لأنّه إثبات مقدّمة ممنوعة من مقدّمات المطلوب ، وليس مثله انتقالا ممنوعا ، وإلاّ كان منع علّيّة العلّة ، أو وجودها في الأصل أو الفرع قطعا ، وليس به قطعا.
نعم ، لو رآه المستدلّ قطعا فهو قطع ؛ إلزاما له بمذهبه. وبه يظهر ضعف ما قيل أيضا : إنّه قطع لو كان ظاهرا ، وإلاّ فلا (١).
وقيل : يتبع في ذلك عرف المكان (٢) ؛ لأنّه أمر وضعيّ يختلف عند الطوائف. وهو أيضا كما ترى.
ثمّ المختار أنّ مجرّد الدلالة من المستدلّ على إثبات المقدّمة الممنوعة ليس قطعا للمعترض ، بل له أن يعترض ، ووجهه ظاهر.
النوع الثاني : التقسيم ، وهو كون اللفظ متردّدا بين أمرين : أحدهما ممنوع فيمنعه. والآخر مسلّم فيصرّح بتسليمه ؛ لعدم الضرر ، أو سكت عنه ؛ لعدم الضرورة. وحاصله أنّه منع بعد تقسيم. وهو لا يختصّ بحكم الأصل ، بل يجري في جميع المقدّمات القابلة للمنع. ولقبوله شرطان :
أحدهما : تساويهما بالنسبة إلى اللفظ ، فلو كان ظاهرا في أحدهما دون الآخر لم يكن للتقسيم معنى.
وثانيهما : أن يكون منعا لما يلزم المستدلّ بيانه. مثاله في الصحيح الحاضر إذا فقد الماء : وجد سبب التيمّم ـ وهو تعذّر الماء ـ فساغ التيمّم ، فيقول المعترض : السبب تعذّر الماء مطلقا ، أو تعذّر الماء في السفر أو المرض ، والأوّل ممنوع. وله السكوت بعد ذلك ، أو يضيف « وغيره مسلّم » ولكنّه لم يوجد في الفرع ، فلا يتمّ المطلوب.
ولو كان منعا لما لا يلزمه بيانه لم يكن مقبولا ، كما لو قال في القاتل العامد الملتجئ إلى الحرم : وجد سبب استيفاء القصاص ، فيجب استيفاؤه ، فيورد : متى هو سبب؟ مع مانع الالتجاء ، أو عدمه؟ والأوّل ممنوع. وإنّما لم يقتل ؛ لأنّ حاصله طلب عدم كون الالتجاء مانعا. والمستدلّ لا يلزمه بيانه ، بل يلزم على المعترض بيان كونه مانعا.
__________________
(١) نسبه الآمدي إلى أبي إسحاق الإسفرائيني في الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٨٠.
(٢) نسبه الآمدي إلى الغزالي في المصدر.