والحقّ أنّه حجّة معمول به ؛ لأنّه يفهم منه اعتراف العدل به ، فهو في حكم قراءته (١) ، إلاّ أنّ نفسه (٢) أرجح لما ذكر ، ولصحيحة (٣) عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام (٤).
ويقول الراوي حينئذ : « قرأت على فلان وقد أقرّ به » ، أو « أخبرنا » أو « حدّثنا قراءة عليه » (٥) وبدون القيد أيضا على رأي جماعة (٦) ، سيّما الأوّل. ومنعه آخرون (٧) ؛ لأنّ المتبادر منهما عند الإطلاق تحديث الشيخ بلفظه ، وسماعه منه (٨).
والحقّ جوازه ؛ لأنّا سلّمنا أنّ المعنى الحقيقيّ لهذين اللفظين ما ذكر ، إلاّ أنّه يمكن إرادة المعنى المجازي أيضا وهو الاعتراف بما قرأه عليه ، فإنّه يشابه الحقيقي في المعنى.
ونظيره جواز الشهادة بالبيع في صورة سماع لفظة « بعت » من البائع ، وفي صورة قراءة كتاب البيع عليه والاعتراف بمضمونه ، وإن لم يسمع منه هذه اللفظة.
ثمّ جواز استعمالهما (٩) فيه مقيّدين بقوله : « قراءة عليه » ممّا اتّفق عليه أهل الحديث ، إلاّ المرتضى ، فإنّه منعه في الذريعة ؛ حيث قال فيها :
|
وأمّا قول بعضهم : يجب أن يقول : حدّثني قراءة عليه حتّى يزول الإبهام ، ويعلم أنّ لفظة « حدّثني » ليست على ظاهرها ، فمناقضة ؛ لأنّ قوله : « حدّثني » يقتضي أنّه سمعه من لفظه وأدرك نطقه به ، وقوله « قراءة عليه » يقتضي نقيض ذلك ، فكأنّه نفى ما أثبت (١٠). |
ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّ انضمام لفظ إلى آخر يعيّن إرادة المعنى المجازي أمر شائع ، ولو
__________________
(١) أي قراءة العدل ، والمراد من العدل هنا هو الشيخ.
(٢) أي نفس اعتراف العدل. والمراد أنّ السماع من الشيخ أرجح من القراءة على الشيخ. والمراد من « ما ذكر » هو كون الشيخ أعرف بوجوه تأدية الحديث.
(٣) تعليل ثان لقوله : « حجّة معمول به » لا لقوله : « أرجح ».
(٤) الكافي ١ : ٥١ ، باب رواية الكتب والحديث ، ح ٥.
(٥) قيد لقوله : « أخبرنا » و « حدّثنا » كليهما.
(٦) نسب إلى المشهور في مقدّمة ابن الصلاح : ١٠٠ ، ونسب إلى عدّة في فائق المقال : ٣٤.
(٧) راجع نهاية الوصول إلى علم الأصول ٣ : ٤٣٥.
(٨) في مقدّمة ابن الصلاح : ١٠٠ نسب إلى أهل الحديث وقال : « قيل : إنّه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي ».
(٩) أي « أخبرنا » و « حدّثنا ».
(١٠) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٦٠.