إنّ الله غفر لنبيّه ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وليس سبيله سبيل غيره؟ فأخبرت رسول الله صلىاللهعليهوآله فأنكر ذلك ، وقال : « إنّي أرجو أن أكون أخشاكم » (١).
ولا ريب أنّ جهة الفعل هنا كانت ظاهرة ؛ لأنّه لا يتحمّل سوى الإباحة.
ولنا أيضا : قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ )(٢) ، ولو لا تشريك الامّة معه ، لما أدّى تزويجه إلى ذلك.
لا يقال : الاحتجاج به يتوقّف على العلم بوجه تزويجه صلىاللهعليهوآلهوسلم من الوجوب والندب والإباحة ، ولا يعلم ذلك منه ؛ لأنّ (٣) نفي الحرج عن فعل يحتمل الأحكام الثلاثة ـ مع عدم التعرّض لإثبات الوجوب والندب ـ يقتضي إباحته ، فوجه تزويجه يكون معلوما ، وهو الإباحة.
وأيضا لا ريب أنّه يفهم منه التشريك ، وهو يقتضي أن يفعل الامّة مثل فعله ؛ إذ لا معنى لتشريك الله العباد لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في فعل إلاّ أن يطلب منهم الفعل على الوجه الذي طلب منه ، وبه يثبت المطلوب.
وقد احتجّ بعض من وافقنا (٤) بقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ )(٥) ، والأمر يطلق بالاشتراك على الفعل والقول.
وبقوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )(٦) ، والإطاعة كما تتحقّق بامتثال القول ، فكذا تتحقّق بالتأسّي في فعله ، والأمر للوجوب.
وبقوله : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )(٧) ، وما فعله فقد آتانا ، والأمر للوجوب.
والحقّ : أنّ الاحتجاج بها لا يتمّ ؛ لأنّه يمكن الجواب عن الأوّل بعدم تسليم الاشتراك ،
__________________
(١) صحيح البخاري ، ٢ : ٦٨٠ ، ح ٨٢٦ بتفاوت ، وصحيح مسلم ٢ : ٧٧٩ ، ح ٧٤ / ١١٠٨.
(٢) الأحزاب (٣٣) : ٣٧.
(٣) هذا بمنزلة قوله : « لأنّا نقول » أي هو تعليل للنفي لا المنفيّ.
(٤) كابن سريج وأبي سعيد الاصطخري وابن أبي هريرة وأبي عليّ بن خيران والحنابلة وجماعة من المعتزلة كما في نهاية الوصول إلى علم الأصول ، للعلاّمة الحلّي ٢ : ٥٣٤.
(٥) النور (٢٤) : ٦٣.
(٦) النساء (٤) : ٥٩.
(٧) الحشر (٥٩) : ٧.