوله إلى آخره مع ارتفاع ما يوجب افطاره.

والنية إرادة مخصوصة ولا تتعلق الا بحادث ونحوه ، وههنا لا تتعلق بالامساك وانما تتعلق بكراهة تناول المفطرات (١) وقد ذكرنا ذلك مستوفى في كتاب ( النيات في جميع العبادات ).

وإذا نوى الانسان في أول شهر رمضان صوم الشهر كله إلى آخره قال بعد النية في قلبه انشاء الله ، فان الله تعالى يقول ( ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله ) (٢).

والصيام كما ذكرنا هو الكف عن تناول أشياء والصبر عليه ، وقد ورد الامر من الله بالكف عنها في أزمان مخصوصة مما يجب أن يمسك عنه الصائم مما ان أقدم عليه يوجب القضاء سبعة عشر شيئا ، فإذا كف العبد عنها في أوقات الصيام المحدودة بنية الكف عنها لوجه الله كان آتيا بالصيام. وقد حظر الله على الصائم تناول جميع ما ينقض صومه من حد بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وهو بياض الفجر عند انسلاخ الليل ، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت فرض الصيام ودخل وقت فريضة الصلاة ، ثم الحظر ممتد إلى دخول الليل ، وحد دخوله مغيب قرص الشمس ، وعلامة سقوط القرص عدم الحمرة من المشرق ، فإذا عدمت الحمرة من المشرق سقط الحظر ودخل وقت الافطار بضروبه من الأكل والشرب والجماع وسائر ما يتبع ذلك ويختص حظره بحال الصيام.

ولا يلزم الكفارة مع القضاء الا في تسعة مما قدمناه مجملا. على أنه يجب

__________________

(١) لأنه عدم محض ، والنية يجب تعلقها بالحادث لكونها إرادة ، وإذا تعلقت بالكراهة لم يلزم اجتماع الضدين ، لان متعلق الإرادة هو الكراهة ومتعلق الكراهة هو تناول المفطرات ، فزال التضاد ( هـ ج ).

(٢) سورة الكهف : ٢٣.

١٨٦

الامساك عن جميع المحرمات والقبائح التي هي سوى التسعة الموجبة للقضاء والكفارة والثمانية الموجبة للقضاء دون الكفارة. ويتأكد وجوب الامتناع عنها لمكان الصوم.

( فصل )

قال الله تعالى ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) (١).

جعل الله الأهلة علامات الشهور ودلائل أزمان الفروض ومواقيت للناس في الحج والصوم وحلول آجال الدين ومحل الكفارات وفعل الواجب والمندوب إليه.

سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الأهلة في قوله ( يسألونك عن الأهلة ) ، فقال : هي أهلة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر ، وليس بالرأي والتظني (٢).

ويسمى هلالا لليلتين (٣) ـ قاله الزجاج.

فان قيل : عماذا وقع السؤال من حال الأهلة؟ قيل : عن زيادتها ونقصانها. وما وجه الحكمة في ذلك؟ فأجيب بأن مقاديرها يحتاج إليها الناس في صومهم وفطرهم وحجهم وعدد نسائهم ومحل ديونهم وغير ذلك.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

(٢) وسائل الشيعة ٧ / ١٨٢ ، وفيه عدة أحاديث بهذا المضمون وليس فيها جملة ( وليس بالرأي والتظني ) ، وذكر حديثا عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ولفظه ( إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا. ).

(٣) قال ابن منظور : والهلال غرة القمر حين يهله الناس في غرة الشهر ، وقيل يسمى هلالا لليلتين من الشهر ثم لا يسمى به إلى أن يعود في الشهر الثاني ، وقيل يسمى به ثلاث ليال ثم يسمى قمرا ، وقيل يسماه حتى يحجر ، وقيل يسمى هلالا إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل وهذا لا يكون الا في الليلة السابعة. انظر لسان العرب ( هلل ).

١٨٧

وفيها دلالة واضحة على أن الصوم لا يثبت بعدد الجدوليين وانه يثبت بالهلال ، لان عددهم لو كان مراعى لما أحيل في مواقيت الناس في الحج على ذلك بل أحيل على العدد.

والميقات منتهى الوقت. والآخرة منتهى الخلق. والاهلال ميقات الشهر.

( فصل )

ومن قال : ان قوله تعالى ( ولتكملوا العدة ) يدل على أن شهر رمضان لا ينقص أبدا. فقد أبعد من وجهين : أحدهما لان قوله ( ولتكملوا العدة ) معناه ولتكملوا عدة الشهر ، سواء كان الشهر تاما أو ناقصا ، أعني ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما. والثاني أن ذلك راجع إلى القضاء ، لأنه قال عقيب ذكر السفر والمرض ( فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ) يعني عدة ما فاته ، وهذا بين.

فالهلال علامة الشهر وبه وجبت العبادة في الصيام والافطار والحج وسائر ما يتعلق بالشهور على أهل الشرع ، وربما خفي لعارض أو استبين أهل مصر لعلة وظهر لأهل غير ذلك المصر ، ولكن الغرض انما تعلق على العبادة ، إذ هو العلم دون غيره بما قدمناه من آي القرآن.

فان قيل : أي تعلق لقوله تعالى ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) (١) بسؤال قدم عن الأهلة.

قلنا : لأنه لما بين ما فيه من وجه الحكمة اقتضى لتعملوا على أمور متعددة ولتجروا أموركم على استقامة ، فإنما البر أن تتبعوا أمر الله ، وان تأتوا البيوت من أبوابها ، أي ائتوا البر من وجهه الذي أمر الله به ورغب فيه. وهذا عام في كل شئ حتى في الصوم والافطار ، فإنه يجب أن لا يصام فرضا من عند رؤية هلال شعبان

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

١٨٨

الا بعد أن يقصى ثلاثون يوما مع العلة في السماء ، ولا يفطر الا بالرؤية أو بعد انقضاء ثلاثين يوما من عند رؤية هلال شهر رمضان إذا كان في آخره علة في السماء لا يصح معها الترائي قبله إن كان.

( باب أقسام الصوم الواجب )

الصوم الواجب على ضربين :

مطلق من غير سبب ، وهو شهر رمضان ، قال تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ).

والثاني ما هو واجب بسبب ، وهو عشرة أوجه ، ووجوبها كوجوب شهر رمضان :

أحدهما ـ صوم شهرين متتابعين في كفارة الظهار ، قال الله تعالى ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) (١).

الثاني ـ صيام شهرين متتابعين فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، قال الله تعالى ( فعدة من أيام أخر ) وقال ( ما آتاكم الرسول فخذوه ).

الثالث ـ صيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ ممن لم يجد العتق ، قال الله تعالى ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) إلى قوله ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ) (٢).

الرابع ـ صوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد الاطعام والكسوة

__________________

(١) سورة المجادلة : ٣ ـ ٤

(٢) سورة النساء : ٩٢.

١٨٩

والعتق ، قال الله تعالى ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) (١) كل ذلك متتابع وليس بمفترق.

الخامس ـ صيام أذى حلق الرأس ، قال تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) (٢) فصاحبها مخير ان شاء صام ثلاثا أو تصدق أو نسك.

السادس ـ صوم دم المتعة لمن لم يجد الهدي ، قال الله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) (٣).

السابع ـ صوم جزاء الصيد ، قال الله تعالى ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) (٤).

الثامن ـ صوم النذر ، سواء كان متعينا أو غير متعين ، قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) (٥) وقال ( يوفون بالنذر ) (٦).

التاسع ـ صوم الاعتكاف ، وقال تعالى ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) (٧).

العشار ـ صوم قضاء ما فات من شهر رمضان والنذر ، قال الله تعالى ( فعدة

__________________

(١) سورة المائدة : ٨٩.

(٢) سورة البقرة : ١٩٦.

(٣) سورة البقرة : ١٩٦.

(٤) سورة المائدة : ٩٥.

(٥) سورة المائدة : ١.

(٦) سورة الانسان : ٧.

(٧) سورة البقرة : ١٨٧.

١٩٠

من أيام أخر ) (١). يلحق بها صوم كفارة من أفطر يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال ، فإنه أيضا واجب.

فأما بيان آية صوم شهر رمضان فقد مضى ، ونحن نبين الان ما يتعلق بالوجوه الاخر من الصوم الواجب ، ونفرد لكل واحد فصلا مفردا انشاء الله تعالى.

( الفصل الأول )

( في الصوم الذي هو كفارة الظهار )

قال تعالى ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ) إلى قوله ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ) (٢).

يقول فمن لم يجد الرقبة ـ يعنى عجز عنها ـ فالصيام. والتتابع فيه ان يوالي بين أيام الشهرين الهلاليين أو يصوم ستين يوما. وعند قوم ان بدأ من نصف شهر لا يفطر فيما بينهما ، فان أفطر لا لعذر استأنف. فان أفطر لعذر من مرض اختلفوا فمنهم قال يستأنف من عذر وغير عذر وقال قوم يبنى.

واجمعوا على أن المرأة إذا أفطرت للحيض في الشهرين المتتابعين في كفارة قتل الخطأ انها تبنى ، فقاسوا عليه المظاهر.

وروى أصحابنا انه إذا صام شهرا ومن الثاني بعضه ولو يوما ثم أفطر لغير عذر فقد أخطأ الا انه يبنى ، فان أفطر قبل ذلك بغير عذر استأنف وإن كان لعذر يبنى ، قال تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ثم قال ( فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ).

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٤.

(٢) سورة المجادلة : ٢ ـ ٤.

١٩١

الفصل الثاني

( في صوم كفارة قتل الخطأ )

قال الله تعالى ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ ) إلى قوله ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ) (١). يعنى فمن لم يجد الرقبة المؤمنة كفارة عن قتله المؤمن لاعساره فعليه صيام شهرين متتابعين.

واختلفوا في معناه ، فقال قوم مثل ما قلناه ذهب إليه مجاهد ، وقال قوم فمن لم يجد الدية فعليه صوم الشهرين عن الرقبة والدية. وتأويل الآية فمن لم يجد رقبة مؤمنة ولا دية يسلمها إلى أهلها فعليه صوم شهرين متتابعين ، ذهب إليه مسروق.

والأول هو الصحيح ، لان دية قتل الخطأ على العاقلة ـ على ما نذكره في بابه ـ والكفارة على القاتل باجماع الأمة على ذلك.

وصفة التتابع في الصوم أن يتابع الشهرين لا يفصل بينهما بافطار يوم. وقال أصحابنا إذا صام شهرا وزيادة ثم أفطر خطأ جاز له البناء كالتفصيل الذي ذكرناه في الفصل الأول.

وقوله ( توبة من الله ) أي رفعة من الله لكم إلى التيسير عليكم بتخفيفه عنكم من فرض تحرير رقبة مؤمنة بايجاب صوم الشهرين المتتابعين.

الفصل الثالث

( في صوم كفارة اليمين )

قال الله تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) إلى قوله ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) (٢). فحد من لم يكن بواجد هو من

__________________

(١) سورة النساء : ٩٢.

(٢) سورة المائدة : ٨٩.

١٩٢

ليس عنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته ، وهو قول قتادة والشافعي أيضا. فصوم هذه الثلاثة الأيام متتابع.

فأما إذا قال القائل ( إذا فعلت كذا فلله علي أن أتصدق بمائة دينار أو أصوم يوم كذا ) فهذا عندنا نذر ، وعند أكثر الفقهاء يلزمه مائة دينار أو الصوم.

وقال أبو علي عليه كفارة يمين ، لقوله ( ذلك كفارة أيمانكم ) ، وهو عام في جميع الايمان. وعندنا هذا ليس بيمين ، بل هو نذر يلزمه الوفاء به ، لقوله ( أوفوا بالعقود ) ولقوله ( وليوفوا نذورهم ) ولقوله ( يوفون بالنذر ) ، والوفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه.

والوفاء امضاء العقد على الامر الذي يدعو إليه العقد ، ومنه قوله ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) أي العقود الصحيحة ، لأنه لا يلزم أحدا أن يفي بعقد فاسد ، وكل عقد صحيح يجب الوفاء به.

الفصل الرابع

( في صيام أذى حلق الرأس )

قال الله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) (١).

أمر الله تعالى أن لا يزيلوا شعور رؤوسهم من أول ذي القعدة حتى ينتهى الهدي إلى المكان الذي يحل نحره فيه ، فمن مرض أو قمل رأسه أو تأذى به فعليه فدية من صيام. فالذي رواه أصحابنا ان الصيام ثلاثة أيام أو صدقة ستة مساكين.

وروي عشرة مساكين (٢) ، والنسك شاة ، وروي عن كعب بن عجرة الأنصاري ومجاهد

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

(٢) انظر الأحاديث في ذلك وسائل الشيعة ٩ / ٢٩٥ ـ ٢٩٧.

١٩٣

وعلقمة وإبراهيم والربيع. واختار الجبائي مثل ما قلناه أن الصوم ثلاثة أيام ، وقال الحسن وعكرمة صوم عشرة أيام.

الفصل الخامس

( في صوم دم المتعة )

قال الله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ) (١).

فالهدي واجب على المتمتع ، فإن لم يجد الهدي ولا ثمنه صام ثلاثة أيام في الحج. وعندنا أن وقت صوم هذه الثلاثة الأيام يوم قبل التروية ويو التروية ويوم عرفة ، فان صام في أول العشر جاز ذلك رخصة ، وان صام يوم التروية ويوم عرفة قضى يوما آخر بعد التشريق ، فان فاته يوم التروية فلا يصوم يوم عرفة لذلك بل يصوم بعد انقضاء أيام التشريق ثلاثة أيام متتابعات وصوم السبعة أيام إذا رجع إلى أهله ، فأما أيام التشريق فلا يجوز صومها عندنا لمن كان بمنى وبمكة حاجا لصوم دم المتعة وغيره.

الفصل السادس

( في صوم جزاء الصيد )

قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) إلى قوله ( أو عدل ذلك صياما ) (٢).

قيل في معناه قولان :

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

(٢) سورة المائدة : ٩٥.

١٩٤

أحدهما ـ لا تقتلوا الصيد محرمين ، فمن صاد فعليه الجزاء أو الصدقة أو أن يقوم عدله من النعم ثم يجعل قيمته طعاما في قول عطاء ، وهو مذهبنا.

وقال قتادة : يقوم نفس الصيد المقتول حيا ثم يجعل قيمته طعاما.

ونصب ( صياما ) على التمييز ، وفى معناه قولان :

أحدهما ـ يقوم ذلك المقتول بدراهم وتفض على الطعام ثم يصام لكل مد من الطعام يوم عن عطاء ، وقال غيره عن كل يوم مدين ، وهو مذهبنا. وقال سعيد ابن جبير يصوم ثلاثة أيام إلى عشرة أيام.

وعن الزهري في قوله ( أو عدل ذلك صياما ) قال : قال لي علي بن الحسين عليه‌السلام : أو تدري كيف كان عدل ذلك صياما. فقلت لا. قال : يقوم الصيد قيمة ثم تفض تلك القيمة على البر ، ثم يكال ذلك البر أصواعا ، فيصوم لكل نصف صاع يوما (١).

هذا إذا أصابه المحل في الحرم.

الفصل السابع

( في صوم النذر )

قال الله تعالى ( وليوفوا نذورهم ) (٢) وقال ( أوفوا بالعقود ) (٣).

يقال وفى بعهده ، وأوفى لغة أهل الحجاز ، وهي لغة القرآن ، وقد ذكرنا ما في الوفاء بالنذر.

أما العقود فجمع العقد ، بمعنى المعقود ، وهو أوكد العهود.

__________________

(١) تفسير البرهان ١ / ٥٠٤.

(٢) سورة الحج : ٢٩.

(٣) سورة المائدة : ١.

١٩٥

والفرق بين العهد والعقد أن العقد فيه معنى الاستيثاق والشد ، ولا يكون الا بين متعاقدين ، والعهد قد ينفرد به الواحد ، فكل عهد عقد ولا يكون كل عقد عهدا.

خاطب الله تعالى المؤمنين ، وتقديره يا أيها المؤمنون ، وهو اسم تعظيم وتكريم ( أوفوا بالعقود ) ، والامر على الوجوب شرعا ، فعلى هذا من نذر صوم يوم بعينه فعليه الوفاء به واجبا.

واختلفوا في هذه العهود على أربعة أقوال :

أحدها ـ ان المراد بها العقود التي يتعاقد الناس بينهم ويعقدها المرء على نفسه ، كعقد الايمان والنذور وعقد العهد وعقد البيع.

وثانيها ـ انها العهود التي أخذها الله على العباد مما أحل وحرم.

وثالثها ـ ان المراد بها العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا على النصرة والمؤازرة على من حاول ظلمه.

ورابعها ـ ان ذلك أمر من الله لأهل الكتاب. قالوا فإنما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في التوراة والإنجيل في تصديق نبينا عليه‌السلام.

والأقوى أن يكون على العموم ، فان ذلك بعرف الشرع يحمل على العموم والاستغراق وجوبا ، فيدخل تحته الصوم والصلاة والحج وغير ذلك.

الفصل الثامن

( في صوم الاعتكاف )

قال الله تعالى ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) (١).

قيل في معناه قولان : أحدهما انه أراد به الجماع عن ابن عباس وغيره.

والثاني أنه أراد به الجماع وكل ما كان دونه من قبلة وغيرها ، وهو مذهبنا

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٧.

١٩٦

وقوله ( وأنتم عاكفون في المساجد ) فعندنا الاعتكاف هو اللبث في أحد المساجد الأربعة للعبادة من غير اشتغال بما يجوز تركه من أمور الدنيا ، وله شرائط مذكورة في كتب الفقه ، وأصله اللزوم.

وقوله ( تلك حدود الله ) أي فرائضه ، والحد منتهى الشئ.

ولا يجوز الاعتكاف الا بالصوم ، وبه قال أبو حنيفة ومالك بن أنس ، ودلت الآية من فحواها على الصوم الواجب في الاعتكاف ، والدليل القاطع من القرآن قوله ( ما آتاكم الرسول فخذوه ) وإن كان على الجملة.

وعندنا لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، وبه قال أهل المدينة.

وقيل إن هذه الآية من أولها ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) نزلت في شأن ابن قيس بن صرمة (١) ، وكان يعمل في أرض له ، فأراد الاكل فقالت امرأته نصلح لك شيئا فغلبت عيناه ، ثم قدمت إليه الطعام فلم يأكل ، فلما أصبح لاقى جهدا ، فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فنزلت الآية (٢).

وروي أن عمر أراد أن يواقع زوجته في شهر رمضان بالليل ، فقالت اني نمت (٣) ، فظن أنها تعتل عليه فوقع عليها ، ثم أخبر النبي عليه‌السلام من الغد ، فنزلت الآية فيهما (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : انها نزلت في خوات بن جبير بمثل قصة ابن قيس ابن صرمة ، وكان ذلك يوم الخندق (٥).

__________________

(١) كذا في النسختين. وفى المصدر ( قيس بن صرمة ) ، وذكر في المصادر الحديثية بعناوين مختلفة ـ أنظر الإصابة ٢ / ١٧٧ و ٤ / ١٦٠.

(٢) أسباب النزول للواحدي ص ٣٠ مع اختلاف في الألفاظ.

(٣) انما قالت نمت لان الجماع بعد النوم كان محظورا عليهم ( هـ ج ).

(٤) أسباب النزول للواحدي ص ٣١.

(٥) انظر تفسير البرهان ١ / ١٨٦.

١٩٧

الفصل التاسع

( في صوم قضاء ما فات من شهر رمضان لعذر )

قال الله تعالى ( فعدة من أيام أخر ) (١).

وتقديره فمن كان منكم في سفر ـ يعني مسافرا ـ فليصم عدة من أيام أخر ، والامر على الايجاب في الشرع ، فلم أن قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر واجب يجوز متتابعا ومتفرقا ، والتتابع أفضل ، وبه قال الشافعي ومالك ، وقال أهل العراق هو مخير.

وروي عبد خير قال : قلت لأبي الحسن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ان علي أياما من شهر رمضان أفيجوز أن أقضيها متفرقة؟ قال : اقضها ان شئت متتابعة وان شئت تترى. قال : فقلت ان بعضهم قال لا تجزي الا متتابعة. قال : بل تجزي تترى ، لأنه تعالى قال ( فعدة من أيام أخر ) ولو أرادها متتابعة لبين التتابع كما قال ( فصيام شهرين متتابعين ) في الكفارة.

وقال المرتضى : يخير أصحابنا للقاضي لصوم شهر رمضان إذا فاته بين التفريق والمتابعة ، ولي في ذلك تأمل ، والأقوى أن يلزمه متتابعا إذا لم يكن له عذر ، لان الواجبات عندنا هي على الفور شرعا دون التراخي ، والقول بتخييره في ذلك يدفع هذا الأصل ، فأما عند العذر فلا خلاف أنه يجوز التفريق.

ومعنى قوله ( تترى ) أي متواترة ، تقول العرب جاءت الخيل متتابعة إذا جاء بعضها في اثر بعض بلا فصل ، وجاءت متواترة إذا تلاحقت وبينها فصل ، والعامة يوهمون فيقولون للمتتابع متواتر.

وأما صيام النذر فإن كان الناذر نذر أن يصوم يوما بعينه في سفر أو حضر ثم

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٤.

١٩٨

وافق ذلك اليوم أن يكون مسافرا كان أو حاضر فإنه يجب الصيام في حال السفر أيضا ، فان اتفق ان يكون ذلك اليوم يوم عيد أو يكون الناذر مريضا فعليه الافطار والقضاء.

وقد نص على قضاء ما يفوت من صيام النذر لعذر رسول الله صلى الله عليه وآله تفصيلا ونص عليه القرآن جملة ، كما قال تعالى ( ما آتاكم الرسول فخذوه ).

الفصل العاشر

( في صيام شهرين متتابعين )

( على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا )

من أفطر في شهر رمضان متعمدا بالجماع في الفرج لزمه القضاء والكفارة عندنا. والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا ، وعليه اجماع الطائفة المحقة.

والدليل عليه على سبيل التفصيل انما يكون من السنة ، ومن القرآن انما يكون على الجملة ، قال تعالى ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) ، وقد بينها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال مالك هو بالخيار في ذلك ، واعتمد الشيخ في الجمل والعقود على هذه الرواية ، وقال في غير موضع الكفارة وفيه عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وعول على هذه الرواية وقال : ومن أصحابنا من قال بالأول.

فمن أكل أو شرب أو جامع في نهار شهر رمضان متعمدا لزمه القضاء والكفارة عندنا. ومتى فعل شيئا منها ناسيا فلا شئ عليه ، وكذلك حكم من فعل شيئا منها في يوم قد نذر صومه عمده كعمده ونسيانه كنسيانه.

١٩٩

( باب مسائل شتى من ذلك )

من صام في السفر واجبا يجب عليه الإعادة غير النذر المقيد صومه بالسفر ، وغير الثلاثة الأيام في الحج بدل هدي المتعة.

والحجة لقولنا ـ زائدا على الاجماع المكرر ـ قوله ( ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) فأوجب الله القضاء بنفس السفر.

فان قيل : فيجب أن تقولوا مثل ذلك في قوله ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ) ولا تضمروا فحلق.

قلنا : هكذا يقتضي الظاهر ، ولو خلينا وإياه لم نضمر شيئا ، لكن أضمرناه بالاجماع ، ولا دليل ولا اجماع نقطع به في الموضع الذي اختلفنا فيه ، والشئ إذا تكرر تقرر.

ومن تمضمض لطهارة فوصل الماء إلى جوفه لا شئ عليه من قضاء ولا غيره ، وان وصل لغير طهارة من تبرد أو غيره ففيه القضاء خاصة.

ويمكن أن نتعلق للحجة في الأول ـ بعد الاجماع المتردد ـ بقوله ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، وكل الحرج أن يأمرنا بالمضمضة في الطهارة ثم يلزمنا القضاء إذا سبق الماء إلى أجوافنا من غير اعتماد في حال الصوم. ولا يلزم على ذلك التبرد بالمضمضة لأنه مكروه في الصوم ، والامتناع منه أولى.

وقد كره بعض أصحابنا ان يتمضمض في الطهارة في الصوم الفرض ، وقال : من تمضمض فيها فينبغي أن يرمي بماء الفم بعده ثلاث مرات.

٢٠٠