بل هو حقيقة في القول ، مجاز في الفعل ، كما ثبت في محلّه.
والقول بأنّه وإن سلّم الاشتراك لكنّ المشترك لا يحمل على كلا معنييه (١) ، ضعيف عندنا ؛ لما تقدّم في موضعه (٢).
وعن الثاني : بأنّ الإطاعة لا تكون إلاّ بفعل ما أمر به ، وليس للفعل مدخليّة في ذلك إلاّ أن يقترن به قول يقتضي التأسّي به.
و [ الجواب ] عن الثالث : بأنّ المتبادر من ( ما آتاكُمُ ) ما أمركم به بقرينة قوله : ( وَما نَهاكُمْ ).
هذا ، واحتجّ الخصم (٣) ، بأنّه لمّا جاز اختلاف تكليف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والامّة ، وعلم اختصاصه صلىاللهعليهوآلهوسلم بخصائص لا يشترك فيها غيره ، فكلّ ما فعله يحتمل أن يكون منها وإن علم جهته بالنسبة إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيكون حكمه بالنسبة إلينا كما لم يعلم جهته.
وجوابه : أنّ هذا الجواز بالنظر إلى العقل. وأمّا السمع ، فقد دلّ على عموم ثبوت التأسّي به ، واشتراك الامّة معه فيما يفعله إذا علم وجهه ـ كما ذكر ـ خرج ما صرّح باختصاصه صلىاللهعليهوآلهوسلم به ، ويبقى الباقي داخلا فيه ، ولو لا ذلك لزم طرح جميع النصوص المذكورة ، وهو باطل.
ثمّ إنّ النصوص المذكورة كما تدلّ على ثبوت التأسّي واشتراك الامّة معه في الفعل المعلوم جهته من الوجوب والاستحباب ، تدلّ عليه في ترك الفعل [ المعلوم ](٤) صفته من الحرمة والكراهة ، فكلّ ترك صدر منه وعلم أنّ فعله حرام أو مكروه ، فالامّة مثله في ذلك.
وإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الفروع لهذه الصورة كثيرة ، كالحكم باستحباب التباعد عن الناس بحيث لا يرى عند التخلّي ؛ تأسّيا بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ير قطّ على بول ولا غائط (٥) ، وقد علم بالقرائن أنّ التباعد بهذا النحو لم يكن واجبا عليه صلىاللهعليهوآله.
وبكراهة استصحاب ما عليه اسم الله ، كخاتم ومصحف عنده ؛ لوضع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتمه
__________________
(١) نسبه البصري إلى القيل في المعتمد ١ : ٣٤٩.
(٢) في ص ٤٥.
(٣) أي من لم يقل بثبوت التأسّي فيما علم جهته.
(٤) اضيف بمقتضى السياق.
(٥) الآيات المتقدّمة آنفا.