فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

( مسألة )

قال الصادق عليه‌السلام في قوله ( لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف ) (١) المعروف القرض (٢).

وقال في قوله ( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ) (٣) هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا ، ثم يدعه لمن يعمل بطاعة الله أو بمعصيته ، فان عمل فيه بطاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له ، وان عمل به في معصيته قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله (٤).

( مسألة )

قال علي عليه‌السلام : قوله ( قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى (٥) ) انه التصدق بصدقة الفطر. وقال : لا أبالي أن أجد في كتابي غيرها لقوله ( قد أفلح من تزكى ) أي أعطاه زكاة الفطرة فتوجه إلى المصلى فصلى صلاة العيد.

( مسألة )

روى أبو سعيد الخدري : كنا نخرج ـ إذا كان فينا رسول الله ـ صاعا من تمر أو طعام أو شعير أو أقط ، فقدم معاوية حاجا فقال : أرى مدين من سمراء الشام (٦)

__________________

(١) سورة النساء : ١١٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٥٨.

(٣) سورة البقرة : ١٦٧.

(٤) تفسر البرهان ١ / ١٧٣.

(٥) سورة الاعلى : ١٤ ـ ١٥.

(٦) السمراء : الحنطة ـ عن الجوهري ( هـ ج ).

٢٦١

يعدل صاعا من تمر (١) ، وذلك في عهد عثمان. فقال علي عليه‌السلام ـ وقد سئل عن الفطرة ـ فقال : صاع من طعام. قيل : أو نصف صاع. قال : بئس الاسم الفسوق بعد الايمان.

( مسألة )

وقال الرضا عليه‌السلام : ان الخمس بعد المؤنة (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : ان الله لما حرم علينا الزكاة أنزل لنا الخمس ، قال الله تعالى ( واعلموا ان ما غنمتم من شئ ) الآية ، فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال (٣).

( مسألة )

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى : انه من أهل هذه الآية ( يسألونك عن الأنفال ) (٤).

وعن علي بن أبي راشد (٥) قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : عندنا لأبي جعفر شئ فكيف نصنع؟ فقال : ما كان لأبي عليه‌السلام بسبب الإمامة فهو لي ، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ١٦٢ بهذا المضمون.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ٣٤٨.

(٣) وسائل الشيعة ٦ / ١٨٧.

(٤) تفسير البرهان ٢ / ٥٩.

(٥) في م ( أبى علي بن راشد ). وانظر تنقيح المقال ٢ / ٢٦٣.

٢٦٢

كتاب الحج

قال الله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) (١).

فأوجب سبحانه بهذه الآية حجة الاسلام وعمرة الاسلام ، لأنه تعالى ، أمر من المكلفين جميع من توجه إليه وجوب الحج أن يتم الحج والعمرة ووجوب الاتمام يدل على أنه واجب ، بل هذا آكد في الايجاب من حجوا واعتمروا ، كما أن ( أقيموا الصلاة ) آكد من صلوا ، و ( آتوا الزكاة ) آكد من زكوا.

وهي واجبة بشروط ثمانية بينها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقوله ( أتموا ) أمر بايقاعهما تامة ، فان نسكها كثيرة ولا يجوز أن يقضى بعضها دون بعض.

وقيل : من دخل في الحج أو العمرة على سبيل التطوع وأحرم فإنه يجب عليه أن يتمه. ومثاله الاعتكاف ، فإنه يستحب للمكلف أن يعتكف في أحد المساجد الأربعة ، فإذا اعتكف فإنه يجب عليه أن يتمه.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

٢٦٣

( فصل )

ولما قرن تعالى العمرة بالحج وأمر باتمامهما وفعلهما أمرا واحدا فهي في الوجوب مرة واحدة كالحج.

والحج في اللغة القصد ، وفى الشرع هو القصد إلى البيت الحرام لأداء مناسك بها مخصوصة في أوقات مخصوصة.

والعمرة في اللغة الزيارة ، وفى الشرع عبارة عن زيارة البيت لأداء مناسك مخصوصة. فان كانت ما يتمتع بها إلى الحج فتكون أيضا في وقت مخصوص ، وإذا كانت مبتولة ففي أي وقت كان من أيام السنة جازت.

وقيل في قوله ( وأتموا الحج والعمرة لله ) أي أقيموها إلى آخر ما فيهما ، وهو المروي عن أمير المؤمنين وزين العابدين عليهما‌السلام (١).

وقوله ( لله ) أي اقصدوا بهما التقرب إلى الله.

( فصل )

وقال تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) (٢).

سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قوله ( من استطاع إليه سبيلا ) فقال : ما يقول فيها هؤلاء؟ قيل : يقولون الزاد والراحلة. فقال عليه‌السلام : قد قيل ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام فقال : هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك مما يقوت به عياله ويستغنى به عن الناس فقد وجب عليه الحج ثم رجع فيسأل الناس بكفه ، لقد هلك إذا. فقيل له : فما السبيل عندك؟ فقال : السعة

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٩٠.

(٢) سورة آل عمران : ٩٧.

٢٦٤

في المال ، وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله.

ثم قال : أليس قد فرض الله الزكاة فلم تجعل الا على من يملك مائتي درهم (١).

وانما أورد عليه‌السلام هذه اللفظة على وجه المثال لا على جهة الحمل ، والأمثلة مما توضح به المسائل ، قال الله تعالى ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) (٢).

( باب في أنواع الحج )

معلوم أن الحج ليس المراد به القصد والحضور فقط ، وانما هو مجمل يحتاج إلى التفصيل كالصلاة ، وتفصيله يدرك بالكتاب والسنة ، والله سبحانه قد بين بعض ذلك كالوقوف والدفع والسعي والطواف كما ذكر في سورة البقرة. وبين أيضا ما يجب أن يمتنع منه كالرفث والفسوق والجدال وقتل الصيد.

والذي يدرك بالسنة فقد بينها رسول الله لقوله ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ).

ثم اعلم أن الحج ضروب ثلاثة : مفرد لأهل مكة ، وقارن لمن حكمه حكم أهل مكة وإن كان منزله خارج مكة من بواديها ، ثم النوعان للفريقين وتمتع لمن نأى من الحرم.

فالافراد فرض ساكني مكة ومجاوريها الذين جاوروا ثلاث سنين فصاعدا لم يجز لهم التمتع ويجوز لهم القران. فأما من كان بحكم حاضري المسجد الحرام فهو كل من كان على اثني عشر ميلا فما دونها إلى مكة من أي جانب كان ، ففرضه الافراد والقران ، ولان يحرم أغنياؤهم فالاقران أولى.

وفرض التمتع عندنا هو اللازم لكل من لم يكن من حاضري المسجد الحرام ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ / ٢٤.

(٢) سورة آل عمران : ٥٩.

٢٦٥

وهو كل من كان على أكثر من اثني عشر ميلا من أي جانب كان إلى مكة. فمن خرج عنها وليس من الحاضرين لا يجوز له مع الامكان غير التمتع ، قال الله تعالى ( فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) الآية (١).

( فصل )

وروي عن ابن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج ، ثم أنزل الله عليه ( وأذن في الناس بالحج ) (٢) الآية ، فأمر المؤذنين أن يؤذنوا على أصواتهم بأن رسول الله يحج من عامه هذا ، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي (٣) والاعراب فاجتمعوا ، فخرج رسول الله في أربع بقين من ذي القعدة ، فلما انتهى إلى ذي الحليفة (٤) فزالت الشمس فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد عند الشجرة (٥) ، فصلى فيه الظهر وأحرم بالحج ـ ثم ساق الحديث إلى أن قال ـ فلما وقف رسول الله بالمروة (٦) بعد فراغه من السعي قال : ان هذا جبريل ـ وأومى بيده إلى خلفه ـ يأمرني ان آمر من لم يسق هديا أن يحل.

ثم قال : ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله. فقال عمر (٧) : أنخرج

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

(٢) سورة الحج : ٢٧.

(٣) العالية الحجاز وما والاها ( هـ ج ).

(٤) ذو الحليفة قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ، ومنها ميقات أهل المدينة ، وهو من مياه جشم ـ معجم البلدان ٢ / ٢٩٥.

(٥) وهي على ستة أميال من المدينة ـ معجم البلدان ٣ / ٣٢٥.

(٦) جبل بمكة بعطف على الصفا. مائل إلى الحمرة ـ معجم البلدان ٥ / ١١٦.

(٧) في م ( فقال عثمان ).

٢٦٦

حجاجا ورؤوسنا تقطر؟ فقال عليه‌السلام : انك لن تؤمن بها أبدا. فقام إليه سراقة فقال : فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل؟ فقال عليه‌السلام : بل هو للأبد إلى يوم القيامة ونزل رسول الله بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزلوا الدور ، فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا بالحج ، وكانت قريش تفيض من المزدلفة ـ وهي جمع والمشعر الحرام ـ ويمنعون الناس أن يفيضوا منها ، فأنزل الله ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) يعنى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في افاضتهم منها ومن كان بعدهم من قريش ، ثم مضى إلى الموقف بعرفات فوقف حتى وقع القرض ـ إلى آخر الحديث (١).

( فصل )

ومما يدل على التمتع بالعمرة إلى الحج هو فرض الله على كل من نأى عن المسجد الحرام ولا يجزيه مع التمكن سواه ـ بعد اجماع الطائفة عليه ـ قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) (٢) ، فأمره تعالى شرعا على الوجوب والفور ، فلا يخلو من أن يأتي بهما على الفور ، بأن يحرم بالحج أو العمرة معا أو يبدأ بالحج ويثنى بالعمرة أو يبدأ بالعمرة ويثنى بالحج ، فالأول يفسد ويبطل ، لان عندنا أنه لا يجوز أن يجمع في احرام واحد بين [ الحج والعمرة كما لا يجمع في احرام واحد بين ] (٣) حجتين أو عمرتين. والقسم الثاني أيضا باطل ، لان أحدا من الأمة لا يوجب على من أحرم بالحج مفردا أن يأتي عقيبه بلا فصل بالعمرة. فلم يبق الا وجوب القسم الأخير الذي ذكرناه ، وهو التمتع الذي ذهبنا إليه.

__________________

(١) الكافي ٤ / ٢٤٤ ـ ٢٤٨ مع تفصيل أكثر مما هنا.

(٢) سورة البقرة : ١٩٦.

(٣) الزيادة من ج.

٢٦٧

فان قيل : قد نهى عمر عن هذه المتعة مع متعة النساء وأمسكت الأمة عنه راضية بقوله.

قلنا : من ليس بمعصوم عن الفعل القبيح لا يدل على قبحه قوله بالنهي عن التمتع ، والامساك عن النكير لا يدل عند أحد من العلماء على الرضا الا بعد أن يعلم أنه لا وجه له الا الرضا.

وروى الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحج. فقال : تمتع دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، لان الله يقول ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) (١) فليس لأحد أن يتمتع الا لحاضري المسجد الحرام ، لان الله تعالى أنزل ذلك في كتابه وجرت السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم قال : انا إذا وقفنا بين يدي الله قلنا يا ربنا عملنا بكتابك وقال الناس رأينا ورأينا ، ويفعل الله بنا وبهم ما أراد. ثم قال : انا لا نتقي أحدا في التمتع بالعمرة إلى الحج واجتناب المسكر والمسح على الخفين (٢).

( فصل )

وسياق التمتع أن يحرم من الميقات بالعمرة في أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة ، ويبلى ثم يدخل مكة فيطوف بالبيت للعمرة ويصلي ركعتي الطواف لها ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر وقد حل.

فيتمتع حينئذ بلبس الثياب ان شاء وعمل كل ما يعمله الحلال (٣) من الطيب

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

(٢) هذا الحديث مركب من ثلاثة أحاديث ذكرها الطوسي في الاستبصار ٢ / ١٥٠ ـ ١٥١ ، الأول والثاني مروى عن الحلبي كما هنا والثالث مروى عن محمد بن الفضل الهاشمي ـ فراجع.

(٣) أي المحل الذي ليس عليه لباس الاحرام.

٢٦٨

والنساء وغيرهما ، الا الصيد لأنه في الحرم إلى أن يحرم بالحج يوم التروية ، فهذه المدة التي بينهما متعة له.

ثم ينشئ احراما آخر بالحج من المسجد الحرام ويلبى ويخرج إلى عرفات ويقف هناك ويفيض إلى المشعر ويقف هناك ، ويغدو منها إلى منى ويذبح الهدي بها مع باقي المناسك يوم النحر ، ثم يأتي مكة يوم النحر أو من الغد لا غير اختيارا ويطوف طواف الزيادة ويصلي ركعتيه ويسعى ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه وقد أحل من كل شئ ، ويعود إلى منى فيبيت ليالي منى بها (١) ويرمي الجمار.

وفرائض الحج المتمتع ثماني عشرة ، يدل عليها ظواهر القرآن وفحواه ، وفرائض الحج القارن والمفرد عشر. ومن أفرد أو قارن فعليه أن يعتمر بعد الفراغ عمرة الاسلام مبتولة من حجه متى شاء.

( باب في تفصيل أفعال الحج المتمتع )

أولها النية ، لان من خرج من بيته قاصدا بيت الله يجب عليه وقت نهوضه أن ينوي أنه يخرج لحجة الاسلام.

ثم هو في قطع الطريق يؤدى الواجبات ، لان ما لا يتم الواجب الا به فهو أيضا واجب ، فإذا بلغ الميقات أحرم به للعمرة التي يتمتع بها إلى الحج ، ونوى ولبس ثوبي الاحرام ولبى أربع كلمات واجبا.

فالدليل على وجوب النية قوله تعالى ( وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) (٢) فهذه الآية تدل على أن النية للحج ولجميع العبادات واجبة ، لان الاخلاص بالديانة هو القربى إلى الله تعالى بعملها مع ارتفاع الشوائب ، والتقريب إليه تعالى

__________________

(١) إلى ليالي التشريق ( هـ ج ).

(٢) سورة البينة : ٥.

٢٦٩

لا يصح الا بالعقد عليه والنية له ببرهان.

والنية إرادة مخصوصة محلها القلب ، وبين عليه‌السلام ذلك بقوله ( انما الأعمال بالنيات ) (١).

وأما الاحرام فريضة من تركه متعمدا فلا حج له. فإذا أراد الاحرام تنظف واتزر بثوب وتوشح بآخر أو ارتدى به ، ولا يلبس مخيطا.

وروى عن ابن مسعود أنه لقي رجلا محرما وعليه ثيابه القميص والسروال ، فقال له : انزع هذا عنك. فقال الرجل : اقرأ علي آية في هذا من كتاب الله. فقرأ عليه قوله تعالى ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).

والآية عامة في كل ما أتى رسول الله وما نهى عنه وإن كان أمر النبي متصلا به ، ولا خلاف بين الفقهاء أن الآية إذا نزلت في أمر لا تكون مقصورة عليه.

( فصل )

وقوله تعالى ( وأذن في الناس بالحج ) (٢) الآية.

عن ابن عباس ان إبراهيم عليه‌السلام قام في المقام فنادى : يا أيها الناس ان الله قد دعاكم إلى الحج. فأجاب الحاضرون : بلبيك لبيك اللهم لبيك لبيك.

والشئ إذا علم أنه كان في شرع ولم ينسخ فهو على ما كان.

وقال مجاهد : نزل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ) (٣) حين سألوا عن أمر الحج لما أنزل الله ( ولله على الناس حج البيت ) فقالوا : في كل عام؟ قال : لا ولو قلت نعم لوجبت (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ٣٤.

(٢) سورة الحج : ٢٧.

(٣) سورة المائدة : ١٠١.

(٤) الدر المنثور ٢ / ٣٣٥.

٢٧٠

وقال ابن عباس : كان رجل مطعون في نسبه يقال له عبد الله فقال : يا رسول الله من أبي؟ فقال عليه‌السلام : حذافة ، فنزلت الآية (١).

وكأن السؤال الأول والثاني وقعا في مجلس واحد ، فخاطب الله المؤمنين بهذه الآية ونهاهم عن مسألة الأشياء التي إذا ظهرت ساءت وأحزنت من أظهرت له.

وروي عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنه قال : ان الله فرض الحج على أهل الجدة (٢) في كل عام ، وذلك قوله ( ولله على الناس حج البيت ). فقال أخوه علي بن جعفر : قلت ومن لم يحج منا فقد كفر؟ [ قال : لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر ] (٣).

ومعناه أنه يجب على أهل الجدة في كل عام على طريق البدل ، لان من وجب عليه الحج في السنة الأولة فعلى هذا في كل سنة إلى أن يحج [ ولم يعن عليه‌السلام وجوب ذلك عليهم في كل عام على طريق الجمع ] (٤). ونظير ذلك ما نقوله في وجوب الكفارات الثلاث من أنه متى لم يفعل واحدة منها فانا نقول إن كل واحدة منها له صفة الوجوب ، فإذا فعل واحدة منها خرج الباقي من أن يكون واجبا ، فكذلك القول فيما تضمن هذا الحديث. والمراد بقوله ( ولله على الناس حج البيت ) الامر دون الخبر ، كقوله ( ومن دخله كان آمنا ) (٥) فان معناه الامر أيضا ، اي أمنوه ، لأنه لو كان خبرا لكان كذبا.

__________________

(١) الدر المنثور ٢ / ٣٣٦.

(٢) الجدة الغنى والثروة ، يقال : وجد في المال وجدا وجدة ، أي استغنى.

(٣) الزيادة من م ، والحديث مع الزيادة في الاستبصار ٢ / ١٤٩.

(٤) الزيادة من ج.

(٥) سورة آل عمران : ٩٧.

٢٧١

( فصل )

ومن أحرم بالحج أو بالعمرة التي يتمتع بها إلى الحج في غير أشهر الحج ـ وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ـ لم ينعقد احرامه.

والحجة لنا ـ بعد الاجماع المكرر ـ قوله تعالى ( الحج أشهر معلومات ) ١ ، ومعنى ذلك وقت الحج أشهر معلومات ، لان الحج نفسه لا يكون أشهرا. والتوقيت في الشريعة يدل على اختصاص الموقت بذلك الوقت وانه لا يجزي الا في وقته.

فان تعلق المخالف بقوله ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) (٢) وان ظاهر ذلك يقتضي أن الشهور كلها متساوية في جواز الاحرام فيها.

الجواب : ان هذه الآية عامة نخصصها بقوله ( الحج أشهر معلومات ) ، ونحمل لفظ ( الأهلة ) على أشهر الحج خاصة.

على أن أبا حنيفة لا يمكنه التعلق بهذه الآية ، لان الله تعالى قال ( مواقيت للناس والحج ) ، والاحرام عنده ليس من الحج.

وقد أجاب بعض الشفعوية (٣) عن التعلق بهذه الآية بأن قال ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ) أي لمنافعهم وتجاراتهم. ثم قال ( والحج ) فاقتضى ذلك أن يكون بعضها لهذا وبعضها لهذا ، وهكذا نقول. ويجري ذلك مجرى قولهم ( هذا المال لزيد وعمرو ) أن الظاهر يقتضى اشتراكهما فيه.

وهذا ليس بمعتمد ، لأن الظاهر من قوله ( للناس والحج ) يقتضي أن يكون

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٧.

(٢) سورة البقرة : ١٨٩.

(٣) يريد أصحاب الشافعي أحد أئمة المذاهب الأربعة عند السنة.

٢٧٢

جميع الأهلة على العموم لكل واحد من الامرين ، وليس كذلك قولهم ( المال لزيد وعمرو ) ، لأنه لا يجوز أن يكون جميع المال لكل واحد منهما ، فوجب الاشتراك لهذه العلة. وجرت الآية مجرى أن نقول ( هذا الشهر أجل لدين فلان ودين فلان ) في أنه يقتضي كون الشهر كله أجلا للدينين جميعا ولا ينقسم لانقسام المال ، فوجب أن لا يكون الاشتراك لهذه العلة.

( فصل )

والطواف بالبيت فريضة ، وهو سبعة أشواط ، يتبدأ به من عند الحجر الأسود ، قال تعالى ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين ) (١) والطائف الدائر حول الكعبة. وقال ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) (٢) وقال ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) (٣) وقال ( أرنا مناسكنا ) (٤) قال قتادة : أراهما الله الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وغير ذلك من أعمال الحج والعمرة.

وقال تعالى ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) (٥). قال الشعبي وقتادة : أمروا أن يصلوا عنده ، وهو المروى في اخبارنا (٦). وبذلك يستدل على أن صلاة الطواف فريضة مثل الطواف ، لان الله أمر بذلك ، والامر في الشرع يقتضى الايجاب ، وليس ههنا صلاة يجب أداؤها عنده غير هذه.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٢٥.

(٢) سورة الحج : ٢٩.

(٣) سورة البقرة : ١٢٨.

(٤) سورة البقرة : ١٢٨.

(٥) سورة البقرة : ١٢٥.

(٦) انظر تفسير البرهان ١ / ١٥١ ـ ١٥٢.

٢٧٣

وقال تعالى ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم ) (١) الآية. قال مجاهد : انما ذكر اللباس ههنا لان المشركين كانوا يتعرون في الطواف حتى تبدو سوآتهم.

وقوله تعالى ( قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها ) (٢) هو التعري في الطواف ، كانوا يقولون لا نخدم الله في ثياب أذنبنا فيها. ويقال أيضا بالتعري من الذنوب.

وكانت المرأة تطوف أيضا عريانة الا أنها تشد في حقوها (٣) سيرا.

( فصل )

السعي بين الصفا والمروة فرض عندنا في الحج والعمرة ، وبه قال الحسن وعائشة والشافعي ، قال الله ( ان الصفا والمروة من شعائر الله ) (٤).

وهما جبلان معروفان بمكة ، وهما من الشعائر أي معالم الله. وشعائر الله اعلام متعبداته من موقف أو مسعى أو منحر ، مأخوذ من ( شعرت به ) أي علمت ، وكل معلم لعبادة من دعاء أو صلاة وأداء فريضة فهو مشعر لتلك العبادة (٥).

وانما قال ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) (٦) وهو

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٦.

(٢) سورة الأعراف : ٣٣.

(٣) الحقو : الخصر ومشد الإزار ـ صحاح اللغة ٦ / ٢٣١٧.

(٤) سورة البقرة : ١٥٨.

(٥) قال ابن فارس : الشين والعين والراء أصلان معروفان ، يدل أحدهما على ثبات والاخر على علم وعلم ـ بسكون اللام وفتحه ـ .. ومشاعر الحج مواضع المناسك ، سميت بذلك لأنها معالم الحج ، والشعيرة واحدة الشعائر ، وهي أعلام الحج وأعماله. ويقال الشعيرة أيضا البدنة تهدى ـ معجم مقاييس اللغة ٣ / ١٩٣.

(٦) سورة البقرة : ١٥٨.

٢٧٤

طاعة ، من حيث أنه جواب لمن توهم أن فيه جناحا لصنمين كانا عليهما أحدهما أساف والاخر نائلة ، وروي ذلك عنهما عليهما‌السلام (١) ، وكان ذلك في عمرة القضاء ولم يكن فتح مكة بعد ، وكانت الأصنام على حالها حول الكعبة.

وقال قوم : سبب ذلك أن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بينهما ، فكره المسلمون ذلك خوفا أن يكون من أفعال الجاهلية ، فأنزل الله ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ).

وقال آخرون على عكس ذلك ، وذكروا أن أهل الجاهلية كانوا يكرهون السعي بينهما ، فظن قوم أن في الاسلام مثل ذلك ، فأنزل الله الآية.

وجملته أن في الآية ردا على جميع ما كرهه من كرهه لاختلاف أسبابه على الأجوبة الثلاثة.

( فصل )

قوله تعالى ( ومن تطوع خيرا فان الله شاكر ) (٢) لا يدل على أن السعي بين الصفا والمروة مستحب متطوع ، لان معناه ومن تطوع خيرا بالصعود على الصفا والمروة فهو المجازى بالثواب على تطوعه ، وفيمن لم يصعد ولم يقف على رؤوسهما وسعى وطاف بينهما من طرف هذا إلى طرف تلك ومن طرف تلك إلى طرف هذا هكذا سبعا فقد أدى الواجب فلا جناح عليه.

وقال انس وعطا ان جميع ذلك تطوع ، وبه قال أبو حنيفة. وعندنا ان من ترك الطواف بينهما متعمدا فلا حج له حتى يعود ويسعى ، وبه قالت عائشة والشافعي.

وقال أبو حنيفة ان عاد فحسن والا جبره بدم. وقال عطا ومجاهد يجزيه ولا شئ عليه.

وقال المفسرون في معنى قوله ( ومن تطوع خيرا ) ثلاثة أقوال : أولها من

__________________

(١) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ـ انظر تفسير البرهان ١ / ١٦٩.

(٢) سورة البقرة : ١٥٨.

٢٧٥

تطوع خيرا أي الحج أو العمرة بعد الفريضة ، والثاني ومن تطوع خيرا أي بالطواف بهما عند من قال إنهما نفل ، والثالث ومن تطوع خيرا بعد الفرائض كمن طاف بالبيت الطوافات النافلة بعد الفراغ من مناسك الحج. وهذا هو الأولى لأنه أعم.

وقال الجبائي : التقدير فلا جناح عليه ان يطوف بهما ، وهو غير صحيح ، لان الحذف يحتاج إلى دليل.

والفرق بين الفرض والتطوع ان الفرض يستحق بتركه الذم والعقاب ، والتطوع لا مدخل لهما في تركه.

وعن الصادق عليه‌السلام : ان آدم الصفي نزل على الصفا وحواء على المروة ، وهي مرأة تسميا بهما (١).

والتقصير بعد الفراغ من هذه العمرة واجب ، قال تعالى ( محلقين رؤوسكم ومقصرين ) (٢).

( فصل )

وإذا كان يوم التروية وقد فرغ من العمرة التي يتمتع بها إلى الحج وأراد الاحرام للحج وهو واجب نوى وأحرم عند مقام إبراهيم ولبى. وكل هذه الثلاثة واجب ، يدل عليه الآيات التي تلوناها من قبل ، وقال تعالى أيضا ( ما آتاكم الرسول فخذوه ).

ويتوجه إلى عرفات ، فإذا زالت الشمس بها [ وقف هناك بعد الظهر والعصر إلى غروب الشمس ، وهذا الموقف فريضة ] (٣) في الحج ، قال تعالى ( ثم أفيضوا

__________________

(١) تفسير البرهان ١ / ١٦٩ ، والمنقول هنا مختصر فيه.

(٢) سورة الفتح : ٢٧.

(٣) الزيادة من ج.

٢٧٦

من حيث أفاض الناس ) (١). كانت قريش في الجاهلية لا تخرج إلى عرفات ويقولون لا نخرج من الحرم ، وكانوا يقفون يوم عرفة بالمشعر الحرام وليلة العيد أيضا بها ، وكان الناس الذين يحجون غيرهم يقفون بعرفات يوم عرفة كما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق يفعلون ، فأمر الله أن يقف المسلمون كلهم يوم عرفة بعرفات ويفيضوا منها عند الغروب إلى المشعر بقوله تعالى ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) ، والإفاضة منها لا يمكن الا بعد الوقوف أو الكون بها.

( فصل )

وقوله ( فإذا أفضتم من عرفات ) (٢) بين تعالى فرض الموقفين عرفات والمشعر ، أي إذا دفعتم من عرفات بعد الاجتماع بها فاذكروا الله عند المشعر الحرام.

أوجب الله على الحاج كلهم أن يذكروا الله بالمشعر ، لان الامر شرعا على الوجوب ، ولا يجوز أن يوجب الذكر فيه الا وقد أوجب الكون فيه ، ففي هذا دلالة على أن الوقوف بالمشعر الحرام ليلة العيد فريضة كما ذهبنا إليه. وتقدير الكلام : فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله فيه ، اي اذكروه تعالى بالثناء والشكر حسب نعمائه عليكم بالهداية ، فان الشكر يجب أن يكون على حسب النعمة في عظم المنزلة كما يجب أن يكون على مقدارها لو صغرت النعمة ، ولا يجوز التسوية بين من عظمت نعمته ومن صغرت نعمته ، يعنى اذكروه ذكرا فيه بمثل هدايته إياكم [ وان كنتم قبل محمد وقبل الهدى لمن الضالين عن النبوة والشريعة هداكم إليه ] (٣).

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٩.

(٢) سورة البقرة : ١٩٨.

(٣) الزيادة من م.

٢٧٧

فان قيل : ثم للترتيب متراخيا ، فما معنى الترتيب بين قوله ( واذكروا الله عند المشعر الحرام ) وبين قوله ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) ، ولا خلاف أن الوقوف بعرفات مقدم على الوقوف بالمشعر.

قلنا : هذا يوجب الترتيب في الاخبار بهما لا بالعمل فيهما ، ونحوه قوله تعالى ( ثم كان من الذين آمنوا ) (١) بعد قوله ( أو اطعام في يوم ذي مسغبة ) (٢) ، ولا خلاف ان الايمان يجب أن يكون قبل الاطعام.

وقد روى أصحابنا أن ههنا تقديما وتأخيرا ، وتقديره ، ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واستغفروا الله ان الله غفور رحيم (٣).

وأجاب المتأولون بأن قالوا : رتبت الإفاضة بعد المعنى الذي دل الكلام الأول عليه ، كأنه قيل احرموا بالحج على ما بين لكم ثم أفيضوا يا معشر قريش من حيث أفاض الناس بعد الوقوف بعرفة.

وهذا قريب مما قلناه ، وانما عدل من تأوله على الإفاضة من مزدلفة لأنه رآه بعد قوله ( فإذا أفضتم من عرفات ) قال : فأمروا ان يفيضوا من المزدلفة يوم الوقوف بها كما أمروا بعرفة. وما قدمناه هو التأويل المختار.

فإذا أصبح يوم النحر صلى الفجر ووقف للدعاء بالمشعر إلى طلوع الشمس ، ثم يفيض إلى منى لأداء المناسك بها كما بينها رسول الله ، لقوله ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ).

__________________

(١) سورة البلد : ١٤ ـ ١٧.

(٢) سغب الرجل ـ بكسر الغين ـ جاع ، ويوم ذو مسغبة أي ذو المجاعة ـ لسان العرب ( سغب ).

(٣) انظر في ذلك مجمع البيان ١ / ٢٩٦.

٢٧٨

( فصل )

والهدي واجب على المتمتع بالعمرة إلى الحج ، ومن لم يقدر عليه وجب عليه صيام عشرة أيام ، قال تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) (١) ، فالهدي على الحاج المتمتع واجب بلا خلاف لظاهر القرآن ، وخالفوا في أنه نسك [ أو جبران ، والصحيح أنه نسك ] (٢) ، وكذلك هو عندنا.

فإن لم يجد الهدي ولا ثمنه صام ثلاثة أيام متتابعة في أول ذي الحجة رخصة.

ووقت صومها يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فان فاتته صام ثلاثة أيام بعد أيام التشريق في شوال متتابعة وصام سبعة الأيام إذا رجع إلى أهله. وهذا أصح من قول من قال إذا رجع عن حجه في طريقه.

وقوله ( تلك عشرة كاملة ) عن أبي جعفر عليه‌السلام أن المعنى كاملة من الهدي ، إذ وقعت بدلا منه استكملت ثوابه (٣).

ثم أنه لإزالة الابهام ، لئلا يظن أن الواو بمعنى أو ، كأنه قال : فصيام ثلاثة أيام في الحج أو سبعة أيام إذا رجعتم ، كقوله ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) (٤).

( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجدي الحرام ) أي ما تقدم ذكره من التمتع بالعمرة إلى الحج ليس لأهل مكة ومن يجري مجراهم ، وانما هو لمن لم يكن من حاضري مكة.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

(٢) الزيادة من ج.

(٣) تفسير البرهان ١ / ١٩٧ عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام.

(٤) سورة النساء : ٣.

٢٧٩

وقال تعالى ( ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله ) (١).

يجب على كل من حج أو يوفر شعر رأسه من أول ذي القعدة إلى يوم النحر بمنى فيحلقه هناك. والمعنى لا تزيلوا شعر رؤوسكم حتى ينتهي الهدي إلى المكان الذي يحل نحره فيه ، وهو منى.

وقال تعالى ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) (٢) عن ابن عباس انه تعالى أمر بمناسك الحج الوقوف بعرفة والمشعر والإفاضة ورمي الجمار والطواف والسعي وغير ذلك من مناسكه ( فأتمهن ) أي وفى بهن.

والابتلاء الاختبار ، وهو مجاز ، يعنى أنه تعالى يقابل العبد مقابلة المختبر الذي لا يعلم ، لأنه تعالى لو جازاهم بعلمه فيهم كان ظلما لمن أدخله النار.

وعلى هذا قوله تعالى ( والفجر * وليال عشر ) (٣). عن ابن عباس وحسن وجماعة الليالي العشر هي العشر الأول من ذي الحجة ، شرفها الله ليسارع الناس فيها إلى عمل الخير واتقاء الشر. والشفع يوم النحر ، والوتر يوم عرفة. ووجه ذلك أن يوم النحر مشفع بيوم بعده.

ولا يجوز للمتمتع مع الامكان طواف الحج وركعتاه والسعي بين الصفا والمروة للحج الا في هذين اليومين ، فالطواف للحج وركعتاه والسعي له وطواف النساء وركعتاه فهذه الخمسة كلها فريضة ، وقد بينها رسول الله لقوله ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) وقال ( ما آتاكم الرسول فخذوه ).

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

(٢) سورة البقرة : ١٢٤.

(٣) سورة الفجر : ١ ـ ٢.

٢٨٠