وبالجملة ، الحقّ عدم اشتراط الإيمان ، والآية لنا لا علينا ؛ لأنّه تعالى أمر بالتثبّت عند خبر الفاسق ، وهو الفحص والتفتيش حتّى يظهر الصدق أو الكذب ، وهو كما يكون عن حال الخبر ـ بأن يستعلم كيفيّته عن مخبر آخر ، أو القرائن الخارجيّة ـ فكذا يكون عن حال المخبر بأن يستعلم حاله في الصدق والكذب ، فإن ظهر أنّه ثقة ، متحرّز عن الكذب ، يظنّ صدق الخبر بدلالة التبيّن ، وهو المطلوب.
وتخصيص التبيّن بالأوّل لا دليل عليه.
فإن قلت : على هذا يلزم قبول رواية الكافر إذا كان متحرّزا عن الكذب بعين ما ذكرت.
قلت : نعم ، إلاّ أنّه مخصّص بالإجماع ، وعمل الطائفة.
فإن قلت : على ما ذكرت يلزم جواز جمع التوثيق والتفسيق ، وهو يوجب عدم الوثوق بعدالة أكثر الموثّقين من أصحابنا.
قلت : توثيق أرباب الرجال مساوق للتعديل ، مع أنّ الفائدة في معرفتهم ليست إلاّ العلم بصدقهم أو كذبهم ، فإذا علم صدقهم من الإيمان والتوثيق ، فلا يهمّنا معرفة حالهم في باقي صفاتهم ، ولا يثمر لنا فائدة أصلا.
ويمكن الجواب عن الآية بمنع صدق الفاسق على المخطئ في بعض الاصول بعد بذل جهده ؛ نظرا إلى العرف المتأخّر (١) ، وحينئذ يثبت من المفهوم قبول رواية المخطئ في بعض الاصول إذا كان مسلما ، وردّ روايته إذا كان كافرا ، والفارق هو الإجماع.
ومنها : العدالة ، وهي في الأصل تعديل القوى النفسانيّة وتقويم أفعالها بحيث لا يغلب بعضها (٢) ؛ فإنّها لمّا كانت كالمتناقضة كانت الفضيلة في تعديلها ، فيحصل من تعديل القوّة العاقلة فضيلة الحكمة ، ومن تعديل القوّة الشهويّة فضيلة العفّة ، ومن تعديل القوّة الغضبيّة فضيلة الحلم (٣) والشجاعة ، وإذا حصلت هذه الفضائل ، تحصل منها ملكة هي تمام
__________________
(١) أي في معنى الفسق.
(٢) في « ب » : « بعضها على بعض ».
(٣) لم يرد في « ب » : « الحلم ».