فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

دل الدليل من عصمته ، لان هذا الخطاب لا يجوز أن يكون المراد به جميع الأمة ، لان أكثرها بخلاف هذه الصفة ، بل منها من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف. وقد حث الله عليه بما حكى عن لقمان ووصيته ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) (١).

ويجوز أن يكون هذا عاما في كل ما يصيبه من المحن ، وأن يكون خاصا بما يصيبه فيما أمر به من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فمن يبعثه على الخير وينكر عليه الشر ان ذلك ما عزمه الله من الأمور ، اي قطعه قطع ايجاب والزام. وهذا الضرر مثل سبب عرض أو ضرب لا يؤدي إلى ضرر في النفس عظيم أو في ماله أو لغيره لان كل ذلك مفسدة.

( فصل )

وقوله تعالى ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) (٢).

روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أن المراد بالآية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (٣).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : انما نزلت في علي عليه‌السلام (٤) يشرى نفسه يبيعها ، أي يبذلها في الجهاد ويأمر وينهى حتى يقتل.

وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) (٥).

__________________

(١) سورة لقمان : ١٧.

(٢) سورة البقرة : ٢٠٧.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٠١.

(٤) تفسير البرهان ١ / ٢٠٧.

(٥) سورة الأنفال : ٢٤.

٣٦١

أي إلى احياء امركم بجهاد عدوكم مع نصر الله إياكم ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) بالموت وبالجنون وزوال العقل فلا يمكنه استدراك ما فات.

ثم قال ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) (١) عن ابن عباس أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب.

وقال تعالى ( ليسوا سواء من أهل الكتاب ) الآية ، عن ابن عباس نزلت هذه الآية لما أسلم عبد الله بن سلام وجماعة معه ، قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمد الا أشرارنا ، فأنزله الله إلى قوله ( وأولئك من الصالحين ) (٢).

وقوله ( ويؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (٣) صفة قوله ( أمة قائمة ).

وليس طريق وجوبهما العقل ، وانما طريق وجوبهما السمع ، وعليه اجماع الأمة. وانما الواجب بالعقل كراهة المنكر فقط ، غير أنه إذا ثبت بالسمع وجوبه فعلينا إزالة المنكر بما يقدر عليه من الأمور الحسنة دون القبيحة ، لأنه لا يجوز إزالة قبيح بقبيح آخر.

وليس لنا أن نترك أحدا يعمل بالمعاصي إذا أمكننا منعه منها ، سواء كان المعصية من أفعال القلوب ـ مثل اظهار المذاهب الفاسدة ـ أو من أفعال الجوارح.

ثم ينظر فإن كان أمكننا ازالته بالقول فلا مزيد عليه وان لم يكن الا بالمنع من غير اضرار لم يزد على ذلك ، فإن لم يتم دفعه الا بالحرب فعلناه. وإن كان عند أكثر أصحابنا هذا الجنس موقوفا على اذن السلطان فيه.

وانكار المذاهب الفاسدة لا يكون الا بإقامة الحجج والبراهين والدعاء إلى

__________________

(١) سورة الأنفال : ٢٥.

(٢) سورة آل عمران : ١١٤.

(٣) سورة آل عمران : ١١٤.

٣٦٢

الحق ، وكذا انكار أهل الذمة.

فأما الانكار باليد فمقصور على من يفعل شيئا من معاصي الجوارح ، أو يكون باغيا على امام الحق ، فإنه يجب قتاله ودفعه على ما نذكر حتى يفئ إلى الحق وسبيلهم سبيل أهل الحرب ، فان الانكار عليهم باليد والقتال حتى يرجعوا إلى الاسلام أو يدخلوا في الذمة.

وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) (١) أمرهم الله بأن يقوا أنفسهم ، أي يمنعوها ويمنعوا أهليها نارا. وانما يمنعون نفوسهم بأن يعملوا الطاعات ، ويمنعوا أهليهم بأن يدعوهم إليها ويحثوهم على فعلها ، وذلك يقتضى أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون للأقرب فالأقرب.

( باب أحكام أهل البغى )

قال الله تعالى ( انفروا خفافا وثقالا ) (٢) أي شبابا وشيوخا وأغنياء وفقراء ونشاطا وغير نشاط وركبانا ومشاة ومشاغيل وغير مشاغيل وذوي العيال والميسرة وذوي العسرة وقلة العيال.

( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ) ظاهر الآية يقتضي وجوب مجاهدة البغاة كما يجب مجاهدة الكفار لأنه جهاد في سبيل الله.

و ( الباغي ) هو من قاتل إماما عادلا يجب جهاده على كل من يستنهضه الامام ، ولا يجوز قتالهم الا باذنه. وأصل البغي في اللغة الطلب ، قال تعالى ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) (٣).

__________________

(١) سورة التحريم : ٦.

(٢) سورة التوبة : ٤١.

(٣) سورة البقرة : ١٧٣.

٣٦٣

قال سعيد بن جبير ومجاهد : غير باغ على امام المسلمين ولا عاد بالمعصية طريق المحقين ، وهو المروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (١).

وقال الرماني : ان هذا لا يسوغ. قال : لأنه تعالى لم يبح لاحد قتل نفسه بل حظر ذلك عليه. وهذا الذي ذكره غير صحيح ، لان من بغى على امام عادل فأدى ذلك إلى تلف نفسه فهو المعرض لقتل نفسه ، كما لو قتل في نفس المعركة فإنه المهلك لها ، فلا يجوز لذلك استباحة ما حرم الله كما لا يجوز له أن يستبقى نفسه بقتل غيره من المسلمين. والرخصة تتناول الميتة ، وان كانت عند المفسرين بصورة المجاعة [ فليست لمكان المجاعة على الاطلاق ، بل يقال انما ذلك للمجاعة ] (٢) التي لم يكن هو المعرض نفسه لها ، فأما إذا عرض نفسه فلا يجوز له استباحة المحرم كما قلناه في قتل نفس الغير ليدفع عن نفسه القتل (٣).

( فصل )

وإذا قوتل البغاة فلا يبتدأون بالقتال الا بعد أن يدعوا إلى ما ينكرون من أركان الاسلام ، كما فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام بالخوارج. قال تعالى ( ادع إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) (٤) فالجدال قتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج وحل شبهه.

و ( التي هي أحسن ) قيل الرفق والوقار والسكينة مع نصرة الحق بالحجة.

و ( الحكمة ) المقالة الحسنة المحكمة الصحيحة التي تزيل الشبهة وتوضح الحق.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٥٧.

(٢) الزيادة من ج.

(٣) انظر هذا الكلام مع تغيير في بعض الألفاظ في مجمع البيان ١ / ٢٥٧.

(٤) سورة النحل : ١٢٥.

٣٦٤

و ( الموعظة الحسنة ) التي أن لا تخفي عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم بها ، أي ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة ، وجادلهم بالطريقة التي فيها اللين والرفق من غير فظاظة ولا تعسف. والداعي هو الامام أو من يأمره هو.

ولا ينصرف من قاتلهم بأمر الإمام الا بعد الظفر أو يفيؤا إلى الحق ، ومن رجع عنهم من دون ذلك كان فارا من الزحف ، وقد أشار إلى هذا كله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : حربك يا علي حربي ، وسلمك سلمي. أي حكم حربك حكم حربي.

( باب حكم المحاربين والسيرة فيهم )

قال الله تعالى ( انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا ) (١).

فمعنى ( يحاربون الله ) أي يحاربون أولياء الله والمؤمنين ، لأنه لو كان المراد مقصورا على محاربة رسول الله عليه‌السلام لكان حكم الآية يسقط بوفاته. واجمع المسلمون على أن هذا الحكم ثابت.

ومعنى ( يسعون في الأرض فسادا ) يسرعون في الفساد ، وأصل السعي سرعة المشي.

والمحارب عندنا هو الذي يشهر السلاح ويخيف السبيل ، سواء كان في المصر أو في خارج المصر ، فان اللص المجاهر في المصر وغير المصر سواء.

وبه قال الأوزاعي ومالك والليث بن سعيد وابن الهيعة والشافعي والطبري ، وقال قوم هو قاطع الطريق في غير المصر ، ذهب إليه أبو حنيفة.

ومعنى ( يحاربون الله ) أي يحاربون أولياء الله ويحاربون رسوله لما ذكرنا

__________________

(١) سورة المائدة : ٣٣.

٣٦٥

( ويسعون في الأرض فسادا ) هو ما قلناه في اشهار السيف وإخافة السبيل.

وجزاؤهم على قدر الاستحقاق : ان قتل قتل ، وان أخذ المال وقتل قتل وصلب ، وان أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وأن أخاف السبيل فقط فإنما عليه النفي لا غير. هذا مذهبنا ، وهو المروي عنهما عليهما‌السلام ، وهو قول ابن عباس وابن مجلز وسعيد بن جبير والسدي وقتادة والربيع ، وبه قال الجبائي والطبري. وقال الشافعي ان أخذ المال جهرا كان للامام صلبه حيا وان لم يقتل.

وموضع ( ان يقتلوا ) رفع ، وتقديره انما جزاؤهم القتل أو الصلب أو القطع.

ومعنى ( انما ) ليس جزاؤهم الا هذا. قال الزجاج : إذا قال جزاؤك عندي كذا ، جاز أن يكون معه غيره ، فإذا قال انما جزاؤك كذا ، كان معناه ما جزاؤك عندي كذا.

( فصل )

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، فقال ابن عباس والضحاك نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي عليه‌السلام معاهدة فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخبر الله نبيه فيما ذكر في الآية ، وقال الحسن وعكرمة نزلت في أهل الشرك ، وقال قتادة وأنس وابن جبير والسدي أنها نزلت في العرنيين والعكليين حين ارتدوا وأفسدوا في الأرض فأخذهم النبي عليه‌السلام وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم ، وفى بعض الأخبار أنه أحرقهم بالنار (١).

ثم اختلفوا في نسخ هذا الحكم الذي فعله بالعرنيين : فقال البلخي وغيره نسخ ذلك بنهيه عن المثلة ، ومنهم من قال حكمه ثابت في نظرائهم لم ينسخ.

وقال آخر : لم يسمل النبي عليه‌السلام أعينهم ، وانما أراد أن يسمل فأنزل الله آية المحاربة ، والذي نقوله : إن كان فيهم طائفة ينظرون لهم حتى يقتلوا قوما

__________________

(١) انظر مجمع البيان ٢ / ١٨٨ وأسباب النزول للواحدي ص ١٢٩.

٣٦٦

سملت أعين الرائية ، فأجرى على الباقين ما ذكرناه. وقال قوم الامام مخير فيه.

فمن قال بالأول ذهب إلى أن ( أو ) في الآية تقتضي التفصيل ، ومن قال بالثاني ذهب إلى أنها للتخيير.

( فصل )

ومعنى قوله ( وأرجلهم من خلاف ) معناه أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ولو كان موضع من على أو الباء لكان المعنى واحدا.

وقوله ( أو ينفوا من الأرض ) في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها ـ أنه يخرج من بلاد الاسلام ينفى من بلد إلى بلد الا أن يتوب ويرجع ، وهو الذي نذهب إليه. وقال أصحابنا : لا يمكن أيضا من دخول بلد الشرك ويقاتل المشركون على تمكينهم من ذلك حتى يتوبوا ويرجعوا إلى الحق.

الثاني ـ أن ينفى من بلد إلى غيره.

الثالث ـ أن النفي هو الحبس ، ذهب إليه أبو حنيفة.

وأصل النفي الاهلاك ، ومنه النفي والاعدام ، ومنه النفاية لردئ المتاع.

وقال الفراء : النفي أن يقال من قتله فدمه هدر.

ثم قال ( ذلك لهم خزي في الدينا ) والخزي الفضيحة ، أي ان ما ذكرناه من الاحكام لهم خزي في الدينا ولهم في الآخرة عذاب عظيم زيادة على ذلك. وهذا يبطل قول من قال إقامة الحدود تكفير للمعاصي ، لأنه تعالى مع إقامة الحدود عليهم بين أن لهم في الآخرة عذابا عظيما ، أي انهم يستحقون ذلك ، ولا يدل على أنه تعالى يفعل بهم ذلك لا محالة ، لأنه يجوز أن يعفو عنهم.

( فصل )

ثم قال تعالى ( الا الذين تابوا من قبل أن يقدروا عليهم ) أي لكن التائبين من قبل القدرة عليهم فالله غفور رحيم.

٣٦٧

ولما بين الله حكم المحارب على ما فصلناه استثنى من جملتهم من يتوب مما ارتكبه قبل أن يؤخذ ويقدر عليه ، لان توبته بعد حصوله (١) في قبضة الامام وقيام البينة عليه بذلك لا تنفعه ووجب عليه إقامة الحد.

واختلفوا فيمن تدرأ عنه التوبة الحدود ، هل هو المشرك أو من كان مسلما من أهل الصلاة :

قال الحسن : هو المشرك دون من كان مسلما ، فأما من أسلم فإنه لم يؤاخذ بما جناه الا أن يكون معه عين مال من أخذ منه قائمة ، فإنه يجب عليه ردها وما عداه يسقط.

أما علي عليه‌السلام فإنه حكم بذلك فيمن كان مسلما وهو حارثة بن زيد ، لأنه كان خرج محاربا ثم تاب فقبل أمير المؤمنين توبته.

وقال الشافعي : يضع بتوبته حد الله عنه الذي وجب عليه لمحاربته ولا يسقط عنه حقوق بني آدم. وهو مذهبنا. فعلى هذا ان أسقط الادمي حق نفسه ويكون ظهرت منه التوبة [ قبل ذلك فلا يقام عليه الحدود وان لم يكن ظهرت منه التوبة ] (٢) أقيم عليه الحد لأنه محارب فيتحتم عليه الحد ، وهو قول أبى علي أيضا. ولا خلاف أنه إذا أصيب المال بعينه في يده أنه يرد إلى أهله.

فأما المشرك المحارب فمتى أسلم وتاب سقطت عنه الحدود ، سواء كان ذلك منه قبل القدرة عليه أو بعدها بلا خلاف.

فأما السارق إذا قدر عليه بعد التوبة وتكون التوبة منه بعد إقامة البينة فإنه لا يسقط عنه الحد ، وإن كان قبل قيام البينة أسقطت عنه. وقال لا تسقط التوبة عن السارق الحد ، ولم يفعل وادعى في ذلك الاجماع.

__________________

(١) في م ( قبل حصوله ).

(٢) الزيادة من ج.

٣٦٨

وقيل : ان الله جعل هذا الحكم للمحارب بالاستثناء بقوله ( فاعلموا أن الله غفور رحيم ) ، ولم يكن غير المحارب في معناه فيقاس عليه ، لان ظاهر هذا التفرد ، وليس كذلك هو في المحارب الممتنع نفيه.

ثم قال ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) أي ما يتقرب به إلى الله ( وجاهدوا في سبيل الله ) (١) أي جاهدوا أعداءكم في وقت الحاجة إليه وجاهدوا أنفسكم في كل وقت.

أما قوله تعالى ( ويسعون في الأرض فسادا ) أي مفسدين ، لان سعيهم في الأرض لما كان على طريق الفساد نزل منزلة ويفسدون في الأرض ، فانتصب ( فسادا ) على المصدر حالا أو مفعولا له.

وقيل النفي أن ينفى من بلده ، وكانوا ينفونهم إلى بلد في أقصى تهامة يقال له ( دهلك ) والى ( ناصع ) وهو من بلاد الحبشة. ومن قال إن النفي من بلد إلى بلد اي لا يزال يطلب وهو هارب فزعا.

وقوله ( الا الذين ) استثناء من المعاقبين عقاب قطع الطريق خاصة ، وأما حكم القتل والجراح وأخذ المال فإلى الأولياء ان شاؤوا استوفوا.

( باب حكم المرتدين وكيفية حالهم )

قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ) (٢) الآية.

اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ، والصحيح ما روي عن الباقر والصادق عليهما السلام أنها نزلت في أهل البصرة ومن قاتل عليا عليه‌السلام (٣) والذي يقوي هذا التأويل أن الله وصف من عناه بالآية بأوصاف وجدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) سورة المائدة : ٣٥.

(٢) سورة المائدة : ٥٤.

(٣) تفسير البرهان ١ / ٤٧٩.

٣٦٩

مستكملا لها بالاجماع ، لأنه تعالى قال في عقبته ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ). وقد شهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام بما يوافق لفظ الآية في قوله ـ وقد ندبه لفتح خيبر بعد فرار من فر منها ـ ( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) ودفعها إلى علي ، فكان من ظفره ما وافق خبر النبي عليه‌السلام.

ثم قال ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) فوصف من عناه بالتواضع للمؤمنين والرفق بهم والعزة للكفار ، والعزيز على الكافرين هو الممتنع في أن ينالوه مع شدة مكانته منهم ، وهذه أوصاف أمير المؤمنين.

ثم قال ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) ولا يخفى قصور كل مجاهد من منزلته ولم يقارب أحد رتبته ، وهو الذي ما ولى الدبر قط ، فاختصاصه بالآية أولى.

وروي أنه عليه‌السلام قال يوم البصرة : والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم ، وتلا ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ) (١).

ومثل ذلك قال عمار وحذيفة وابن عباس.

( فصل )

وقرئ ( من يرتد ) و ( من يرتدد ) ، وهو من الكائنات التي أخبر عنها في القرآن قبل كونها.

وقيل كان أهل الردة أحدى عشرة فرقة ، ثلاث في عهد رسول الله : بنو مدلج ، ورئيسهم ذو الخمار ، وهو الأسود العنسي ، وكان كاهنا تنبأ باليمن واستولى على بلاده وأخرج عمال رسول الله فبيته فيروز الديلمي فقتله ، وأخبر رسول الله بقتله ليلة قتل ،

__________________

(١) تفسير البرهان ١ / ٤٧٩.

٣٧٠

فسر المسلمون وقبض رسول الله من الغد. وبنو حنيفة قوم مسيلمة الذي تنبأ. وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ أيضا ثم أسلم وحسن اسلامه. وثمان بعد وفاة رسول الله وكفى الله أمرهم.

وقوله ( فسوف يأتي الله بقوم ) قيل هم الأنصار ، وقيل ضرب رسول الله يده على متن سلمان وقال : هذا وذووه. ثم قال : لو كان الايمان معلقا بالثريا لناله رجال من فارس. والتقدير فسوف يأتي الله بقوم مكانهم أو بقوم مقامهم.

وانما لم يقل ( أذلة للمؤمنين ) لان الذل يضمن معنى الحنو والعطف ، كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل.

( فصل )

وقوله تعالى ( ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ) (١) يعنى بذلك أهل النفاق انهم أظهروا الايمان ثم ازدادوا كفرا بموتهم على الكفر.

ثم اعلم أن المرتد عندنا على ضربين :

مرتد عن فطرة الاسلام بين المسلمين ، متى كفر فإنه يجب قتله ولا يستتاب ويقسم ماله بين ورثته ، وتعتد منه زوجته عدة المتوفى عنها زوجها من يوم ارتد.

والاخر من أسلم من كان أسلم ثم كفر ثم ارتد ، فهذا يستتاب ثلاثا ، فان تاب والا وجب عليه القتل ، ولا يستتاب أكثر من ذلك.

والمرأة إذا ارتدت تستتاب على كل حال ، فان تابت والا حبست حتى تموت ، ولا تقتل بحال ، وفيه خلاف.

وقال تعالى ( ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) (٢) نزلت في الوليد بن عقبة لما بعثه

__________________

(١) سورة النساء : ١٣٧.

(٢) سورة الحجرات : ٦.

٣٧١

رسول الله في صدقات بنى المصطلق خرجوا يتلقونه فرحا به ، فظن أنهم هموا بقتله فرجع إلى النبي عليه‌السلام فقال إنهم منعوا زكواتهم ، وكان الامر بخلافه (١).

ثم قال ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) قتل بعضهم بعضا ، أي من كان على ظاهر الايمان ( فأصلحوا بينهما ) (٢) حتى يصطلحا ، فان بغت إحدى الطائفتين على الأخرى ، بأن تطلب ما لا يجوز لها وتطالب الأخرى ظالمة لها ، فقاتلوا الظالمة حتى ترجع إلى طاعة الله ، فان رجعت بالقول فلا تميلوا على واحدة [ منها وأقسطوا.

قيل نزلت في قبيلتين من الأنصار وقع بينهم قتال ] (٣).

( باب الزيادات )

قوله تعالى ( ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) (٤).

جعل ضمير الأشهر الحرم الهاء والنون في ( فيهن ) لقلتهن ، وضمير شهور السنة الهاء والألف في منها لكثرتها ، ولذلك يقولون لأربع خلون في التاريخ ولعشرين بقيت. وعلى هذا ما جاء في التنزيل ( وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة ) (٥) في سورة البقرة ، وقال في سورة آل عمران ( الا أياما معدودات ) (٦) كأنهم قالوا أولا تطول المدة التي تمسهم فيها النار ، ثم تراجعوا عنه فقصروا تلك المدة.

__________________

(١) أسباب النزول للواحدي ص ٢٦١.

(٢) سورة الحجرات : ٩.

(٣) الزيادة من م ، وانظر أسباب النزول للواحدي ص ٢٦٣.

(٤) سورة التوبة : ٣٦.

(٥) سورة البقرة : ٨٠.

(٦) سورة آل عمران : ٢٤.

٣٧٢

وقيل الضمير في قوله ( فيهن ) أيضا يرجع إلى الشهور ، وخالف في العبارة كراهة التكرار.

( مسألة ) :

إذا نزل الامام بالجيش في الغزو على أهل بلد هل له حصره والمنع لمن يريد الخروج منه من الكفار؟

قلنا : له ذلك ، لقوله ( واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ) (١) ، كما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنه حاصر أهل الطائف.

( مسألة ) :

فان قيل : لم ترك أمير المؤمنين القتال مع معاوية وقد كان لاح له وجه الظفر ولكن لما رفعوا المصاحف كف عنهم ، هلا كان يضربهم بالسيف حتى يهلكوا أو يفيئوا إلى أمره كما قال تعالى ( فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله ) (٢) وقال ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) (٣)؟.

الجواب : انه لما التقى الجمعان دعا علي عليه‌السلام معاوية وأحزابه إلى ما في كتاب الله وقال : بيننا وبينكم القرآن ، اقتداءا منه بحكم الله وبدعائه أهل الكتاب إلى ما يجدوا في التوراة والإنجيل من تصديق محمد وصحة نبوته صلى الله عليه وآله ، فقال في الذين آمنوا منهم بمحمد ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) (٤)

__________________

(١) سورة التوبة : ٥.

(٢) سورة الحجرات : ٩.

(٣) سورة البقرة : ١٩٣.

(٤) سورة الأعراف : ١٥٧.

٣٧٣

الآية ، وقال في الذين وجدوا ذكره فيهما ولم يؤمنوا به ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ولما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) (١) ، وقال ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم ) (٢).

ولو أن عليا ابتدأ بالقتال قبل الزام أهل الشام الحجة من الكتاب دخل في زمرة من قال ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا منهم فريق معرضون ) إلى قوله ( بل أولئك هم الظالمون ) (٣).

فدعاهم أولا إلى ما قاله القرآن ليكون من جملة من قال سبحانه ( انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ) (٤).

فعلي كان المنقاد لأمر الله والعامل به والراضي بحكمه ، ومعاوية وأصحابه كانوا التاركين لأمر الله والمعرضين عن العدل ، ولما علموا أنهم متى حاكموا عليا بما في القرآن وأذعنوا للانصاف وأقروا لذي الفضل بفضله التزموا الظلم والبغي وباؤا بغضب من الله ولم يفيئوا إلى أمر الله ، فلذلك دافعوا التحكيم بكتاب الله في عنفوان الامر وأبوا الا القتال ، إلى أن ضاق عليهم الامر وأصابهم وقع السيف ففزعوا إلى رفع المصاحف هنالك ، فرفعوا على الأسل والتجأوا إلى التحكيم الذي قد كان علي عليه‌السلام دعاهم إليه أولا فأبوا.

وانما كان دعاء علي عليه‌السلام إياهم إلى ما في كتاب الله أولا ثقة منه بتحقيق

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٩.

(٢) سورة البقرة : ١٠١.

(٣) سورة النور : ٤٨.

(٤) سورة النور : ٥١.

٣٧٤

أمره ، وعلما بأن الكتاب يحكم له عليهم ، وأنهم لو حاكموا عليا في أول ما دعاهم إلى ما في القرآن لوجدوه من السابقين الأولين من المهاجرين ، ووجدوه من المجاهدين الذين لا يقاس به القاعدون ، ومن المؤمنين بالغيب ، ومن أولياء الله الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، ومن العلماء الذين يتقون الله حق تقاته ، ومن الموفين بالنذر المطعمين على حب الله المسكين واليتيم والأسير (١) ، ووجدوا أباه أبا طالب أشد من حامى رسول الله ، ووجدوا معاوية في الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فلما نابهم حر القتل أمر برفع المصاحف.

وكان علي عليه‌السلام يقول لأهل العراق ـ حين قالوا له : يا أمير المؤمنين قد أنصفك حين دعاك إلى ما في الكتاب فإن لم تجبه إلى ذلك شددنا مع العدو عليك فان الله يقول ( فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ) (٢) ـ فقال علي عليه السلام : كلمة حق يراد بها باطل ، اصبروا على ابن هند ساعة يفتح الله لكم.

ولما لم ينجع كلامه منهم وأبى الذين فسدت قلوبهم من أصحابه الا النزول عند حكم معاوية وضع علي عليه‌السلام نفسه موضع المستضعفين المعذورين وعمل على قول الله ( فاتقوا الله ما استطعتم ) (٣) ، وكانوا يشتدون عليه ليجيب معاوية إلى ما كان يدعو إليه من التحكيم حتى قال : لا رأي لمن لا يطاع.

وقد بين الله عذر علي عليه‌السلام في ذلك بقوله ( الان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ) (٤) الآية.

فألف من المؤمنين إذا قاتلوا ألفين من الكافرين هم اكفاء بعضهم لبعض ، فإذا استأمن رجل واحد من المؤمنين مرتدا إلى الكفار وصار الكفار زيادة على الألفين

__________________

(١) هذه الجمل إشارة إلى ما نزل في علي عليه‌السلام من الآيات.

(٢) سورة النساء : ٥٩.

(٣) سورة التغابن : ١٦.

(٤) سورة الأنفال : ٦٦.

٣٧٥

برجل واحد وانحط المؤمنون إلى تسعمائة وتسعة وتسعين فهم في سعة ورخصه إذا انهزموا ولم يقاتلوا ، ولا حرج عليهم متى نقص من ألفهم واحد وزاد في ألفي الكفار.

فإذا رخص الله للمؤمنين أن ينحجزوا عن قتال الكفار متى نقص واحد من ألف منهم فزاد على ألفي الكفار ، فلان يرخص لمولانا أمير المؤمنين أن يمسك عن قتال قوم كانوا في الأصل أضعاف أصحابه ، ثم وجد بعض أصحابه قد صار أعدى عليه من أعدائه ، والله تعالى يقول ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) (١) ويقول ( ولا تقتلوا أنفسكم ) (٢) ويقول لمن كانوا أكفاء لأعدائهم كالألف من المؤمنين مع الألفين من الكفار سواء بعضها لبعض ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ) (٣) الآية (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٥.

(٢) سورة النساء : ٢٩.

(٣) سورة الأنفال : ١٥.

(٤) انظر لمعرفة تفصيل صلح علي عليه‌السلام مع معاوية وأسبابه وكيد معاوية في ذلك كتاب ( الصفين ) لنصر بن مزاحم المنقري.

٣٧٦

كتاب الديون

( والكفالات والحوالات والوكالات )

نقدم ذكر الدين لان الثلاثة الأخر على الأغلب تكون من توابعه.

و ( دان ) من الأضداد ، يقال دينه أي أقرضه ، ودان استقرض أيضا (١).

( باب احكام الدين )

قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) (٢) اعلم أن أخذ الدين قد يكون مباحا ومكروها ومحظورا وواجبا ومستحبا ، والآية تدل على جواز أخذ الدين لمن له مال يقضي به أو من يقضى عنه. ومع هذا الشرط عند الاضطرار ربما يكون ندبا أو واجبا.

__________________

(١) قال ابن منظور : والدين واحد الديون معروف ، وكل شئ غير حاضر دين ، والجمع أدين مثل أعين وديون ، لسان العرب ( دين ).

(٢) سورة البقرة : ٢٨٢.

٣٧٧

وقول النبي عليه‌السلام ( الدين شين الدين ) (١) يدل على كراهيته ، فإن لم يكن له ما يقضي به دينه ولا ولي يعلم أن مات قضاه عنه في غيبة الامام فلا يتعرض البتة للدين.

( فصل )

قوله تعالى ( إذا تداينتم ) أي إذا دان بعضكم بعضا ، يقال داينت الرجل إذا عاملته بدين آخذا أو معطيا ، كما تقول بايعته إذا بعته أو باعك. والمعنى إذا تعاملتم بدين موجل فاكتبوه.

فأن قيل : أي حاجة إلى ذكر الدين مع قوله ( إذا تداينتم ) وما فائدة قوله ( مسمى )؟.

قلنا : انما ذكر الدين ليرجع الضمير إليه في قوله ( فاكتبوه ) إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال فاكتبوا الدين ، فلم يكن النظم بذلك الحسن ، ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال. وانما قال ( مسمى ) ليعلم أن من حق الاجل ان يكون معلوما كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام. ولو قال إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع الحاج لم يجز لعدم التسمية.

وانما أمر بكتب الدين لأنه أوثق وآمن من النسيان وأبعد من الجحود. والامر هنا للندب.

وعن ابن عباس المراد به السلم ، وقال : لما حرم الله الربا أباح السلف.

وقال : أشهد أن الله أباح السلم المضمون إلى أجل معلوم في كتابه وأنزل فيه أطول آية.

وقيل : انما قال ( بدين ) على وجه التأكيد ، ولا يختص ( تداينتم ) بالدين خاصة دون الدين الذي هو الجزاء ، و ( أجل مسمى ) معلوم.

__________________

(١) الأول بفتح الدال والثاني بكسره.

٣٧٨

وقوله تعالى ( فاكتبوه ) ظاهره الامر بالكتابة ، واختلفوا في مقتضاه : فقال أبو سعيد الخدري والشعبي والحسن هو مندوب إليه ، وقال الربيع وكعب هو فرض والأول أصح لاجماع أهل عصرنا عليه ، ولقوله تعالى ( فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ) ، ومفهومه فان أمنه فيما له أن يأمنه.

وقال الأكثرون حكم الآية في كل دين من سلم أو غيره أو تأخير ثمن في بيع ، وهو الأقوى لأنه العموم. فأما القرض فلا مدخل له فيه ، لأنه لا يكون مؤجلا ، والقرض فيه ثواب جزيل وهو أفضل من الصدقة.

( فصل )

ثم قال تعالى ( وليكتب بينكم كاتب بالعدل ) أي كاتب مأمون على ما يكتبه يكتب بالسوية والاحتياط ، لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص ، فقوله ( بالعدل ) متعلق بكاتب صفة له.

وقيد أن يكون الكاتب فقيها عالما بالشروط حتى يجئ مكتوبه معدلا بالشرع ، وهو أمر للمبتدئين بتخير الكاتب وان لا يستكتبوا الا فقيها دينا ، ولا يمتنع أحد من الكتاب أن يكتب كتابة الوثائق ولا يغير ولا يبدل.

وذكرنا كراهية الدين الا عند الضرورة.

ومن لا يملك شيئا يقضى به دينه فليقبل الصدقة ولا يتعرض للدين ، لان الصدقة حق جعلها الله له في الأموال.

وفى هذه الآية أحد وعشرون حكما : ( إذا تداينتم ) حكم ( فاكتبوه ) حكم ، ( وليكتب بينكم ) حكم ، ( بالعدل ) حكم ، ( ولا يأب كاتب ) حكم ، ( وليملل ) حكم ، ( ولا يبخس ) حكم ، ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها ) حكم ، ( أو ضعيفا ) حكم ، ( أولا يستطيع ) حكم ، ( فليملل وليه ) حكم ( بالعدل ) حكم ( واستشهدوا )

٣٧٩

حكم ، ( شهيدين ) حكم (١) ، ( من رجالكم ) حكم ، ( فرجل وامرأتان ) حكم ، ( ممن ترضون من الشهداء ) حكم ، ( ولا يأب الشهداء ) حكم ، ( ولا تسأموا ) حكم ، ( الا أن تكون تجارة حاضرة ) حكم ، ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) حكم ، ( ولا يضار كاتب ) حكم ، ( ولا شهيد ) حكم (٢).

( فصل )

حدث موسى بن بكر قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : من طلب الرزق من حله ليعود به على عياله ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله ، فان غلب عليه فليستدن على الله وعلى رسوله ما يقوت به عياله ، فان مات ولم يقضه كان على الامام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره ، ان الله تعالى يقول ( انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين ) (٣) فهو فقير مسكين مغرم (٤).

وعن سلمة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل منا يكون عنده الشئ يتبلغ به وعليه دين ، أيطعمه عياله حتى يأتي الله بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره [ في خبث الزمان وشدة المكاسب ] (٥) أو يقبل الصدقة؟ قال : يقضي بما عنده دينه [ ولا يأكل أموال الناس الا وعنده ما يؤدى به حقوقهم ، ان الله تعالى يقول ] (٦)

__________________

(١) في التبيان ( واستشهدوا شهيدين ) حكم ، ( فرجل وامرأتان ) حكم ( هـ ج ).

(٢) لا يخفى ان ما عده المؤلف يكون ثلاثة وعشرين حكما لا واحد وعشرين كما ذكر ، وهذا الكلام مأخوذ من التبيان ٢ / ٣٧٩ وفيه أيضا ورد العدد غير صحيح.

(٣) سورة التوبة : ٦١.

(٤) الكافي ٥ / ٩٣.

(٥) الزيادة من المصدر.

(٦) الزيادة من م والمصدر.

٣٨٠