فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

ويمكن أن يقال في هذه الآية : انها خرجت مخرج المدح لهم لما فعلوه لا على سبيل ايجاب الحق في أموالهم ، لأنه تعالى قال ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * وبالاسحار هم يستغفرون * وفي أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم ) فأخرج الكلام كله مخرج المدح لهم بما فعلوه ، وليس في ايجاب الله في أموالهم حقا معلوما [ مدح لهم ولا ما يجب الثناء عليهم ، فعلم أن المعنى ويعطون من أموالهم حقا معلوما ] (١) للسائل والمحروم ، وما يفعلونه من ذلك ليس بلازم أن يكون واجبا بل قد يكون نفلا ومتطوعا به ، وقد يمدح الفاعل على ما يتطوع به كما يمدح على فعل ما يجب عليه

ولا تعلق لهم بقوله ( وآتوا الزكاة ) ، لان اسم الزكاة اسم شرعي ، ونحن لا نسلم أن في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم ، فعلى من ادعى ذلك أن يدل عليه.

والدين إذا كان يد صاحبه تمتد إليه ولا يتعذر عليه كانت الزكاة فيه ، وإذا لم يتمكن من قبضه لتأجيله أو دفعه باليد عنه فلا زكاة فيه على صاحبه. وبذلك نصوص عن آل محمد عليهم‌السلام ، فان الله لم يجعل في الدين من حرج ، ولا كلف عسيرا بنص التنزيل.

( فصل )

وقوله ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) (٢).

سبب ذلك أنهم لما سألوا النبي عليه‌السلام أن يأخذ من مالهم ما يكون كفارة لذنوبهم فامتنع النبي من ذلك حتى أذن له فيه بقوله ( خذ من أموالهم

__________________

(١) الزيادة ليست في ج.

(٢) سورة التوبة : ١٠٤.

٢٢١

صدقة ) على ما قدمناه ، فبين الله ههنا أن ليس للنبي قبول توبتكم وان ذلك إلى الله دونه ، فان تعالى هو الذي ( يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) أي يأخذها بتضمن الجزاء عليها كما تؤخذ الهدية.

قال الجبائي : جعل أخذ النبي والمؤمنين للصدقة أخذا له تعالى على وجه المجاز ، من حيث كان يأمره واكده النبي عليه‌السلام بقوله : ان الصدقة تقع في يد الله قبل أن تصل إلى السائل (١).

وفي التفسير : ان أبا لبابة وصاحبه لما بشرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقبول الله توبتهم ومغفرته لهم ، قالوا : نتقرب بجميع أموالنا شكرا لما أنعم الله به علينا من قبول توبتنا. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يكفيكم الثلث.

( فصل )

وقوله تعالى ( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) (٢).

يدل على أن النية واجبة في الزكاة ، لان اعطاء المال قد يقع على وجوه كثيرة : فمنها اعطاؤه على وجه [ الصدقة ، ومنها اعطاؤه على وجه ] (٣) الهدية ، ومنها الصلة ، ومنها الوديعة ، ومنها قضاء الدين ، ومنها القرض ، ومنها البر ، ومنها الزكاة ، ومنها النذر وغير ذلك. وبالنية يتميز بعضها من بعض.

قال الكلبي في معنى الآية : يضاعف الله أموالهم في الدنيا ، ونحوه قوله تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ) (٤).

__________________

(١) تفسير البرهان ٢ / ١٥٧.

(٢) سورة الروم : ٣٩.

(٣) الزيادة من ج.

(٤) سورة البقرة : ٢٦١.

٢٢٢

قال الربيع والسدي الآية تدل على أن النفقة بسبع مائة ضعف لقوله ( سبع سنابل ) ، فأما غيرها فالحسنة بعشرة كقوله تعالى ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) (١) ومعنى الآية : أي يضاعف الله لهم الحسنات.

فان قيل : هل رؤي في سنبلة مائة حبة حتى يضرب المثل بها؟ قلنا : ان ذلك متصور ، فشبه به لذلك وان لم ير ، كقول امرئ القيس :

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وقال تعالى ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) (٢). وقيل يرى ذلك في سنبل الدخن ، وقد يكون ذلك عبارة عن حب كثير.

وهذه الآية متصل بقوله ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) (٣) وهذا مجاز ، لان حقيقته أن يستعمل في الحاجة ويستحيل ذلك. ومعناه التلطف في الاستدعاء إلى أعمال البر.

وجهلت اليهود لما نزلت هذه الآية ، فقالوا : الذي يستقرض منا فنحن أغنياء وهو فقير إلينا ، فأنزل الله ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) (٤).

( فصل )

وقوله تعالى ( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) (٥) الآية. دلالة على أنهم لم ينظروا إلى كيفية القسمة أهي عادلة أم جائرة ، وانما اعتبروا اعطاءه إياهم فقط ، فان أعطاهم قالوا عدل وأحسن وان لم يعطهم سخطوا وأنكروا. وهذا جهل ومعلوم أن من لم

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٦٠.

(٢) سورة السافات : ٦٥.

(٣) سورة البقرة : ٢٤٥.

(٤) سورة آل عمران : ١٨١ ، وانظر الدر المنثور ٢ / ١٠٦.

(٥) سورة التوبة : ٥٨.

٢٢٣

يرض قسمة النبي عليه‌السلام الصدقات وطعن عليه فيها سرا أو جهرا اما كافر أو منافق.

و ( اللمز ) العيب في خلوة ، أي من المنافقين من يعيبك في تفريق الصدقات.

وقال النبي عليه‌السلام : لا أعطيكم شيئا ولا أمنعكموه ، انما أنا خازن أضع حيث أمرت.

ولا تعجب ان اختلف أحكام الصدقات ، فالغلات والثمار لا يراعى فيها حول الحول [ وشرطها اثنان الملك والنصاب.

ويراعى حول ] الحول في الانعام والأثمان ومن شرط الانعام الملك والنصاب والسوم ، ومن شرط الأثمان الملك والنصاب ، وكونهما مضروبين منقوشين دنانير ودراهم.

وهذا التفصيل انما نعلمه ببيان الرسول ، قال تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) ، فبيانه في مثل ذلك بالقول وبيانه في تفريقها بالعمل ، وكلاهما بيان.

ثم قال تعالى ( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ) وجوابه محذوف ، أي لكانوا مؤمنين. والحذف في مثل هذا أبلغ ، لان الذكر يقصره على معنى ، والحذف يجوز ، كل ممكن محتمل ، يذهب النفس معه كل مذهب. والله أعلم.

( الباب الثاني )

( في ذكر من يستحق الزكاة وأقل ما يعطى )

قال الله تعالى ( انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله فريضة من الله ) (١).

أخبر الله في هذه الآية انه ليست الصدقات التي هي زكاة الأموال الا للفقراء

__________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

٢٢٤

والمساكين ومن ذكرهم الله في الآية.

وفسر العالم عليه‌السلام هذه الأصناف الثمانية فقال : الفقراء الذين لا يسألون لقوله تعالى في سورة البقرة ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) (١) الآية ، والمساكين هم أهل الزمانات منهم الرجال والنساء والصبيان ، والعاملين عليها هم السعاة في أخذها وجمعها وحفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها ، والمؤلفة قلوبهم [ قال هم قوم وحدوا الله ولم يدخل قلوبهم ] (٢) ان محمدا رسول الله فكان عليه‌السلام يتألفهم فجعل لهم نصيبا بأمر الله لكي يعرفوا ويرغبوا ، وفى الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ وفى الظهار وفى الايمان وفى قتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفرون به وهم مؤمنون (٣).

وقال بعض العلماء : جعل الله الزكوات لامرين : أحدهما سد خلة ، والاخر تقوية ومعونة لعز الاسلام. واستدل لذلك على أن المؤلفة قلوبهم في كل زمان ، والغارمين الذين ركبتهم الديون في مباح أو طاعة ، وفى سبيل الله الجهاد وجميع مصالح المؤمنين ، وابن السبيل المسافر المنقطع به والضيف.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٣.

(٢) الزيادة من ج.

(٣) وسائل الشيعة ٦ / ١٤٥ ـ ١٤٦ مع اختلاف واختصار ، وقد أسقط المؤلف ذيل الحديث فلم يكمل تفسير الأصناف ، وبقية الحديث هكذا : والغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير اسراف فيجب على الامام أن يقضى عنهم ويفكهم من مال الصدقات ، وفى سبيل الله قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما يتقوون به ، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير ، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد ، وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب مالهم فعلى الامام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.

٢٢٥

( فصل )

اختلفوا في الفرق بين الفقير والمسكين : فقال ابن عباس وجماعة الفقير المتعفف الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل ، ذهبوا إلى أنه مشتق من المسكنة بالسؤال (١).

وهذا الخلاف في الفقير والمسكين لا يخل بشئ في باب الزكاة ، لأنهما جميعا من جملة ذوي السهام الثمانية ، سواء كان هذا أشد حالا أو ذاك ، الا أنه ليس كلا اللفظين عبارة عن شئ واحد.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس المسكين الذي يرده الاكلة والأكلتان والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى فيعينه ولا يسأل الناس الحافا.

وقال قتادة : الفقير ذو الزمانة من أهل الحاجة ، والمسكين من كان صحيحا محتاجا.

وقال قوم : هما بمعنى واحد الا انه ذكر بالصفتين لتأكيد أمره ، وليعطى من له شئ ولا يكفيه كما يعطى من لا شئ له.

وسمي المحتاج فقيرا من حيث كأنه كسر فقار ظهره ، والمسكين كأن الحاجة سكنته عن حالة أهل السعة والثروة.

ومن قال المسكين أحسن حالا ، استدل بقوله ( أما السفينة فكانت لمساكين ) (٢) ومن قال هما سواء قال كانت السفينة مشتركة بين جماعة لكل واحد منهم شئ يسير.

( والعاملين عليها ) يعنى سعادة الزكاة وجباتها.

__________________

(١) ذكر في الوسائل ٦ / ١٤٤ روايتين تصرحان بأن الفقير هو الذي لا يسأل ، والمسكين أجهد منه وهو يسأل.

(٢) سورة الكهف : ٧٩.

٢٢٦

( والمؤلفة قلوبهم ) أقوام أشراف كانوا في زمن النبي عليه‌السلام ، فكان يتألفهم على الاسلام ويستعين بهم على قتال غيرهم (١) ، فيعطيهم سهما من الزكاة. فقال قوم كان هذا خاصا على عهد النبي عليه‌السلام ، وروى جابر عن الباقر عليه‌السلام أنه ثابت في كل عصر الا أن من شرطه ان يكون هناك امام عدل يتألفهم على ذلك (٢) ، واختاره الجبائي.

( وفى الرقاب ) يعنى المكاتبين. وأجاز أصحابنا أن يشترى به عبد مؤمن إذا كان في شدة ويعتق من مال الزكاة ويكون ولاؤه لأرباب الزكاة ، وهو قول ابن عباس وجعفر بن مبشر.

والمكاتب انما يعطى من الصدقة إذا لم يكن معه ما يعطى ما عليه من مال الكتابة ، فإن كان ذلك عنده فإنه لا يعطى شيئا. هذا إذا حل عليه نجم وليس معه ما يعطيه أو ما يكفيه لنجمه ، وان لم يكن معه شئ غير أنه لم يحل عليه نجم فإنه يجوز أيضا أن يعطى ، لعموم الآية.

والغارمين ) هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا اسراف فيقضى عنهم ديونهم. هذا قول أبى جعفر عليه‌السلام ، وعليه جميع المفسرين.

( وفى سبيل الله ) يعنى الجهاد بلا خلاف. ويدخل فيه عند أصحابنا جميع مصالح المسلمين ، وهو قول ابن عمر وعطاء ، وبه قال البلخي ، فإنه قال يبنى منه المساجد والقناطر وغير ذلك ، وهو قول جعفر بن مبشر.

( وابن السبيل ) هو المسافر المنقطع به ، فإنه يعطى من الزكاة وإن كان غنيا في بلده من غير أن يكون دينا عليه. وهو قول قتادة ومجاهد.

ويستحب له أيضا إذا وصل إلى ماله ان يتصدق بمثل ما أخذه حيث انقطع به.

__________________

(١) في م ( عشيرتهم ).

(٢) تفسير البرهان ٢ / ١٣٧.

٢٢٧

( فصل )

إذا دفع صاحب المال زكاته إلى الفقير بغير اذن الامام عند حضوره فللامام أن يعيد عليه ويطالبه بالزكاة ، بدلالة تعلق فرض الأداء به ، قال الله تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ، والامام مخاطب بعد النبي عليه‌السلام بما خوطب به في تنفيذ الاحكام.

واختلفوا في مقدار ما يعطى الجابي للصدقة : فقال مجاهد والضحاك يعطى الثمن بلا زيادة ، وقال به عبد الله بن عمرو بن العاص والحسن وابن نهد ، وهو قدر عمالته (١) وهو المروي في أخبارنا.

واللام في قوله ( للفقراء ) ليست للملك ، إذ لا خلاف ان الصدقات لا يملكها الفقراء بالوجوب وانما تصير حقا لهم ولمن عطف عليهم ، واللام إذا دلت على الحق لم يجب فيها العموم ، إذ الحق قد يكون للفقراء ، ويكون الاختيار إلى من يضعه فيهم ، فله أن لا يعمهم. وإن كان قبل الوضع لجماعتهم فقد صار التخصيص في التمليك يصح مع كونه حقا [ على طريق العموم.

فإذا أبيت من ذلك فالواجب من الظاهر أن لا يقطع على كونه حقا ] (٢) لجماعتهم.

يبين ذلك أنه لو كان كذلك لما جاز في الصدقة أن يوضع في ثلاثة مساكين ، بل كان يجب وضعها في جميع من يتمكن منه في البلد ، وقد أجمعوا على خلافه.

وقال الباقر عليه‌السلام : ان لقاسم الزكاة أن يضعها في أي الأصناف شاء.

واليه ذهب ابن عباس وحذيفة وعمر وعطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير.

وقال بعض المتأخرين : لا يضعها الا في سبعة أصناف ، لان المؤلفة قلوبهم قد

__________________

(١) العمالة بالضم : رزق العامل ( هـ ج ).

(٢) الزيادة من م.

٢٢٨

انقرضوا. وان قسمها الانسان عن نفسه ففي ستة ، لأنه بطل سهم العامل عليها. وزعم أنه لا يجزي في كل صنف أقل من ثلاثة.

وعندنا أن سهم المؤلفة والسعاة وسهم الجهاد قد سقط اليوم ، ويقسم في الخمسة الباقية كما شاء رب المال ، وان وضعها في فرقة منهم جاز ، الا أن أقل ما يعطى مستحق ما يجب في نصاب ولا يكسر الا في الغلات والثمار ، والاحتياط فيها أن لا يكسر في نصابها أيضا.

وأجمعت الأمة على أن الصدقات يخالف حكمها حكم الوصية ، لأنه إذا أوصى بسهام ثم تعذر بعضها في البلد لم يجز صرفها إلى الموجودين فيه. ولم يختلفوا في جواز ذلك في الزكاة ، فقد ثبت ان هذه السهام جهات لجواز الوضع فيهم ، فكأن الله وسع على المصدق القاسم الحال في ذلك ، فجاز أن يضعه في جميعهم كيف يشاء ، وجاز أن يضع جميعه في بعضهم إذا رأى ذلك أولى وأحق في الحال.

( فصل )

قد ذكرنا من قبل أنه يجوز أن يشترى المملوك من مال الزكاة فيعتق إذا كان حاله ما قدمناه. والدليل عليه قوله ( انما الصدقات للفقراء ) إلى قوله ( وفي الرقاب ) وهذا نص صريح في جواز عتق الرقبة من الزكاة.

فان قيل : المراد بقوله ( وفي الرقاب ) المكاتبون ، فان الفقهاء كلهم يجيزون أن يعطى المكاتب من مال الزكاة الا مالكا.

قلنا : نحمله على المكاتب وعلى من يبتاع فيعتق ، لأنه لا تنافي بين الامرين ، وظاهر القول يتناول الكل ولا مخصص لعمومه ، فمتى استفاد هذا المعتق من الزكاة مالا ثم مات فماله ـ إذا لم يكن له وارث من النسب والزوجية ـ لأهل الزكاة لأنه اشتري من مالهم.

٢٢٩

ويجوز أن يكفن من الزكاة الموتى ويقضى بها الدين عن الميت ، وباقي الفقهاء يخالفوننا فيه. والحجة لأصحابنا ـ مضافا على اجماعهم ـ قوله ( وفى سبيل الله ) في آية وجوه الصدقة التي ذكرناها. ومعنى سبيل الله الطريق إلى ثواب الله والوصلة إلى التقرب إليه تعالى ، ولما كان ما ذكرنا مقربا إلى الله وموصلا إلى الثواب جاز صرفه فيه.

فان قيل : المراد بقوله ( وفى سبيل الله ) ما ينفق في جهاد العدو.

قلنا : كل هذا مما يوصف بأنه سبيل الله ، وإرادة بعضه لا يمنع من إرادة البعض الاخر.

وقد روى مخالفونا عن ابن عمر أن رجلا أوصى بماله في سبيل الله. فقال ابن عمر : ان الحج من سبيل الله ، فاجعلوه فيه.

ورووا عن النبي عليه‌السلام : ان الحج والعمرة من سبيل الله.

الباب الثالث

( في ذكر من يجب عليه الزكاة وذكر احكام الزكاة كلها )

قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ) (١).

هذا وإن كان خطابا للمؤمنين دون سائر الناس ، فلا يدل على أن الكافر غير متعبد به ، لان الامر المتوجه إليك لا يكون نهيا لغيرك. مع أن جميع المؤمنين لا يجب عليهم الزكاة ، وانما تجب على من يكون حرا يملك النصاب مع شرائطها الاخر المذكورة ، وقد قال الله تعالى ( ويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة ) (٢)

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٧.

(٢) سورة فصلت : ٦ ـ ٧.

٢٣٠

فقد توعدهم على ترك الزكاة الواجبة عليهم لأنهم متعبدون بجميع العبادات ومعاقبون على تركها.

قال الزجاج : معناه ويل للمشركين الذين لا يؤمنون بأن الزكاة واجبة عليهم.

وانما خص الزكاة بالذكر تقريعا لهم على شحهم الذي يأنف منه أهل الفضل.

والصحيح أنه عام في جميع ذلك ، وحسن الاحسان والانعام يعلم على الجملة عقلا.

ولا زكاة واجب في صامت أموال الصبيان ، وتجب فيهما عدا ذلك من أنعامهم وغلاتهم وثمارهم. وبهذا نصوص عن آل محمد عليه وعليهم‌السلام (١) ، ويؤيدها قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ) (٢) ، فخوطب بالزكاة من خوطب بالصلاة ، والصبي غير مخاطب بالصلاة. وقوله ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) (٣) ، والصبي لا يحتاج إلى التطهير ، إذ لا ذنب له ولا تكليف عليه.

فأما زكاة حرثه ونعمه فمأخوذ من قوله ( والذين في أموالهم حق معلوم ) (٤) وقد ثبت أن القرآن لا يتناقض ولا يختلف معانيه ، ولم يكن طريق إلى الملائمة بين معانيه الا على الوجه الذي ذكرناه مع وفاق السنة في ذلك له.

وقوله ( أنفقوا من طيبات ما كسبتم ) يدخل فيه الزكاة المفروضة وغيرها من أنواع النفقة.

وقال عبيدة السلماني والحسن : هي مختصة بالزكاة ، لان الامر على الايجاب ، ولا يجب من الانفاق على الكل الا الزكاة.

وقال الجبائي : هي في التطوع ، لان الفرض من الصدقة له مقدار من القيمة ان قصر كان ذنبا عليه إلى أن يؤديه على التمام.

__________________

(١) انظر الوسائل ٦ / ٥٤.

(٢) سورة النور : ٥٦.

(٣) سورة التوبة : ١٠٣.

(٤) سورة المعارج : ٢٤.

٢٣١

( فصل )

وقوله ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) (١).

عن علي عليه‌السلام والبراء والحسن وقتادة انها نزلت لان بعضهم كان يأتي بالحشف (٢) فيدخله في تمر الصدقة (٣). وقال ابن زيد الخبيث الحرام.

والأول أقوى ، والعموم يستغرقهما ، الا أنه تعالى قال ( أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ) ثم قال ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) يعنى من الذي كسبتم أو أخرجه الله من الأرض ، والحرام ـ وإن كان خبيثا ـ فليس من ذلك غير أنه يمكن أن يراد بذلك ، لأنه لا ينافي السبب.

فأما إذا كان مال المزكى كله رديئا فجائز له أن يعطي منه ولا يدخل فيما نهي عنه ، لان تقدير ما جعله الله للفقير في مال الغنى تقدير حصة الشريك ، فليس لأحد الشريكين أن يأخذ الجيد ويعطي صاحبه الردئ [ لما فيه من الوكس ، فإذا استوى في الرداءة جاز له اعطاء الزكاة من الردئ لأنه حينئذ ] (٤) لم يبخسه حقا هو له كما يبخسه في الأول.

ويقوي القول الأول قوله ( ولستم بآخذيه الا أن تغمضوا فيه ) ، لان الاغماض لا يكون الا في الشئ الردئ دون ما هو حرام.

والأجناس التسعة التي تجب فيها الزكاة تدخل [ تحت قوله ( أنفقوا من طيبات

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٧.

(٢) الحشف اليابس الفاسد من التمر ، وقيل الضعيف الذي لا نوى له ـ النهاية لابن الأثير ( حشف ).

(٣) أسباب النزول للواحدي ص ٥٥.

(٤) الزيادة من ج.

٢٣٢

ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ) ، وكذا الأجناس الخمسة التي يستحب فيها الزكاة تدخل ] (١) تحته.

وعن الصادق عليه‌السلام : ان الآية نزلت في قوم لهم أموال من ربا الجاهلية كانوا يتصدقون منه ، فنهى الله عنه وأمر بالصدقة من الطيب الحلال (٢).

فعليك أيها الناظر في كتابي هذا أن تتدبره ، فان السنة منها جئ ومنها أجئ ، وبيان الكتاب من السنة.

( فصل )

وقوله ( ولستم بآخذيه الا أن تغمضوا فيه ) في معناه قولان : أحدهما أن لا تتصدقوا بما لا تجدونه من غرمائكم الا بالمسامحة والمساهلة ، فالاغماض المساهلة.

والاخر معناه لا تتصدقوا بما لا تأخذونه الا أن تحطوا من الثمن فيه. ومثله قول الزجاج ، أي لستم تأخذونه الا بوكس فكيف تعطونه في الصدقة.

ثم قال إن الله غنى عن صدقاتكم يقبلها منكم ويحمدكم عليها ويجازيكم عليه.

ثم حذر من الشيطان المانع من الصدقة ، فإنه يعدكم الفقر بتأدية زكاتكم ويأمركم بالانفاق من الردئ ، وسماه ( فحشاء ) لان فيه معصية الله. والله يعدكم أن يخلف عليكم خيرا من صدقتكم. وعن ابن عباس : اثنان من الله واثنان من الشيطان.

وقال الصادق عليه‌السلام : للشيطان لمة وللملك لمة (٣) ، فلمة الشيطان وعده بالفقر وأمره بالفاحشة ، ولمة الملك أمره بالانفاق ونهيه عن المعصية.

ثم ذكر تعالى صفة الانفاق ورغب فيه ، فقال ( ان تبدوا الصدقات فنعما هي

__________________

(١) الزيادة ليست في ج.

(٢) البرهان ١ / ٢٥٥ عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

(٣) اللمة ـ بفتح اللام ـ الهمة والخطرة تقع في القلب ، وقيل لمة أي دنو ـ لسان العرب ( لمم ).

٢٣٣

وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) (١).

اعلم أن صدقه التطوع اخفاؤها أفضل لأنه أبعد من الرياء ، والمفروض لا يدخله الرياء ويلحقه تهمة المنع باخفائها فاظهارها أفضل ، عن ابن عباس ، وكذا روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية ، وغير الزكاة ان دفعه سرا فهو أفضل (٢).

وقيل الاخفاء في كل صدقة من واجب وغيره أفضل ـ عن الحسن. وهو الأشبه ، لعموم الآية ، وعليه يدخل اخبارنا على أن الأول حسن ، ونحوه ان اظهار الصلوات الخمس أفضل دفعا للشبهة ، واخفاء النوافل حسن دفعا للرياء.

والزكاة والصدقة يتداخل معناهما ، وان كانت الزكاة وضعت عرفا أولا في الفرض والصدقة في النفل. والابداء الاظهار ، والاخفاء الاسرار.

وقوله ( فنعما هي ) اي نعم شيئا ابداؤها ، فما نكرة وهي في موضع نصب ، لأنه يفسر الفاعل المضمر قبل الذكر في نعم. والابداء هو المخصوص بالمدح ، فحذف المضاف الذي هو الابداء وأقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات ، وهو ( هي ).

( فصل )

وقوله تعالى ( خذ من أموالهم صدقة ) (٣) عن الصادق عليه‌السلام : نزلت هذه الآية في شهر رمضان ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه فنادى في الناس : ان الله قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض عليكم من الذهب

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٤.

(٢) تفسير علي بن إبراهيم ١ / ٩٢ مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(٣) سورة التوبة : ١٠٣.

٢٣٤

والفضة والإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وعفا عما سوى ذلك. ثم لم يتعرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا ، فأمر عليه‌السلام مناديه فنادى : أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. قال : ثم وجه عمال الصدقة (١).

وقد بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها ، فقال له : يا عبد الله عليك بتقوى الله ، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك ، وكن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحق الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فأنزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ، ثم قل لهم : يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لاخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم حق فتؤدوه إلى وليه. فان قال لك قائل لا فلا تراجعه ، وان أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده الا خيرا ، فإذا أتيت ماله فلا تدخله الا باذنه فان أكثره له ، فقل يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك ، فاذن اذن لك فلا تدخل دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ، ثم خيره فان اختار فلا تعرض له ، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه ، فان استقالك فأقله ، ثم اخلطها واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله ، فإذا قبضته فلا توكل به الا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشئ منها. ثم احدر ما اجتمع عندك من كل فأد إلينا نصيره حيث أمر الله ، فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وفصليها ولا يفرق بينهما ولا يصر لبنها فيضر ذلك بولدها ، ولا يجهدنها ركوبا ، وليعدل بينهن في ذلك وليوردهن كل ماء يمر به ، ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطريق حتى تأتينا سجاحا سمانا غير متعبات ولا مجهدات ، فنقسمهن على كتاب الله وسنة نبيه على

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤٩٧.

٢٣٥

أولياء الله ، فان ذلك أعظم لاجرك (١).

فقوله ( خذ من أموالهم صدقة ) أمر منه تعالى بأخذ صدقاتهم على ما تقدم ، وفرض على الأمة حملها إليه لفرضه عليها طاعته ، والامام قائم مقامه فيما فرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من إقامة الحدود والاحكام ، لأنه مخاطب بخطابه في ذلك.

ولما وجد النبي كان الفرض حمل الزكاة [ إليه ، فلما غاب من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة ] (٢) إلى خليفته ، فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه في مقامه من خاصته ، فإذا عدم السفراء بينه وبين رعيته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته ، لان الفقيه أعرف بموضعها ممن لا فقه له.

( فصل )

وقوله تعالى ( ان عدة الشهور عند الله اثنا عشرا شهر ) (٣) قال المبرد يعنى ان السنة للمسلمين على الأهلة لا على ما يعده أهل الكتاب ، فسمى الله كل ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما ـ عند تجدد رؤية الهلال بعد استسراده ـ شهرا ، وسمى كل اثني عشر شهرا سنة وعاما وحولا ، إذ كان لا ينتظم أمر الناس الا بهذا الحساب واجراء الأحوال على مقتضى هذا المثال في جميع الأبواب.

ولما كان سائر الأمم سوى العرب يجعلون الشهر ثلاثين يوما والسنة بحلول الشمس أول الحمل ، وذلك انما يكون بانقضاء ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم ، واليهود والنصارى عبادتهم المتعلقة بالأوقات تجرى على هذا الحساب ، بين الله أنه حكم بأن تكون السنة قمرية لا شمسية وانه تعبد المسلمين بهذا ، فجعل حجتهم وأعيادهم ومعاملاتهم وحساباتهم ووجوب الزكوات عليهم معتبرة بالقمر وشهوره

__________________

(١) نهج البلاغة ٢ / ٢٧ مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(٢) الزيادة من ج.

(٣) سورة التوبة : ٣٦.

٢٣٦

لا بالشمس. فإن كان مع الانسان مال تام النصاب وحال عليه الحول يجب فيه الزكاة وحد حول الحول فيها أنه إذا استهل هلال الشهر الثاني عشر.

والأثمان والانعام لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول.

فأما الغلات فوقت الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ ، وتفصيل ذلك أن وقت وجوب الزكاة في الغلات إذا كانت حبوبا إذا اشتدت ، وفى الثمار إذا بدأ صلاحها.

وعلى الامام أن يبعث سعاته لحفظها في الاحتياط عليها ، كما فعل رسول الله بخيبر.

ووقت الاخراج إذا ديس الحب ونقى وصفى ، وفى الثمر إذا جففت وشمست والمراعى في النصاب مجففا مشمسا.

وقوله تعالى ( وآتوا حقه يوم حصاده ) عن ابن عباس الزكاة العشر أو نصف العشر ، وعن الصادق عليه‌السلام مما تنشر مما يعطى المساكين الضغث بعد الضغث والجفنة بعد الجفنة (١).

وعن السدي الآية منسوخة بفرض العشر ونصف العشر ، لان الزكاة لا تخرج يوم الحصاد ، ولأن هذه الآية مكية وفرض الزكاة نزل بالمدينة ، ولما روي أن الزكاة نسخت كل صدقة. وقال الرماني : هذا غلط ، لان يوم حصاده ظرف لحقه وليس بظرف الايتاء المأمور به.

وقوله ( ولا تسرفوا ) نهي عن وضع الزكاة في غير أهله ، وان من أعطي زكاة ماله الفاسق والفاجر فقد أسرف ووجب عليه الإعادة. قال النبي صلى الله عليه وآله ( المعتدي في الصدقة كمانعها ) (٢). والاسراف مجاوزة حد الحق ، وهو يكون

__________________

(١) تفسير البرهان ١ / ٥٥٦.

(٢) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ٤ / ١٥٨.

٢٣٧

بالتفريط والافراط والتقصير والزيادة.

والخطاب لأرباب المال ، وقيل للسلطان ، وقيل خطاب للجميع ، وهو أعم فائدة.

وروي عن ثابت بن قيس بن شماس انه كان له خمسمائة رأس نخلة ، فصرمها وتصدق بها ولم يترك لأهله منها شيئا ، فنهى الله عن ذلك وبين أنه سرف (١) ، ولذلك قال عليه‌السلام : ابدأ بمن تعول.

والآية الأولى تدل على أن الواجب تعليق الاحكام المتصلة بالشهور والسنين من عبادات وغيرها بهذه الأشهر دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم ، فمن هذا الوجه تعليق الصيام وأخذ الجزية وغيرها بحؤول هذا الحول ، يؤيده قوله ( منها أربعة حرم ) (٢) والعدة اسم المعدود.

( فصل )

وقوله تعالى ( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ) [ أي ما تنفقوا في وجوه البر من مال فلأنفسكم ثوابه ، ثم قال ] (٣) ( وما تنفقون الا ابتغاء وجه الله ) (٤) أخبر تعالى عن صفة المؤمنين انهم لا ينفقون الا طلبا لرضا الله. [ وقيل معناه النهي وإن كان ظاهره الخبر ، أي لا تنفقوا الا طلبا لرضوان الله ] (٥).

ثم قال ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) (٦) قيل هو بدل من قوله ( فلأنفسكم )

__________________

(١) الدر المنثور ٣ / ٤٩.

(٢) سورة التوبة : ٣٦.

(٣) الزيادة من ج.

(٤) سورة البقرة : ٢٧٢.

(٥) الزيادة ليست في ج.

(٦) سورة البقرة : ٢٧٣.

٢٣٨

والأحسن أن يكون العامل محذوفا ، أي النفقة المذكورة للفقراء الذين حبسوا ومنعوا في طاعة الله اما لخوف العدو واما للمرض والفقر واما للاقبال على العبادة.

ثم وصفهم بقوله ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس الحافا ).

ثم حث الناس عليها فقال ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ) أي ينفقون على الدوام إذ لا وقت سواها ( فلهم اجرهم ) (١) أتى بالفاء ليدل على أن الاجر من أجل الانفاق في طاعة الله.

ثم عقب بآية الربا ، ثم قال ( وإن كان ذو عسرة ) (٢) أي ان وقع في غرمائكم فقر فتؤخر إلى وقت يساره. وقال الصادق عليه‌السلام في حد هذا الاعسار : وهو أن لم يقدر على ما يفضل عن قوته وقوت عياله على الاقتصاد ، وهو وأجب في كل دين (٣).

وقال الباقر عليه‌السلام ( إلى ميسرة ) معناه إلى أن يبلغ خبره الامام فيقضي عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في معروف (٤).

( وان تصدقوا ) أي أن تصدقوا على المعسر بما عليه من الدين ( خير لكم ان كنتم تعلمون ) الخير من الشر ، فإن كان الدين على والدك أو على والدتك أو ولدك جاز أن تقضيه عنهم من الزكاة وان لم يجز اعطاء الزكاة إياهم.

وقوله ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ) (٥) فالمن هو ذكر ما ينقص المعروف ، بأن يقول أحسنت إلى فلان وأغنيته

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٤.

(٢) سورة البقرة : ٢٨٠.

(٣) نور الثقلين ١ / ٢٩٧.

(٤) تفسير البرهان ١ / ٢٦٠.

(٥) سورة البقرة : ٢٦٢.

٢٣٩

ونحوه ، والأذى أن يقول أنت أبدا فقير ومن أبلاني بك وأراحني الله منك.

ثم قال ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ) (١) فالمنافق والمنان يفعلان لغير وجه الله فلا يستحقان عليه ثوابا. ولا دليل فيها على أن الثواب الثابت يزول بالمن.

أما قوله ( يسئلونك ما ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين ) (٢) فقال السدى : الآية واردة في الزكاة يستحب سان؟ مصارف الزكاة. والأظهر أن المراد به نفقة التطوع على من لا يجوز وضع الزكاة عنده ولمن يجوز وضع الزكاة عنده ، فهي عامة في الزكاة المفروضة وفي التطوع ، لأنه لا دليل على نسخها.

والآية نزلت في عمرو بن الجموح ، كان شيخا كبيرا ذا مال قال : يا رسول الله بماذا أتصدق وعلى من أتصدق (٣).

ثم قال ( ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو ) (٤) عن الباقر عليه‌السلام العفو ههنا ما فضل عن قوت السنة (٥) ، فنسخ ذلك بآية الزكاة. وعن الصادق عليه‌السلام العفو الوسط (٦) ، أي لا اقتار ولا اسراف.

( فصل )

وقوله ( الذين يلزمون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ) (٧) نزلت في

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٤.

(٢) سورة البقرة : ٢١٥.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٩٠.

(٤) سورة البقرة : ٢١٩.

(٥) تفسير البرهان ١ / ٢١٢.

(٦) نفس المصدر والصفحة.

(٧) سورة التوبة ٧٩.

٢٤٠